تأمت سمانتا جدتها بحنو , ورأت فيها سيدة محبة ورقيقة أيا تكن أخطاؤها وخطاياها , وأقتنعت سمانتا أن حبها لجدتها سيتعاظم , فلدى كل منهما أشياء كثيرة تقولها للأخرى , كانت تشعر بصلة حميمة تربطهما , وتمنت لبرهة لو لم تكن لها أم تعقّد الأمور , لأمكنها أذن أن تقيم مع جدتها سعيدة ومن دون مشاكل , وهنا طرحت عليها سؤالا :
" وماذا لو أصرت باربرا على رفضها ؟ لماذا لا يمكنني أن أعيش معك في دافن وننسى مشاريع بابرا وخططها؟".
" لقد أوصى زوجي هارولد بمسكن دافن لباربرا , ولم يترك لي ألا ما أعيش به على نحو مريح , وأمك تملك معظم التركة ,وبمقدورها أن تجعلني أحيا في شقاء مقيم أن أنا عصيت رغباتها , وباربرا كما أسفلت وقلت أمرأة أنانية فردية النزعة , وأذا غضبت , فأنها ترتكب حماقات لا يتصورها العقل , ولا أجدني راغبة أن أثيرها وأعاديها وأنا في هذه السن المتقدمة".
" ما هذا الذي تقولينه ؟ أنه مروع".
" حسنا , لقد شرحت لك الوضع على حقيقته".
" ولكن , أذا لم ترد الأعتراف ببنوتّتي وأنا في الواحدة والعشرين , فلماذا تريد أن تعترف بأنني أبنتها في أي حال؟ من المؤكد أن بوسعي أن أكون قريبة أو صديقة أو أي شيء من هذا القبيل.......".
هزت اللايدي دافنبورت كتفيها:
"هذه مشكلة باربرا لا مشكلتي , لكنني أعرف شيئا واحدا , وهو أن باربرا تريدك مراهقة , فهل توافقين أم لا؟".
أنتصبت سمانتا واقفة وقد أقرفها الوضع , فالمشكلة في الحقيقة بسيطة للغاية , أما أن ترضى بمشاريع باربرا , وأما أن تحزم أمتعتها . أذا جاز التعبير , وترجع الى حيث أتت.
وأدركت أنه لو كانت معرفتها بأنكلترا أوسع , لما أختارت ألا الحل الثاني , ألا أن أيطاليا كانت أكثر ترحيبا في حالتها الحاضرة.
وتبقى هناك مشكلة عملها , فهي مقتنعة أكثر من ذي قبل أن زواجها ببنيتو ليس هو الحل المنشوج , صحيح أنها أعجبت بمزاياه لكن ربما يعود ذلك الى نشأتهما معا والى أتصالهما المباشر.
ولا يمكن أن تنسى عقدة جدتها , أذ مهما حاولت التخلص من الشعور بأن جدتها تحتاج اليها , اللايدي دافنبورت أمرأة طاعنة في السن , أليس من الأفضل لها أن توافق على مشاريع باربرا ؟ وعندما لا يعود بالأمكان أيذاء اللايدي دافنبورت تنفجر في وجهها وتعاملها بما تستحق.
هل يحق لها أن تترك قريبتيها الوحيدتين الآن مع أنهما عاملتاها بقسوة بالغة في الماضي؟ أنهما بحاجة أليها الآن , ولو أنهما عبرتا عن حاجتهما تلك بصورة مخادعة , وهي لا تذكر أن أحدا أعرب عن حاجته اليها منذ توفي والدها.
وأستدارت نحو جدتها التي جلست تراقبها وهي تأمل خيرا , ثم خاطبتها السيدة العجوز بهدوء:
" أنك لا زلت شابة , ألا يمكنك تكريس بضعة أشهر , أو بضع سنوات على الأكثر , من أجلي؟".
