كاتب الموضوع :
حسين السريعي
المنتدى :
ما وراء الطبيعة
تمهيد لا بد منه للأسف 00
ثم ما الجديد في كل هذا ؟
تعرفون أنني مررت بفترة نفسية سيئة بعد صدامي مع ( خادم الكلمات السبع ) وتعرفون أنني فقدت أجزاء من جسدي ، وتعرفون أنني أصبت بالتهاب رئوي لفترة لا بأس بها ن وتعرفون أنني سافرت للولايات المتحدة 00بالتحديد إلى ( نيويورك ) 00تعرفون أنني اتصلت بـ ( هاري شيلدون ) صديقي القديم 00لماذا ؟ لأنه سيدمرني لو عرف أنني جئت إلى الولايات المتحدة ولم أتصل به ، وهو في الغالب يعرف هذا 00
تعرفون كل هذا يقيناً 00فما الجديد هنا ؟!!
الجديد هو أنني تلقيت دعوة إلى نادي السحر أياه وكان الداعي هو النصاب اليهودي المعهود ( سام كولبي )00
حسناً 00كان علي أن أكون هناك 00بالنسبة لمن قرءوا ( حكايات التاروت ) وهي حلقة الرعب الثانية ، يمكن أن نقول أن الجو كان شبيهاً بذات الجو الذي قابلت فيه د ( لوسيفر ) 00المشكلة هي أنني أمقت الوصف بطبعي ، فقد مات ( بلزاك ) منذ عهد طويل 00( بلزاك ) الذي كان يطلب من تلاميذه _ هواة الأدب _ أن يمشوا في الحديقة عشر خطوات ، ثم يكتبوا واصفين ما رأوه في عشرين صفحة !!
مختصراً سأكون 00ومختصراً أقول أن اللقاء تم في الشقة ذاتها في ( بارك أفينيو ) وكان هناك عدد لا بأس به من سحرة ( نيويورك ) وسواهم 00سحرة من الطراز الذي ينشر جسد المرأه إلى نصفين في عروض المسارح ، وسحرة من الطراز الغامض الذي يمارس شيء ما لا تدري كنهه ، لكنه كريه منفر مظلم 00
لكن الكل هناك 00وكان هناك ذات الجمع من غريبي الأطوار والحسناوات ومديري الأعمال والوكلاء والممسوسين 00
وقلت لـ ( هاري ) وأنا أتأمل كل هذا غير راغب :
- أظن هذا المكان يجلب لك ذكريات تعيسة ؟
قال باستخفاف :
- لماذا ؟ لقد جعلني د0 لوسيفر آخذ حذري 00لم تكن تجربة معدومة النفع على كل حال 00
كان الجو منفراً كما تلاحظون ، لكنه كان ساحر غريب 00نعم ساحر 00وهذا هو السبب الذي جعلني لا أرفض الدعوة 00
ومن وسط الناس ظهر لنا ( سام كولبي ) 00النصاب اليهودي الذي صار الخلاص منه مستحيلاً 00والحقيقة هي أن الرجل بلا ذاكرة , وغير قادر على أن يحتفظ بوجه في عقله فضلاً عن اسم ن لكنه من الواضح أنني لا أمحى من ذاكرة من يراني بسهولة 00كلون الطلاء حين يلتصق للبد بكوع بذلتك الجديدة !! ثم أن الرجل ما زال يعتقد ومازال متأكد من أنني ( إدجار الآن بو ) الذي عادت روحه إلى الأرض 00
بوجه الدمية الطفولي الذي يحمله رحب بنا ، وبدا واضحاً أنه نسي كل شيء عن هاري 00قال لي وهو يتأبط ذراعي بيده الرقيقة :
-قد مر وقت طويل منذ جلسنا في هذه الشقة نسمع طالعنا من د0 لوسيفر 00لا شك أنك سعدت بمعرفته حقاً 00
قلت ما معناه أنها كانت معرفة خير حقاً ، وكنت أتذكر لقائي اللطيف معه في قصة ( دماء الدراكيولا ) 00إن الأشخاص الذين نتعرفهم بفضل إنسان مثل كولبي هم كوارث حقيقية 00مصائب تنتظر الحدوث 00
قال كولبي وهو يحيي هذا ، ويداعب ذاك :
- ما كان لينبغي أن أفوت فرصة لقائك ثانية , وأنت من جعلني شهيراً في أواسط السحر 00ولكن 00
