كاتب الموضوع :
#أنفاس_قطر#
المنتدى :
القصص المكتملة (بدون ردود)
بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والسبعون
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية الظهيرة.. كل مرة تحية غير :)
.
.
اليوم بارت طويل طويل طويل ومرحلي
يعني نقف على أعتاب الأحداث الكبيرة التي اقتربت كثيرا
.
.
الجزء 73
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والسبعون
قبل ست سنوات
.
.
كان يوم الامتحانات الأخير للصف الثاني الثانوي..
فرحة طفولية شفافة.. وقلوب مخضرة.. وابتسامات محلقة..
وضحى وصديقاتها كن قد اتفقن جميعا أن يذهبن لبيت صديقة لهن بعد انتهاء الاختبار احتفالا بانتهاء الاحتبارات..
بناء على دعوة هذه الصديقة لهن..
كاسرة كانت رافضة تماما لذهاب وضحى.. لأنهن سيذهبن جميعا على سيارة هذه الصديقة..
بينما مزنة وافقت لأنها اتصلت بأم الفتاة التي كانت تعرفها جيدا
وأكدت لها أنها هي بنفسها من ستأخذ الفتيات ثم تعيدهن كل واحدة لبيتها بعد صلاة العصر..
وأكدت ذلك لمزنة عدة مرات...
وهكذا كان الاتفاق...!!
سيذهبن أربعتهن وضحى وسميرة وصاحبة الدعوة وصديقة رابعة إلى بيت صاحبة الدعوة القريب جدا من المدرسة مع والدتها...
ليحتفلن احتفالا صغيرا دعتهن إليه صديقتهن..
حين خرجن الساعة التاسعة والنصف صباحا..
وجدن السيارة تنتظرهن ولكن دون والدة البنت..
سميرة حين رأت ذلك.. قررت أن تعود للمدرسة وتتصل بأهلها ليأخذوها..
لأن أمها وافقت على أساس أن أم الفتاة من ستأخذهن..
وكانت وضحى ستعود معها.. لولا أن صاحبة الدعوة كادت تبكي وأظهرت تأثرها المتزايد..
لأنها أعدت كل شيء للاحتفال وأنهن سيفسدن فرحتها..
وأن والدتها لم تحضر لانشغالها بأمر طارئ... والبيت قريب جدا.. خطوتان فقط!!
ضغطت على براءة مشاعرهما ولين شخصياتهما وصفاء قلبيهما!!
ركبت وضحى معها هي والصديقة الثالثة وهما غير مرتاحتان..
ولكن لأنهما لم تريدا أن تحزنا صديقتهما.. وخصوصا أن بين البيت والمدرسة شارع واحد فقط..
لتتفاجأ بالسيارة تتجه للشارع العام..
حينها همست لهما هذه الصديقة برجاء حاد أنها تريد شيئا من المجمع التجاري القريب... وسيعدن فورا..
وضحى والصديقة الأخرى رفضتا بشدة وأرادتا العودة.. ولكنها كانت تترجاهما بحرارة وأنهن سيعدن جميعا بسرعة.. فضعفتا أمام رجاءاتها..
وكان الاتفاق أن تأخذ ما تريد ويعدن فورا...
فالوضع كله أصبح قلقا.. غير مريح.. فيه شيء مقلق فعلا أشعرته به شفافية روحيهما.. لكنهما لم يصدقا في صديقتهما أي ظن سوء!!
ونزلتا معها حتى لا تنزل وحدها...
لتتفاجأ الفتاتان بحقيقة ماحدث..
الحقيقة التي فجعتهما وصعقتهما وجعلتهما ترتعشان من الرعب وهما تريدان الهرب لولا أن كل شيء حدث بسرعة هائلة...
فالصديقة البريئة الفاضلة صاحبة الدعوة اقنعت والدتها أنهن سيخرجن اليوم متأخرات ..
وأن إحدى المدرسات ستوصلهن ثم ستذهب لبيتها لأن غدا ليس هناك من يوصل هذه المدرسة..
وهكذا فالأم لا مكان لها معهن..
والمشكلة كم يصدقن الأمهات براءة بناتهن!!
بينما الحكاية كلها أن هذه الفتاة كانت تكلم شابا عبر الهاتف.. وكان يلح عليها كثيرا حتى يراها..
وهي لأنها لم يسبق أن فعلت ذلك مطلقا.. خافت من توابع ذلك.. وأن تذهب لمقابلته وحيدة..
لذا أرادت أن تحضر صديقاتها كحماية لها..
ولكنها لم تعلم أنه أيضا أحضر أصدقائه معه ولكن لكي يفرجهم على صيدته الجديدة..
كانوا يقفون بعيدا.. ولكن حينما رأوا أن الفتيات أكثر من واحدة تقدمن بجرأة..
وكان ذلك في زاوية غير مطروقة من المجمع.. والوقت صباحا.. ولم يكن هناك الكثير من الناس..!!
الفتيات الثلاث كلهن أردن الهرب حينها.. ولكن الشباب كانوا خمسة.. وأحاطوا بهن يحاولون اقناعهن أن يذهبن معهم لشرب قهوة فقط في أحد مقاهي المجمع...
ثم حاول أحدهم بجرأة شد نقاب إحدى الفتيات..
