كاتب الموضوع :
زاهــــــــــــره
المنتدى :
القصص المكتمله
الفصل العاشر
لماذا التجهم؟
ما أن نزلت مشيرة إلى المطبخ حتى وجدت سها التي قالت لها هامسة و كأنها طفل يتآمر:- لقد إستيقظ أخي اليوم في مزاج متعكر و كأن أحداً ضربه على رأسه..... إننا جميعاً نتجنبه و أنصحك أن تتجنبيه أنت الأخرى.- هل الأمر بهذا السوء.- إنتظري و سوف ترين.في غرفة الطعام جلس الأربعة _سها و محمد و مشيرة و يوسف_ يتناولون الطعام في صمت... كانت مشيرة ستقوم بسؤأل يوسف متى سيبدأ في روايته الجديدة و هل سيسمح لها بأنه تساعده في العمل بعد أن تعافت يده لكن بعد أن أجاب عن تحيتها الصباحية بنظرة متجهمة عدلت عن نيتها في الحديث معه.ما به هذا الرجل؟ هل إستكثر على من حوله ليلة من السلام قضاها معهم ها هو يبدأ اليوم التالي بتسديد النظرات الغاضبة يميناً و يساراً؟ أم تراه الندم؟ مؤكد أنه يشعر بالندم بسبب حديثهما العفوي الملي بالمزاح.... زفرت بضيف فليعينني الله فيبدو أنني سوف أدفع ثمن لطفه القصير غالياً.بعد الغداء إستأذن يوسف منسحباً إلى مكتبه..... خرج محمد للقاء عميل و جلست مشيرة مع سها في الحديقة و كالعادة أغرقتها سها بالمعلومات عن حياتهم و لم تستطع مشيرة إيقافها، قالت سها:- و هكذا ترين أن يوسف يظن نفسه يشبه والدي؟لم تستطع منع نفسها من السؤال:- و كيف ذلك؟- ألم أخبرك أن سوسن إنتحرت؟- نعم... و لكن ذلك لا صله له....قاطعتها سها:- إن يوسف يرى أنه هو الذي دفعها لذلك... و طبعا هذه نظرة غير صائبه فقد كنت موجودة لقد كان يعاملها كأنها من الكريستال القابل للكسر... بحنان و حرص و إهتمام.فكرت مشيرة.... حنان؟ لا يمكنها تخيل صاحب الوجه المتجهم الذي كاد ينفث في وجوههم النار صباحاً و هو يغدق أحداً بالحنان... عادت للتركيز فيما تقوله سها:- حتى بعدما تغيرت سوسن و لو تعد تلك الفتاة البريئة الحلوة التي كانت تدعيها إستمر في معاملتها معاملة طيبة... بذل كل ما يستطيع لكي ينجح زواجهما لكنه فشل لأن سوسن لم تكن الفتاة التي أوهمتنا.قالت مشيرة بنفاذ صبر:- مازلت لا أرى صلة لما تقولينه بوالدك.صمتت سها كأنها تفكر هل يجب أن تتكلم أم لا لكنها في النهاية إستسلمت لرغبتها في مشاركة مشيرة بما تعلم:- لقد إنتحرت والدتي أيضاً.شهقت مشيرة بذعر... و كم تمنت أن تصمت سها و لا تكمل ما تقوله لكن فات الأوان لأنها تابعت:- كانت والدتي على حسب قول توحه سيدة مرحة لم تكن تتوقف عن الضحك و الإبتسام كان زواجها من أبي زواج مدبر لكنهما ما لبثا أن أغرما ببعضهما البعض بجنون... بعد ولادة أخي إزدادت فرحتهم حتى أن والدتي كانت دوماً ما تقول لتوحه أنها تشعر أنها تعيش حلم جميل تخشى أن تستفيق منه ... بعد عشر سنوات جئت أنا للدنيا و إستمرت السعادة خمس سنوات و بعدها بدأت الأمور تتغير إنشغل والدي بالعمل و لم يعد يتواجد في البيت فأصاب إمي الحزن و بدأت في تفريغ إحباطها على يوسف بالصراخ و الصياح و التأنيب... حاولت أن تقرب المسافات مع والدي لكن العلاقة بينهما لم تعد كما كانت قط و عندما بلغت العاشرة إنتحرت والدتي... لا أعلم ما حدث بينهما لكنني أظن يوسف يعلم لقد أحدث إنتحارها شرخاً في دروع أخي و جاءت سوسن لتجهز عليه.