مست فكتوريا شعرها مسا رقيقا بأحدى يديها.
" ليس بسهولة يا سيدي البارون وليس بالأستهزاء , كما يبدو أنك تفعل معي".
" تعالي يا آنسة , ماذا سمعت؟".
أحمر وجه فكتوريا :
" هل تعلم أن صوفي على علم بأن والدتها كانت متزوجة من قبل؟".
توهجت عيناه قليلا:
" أنك تحفرين بعمق يا آنسة".
" كلا لم أفعل ذلك , جل ما في الأمر أنني كنت أصغي الى صوفي وأحاول أن أدرك تفكيرها".
بدا البارون مرهقا وقال بشدة:
" طبعا يجب أن تعرف صوفي كل شيء عن أمها , كانت في السادسة من عمرها عندما أنتشر الخبر , وهي من تستطيع فيها أن تفهم الوقائع دون أن تدرك مغزاها".
عضّت فكتوريا شفتها السفلى.
" هناك أشياء تعتقد بها وتزعجها كثيرا , حتى أنها تفكر بأنها ليست أبنتك".
حدق البارون فيها بشدة وأجاب:
" ليست أبنتي , نعم يا آنسة , صوفي هي أبنتي وهي أبنتي الوحيدة ".
" أذن عليك أن تقول لها ذلك يا سيدي البارون".
" ماذا تعنين؟".
" شعرت عند مجيئي الى هنا بهذه الأسرار التي تكتنف أرجاء القصر , وطبيعي أن تشعر بذلك فتاة صغيرة أيضا , ما هو الشيء الذي تخجل منه يا هورست؟ أية فضيحة تبقي طي الكتمان في ماضيك حتى تضطر بصورة مستمرة لأنكارها ؟".
" لا تستطيعين أن تدركي بأنني رجل أحترم نفسي ولا أستطيع الأعتراف بأخطاء الماضي".
" بل عليك أن تعترف بها , ولمصلحة صوفي نفسها يجب أن تهدم هذه الخرافة التي تعذب ذهنها الصغير".
" وأنت يا فكتوريا هل أنك فضولية؟".
" طبعا".
" أحذّرك , هذه الحكاية ليست مبهجة , أمرأتي أي والدة صوفي لم تكن أمرأة مرضية".
وأشعل سيكارة ببطء.
" كانت شابة عندما أحتل الأميركيون ألمانيا وككثير من البنات الألمانيات فتنت بضابط أميركي , طبعا حدث الشيء الذي لا مفر منه وأصبحت حبلى!".
كان هذا الجزء من الرواية بغيضا الى نفسها وسارت الى النافذة تحدق في المنحدرات الداكنة المكسوة بالثلج , قبل الضابط بتحمل مسؤولية عندما أطلع على واقع الحال وتزوجها , كان حفل الزفاف مدنيّا صرفا لتغطية ورطة وقعا بها , وبالتأكيد لم تعتبره ألسا رباط حقيقي يقيّدها , طبعا أردادت قناعتها هذه عندما أسقطت جنينها بعد مضي بضعة أسابيع , وعندما عاد الشاب الأميركي الى بلاده رفضت أن ترافقه مفضلة العيش الرغد الذي كانت تتمتع به , علاوة على ذلك كانت في ريعان شبابها وألمانيا موطنها , أنني لا أحاول أن أختلق لها الأعذار , كانت مغرمة بمباهج الحياة , ولم تكن ترغب الزواج وتحمّل المسؤوليات , الله يعلم كيف عاشت في السنين التالية , ويبدو جليا الآن أنها لم تكن بالمرأة التي تكتفي برجل واحد".
هز رأسه وأستطرد قائلا وهو ينفض رماد سيكاره في المدفأة:
" كنت غبيا! عندما ألتقيت بها في فيينا قبل أحد عشرة سنة لم أنظر ألا الى مظهرها الخارجي لا ألى داخلها , كانت أمرأة جميلة جدا وكنت شديد التأثير بالجمال , أشبعت غروري وأعتقد أنها وجدت فكرة حصولها على لقب بارونة بزواجها مني مغرية , ولو عرفت قساوة حياتنا هنا في ريشيستين لكانت فكرت مرتين قبل الأقدام على الزواج مني , في أي حال لم تبح بزواجها الأول وتزوجنا في كنيسة القرية , منذ البداية كرهت القصر , والعزلة , وطريقة حياتنا المتسمة بالبساطة والأقتصاد والبعد عن الترف وكرهت كل شيء عندنا , حتى أنها كرهت الأمومة عندما قدر لها أن تكون أما".
كان يتكلم بصرامة , وكانت فكتوريا تتعاطف مع آلالآم التي تحمّلها في تلك الأيام.
" ولم يطل بي الأمر حتى أدركت أن زواجنا كان كارثة , أذ لم يكن الواحد مناسبا للآخرين , كانت مادية لأقصى الحدود , وتطالبني دائما أن أبيع القصر وجميع ممتلكاتي وأستقر في المدينة , وعندما رفضت طلبها تركتني وتركت صوفي وبدأت تقوم برحلات زيارة الى أصدقائها في فيينا وستوتكارت , لا أعرف ماذا كانت تفعل هناك وهذا لم يكن يهمني بقدر ما كنت مشمئزا من قضية زواجي بأكملها , وفي يوم من الأيام جاء رجل الى ريشيستين يفتش عن ألسا , كان الأميركي الذي تزوجته , في الولايات المتحدة كان ألتقى بفتاة أحبها وأراد أن يتزوجها ولكن خلافا لألسا , كان يعرف أن عليه أن يكون طليقا قبل أن يتزوج ثانية".
وأردف قائلا:
" سوف لا أدخل في التفاصيل الدنيئة خلال المقابلة التي حصلت بينهما , يكفي أن أقول أن ألسا أستفادت من هذه الفرصة وهربت من الحياة التي كانت تمقتها وتشمئز منها".