ثم حنت رأسها قليلا , ولوت أصابعها قائلة:
" لقد حان وقت الغداء , فهلا تفضلتما أيها السيدان بتناول الغداء معنا؟".
فأبتسم لها جيوفاني:
" هذا لطف كبير منك يا آنستي , أننا ممتنان لدعوتك".
طمأنتهما سمانتا:
" سأعطيكما جوابي المنتظر بعد الغداء".
كانت ماتيلد تعمل في المطبخ عندما خرجت سمانتا للبحث عنها , وقد تركت بنيتو مع ضيفيها , وجلست على اللوح الذي عملت ماتيلد عليه , وأخذت تشرح لها بتأن كل ما حدث , فلم تقاطعها السيدة العجوز , وعرفت سمانتا أنها ستفتقدها كثيرا أن هي قررت السفر.
وبينما غسلت ماتيلد الخضار وأعدت السلطة , تأملت سمانتا بحيرة , ثم سألتها:
" هل ستذهبين الى أنكلترا؟".
حملت كلماتها معنى القرار , فبدا الأستغراب على وجه سمانتا:
" هل تظنين أن عليّ الذهاب؟".
أكتفت ماتيلد بهز كتفيها:
" لست أدري يا سمانتا , لكنني أعلم أمرا واحدا , وهو أنه أذا لم تذهبي , فأنك ستتساءلين طوال عمرك عما أذا كان يجب أن تذهبي أم لا, ما هو مبرر وجودك هنا ؟ الزواج من بنيتو الشاب؟ من يدري ماذا يحل بكما بعد خمس سنوات من الزواج ؟ لعلك لن تقتنعي بحياتك كما كنت تحلمين , ولن يكون لك مهرب ساعتئذ لأن عقيدتنا لا تسمح بالطلاق , تأكدي من حقيقة مشاعرك قبل ألتزامك بهذا الرباط".
" آه يا ماتيلد! أنك تصورين لي أمرا مخيفا".
" أليست أقوالي صحيحة؟ ألا تعتبرين الرتابة , وأنت في ميعة الشباب والعالم لا يتسع لأحلامك أمرا مخيفا وموحشا؟ هل ترضين فعلا بأنجاب عدد من الأطفال ورعايتهم ؟ بنيتو أفضل شاب في القرية , لكن بنيتو أيطالي , أما أنت , فلا , وأرجو أن تذكري ذلك دوما , فأنت لا زلت أنكليزية بالرغم من كل ما فعلته في الماضي وبالرغم من طلاقتك في تكلّم الأيطالية , أنني آسفة أذا كنت كمن يقلل من شأن ما عملته , غير أنك تعرفين أنني على صواب , لقد قرر عقلك قراره النهائي , أما قلبك , فلا يزال مترددا ومتقلبا , تريدين الحصول على أفضل ما في الحضارتين والعالمين , كما ترغبين بأختبار الزواج لفترة , غير أن الزواج ليس مؤقتا أو لغرض الأختبار , أنما الزواج أئتمان الحبيب على ذاتك مدى العمر , وأرجو أن تحفظي ذلك جيدا على الدوام , أنّى ذهبت وأيا من الرجال تزوجت".
منتديات ليلاس
وجّهت سمانتا ألتفاتة حنو نحو ماتيلد:
" أنك مصيبة يا ماتيلد كعادتك , ولكن , ماذا عنك؟ ماذا ستفعلين؟".
علت وجه ماتيلد أبتسامة هادئة:
"لقد تقدمت كثيرا في السن حتى أصبحت لا أكترث بأمكان الأستغناء عن عملي , وشقيقتي المقيمة في رافنا ستسعد بصحبتي , لا تخشي شيئا علي لأنني لن أجوع مع شقيقتي الميسورة الحال , أهتمي بنفسك فقط , أذهبي وأحصلي على ما تشائين دون أن ترضي بما هو دون مستواك قيمة , وعاملي الجميع على أنهم أنداد , فهكذا لن تخطئي كثيرا".