لم تحتمل مشيرة كل هذا الكم من المآسي... لقد توقعت أن تكون حياة يوسف لغز لكن أن تحمل هذا الكم من المصائب فلم تكن تتخيل ، قالت سها:- يوسف من وجدها ميته في غرفتها... لقد أخذت علبتين أقراص منومه.شهقت مشيرة:- ياإلهي... ياإلهي.- هل إنتهيت من سرد تاريخ عائلتنا المشرف على الآنسة مشيرة؟قفزت الفتاتان ما أن سمعتا صوت يوسف الراعد الذي كان يقطر غضباً، نظر إلى مشيرة:- آنسة مشيرة أريد أن أراكِ في مكتبي.نظر إلى أخته و الشرر يتطاير من عينيه:- أما أنتِ فلنا حديث في وقت آخر.
جلست سها منكمشه في كرسيها بعد أن إستدار يوسف و إتجه إلى المنزل نظرت سها إلى مشيرة و إبتسمت فهمست مشيرة:- أيتها المخادعة... تمثلين دور الخائفة المرتعدة و أنت تشعرين بالتسلية لما يحدث.- إن نجوتِ من بين يدي أخي أريدك أن تحكي لي ما حدث بالتفصيل.رفعت يديها إلى السماء:- سها... إنك إنسانة ميئوس منها أين هو زوجك ليرى ما فعلت؟*******************دخلت مشيرة غرفة المكتب... كان يوسف يقف أمام النافذة و قد بدى غافل عن كل ما حوله، وقفت مشيرة بالباب محدقة في ظهره إنتفضت عندما قال بصوت غليظ عبر عن الغضب الذي يحاول كبته:- إدخلي و أغلقي الباب وراءك.بعد أن نفذت ما قاله أمرها بنفس اللهجة:- إجلسي.كانت في طريقها إلى أحد الكراسي لكنها توقفت و قد تملكها الغضب... إنها ليست دمية ليتحكم بها مصدراً الأومر... كما أنها ليست جبانه لتخافه قالت بحدة:- أفضل الوقوف...يوسف.تعمدت إضافة إسمه و كأنما لتذكره بالليلة السابقة، إلتفت لها بحدة و شدد على كلامه:- آنسة مشيرة أتمنى لو تتفضلي و تجلسي ....قاطعته:- لا أعرف لما الإصرار على جلوسي هل لتتمكن من خنقي بسهولة... أوكد لك أن بإمكانك إنجاز المهمة و أنا واقفة.نظر لها بذهول سرعان ما إختفى ليعود الجمود إلى وجهه:- لا تغريني بالفكرة.وقفا ينظران لبعضهما البعض كعدوان مستعدان لإشهار الأسلحة لكنها رضخت و جلست:- و الآن هل لي أن أعرف ما الموضوع؟تمنت أن يتحدث من مكانه لكن أملها خاب عندما تقدم و جلس على طرف المكتب، قال:- عندما وصلت كانت اختي تخبره بأسراري السوداء.- لا أعتقد أنه يمكننا أن نطلق عليها سوداء.- بل هي كذلك بالنسبه للكثير من الناس لذلك أحب أن أبقيها في الخفاء.- لكنها ليست كذلك بالنسبة لي.... لكل منا أسرار في حياته و رغبتنا في إخفائها لا تجعل منها أمور (سوداء) ... أمور يجب أن نخجل منها.- أرى أن بعد جلستك مع أختي بدأتي في تحليلي نفسياً.