وترددت باربرا على أبنتها بين الحين والآخر , فشبهت سمانتا سلوكها بالسلوك المفروض على الوضي الأمين , وأرضاها عثور سمانتا على شخص يسليها بحيث لم تعد بحاجة الى أنتباه والدتها المستمر.
وأمتلأت الغرفة بالمحتفلين , فتساءلت سمانتا أذا كانت أمها ستعرّفها على الرجل الذي قالت جدتها أنه أصبح جزءا مهما من حياة باربرا , وقدمت باربرا العديد من الرجال العزبين الى سمانتا , غير أنها ساوت بينهم في الأهمية.
وقرع جرس الباب مجددا , فأتجهت باربرا نحوه لتفتحه , وتطلعت سمانتا بتكاسل وهي تتوقع أن ترى زوجين حضرا الى الحفلة وقد تأخرا كثيرا , وأمكنها أن تسمع حديث والدتها الحيوي , ورأت الزائر يقف ويخلع معطفه وقد أدار ظهره لأمها , تغيرت هيئة باربرا كليا , وأزدادت حيويتها ورقتها , وأنكشف وجه الرجل , فأمتقع وجه سمانتا , وتجهم محيا آندرو اذي كان يسدد اليها نظرة ويحادثها عن آخر الصرعات في عالم الرقص.
وسألها بقلق:
" هل هناك ما يزعجك ؟ أن وجهك شاحب".
هزت سمانتا رأسها :
" أذا كان يهمك أن تعرفي الزائر الجديد , علي أن أعلمك أنه خالي".
أجبرت سمانتا نفسها على الأحتفاظ بهدوئها:
" هل هو خالك حقا؟ من..... من هو؟".
" يا ألهي , من الواضح أنك فقدت كل أتصال بأنكلترا , أنه باتريك مالوري الكاتب المسرحي الشهير , وهو الذي يكتب المسرحية الجديدة التي ستقوم أمك فيها بدور البطولة".
" أذن , فهو يكتب مسرحيات !".
وبلعت سمانتا ريقها بصعوبة , فيما قال آندرو:
" هل ترغبين في لقائه ؟ يخيل اليّ أن باربرا ستحضره الى هنا , فهما قريبان جدا من بعضهما".
وتنبهت سمانتا الى حماقتها , ألا أن لسانها أنعقد في هذه الأثناء , وأنشدت عيناها الى باتريك بصورة آلية وقد أبتسم أبتسامته الهادئة فيما يتحدث بسهولة وهدوء الى أمها وعدد قليل من الضيوف الذين تحلقوا حولهما , وخيل لسمانتا أنه رائع ببزته الرمادية الداكنة , وشعره الأسود المسرّح بدقة لا تضاهى , وبشرته السمراء التي تلفت الأنظار.
هل يمكن أن يكون هذا هو الرجل الذي تريد أمخا أن تتزوجه؟ كلا, بالطبع , لكنها وثقت أنه هو , من المؤكد أن باربرا تتصرف على هذا النحو أتجاه أي شخص آخر , ولم يخرج سلوكها عن أطار الشخصية التي رسمتها لها أبنتها , أنها الآن جذابة وفنانة بأنوثتها البالغة , وقد زالت عنها البرودة , تحولت الى أمرأة شابة مغرية تسعى بكل جهدها الى أسر رجل وسيم وأستعباده.
ثم بدأت سمانتا تقيّم موقفها الشخصي على ضوء هذه الخواطر , فمن المفروض أنها أبنة ستة عشر عاما , وستقدم الى باتريك على أنها أبنة باربرا المراهقة , وعاودها أنقباضها وتكتّمها السابقان ,لو أن باربرا قبلت بها كمل هي!
ولكن , لماذا تهتم بمسألة عمرها . فلم يكن عمرها , لن يتكرم عليها أحد بأكثر من نظرة طالما بقيت باربرا بجوارها , وباربرا مصممة على البقاء بجوارها , وهي لا تشك في ذلك لأن صفات التملك والسيطرة بارزة في كل ملمح من ملامح والدتها وهي تمسك ذراع باتريك مالوري بوقاحة .
ورشفت بعض عصير الأناناس فيما حاولت تكييف نفسها ثانية مع آندرو الذي أستأنف حديثه , صحيح أنها ظلت في حالة ذهول , ألا أن الصدمة الأولى قد ولّت , وسألت آندرو وهي عاجزة عن تحمل المشكلة بمفردها:
" أخبرني , كم هو عمر خالك ؟ أخاله لا يزال عازبا".
" أجل , أنه ما زال عازبا , وهو يناهز السابعة والثلاثين من العمر على ما أظن , ولكن , لماذا تريدين أن تعرفي؟".
وقهقه , ثم أضاف:
" هل تجدينه جذابا؟ أن معظم النساء يشاطرنك شعورك , ولكن , ربما لا زلت صغيرة , ولعلك لم تبلغي هذه المرحلة من العمر".
تصنّعت سمانتا الأبتسام وهي تجيبه:
" لا أوافقك على رأيك لأنني أعتبره جذابا للغاية".
أزدادت تكشيرة آندرو أتساعا:
" وماذا عني؟ هل تعتقدين أن بأمكانك تحمّلي طول السهرة , في الخارج وبمفردك طبعا؟".
" أظن ذلك , ولكن , هل أعتبر كلامك دعوة؟".
" بكل تأكيد , وما عليك ألا تحديد اليوم".
ثم ضحكا , وخطر لسمانتا خاطر جعلها تعرف لماذا لم تدهشها والدتها خلال لقائهما الأول , أنها هي المرأة التي أستقبلت باتريك مالوري يوم وصولهما من مطار ميلانو!
وآلمتها فكرة ذهاب أمها الى المطار لأستقبال باتريك مالوري , وهي على الأرجح تعلم أنهما سيصلان معا ومع ذلك لم تبذل أي جهد لتحديد مكان أبنتها , لله ما أقسى قلبها!
وبلعت سمانتا ريقها بصعوبة مرة أخرى , عليها أن تحافظ على هدوئها مهما بلغ الثمن.
ولم تدهش لكون باتريك مالوري أحد المشاهير , فهذه الحقيقة توضح سبب تملّق المضيفة له , ولكن أفظع ما في الأمر هو معرفة باربرا الجيدة به, ولا شك أنه السبب في عدم مشاهدة سمانتا لأمها ألا قليلا منذ وصولها الى لندن , ولا بد أن يكونا قد أمضيا الساعات الطوال مع بعضهما.