كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
6- أتجاهات خفية
في صباح اليوم التالي توجهت فكتوريا الى مكتب البارون حيث ستقوم بأعطاء الدروس , لم تظهر صوفي بعد , تساءلت فكتوريا أذا كان اليوم أيضا غير مثمر , كانت تخشى أن تقترب من رب عملها وهي تجر أذيال الخيبة.
وكم كانت دهشتها عظيمة عندما وجدت صوفي جالسة بتراخ وكسل قرب منضدة القراءة والكتابة في مكتب والدها تنقر بأصابعها بعض الأوراق المنتثرة , رفعت بصرها الى فكتوريا عند دخولها الغرفة ودل وميض باهت في عينيها على أنها شعرت بقدوم مربيتها , أغلقت فكتوريا الباب وقالت بجفاء:
" صباح الخير يا صوفي , هل أنت مستعدة للبدء بالدروس؟".
أنسلت صوفي خلسة من الكرسي ووقفت قربه وقالت بصوت خفيض متوتر:
" سيكون والدي خارج القصر اليوم بكامله , طلب مني أن أقول لك أن بأستطاعتنا العمل طوال اليوم أذا رغبت في ذلك".
" فهمت لكن هذا ليس في الواقع جوابا على سؤالي , سألتك أذا كنت مستعدة للبدء بالدروس؟".
" أعرف كل ما أنا بحاجة لمعرفته , أستطيع أن اقرأ وأكتب في اللغتين الأنكليزية والألمانية , ما هو الشيء المتبقي عليّ تعلمه؟".
جمعت فكتوريا الأوراق المتناثرة على منضدة البارون ووضعتها في أحد الأدراج , عندما أصبحت المنضدة نظيفة بدأت بأخراج الكتب المدرسية والمواد المعدة للكتابة من درج آخر , سألتها بهدوء:
"وماذا تقولين عن الرياضيات والتاريخ والجغرافيا وعلم الأحياء , هل أنت خبيرة في هذه الأمور أيضا؟".
هزت صوفي كتفيها بلا مبالاة :
" ماذا تنفعني هذه العلوم؟ أننا نعيش هنا في ريشيستين , لا أفكر مطلقا بالرحيل عنها , لا يهمني التاريخ والجغرافيا وأستطيع حل مسألة حسابية , أسألي أبي عن ذلك".
منتدى ليلاس
أطلقت فكتوريا تنهيدة ونهضت تنظر الى الفتاة الصغيرة بعينين فضوليتين , قالت بحذر:
" تعالي يا صوفي لنوضح الأمور , لسبب ما لا أظنك تريدينني هنا بسبب الدروس , لا أعتقد أن فتاة ذكية مثلك يمكن أن تنكر أية فائدة في التعليم , ألا تحبين القراءة ؟ عندك عشرات الكتب في غرفتك".
" لقد ألقيت بجميع هذه الكتب على الأرض يوم أمس".
هزت فكتوريا كتفيها بلا مبالاة وقالت:
" هذا صحيح! ولكن ليس قبل أن تفعلي الشيء ذاته بي في غرفتي".
" هذا مختلف! الكبار لا يقومون بأعمال كهذه".
" ولماذا لا يقومون بها؟".
رفعت صوفي كتفيها بسرعة وتركتهما يهبطان وقالت:
" أنها أعمال سخيفة".
" هذا صحيح".
أستندت فكتوريا الى المنضدة وحدقت فيها بشدة وقالت:
" ليست فقط سخيفة , بل خبيثة وحاقدة , وأيضا غبية!".
بسطت صوفي قبضتها المشدودة:
" لماذا أخبرت والدي بذلك الأمر؟".
" لم أخبره بشيء , جاء الى غرفتي يحمل لي رزمة تركتها في السارة ورأى كل شيء بنفسه".
شدت صوفي على أحدى ضفائرها بشدة وقالت:
" أنه لم يضربني".
" هل من عادته ضربك؟".
" كلا , ربما فعل ذلك".
" يا للهراء لم أكن أتصور أن والدك رجل قاس".
" أنك لا تعرفينه جيدا يا آنسة؟".
" أقترح أن نترك موضوع والدك جانبا ونبدأ بالكشف عن مدى معرفتك الحقيقية , والآن عندنا أختبار ذهني بالحساب , سأعطيك عشر مجموعات تحسبينها بذهنك وتكتبين في أسفل هذه الورقة أجوبتك وندققها جميعا".
دهشت كتوريا عندما أدركت أن الصباح مر بصورة معقولة وبسرعة وكان ناجحا على نحو معتدل , بعد محاولة أولية زعمت فيها صوفي الجهل أقتنعت بأن تثير ذكاءها ضد فكتوريا , وبعد فترة من الزمن بدا عليها الأهتمام بالرد على تحديات فكتوريا.
عندما أحضرت ماريا الشوكولا الساخنة لكليهما في الحادية عشرة رأتهما جادتين في العمل , فكرت فكتوريا أنها لمحت خيبة أمل في عيني المرأة المسنة لأنها كانت تود أن تخفق المربية الشابة , كما أخفقت سابقا المربيتان الآخريان , كان حبها لصوفي شديدا لدرجة أنها كانت تعترض على كل شخص يحاول النيل منه ولو جزئيا.
تناولت الأثنتان طعام الغداء في المطبخ مع ماريا وغوستاف , ألقت صوفي بعد الأنتهاء من تناول وجبة الطعام نظرة فيها رغبة شديدة على غوستاف عندما أنتعل حذاءه العالي الساق وأرتدى معطفه متهيئا للقيام بأعباء وظيفته , لذلك لم تبد أي أعتراض عندما أقترحت فكتوريا عليها الرجوع الى العمل.
كانت صوفي على ما لاحظت فكتوريا عظيمة القدرة على الفهم والأستيعاب للمعلومات بسرعة , أسئلتها تتسم بالذكاء , ولو أن فكتوريا شعرت من حين الى آخر بأنها تصوّب اليها نظرات تشوبها التأملات فأن علاقتهما كانت أشبه بمشروع تجاري بين مدرّسة وتلميذتها.
|