بينما بكاء وضحى بدأ بالتصاعد وهي تنكمش مبتعدة لتلتصق بالحائط
وتريد أن تهرب من المكان كله ولكن أقدامها ماعادت تحملها لشدة الرعب...
الفتاة حين رأته شد نقابها.. تناولت حذائها ذو الكعب العالي وضربته به على وجهه..
تعالى الصوت والشباب يسبون بصوت عال وهو يرون وجه زميلهم الغارق في الدم..
ويصدف حينها لسوء الحظ تواجد الشرطة قريبا جدا..
والولد وجهه ينزف..
والهرج والمرج يتصاعد..
والفتيات يقلن للشرطة أن الشباب من تعرضوا لهن..
والشباب يقلون أن الفتيات من واعدوهم أساسا في هذا المكان.. وهن يبيتن النية للاعتداء بالضرب..
بينما وضحى ماعادت حتى تستطيع التصرف أو الكلام أو التحرك وهي تنتحب بهستيرية..
وتشعر كما لو كانت تشاهد فيلما مرعبا لا تستطيع تغييره رغم أنها أحد الممثلين فيه!!
شعرت أنها ستموت من الرعب والخوف والقهر.. تتخيل الذي سيحدث لها؟؟
كل شيء يمر في خيالها ككابوس مرعب.. همسات الناس ونظراتهم المحرقة وامتهانهم لها.. مستقبلها الذي سيضيع..
حياتها التي ستتدمر كلها من أجل خطأ بسيط تافه فعلته بحسن نية!!
كانت تسب نفسها بقسوة لماذا لم تعد مع سميرة؟؟
وتتخيل أهلها حين يعرفون بالأمر.. ماذا سيفعلون بها؟؟
تتخيل ما الذي قد يفعله بها مهاب الذي لا يخرج الآن مطلقا من البيت بسبب تأثره من إصاباته في حادث السيارة الذي ألزمه المستشفى عدة أشهر..
وبسبب حبسه لنفسه في البيت لأنه لا يستطيع العودة الكلية وبسبب عجزه عن المشي كما يجب..
أصبح عنيفا جدا ومتحفزا ويدقق في كل شيء لدرجة خانقة مرعبة..
كانت ترتعش وتنتحب وهي في سيارة الشرطة وتهمس بكلمة واحدة :
" بيذبحني!! بيذبحني!!
والله العظيم بيذبحني
بيذبحني !! "
في مركز الشرطة هي بالذات لم تفلح الشرطة في أخذ كلمة واحدة منها لأنها لم تسكت من البكاء..
بينما الفتاتان الآخريان كانتا متماسكتين.. ورفضتا مطلقا اخبار الشرطة بأسماءهن..
ولم يجدو معهن أي اثبات للشخصية.. ولم يفد أخذ بصماتهن..
لأنهن كن أقل من 18 عاما ومازلن لم يستخرجن بطاقات شخصية لذا لا سجل بصمات لهن على الحاسوب!!
والشباب يعلمون أن الفتيات قُصر.. بينما الشباب ليسوا كذلك..
فخافوا أن تلبسهم قضية .. لذا أصروا أن الفتيات هن من يهاتفنهم وأنهم يظنونهن طالبات جامعة..
والآن هن من اعتدوا على زميلهم بالضرب..
وضحى كانت مغيبة في عالم آخر وهي فقط تنتحب كمذبوحة في الممر..
وترتعش برعب وتحاول كتم شهقاتها المرعوبة
ورفضت حتى أن تتحرك من مكانها لداخل المكاتب..
حينها رأته.. رأته.. رأته..!!
نجدة من السماء أرسلها لها الله في هذا الوقت بالذات!!
رأته كما لو كان مشعل نور أضاء سواد كل ما أمامها!!
كان قد جاء لينهي قضية عراك بين عماله في أحد مواقع البناء..
حين رأته لا تعلم أي نشاط دب في جسدها الهامد من البكاء..
وهي تقفز ناحيته قبل أن تمسك بها الشرطية.. وتتعلق بساقه وهي منهارة على الأرض وتصرخ بين شهقاتها:
عمي زايد.. عمي زايد.. طالبتك.. طالبتك تأخذني معك.. لا تخليهم يفضخوني..
والله العظيم ماسويت شيء.. ماسويت شيء.. ولا عمري شفت ذا الشباب..
هلي بيذبحوني لو دروا.. بيذبحوني..
تكفى ياعمي.. تكفى.. طالبتك.. طالبتك.. أحب رجلك خذني من هنا..
زايد كاد يجن من صراخها ومن تدافع دم الحمية في عروقه.. وهو يشدها عن الأرض ويخفيها خلفه..
ويهتف لها بحزم بالغ ووجهه محمر من شدة تدافع الدم:
وصلتي يأبيش.. وصلتي.. والله لو أنش ذابحة لش حد.. ما اطلع من ذا المكان إلا بش..
زايد دخل على الضابط وهي مازالت مختبئة خلفه..
وفهم منه المسألة.. ثم تفاهم مع الشباب.. واستطاع اقناعهم بالتنازل بضغط منه وبمعرفته لأباء اثنين منهم..
وهم أيضا كانوا يريدون التنازل أساسا لكنهم كانوا يخشون من ردة فعل البنات.. وخصوصا أن إصابة زميلهم بسيطة.. وجرحه سطحي..
