كاتب الموضوع :
حسين السريعي
المنتدى :
ما وراء الطبيعة
عشرة !!
السبت 18 أبريل
من جديد أعود لكتابة مذكراتي 00إن الحلم القديم لدي لن يموت أبداً 00ان تكون عندي مذكرات ، وأنا – كما تعرفون – لم أواظب قط على شيء في حياتي ، ماعدا عادات التنفس والأكل والشرب والإخراج ، لأنها لا تتم بإرادتي ، مازلت آمل أن اصل إلى نهاية رحلة العمر ، لدي عدد هائل من الكراسات التي تحكي تفاصيل حياتي ، ولكن أية حياة هذه ؟
فما لم يحدث شيء مهم لي فلسوف تظل مذكراتي هي مذكرات تلك الإرادة الفسيولوجية 0
لقد عدت إلى مصر أخيراً ، ولا أعتقد أن تغيير ما قد حصل لي 00مازلت ألهث عند صعود الدرج ، وأسعل في الفجر حتى يوشك لساني على الوثوب من فمي ، وتوشك الأكلات الدسمة على إزهاق روحي 00
غنني ما زلت أنا 00
بالطبع كنت أعرف هذا من البدء ، لكنني لم أعترف به 00إننا أطفال خالدون ، وكلما تقدم بنا العمر ازددنا طفولة ورفضنا فكرة الشيخوخة 00لكننا نشيخ في طيلة الوقت ونموت ، وينسانا أصدقاؤنا الأعزاء مهما بكوا علينا في البداية 00هذه هي الحقيقة 00قبولها نضج ورفضها عته 00لكننا – المؤسف – نفضل أن نكون معاتيه على أن نكون شيوخاً 00
الأحد 19 أبريل :
لم يحدث لي شيء اليوم 00
الاثنين 20إبريل :
لا مزاج عندي لكتابة مذكراتي اليوم 00
الثلاثاء 21إبريل :
كنت في مكتبي بالكلية أطالع بعض الأوراق العلمية ، وأثار شغفي شيء ما ، فمددت يدي أصلح من وضع العوينات على أنفي طمعاً في وضوح الرؤية كعادتي هنا لاحظت أنها لم تكن على أنفي 00
أصابتني الدهشة وبحثت عنها على المكتب ، فوجدتها في جرابها لم تمس 00إن لدي مجموعة هائلة من العوينات 00بعضها للمسافات وبعضها للقراءة وبعضها للبحث عن النوعين الآخرين ، وقد صار تصلب عدسة العين – وهو داء الكهولة الشهير – ملازماً لي ، فلم أعد قادراً على مطالعة الجريدة دون عوينات ، ودون أن أبعدها على امتداد ذراعي 00
معنى هذا أنني قرأت كل ما قرأت دون عوينات ، ودون أن الاحظ فارقاً يذكر 00إنها علامة غريبة حقاً 00
ثم لاحظت شيء أكثر غرابة 00
لقد صعدت في الدرج – نحو ثلاثة طوابق – دون لهاث ، ودون آلام عاصرة في الكتف اليسرى ، ودون ذلك الجوع إلى الهواء الذي يثير شفقة من يراه 00الحقيقة هي أنني أتحسن 00لا أدري كيف ؟ ولماذا ؟ 00لكن هذا حقيقي 00أشعربه 00
هل هذا تأثير البلاسيبو الشهير؟ أم أن ميلفيسكو يعمل حقاً ؟
ما زال الوقت مبكراً كي أعرف الفارق 00
الأربعاء 22إبريل :من جديد تتزايد علامات الاستفهام وتتشابك 00لقد كان موعدي اليوم مع الدكتور صبحي متى طبيب القلب الذي يتابع حالتي ، والذي كان في كل لقاء يزداد وجهه تقلصاً ويطقطق بشفتيه ، قائلاً إن بقائي حياً هو أعجوبة طبية تتحدى كل القوانين 00رسم القلب مرعب ضغط الدم شنيع 00وفي كل مرة يودعني وعيناه تترقرق بالدموع باعتباري ( كنت نبراساً يشع لزملاء المهنة ) و ( فليرحمني الله )0
ولف جهاز قياس الضغط حول ساعدي ، وراح ينفخ متوقع أسوأ النتائج كالعادة ، لكن شفتيه تباعدتا ، واتسعت حدقتا عينيه ، وقال :
- غريب هذا 160/100!!
