ولما فرغتا من تناول الشاي , قدّمت السيدة دافنبورت لسمانتا سيكارة أخرجتها من علبة صنعت من العقيق اليماني , وأتكأت السيدة دافنبورت على المسند المغطى بالدمسق الحريري بعد أن أشعلت السيكارة لحفيدتها , ثم سألتها:
" هل تشعرين بالأنتعاش الآن؟".
ردّت سمانتا مبتسمة:
" أجل , شكرا لك".
" أنني أعتذر لعدم أستقبالي لك في المطار بسبب بعض الأضطرابات في جسمي الهرم , ونصيحة طبيبي على أخذ قسط من الراحة كل يوم بعد الغداء , هل عثر بارنز عليك بسرعة؟".
أبتسمت سمانتا وهي تتذكر باتريك مالوري , ثم أجابت بهدوء:
" أجل".
" خيرا فعل".
وعضت اللايدي دافنبورت على شفتها , وأتضح لسمانتا أن جدتها وجدت صعوبة في أستهلاك الحديث معها , وأخيرا أقتنعت الفتاة أن جدتها ليست غولا بل سيدة لطيفة , ولكن , أين أمها؟ وهنا خاطبتها اللايدي دافنبورت متمهلة:
" أحسبني سأباشر حديثي بأطلاعك على أخبار أبنتي".
" تقصدين أمي؟".
تنهدت اللايدي دافنبورت:
" أجل , أمك باربرا , أنها أبنتي الوحيدة , وقد ولدت بعد أن كنا أنا وهارولد على أقتناع تام أننا لن نرزق أطفالا , وأن ذكرت هذه الحقيقة أمامك , فلأوضح لك سبب فساد باربرا وسوء أخلاقها , ولعلنا أنا وهارولد نتحمل المسؤولية , فقد نمت باربرا وكبرت وهي تتصور أن لها الحق في أمتلاك كل شيء تراه , ولما ألتقت والدك , أرادت أن تمتلكه أيضا , وهي لم تتجاوز الثامنة عشرة عندئذ.
وأقترنا بعد شهرين من لقائهما وذلك بعد الحرب مباشرة كما تعلمين , أذ عملت باربرا , وهي نجمة صاعدة آنذاك , في فرقة مسرحية لندنية ترفّه عن الجنود , وقد شاركت في جولات الفرقة الترفيهية , أما والدك , فكان ملتحقا بالبحرية , وقد بدا وسيما في بزته الرسمية , وأذكر أن كثيرا من الشبان تزوجوا في ذلك الوقت , ولم يخامر بربارا الشك في حبّها لجون , وعاد والدك الى البحرية طبعا , فلم يتسنى لهما أن يلتقيا كثيرا لمدة طويلة , وكنت قد بلغت السنة من العمر عندئذ".
ثم صمتت اللايدي دافنبورت لتحرّك خاتما في أصبعها قائلة:
" وتملّك السخط باربرا عندما أكتشفت أنها حامل , فأضطرت الى التخلي عن عملها , والألتحاق بعملها في ولتشاير , وبعد أن وضعت , لمتعد تطيق الأنتظار , فعادت الى لندن مجددا".
وتجهم محيا السيدة العجوز:
" آسفة يا عزيزتي أن أقول لك أنك شكّلت عائقا".
وأحست سمانتا أن الدموع تملأ عينيها , ألا أنها كبتتها , وقالت وقد تمنت معرفة المزيد , كما راودها الخوف على المصير المحتوم في آن واحد:
" أرجوك , تابعي حديثك".
" عندما سرّح جون , وجد أنك تقيمين معي في مسكن دافن حيث تتولى مربّية الأهتمام بك ورعاية شؤونك بسبب وجود باربرا في لندن , ولم يزعجني ذلك في شيء لأنك كنت طفلة مرحة أرى العالم كله من خلالها , لكن جون للأسف لم يوافقني على رأيي , بل أعتبر أن تربيتك من مهمّات بربارا , وهذا أعتبار بديهي خصوصا أذا عملنا أن جون عمل قبل الحرب أستاذا في أحدى مدارس لندن حيث أطلع على الآثار السلبية لتربية الأولاد الذين أنفصل ذووهم عن بعضهم , وعلى أي حال , فأنه أبعدك عني وأستأجر لنفسه شقة في لندن , وبدا لبعض الوقت أن باربرا حافظت على علاقتها بجونوهو الشاب البهي الطلعة البارع والقوي , وأكتفت باربرا طوال تلك الفترة بآداء أدوار صغيرة , فيما أعتنيت بك وبجون بقية الوقت , وتيقنت أن كل شيء يسير على ما يرام بعد عودة جون وظهور علائم السعادة على باربرا...".
ثم تنهدت:
" آسفة يا عزيزتي , لكن , يجب أن أصارحك , لقد أتضح لجون أن زوجته أقامت علاقة سرية مع أحد منتجي الأفلام السينمائية رغن أنه كان متزوجا , وذلك لأنه وعد باربرا بأدوار مختلفة في أفلامه".
صدمت سمانتا وتملكها الخوف , هل هذه أمها التي أسرعت الى لقائها؟
" ورفض جون بعد ذلك أن يتحدث الى باربرا , ومضى ليبيع كل ما وصلت اليه يداه , وسحب كل مدخراته من المصرف , ثم أختفى وقد أصطحبك معه وأنت لا زلت في الرابعة من العمر , وأتصل بنا محامياه بعد فترة من ميلانو ليخبرانا أنه يعيش في أيطاليا , وأنه لا يرغب في أن نحصل على عنوانه ولم يكن بأستطاعتي أن أفعل ألا القليل دون مساعدة باربرا التي لا يظهر عليها الأهتمام , وبدأت والدتك تحصل على أدوار أطول وأفضل , ومع مرور السنوات أصبحت نجمة معروفة , وهي الآن تختار دورها لأنها ممثلة بارعة بغض النظر عن كل ذنوبها وعيوبها".
وصاحت سمانتا:
" لا يمكنني أن أصدق ذلك , كيف يمكنها أن تفعل كل هذه الأمور؟".
" أن باربرا أمرأة فردية النزعة مستقلة بتفكيرها جموحة صمّمت على بلوغ أقصى مراتب النجاح , وقد تم لها ما أرادت , والى ذلك , فأنها تحب الرجال الى أقصى الحدود , وهناك كثير من الرجال الذين يحيطون بها , وهي تشبه الأطفال في أمور كثيرة , كما أنها لا تريد أن تكبر , وتصر على البقاء طفلة الى الأبد".
" ولكن , لا شك أنها متقدمة في السن بعض الشيء , فأنا في الثانية والعشرين من عمري".
" جل , فهي ستبلغ الأربعين عندما تحتفل بعيد ميلادها القادم , لكنني أتحدى أي شخص بأن يعرف عمرها الصحيح".