ولكن كانت المشكلة أنه لابد من معرفة اسماء البنات لإغلاق المحضر..
ولكن البنات بقين مصرات على عدم ذكر أسمائهن..
حينها هتف زايد بحزم للضابط: خلاص يأبو فلان.. البنات في وجهي وباين أنهم بزران..
خلهم يروحون.. وبلاها المحضر من أساسه..
وهذا عيالي تنازلوا عن الموضوع..
ابتسم الضابط: أبشر يأبو كساب.. عشان خاطرك وجيتك لين مكاننا ماحن برادينك.. ودام الأطراف كلهم متنازلين.. خلاص سهالات..
حينها خرج زايد بالفتيات معه .. وتمنت وضحى حينها أن تركع على قدميه وتقبلها..
لم تخيل أنها قد تخرج من هذا المكان إلا مع مهاب وهي تتخيل ما الذي سيحدث بعد ذلك على يد مهاب..
تتخيل فيلما مرعبا بحق ستعيش فيه حياتها كلها.. حين يشتهر أمر دخولها لمركز الشرطة والحكايات المبهرة بالكثير من البهارات التي ستنتشر بعد ذلك!!
حين ركبن الفتيات في سيارة زايد انخرطن ثلاثتهن بالبكاء..
هتف بحزم غاضب ودون أن ينظر لهن في الخلف:
أنا ماني بناشدكم أنتو بنات من.. وحتى لو دريت ماني بقايل لأحد..
لأنكم مثلكم مثل بناتي..
ويأبيكم البنت ألزم ماعليها سمعتها وسمعة أهلها..
تخيلوا شكل ابانكم لو أنهم اللي واقفين ذا الموقف .. وش يسوى عليهم ذا الفضيحة؟؟
البنت الحشيم ما تخلي لأحد عليها طريق..
الفتاة صاحبة الدعوة طلبت من زايد أن يعيدهن للمجمع حتى يعدن مع سائق البيت الذي ينتظرهن هناك..
أنزلهن فعلا.. لكنه تبعهن حتى رأهن يدخلن أحد البيوت..
ورغم معرفته من صاحب البيت.. لكنه قرر أن ينسى الحكاية.. كحكايات كثيرة غيرها..
وكن بالفعل يعدن للبيت في حدود الساعة الواحدة والنصف ظهرا..
وضحى والفتاة الأخرى لم تجلسا حتى.. وهما تطلبان من أم الفتاة أن توصلهما..
حاولت فيهما أن تجلسا ..
ولكن كل واحدة منهن لم تكن تريد رؤية الأخرى حتى.. والموضوع يُدفن في صدر كل واحدة منهن بقرار مشترك لا اتفاق فيه..
ولأن كل واحدة منهن عرفت خطر هذه الحكاية وهي تحمد الله على انتهاءها بسلام.. وتقرر أن تدفنها بسلام أيضا..
وهذا ماحدث فالسر بقي مدفونا حتى عدة أيام..
رغم أنه كان أحد أهم حدثين في حياة وضحى..
أحد الحدثين الذين أحدثا تغييرا هائلا في حياتها..
هذا الحادث.. ووفاة مهاب!!
فهذا الحادث جعلها تستسلم لكاسرة تماما ولقوة شخصيتها..
وجعلها تتقوقع داخل ذاتها إلى حد ما..
فهي رأت أن كاسرة كانت محقة.. فهي لا تستطيع التصرف وحدها..
وستبقى دائما محتاجة للتوجيه والحماية..
إحساسها بالذنب خنق روحها.. وجعل نفسها مكسورة للجميع..
فهي تحت سيطرة كاسرة وحماية مهاب وأخوة تميم وأمومة مزنة.. وهي تستمد وجودها منهم!!
وقد تكون الحادثة كحادثة انزوت في ذاكرتها وهي تحاول نسيان الرعب الذي عاشت فيه.. ولكن أثرها بقي مسيطرا عليها لأبعد حد..
وهو يشكل لها شخصية هلامية ظاهرة تختلف عن شخصيتها الحقيقية...
لتحدث الردة المعاكسة حين توفي مهاب.. انتفضت روحها من شدة الصدمة..
فسندها القوي ذهب.. وكاسرة تزوجت.. وأمها لن تعيش لها أبد الدهر!!
فحتى متى ستعيش في الظل تتجرع مرارة تجربة لا ذنب لها فيها..؟!!
ثم حين سمعت وضحى أن زايدا تقدم لوالدتها..
تفجرت في روحها رغبة عاصفة عمرها أكثر من ست سنوات..
قضتها وهي تعيش امتنانا عميقا لهذا الرجل الذي أنقذها وهو لا يعلم حتى من هي!!
أنقذ حياتها كلها ومستقبلها وسمعتها وسمعة أهلها من الضياع والامتهان..
هذا الرجل الذي حلمت ليال طويلة أنها قد تستطيع يوما تقبيل رأسه وكفه!!
لا تنكر أنها فعلا تمنت حين خطب كساب كاسرة لو أنه خطبها هي..
أمنية مستحيلة تعلم أنها لن تتحقق.. ولكنها تمنتها من أجل زايد فقط.. فهو سيصبح حينها محرما لها..
ثم تمنت لو استطاعت كاسرة فعلا أن تجعل عليا يخطبها.. لذات الأمنية..