- مرتفع قليلاً 00ألا ترى هذا ؟
صاح في انبهار :
- بل هذا أفضل قياس قرأته لك منذ عرفتك 00إنها معجزة !!
وأوصلني بأقطاب رسام القلب العشرة 0 وراح كالصقر يراقب الشريط المتجمع ببطء بحثاً عن تلك الموجة الشاذة أو تلك التي تعني أن خراب بيتي قريب 00ثم طقطق بشفتيه في حسرة :
- ممتاز ! لا أدري ما الذي فغلته كي تتحسن هكذا ، لكنني أنصحك بأن تواصل فعله 00
وفرد الشريط بين كفيه كأنه ثعبان ميت وجده في القبو ، وراح يدقق فيه المرة تلو المرة ، ثم قال :
- ممتاز ! لكن لا تتفاءل كثيراً 00ربما هي صحوة الموت !! إن مرضى كثيرين يتحسنون لحظياً قبل الانهيار النهائي 00
قلت وأنا أزر قميصي :
- شكراً 00سأتذكر ذلك 00
وغادرت عيادته خفيفاً نشيطا يلعب براسي ألف خاطر باسم 00
إن الروماني لم يكذب 00كل الشواهد تؤكد أنه لم يكذب 00
الخميس 23أبريل ك
لاحظ الحلاق – وهو الرجل الموكل بتشذيب الشعر الثائر على جانبي رأسي – أن عدد الشعيرات البيضاء يقل نوعا ما 00أو بعبارة أدق لاحظ أن الشعيرات السوداء ، بدأت تظهر وسط القطن الأبيض الذي هو مابقي من شعري 00
- قلت مراراً لك يا دكتور 00التغذية أهم من أي شيء آخر 00التغذية والبال الرائق 00إن الشيب خرافة يا دكتور 00صدقني أنا 00
كدت أعلن رأيي , ذلك الرأي الذي لن يستطيع أي طبيب كتمانه لو صارحه حلاقه بأن الشيب خرافة ن لكنه أخرسني على الفور :
- خني أنا على سبيل المثال 00
وتأمل وجهه في المرآة وهو يقف خلفي ، ومرر المشط على شعره 0
- هذا أنا 00ستون عاما لكنك لا ترى شعره بيضاء واحدة 00هذا نتاج البال الرائق والأكل الجيد 00صدقني 00كان السمن البلدي صديقنا قبل الإفطار وبعده ، وفي الغداء والعشاء 00وقبل الزفاف شربت عروسي كوباً كاملاً من السمن البلدي لتكون أجمل 00إن ما تأكلون اليوم ليس طعام !!
