المنتدى :
روايات أونلاين و مقالات الكتاب
الألقاب مقالة للدكتور أحمد خالد توفيق
السلام عليكم
مع مقالـــــــــة للدكتور أحمد خالد توفيق
بإســـــــم الألــــقاب
**********************************
الألقاب
مشكلة الألقاب في حياتي كانت تضايقني دائماً، والسبب هو أنني لم أنعت قط بلقب أرى أنه يناسبني بحق..
في سن الطفولة، كان اللقب الشائع هو «ولد» أو «وله» أو «ياض».. أما بين الأصدقاء فأنت «كابتنا» طيلة الوقت..
صحيح أنني لم أظهر أي نوع من البراعة أو اللياقة الرياضية في حياتي، لكني ظللت «كابتنا» لفترة لا بأس بها.. بعد هذا سادت موضة هي أن أي طفل يدعى «حمادة»، لكني كنت قد كبرت لحسن الحظ كي أفلت من هذا..
بعد هذا صرت شاباً.. وفي المجتمع المصري سريع الحركة والتغير في عصر أنور السادات، صار عليك أن تصير «عسلا» أو «ذوقا». إما أن تكون كذا وإلا فإنك لا تندمج مع المجتمع.. وقد تقبلت على مضض أن أتحول إلى «عسل» و»ذوق» وأحياناً «غال».
الآن صرت في الثلاثين من عمري وصار من حقي أن أظفر ببعض الاحترام الذي استحققته. وقد وجدت الكثير من الراحة في لفظة «أستاذ». لفظة مسالمة محايدة تحفظ الحد الأدنى من الاحترام، لكنها رغم ذلك لم تكن تريحني جداً.. تذكر أنني طبيب لهذا كان الأمر يبدو مهيناً فعلاً لو ناداني بها شخص يعرفني.. لماذا؟.. هل ترى أنني لا أستحق لفظة «دكتور» فعلاً؟
هذا يذكرني بهواية كل من درس الطب أن يكتب حرف «دال» قبل اسمه في عنوان المقال. المفترض أنه لا يحق للمرء كتابة حرف الدال إلا لو كان حاصلاً على الدكتوراه في موضوع المقال، أي أنه لو كتب عن الزلازل عليه أن يكون حاصلاً على دكتوراه في الجيولوجيا.. حاولت أن أنزع حرف الدال الذي يسبق اسمي، ثم وجدت أن كل من درس الطب يحتفظ بهذا الحرف في لقبه.. فلماذا أنزعه أنا وقد حصلت فعلاً على درجة الدكتوراه؟.. ولماذا أظلم نفسي وحدي؟
بعد هذا جربت قسوة أن يناديك الناس «باشمهندس» وهم يعرفون أنك طبيب.. تبدو لي من أقسى الإهانات التي عرفتها.
لكنها على كل حال ليست بقسوة لفظة «يا ريس».. لفظة «ريس» ليست قبيحة في حد ذاتها.. ابن سينا العظيم نفسه كان يدعى «الرئيس»، لكنها في مجتمعنا تتراوح من رئيس الجمهورية، حتى رئيس العمال في موقع بناء، وغالبًا ما يكون معناها أقرب للأخير
في سن الأربعين، تحولت إلى «عمو» أو «أبيه» أو «اونكل» بالنسبة للمراهقين.. تسمية مهذبة، لكنها قاسية؛ لأنها تخبرك بأنك لم تعد شاباً، وصرت من «الآخرين».... ذات مرة، كانت هناك فتيات رائعات الجمال، تعرفت بهن وتبادلنا عبارات المزاح.. ثم فطنت في رعب إلى أنهن يطلقن علي «عمو».. لهذا فهمت سر اطمئنانهن لي.. ثقة النساء بك هدية غالية لا تنالها إلا وأنت على باب القبر!
هكذا فقدت أي مرح وانسحبت في صمت.. من حق «عمو» أن يكتئب ويمرض طبعاً!
لفظة «شيخ» لفظة شائعة كذلك، لكن أحداً لم يصفني بها.. على الأرجح هي مقصورة على الملتحين ولابسي الجلباب..
مع بدء الألفية الجديدة وظهور ثقافة «الميكروباص» ظهرت ألقاب جديدة مثل «يا نجم».. و»يا برنس». رغم أن اللفظتين لطيفتان، فإن لهما ارتباطاً معيناً بثقافة «الهبش والسرقة والبانجو». أو لعل السينما هي المسؤولة عن ذلك.
على كل حال، الألقاب كثيرة .. لكني أعترف لك بأنني لم أرتح إلا للقليل جداً منها. معظم هذه الألقاب تترك مذاقاً مريراً في الفم.
أحياناً يناديني شخص أحمق بلفظة «يا كابتن»، وهذه سبة عقابها الموت لو قيلت لي اليوم طبعاً، لكن الأسوأ منها ما قاله لي أحدهم ذات مرة «يا حاج!».. «يا حاج» لفظة جميلة تدل على أنك قمت بأداء فريضة الحج، لكن لها كذلك رنيناً واضحاً في المجتمع المصري يدل على أنك متقدم جداً في السن وقد صرت على باب القبر...
هكذا اكتشف من جديد أنني أفضل أن أظل «كابتنا» للأبد.. ربما أفضل أن أظل «حمادة» أيضاً.
د. أحمد خالد توفيق
|