ولكنها في النهاية أصبحت تاخذ الأمور ببساطة .. فليست كل الأماني تتحقق..
وللإنسان قدر مكتوب له لا يتجاوزه..
ويبدو أن زايد الرجل المثال النادر سيبقى القرب منه حلما لن تستطيع نيله!!
حتى علمت بخطبته لأمها حينها انتفضت روحها وأمنياتها.. فالحلم أصبح قريبا جدا..
كان يستحيل أن تجبر أحد ولدي زايد على الزواج منها..
لكنها تستطيع إجبار أمها على الزواج من زايد!!
وإن كانت الحكاية وحدها كافية لدفع كل دماء الحمية والغضب في روح تميم.. وهي تستفزه لرد الجميل لهذا الرجل الذي حافظ على سمعته..
وجعل رأسه مرفوعا بين الناس وهو لا يعرفهم حتى..
فهي لم تكن كافية مع والدتها التي فور أن أخبرتها بالحكاية صفعتها على وجهها بكل قوتها...
ثم شدت لها نفسا عميقا جدا وهتفت بحزم مرعب:
هذا كف وجيعتي إنش دسيتي علي ذا السالفة ذا السنين كلها..
أدري مالش ذنب إلا أنش خبلة وكلمة تجيبش وكلمة توديش..
بس مستوجعة منش واجد.. مستوجعة..
أنتي عارفة وش سويتي فينا.. بغت سمعتنا كلها تروح.. عشان خطأ تافه سببه خبالتش..
وعقبه تدسين السالفة علي كنه ماصار شيء؟!!
وضحى همست بحزم غريب ودون أن تلمس خدها المحمر حتى:
ماعليه اضربيني.. أنا أستاهل الضرب أصلا..
بس وافقي على عمي زايد.. طالبتش..
مزنة بحزم أشد: آسفة..منتي بمشية شورش علي..
أبو كساب راعي الأولة.. وفعايله كلها فعايل الطيب..
وما أقدر أرد له جميله علينا لو مهما سويت .. ستر بنتي وحافظ على سمعتنا..
بس خلاص سالفة وانتهت وسكريها.. ولا عاد أسمعها على لسانش..
حينها وقفت وضحى بذات الحزم الغريب:
بس السالفة ذي أنا قلتها لتميم خلاص.. وإذا أنتي شايفة إن زايد اللي ستر على بنتش ما يستاهل إنه يكون لش رجّال ولنا أب..
فأنا الحين وربي اللي خلقني.. واللي ما أحلف به باطل لأروح وأخذ تلفون كاسرة وأتصل بزايد نفسه..
وأعلمه بنفسي بالسالفة كلها.. واقول أنا مستعدة أتزوجه دامش ما تبينه..
وحتى لو هو ما يبيني على الأقل وصلت له إحساسي بجميله علي!!
حينها أتبعت مزنة صفعتها الأولى بصفعة ثانية جعلت خد وضحى يشتعل احمرارا فعلا ومزنة ترتعش من الغضب:
يعني يوم ستر عليش الرجّال وهو ماحتى عرفش.. تبين تفضحين روحش وتفضحيننا؟؟
وبعد تروحين وتعلمين تميم وتحرقين قلبه يا اللي ما تستحين!!
وضحى تقاوم اختناقها بعبراتها وهي تحاول أن تهمس بحزم موجوع:
أنتي اللي محسستني إني شيء تافه.. ومالي قيمة عندش.. وحتى ذا الشيء الكبير في حياتي ماله قيمة عندش..
أقول لش الرجّال ستر علي وعليكم وأنتي ولا هامش!!
يعني لو ذا الشيء صار مع كاسرة وهي اللي طلبت منش كان مستحيل تردينها..
بس أنا مالي قيمة.. مالي قيمة!!
حينها ماعادت مزنة قادرة على السيطرة على نفسها وهي تصفعها للمرة الثالثة على ذات الخد..
ثم في ذات اللحظة.. تشدها لتحتضنها بقوة بالغة.. ولكن جسد وضحى كان متصلبا تماما..
رغم أنها تمنت أن ترتمي في حضن أمها وتنتحب.. فلأول مرة تفعل أمها ذلك وتضربها..
ولكنها خشيت أن تنفجر في بكاءها الذي بات على أطراف رموشها وحنجرتها..
مزنة مازالت تحتضنها وهي تهمس في أذنها بحنان غريب مختلط بالحزم والغضب:
يأمش قهرتيني.. قهرتيني..
قهرتيني بأول السالفة وتاليها..
*******************************
" وين المدام يا أستاذ كساب؟؟"
كساب يلتفت لمزون بحدة وهو يرتشف قهوته ويهتف لها بنبرة مقصودة:
إذا عرفتي أشلون تسألين أخيش الكبير
عرفت أشلون أجاوبش..
حينها همست مزون بذات النبرة المقصودة الغاضبة التي تعلم أنها أغضبته:
وش فيها يا أستاذ كساب؟؟
مهوب أنا طلعت السكرتيرة اللي تنفذ بدون تفكير..
حتى لو كان اختطاف..!!
ضحك كساب ضحكة قصيرة ساخرة:
اختطاف !! مرة وحدة!!
لا نكون في شيكاغو على غفلة!!
