تناولت جويس أحدى التحف القديمة وقلبتها بين يديها بأعجاب , فتولت لورا شرح مصدر القطعة وثمنها , وأثر ذلك قالت في نفسها أنها صارت تعشق كل زاوية من هذا المنزل , وأنها بالتالي لن تتخلى عن ذرة مما حظيت به ولن تتراجع عن الأحتفاظ برالف قيد أنملة دون معركة طاحنة .... أما أذا ثبت لها أن رالف ما يزال يحب جويس فعلا , فالأمر يختلف , وعندها سترضى بالطلاق من أجل سعاد الرجل الذي تحب ومن أجل سعادة شقيقتها , فلورا لا تتوانى عن فعل ما يسعد حبيبها ولو كان ذلك يؤدي الى شقائها والى ابعاد عمن خفق له قلبها منذ النظرة الأولى , أنسحبت لورا من الغرفة لتعطي بعض التعليمات لهانز وتعلمه أنهما سيتناولان العشاء خارج المنزل , وفي الرواق أخذت تتأمل وجهها في المرآة , فرأت في ملامحها أيذانا ببدء أنهيار عالم الأحلام الحلو الذي بنته حولها , كأنه مشهد معلق بين الواقع واللاواقع , لا ترى له بعدا زمنيا , لا تعرف له بداية أو نهاية... أين هي الآن والى أين تذهب؟ أيصمد رالف بوجه أغراء جويس أم يرمي لورا في سلة المهملات ويقتفي خطى قلبه؟ أسئلة. .... أسئلة , تتخبط فيها لورا وتفشل في العثور على سبيل للخروج من الشرنقة الخانقة.
عادت جويس الى فندقها بسيارة تاكسي بعد أن ودّعت شقيقتها بمرح مذهل جعل لورا تتساءل ما أذا كان كلامها المجنون قد أمحي .
صعدت السيدة فان ميروم الى غرفتها تلتهم اللحظات الآتية وتمزق الوقت بالتلهي في الفستان الذي ستختاره للسهرة , فأنتقت ثوبا رماديا طويلا مزينا بحبيبات وأزرار من اللؤلؤ , وكلمسة أخيرة وضعت الحلى التي أهداها أياها رالف , ثم نزلت الى الطابق السفلي حيث أنصرفت الى القراءة لتمضي الساعة الباقية لحلول موعد الذهاب , ولكن من أين لها أن تقرأ ورأسها مزروع بالأفكار المشوشة ونفسها تعيش في حالة بلبلة وتمزق , ووجدت أنها تعاني صداعا حادا سببته هذه التساؤلات المقلقة التي لا تعرف لها جوابا شافيا , ومع ذلك رأت نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما : أما أن تنسج على المنوال عينه وترضى بواقعها , مدبرة منزل لرالف , تستقبل أصدقاءه , تؤمن له جو عمل ملائما , تنتظر عودته من رحلاته..... بأختصار تنفذ ما ألتزمت به قبل الزواج , وأما أن تصرح له بالحب الذي يختلج في قلبها , أعتراف مستحيل كونه لا يساهم في حل المعضلة , فرالف رجل أنوف وأبي مما يجعله رافضا لأغراءات جويس مخكما عقله على نزوات قلبه , فأذا أقدمت لورا على خوض غمار الخيار الثاني تجعل الرجل ينفر منها وتكون النتيجة شقاء الثلاثة معا.
من الأفضل أذن السكوت والتفرج على تطور العلاقة بين رالف وجويس , فأذا كانت جدية حقا تنحت لورا جانبا بهدوء , هذا , مع عدم أغفال رأي لاري الذي تجهله تماما وتجهل موقفه , لكنه لا بد أنه رجل ناضج ويستطيع الصمود أمام فاجعة فراق جويس , في هذه اللحظة دخل رالف بدون أن يحدث ضجة وقال :
" آسف لتأخري , فستانك رائع يا عزيزتي ومتوافق تماما مع لون الياقوت".
لم تحتج لورا الى أرتداء مشلح لأن الطقس كان دافئا , وطوال الطريق شهدت الرولز رويس حوارا تائها بين الزوجين وكأن أفكارهما تسبح في عالم آخر.
وصلا الى الفندق ذي المنظر البهي بنوافيره الغزيرة , ببنائه الضخم وحدائقة الفسيحة , وشعرت لورا بالأسف كون زيارتها الأولى لهذا المكان البديع تتم في جو مكهرب ومشحون , ولطالما حدّثها رالف عن جمال هذا الفندق عندما كانا صديقين أبان عطلة شهر العسل , وهذه الصداقة أصبحت اليوم من مخلفات الماضي بعد وصول جويس وكأنها القدر المؤجل لتخطف رالف من جديد , أخطأ جدها عندما أعتبر علاقة رالف بجويس مجرد وهم ونزوة , فلورا واثقة الآن أن هناك رابطا أعمق بين الأثنين , ترجلت لورا من السيارة الجبارة ومشت تجر ذيلها تبها بأناقتها المفرطة والتي جعلت رواد الفندق يرمقونها بنظرات الأعجاب , وسارت الى جانب رالف نحو المطعم حيث ينتظرهما لاري وجويس....
تمددت لورا في سريرها بعد ساعات تراجع في فكرها مجريات السهرة في الفندق لحظة بلحظة , لاري شاب رياضي ومرح يحب الحياة , وصرف وقتا طويلا في التحدث عن ثروته وبيوته التي يملكها وكذلك اليخت الفخم الذي يقتنيه في الولاية الأميركية فلوريدا , والدليل على صدق أقواله خاتم كبير من الماس كلل أصبعه , ونظاراتاه ذات الأطار الذهبي الخالص , أظهرت لورا الأهتمام اللائق بالأحاديث الدائرة وكذلك فعل رالف الذي حافظ على أتزانه ورصانته بجهد واضح , فجويس بدت باهرة الجمال بثوبها الأزرق كحورية الأساطير يعجز الرجل عن أشاحة عينيه وتأملها ألا أذا كان مصنوعا من حجر , ورالف ليس أستثناء على القاعدة , فزوجته لمحته مرات ومرات يحدق في شقيقتها , تناول الأربعة عشاء عامرا وحافلا بالأطايب على أنواعها , وخلاله لم يكف لاري عن الكلام المفرط عن ثروته الضخمة مما ولد في نفس لورا شعورا بأن زوجها أغنى من ذلك المدّعي , مع العلم أن هذا العامل لا أهمية له لأن رالف يبقى هو هو ولو كان لا يملك فلسا واحدا , وقد ثبت ذلك لقلبها أثناء السهرة التي ظهر فيها كالعادة محدثا لبقا ومصغيا أمينا موزعا مشاركته على الجميع , عدلت لورا وضع وسادتها للمرة العاشرة علها تجد الراحة , وأستمرت تفكر في ما يحصل نحوا من ساعة قبل أن تغمض عينيها على أحلام مزعجة بطلاها رالف وجويس.