- أمضيت فترة من حياتك حرة , رسمت وسافرت واستمتعت بالحياة بين مجموعة من الأصدقاء , ولكن عندما مرضت وضعك أبوك فى مستشفى في " بيرن " , ومنذ ذلك الحين تملكك , جسدا وروحا .
- ربما جسدا , ولكن ليس روحا أبدا .
إنها النار مرة اخرى , والتمرد العنيف , وشعر بتماثل بينهما لم يشعر به إلا نحو قليلات من النساء.
ورقق من صوته :
" فكري في الأمر , يا أليسيا . في اليونان أنت دون قوة , وأبوك رأس الأسرة .. السلطة الكاملة له . لديه الحق في أن يختار لك زوجك . لديه الحق في أن يسجنك هنا . لديه الحق في أن يجعل حياتك تعسة "
- أنا لست سجينة هنا .
منتديات ليلاس
- لماذا لا تغادرين الدير إذن ؟
حبست أنفاسها , بتوثب آسر . واتسعت حدقتا عينيها , وتوترت شفتاها .
فقال بعد قليل من التردد :
- يمكنك أن تغادري اليوم , حالا , وستكونين حرة أخيرا .
بقيت لحظة لا تجيب , وهي تتفحصه بنفس العزم الذى قابلته فيه .
ثم قالت :
" الزوجات اليونانيات لايملكن الحرية أبدا "
- لا . ربما ليس بالطريقة التى تفكرين فيها , لكنني سأسمح لك بالسفر , وبمزاولة الهوايات التى تهمك , وسأسمح لك بإختيار اصدقائك وسيكون بإمكانك أن تعودي إلى الرسم .
- أنا لم أعد أرسم .
- ولكن بإمكانك ذلك , فقد سمعت بأنك ماهرة فيه .
ضحكت فجأة بصوت منخفض وأخذ جسدها يرتجف توترا , وعقدت ذراعيها فوق صدرها :
" لابد أنك بحاجة ماسة إلى سفن أبي "
تملكت كريستوس موجة من مشاعر حلوة بشكل لم يشعر به من قبل . رأي نفسه كما هو بالضبط , منقادا , حذرا بشكل أناني .
يخدم نفسه بكبرياء , وهذه المرأة , هذه المرأة الجميلة النقية الشابة , تعلم بأن أهميتها الوحيدة تكمن في أنها جزء من صفقة مقدار ما تدفعه من بائنة . وما يستحق الاهتمام فيها هو اسمها فقط .
وفي جزء من اللحظة شعر بكراهية لهذا النظام ولنفسه , لكنه ما لبث أن أزاح اعتراضه هذا جانبا دون رحمة .. سوف يحصل عليها .
انزلقت أليسيا من تحت ذراعه وابتعدت عنه عدة خطوات , وسارت إلى آخر الحديقة , ثم ركعت عند شجيرة لافندر
وهمست وهي تقطف زهرة :
- السفن ... لشد ما أكرهها !
وأخذت تشم الزهرة الأرجوانية .
فقال وهو يفكر في أنها أشبه بلوحة زيتية :
" وأنا أحبها "
انحناءة عنقها , رقبتها البيضاء , شعرها المجموع على قفا رأسها بلون العسل الطبيعى , يتألق فى أشعة الشمس الذهبية . إنه يريد هذه المرأة , سواء كانت صفقة أم لا . وأطبقت على الزهرة في قبضتها وهي تقول :
" يا سيد باتيراس , ألم يخطر في بالك قط أن تتساءل عما يدفع رجلا ثريا مثل أبي إلى منح ثروته لمن يأخذ ابنته ؟ "
كانت الشمس تتألق ذهبية دافئة على قمة رأسها , والنسائم تعبث بخصلة شعر أخري :
" أنا بضاعة تالفة يا سيد باتيراس , ولايمكن لأبي أن يعطيني إلى طالب زواج يوناني حتى ولو حاول ذلك "
منتديات ليلاس
أكثر تلفا مما قد يظن , كانت أليسيا تعترف بذلك بكآبة , وهي تسحق زهرة اللافندر في كفها , فقد تبادر إلى ذهنها , دون رغبة منها , ذكرى المصح الذى كانت فيه في سويسرا . لقد أمضنت هناك قرابة أربعة عشر شهرا , طوال سنتها الواحدة والعشرين , قبل أن تأتى أمها فتنقذها وتساعدها على السكن فى شقة صغيرة في " جنيف " .
وقد أحبت أليسيا جينف إذ لم يكن لها فيها ذكريات سيئة . وقد عاشت فيها بهدوء وسعادة حوالى عامين , راضية بوظيفتها في متجر للملابس , متذوقة الأمان فى شقتها البسيطة .. كانت تتصل أسبوعيا بأمها في " أونوساي " وتتحدث إليها فى أشياء كثيرة مختلفة سارة ليس فيها ما يؤلم بل ما يفرح .
لم تسألها أمها عن المصح , أو عن حياتها في باريس على الإطلاق , ولم تسأل أليسيا عن أبيها قط . كانت كل واحدة منهما تتفهم الأخرى , وتتفهمان آلام بعضهما البعض .