شعرت بشراييني التاجية تتقلص من هول الفكرة – ومعها معدتي طبعاً – وكتمت عنه خواطري التي لن يتذوقها 00لا تجادل الحلاق أبداً فهو سيقهرك مهما حاولت 00
لكنني كنت في منتهى السعادة بفكرة استرداد بعض الشعيرات السوداء من فكي الشيخوخة 00
وقد لاحظت – وقت الغداء – أن معدتي تتحسن بشكل غير مسبوق 00لقد التهمت طبقاً كاملاً من الأرز والخضار ، مع أكثر من ربع بطة أرسلها لي أهلي منذ يومين مع 00مع 00والغريب أن كل هذا مر بسلام ونمت نوماً عميقاً هانئاً 00لكنني – عندما صحوت – حاولت تهدئة حماسي بعض الشيء وقلت لنفسي :
- من يدري ؟ ربما أنت يا رفعت حالة أخرى من التأثر بالوهم 00حالة أخرى من القابلة للإيحاء 00لقد تحسنت لأنك توقعت أن تتحسن 00كلنا يعرف الدجالين مدعي الطب في القرى 00إنهم يحقنون مرضاهم بالماء القراح ، وبرغم هذا يتحسن المريض بشكل ملحوظ من ناحية الأعراض على الأقل ، لكن اللعبة لا تطول وسرعان ما يعود المرض أعنف وأكثر شراسة 00
في المساء كان عندي موعد مع الدكتورة كاميليا 00
كان هذا في السابعة مساء ، وفي تلك الكافتريا الصغيرة التي هي خليط من المقهى والمطعم 00إن الدكتورة كاميليا كما تعلمون قد صارت صديقاً عزيزاً لي ن فهي تملك عقل رجل راجح حكيم ولو كان لها شاربان وتحلق ذقنها كل صباح لكنت أكثر راحة وسرور في التعامل معها 00
لكني أمقت هواجسها الوجودية ن وميولها القيادية المستفزة قليلاً ، بينما كانت هي مرتابة في حالتي العقلية ، خاصة بعد قصة ( عدو الشمس ) و ( أسطورة رفعت ) حيث تكفلت الظروف بجعلي أتصرف تصرفات عجيبة معها 00والسبب في المرة الأولى أنا لم تكن هي ، والسبب في المرة الثانية أنني لم أكن أنا !!ما علينا 00
فما أن رأتني ، حتى قالت في دهشة ك
- عيني عليك باردة !
نفس العبارة أسمعها اكثر من الازم هذه الأيام 00
لم اجرؤ بالطبع على مصارحتها بموضوع الروماني إياه 00المفترض أنني رجل عقلاني بارد لا تليق به هذه المهاترات 00قلت لها وأنا أنادي النادل ك
- لنقل إن الحياة أحسنت إلى كثيراً في الآونه الأخيرة 00
قالت في جدية :
- أنا لا أمزح 00لقد قلت التجاعيد في وجهك كثيراً 00يخيل إلى انك صغرت عشرة أعوام !
عشرة!!
هذا هو ما أشعر به فعلا ن وقد أمسكته هي 00اشعر إنني في الثلاثين من عمري 00ربما في الخامسة أو السادسة والثلاثين 00جسدي جسد رجل في العقد الرابع من العمر ن وربما تفكيري أيضا 00
قلت بلهجة تقريرية ك
- إنني أتناول وجبة ، مع جرعات عالية من فيتامين هـ 00لا مشكلة هنالك 00
مالت برأسها الأشعث نحوي ن وقالت همساً :
- هل يضايقك أن تكتب لي نظام حميتك بالضبط ؟ أنا أيضاً أشعر بعدم راحة بسبب الزمن 00يخيل إلي أن زحف السنين أسرع من قدرتي على الاستمتاع بها 00
وكنت أفهم ما تعنيه 00التجاعيد 00الشيب 00علامات وندوب الصراع مع الزمن تظهر – بلا رحمة – على الوجه وهي – بعد كل شيء – أنثى 00قد تتكلم عن العقل المجرد وعن مقولات العقل وصراع الوجود العبثي ، لكنها – في النهاية – تتضايق جداً حين تجد شعره بيضاء في مفرقها ، ولهذا تضع كل هذه الأصباغ على وجهها – كما قلت سابقاً – كأنها هندي أحمر ذاهب لحرق معسر الوجوه الشاحبة 00
