هز بيرس كتفيه وتابع: " لا فكرة لديك عن الرجال الفاشلين الذين كانت والدتى تقع فى حبهم . جاك ربما كان أسوأهم .لكن كانت لديه ابنة أيضاً , مورين . انتهى به الأمر لأن يهجرها , حين تعرّف بوالدتى كانت مورين فى التاسعة من عمرها , وأنا كنت فى السابعة ".
" إذا ؟".
حثته شانى ليتابع , فقد بدا بيرس غارقا فى أفكاره فى مكان بعيد من الماضى وهو يحدق أمامه مباشرة .
" حسنا ! انها قصة مرعبة . جاك كان سادياً , لكن والدتى اعتقدت أن كل ما يفعله كان رائعاً . لذا عشنا تحت رحمته , مورين كانت أكبر منى سناً وأكثر صلابة , ولسبب ما قررت أن تكون لى الأخت الكبرى , واعتقدت أن من الرائع أن يكون لها أخ . كانت موجودة دائما لأجلى , تلك كانت أطول العلاقات الغرامية التى أقامتها أمى , بقينا سوياً لمدة سنتين , فى كل مرة كان ...
مرة ثانية هز بيرس كتفيه قبل أن يتابع " حسنا! كانت تهبّ على جاك كالنمرة , تعضه , تخدشه , تصرخ به ...كان ينتهى بها الأمر أن تنال ضرباً مبرحاً مثلى تماما ".
" ماذا بعد ؟".
قال بيرس بحزن " انفصلت والدتى عن جاك ووضعنا فى دارين مختلفتين للرعاية . حاولنا أن نبقى على اتصال .كانت مورين تراسلنى كل ستة أشهر أو ما يقاربها , كنت أتلقى رسالة مكتوبة بخربشة تطلعنى على ما تفعله بحياتها . حين وصلت إلى سن الرشد , توقفت عن الرسائل , آخر رسالة بعثتها لى قالت فيها أنها التقت برجل أحلامها وأنها ستنتقل للإقامة فى بيرث ".
" لكنه لم يكن . . . رجل أحلامها ؟".
قال بيرس بمرارة " مورين كانت مندفعة وكأنها مبنية على أساس تدمير الذات ".
منتديات ليلاس
" المخدرات؟".
" لم تتعاطى المخدرات , ذاك كان سيعتبر بمثابة الانتحار فهى كانت تعاني من مرض السكرى ".
" آه ".
قال بيرس بحذر " أرادت إنجاب الأطفال فقط . رغبت طيلة حياتها أن تحظي بعائلة ,ربما كانت لهذا السبب تدافع عنى بشدة , أرادت أن تحصل على عائلة مهما تطلب الأمر ".
" لكن مرض السكرى ".
"هذا ما قصدته بالتدمير الذاتى , بدأ جسدها يتلاشى شيئا فشيئا بعد كل طفل انجبته , الا انها بكل بساطة لم تبد قادرة على ردع نفسها ".
تردد بيرس قبل أن يتابع " كلما تعرفت إلى نذل ما كانت تظن أنه الإستجابة لصلواتها , فينتهى بها الأمر للحمل . عاشت فى غرب استراليا , وفقدنا التواصل تماماً . منذ أقل من سنة , جاءت بحثاً عنى . كنت أبلي حسناً فى عملى كمهندس معمارى فى سيدنى . اشتريت هذا المكان لتمضية عطلة نهاية الأسبوع وكنت راضياً جدا ا
" وما الذى حصل ؟".
" بدأت كليتاها تتراجعان . كانت حاملاً وترفض وضع حد لحملها , مع أن الحمل سوف يدمر كليتيها , جاءت إلى مكتبى فى سيدنى فأطلعتنى على كل ما يتعلق بحياتها وطلبت منى المساعدة ".
" آه , بيرس ! ".
" أصبحت مورين مريضة، إلى درجة أنها كانت تواجه خطر أن يتم وضع أطفالها فى دور التبنى , لم تتحمل فكرة أن تدعهم يعيشون تلك الحياة التى حظيت هى بها . حسنا! لعلنى فهمت دوافعها , فيما راحت تتكلم , عادت بى الذاكرة إلى تلك المرات التى اضطرت الى أن تتحمل الضرب لأجلي , لم يكن بيدى خيار آخر ,هنالك مركز يُعنى بغسل الكلى فى موريبا . يبعد مسافة نصف ساعة من هنا . عرضت عليها أن تقيم هنا، مادامت تحتاج إلى ذلك ".