وأخيرا علقت سمانتا:
" أشعر أنني وسيلة للمتاجرة والدعاية , ولكن ,أذا وافقت , أتظنين أنه بأمكاني الظهور بمظهر أبنة ستة عشرة سنة؟".
أجابتها اللايدي دافنبورت مبتسمة:
" بكل سهولة , فأنت تبدين الآن أكبر من ذلك , ولكن حياتك يا سمانتا خلت من الأضطرابات , وتميزت بالهدوء , ولا تلوح على وجهك أي من دلائل الأرهاق والأجهاد الظاهرة في وجوه الشباب اليوم , والمراهقون في عصرنا ليسوا سوى شلة من الأولاد المزعجين والمضطربين , ولعلك ستستمتعين بمراهقتك الثانية , وأعدك بألا تكون حياتك مملة ورتيبة".
وتساءلت سمانتا ما عسى أن يقول عنها والدها لو عرف , على أية حال , أنه المسؤول بالدرجة الأولى عن عودتها الى أمها , وتأكدت أنه لم يكن ليقبل بأي من هذه المشاريع لأنه كان يبغض الخداع ويكرهه , غير أن عقلها شكك في هذا الرأي , ألم يمارس والدها نفسه ضربا من الخداع عندما جعلها توقن أن أمها متوفاة وهي لا تزال تنبض بالحياة والحيوية؟ وفي نهاية المطاف , أعلنت:
" سأوافق الآن على الأقل , على أنني ألتزم بأي تصرف ألا بعد أن أجرّب هذا القناع؟".
" كم أنا سعيدة بك وممتنّة لعطفك يا عزيزتي".
وبرق الدمع في عيني السيدة الهرمة , وسرّ سمانتا أنها وفرت السعادة لشخص واحد على الأقل , وقالت اللايدي دافنبورت:
" أما الآن , فبأمكاننا أن نتناول التفاصيل".
بان الأرتباك على سمانتا:
" أي تفاصيل؟".
" يؤسفني أبلاغك أن باربرا عقدت زواجا سريا منذ سبع عشرة سنة أي حين كانت في السابعة عشرة من عمرها , وكنت أنت حصيلة زواجها , على أن وجودك بقي سرا حتى تكبري بعيدا عن الأضواء والضوضاء المحيطة بأبناء المشاهير.
وعبست سمانتا وهي تحدق في جدتها بأنشداه:
" صبرا , كيف أستطاعت أن تقول ذلك وهي لا تعرف أنني سأوافق؟".
لم تخف اللايدي دافنبورت عدم أرتياحها:
" لا أكتمك القول يا عزيزتي سمانتا أنها كانت تعول على قبول لمشاريعها , فلا أحد يرفض لها طلبا على الأطلاق".
أمالت سمانتا رأسها يمنة ويسرة وقالت:
" يا ألهي , فأنا أذن لست سوى لعبة تعمل بها باربرا هذه ما تشاء".
" أرجوك ألا تقولي ذلك يا سمانتا , دعينا نكمل , وأؤكد لك أنك لن تندمي على شيء".
لم تقتنع سمانتا , غير أنها لم تستطع التفوه بكلمة أعتراض واحدة وشعرت بأشمئزاز شديد من المخطط بأكمله , ولا بدّ أن يكون هناك سبب , فباربرا , مما سمعته عنها حتى الآن , لا تفعل شيئا دون سبب وجيه , وهنا سألت جدتها:
" متى نذهب الى دافن؟".
أجابتها اللايدي دافنبورت وهي تتأملها:
" ليس قبل أسبوع أو نحوه على ما أظن , فباربرا تريد أن تقدمك الى أصدقائها , ولذلك رتّبت بعض الحفلات ومآدب العشاء , وعندما نذهب الى دافن لا يعود ثمة مبرر لقلقك وأضطرابك لأنك لن تعودي الى لندن قبل مدة طويلة".
" فهمت!".
عضت سمانتا شفتها , مآدب عشاء , حفلات! وتعود أبنة ست عشرة سنة مرة أخرى!