كاتب الموضوع :
قلب حائر
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
-ولكنه لم يفلح في أداء المهمة .
بدا واضحا أنه سمع حديثها كله .. ولم تر أثرا لأي ابتسامة بعد . فمن يمتنع عن الابتسام عند سماعه قصة هذا الجني لا يمكن أن يبتسم لأي سبب كان ما ترك في نفسها تأثيرا سخيفا . وأحست برغبة لا تقاوم في جعله يبتسم .
قالت له متجاهلة ما يفترض بها أن تفعله أو أن تمتنع عن فعله : (( كان يعامل بابا نويل معاملة فظة طالباً منه أن يبذل جهدا أكبر )).
وسط توقها الشديد لجعله يبتسم ، شعرت بشيء يتأجج في صدرها .
لطالما انزعجت كريستين من احمرار خديها خجلا ، وذلك منذ كانت
تلميذة على مقاعد الدراسة ، لكنها نجحت في السنوات الأخيرة في التغلب على موجة الإحراج القرمزية التي تجتاحها من خلال تحويل تفكيرها سريعا إلى أي أمر آخر .
أجابها قائلا : (( أرى أنه سبب وجيه لاستبداله بجني أطول قامة إذ من
الصعب التنبؤ بتصرفات قصيري القامة منهم )).
- لم يسبق أن استخدمنا واحدا طويل القامة ..
- يؤسفني سماع ذلك . فهذا الإجراء غير عادل ويعاقب عليه القانون الخاص بتساوي الفرص .
- في الواقع إن ما ينبغي أن يعاقب عليه فعلا هو انتحال صفة الجني .
خطرت في بالها عبارات عديدة وغريبة لكنها أرغمت نفسها على أن تغمض عينيها للحظات . وعندما فتحت عينيها من جديد ، قالت له بصوت خافت لا بل أكثر خفوتا مما توقعت : (( عليك تناول كعكة الميلاد رغماً عنك ، وانشاد أناشيد الميلاد )).
ولم يبتسم إلا أنها لم تغفل عن ذلك الطيف الذي مر في عينيه ، طيف هو أشبه ببريق شعاع شمس ومض عبر طبقة الجليد الأخضر .
سألها : (( من ينتحل شخصية من ؟ سمعتك تدعين عبر الهاتف أنك بابا نويل .. إنها كذبة واضحة لأن بابا نويل لا يعتبر كعكة العيد ، وأناشيد
الميلاد عقابا .. بالمناسبة ، لا أرى أي اثر للحية البيضاء والبطن
المنتفخ )).
كانت هي من ابتسم هذه لامرة وقد أبهجها هذا الحوار العفوي الخطير مع شخص غريب شديد الغموض ، دخل متجرها في هذا النهارالكئيب الممل . بقيت مبتسمة إلى أن لاحظت أنه يتفحصها ، فأدركت أنها تبدو بعيدة كل البعد عن بطلات الحكايات الخرافية التي تنتهي بعبارة (( وعاشا معا في سعادة إلى الأبد )) . فالقسم المخصص للمستودع في المبنى والقائم خلف مكتبها ، مكسو بالغبار وشديد البرودة ما جعلها تختار تنورة بنية داكنة ، وجوارب تبعث الدفء ، وحذاءً عملية فضلا عن سترة تصل إلى المرفقين . وبدا شعرها فجأة مريعا ، وتمنت في سرها لو أنها رضخت لطلب المتطوعة (( لولو )) التي توسلت إليها في الأسبوع الفائت كي تسمح لها بأن تصبغ بعض خصل شعرها البني بلون أشقر لامع .rقالت لها لولو : (( أنت في الثالثة والعشرين من العمر يا كريستي
ولكنك تبدين كامرأة في العقد الرابع )).