وعلى العموم المدام نايمة فوق.. والباب مفتوح عليها.. يعني ماراح تلاقينها مربوطة في الدولاب..
وإسأليها كم طلبت منها فدية للاختطاف ياقلب أخيش؟؟
نجح في إشعارها بالذنب.. واحتقار تفكيرها وفعل ذلك ببراعة فائقة.. !!
محق؟؟.. هل هناك رجل يختطف زوجته؟؟.. ربما أراد فقط فرصة للتحدث معها..
وأقنعها حينها بالعودة له؟؟
مزون صمتت .. حينها هتف كساب بثقة المسيطر: وين علي؟؟ قام وإلا بعد؟؟
مزون بسكون: إبي رجعه للمستشفى..
ابتسم كساب: ماشاء الله العريس قايم من بدري..
ابتسمت مزون: والعروس نزلت قبله وراحت لابيها.. وتقول لك لو سمحت بطل الباب عشان ترجع معه..
ابتسم كساب: حاضرين نبطل الباب..
***************************************
" الحين لين متى وأنتي تبكين كذا؟؟"
وضحى مازالت تحتضن خصر والدتها وتنتحب: ماهقيت تميم يقول لي كذا؟؟
تميم؟؟
سالفة صارت قبل 6 سنين ومالي ذنب فيها.. وكل شيء عدا على خير..
يرجع يحاسبني عليها.. لا ويبي يحبسني في البيت.. يقول ماني بكفو ثقة؟؟
أنا؟؟ أنا يقول علي كذا؟؟
مزنة تحتضنها وهي تهمس بحنان مختلط بالحزم: لا تلومينه يأمش.. اللي سويتيه مهوب بسيط..
ولا تقولين مالها قيمة.. لأنه أنتي خليتي لها كل القيمة..
يعني عطيه وقت لين يستوعب الفكرة.. أنتي بالذات عارفة قرب تميم منش..
موجوع منش واجد..
وضحى حاولت أن تعتدل وهي تمسح وجهها وتهمس بنبرة مختنقة:
أنا شغلتش بنفسي.. أشلونش يمه ؟؟ عساش مبسوطة؟؟
كنت أبي أطلع وأجيب لش فوالة وأجيش.. بس ماخلاني..
ثم عادت لتنخرط في البكاء الذي تحاول الخروج من أجوائه..
مزنة شدتها وهي تربت على كتفها وتهمس بحزم: بس يامش خلاص..
خلاص أنا باكلم تميم..
وضحى برفض: لا يمه.. خلي خاطره يطيب من نفسه ما أبيش تجبرينه على شيء.. أنا وتميم نعرف نتفاهم..
ثم أردفت بتساؤل وهي تحاول التماسك: يمه كاسرة جاتش؟؟ مالقيتها في البيت..
حينها وقفت مزنة وهتفت بحزم غاضب: لا مابعد شفتها.. الشيخة رجعت لرجالها من البارحة..
وضحى بصدمة حقيقية: نعم؟؟ أشلون ترجع بدون حتى ماتعطي حد منا خبر؟؟
مزنة بذات الغضب الحازم: هذا موضوع باتفاهم معها فيه .. بس خلني أشوفها..
أنا أفرح ماعلي.. ترجع لرجالها.. كل أم تبي مصلحة بنتها.. بس السنع سنع..
ثم أردفت بتساؤل: ووينها سميرة بعد؟؟.. ماشفتها!!
وضحى تمسح وجهها وتهمس بسكون: ما أدري حتى أنا ماشفتها من البارحة..
حينها نهضت مزنة لتتوجه إلى غرفة ابنها.. طرقت الباب ولم يجبها أحد..
حينها فتحت الباب بخفة ودخلت..
كانت الأضواء كلها مقفلة.. والغرفة غارقة في ظلام خفيف رغم أن الوقت قبل صلاة الظهر بقليل..
كان هناك جسد مغطى على السرير.. مزنة اقتربت أكثر وهي تهمس بحنان:
سميرة يأمش.. أنتي عادش راقدة ؟؟ عسى منتي بتعبانة؟؟
حينها لاحظت مزنة أن الغطاء بدأ بالارتعاش.. مزنة اقتربت أكثر وجلست جوارها وهي ترفع الغطاء وتهمس بحزم:
سميرة وش فيش؟؟
سميرة كانت منكبة على وجهها وفور أن رفعت مزنة عنها الغطاء استدارت وهي مازالت متمددة لتحتضن خصر مزنة
وتنتحب بطريقة هستيرية وهي تدفن وجهها في حضن مزنة..
مزنة كادت تجن وهي تراها على هذا الحال وهي تسألها برعب:
حد من هلش فيه شي؟؟
سميرة بدأت تهذي بطريقة مقطعة وبصوت مبحوح مرهق..
لأنها لم تنم مطلقا منذ البارحة بل قضت طوال الليل حتى اليوم في البكاء:
تميم .. قرفان .. مني.. ما يبيني... ويقول.. روحي... لبيت.. هلش..!!
ما يبيني.. ما يبيني.. يقول ما يبيني.. ويكرهني..
مزنة همست لها بحزم خافت: أششششششش.. خليني أسكر الباب..
مزنة نهضت بالفعل وأغلقت الباب وأشعلت الإضاءة.. ثم عادت لها وهي تهمس بحزم حنون:
يا الله هاش اشربي ذا الماي وقولي بسم الله واهدي.. وعقب قولي لي السالفة كاملة!!..
