طالما أن الشمس كانت لا تزال ترسل خيوطها المتلألئة , صممت على القيام بنزهة , جازفت بدخول المطبخ بحثا عن غوستاف ولم تشاهد ألا ماريا التي كانت تحيك , فسألتها برفق:
" هل من المستحسن أن آخذ معي فريتز في نزهة؟".
رفعت ماريا بصرها اليها وقد أستولت عليها الحيرة , وأجابت:
" لا أعلم يا آنسة , أن كلبي الصيد هما من شأن البارون".
ضغطت فكتوريا على شفتيها وتمتمت :
" لا بأس ,أين غوستاف؟ ربما يأذن لي بأخذه؟ سوف لن اأتأخر".
" أذا كنت ترغبين بأن تصحبي الكلبين لا نستطيع أن نمنعك".
تقبلت فكتوريا هذا الكلام كتذكير بأن ماريا كانت حاضرة في المساء الفائت عندما تشاجرت مع البارون , طبعا لم تكن ترغب بالتورط معها مرة أخرى أو أن تورط فكتوريا أو غوستاف , قالت فكتوريا:
" حسنا جدا , سأذهب لأرتداء معطفي".
عادت ماريا الى حيكها , خرجت فكتوريا وعلائم نفاذ الصبر بادية على محياها , أنتعلت في غرفتها حذاءها الدافىء العالي الساق وأرتدت معطفها وبلوزتها الغليظة , أبدلت بنطالها بسروال التزلج الذي أحضرته معها , كان الكلبان في موقعهما المعتاد قرب المدفأة , عندما صفّرت فكتوريا منادية فريتز أقبلت هيلكا أيضا.
أستكان اليها الكلبان في دعة مرحبين بها ولم يكن بمقدورها أن تأخذ واحدا منهما دون الآخر قالت لهما وهي تبتسم:
" حسنا تذهبان معي كلاكما , هل ترغبان بنزهة؟".
هز الكلبان ذنبيهما كأنهما فهما كلامها , مشت فكتوريا بسرعة عبر غرفة الجلوس الى الباب الرئيسي الضخم , كان الهواء في الخارج باردا جدا ,والكلبان ينبحان قربها رهن أشارتها , شعرت بما لها من أهمية طالما أنها مرافقة بحراسة.
لم يظهر أثر لغوستاف ولكن كما قالت ماريا كان عليها أن تقرر بنفسها ماذا يجب أن تعمل وطالما أن البارون منع مرافقة الكلبين بدون أذنه , ساورتها الشكوك , طبعا كان يبدو على فريتز أنه يخصها نوعا ما وأذا كانت هيلكا تثب أمامها فلم تكن تبتعد عنها كثيرا , سارا في الطريق التي سارت بها مع كونراد في اليوم السابق بالسيارة.
منتدى ليلاس
كانت الريح تهب في الجبال ألا أن ضوء الشمس كان يشيع في جميع الأرجاء , السماء صافية لا تنبىء بسقوط الثلج , وعندما تسلقا الجبال صعدا بصورة أكثر دقة , لاحظت التفاصيل عن اليوم السابق , كان لديها متسع من الوقت لأن تتمتع بمناظر الطبيعة الجميلة , وكانت تجثم فوق الأبراج قمم جبال الألب الشامخة , بينما في المنحدرات المنخفضة كان لون الثلج الأبيض المتلألىء يتضاءل بفعل ألوان اوراق الصنوبر الداكن , ومن وقت لآخر كان الكلبان يشعران بوجود حيوان مفترس فأذا بهيلكا تقفز مندفعة بعيدا وتنبح بأهتياج ثم تعود مغطاة بالثلج الذي كانت تبعثره حول فكتوريا عند أهتزازه.
ضحكت فكتوريا لسلوكهما الغريب وشجعتهما عندما رجعا يجران غنائم متنوعة نشراها تحت رجليها , جذبا لها أماليد وأغصانا صغيرة فأخذتها فكتوريا وقذفتها عاليا فما كان من كلبي الصيد ألا أن تسابقا لأعادتها .
والآن تسلقا المنحدرات حيث تزلجت مع كونراد ظهر اليوم السابق وشاهدت فكتوريا مذهولة أن القصر كان بعيدا على الجهة الأخرى من الوادي.
لفتت فكتوريا أنتباه الكلبين بصفيرها الحاد فوثب فريتز عائدا اليها , أما هيلكا فظلت واقفة على بعد قليل من الطريق وبدت غير مكترثة بأوامر فكتوريا , تنهدت فكتوريا وصاحت بنفاذ صبر:
" تعالي الى هنا حالا , تعالي أيتها الكلبة الطيبة".
نبحت هيلكا وهزت ذنبها بشدة مستعدة للتفتيش عن الغصن الذي كان بيد فكتوريا , ألقت فكتوريا بالغصنين بين رجليها ولكن هيلكا نبحت مرة أخرى وتمددت مغمومة على الثلج , صرخت فكتوريا بصوت عال :
" هيا أسرعي هيلكا! تعالي وراءنا!".
بقيت هيلكا جالسة , أطلقت فكتوريا تنهيدة ونظرت الى فريتز الذي كان واقفا قربها وقالت مكيفة نفسها على هذه الحال الجديدة من غير تذمر :
" حسنا يا فريتز ما عسانا نفعل؟ أذهب بدونها؟ ".
هز فريتز ذنبه ولكن عندما بدأت فكتوريا بالسير قدما على الطريق بعيدا عنه بدأ يئن منتحبا والشكوك تساوره , توقفت فكتوريا وقالت له:
" تعال يا فريتز , لا يمكننا البقاء هنا".
تردد فريتز ثم بدأ يعدو وراءها مطيعا , وبعد أن سارا بضع مئات من الأقدام توقف مرة أخرى ونظرت بحزن الى الطريق , طبعا لم يكن يرغب بترك الكلبة وراءه , توقفت بعدئذ فكتوريا وزررت معطفها بأحكام ,كان الجو باردا ويشتد برودة , لحسن الحظ نزل البارون الى هوفنستين وسوف لن يعود باكرا , لم تكن ترغب في الأصطدام بغضبه مرة أخرى.
ألقت نظرة أخرى على مكان جلوس هيلكا وصفّرت لها ولكن هيلكا رفضت أن تطيع أشارتها , أحست فكتوريا أنه من جهة لا يمكنه العيش بدونها , لكن لم يكن لديها الوقت الكافي لتعود الى هيلكا وتقنعها بالمجيء معهما , كان الظلام قد بدأ يرخي سدوله في تلك الأرجاء ولم تكن النظرة العجلى الى ساعتها مشجعة , لكنها لا تستطيع الذهاب بدونها , كان الكلبان عائدين للبارون ولا يمكنه أن يفهم لماذا عصت أوامره وخرجت معهما.