المنتدى :
المنتدى الاسلامي
مرثية الشيخ على الغامدي في إبنه الوحيد سعد رحمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في 14/4/1432هـ توفا الشاب ( سعد ) إبن الشيح الداعية على بن سعد الغامدي من ابناء بني كبير المقيمين بمكة المكرمة إماما و خطيبا لأحد مساجدها رحم الله سعدا وأسكنه فسيح جنانه والهم آله وذويه الصبر والسلوان
( الراحل الصامت ! )
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله أجمعين أما بعد
[ فلا إله إلا الله بعد اثنين وعشرين عاما وشهرا واحدا وثلاثة وعشرين يوما أ لقيت ياسعد عن كاهليك عصا الترحال !!
وإني لأحسب .. أنك ~ إن شاء الله ~ قد استرحت وأدعو الله لك بذلك وأنا موقن بالإجابة بإذن أرحم الراحمين
[ وإني لأدعو الله حتى كأنني أرى بجميل الظن ما الله صانع ! ]
سعد أيها الحبيب : حنانيك حنانيك فقد كنت أختلس النظرات إليك كثيرا في البيت وأرى على وجهك مسحة حزن لا تفارق محياك ! ويراودني شعور أب أنك لن تعمر طويلا ! وقد ترجمت هذا الشعور في كثير من نصائحي وتوجيهاتي لك وأنا أذكرك بالله والدار الآخره !
سعد ياشطر نفس أبيك :
سبحان الله !
من قرابة شهر وأنا أتوجس خيفة !
وأشعر أن شيئا ما يطويه عالم الغيب وفيه مافيه !! وكنت أسلي النفس بكثير من الرجاء في رحمة أرحم الراحمين !
ورحلت ياسعد !
رحلت في صمت عجيب !
ونقل إلي خبر رحيلك بطريقة مفاجئة بدون تمهيد ولا مقدمات ! والحمدلله الذي ألهمني مباشرة وبدون تردد ولا تلعثم قول [ إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها ] وربط على قلبي أرحم الراحمين واستلمتك من المستشفى جثة هامده ! وصحبتك لمغسلة الموتى ثم للحرم المكي الشريف ثم سبحان الله صلينا عليك في صحن الكعبة بين الحجر الأسود والركن اليماني في مكان قضيت فيه أنا وأنت ست سنوات أسمع لك منهج القرآن وأنت طالبا في مدرسة الشيخ ابن باز الإبتدائية لتحفيظ القرآن الكريم والحمدلله صلت عليك تلك الأمم في الحرم ! ثم حملتك على كتفي لمقبرة المعلاه ! وعلى شفير القبر صلت عليك قرابة ستة صفوف فيهم من العلماء والمشايخ من نحسبهم على خير عظيم ومنهم إمام الحرم المكي أخونا الحبيب الشيخ ماهر المعيقلي حفظه الله ثم وسدناك التراب ياسعد !
[ وليس الذي يجري من العين ماؤها !!
ولكنها روح تسيل فتقطر !! ]
وبعد تغطية القبر وقف الجميع يسألون لك التثبيب عند السؤال ! ولاتسل عن أبيك في هذا المقام ! فقد رفع أكف الضراعة وهو فقير مكلوم محزون وأغمض عينيه وبدأ يدعولك ويتوسل ويرجو ويبدو أني نسيت نفسي ونسيت من حولي وسبحان الله مما أذكره من ذلك الدعاء الطويل أنني كررت كثيرا هذه الدعوه : يارب يارب يارب إن سعدا ضيفك هذه الليلة وأنت أكرم الأكرمين والله إنك يارب أرحم به منا جميعا فيارب أكرم وفادته وآنس وحشته وارحم غربته يارب وماذا تعادل ذنوب سعد في بحر جودك وكرمك ] وفجأة فتحت عيوني فإذا بي قد أصبحت وحيدا واقفا على قبرك ! وتلك الجموع قد اصطفت تنظر إليه وتنتظرني أنهي الدعاء لتعزيني وتنصرف !
وشعرت بالخجل لأنني شققت على الناس !
