وفي اليوم التالي ذهبت فاي لأستشارة الطبيب الذي أكد حقيقة الحمل , وكان الطبيب شابا ضخما أخذ ينظر اليها بود ثم سألها :
" ماذا يقلقك يا سيدة مارش؟ الأطفال مبعث سرور للناس وعندي منهم ثلاثة".
نظرت اليه متعجبة , فهو يبدو صغير السن لا يوحي بأنه متزوج .
ثم قال لها:
" عندما أكدت لك لأول مرة حقيقة حملك برقت عيناك فرحا , والآن ماذا يحزنك؟ هل تظنين أن زوجك لا يريد هذا الطفل , أنني أعرف كثيرا من الأزواج عندهم هذا الشعور الخاطىء , فهم يتوهمون أن مجيء الأطفال قد يؤدي الى أهمال زوجاتهم أياهم , أذ يحولن أهتمامهن وعطفهن الى الأطفال , هل هذا ما يقلقك يا سيدة مارش؟".
ليت الأمر بهذه البساطة , ومع ذلك ردت تقول:
" أظن أن هذه هي مشكلتي".
" أذن عودي الى المنزلي وحوّلي أهتمامك كله الى زوجك , فسوف يرغب بعد ذلك في الأطفال دائما".
ثم راح الطبيب يحدثها بأهتمام ويقول:
" يجب أن أقول لك يا سيدة مارش أن هناك نساء خلقن كي يحملن أطفالهن بسهولة ويسر , والآخريات لا يشاركنهن هذا الحظ السعيد".
" وهل أنتمي الى الزمرة الأخيرة؟".
" نعم للأسف , ويجب أن تهتمي بنفسك , فتتريضي , ولكن بدون أن ترهقي نفسك , والقليل من الرقص لا يضر , ولكن تجنبي السهر والحفلات الصاخبة والسفر المرهق , الكثيرات من النساء يمكنهن ممارسة كل هذه الأشياء بدون ضرر , ولكن أنت لن تحملينها".
فصاحت فاي تقول:
" لا تقل لي أنني سوف أصبح طريحة الفراش".
" لا أبدا , بل خذي الحياة بهدوء وسكينة , خصوصا في الأشهر الأولى من الحمل , ولا تنسي أن تحضري لزيارتي بأنتظام".
خرجت فاي مذهولة , وتذكرت بسرور أن لو لم يدعها الى الذهاب معه الى أنكلترا , فلعل الأقدار تتحالف لتبعدها عنه , فأذا طلب منها لو الآن أن تذهب معه فسوف ترفض.
منتديات ليلاس
بعد ثلاثة أسابيع مات بيل سيمانز , وبرغم أن فاي ولو كانا يتوقعان ذلك , لكن الخبر صدمهما , وحضرا الجنازة مع المئات غيرهم , كان بيل محبوبا من الجميع , وهال فاي أن ترى أناسا لا يبدو عليهم الحزن ينهارون ويبكون عندما وارى التراب نعش بيل.
أما لو فبقي متماسكا طوال مراسم الجنازة , ولكنه أنهار بعد رجوعه مع فاي الى المنزل , فدخل الغرفة وأخذ معه زجاجة الشراب وأخذ يشرب الى أن غاب عن وعيه , ولم تدهش فاي لتصرف لو , فهي تعرف أنه لن يتقبل موت بيل بسهولة , فتركته وشأنه الى أن بلغت الساعة التاسعة , ثم جهزت له القهوة ودخلت عليه فوجدته مستلقيا بعرض الفراش .... شعره مشعث... وربطة عنقه سائبة , وسترته ملقاة قرب السرير.
وضعت فاي القهوة على المنضدة قرب السرير , وجلست على حافته وأخذت رأس لو بين يديها ... ولما تشبث بها وضعت خدها على شعره وأخذت تهدهده وتقول هامسة:
" أعرف يا حبيبي شعورك , فالأألم يعتصرك لفقد شخص تحبه , أنني أعرف يا لو ذلك الشعور بالمرارة والأسى".
وبقي ساكنا بين ذراعيها لعدة دقائق ثم تنهد وأبتعد عنها وأخذ ينظر اليها بعينين محمرتين من أثر الشراب وقال لها:
" سوف أسر عندما نغادر هذا المكان , وأنني أتعجل سفرنا يا فاي".
فسألته قائلة:
" وهل تريدني معك؟".
" بكل تأكيد , وهل ظننت أنني أتركك في هذا المكان الملعون؟ أنني لست بهذه السفالة".
ثم قامت تصب القهوة , لقد قال لها الدكتور فورستر ألا تجهد نفسها بالسفر , ولكن لو محتاج اليها بشدة ولن ترفض له هذا الطلب , وخصوصا أنه الأول من نوعه في علاقاهما معا , فلقد رأت في عينيه نظرة أستجداء وهو يرفع شعره عن وجهه ويبدو وقد ذابت الصلابة عن فمه , ولكن أذا أخبرته الآن عن الطفل فسيصر على السفر وحده الى أنكلترا , فلم تقو على أخباره لأن الوحدة كانت تطل من عينيه , وهو يريدها معه فلن تقوى على مخالفته.
ذهبت فاي الى الطبيب قبل سفرها بأيام معدودة , وشرحت له ملابسات الرحلة , وبالغت في عدم تقبل لو موت صديقه بيل وقالت:
" لن أتخيله يسافر وحده".
" ولكنك تعرضين طفلك للخطر يا سيدة مارش".
" ولكننا سوف نسافر بالطائرة , وهي ليست بالرحلة الطويلة".
فقال لها بجدية:
" تقبلي نصيحتي وأبقي هنا".
هزت رأسها قائلة:
" أن لو يأتي في المرتبة الأولى!".