أجبر الصوت البارد الساخط المنبعث من فتحة الباب المرأتين على الأستدارة , لتجدا باربرا واقفة هناك , كم مضى عليها وهي واقفة في الباب , كم سمعت من حديثهما؟ وقال لأيميلي:
"توقعت أن أراك هنا تملأين رأس الفتاة بأحلامك المجنونة , لقد قلت لك أنك عجوز حمقاء تتدخلين في كل شيء , ومن الواجب أن تخرجي من هذا البيت , وحالا , ولا شك أنك شجعت والدتي على أرتكاب حماقتها , وأستدرار عطفها على هذه الفتاة التي أجبرنا على أسترجاعها وتبنّيها , كنت أعرف أنك المسؤولة عن كل ما حدث لأنك تكرهينني....".
تجمد وجه أيميلي غضبا وحزنا , ألا أنها تمكنت من القول بهدوء:
" لم أكرهك يوما يا باربرا , ألا أنك كنت تغارين مني كما تغارين من أي شخص تفترضين أنه قد يخطف الأضواء المسلطة عليك , وأعرف أنك لم تريدي الأعتراف بأبنتك ,ولكن , لماذا؟ هل كان ذلك لأنك أم غير طبيعية , أم لأنك خشيت أن تكبر أبنتك وتصبح جذابة فتخطف الأبصار المشدودة اليك؟".
" أصمتي!".
" لن أصمت , فأنا قد صمت طويلا حتى الآن , ولو علمت والدتك , رحمها الله , ببعض ما فعلته , لأنزعجت وهي في قبرها".
عندئذ عبرت باربرا الغرفة وصفعت أيميلي بوقاحة على وجهها , الأمر الذي أستدعى تدخل سمانتا , فصاحت:
" أيميلي, أيميلي....".
" لا تضطربي يا آنستي , فأنا ذاهبة , لكنني سأرجع وأراك ثانية عندما تقل مشاغلك وأهتماماتك , لا تستسلمي يا عزيزتي , فكل شيء سيكون على ما يرام".
وأستحث سمانتا الخادمة بالخروج من غرفتها وقد خافت من أن تصفعها أمها ثانية , ثم عادت لمقابلة باربرا التي قالت:
" حسنا! وماذا تظنين أنك ستفعلين الآن؟".
هزت سامنتا كتفيها:
" لست أدري بعد ,فأنني أحتاج بعض الوقت للتفكير ... لأستجماع أفكاري".
" وتتوقعي أن تفعلي هذا هنا؟".
" طبعا, فهذا قراري قبل كل شيء".
" يبدو أنك أنت التي تصوغين كل القرارات , أليس كذلك؟".
" لا أفهمك يا باربرا".
عقبت باربرا بحقد واضح فيما جلست على المقعد الطويل:
" لا أظنك تفعلين".
فخاطبتها سمانتا وقد حاولت المحافظة على هدوئها :
" هلا تفضلت بالخروج؟".
"لماذا؟ أنك أبنتي قبل كل شيء".
فأجابتها سمانتا بغضب:
" أنني أبنتك بالأسم فقط".
" حقا! أرى أننا نزداد حقدا".
ولمست سمانتا شفتيها الجافتين بلسانها:
" أرجوك , لا تسبّبي شجارا بيننا".
" ولماذا لا؟ فأنا أرغب بهذا الشجار , وأعتقد أنني عشت شجارا طول هذه المدة".
" لا أفهم قصدك".
" باتريك مالوري , أنك تتصرفين وكأنك تجهلين كل شيء".
أحمرت سمانتا خجلا وقد عجزت عن ضبط أنفعالاتها , فيما أطرقت باربرا مغتاظة:
" أرأيت؟ لا أكاد أذكر أسمه حتى تحمرين خجلا , يا للسخرية! بحق السماء , قولي لي ماذا تظنين أنك تعنين له؟".
فسألتها سمانتا بأضطراب:
" أذا كنت لا تعتقدين أنني أعني له شيئا , فلماذا تقولين أنك عشت شجارا معه طوال الوقت؟".
" سؤال حسن , الحقيقة يا عزيزتي , أيتها الأفعى المعششة في صدري , أنه عندما غادر صديقنا المشترك هذا المنزل, أعلن بوضوح أنه لا يريد الأبقاء على علاقة له بأية واحدة منا".
صعقت سمانتا وصاحت:
" ماذا؟".
" أخبرني أنه يعرف عمرك الحقيقي , وقد أعلن أنه ينبغي جلدي لأنني خدعت الجميع , وأفسدت عليك سعادتك , والآن , ماذا تظنين أنه قصد بملاحظته هذه؟".
كادت سمانتا تبكي:
" لا يمكنني أن أفهم شيئا".
" وكذلك أنا , لكنك قلت له شيئا أزعجه , وقد أخبرني أن شركة أميركية لأنتاج الأفلام عرضت عليه حقوق شراء نشر مسرحيته الأخيرة , وأنهم طلبوا اليه السفر الى كاليفورنيا فورا أذا كان راغبا في ذلك , وأكدت لي ملامحه عندما غادر المنزل أنه راغب في ذلك من كل قلبه , وعليه , أحسب أن كلا منا قد خسر شيئا , أليس كذلك؟".
ذهلت سمانتا , وهتفت:
" لا.... لا يمكنني أن أصدق هذا".
" حقا؟ أذن صحت شكوكي , ولا يمكنني أن أفهم كيف يسمح رجل من مستوى باتريك نفسه أن يتورط معك ولو مؤقتا".
أرتمت سمانتا على مقعد النافذة , ما قيمة خططها لنجديد وترميم دافن ؟ ألم تفكر أنها ستفعل ذلك ليس من أجلها هي فقط , بل من أجل باتريك أيضا؟ عندئذ أستأنفت باربرا حديثها متندرة:
" حسبت أن ذلك سيخرجك من عالمك الوهمي , لكن , ليس هذا كل ما في الأمر".
" وماذا يمكن أن يكون هناك أيضا؟".
طرحت سمانتا هذا السؤال دون أن تكترث بنفسها , فمن المؤكد أن باربرا لن تستطيع أن تؤذيها أكثر من ذلك , أذا كانت علاقتها بباتريك قد أنتهت , لا يهمها شيء".