وأصدقك القول ياسعد بأن أحاسيسا ومشاعرا تخالجني بأنك فعلا قد استرحت وقدمت ضيفا على أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين ووالله لقد عزيت فيك حتى من مؤذنين وأئمة مساجد في أستراليا ومن بريطانيا و من كندا بل والله لقد اتصلت فيه بنت من زهران في الثانية أو الثالثة الإبتدائي وتدعو لك دعاء سبحان من ألهمها وعلمها ذلك الدعآء ! سبحانه وبحمده
بل والله لقد اتصل بي علماء ومشايخ بعضهم والله لا أعرف أنني قابلتهم أو اتصلت بهم فلله الحمد والمنه وحده لاشريك له
وبعد ياسعد ففيك ثلاث خصال دعني أعلنها على الملأ :
1/ لقد كنت ياسعد كثير الصدقه عطوفا على الفقراء والمحتاجين بل كل مافي يدك ليس لك !
2 / كنت خدوما خدوما وخاصة لأخواتك الست ولا إله إلا الله كم سيفقدنك !
3 / وكنت كثيرا كثيرا كثيرا ما أسمع منك هذه الكلمة التي لن أنساها لك أبدا بإذن الله تعالى { أبشر يابوي أبشر } الله الله ياسعد كم كنت تسعدني بهذه الكلمة كلما وجهتك أو أوصيتك أو ناديتك ومايدريك فقد تكون سببا في رجحان كفة ميزانك !
سعد ياشطر نفس أبيك :
قبل شهرين ونصف تقريبا مكثت تطوف بين شركات السيارات والمعارض تبحث لي ولك عن سيارتين نشتريها وأخيرا إخترت لي كامري وأنت اخترت هوندا وأذكر أنني قلت لك عندما استلمنا السيارتين من الوكالة هيا ياسعد خلينا نشوف من يحافظ على سيارته أنا أم أنت ؟!
وها أنت ياسعد عندما أحسست بالتعب قبل ظهر يوم السبت 14 /4 / 1432 توقف سيارتك الهوندا على قارعة الطريق وتفرد كرسي سيارتك لترتاح ! وتخرج جوالك وتضعه في يدك اليمين ! وكأني بك كنت ستتصل بي أو بأمك !
[ وإذا رحمت فأنت أم أو أب !!
هذان في الدنيا هما الرحماء
وتقول أنا بين العوالي والعزيزية تعالوني أنا تعبان ! فإذا بأرحم الراحمين يرسل لك من أراحك إن شاء الله من فتن هذه الدنيا التي عمت وطمت !
ووالله إنه أرحم بك من نفسك ومن أمك وأبيك ! ولذلك أعدك ياسعد أن أبيع سيارتي الكامري وأبني لك بثمنها مسجدا وأحتفظ لنفسي بسيارتك الهوندا التي قبضت في داخلها لأدعو لك كلما فتحت بابها وكلما ركبتها وخاصة أنها ستقلني دوما للصلوات في المسجد الحرام بإذن الله تعالى وإلى كثير من الدروس والمحاضرات وخطب الجمعة وصلة الرحم وغير ذلك من مواطن الخير ومظانه وتخيل ياسعد مشاعر أب يجلس على كرسي سيارة قبض عليه فلذة كبده بل ولده الوحيد الذي طالما شنف مسامعه ب { أبشريابوي أبشر ولا يهمك }
ثم إني لا أخفيك ياسعد ياشطر نفس أبيك بأنه قد مر بأبيك طائف من الشيطان في أول يوم من أيام وفاتك يذكرني بمرثية ابن الرومي في ابنه الذي كان ولدا ذكرا من بين خمسة أولاد ذكور لكنه كان أفضلهم وأعقلهم وعندما مات قال والده في مرثيته :
توخى حمام الموت أفضل صبيتي !!
فلله كيف اختار واسطة العقد ؟!!!
ونزغ ذلك الطائف قائلا :
أنت عندك سبعة من الأبناء ست منهم بنات !
وسعد هو الوحيد ولدا وهو الذي مات ؟!
لكن الله سبحانه أعانني فقلت له { إخسأ عدو الله فلن تعد قدرك !! } فالأمر لله من قبل ومن بعد يأخذ سعدا يأخذ عائشه يأخذ ساره يأخذ سندس يأخذ سيرين يأخذ فاطمه يأخذ سميه يأخذ أبو سعد يأخذ أم سعد بل يأخذ الجميع !! له الأمر من قبل ومن بعد يفعل ما يشاء ويحكم مايريد له الحمد وله الشكر وله الثناء الحسن لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه سبحانه وبحمده
نعم
{ سبحان من لو سجدنا بالعيون له !