وتساءلت في تلك اللحظة ما إذا كانت تبدو كامرأة في الأربعين من عمرها مؤكدة لنفسها أن الرجل هو السبب في ارتباكها . فتلك الفتاة التي امتنعت عمداً عن مواعدة الرجال منذ أكثر من أربع سنوات ، بدت فجأة قلقة بشأن سترتها ولون شعرها وتذكرت ، والحزن يغمر قلبها ، أقلام أحمر الشفاة الأربعة والعشرين الموضوعة على مكتبها والمرسلة إليها كهبة .
قالت له باذلة ما بوسعها لإخفاء الارتباك الذي كانت تشعر به : (( ليس باليد حيلة إذا كانت نظرتك إلى بابا نويل محدودة إلى هذا الحد ..أنا بابا نويل في هذا المكان أو يمكنني القول على الأقل ، إنني أجسد روحهوأحرص على أن يحظى الأولاد في الجوار بهدايا عيد الميلاد )).
أجابها قائلا : (( يمكن حتى لأكثرهم انفتاحاً وتسامحاً أن يصاب بصدمة عندما يعلم أنك بابا نويل )).
لم تظهر على وجهه علامات الـتأثر بحبها للغير ، باستثناء ذلك الخط الساخر الذي ازداد عمقاً عند طرف فمه . إنزعجت كريستين لدى إدراكها
مدى توقها إلى إثارة إعجاب هذا الرجل الغريب بنشاطاتها وإنجازاتها ربما لأنها كانت تعلم في قراراة نفسها أن مظهرها فشل تماما في الـتأثير فيه .
-حسنا ، لن يعرف أحد الحقيقة . ولهذا السبب ، أطلقنا على جمعيتنا اسم (( جمعية بابا نويل السرية )) . وفي كل سنة ، نختار متطوعا ليلعب دور بابا نويل .
وجدت نفسها تقدم له معلومات مملة قد لا يرغب في الاطلاع عليه، وهي تعي تماما أنها اتخذت موقف الدفاع عن النفس بعد أن شعرت بخطر يحدق بها .
لماذا ؟ هل التواء فمه سخرية هو السبب ؟ أم لأنه ينظر إليها وكأنها تدعي الفضيلة ؟ أو ربما لأن الفرصة كانت متاحة أمامها لتصبغ شعرها ولم تفعل
بدا واضحا أن الوقت حان لإنهاء هذا اللقاء . فقالت له : (( حسنا، ثمة الكثير من الأعمال في انتظاري إلا إن كنت ترغب في مقاضاتي لأنني لا أملك وظيفة شاغرة لجني ))
متى كانت آخر مرة حرك فيها رجل مشاعرها ؟
إنها مسألة في غاية السهولة . ففي عامها الأول في الكلية ، ارتبطت كريستين بعلاقة جدية مع زميل لها ، يدعى جايمس موريارتي . وقد نجح هذا الأخير ، على مدى ستة أسابيع تقريباً ، في التظاهر بشدة افتتانه بها لأنه كان بحاجة إلى من يساعده في امتحان الرياضيات .
ولن تنسى أيضا زوج أختها السابق الذي كان يقطن في المنزل المجاور وادعى أنه الزوج المثالي . لكن وفيما كانت العائلة كلها بحاجة إليه ليساندها ، ما الذي شغله ؟ انشغل بالعبث مع سكرتيرته
شعرت بقشعريرة تسري في جسمها . هذه هي الأسباب التي جعلتها تفقد إيمانها بالقصص الخيالية . فالرجال، مهما اختلف مظهرهم، يوهمونك بحقيقة ليست حقيقتهم لا سيما أمثال هذا الذين يتميزون ببنيتهم القوية، ويتحلون بثقة فائقة في النفس ووسامة تفوق الوصف .
ومع أن الرجل الواقف أمامها بدا بعيدا كل البعد عن التظاهر، لاحظت في أعماق تينك العينين الباردتين اللاذعتين إلى حد الذهول أموراً حقيقية تشكل خطرا على الحجاب الواقي لقبها .
قال لها متجاهلاً محاولتها صرفه : (( لست قاسي القلب إلى هذا الحد لأقاضي جمعية بابا نويل السرية )).
|