- لا... كل ما في الأمر أنك تعطي الأمور أكبر من حجمها و تتمتع بالرثاء على نفسك.... إنظر إلى نفسك بالرغم من ليلة الأمس الرائعة ها أنت تستيقظ صباحاً لتعزل نفسك عن الجميع و كأنك تقول ((لا تفرحوا بما حدث فأنا لن أتغير)) و هذا العبوس... بحق الله لما التجهم؟؟؟إشتعلت عيناه:- أنتِ لا تعرفين عن ماذا تتكلمين.- لا؟...أعتقد أنه طاب لك أن تعيش في قوقعتك الخاصة مدعياً أن هذا نوع من الحفاظ على الذات بينما هو هروب.... جبن...صمتت عندما قفز من على المكتب و أمسك بكتفيها بغضب:- أيتها الحمقاء الصغيرة... إنك تتكلمين و كأن حياتي هي النعيم و أنا أصر على تحويلها لجحيم بإرادتي...قالت بهدوء:- كل منا يصنع نعيمه الخاص أو جحيمه و إذا إخترت أنت أن تعيش في العذاب فلا جدوى....هزّها بقوة:- أتظنين أنه يطيب لي أن ترافقني الكوابيس كل ليلة.... أتظنين أنه شعور جميل أن تحسي أن كل تلمسينه يموت... كل إهتممت لأمره يصبح في النهاية إلى ماضي.... ماضي محطم مجرد التفكير فيه يعذب روحك.تسمرت مشيرة في مكانها مصعوقة... كان يوسف يشتعل غضباً... بل كان كل جسمه يرتجف من الغضب، لم تتخيل مشيرة أن ترى هذا الرجل المسيطر يفقد السيطرة على أعصابه، تركها فجأة فإنهارت على الكرسي... إبتعد عنها و أخذ يذرع الغرفة ذهاباً و إياباً كأنه أسد محبوس في قفص، تخلل شعره بأصابعه في حركة عصبية:- تظنين أنك عالمة بالأمور.... حسناً سوف أخبرك بالصورة كاملة.
قالت بذعر:- لا أريد أن اعرف شئ.- بل ستسمعين... أنت من طلبت ذلك...- لا.... أنا لم أطلب من سها أن تخبرني بشئ.صاح:- ياللبراءة... لابد أنك شجعتها...هبت واقفة و صاحت به في غضب:- لا تبدأ في إلقاء الإتهامات يا سيد...- سيد؟ و أين ذهبت المناداة بالإسم الأول.صاحت به:- يالك من لئيم... إذهب أنت و أسرار إلى جهنم... و إعلم أنني لم أشجع أختك على أن تقول كلمة فهي على خلاف أخيها لا تملك عقداً نفسية تمنعها من الحديث عن الماضي كأنه شبح.رعد صوته في الغرفة:- كاذبة... لو أردت أن تسكتيها لإستطعتِ.- لن أسمح لك بإهانتي.- و أنا لم أطلب منك الإذن سأقول ما أريده.إقتحمت فتحية الغرفة و في أعقابها سها سألا بذعر:- ماذا يحدث؟إلتفتت مشيرة و يوسف و قالا في وقت واحد:- لا شئ.توجهت مشيرة للباب:- إنني راحلة.أمسك يوسف ذراعها:- بل ستبقين حتى أنتهي من كلامي.دهشت فتحية و سها من تصرف يوسف إلتفت لهما:- و أنتما... إلى الخارج.هتفت به توحه:- حسناً لكن لا تسئ التصرف أيها الولد.نظرت إلى مشيرة و قالت بصرامة:- لو ضايقك ناديني.إنسحبا و أغلقا الباب بهدوء فقالت مشيرة بعنف:- إسمعت يا سيد عيّاش لا تعتقد أن بإمكانك إرهابي بالصراخ... أنا لا أخافك.نظر لها بإعجاب ما لبث أن إختفى سريعاً... عندما هم بالكلام قاطعته:- معك حق... لقد أخطأت لأنني لم أوقفها عن الكلام لكن مؤكد أنك لا تغفل عن أختك... عندما تبدأ بالكلام لا يستطيع أحد أن يوقفها...