سميرة اعتدلت جالسة لترتعب مزنة من انتفاخ وجه سميرة من البكاء واحمراره المتفجر..
مزنة احتضنتها بحنان وهي تجلس جوارها.. حينها عادت سميرة للبكاء.. مزنة انتظرت حتى أفرغت طاقة بكاءها كاملة..
ثم سألتها مرة أخرى... لتخبرها سميرة بالحكاية كلها بدون أن تخفي عليها أي شيئا فهي فعلا تعبت وتريد حلا نهائيا لمشكلتها..
مزنة شدت لها نفسا عميقا ثم سألت بحزم: سميرة يأمش بأسألش وجاوبيني..
أنتي ماتبين قرب تميم نفسه عشان الجرح اللي بينكم أول..؟؟
أو أصلا ما أنتي متقبلة قرب رجّال وخايفة منه..؟؟
لأنه يا سميرة يامش إن كنتي حاسة إن فيش خلل.. ترا مافيها شيء نراجع دكتورة نفسية.. هذا علم!! وأنا باوديش وماحد راح يدري بشيء..
سميرة بجزع: دكتورة؟؟ لا لا يمه..
مزنة تحاول تهدئتها: لا تخافين والله ماحد يدري بشيء..
مزنة تؤمن فعلا باهمية العلم ولا ترى مشكلة في اللجوء للطب النفسي كعلم.. فهي من كانت أقنعت أم عبدالرحمن أن تسمح لجوزاء بالذهاب لطبيب نفسي رغم أنها كانت رافضة بشدة وتقول "بنتي مافيها شيء!!"
سميرة انفجرت في البكاء وهي تهمس بين شهقاتها: والله أني أبيه.. وما ني بخايفة منه ولا من فكرة قربه مني..
بس يوم أشوفه جاء جنبي ما أدري وش يصير لي..
حيا.. زعل .. تغلي عليه.. ما أدري!!
مزنة بمنطقية هادئة: اسمعيني سميرة.. يوم كنتي مطنشته مرة واحدة.. كان راضي لأنه يعرف إنش ماسامحتيه على غلطته..
بس أنتي عقب صرتي تقربينه.. والرجال يأمش مهوب حجر..
وصعب عليه يمنع نفسه خصوصا يوم تكونين أنتي معطيته الضوء الأخضر وعقب عند حد معين تبين توقفينه..
السالفة مهيب لعبة.. وواجد توجع الرجال..
الحين بأسألش سؤال محدد ومافيه داعي تلفين وتدورين.. أنتي تبين تميم وتبين ترضينه وإلا لأ..؟؟
سميرة بين سيول دموعها: والله أني أبيه.. بس هو الحين اللي هج مني ويقول مايبيني.. ولا حتى يبي يقعد معي في غرفة وحدة..
حينها هتفت مزنة بحزم: خلاص قومي جهزي شنطتش وروحي لبيت هلش..
سميرة بجزع: نعم..؟؟ بس أنا ما أبي أروح لبيت هلي.. ما أبي..
مزنة بدهاء: يا الخبلة.. هو قالش روحي وما أبيش.. تبين ترخصين روحش..؟؟
سميرة تبكي: بس أنا الغلطانة.. وما ابي أروح..
مزنة بذات الدهاء: ياصبر أيوب عليش.. الرجال مثل ماهو مايبي مرته تتغلى عليه..
تراه مايبيها ترخص روحها له..
يعني ترا التصرف الطبيعي اللي هو متوقعه منش إنش بتزعلين صدق وبتروحين لهلش..
يعني هو يبي يكبر السالفة.. خليها تكبر!!
لكن هو مافكر في توابع ذا الشيء... البيت بيخلا عليه بروحه..
لأني لو رحتي.. بأخذ بنتي وضحى عندي.. ما أقدر أخليها في البيت بروحها وتميم طول اليوم طالع..
بنقعد عند إبي لين الليل وعقبه بنروح..
الشيء الثاني يا الخبلة.. الولد يموت عليش.. أنتي ما تشوفين؟؟.. بس مجروح منش ويبي به وقت بس..
أنتو بصراحة يا بنات ذا الأيام أما عندكم عمى ألوان وإلا عقولكم متركبة بالمقلوب..
أنتي الولد ميت عليش وأنتي منتي بعارفة أشلون تعاملين معه..
والثانية رجالها بيموت عليها من أقصاه.. بيّن حتى في عيونه ونظراته لها وهي ولا حاسة..
ثم أردفت مزنة بألم: أدري إنه اللي أسويه في تميم قاسي وهو بروحه موجوع.. ولا هذا بوقته..
بس شأسوي فيكم اللي اخترتوا ذا الوقت بالذات عشان تتزاعلون..
عطيه وقت يفكر بصفاء ذهن..
صدقيني يومين وبيرجعش.. بس ذاك الوقت يا ويلش يا سمور ويا سواد ليلش تصدينه تيك الليلة..
سميرة وكأنها بدأت تقتنع: بس أنا ما أبي هلي يدرون إني زعلانة على تميم..
مزنة تبتسم بأمومة: أصلا أنا ما أبيش تقولين إنش زعلانة.. ولا حد يدري!!
قولي إنش منتي بطايقة البيت عقبي..
