وكانت الساعة قد قاربت الثامنة عندما توقفت الأوستن مارتن أمام المنزل الكبير القديم , وكان مشيدا فوق مساحة واسعة من صخور الشاطىء , وتنفتح باحته على مسبح عائلي خاص أقيمت على ضفته حفلة الليلة , وأصطفت على جانبي الطريق الخاص بضع سيارات , ولم يكد باتريك يوقف سيارته , حتى ترجلت سمانتا منها فرحة , وفور وصولهم , أندفع عدد من الأولاد نحوهم ورموا بأنفسهم مذهولين على باتريك , فأخرج لهم قطع السكاكر والشوكولا من جيوب معطفه , كما رفع الطفلة الأصغر بينهم فوق كتفيه.
منتديات ليلاس
ووقفت باربرا تراقبه بشيء من الأشمئزاز , في حين تقدمت سمانتا منهم بشغف لأنها طالما أحبت الصغار , الذين لم تنعم برؤيتهم عند وصولها الى أنكلترا , أما آندرو فكشر أمامهم قائلا:
" هذان الشريران الصغيران هما دبي ودونالد , أنهما توأم , أما باتريك , فيحمل جنيفر وهذه فران. أي تصغير فرانسيسكا طبعا , التوأم في الثامنة من عمرهما , في حين تبلغ فران العاشرة , ولم تتعد جنيفر الخامسة , ويبقى عليك مقابلة ستيفن البالغ من العمر أربع عشرة سنة , لكنه الآن في مدرسة داخلية , وعليه , لا بد أن تؤجلي متعة لقائه المشكوك فيها".
ضحكت سمانتا وقد حسدت آندرو على كثرة أشقائه وشقيقاته , آه , لو كانت أسرتها أسرة طبيعية سعيدة , ولو كان لها مثل هؤلاء الأخوة المحبين.
وتقدم باتريك منها حاملا جنيفر على كتفيه , ثم قال:
" ما رأيك بهؤلاء الرعاع؟".
هتفت سمانتا بدفء:
" أنهم آية في الجمال والروعة , وأني أغبطهم على أنفتاحهم وتحررهم , ما أجمل أن تكون للمرء مثل هذه الأسرة!".
أبتسم لها باتريك برقة:
" أنتظري حتى تتزوجي , عندئذ أسّسي أسرتك الخاصة بحيث تنعمين بهذه المتعة فعلا".
رفعت سمانتا بصرها اليه ومررت لسانها بخفة على شفتها العليا, وهمست بعذوبة:
" صحيح , وأنني أنوي أن أنجب حشدا من الأولاد".
فهمس في أذنها:
" أنا متأكد من ذلك".
وأستدارت بعيدا وقد عجزت في السيطرة على مشاعرها , وأمتلأ أنفها برائحة البحر وعشبه , فغمرها الحنين الى أيطاليا , ولكن لم يعد لها في أيطاليا منزل ولا أب يشعرانها بالأمان , وهذا ما تفتقده الآن , وتأمّل التوأم باربرا ببعض الشك , أذ أتيحت لهما فرصة مقابلتها من قبل دون أن تترك فيهما أنطباعا حسنا , وحسبا أنها تكثر من أستعمال العطر , كما أعتبرا أن من الحماقة والسخف أن ترتدي بزة ضيقة من الحرير السميك الأخضر لحضور حفلة على الشاطىء.
منتديات ليلاس
وألتصقت فران بسمانتا فيما ساروا نحو البيت , وسألت فران سمانتا وهي تتأملها بفضول:
" هل أنت صديقة آندرو؟".
أجابت سمانتا مبتسمة:
" ليس بالضبط , فأنا أبنة الآنسة هارييت".
بدت الدهشة على فران:
" باربرا هارييت؟ هل تقصدين باربرا صديقة خالي باتريك؟".
" أجل , لماذا تسألين؟".
" حسنا , الحقيقة أنني لم أعرف أنها متزوجة".
" أنها ليست كذلك الآن لأن زوجها قد توفي , بل يجب أن أقول أن والدي متوف".
" آه! أذن لماذا تدعو نفسها الآنسة هارييت ؟ من المؤكد أنها السيدة....".
" هذا صحيح , الحقيقة أنها يجب أن تكون السيدة كنغزلي , غير أن أهل المسرح يستعملون عادة أسماءهم المعروفة".
فقطبت فران جبينها:
" أنك لا تشبهينها البتة".
" كلا , لن أشبهها أبدا , أليس كذلك؟ أنني أصغر منها سنا وأقل منها شأنا".
" ماذا يعني هذا؟".
أبتسمت سمانتا لأنها لم تألف تفسير المعاني لأحد , بل العكس كان صحيحا , وحانت منها ألتفاتة الى آندرو السائر وراءها , فقال لها:
" لقد سمعت , أحقا تعرفين الجواب؟".
رفعت سمانتا حاجبيها غاضبة , وأستدارت نحوه , وضغطت على معدته ضاحكة , فتظاهر آندرو أنه أصيب بجرج بالغ , فركض نحوه التوأم ,وقد أعجبتهما اللعبة , وغدا المشهد صاخبا , فنظرت باربرا الى باتريك بكبرياء وأكدت فجأة :
" لا شك أنك أصبت , فسمانتا تمتع نفسها , أن الأولاد دائما يستمتعون بالحياة , أليس كذلك؟".
أنزل باتريك جنيفر الى الأرض مدّعيا أنها ثقيلة , ثم نظر الى رفيقته ,وسألها متهكما:
" هل أفهم من قولك أن الكبار لا يمتعون أنفسهم؟".
فأجابته باربرا:
" أنك تسيء فهمي عمدا".
وتكلفت الأحتشام وهي تتسلق السلم وتدخل البيت وكان السيد والسيدة فرايزر زوجين في العقد الخامس من عمرهما , متزوجين منذ نحو عشرين سنة , وكانت جينا , شقيقة باتريك , سيدة نحيلة القوام مديدة القامة تشبه سمانتا في بنيتها , وقد تسرب الشيب الى بعض شعرها , أما زوجها جايلز , فكان رجلا عريض المنكبين أشقر الشعر والبشرة له كرش صغير وقد أستقبل سمانتا ووالدتها أستقبالا دافئا.
أما الضيوف الآخرون , فكانوا أثنين من الجيران مع زوجتيهما الى جانب محام وزوجته , وعقيد متقاعد وأبنته العازبة , أضافة الى بعض الشبان المراهقين من أصدقاء آندرو وفرانسيسكا.