وتأملني في شيء من الحسرة وقال :
- تبدو لي في أسوأ حال 00كأن عشرين سنة قد أضيفت إلى عمرك 00
قلت له في رزانه :
- ليس هذا ذنبي 00لقد قابلت الوباء الاسكتلندي القديم ، وقضيت معه ليله كاملة في المشرحة 00أنت تفهم هذه الأمور 00
هز رأسه شأن العارفين وقال :
- بالطبع 00بالطبع 00إن حياتك مرهقة مفعمة بالصدمات 00و00
ثم تقلص وجهه ، وبدا عليه الألم ، وهتف :
- بعد أذنكما 00سألبي نداء الطبيعة 00معذرة 00إنها البروستاتا كما تعلمان 0
وقبل أن نعلق أختفى من أما منا 00
تناول هاري كوباً من عصير البرتقال تحمله ساقية حسناء على صفحة ، وناولني إياه ثم تناول آخر ، وقال :
- يبدو أن جراحي المسالك البولية نادرون في نيويوك 00ولكن 00ما موضوع الوباء الأسكتلندي هذا ؟
قلت دون احتفال :
- إنها حياتي 00وقد اعتدتها 00
عاد كولبي منهمكاً في إغلاق بنطاله ، وقد بلل كتفيه بماء حوض الغسيل كالعادة 00وقال مواصلاً ما بدأه :
- الحقيقة يا د0 اسماعيل هي أنك تذبل سريعاً جداً 00جداً 00
- أنا لم أكن زهرة قط كي أذبل 00يخيل إلي انني خرجت من بطن أمي عصبياً ملولاً نحيلاً 00ولم يتهمني أحد قط بأنني أملك نضرة الشباب 00
- لكنك تعرف بالتأكيد لن تعيش لترى الخمسين من العمر 00
- ليس في الخمسين ما يغري 00لو عشت لأراها فلا بأس ، ولو مت فلا خسارة هناك 00أنت تحاول إقناعي بوجود مشكلة لا وجود لها 00تقنع رجل ضرير بأن لا يدنو من التلفزيون أكثر من اللازم لأن هذا يؤذي عينيه !! إن الضرير لن يدنو من الشاشه أصلاً 00
اتسعت عيناه في خطورة وقال :
- ولكن الصحة 00من أدراك أن نهايتك ستكون نظيفة ، من دون جلطات مخية وقروح وبتر أطراف و000؟ إن الصحة تمنحك هذا الضمان ما دامت لن تطيل عمرك 00
فأل الله ولا فالك أيها اليهودي المستفز !00
هذا الذي يقوله كابوسي الحقيقي ، والشيء الوحيد الذي يرهبني أكثر من مصاصي الدماء والمذءوبين والموتى الأحياء 00إنني أقبل الموت السريع 00موت النوبات القلبية المفاجئ الذي يطلبون قبله كوباً من الماء 00ثم 00هوب 00! ينتهي الأمر بنظافة 00
لكنني أكره فكرة الموت البطيء المفعم بالألم والسقم 00
قلت محاولاً تغيير مجرى الحديث :
- هل لديكم ضيف فوق العادة هذه الليلة ؟
قال برضا :
- بالتأكيد 00لكنه رجل عادي لا يملك هالة الإبهار والغموض التي يحيط بها لوسيفر نفسه 00وهذا هو ما جعلني أتحدث عن الشيخوخة والاضمحلال 00الحقيقة هي أن ميخائيل ميلفيسكو يملك مفاتيح استرجاع الشباب 00
- أروماني هو ؟
- بالطبع 00إن ( إسكو ) في نهاية كل الأسماء لها رنين لا تخطئه الأذن 00
كنت قد قرأت كثيراً عن الدكتورة أنا أصلان الرومانية ، وتجاربها على فيتامين هـ ، وشعرت بأن هناك قدراً من الحماس الزائد في تفسير نتائج تجاربها 00لقد تعاملت معها الصحف باعتبار أنها المرأة التي اكتشفت نبع الشباب 00وخمنت أن مليفيسكو هذا يبيع الصنف ذاته00 ربما هو قد سرق علبة بها عشر كبسولات من فيتامين هـ من معمل الدكتورة المذكورة 00
وصارحت كولبي برايي ، فقال :
- لا 00إن طريقته فريدة بحق 00إنه لا يعتمد على العلم بتاتاً 0!!
