كاتب الموضوع :
أم ساجد
المنتدى :
الارشيف
2
~ مصادفة ~
ظللتُ أنظر إلى الفتاة التى نطقت أسمى للتو ، وعبثاً حاولت أن أتذكر من تكون ؟!
وحينما لاحظت الفتاة محاولاتى اليائسة لتذكرها قالت :
" أنا ميرنا.. ألا تتذكرنى ؟ كنا زملاء فى كلية الطب . "
ومع كلماتها تدفقت الذكريات إلى رأسى..
نعم.. ميرنا.. كيف تمكنتُ من نسيانها هكذا بالرغم من أنها لم تتغير عما كانت عليه أخر مره تقابلنا بها..
" لقد مر وقت طويل على أخر مره ألتقينا بها."
قالت ميرنا العبارة السابقة ، فقلتُ لها:
" بلى.. لقد مر عُمر كامل على هذا . "
ابتسمت ميرنا وقالت:
" سبعة أعوام بالضبط .. أليس كذلك ؟ "
" بلى. "
قالت وهى تتأمل ملامحى :
" لقد تغيرت كثيراً يا أنس.. أخر مره رأيتك بها كنت فى الثانيه والعشرون وكنت حينها تعشق أبنة خالك. "
ابتسمت بمرارة وقلتُ مغيراً مجرى الحديث :
" لكنكِ لم تتغيرى أبداً.. مازلتِ جميلة كما كنتِ ، كأن الزمن لم يمر عليكِ . "
ابتسمت بخجل وقالت :
" أخبرنى هل تزوجت من أبنة خالتك ؟ "
هززتُ رأسى نافياً وقلت :
" علمت اليوم فقط أنها تزوجت من رجلاً أخر . "
حدقت ميرنا بوجهى فى دهشة وقالت:
" معقول ! "
تنهدتُ وقلتُ بأسى:
" كل شئ معقول.. هذا هو الدرس الذى تعلمته مؤخراً. "
قالت:
" لكن لماذا كل هذا الحزن ؟ من خلق ابنة خالتك قادراً على أن يخلق من هى أفضل منها.. "
ثم ابتسمت وتابعت بمرح :
" الفتيات كثيرات فى مصر.. فقط أشير بأصبعك لمن تروق لك لتجيئك زاحفة . "
حاولتُ أن أضحك على جُملتها ؛ فجاءت ضحكتى حزينة ، مريرة ، لا تنتمى إلى المرح فى شئ ، مما جعل ميرنا تقول :
" ما رأيك فى فنجان قهوة ؟ "
***
نظرت إلى باب الشقة الذى أغلقه عامر خلفه منذ لحظات...
أخذتُ نفساً عميقاً وأطلقته مع آنة حزينة حينما تذكرت الحوار الذى دار بينى وبين زوجى قبل إنصرافه...
تذكرت نظراته المُتشككة نحوى... وإتهاماته لى بالكذب والخداع لأننى أدعيت أن أنس قد مات فيما هو لازال حى يرزق !
تذكرت فى بداية خطوبتى أنا وعامر وكيف أنه أخبرنى بأن الماضى لا يعنيه فى شئ طالما أنه قد أنتهى لدى ولم يعد له وجود...
حتى تفاصيل خطبتى لأنس رفض أن يسمعها...
كل ما أخبرته عنه هو أنه قد توفى فحسب...
لكنه ها هو اليوم قد طالبنى بإعادة فتح الملفات التى كانت قد أغلقت منذ سنوات...
وطلب منى أن أخبره بأدق تفاصيل عن ماضىّ أنا وأنس !
أغلقت عينىّ وأرحتُ ظهرى على المقعد الوثير ثم تذكرت لقائى بأنس...
