المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
تحت قطرات المطر
}{ تحت قطرات المطر }{
احكمتُ إغلاق سترتى الصوفية حول جسدى وتدثرتُ بها جيداً بينما كنتُ أسير فى ذلك الطريق المرصوف ،، وصوت حذائى ذو الكعب العالى يصدر صوتاً رتيباً على الأرضية المُبتلة بقطرات المطر !
هبت رياح قوية فجأة وراحت تجذب ممظلتى المهترئة التى عف عليها الزمن بعندٍ وأصرار ، فما كان منى إلا أن تصديتُ لها بعندٍ أكبر وتشبثتُ بها لأحتمى بها من قطرات المطر المنهمرة من السماء ،، فلم أسلم من بعض القطرات المُتسللة من إحدى الثقوب التى تزخر بها !
حثثتُ الخطى لعلنى أصل إلى منزلى وأحتمى بين جدرانه من قطرات المطر غير أننى لمحتُ بطرف عينى ذلك المقهى القريب الخالى من الزبائن فى تقريباً ، فرحتُ أركض نحوه بسرعة غير مبالية برذاذ المياة المُتناثر حولى بفعل خطواتى المُسرعة ، والتى أغرقت طرف سروالى الطويل بمياة المطر !
وصلتُ إلى المقهى أخيراً فاغلقت مظلتى ودلفتُ إلى المقهى المعبق برائحة القهوة الأمريكية اللذيذة ، ثم توقفتُ فى مكانى كالمصعوقة لأكتشف أن هذا المقهى هو ذاته الذى أعتدنا الجلوس عليه فيما مضى... أنا وهو... قبل سنواتٍ طويلة !
تأملت المقهى ملياً بعينان تفيضان شوقاً وحنيناً... تأملت مقاعده الخشبية ،، والشراشف البيضاء النظيفة المطعمه بخيوط ذهبية ،، والأضواء الخافتة...
لازال كل شئ هنا كما عهدته دوماً ،، حتى تلك الأغنية التى تنساب بهدوء عذب من المذياع هى نفس الأغنية التى أعتدتُ سماعها هنا...
لست أدرى لِم خيل إلىّ وقتها أننى لو أغمضت عينىّ وعدتُ لأفتحها مجدداً سأكتشف أننى كنت أعاصر حلماً سخيفاً وأنتهى... لأجده هنا بجانبى ... يبتسم لى ويتأملنى بعينان تفيضان حباً وهياماً ،، ينزع عنه معطفه الأسود المعبق برائحة عطره الرجولى ليلفه حول جسدى ليدفئنى ،، تتسلل أصابعه لتعانق كفى ويبث الدفء إلى أطرافى الباردة !
آه... أين أنت الأن ؟ أين تركتنى وذهبت بعد كل هذا الحب ؟
بل تـُرى ستعود ؟ أم أن جسدك قد تشبع بسلوان العاشقين وأنتهى حبى لديك ؟
توجهتُ لأجلس على ذلك المقعد الذى أعتدتُ الجلوس عليه بجوار النافذة الزجاجية التى تسمح لى بمراقبة الطريق ومشاهدة قطرات المطر القليلة التى تضرب النافذة برقة كما لو كانت تداعبها !
طلبت القهوة السوداء الغير مُحلاة وجلست ارتشفها ببطئ ،، وابتلع معها تلك الغصة بحلقى التى تتجدد كلما نظرت إلى المقعد الشاغر أمامى ،، والذى لم يكن كذلك أخر مرّة أتيت فيها إلى هنا !
آه... ليت الزمان يعود ! بل ليته هو يعود لنجلس سوياً ،، نرتشف القهوة المُحلاة عوضاً عن قهوتى المُرة ونستمتع بذلك الطقس الممطر الذى طالما عشقناه معاً !
أفقتُ من أفكارى فجأة على صوت قطرات المطر وهى تصطك بزجاج النافذة وتضربها بقوّة...
تأملت الناس فى الطرقات وهم يركضون فى شتات ويحاولون الأحتماء من الأمطار الغزيرة...
لفت نظرى ذلك الرجل ذو المعطف الأسود وهو يركض وبرفقته تلك الفتاة ، يمسك بإحدى يديها ويقودها إلى نفس المقهى الذى أجلس به وحدى ، أرتشف الحزن والألم مع قهوتى المُرة !
كم أن هذه الدنيا صغيرة ! من يصدق أن ألتقيه ثانية بعد كل هذا العمر !
لكن... تـُرى من تكون رفيقته هذه ؟ أهى حبيبته أم زوجته ؟
أردتُ أن أشيح بوجهى عنه قبل أن تلتقى نظراتنا ، غير نظراته كانت قد استقرت على وجهى بالفعل ، وما عدت أقو على الأشاحة عنه !
ارتسمت ابتسامة صغيرة على زاوية فمه وتلاشت بأسرع مما ولدت ، ثم استدار لينظر إلى رفيقته ببساطة وكأنما لقاؤنا مجرد مشهد من الماضى تجسد أمامه فابتسم للذكرى ثم ولى إهتمامه إلى رفيقته الحسناء ونسى وجودى تماماً...
رأيته ينزع عنه معطفه الأسود المعبق برائحة عطره النفاذ ثم لفه حول جسدها الضئيل ببساطة ، ليدفئها ويحميها من البرد القارس ، ونسى أن هذا المعطف كان يخصنى فى يوم ، ويبث الدفء إلى جسدى ، نسى أننى ها هنا أرتعد من البرد وتبلد مشاعره !
أخرجتُ من جيب معطفى بعض الأوراق المالية ووضعتها على المنضدة ، ثم حملت مظلتى المهترئة بينماى وباليد الأخرى حملت قلبى الصريع وبقايا حزنى ورفاتى...
ألقيتُ نظرة أخيرة عليه ثم غادرتُ المقهى وعدت لأسير فى الطرقات المرصوفة ،، المُبتلة بقطرات المطر ،، ألملم شتات نفسى ،، وأذرف الدموع على حبٍ مات ووراته الرمال ،، تحت قطرات المطر !
تمـــــت
|