و بالرغم من كل شئ لم يكن لك الحق في إهانتي.- لكن لك أنتِ هذا الحق في إهانتي و نعتي بكل النعوت و إتهامي بانني أستمتع بالتمرغ في الرثاء على نفسي.- أوليس هذا صحيحاً.أجفلت عندما صاح بها:- لا ليس صحيحاً.... إعذريني إن قطعت عليكِ تمثيلك دور المحلل النفسي.... سوف أخبرك ما لم تخبرك به سها و ما لن يخبرك به أحد.قالت بسخرية غاضبة:- إعذرني لا أريد هذا الإمتياز.- أنا لا أسألك.... بما أنك سمعت القصة فلزام عليكِ أن تسمعيها للنهاية قد تريني الجانب المضئ منها.... من يدري قد تنجحين في النهاية و تقنعيني بعدم وجوب التجهم.إنه يسخر منها ... حسناً سوف تسمعه في النهاية و مهما كان ما سيقوله لا تعتقد أنه سيكون أكثر بشاعة من ما سمعته من سها، إجتاحت الظلمة عينيه و جلس مشيراً لها بأن تجلس فلم تعارضه:- أعتقد أن سها أخبرتك ان سوسن إنتحرت.- نعم كما أخبرتني أن والدتك أنتحرت و رأيي أنه ليس بالضرورة أن يكون للأمران صلة ببعضهما.... كما أنه لا يبرر كرهك العميق للنساء.نظر لها بتساؤل فقالت له:
- نعم و لا تنكر ذلك.... أكاد أوقن أنه لولا قدمي و ذراعي المكسورتان لكنت القيت بي خارج منزلك من اللحظة الأولى هذا إن إستقبلتني من الأصل هذا بدون ذكر تجهمك الدائم و كأنك نسيت كيف يكون الإبتسام.- و هل هناك ما يسدعي الإبتسام؟سالتيني لما التجهم؟ سأخبرك لما التجهم.... ما رأيك برؤية والدتي و هي تخون والدي رداً على إهماله لها... ما رأيك بموتها و هي بين يدي و مشاهدتي لوالدي يذوي من بعد موتها و كأنه يعاقب نفسه....صاح هادراً:- لا أعلم من ألوم منهما فهما الإثنان أجرما في حق بعضهما.... و ما رأيك بعودة الأمل على يد زوجتي الجميلة التي تحولت مع مرور الوقت لنسخة من والدتي مع إختلاف أنني لم أميت نفسي حزناً عليها... كنت أشبه والدي في دفع زوجتي لقتل نفسها لكنني لم أتمادي لقتل نفسي من أجلها فهي لا تستحق... لا توجد إمرأة على وجه الأرض تستحق....كان جسده يهتز بصورة كبيرة و قد هب واقفاً و كأنه لم يحتمل الجلوس أكثر من ذلك.... أمسكت بذراعه فوجدته يرتجف:- إهدأ... إهدأ.نظر إلى يدها الصغيرة التي تغطي يده .... حاول نفض يدها رافضاً المواساة التي تقدمها له... لا يريد حنانها... لا يريد الحنان من أحد فهو سم ذاقه مرتين... و كأنها قرأت أفكاره شدت على يديه:- كفى... لا أريد سماع المزيد.جلس واضعاً رأسه بين يديه سمعها تقول هامسة:- أعتذر... أعتذر عن ما قلته من قبل... صمتت قليلاً ثم قالت:- لكن بالرغم من كل هذا هناك سؤال يلح علي.... لماذا التجهم؟عندما رفع رأسه لم يجدها.... داعبت إبتسامة شفتيه و هز رأسه بعدم تصديق..... يالها من فتاة بالرغم من شجارهما العظيم تصر على المزاح و تلقي هذا السؤال كأنها تشاكسة ممازحة.... إعترف على كره منه أنها على حق... فمع وجود فتاة مثلها في حياته لا حاجه للعبوس... فلماذا التجهم؟
|