مهوب أنتي كنتي مادة لسانش إنش بتهجين من البيت عقب ما أروح؟؟؟
بس تكفين يأمش ريحيه.. خلاص.. كفاية اللي شافه..
*******************************
"علوي.. يأمش وش ذا الرقاد كله؟؟
والتلفون مسكر بعد!!"
عالية تنهض من سريرها بجزع وهي تخفي معالم وجهها المتورم من البكاء..
وتهمس بذات الجزع الشفاف: يمه أنتي طالعة لين هنا بروحش؟؟
كان أرسلتي لي وحدة من الخدامات وأنا نزلت..
أم صالح تجلس بإرهاق وهي تهمس بقلق: أرسلت الخدامة قالت لي إنش مطفية الليتات ومنسدحة وخافت تقومش تغسلين شراعها..
فأنا تروعت لا تكونين تعبانة.. تعالي خلني أعس رأسش.. وجهش مهوب زين!!
عالية تجلس جوار والدتها لتقبل كتفها وتهمس بصوت مبحوح:
تعبانة شوي يمه.. شكلها سخونة..
" يا الله يا أمي.. لو تعلمين أي حمى أصابتني من البارحة لليوم..!!
من المؤكد أني هذيت حتى كدت أصاب بالجنون..
يا الله يأمي.. لو تعلمين كم أشعر بنار محرقة تستعر في صدري وعجزت عن إطفاءها..
نعم حمى!! وحمى حقيقية!!
المسي جبيني ستجدينه مشتعلاً بالحرارة التي اجتاحت كل جسدي..
يا الله.. يــا.......... حتى اسمه ماعدت قادرة على نطقه..
اسمه الذي كان أعذب الاسماء على لساني.. ماعدت قادرة على نطقه حتى
بل لو استطعت لقطعت لساني الذي همس له بكلمات لا يستحقها..
لو استطعت لأحرقت قلبه كما أحرق قلبي بدون رحمة..
النذل.. النذل..!!
الخائن.. الخائن.. الخائن !!! "
لم تنتبه عالية أنها أصبحت تهذي بصوت مسموع وهي تصرخ بغضب مكتوم وهي تلكم فخذها بقبضتها : الخاين.. الخاين.. الخاين..
أم صالح بجزع: من الخاين ذا؟؟
ثم ابتسمت أم صالح بحنان أمومي وهي تنظر أمامها:
فديت قلبه..وش خاين ذي.. يبي يسوي لش مفاجأة عشان كذا ماعلمش بجيته!!
عالية انتفضت بجزع أنها كانت تهذي بصوت مسموع وهي لا تعلم عن ماذا كانت والدتها تتحدث..
لتنظر هي أمامها أيضا..
لتجده واقفا أمامها تماما.. وهو يهتف بابتسامته الغالية: خاين مرة وحدة يالدبة عشان ماعلمتش بجيتي..!!
الشرهة على اللي يبي يسوي لش سربرايز.. أنتي ووجهش..
حينها قفزت عالية لتتعلق بعنقه وهي تنتحب بشكل جنائزي مفاجئ.. لدرجة أنها انهارت بين يديه وهو يحاول رفعها دون جدوى..
حتى شدها بقوة وأجلسها على السرير وجلس جوارها.. دون أن تترك جيبه وهي متعلقة بحضنه وتدفن كامل وجهها في صدره حتى أغرقت صدره بدموعها
بينما هو كان ينظر لأخته متسائلا: وش فيها؟؟
أم صالح همست بقلق وتأثر بالغين: الله يهداك نايف فجعتها وهي مشتحنة لك.. البنية بغت تستختف.. كان خليتني أعلمها بجيتك أول..
نايف يعلم أن هذا ليس كله تأثرا من لقاءه.. حتى مع قوة علاقتهما ومتانتها.. ولكنها تراه بشكل يومي وهما يتحادثان عبر كاميرا الحاسوب..
لذا هي لم تفتقد رؤيته للدرجة التي تجعلها تبكي بانهيار هكذا!!
همس لأم صالح بنبرة حازمة مقصودة: صافية فديتش.. خلاص تروحين وتخلينا بروحنا شوي؟؟
أم صالح همست بقلق: بس!! بس أبي اشوف وش فيها..
نايف بذات النبرة الحازمة المقصودة: مافيها إلا العافية.. شوي وأنزل أنا وياها نتقهوى معش..
أم صالح خرجت وهي تتعكز على عصاها.. بينما نايف بقي محتضنا لعالية حتى أنهت ثورة البكاء..
حينها شدها بحزم حان ليرفع وجهها إليه: علوي وش فيش؟؟
أخفضت وجهها وهي تهمس بصوت مبحوح: مافيني شيء بس اشتقت لك.. وشفتك فجأة قدامي.. ماقدرت أمسك نفسي..
نايف بنبرة شك: علي يا علوي ذا الكلام؟؟ من متى ذا الحساسية؟؟
عالية عاودت وضع راسها على صدره بسكون وهي تهمس بصوتها المبحوح:
يا قدرة الله... تخيل أنا صرت حساسة.. وغبية.. وكلمة توديني وتجيبني..
نايف احتضنها بحنو: وغير كذا.. وش عندش مخبى؟؟
خلينا من الأونطة لأني ما أكلها.. حطي عليها شوي بهارات وملح يمكن تنبلع بس مالغة كذا مستحيل..