تُرى أين كان طوال هذه السنوات ؟
بل السؤال هو... لماذا عاد الأن ؟
ولماذا يعرج فى مشيته هكذا ؟
وكيف عرف عنوان منزلى الجديد ؟
***
" حين وطأتُ بقدمى أرض الأسكندريه ، اتجهتُ مباشرة إلى منزل خالتى ، وحين طرقتُ الباب فتح لى رجلاً غريباً ، حين سألته عن جنا قال لى أنها قد أنتقلت إلى منزلاً أخر وأعطانى عنوان منزلها الجديد . "
توقفتُ لبرهة حين حضر النادل حاملاً فنجان القهوه لى ، وكأس العصير لميرنا وحين أنصرف تابعتُ:
" لم يكن عنوانها الجديد بعيداً عن شقتها القديمه ؛ فذهبتُ إليها ورأيتها. "
ظلت ميرنا تنظر إلىّ فى انتظار أن أكمل جُملتى ، إلا أننى لذتُ بالصمت التام بينما كنتُ أسترجع فى عقلى ما دار بينى وبين زوجها منذ عدة ساعات..
سألتنى ميرنا حينما استبطأت ردى :
" وماذا حدث بعد أن رأيتها ؟ "
قلتُ بأسى:
" أنهارت أحلامى وأنتهى كل شئ فى ثوانى معدوده. "
قالت ميرنا بتردد :
" هل تريد رأيى بصراحة ؟ "
قلتُ: " بلى.. "
قالت:
" لقد أخطأت حين أختفيت كل هذه السنين.. أى فتاه فى مكانها كانت ستفعل مثلها.. لا أعتقد أنه كان يجب عليها أن تنتظر عودتك كل هذه السنين. "
قلت :
" لقد كنتُ يائساً يا ميرنا.. ظننتُ أننى لن أستطيع أن أسير على قدمى ثانية.. هل تعرفين معنى أن تكونى عاجزة عن السير؟ معناه أننى عاجز عن العمل وسأظل فى قابعاً فى منزلى ، وعليها أن تعتنى بى ، وتتحمل أعبائى. "
أطلقتُ تنهيدة مريرة ، ثم تابعتُ :
" لم أكن أريد لها أن ترتبط برجلاً عاجزاً.. أخر ما كنتُ أتمناه هو أن أرى الشفقة فى عينيها ، وأن أشعر بأننى أصبحتُ عبئاً عليها. "
قالت :
" لم يعد الحديث يجدى الأن.. لقد تزوجت أبنة خالتك وهذه هى الحقيقة التى لن تملك شيئاً حيالها.. لقد أنتهى الأمر بذلك. "
توقفت ميرنا وأرتشفت من كأس العصير ، ثم تابعت :
" عليك أن تفكر فى الجانب المُشرق يا أنس.. لقد أصبحت مليونيراً.. ألا ترى أن هذا أمراً عظيماً ؟ "
قلتُ بلا مبالاة:
" فعلاً.. إنه أمراً عظيماً. "
ابتسمت وقالت:
" عليك أن تفكر فى المشروعات التى تستطيع أنشاءها.. لما لا تقوم بإنشاء مستشفى خاص مثلاً ؟ "
قلتُ بلا حماس :
" سأفكر فى الأمر. "
ثم غيرتُ مجرى الحديث قائلاً :
" أخبرينى ماذا عنكِ ؟ هل تزوجتِ أم لا ؟ "
مطت ميرنا شفتيها قائله :
" تزوجتُ وأنفصلتُ عن زوجى بعد زواجى منه بعام واحد. "
" ولماذا أنفصلتما ؟ "
" لم نستطيع أن نتفاهم ؛ فأنفصلنا عن بعضنا منذ أربعة أعوام. "
كنا قد أنتهينا من تناول القهوة ، فقلتُ :
" دعينا نغادر الأن. "
قالت ميرنا :
" حسناً.. هيا بنا . "
ذهبت ميرنا لتنتظرنى فى السيارة ، بينما حاسبتُ على المشروبات ووافيتها بعد قليل..
سألتنى بمجرد دخولى للسيارة :
" إلى أين تريد الذهاب؟ "
قلتُ:
" إلى منزلى . "
أتفقتُ أنا وميرنا على أن نتقابل ثانيه ؛ فقد قالت أنها تستطيع أن تساعدنى فى الأوراق المطلوبه لأنشاء مستشفى خاص ، وعلى هذا أفترقنا وحان دورى لأصعد إلى منزل عائلتى..
وقفتُ أمام باب الشقه متردداً..
تُرى ماذا سيكون رد فعل عائلتى حين يعرفون أننى لم أستشهد فى الحرب كما تصوروا ؟
****
تتبع
|