- سأكتب لك نظام حمية ناجعاً 00
وكانت خجلى من اعترافها الأخير الذي يكشف عن كونها إمرأة ، وربما عن كونها إنسان أيضا ، لذا حاولت تغيير الموضوع على الفور :
- ماذا عن بروفات كتابي ؟
وكتابها هذا كان ثلاثمائة صفحة من القطع الكبير ، قامت بلفها في كيس بلاستيكي كي لا تتبعثر 00وكانت مكتوبة بخطها الكبير الراسخ الذي يعني بنقاط التاء المربوطة ن والهمزات عناية بالغة 00
أما عن موضوعه فهو ( مدارس العقل من سقراط حتى هربرت ماركوس 00
وكان هذا كتابها الأول ، وتهدف به إلى تبسيط الفلسفة لتناسب رجل الشارع 00أي أنه – لو تحقق حلمها – سنجد البقال يبدي رأيه في فلسفة شوبنهاور وأم سعد – مدبرة داري – في الجشتلط 00
لقد أعطتني أصول الكتاب منذ زمن سحيق ن و بالطبع لم أقرأ منه حرف واحد 00أنا أمقت الفلسفة ولا أفهمها ، و أراها في فن الكلام عن البرتقالة حتى تفسد بدلاً من التهامها 00لكنني بدافع الحرج غالباً أخذت الكتاب ووعدت بقراءته بعناية وإبداء رأيي فيه ، وكان هذا الرأي مهما بالنسبة لها للغاية لأنني – كما تعتقد – من المثقفين الذين هم قشدة المجتمع 00
هنا فقط تذكرت الكتاب ، ودعوت الله ألا تكون أم سعد قد وجدته وباعته لأول بائع طعمية في الحارة التي تعيش بها 00
قلت وأنا أحاول التذكر ك
- لم أفرغ منه بعد 00إنه شديد العمق ولا يقرأ في جلسة واحدة 00ثم إن رحلتي إلى الولايات المتحدة قد 00
- حاول أن تنتهي منه سريعاً 00إهم يطالبون به 00
ومضت الجلسة في بعض المحاورات العميقة مثل سبب سقوط أقلام الحبر على سنونها ن ورنين جرس الهاتف حين تكون في الحمام ، وتأخر القطار عن موعده حين تصل إلى المحطة مبكراً , ورحيله في الوقت المحدد بالضبط لو تأخرت أنت عشر ثوان00
سأقرأ الكتاب غداً 00بالتأكيد سأفعل 00
الجمعة 24 أبريل :
بعد طقوس يوم الجمعة الشهيرة : الصلاة والغداء والنوم ، شعرت بوحدة بالغة 00قررت أن الوقت حان لقراءة كتاب كاميليا 0
جلست في الصالة أصغي لصوت انهمار المطر في الخارج 00كان يوما مطيرا رمادياً له كآبة محببة 00البرد يتسرب إلى قلبك وأعصابك 00إنني وحيد جداً 00وحدتي تفوق وحدة الأخرين 00هناك من هو وحيد لأنه ليس معه اثنان 00والوحيد الذي ليس معه ثلاثة 00أنا ذلك الوحيد البائس الذي ليس معه مائة شخص 00لهذا أقول : وحيد جداً 00
جرعت جرعة من الشاي الساخن ، وأرحت كفي على الكوب ورحت أطالع الصفحات 00غريب هذا !! الكتاب جيد بالفعل 00جيد وشائق 00وينجح في ربط الفلسفة بحياتنا إلى حد غير مسبوق 00
رحت أثب – كحصان طليق – بين الصفحات على صوت العاصفة 00على أن أتحكم في نفسي كي لا أنتهي من هذا الكتاب الساحر في جلسة واحدة 00
وعلى وريقة صغيرة رحت أخط ملاحظاتي كي لا انساها 00
ترك ما قرأته تساؤلات عديدة في نفسي 00تساؤلات كنت أحسبني أملك الإجابة عنها ، وزرع في نفسي حيرة محببة تجاه كينونتي وكينونة الآخرين 00أنت بارعة بحق يا كاميليا وأنني لأنحني لك احتراماً 00
إنها العاشرة مساء 00
ترى هل أنام أم 0000؟
نعم 00إن لي فترة لا بأس بها منذ ذهبت إلى دار عزت آخر مرة لقد تعافى تماماً من المرض ، ومن المفترض ان يكون الآن في شقته ما لم يكن في الاسكندرية 00
