كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
9- ظلال تثب الى الجدران...
شعرت فكتوريا في الصباح التالي بأن صحتها على ما يرام ولو أنها تشكو من صداع أضطرت لتهدئته بأخذ حبتين من الأسبرين , تراءى لها أنها محظوظة جدا لأبلالها بهذه السرعة , فوجئت بماريا تقرع باب غرفة نومها بينما كانت تلقي نظرة على ثيابها , عندما سمحت لها بالدخول رأت أنها تحمل صينية فيها ركوة قهوة وبعض أرغفة خبز ساخنة وزبدة وفاكهة من الفريز , أبدت دهشتها لرؤية فكتوريا خارج الفراش:
" تعليمات السيد البارون تقضي بالبقاء في فراشك طوال اليوم يا آنسة".
" طبعا هذا لطف منه ولكنني أفضّل أن أنهض من الفراش أذا كنت لا تمانعين؟".
" ليس لي أن أقرر ذلك يا آنسة , أذا كنت ترغبين بالنزول أفعلي ذلك".
أبتسمت فكتوريا أبتسامة خفيفة:
" النار في المدفأة أنطفأت ربما أستطيع النزول الآن".
ثم لمست ماريا بصورة غير لبقة:
" أفضّل أن أكون معك".
رقّت خطوط وجه ماريا , وأومأت برأسها علامة علامة الموافقة:
" حسنا يا آنسة".
كان غوستاف في المطبخ وعبّر عن شعوره بالتعاطف معها في الحادث الذي وقع يوم أمس , كانت صداقته الخشنة التي عبّر عنها بصدق بلسما لروحها المحطمة ورقّ مزاجها كثيرا , وبينما تناول طعام الأفطار ظهرت صوفي وحدقت في فكتوريا متفحصة , وأعلنت بصلابة:
"تبدين رهيبة".
رفعت فكتوريا حاجبيها وأجابت:
" أرى أنك تبدين على أحسن وجه".
جعّدت صوفي أنفها وقالت متخذة خطة الدفاع:
"أعطى والدي تعليمات الى ماريا بأن تقضي اليوم في الفراش ".
" لا أرغب في البقاء في الفراش عندما لا أكون مريضة , وعلاوة على ذلك لدينا عمل , نقوم به".
هزت صوفي كتفيها بلا مبالاة:
" قال لي والدي لست ملزمة بأن أعمل أذا لم أرغب في ذلك".
" ألا أذا كان هذا العمل يتعلق بي".
" لا أرى موجبا للعمل في نهاية الأسبوع".
" حسنا جدا , سنفحص القماش الذي كلّمتك عنه بدلا من الدرس".
لوت صوفي قسمات وجهها لأضحاك فكتوريا وقالت:
" سيذهب والدي والآنسة سيباغل في نزهة بالسيارة , أرغب في الذهاب معهما".
أطلقت فكتوريا تنهيدة وقالت بنفاذ صبر:
" آه أذهبي أذن".
منتدى ليلاس
علقت ماريا على ذلك قائلة وهي تجبل العجين في نهاية الطرف الآخر من المنضدة.
" لم يدعك والدك للذهاب , ربما كان الأفضل لك أن تقبلي أقتراح الآنسة مونرو وتبقي معها".
أنفجرت صوفي غاضبة:
" ماذا تعرفين عن هذا الأمر ؟ في أيّ حال لا أرغب بتفحّص أي قماش".
أحنت فكتوريا رأسها وأعادت كأس القهوة الى المنضدة , نظرت ماريا اليها بتفهّم ولاحظت فكتوريا بعد تفكير عميق أن هذه المرأة المسنّة تكن لها بعض العطف , أختفت صوفي وأخذت فكتوريا تساعد ماريا على تنظيف المنضدة قبل أن تذهب الى مكتب البارون , كانت في بنطالها الفضفاض وكنزتها الصوفية الغليظة تبدو هزيلة ولكن ترك شعرها طليقا مكّنها من أن تخفي الكدمة غير اللائقة في جبهتها , قرعت على باب المكتب وعندما لم يجب أحد أطلقت تنهيدة أرتياح , طبعا لم يرغب البارون بأستعمال مكتبه في هذا الصباح ويمكنها أن تستعمله مع صوفي أذا ظهرت هذه الأخيرة ثانية .
كانت النيران المتوهجة ترسل ظلالا تثب الى الجدران أما في الخارج فكان المنظر كئيبا , الغيوم المتكاثفة فوق ذرى الجبال تحجب أشعة الشمس وتخفي قممها عن الأنظار , جلست فكتوريا الى المنضدة وبدأت تدوّن ملاحظاتها من كتيّب يبحث في ما قبل التاريخ , كانت تائهة في عالم الماموث( أفيال ضخمة منقرضة) وسكان الكهوف عندما فتح الباب ودخلت منه أمرأة , رفعت فكتوريا بصرها اليها غير قادرة في تلك اللحظة على معرفتها , أدركت بعدئذ أنها الآنسة سيباغل التي تكلمت عنها صوفي , كانت رائعة الجمال , شعرها فضي كشعر البارون وقصير جدا , عيناها الداكنتان ترصّعان وجهها الصغير الفاتن , ومستحضرات التجميل تزيدهما سحرا وجمالا , كانت ترتدي ثوبا أنيقا طبعت على قماشه غابة رائعة , وبما أنها كانت هيفاء وصغيرة الجسم فقد كانت تبدو كحزمة من قصب تتمايل في الهواء , أذا كانت فكتوريا فوجئت برؤيتها فهي بدورها بدت مذهولة الى أبعد الحدود لرؤيتها جالسة الى منضدة مضيفها في مكتبه الخاص , وبعد لحظة من السكون المطبق قالت بلهجة حادة:
" أين السيد البارون؟".
عضّت فكتوريا على شفتيها وقالت:
" أنا لا أتكلم ألا الأنكليزية , هل تفهمينني؟".
تجهّم وجه الآنسة سيباغل وردّت بأنكليزية صحيحة:
" من أنت وماذا تفعلين في مكتب البارون؟".
كانت دهشة فكتوريا عظيمة , قد تكون الآنسة خبيرة في علم اللغات أو بصورة أكثر تحديدا , غير نمساوية , على أنها ضبطت فضولها ونهضت قائلة:
" أسمي فكتوريا مونرو وأنا مربّية صوفي , أننا نستعمل مكتب البارون كحجرة للتعليم".
" أين ربّ عملك؟".
" لا أعرف أين هو , ينهض عادة باكرا ويجول في ممتلكاته خارج القصر في هذا الوقت".
" أننا مزمعون على زيارة بعض الأصدقاء هذا الصباح , أريد أن أعرف متى".
|