وافقتها سمانتا على رأيها مبتسمة :
" حسنا , سأخبر الأخوين سبوتي بالأمر , وأنني أشكرك على نصيحتك , ولا شك أنني سأفتقدك كثيرا".
" أذا حدث أن عدت , فزورينا في منزل شقيقتي في رافنا , لا تضطربي بل كوني صادقة وقوية لكي يتحقق لك النجاح في حياتك , فقوة الأرادة ووضوح الهدف يحلان معظم المشاكل في الحياة , لا تتصرفي كالأولاد , فأنت شابة , أنما تصرفي كما يليق بفتاة من عمرك , وحافظي على أستقلالك في التفكير ".
كان بنيتو يجلس مكتئبا على الشرفة عندما خرجت سمانتا اليه لتبلغه أن اغداء جاهز , فألقى عليها نظرة حزينة جعلتها تحس بالذنب لأنها سببت له هذا الأنقباض , ثم سألها مهتما:
" أنك ستسافرين أليس كذلك ؟".
هزت سمانتا كتفيها :
" علي أن أذهب يا بنيتو ".
" لا أفهمك يا سمانتا علما بأنني كنت أعتبر نفسي قادرا على فهمك , غير أنني أكتشفت خطأي".
فبسطت سمانتا يديها بيأس :
" هل تريدني أن أتزوجك , ثم أقضي بقية عمري أتساءل أذا كنت فعلت ما هو صالح لي؟".
" بالطبع , كلا , أن الشك لم يساورنا قبل وصول الرسالة صباح اليوم".
" لم يكن هناك أختيار آخر , وأرجو أن تفهمني يا بنيتو , فأنا لم أترك هذه البلاد منذ كنت في الرابعة من عمري".
" وأنا عشت هنا طوال حياتي".
" لكنك أيطالي".
" وستصبحين أنت أيطالية مثلي عندما نتزوج".
" أسميا فقط يا بنيتو , فأنا أنكليزية".
" لم أكن أعرف أن هذا يزعجك من قبل".
" آه , يا بنيتو! حاول أن تفهمني , أنني أفكر بك كثيرا , وأذا تسنى لي السفر سيصبح بأمكاني رؤية الأشياء بمنظار صحيح , فأذا كنت أحبك سأرجع اليك , وأنت تعلم ذلك , أما أذا كنت تحبني , فعليك أن تعلم أن الحب لا يموت بمجرد أبتعاد الحبيبين عن بعضهما".
منتديات ليلاس
علا التجهم سيماء بنيتو بعد أن عرف أنها محقة في أقوالها , ألا أنه ظل على خوفه من تأثير البعاد عليهما , خصوصا وأنه لم يكن يثق بحبها له كما يثق بحبه هو... مع أنه لاحظ رغبتها الصادقة في عدم أيذائه , ثم خاطبها ببرودة:
" أذا كنت مصممة على السفر , فليس بوسعي أن أمنعك من تحقيق هدفك".
فأجابته بحزن:
" بل بأمكانك ذلك , فأنت قادر على أن تأمرني بالبقاء هنا , وحينئذ لن يكون بوسعي الأعتراض على مشيئتك".
فهز بنيتو رأسه متنهدا:
" صدقت لكنني لن أجعلك تقفين هذا الموقف الحرج , فأنت أمرأة حرة يا سمانتا , ولكن , أرجوك عودي الي".
فأحمرت سمانتا خجلا وحياء:
" عندما تنظر ألي نظرتك هذه يا بنيتو , أتمنى لو أنني لم أر الرسالة قط".
ردّ عليها متأوها:
" وأنا كذلك , أما الآن , فينبغي أن تعطي جوابك للأخوين سبوني".
أجابت سمانتا:
" أجل , وسوف أعلم عما قريب لماذا تصرفت أمي على هذا النحو , وأنني آمل ألا تكون قاسية ومخيفة كما يخيّل الي".