تمنيت الاحتمال الأول ، وتوكلت على الله وارتديت الروب ودسست قدمي في المركوبين وهي بالمناسبة لفظة فرنسية 00أعني مركوب طبعاً واتجهت إلى شقة المذكور ، ففتح لي الباب ، وقال بانبهار ك
- ماشاء الله ! عيني عليك باردة 00الخ 00
لقد صار هذا مملاً 00كم هو مضجر أن تكون في أفضل حال ، لا يكف الناس عن مصارحتك بهذا طيلة الوقت 00
كان في أسوأ حال بسبب البرد 00قلنسوة صوفية على رأسه تغطي أذنيه ، وروب صوفي سميك يستر عدة طبقات من الكنزات ، وفي قدميه جوربان صوفيان 00إن مرضه يجعل البرد عذاباً مقيماً 00
قال لي :
- هل لك في بعض الشاي ؟
- هل لك في بعض الشاي ؟
- ولكن قلل الصراصير نوعاً ، فلم أعد مولعاً بها 00
غاب في المطبخ فترة طويلة ، وشممت رائحة شياط وسبانخ تسلق وسمعت صراخا وعويلاً وعواء ذئب ، وأشياء غريبة جداً ، ثم عاد لي بكوب شاي على صفحة , وجلس جواري 00
أراد أن يخلي لي المائدة الصغيرة ليضعها أمامي ، لكن كان عليها تمثال ثقيل من تماثيله ، وحاول جاهداً أن يرفعه فلم يقدر 00تطوعت أنا بحمله إلى مكان آخر بسهولة تامة ، وعدت إلى مجلسنا أمام نظراته المندهشة 00
- غريب هذا !! أنت بصحة جيدة فعلاً 00
- الدهن في العتاقى 00أنا لم أنته بعد 00
قال في كياسة وهو يقرب صفحة الشاي مني :
- هذا يغريني بأن أفتح موضوعاً مهماً معك 00كنت متردداً لكنك قد جئت بقدميك 00
- جئت بكامل إرادتي الحرة كما يقول مصاصو الدماء لا يهاجمك إلا إذا تأكد من أنك جئت بكامل إرادتك الحرة00
أبعد الشر بكفه ، وقال :
- دعنا من هذه السيرة المنحوسة ، وقل لي :
- هل أنت مستعد للزواج ؟
نظرت له في حيرة تامة ولم أقل شيء ، وأعتبرها هو علامة موافقة ، فأدرف وهو يرتجف من البرد :
- أنها زميلتي00 رسامة ممتازة بحق ومناسبة من جميع الوجوه 00
- يا سلام ! ولماذا لا تتزوجها أنت ؟!!
اصطكت أسنانه وقال :
- في حالتي الصحية هذه أنا بحاجة إلى ممرضة لا إلى زوجه 00أما أنت فصحتك ممتازة ولن تجني علي من ستكون زوجتك 00
تذكرت العناية المركزة والآم الصدر وصفير الربو 00كل هذا يعتبره عزت صحة ممتازة 00لكنه ليس كاذب إلى هذا الحد 00حقا لم أشعر بهذه الصحة من قبل 00
قلت بفضول :
- والسن ؟
- خمسة وثلاثون 00إنها سن ناضجة 00ولا تسألني طبعا عن سر عدم زواجها حتى الآن 00
- طبعا 00أما أنها قبيحة كسحلية البازيليك وأما هي لم تجد الرجل المناسب بعد 00
- هي ليست قبيحة كسحلية الـ 00البا 00هذه فماذا نستنتج ظ
فكرت في الساعات المريرة الوحيدة التي قضيتها في داري ، وللمرة الآلف شعرت بأن الشرك يستحق أن أنزلق فيه 00
- دعني أراها أولا 00ودعها تراني أولا 00
- هذا من حقك طبعاً 00
وراح يرتجف قليلاً ، ثم قال :
- هذا من حقك طبعاً 00
وراح يرتجف ، ثم قال :
- يجب أن تراها في الإسكندرية 00أنها تعيش هناك مع أهلها 00
- وهل لديها عمل حكومي ؟
- أنها موظفة في شيء ما بالثقافة الجماهيرية 00ثمة معرض تشارك هي فيه في الأسبوع القادم 00أعتقد أنك ستهتم بالفنون التشكيلية في الفترة القادمة 0
قلت وأنا أرشف الشاي حالما ً :
- لقد كنت مهتماً بالفنون التشكيلية طيلة حياتي !!
