كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
ألقت فكتوريا نظرة عجلى من فوق كتفه وقالت :
" هذه المزارع لمن تكون؟ طبعا أنهم مستأجروا أراضيك".
" المستأجرون عندي كما تسميهم أحرار بالتصرف في الأرض , أنني أكره بيع الأراضي , لقد بيع كثير منها حتى الآن , كانت ممتلكات بارونات فون ريشيستين تمتد أميالا عديدة في كل جهة , عبارة عن أمبراطورية تحكم بعصا من حديد مضت هذه الأيام الى الأبد , مهما تكن أخطائي وأخطاء أجدادي يا آنسة فلا أعتد بها".
" أي أنسان يمكنه أن يحكم بعصا من حديد يا سيدي البارون , الخوف سلاح قوي لكن القوة تكمن في الأحترام والأخلاص والمحبة وليس بالعنف".
تقوست حاجبا البارون وعلق على كلامها بمرارة قائلا:
"أنك فيلسوفة يا آنسة مونرو مما يبعث السرور معرفة كونك لا تعتبرين وضعي دلالة على الضعف".
" بالعكس أشعر أن عندك قناعات قوية بالدور الذي يجب أن تلعبه , أنك أيضا على حق".
خفف البارون سرعة السيارة عندما بدأ بالهبوط في الوادي حيث تنتشر القرية.
" ربما أعتبرت أساليب عملي شاذة , من غير المعتاد أن يحرث مالك الحقل حقله وأن يطعم صاحب الحيوانات حيواناته وأن يعمل حتى يدب الألم في ظهره , أنا البارون فون ريشيستين ومع ذلك أعمل بيدي".
منتدى ليلاس
أطلق البارون تنهيدة خفيفة ثم أردف قائلا:
" لكنني رجل والحمد لله أتمتع بصحة جيدة وأستمتع بأعمالي , لست بطبعي مترفا ومع ذلك تناهى الى سمعي بأن الأشاعات تتردد عن عزمي بيع القصر والممتلكات وكل شيء".
" لماذا؟".
" بالمال الذي أحصل عليه أستطيع شراء مبنى مؤلفا من عدة وحدات سكنية مؤثثة , وألتحق بجميع أولئك البارونات في أوروبا الذين يترددون على عالم الطبقات الأجتماعية الراقية آملين أن يربحوا يوما ثروة على موائد القمار يمكنهم من أستعادة شراء ممتلكاتهم وضمّها الى أمجادهم السابقة, لا أستطيع أن أرى نفسي في هذا الدور , أشفق فقط على حماقتهم , يمكن أن نكون فقراء في ريشيستين ولكن على الأقل لسنا مديونين , لماذا يجب عليّ أن أبيع الشيء الذي أحبه أكثر من أي شيء آخر بعد صوفي؟".
ساورت فكتوريا الحيرة ليس فقط مما سمعته بل مما لم تسمعه , لم ينوّه قط في أي وقت من الأوقات بزوجته البارونة وهذا غريب , أين كانت والدة صوفي؟ لماذا لا يذكر أسمها ؟ لا يمكن أن تكون قد ماتت وألا لكانوا ذكروا موتها , فلماذا هذا السر حولها؟ كان هذا الأمر يزعجها كثيرا.
وبما أن فكتوريا معتادة على الثقة بعرّابتها وجدت هذا الأمر مثيرا لفضولها.
في ضواحي القرية كانت كنيسة صغيرة يعلوها برج قوطي ولها واجهة من القرون الوسطى.
تتألف قرية ريشيستين من شارع رئيسي تقابله حوانيت كثيرة وبعض البيوت العالية الضيقة ذات الشرفات وأوعية تزرع فيها الرياحين وتوضع على عتبة النافذة , وكان في مركز القرية ساحة قائم في وسطها حجر تذكاري لقديس غير مشهور هنا كان الناس يتجمعون للتحدث.
وهناك فندق صغير لافتته مهترئة وراء صف الأشجار العارية ومبنى مدرسة أبتدائية مع ملعب ملحق به , أوقف البارون السيارة في الساحة ثم ثبت سترته ورفع ياقته ودلف الى خارجها , ولما شعرت فكتوريا بالهواء البارد يتدفق الى العربة رفعت ياقتها هي أيضا أتقاء للبرد ولحقت به .
نظرت اليه وهو يغلق الباب بحزم وراءها ولم تتمالك من أن تقول بنبرة يكتنفها المرح:
" كان من المفروض أن أفتح لك باب السيارة".
" عليّ أن أقوم ببعض الأتصالات ماذا تريدين أن تفعلي؟".
هزت كتفيها بلا مبالاة وألقت نظرة عجلى على ما حولها متيقنة أن مجيئهما أثار أهتماما كبيرا من قبل المارين , كثير منهم كلموا البارون بحرارة ولطف لكنهم كانوا يمعنون النظر بفكتوريا.
بدأ السير عبر الساحة مما أضطرها للسير بجانبه , ألقت فكتوريا نظرة عجل عليه تلاقت بنظراته المرحة , كان سلوكها فظا وأدركت هذا الأمر لأنها تصرفت كذلك في الليلة الأولى من وصولها الى قرية ريشيستين عندما تأخر عن ملاقاتها في القطار.
فوجئت بالبارون يقودها الى الفندق الواقع في الجهة البعيدة من الساحة , وما أن دخلا القاعة حتى أنطلق رجل بسرعة وأهتياج وتكلم بأحترام شديد مع رب عملها , كان رجلا قصيرا واسع الصدر معتدا بشاربيه الكبيرين , ألقى نظرة عجلى على فكتوريا مبديا أهتماما أكيدا بها , وقادها البارون الى ذلك المكان وأفهم صاحب المشرب بالألمانية أنها مربية صوفي الجديدة.
هز الرجل رأسه بلطف وقال:
" مرحبا بك يا آنسة مونرو أننا مشتاقون لرؤيتك في قريتنا".
أبتسمت فكتوريا مرتبكة فقال البارون:
" أنه يقول مرحبا بك في قريتنا".
أشار الى مقعد في الزاوية قرب المدفأة:
" أذهبي وتدفأي سأطلب لك شيئا منعشا".
رجع اليها بعض بضع دقائق حاملا قدحا طويلا فيه سائل كهرماني اللون أخذته والشكوك تخامرها , أشار اليها أن تشرب شرابها وقال:
" هناك لحم وجبن وسجق أذا كنتما جائعين".
أجابت وهي ترفع الكأس الى شفتيها:
" أنني لست جائعة".
كان أنطباعها الأول أن هذا الشراب حلو المذاق , قال لها البارون وهو يراقب أختيارها لهذا الشراب .
" أنه مفيد صحيا تماما يا آنسة".
|