ترى سيارة من هي؟ من المؤكد أن سوفيا وماتيلد لا تعرفان شخصا يملك سيارة بهذا الحجم , وألا , فأن السيارة تخص أسرة ماركازي , وأرتاحت قليلا وأن يكن أرتياحها ميؤوسا منه أذا كانت تخص السينيور ماركازي , والمهم أن أحدا لا يعرف أنها هنا , لا باتريك ,ولا باربرا , ولا السيد يولام , وتابعت سيرها في الشارع حتى دخلت البيت حيث أحست أعصابها مشدودة كأوتار الكمان , وأرتجفت دون أت تدري السبب , وأمرت نفسها بأن تهدأ وتستريح , وتكف عن هذيانها وأحلامها وأوهامها.
وأنطلقت الى المطبخ حيث كانت سوفيا تحرك الحساء فوق الموقد , ولما دخلت سمانتا بادرتها بالأبتسام , وسألتها:
" هل أشتريت كل ما تحتاجينه؟".
توقف قلب سمانتا على حين غفلة:
" أعتقد ذلك , متى يصبح الغداء جاهزا؟".
" في غضون ربع ساعة".
" أين ماتيلد؟".
" أنها في الغرفة الأخرى مع أحد الضيوف , أذهبي وأبلغيها أن الغداء أوشك أن ينضج ,وأسألي ضيفها أذا كان يرغب بتناول غدائه معنا".
تركت سمانتا السلة على الطاولة وأنطلقت نحو الغرفة التي لا تستعمل ألا في المناسبات الخاصة , وقرعت الباب قرعا خفيفا , ثم دخلت.
عندئذ شعرت وكأن قلبها توقف عن الخفقان , رأت باتريك يقف مديرا ظهره للمدفأة الخالية وهو يبتسم أبتسامته الجذابة ويرتدي بزة كحلية ومعطفا , وصاحت بصوت كادت تخنقه الفرحة:
" باتريك!".
فرد بهدوئه المعتاد وكأنه من الطبيعي أن يقف هناك :
" مرحبا يا سمانتا".
ونهضت ماتيلد عن الأريكة قائلة:
" هذا....
الضيف الكريم ينتظرك منذ زمن بعيد يا سمانتا , هل أنت بخير يا حبيبتي؟ أنك تبدين شاحبة جدا".
" أنني... أنني بخير".
ثم أستجمعت أفكارها المشتتة , وحاولت أنتزاع الدهشة من نبرة صوتها:
" ماذا تعمل هنا يا باتريك؟ هل أرسلتك باربرا الي؟".
أجابها بحزم:
" لم يرسلني أحد , بل حضرت بنفسي لأسترجعك".
تشنجت كتفا سمانتا:
" أشكرك على ما تكلفته من أجلي , لكنني لا أريد أن أعود".
ورمق باتريك ماتيلد بنظرة جعلتها تحني كتفيها ثم تندفع الى الباب :
" سأترككما لوحدكما , فأنا متأكدة أن لديكما الكثير لقوله".
وأمسكت ذراع سمانتا ذراع ماتيلد أذ أحست فجأة بالخوف من هذا الغريب المحدّق فيها بعينين حادتين:
" لا تذهبي يا ماتيلد , فكل ما سنقوله يمكنك أن تسمعيه".
تحررت ماتيلد , وأندفعت نحو الباب تغلقه وراءها بينما تقول:
" عزيزتي سمانتا , عليك مواجهة الأمر بنفسك , ولا أستطيع مساعدتك".
ولما ذهبت ماتيلد , أتكأت سمانتا على الباب ليسهل فرارها أن دعت الحاجة , وأزدادت حمرتها أذ عجزت عن مجاراة باتريك وهو على ما فيه من أضطراب وهياج , أما هو , فخلع معطفه , ولم يكن قد تسنّى له الوقت ليبدل ملابسه هنا في أيطاليا حيث الجو أكثر حرارة بكثير من أنكلترا .
منتديات ليلاس
وحدّثته سمانتا بيأس:
" لا أدري ماذا تتوقع مني أن أقول , الحقيقة أنني تخليت عن أنكلترا الى الأبد , ولن أعود اليها لأنني لا أحب ناسها ولا أعرف فيها أحدا بعد اليوم".
عقب باتريك بجفاء:
" بل تعرفين".
فتنهدت سمانتا:
" علمت أنك تلقيت عرضا بالسفر الى الولايات المتحدة لأنتاج مسرحيتك الأخيرة في فيلم سينمائي".
" هذا صحيح , والمسرحية الآن بين يدي وكيل أعمالي في لندن , وأذا أقتضت الضرورة حضوري , يمكنني العودة بأقصى السرعة".
خفضت سمانتا رأسها:
" فهمت , أنني سعيدة من أجلك , ستصبح من المشاهير بعد الآن".
فأبتسم باتريك أبتسامة صغيرة:
" هل تعتقدين أن من المهم أن يصبح المرء شهيرا؟".
" لست أدري , ذلك يعتمد على شخصيتك , باربرا ستحب هذا كثيرا".
" فسألها باتريك ببرودة:
" وما علاقة باربرا بالموضوع؟".
" لا أعرف ذلك , لكن من المحتمل أن ترتّبا برنامجا معا".