وحين عدت لشقتي في 12 مساء ، كنت أفكر 00معنى ما حدث هو أن تأثير الشباب لم يكتف بجسدي ، بل بلغ روحي 00روحي التي بدأت تكتسب شباباً خاصاً بها 00فلو سمعت اقتراح عزت هذا منذ أسبوع لسخرت منه ، وسكبت الشاي على رأسه 00
لكن الاقتراح لم يبدو اليوم سخيفا إلى هذا الحد 00
سأسافر إلى الإسكندرية خصيصاً 00يالها من معجزة ! من يدري ؟ ربما لو نجح اللقاء أسافر إلى دمياط يوما لانتقاء صالون!! إن هذا يعد نوعا من الخيال العلمي لكن كل شيء جائز هذه الأيام 00
سأنام الآن وقد فرغت من هذه السطور 00
السبت 25 أبريل ك
لا يوجد ما أكتبه اليوم 00
الأحد 26 ابريل :
بانتظار تحسن الجو في الإسكندرية 00أنها نوه شرسة لكن من الواضح أنها آخرها 00يقولون أن اسمها نوة عوه أو شيء من هذا القبيل 00لكنهم يضيفون في ثقة : عوه آخر نوه 00لا بد أنهم سموها بهذا الاسم كي يستقيم السجع لا أكثر !
الاثنين 27 ابريل :
مزيد من الشعيرات السوداء والتجاعيد أقل 00لو استمر الأمر بهذا الشكل لتحولت إلى الفيس بريسلي بعد أسبوعين 00
الثلاثاء 28 ابريل :
إنها الثانية صباحاً 00لقد عدت من الإسكندرية من ساعتين 00
رباه ! لقد كانت تجربة ثرية بحق 00
ذهبت مع عزت إلى المعرض في السابعة مساء ، وكان هو قد أخبر الرسامة بقدومه ، ولم تكن هي لتفوت فرصة لقائه والترحيب به في معرضها 00وقد تفحصت لوحاتها بنهم قبل قدومها ، فوجدت أنها تقليدية جداً ما زالت في مرحلة رسم النهر ، والفلاحات الآتي يملأن الجرار، والبطة السعيدة السابحة 00وكان هذا على كل حال أفضل من لوحات زملائها ، المليئة بأكاليل الغار ومداخن المصانع والتروس العملاقة والفتوات الممسكين بالمفاتيح الانجليزية في أيديهم 00
ثم جاءت 00وكانت شيئاً رقيقاً هشاً شديد الخجل والعذوبة , وصافحتنا وجالت بنا في المعرض وكان معها أخوها 00وهو شاب مهذب لطيف الحاشية 00أناس طيبون حقاً وعزت لم يكن أحمق على الإطلاق ..على أن أكثر ما فتنني فيها النظرة الهفهافة الخجول التي لا تجرؤ على إطالة النظر إلى شيء 00كلمسة رضيع على وجهك وأنت تميل على مهده تلاعبه 00
قررت أن أتكلم ، فبدأت أقول كلاماً راقياً عميقاً جداً عن الفن وعلاقته بالحياة 00كلام لا يعيبه إلا أنني لم أفهمه أنا نفسي 00
ونظرت في ساعتها ، وقالت إننا أضأنا ليل الإسكندرية ، لكنها مضطرة للرحيل لأن الوقت تأخر 00
وهكذا انصرفت مع أخيها ، واعتقد أن انطباعها لم يكن سيئاً 00
سألني عزت :
- ما رأيك ؟ أتناسبك ؟
قلت في شرود :
- المشكلة الوحيدة هي أن هذه الزهرة لا تستحق أن تعاقب بي !!
- لا بد أنها تستحق 00إن كلاً منا له أخطاؤه الشنيعة !
ثم دار بعينيه في المعرض ، وقال بلهجة الإغراء :
- هل تريد أن ترى تماثيلي 0
كدت أقول له إنه لا وقت لدي لهذا الهراء !! ثم وجدت أن هذا سيكون فظاً بعد معاناته من أجلي 00
***********************************************
|