وكان الفيلم قصة نفسية مثيرة ذات أخراج بديع وتمثيل بارع , وبذا كانت قادرة على الأستيلاء على حواس فاي كلها , لولا أن عقلها كان مشتتا لحالة بيل أذ كانت عيناه تبرقان من تأثير الشراب , وعندما ألتفت اليها ليحدثها مرة مست يده ذراعها عفوا فشعرت بسخونتها وجفافها , وراحت تراقبه خلسة , فلما ترك مقعده في منتصف الفيلم ألتفتت الى لو , وقالت له هامسة:
" لا أظن أن بيل بخير , لقد خرج لتوه".
فتبعاه ووجداه جالسا على أحد المقاعد في المدخل وهو يجاهد كي يتنفس , فخرج لو مسرعا كي يحضر سيارة , فقابله الجمهور الذي جاء كي يشاهد نجوم الشاشة وهم يدخلون ذلك العرض , وراحت النظرات تلاحقه ولكنه لم يشعر بأحد أذ أستحوذ عليه منظر بيل وهو مستند على فاي في شبه غيبوبة , ولما ركبا السيارة قال بيل معتذرا:
" كان يجب ألا تتركا الفيلم".
فرد لو يقول:
" ليذهب الفيلم الى الجحيم!".
وراح يراقبه فوجد العرق يكسو وجهه , وفتحتي أنفه بيضاوين كالشمع متوترين من الألم , ولما وصلا الى شقة بيل أتصل لو بطبيبه ولكن بيل أحتج يقول:
" أنك تبالغ في الأمور , فأني أعاني من هذه الأزمات كثيرا , ولكنها تمر بسلام".
أخذت فاي تحل بعناية ربطة عنقه , فأبتسم أبتسامة واهية , ثم سألته:
" أين الدواء ؟".
" في خزانة الدواء على الرف العلوي في الحمام".
فهرعت الى الحمام , وبينما كانت تمد يدها الى الرف العلوي أنتابها حالة دوار مخيف , فأتكأت على الحائط وراحت تتنفس بعمق وببطء وتغالب ضعفها بكل ما بقي لديها من قوة , ومرت بضع دقائق قبل أن تفيق وتشعر ببرودة الحائط تحت يديها وبسرعة دقات قلبها , وقفت كتمثال من الجمر فقد أصبح الشك الذي كان يراودها منذ أسبوعين مضت حقيقة واضحة , أذ أنها تنتظر مولودا ,ولما رجعت بالدواء الى بيل كانت شاحبة لكنها متماسكة , فأخذت تعنى به وتزيح شعره الأشقر عن وجهه المبتل بالعرق وسألته:
" هل تشعر بتحسن؟".
فأجابها قائلا:
" نعم , أن لك يدين باردتين مريحتين , وفي المثل يقولون : اليد الباردة تصاحب القلب الدافىء , لو رجل محظوظ فهل هو مقدر لذلك؟".
منتديات ليلاس
أرتفع الدم الى وجهها , وكان لو مستريحا وقد سكب لنفسه كأسا من الشراب , وكانت وسامته والصحة البادية عليه ولونه الأسمر على النقيض من مظهر بيل , الذي أحالته الحمى الى شيء واهن , ثم أبتسم بيل وقال :
" أنك بادي الصحة يا لو حتى أشعر بجانبك كأنني أمرأة عجوز ضعيفة البنية".
" الله له أحكام لا نفهمها , يضع الألم والمرض في بدنك ويجعلني مليئا بالصحة , ليتني أقدر أن أهبك حياتي".
" هراء يا لو , أنني لا أشعر بالمرارة وأنت لا يجب أن تشعر بها".
" تقول مرارة ؟ أنني ألعن الحظ العاثر لما فعله بك , فالحياة تصبح سقيمة عندما تخلو من كل شيء طيب".
" هذه فلسفة قاسية يا لو , فبعضنا طيب والبعض سيء وبعضنا ضعيف والآخر قوي , واللله يختار من كل هذه الأنواع , وأنني لا أقبل مناقشة حكمته , بل أبارك قوتك يا لو وأشكر الله لكل هذه السعادة التي تدخل حياتك , فتتحمل التعاسة أذا صادفتك".
وعندما وصل الطبيب نصح لو فاي أن ترجع الى المنزل قائلا:
" يبدو عليك الأرهاق ,وسأبقى أنا هنا حتى يتحسن بيل قليلا , هل لديك نقود كافية للعودة؟".
" نعم يا لو".
مشت فاي الى الناصية لتجد سيارة , وفجأة رأت الكاديلاك تقف أمامها , ووجه جيري كوفمان الباسم الذي يشبه وجه الصبي يطالعها ويقول لها:
" هاللو يا صغيرتي , هل أوصلك الى المنزل؟".
فنظرت فاي اليه بعدم أرتياح فبالأمس القريب كان جيري أعز صديق لها , ولكن الآن وقد فسّر لو هذه الصداقة تفسيرا أحالها الى متهمة , لم تعد ترضى عن تلك الصداقة ثم سمعته يقول:
" لدينا ما نناقشه ".
" كيف عرفت أني هنا؟".
" حضرت حفل الأفتتاح, وأذ رأيتك تغادرين المكان مع لو وبيل تبعتكم وأنتظرت هنا كي أحظى برؤيتك".
" لا أجرؤ أن أركب معك يا جيري".
فغابت الأبتسامة من وجهه وقال:
" هل آلمك لو أيضا يا فاي؟".
" ماذا تعني؟".
" طردني من تمثيل فيلم ذرة في المدينة".
" لا تقل هذا يا جيري".
" والآن هل تريدين الركوب معي؟".
هزت له رأسها بالمواففقة فمد يده ثم جذبها الى السيارة بجانبه وقال :
" فكرت أن أتجنبك يا فاي ولكن عندما رأيتك اليوم في العرض الأول أنهارت كل قراراتي الطيبة , فأنا أحبك يا صغيرتي منذ أسابيع".