على شبا الشوك والمحمي من الأبر !!
لم نبلغ العشر من معشار نعمته !
ولا العشير ولا عشرا من العشر !!! }
وختاما ياسعد الحبيب هذه نفثات أب كتبتها صبيحة اليوم الرابع من وفاتك وكنت في طريق عودتي من الباحة لمكة راكبا في سيارة أجره وقد أهللت بعمرة ذات طعم خاص ! { لبيك عمرة عن ولدي سعد فارحمه يارب رحمة واسعة آآآآآآآمين }
وبعد :
يارب إنك قد غفرت لمن قتل مائة نفس ! وأدخلت الجنة بغيا سقت كلبا جرعة ماء ! وأوجبت الجنة لرجل أزاح غصن شجرة عن طريق الناس ! فيارب أنا لا أدعي أبدا أبدا أن سعدا كان كثير صلاة أو صيام لا والله لكن سعدا رحل في ربيع العمر وسن الزهور وهذا السن مظنة الزلل لكن ماعسىاه أن يكون زلل سعد في بحر جودك ورحمتك وعفوك وعافيتك ؟!بل يارب يارب يارب إني أرجوك أرجوك أرجوك وأتوسل إليك وأنا عبيدك الفقير المسيكين المعوز المحتاج
والله مامعي شئ ! وماعندي شئ ! وليس لي شئ ! أتوسل به إليك إلا أني أشهد أنه لا إله إلا أنت ولارب سواك وأشهد أن محمدا عبدك ورسولك صل وسلم عليه دائما وأبدا فأنزل سعد يارب منازل الشهداء الأبرار !! فأنت تعلم يارب ولا تخفى عليك خافية أن سعدا إستأذنني في الجهاد مرتين أو ثلاثا !! ولم آذن له وعندما ناقشني أجبته قائلا [ والله ياولدي لو أعلم أرضا فيها راية جهاد لا دخن فيها ولا غبار عليها لأذنت لك بل ربما لسبقتك إلى هناك! ] ولذلك يارب سألتك أن تنزل سعد منازل الشهداء مستأنسا بما صح عند مسلم عن حبيبنا صلى الله عليه وآله وسلم [ من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء ولومات على فراشه! ]
يارب إنك قد تفضلت عليه وعلى ولدي سعد قبل عدة سنوات وجمعتنا في داخل الكعبة المشرفة !!!
فاجمعني به في فردوسك الأعلى من الجنة اجتماعا لا فراق بعده!
آآآمين آآآمين لا آآآمين واحدة آآآمين آآآمين فوق الألف مليارا
وإن لي عظيم رجاء في أكرم الأكرمين أن يجعل في وفاتك ورحيلك الصامت هذا
حياة لأبيك وأمك وأخواتك وجميع أقاربك بل ولكثير من الناس !
وسبحان الله ! وإن كنت ياسعد رحلت صامتا لكن صمتك أثناء رحيلك !! أحسب أنه أبلغ من آلاف الخطب والدروس والمحاضرات !!!
وأخيرا
فصلوات ربي وسلامه على نبينا محمد وآله أجمعين
والحمدلله رب العالمين
وياسعد ياشطر نفس أبيك :
{ والله إني مؤمن إيمانا جازما لا يخالطة أدنى شك أبدا أبدا بأن رحيلك في ربيع العمر 22 سنة ] لهو عمرك الذي كتبه الله لك وقدره قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ومانقص منه ثانية واحدة أبدا } فالحمدلله ياسعد ثم الحمدلله ثم الحمد لله أنك بالذات في آخر ثلاثة أشهر من حياتك قد رتبت أوراقك كثيرا وأرضيتني أنا وأمك بل وأرضيت جميع محبيك عنك ! فهيا ياسعد ياشطر نفس أبيك دعك من دراستك لهندسة الإلكترونيات و اعطني رأسك أقبله عن بعد
واسمع ياسعد اسمع جيدا
{ إن كان قد عز في الدنيا اللقاء !!!
ففي منازل الخلد نلقاكم ويكفينا !!! }
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد
أن لا إله إلا أنت
أستغفرك وأتوب إليك
محبك ياسعد :
{ والدك الصابر المحتسب إن شاء الله تعالى }
|