- هذا شيء مطمئن 00
- أعني أنه يعتمد على العلم الخاص الذي لم يقنن بعد 00الذي لا يمكن قياسه أو رؤيته أو تفسيره 00
ثم تقلص وجهه ألماً لأن البروستاتا كما تعلمون 00
حين عاد راضياً مسروراً ، سألتها السؤال الوحيد المنطقي ك
- لماذا لم تطلب منه أن يريحك من مشاكل البروستاتا ؟
قال كأنما كان يتوقع السؤال :
- لأنه لا يتقاضى أجراً ، وهو يمارس فنه مع الشخص الذي يختاره دون سواه 00ومن الواضح أنني لا أروق له 00
تبادلت نظرة مع هاري 00على الأقل يوجد شيء واحد محترم في مليفيسكو هذا 00ثم قلت ك
- يا سلام ! وماهي شروطه فيمن يختاره ؟
- لا شيء 00هو يراه ويقرر 00إن للرجل أسبابه الخاصة 00
- إذن بالتأكيد لن أروق له 00
- يمكنك أن تقابله وتتأكد من هذا 00
كان جالساً على أريكة مع ثلاثة آخرين 00أقول إنه كان جالساً على سبيل المجاز لأنه في الواقع كان غائصا 00إنها أريكة من تلك الأرائك المريحة أكثر من اللازم التي لا تنفك تبتلعك أكثر فأكثر 000
كان لهؤلاء القوم منظر مريب يوحي بالشر كأنهم زعماء المافيا في اجتماع ، وأدركت أن رجلنا هو أكثرهم بدانة وأضخمهم بطناً ، وكانت له قسمات عملاقة غريبة تشعرك بأن هذا كله خيال 00
في أدب دنا منه كولبي وهمس في أذنه بكلمات عدة ، فاستدارت عيناه ورمقني لحظة ، ثم تهلل وجهه وقال :
- سعيد بمعرفتك يا بروفسور إسماعيل 00
وبذل جهداً جهيداً حتى ينجو من الأريكة الشفاطة 00وفي النهاية وقف 00لم يكن عملاقاً 00كان أقصر مني قليلاً بما يتناسب مع ملامحه الهائلة 00صافحني بيد هائلة وقال :
- يمكننا أن نتحدث في مكان أكثر هدوءاً 00أرجو المعذرة يا سادة 00
كان يتكلم انجليزية رومانية أو رومانية انجليزية 00وهي لغة اعتدتها بعد ما كان لي من قصص في رومانيا 00
قال لـ كولبي وهو يدفعتا دفع الخراف إلى ركن القاعة :
- يبدو أن هناك مكناً منعزلاً هنا يا كولبي 0
قال كولبي في أدب :
- ثمة مكتب صغير هناك 00وهو مغلق 00
- إذن يناسبنا هذا 00
وبعيداً جداً عن صخب الحفلة فتحنا باب المكتب ودخلنا 00كان عارياً من الأثاث إلا من منضدة صغيرة عليها جهاز هاتف ، ومقعد أمامها ومقعد خلفها ن إذا اتفقنا على ( أمامها ) و ( خلفها ) هذين 00
أراح جسده الضخم المكتنز على أحد المقعدين ، وأشار لي إلى مقعد آخر , وقال لكولبي :
- يبدو يا سام أنني سأطلب منك أن 00
فهم كولبي على الفور ، فهز رأسه وأشار لأي بما معناه : أطمئن 00أنت في يدين أمينتين ، ثم غادر المكتب وأغلق الباب 00
******************************
مر صمت ثقيل ، ثم تكلم مليفيسكو :
- إذن ؟
قلت في حرج :
- الحقيقة هي أنني لا أعرف ما قاله لك مستر كولبي ، لذا أجد عسراً في البدء 00
- سأحاول أن أريحك 00أنت تصبو إلى استعادة شبابك المفقود 00
- لم أقل هذا بالضبط 00لنقل أنني أصبو إلى موت نظيف خال من الأمراض الطويلة 00إن المرض مهين يا سيدي ن وبصورتي الحالية أعتقد أنه آت لا محالة 00
قرب وجهه العملاق مني ، وقال :
- وأنت لا تثق بأنني قادر على ذلك 00؟
- لنقل بطريقة أخرى أنني لا أعرف ما أنت قادر عليه 00هل الأمر يتعلق بالتمارين السويدية وحمامات البخار وفيتامين هـ ؟
فتح كفه في وجهي بما معناه : لا 00لا00أرجوك 00ثم قال :
- د 0 رفعت 00هل تسمح لي بمناداتك بهذا ؟
- أرجوك أن تفعل 00
- د0 رفعت 00إن الطريقة التي أنوي استعمالها معك طريقة فريدة ، لا يمكن قياسها إلا بنتائجها 00أنت تعرف منهج ( الاستدلال العلمي ) المعروف 00لا أحد يرى الإلكترون ولا يمكن وزنه بميزان ، لكن آثاره تدل عليه وهذه الآثار يمكن ملاحظتها في تجارب قابلة للتكرار 00من هذا نستدل على أن هناك ما يدعى بالإلكترون 00ثمة شيء ما لا يمكن وصفه ولا استيعابه يحيط بنا في كل لحظة ، وحتى برتراند راسل الذي وجد نفسه في علمي الرياضة والمنطق قال : إن الرياضيات هي حروف كتاب الطبيعة ، لكنها ليست الكتاب نفسه !