حدقت شانى نحو بيرس للحظة طويلة جداً , ثم ابتسمت وقالت " لطالما ظننت أنك فتى طيب , على الرغم من بذلتك ذات الخطوط الرفيعة ".
رد لها بيرس الابتسامة , لكن تلك الابتسامة كلفته قليلاً .
" حسنا...طلبت منى القصة بأكملها , لذا ستحصلين عليها , كنت للتو قد بدأت أعانى مشاكل مع جيراني هنا . عندما اشتريت هذا المنزل، كانت إحدى كبرى شركات منتوجات الحليب أهم المزايدين على شراء المكان , كى تبني مصنعها الجديد , ما يعنى أن السكان المحليين لن يعودوا مضطرين إلى دفع أجرة نقل الحليب إلى المصنع , لكننى وقعت بحب هذا المكان , فدفعت ثمناً له أكثر من قيمته الحقيقية , لذا انتقل المصنع إلى مكان آخر . حالما امتلكت المكان جاء الأطفال الأربعة مع والدتهم التى بدت مريضة جداً وبائسة , وكانت حاملاً من جديد , كنت أنا أقود سيارة رياضية صفراء مشرقة فى حين بدا الأطفال متضورين جوعاً, مورين لم تكلم أحداً عن خلفية ماضيها , ولم يسألنى أحد قط عنها , حكموا علي وألصقوا بى كل أنواع العلل تقريبا
ابتلعت شانى ريقها وقالت " أنا آسفة جداً ".
منتديات ليلاس
" لا داعى لذلك . على أي حال مورين أنجبت بيسى , ثم ازداد مرضها سوءاً , علقنا آمالنا فى الحصول على فرصة لزراعة كلية لو حظينا بمتبرع , لكن ذلك لم يحصل".
" إذا ...الزواج ؟".
" مصلحة رعاية شؤون الأطفال كانت قد اعتنت بهؤلاء الصغار من قبل، خلال الفترات التى كانت فيها مورين مريضة وبائسة جداً , لذلك صار الموضوع مدوناً فى سجلاتهم . ليس من الصعب فهم ذلك . هناك أشخاص جيدون فى تلك المؤسسة يهتمون ويقلقون عليهم فعلاً . صار المجتمع المحيط بنا يتكلم بالسوء عنا , مورين بدأت تعتقد أنها حالما تموت فسوف يرسلون أطفالها إلى دور التبنى , بغض النظر عما أريده أنا
" هنالك بعض ..."
بدأت شانى تتكلم بحذر لكن بيرس تابع كلامه قبلها قائلا: " لا تقولى لى أن هنالك دوراً رائعة لتبنى الاطفال . الأهل بالتبنى هم بعض أفضل الأشخاص فى العالم ,إنهم كرماء , طيبوا القلب , يستقبلون كل الوافدين الجدد على الرغم من أن التعلق بهم قد يكون مؤلماً , اذ تنفطر قلوبهم مراراً وتكراراً ".
" يا إلهي هل أصبت وتراً حساساً ؟".
تدبر بيرس اعتذارار وابتسامة قائلاً: " آسف".
أخفض صوته وتابع " لو لم أحظّ بروبى لكنت فى ورطة كبرى الآن ...لكننى كنت بمفردى وهؤلاء الأولاد ليسوا كذلك . على الرغم من أن مورين كانت عديمة الكفاءة فى أغلبية الأحيان , إلا أنهم يحبون بعضهم البعض , وسوف يدافعون عن بعضهم البعض حتى الموت , يجب ألا يتم التفريق بينهم مطلقاً , وهنا تكمن المشكلة , أتظنين أن هناك من هو مستعد لأخذ الأطفال سوياً ؟"." أظن ...ربما لا ".
" وندي كانت راعية مورين الأساسية لسنوات , تطلب الأمر وقتاً طويلاً لأقنعها أننى أستطيع المساعدة , وحتى الآن هى لا تثق بى تماماً . لم عساها تفعل ؟ لكننى بكل بساطة لم أحتمل".
" وبالتالى تزوجت من أمهم ".
" نعم. تحركنا بسرعة، قبل أن تصبح مورين مريضة جداً , تزوجنا , ثم قدمت طلباً حتى أتبناهم بصورة قانونية , مورين ملأت كل الأوراق بموافقتها , ووكلتنى لأصبح الوصي القانونى عليهم ".
" آه. بيرس ! ".