علّق باتريك بحدة:
" كفي عن التحدث بالألغاز , فأنا وباربرا.... كنا أصدقاء.... لفترة , أما الآن , فكل ما بيننا أنتهى , وباربرا تعرف ذلك , لكنها لن تقر به".
حينئذ ضمت سمانتا يديها الى بعضهما وأبتعدت عن الباب:
" أذن , فأنني لا أفهم سبب قدومك الى هنا".
" لماذا تظنين أنني حضرت الى هنا أيتها الحمقاء الصغيرة؟".
ثم هز رأسه وقد أمسك ذراعيها:
" هل تدرين ماذا فعلت بي يا سمانتا , وكنت أحسب أنني تخطيت العمر الذي أقع فيه في الهوى؟".
" آه , لماذا لم تخبرني يا باتريك؟".
" الحقيقة أنني حاولت أن أخبرك يوم الجنازة , لكنني أظن أني جعلت الأمر يبدو مزعجا على عادتي , وربما لا زلت حتى الآن تفكرين بمقصدي......".
وأحمرت سمانتا خجلا من أفكارها , فهمس باتريك:
" أرأيت؟ ماذا تظنينني , شيطانا مقنعا أم ماذا! هل تخيلت أنني سأعرض عليك أنشاء علاقة حب سرية؟".
فهزت سمانتا رأسها بينما أعترفت:
" لست أدري , ولكن , أخبرني بصراحة يا باتريك من فضلك".
منتديات ليلاس
وأغمضت عينيها برهة , لا شك أن ما رأته ليس سوى حلم , وهمست بلهجة طغا عليها الشوق والتحرق:
" أنت تعلم أنني أوافق , ولكن , هل يمكننا ؟ فأنت مسافر الى الولايات المتحدة , ولا تنسى أن هناك باربرا.....".
" أمامنا كثير من الأمور ينبغي مناقشتها , أولا , بأمكانا أعتبار الرحلة الى أميركا بمثابة بداية لشهر العسل , فهل تروق لك الفكرة؟".
سدّدت سمانتا اليه نظرة أعجاب:
" أتدري يا باتريك أنها فكرة رائعة؟".
" حسنا , هذا يحل أزمة شهر العسل , وبعد ذلك يمكننا أن نعود الى أنكلترا حيث يمكننا أن نقيم في دافن أذا كانت هذه رغبتك.......".
" أنني أوافق".
فأبتسم باتريك.
" عظيم , أما في ما يتعلق بباربرا , فدعينا نتجاهلها ولا نشغل نفسنا بأمورها , وأذا حدث أن ظهرت قصتك المنسية معها , ستكون هذه مشكلتها , ولا حاجة أن نبالغ في عدائنا لها".
فعلقت سمانتا:
" أنني مسرورة بقولك هذا لأنني لا أريد أن أسبّب لها المزيد من الأزعاج".
" أذن , بقي علينا أن نقرر شيئا بخصوص كيلني , هل ترغبين بقضاء بعض أيام السنة هناك؟".
ضحكت سمانتا وقد أحست بالطمأنينة للمرة الأولى منذ أسابيع :
" وهل يتسع لنا الوقت ؟ آه يا باتريك الحبيب , أنه حلم يتحقق".
ثم سألته:
" ولكن , كيف عثرت عليّ؟".
تنهد باتريك:
"زرت دافن حيث لم أجدك , وألتقيت بأيميلي , فأخبرتني عن شجارك مع باربرا , ولما أدركنا أنك لن تقيمي في لندن , أقترحت أيميلي فكرة رجوعك الى أيطاليا , فأتصلت بالمطار فور عودتي الى المدينة , وأفادوني أنك سافرت قبل أسبوع الى ميلانو , فحجزت مقعدا في الطائرة القادمة الى ميلانو بعد أن رتّبت أموري".
ثم سألها ضاحكا:
" هل تشعرين بالضجر؟".
ولما هزت رأسها نفيا , أستطرد:
" وأستأجرت سيارة أتجهت بها الى بيروزيو حيث عرف الجميع أسمك دون أن
يعرفوا مكان وجودك , وأخيرا ألتقيت شابا يدعى بنيتو أنجيلي....".
" بنيتو!".
" أجل , قال أحد الشبان أن بنيتو هو الوحيد الذي يحتمل أن يعرف أين تقيمين , وقد أكّد أنه ألتقاك قبل بضعة أيام حين أخبرته أنك تقيمين مع ماتيلد وشقيقتها في رافنا , وها أنذ, فهل ما قلته يقنعك ويرضيك؟".
" تماما , لكني ما زلت لا أصدق ما حدث لأنه رائع الى أقصى الحدود".
" ولكن , هذا ما تريدينه ؟ أليس كذلك؟ ألديك شكوك؟".
" ألديك أنت أي شكوك ؟ باتريك , الحقيقة أنه لم تكن عندي أي شكوك , وقد عرفت الواقع منذ الدقيقة الأولى في الطائرة".
" هل تعرفين أين سنذهب الآن؟".
تطلعت اليه سمانتا مرتبكة:
" كلا".
" الى فيللا عند شاطىء بحيرة كومو لمقابلة السينيورة مالوري...".
" أهي والدتك؟".
" أجل , لا بد أن تقابلك الآن , أليس كذلك؟ فأنت ستصبحين نّتها خلال أسبوع على الأكثر".
" حسنا يا حبيبي , لا يهمني أين أذهب ما دمت معك".
تمت