قلت في نفاذ صبر : لا أدري ما ترمي إليه 00لست برتراند راسل ولا أحب أن أكونه 00لست لدي أي افتراض مسبق إلا فيما يصدمني عقائدياً أو علمياً 00فيما عدا هذا أنا أقبل التجربة واحترمها 00لقد افترض أرسطو أن أسنان المرأة أقل من أسنان الرجل ، ببساطة لأنهه لم يحاول أن يجرب 00لم يحاول أن يفتح فم أول امرأة يقابلها ويعد أسنانها 00
ابتسم الرجل ، وقال :
- إذن أنت متعادل 00
- بالطبع 00لست مستعداً لاتهامك بالنصب ، ولست مستعداً للوثب في الحجرة انبهاراً بقدرتك 00لن أفعل هذا الآن 00
قال في رضا :
- حسناً 00لعلك تتساءل لماذا اخترتك أنت بالذات ؟!
- هذا سؤال في موضعه 00
- لأنك متعادل 00من اللحظة الأولى أدركت أنك متعادل 00لسن منبهراً قابلاً للإيحاء مثل كولبي ولست عدوانياً متحفزاً كصديقك الأمريكي الذي رأيته معك 00إن القابلين للإيحاء لا يناسبونني ، لأنك طبيب وتعرف تأثير البلاسيبو ( دواء وهمي يتم إعطاؤه للمرضى لاستبعاد عنصر الإيحاء من الموضوع ، وذلك عند تجربة دواء جديد ) أما من يبدءون التجربة وهم يرفضونها ويرفضون وجودي ، فهؤلاء لا يناسبونني 00ولربما تدخل رفضهم في نتائج التجربة 00إن للجسم كيمياءه الغامضة على كل حال 00
- ومن نافلة القول يا دكتور رفعت ان أخبرك ان جل من يتقدمون لي يقعون في واحد من هاتين القائمتين 00أما من لا يندرج فيهما فهو صيد ثمين 00
وضعت ساقاً على ساق ، وسألته في شك :
- وكم تكلفني هذه التجربة ؟
قال كما أتوقع بالضبط :
- أنا لست بقالاً 00ثمة أشياء لا تشترى ولا تباع 00
أنا لست بقالاً 00هكذا يبدءون وفي النهاية يطلبون تبرعاً لجمعية سحرة بوخارست أو شيئاً من هذا القبيل 00إن جوستاف صديقي الروماني سيضحك كثيراً لو سمع هذه القصة 00
قلت وأنا أتأهب للنهوض :
- لكن لكل شيء ثمن 00أنت لا تفعل هذا من أجل جمال منظري 00
- بل هناك ثمن يا د0 رفعت ، لكنه ليس كما تتصور 00
- إذن هي قصة د0 فاوست ثانية 00هل معك العقود اللازمة لأبيع لك روحي مقابل الشباب ؟
ضحك ضحكة رنانة معدنية 00إنه ممن يهتزون كالجلي عند الضحك , وقال :
- ولا فاوست 00إنني أريد منك شيئين لا شيء واحد !!
رفعت حاجبي بمعنى الانتظار 00فقال :
- الشيء الأول هو أن أسلوب المعالجة سيظل سراً 00وإنني لأنتظر منك كلمة شرف ن وأنت فيما يبدو لي رجل شريف 00
ثم جفف قطرات عرق نبتت على جبينه وأردف :
- أما الشيء الثاني فهو 00
*************************************************
وحيت خرجت من الجلسة ، سألني كولبي و هاري عما تم فيها ، فهززت رأسي سلباً كما يفعلون عند الخروج من مباحثات القمة ، وقلت :
- لا تصريحات 00لقد وعدته بشرفي 00
ولنفس الأسباب يا رفاق لا أستطيع أن أشرح أسلوب المعالجة ، ويكفي أن أقول إن العملية استغرقت ساعتين من عصر اليوم التالي 00
وبعد يومين كنت في الطائرة عائداً إلى الوطن00
ومن هنا تبدأ القصة 0000
**************************
|