عالية همست بسكون صادق: مضغوطة بس يانايف من أشياء كثيرة وتعبانة ومسخنة..
وشوفتك هزتني واجد.. لأني فعلا كنت محتاجة وجودك جنبي.. وبس..
نايف ابتسم: زين صدقناش.. خلني أستانس أنش بكيتي عشاني واحطها في التاريخ..
ولو أنه الظاهر أنش تبين تمثلين على عبدالرحمن دموع التماسيح..
المسكين تخيلي لقيته قاعد في مجلسكم بروحه ماعنده حد غير المقهوين..
والمقهوين يقولون إنه جاي من صبح.. ويبي أبو صالح بس مالقاه.. ومصمم ينتظره..
قلت له بأسلم على هلي وأجيك..
ثم ضحك نايف: يوم قلت له بأسلم على هلي.. حسيت وده يقوم ينط من الكرسي ووجهه فيه حكي..
عالية حينها قفزت وهي تهمس بقلق عميق لنايف: خلاص نايف انزل لأمي شوي وأنا جايتك الحين.. بأغسل وجهي..
فور أن خرج نايف فتحت هاتفها.. عشرات الرسائل... أولها قلق مليء بالقلق واللوعة.. والرجاءات العميقة أن تطمئنه عليها
وأخرها غاضب محمل برائحة تهديد أنه سيتصرف تصرفا لن يرضيها لو لم ترد عليه..
عالية بدأ ذهنها العملي المتفوق يعمل على عدة جهات...
لماذا أتى؟؟ يريد أن يطلقها ؟؟أو يخبر والدها بما حدث..؟؟ او حتى يقهرها حين يجبرها على مواجهته بحجة الرؤية الشرعية؟؟
لن ترضى بأي خيار من هذه الخيارات.. لن ترضى.. على الأقل حتى تنفذ مخططها..!!
وستعرف كيف ستنتقم من هذا الخائن على مافعله بها وهو يمتهن مشاعرها..
ويستغلها بكل حقارة وجبن يغلفها بمثاليته السمجة التي لا معنى لها!!
سيدفع ثمن الحرقة التي لم تذق مثلها في حياتها كلها وهو يحطم قلبها بكل قسوة..
وكل ذنبها هو حبها له!!
هذا هو كل ذنبها!!
عالية تناولت هاتفها لترسل له:
" عبدالرحمن لو سمحت لا تدخل حد في مشاكلنا..
خلني لين أروق شوي وعقبه نتفاهم!!"
وصلها رده خلال ثوان:
"كلميني!!"
عالية أرسلت له:
" عبدالرحمن أرجوك.. كفاية اللي سويته فيني البارحة
ترا الذبح في الميت حرام..
خلني لين أروق..
حرام يعني؟؟.. وإلا لازم تقهرني عشان ترتاح؟؟"
عبدالرحمن كان مازال جالسا في مجلسهم في انتظار إبي صالح وبرأسه مخطط ما
فهو لم يستطع أن ينم مطلقا وقلقه عليها يمزقه..
لم يرد أن يسال جوزا عنها لأنه خاف أن تخبر عبدالله وخوفه هو على عالية وليس على نفسه.. فختاما فهو رجل ولن يُحاسب على شيء..
والحساب كله سيكون لها!!
حينها وصلته رسالته.. عاجز عن وصف إحساسه حين وصلته..
الأمر أصبح معقدا جدا بينهما..
ظنها ستتقبل مثاليته المندثرة غير المعقولة..!!
ظنها ستفهم لماذا سيفعل ذلك!! وظنها ستتقبل صراحته معها!!
كان يعلم أنها ستغضب لابد.. ولكن ليس إلى درجة تجريحه بقسوة!!
وفي ختام الأمر كانت هي كل ما أشغل باله!!
حين قرأ رسالتها.. لا يعلم فعلا كيف يصف إحساسه.. أراد أن يسمع صوتها..
مثقل بالوجع واليأس والعشق والألم اللامتناهي..
وإحساس العجز دائما يزيده إحاسيسه قسوة وحدة..
وحين وصلتها رسالتها الثانية.. التفت لأمجد وهتف بإرهاق:
يا الله يا أمجد.. اتصل في السواق وخله يشغل السيارة وينزل.. عشان تشلوني للسيارة..
بنمر المسجد أول.. ماعاد باقي على صلاة الظهر شيء!!
**************************************
كان يجلس عند علي النائم وذهنه مشغول تماما منذ عاد من صلاة الظهر
كما هو مشغول منذ الصباح!!
الآن في وضح النهار.. وأشعة الشمس.. يتذكر بوضوح جلي ليلة البارحة الأسطورية..الحلم غير المعقول!!
يتذكر كل ماحدث.. كل لمسة.. كل همسة!!
وهذا التذكر أرهقه واستنزفه لأبعد حد..
البارحة لشدة وطأة مشاعره عليه.. شعر كما لو كان في غيبوبة.. غيبوبة لذيذة.. قاسية.. جارحة.. عذبة..
ليس نادما مطلقا على بوحه بمشاعره.. فهو كان يحتاج فعلا لهذا البوح حتى يرتاح!!
ولكنه يخشى نتائج هذا البوح على مزنة.. مزنة الحالية!!
بوحه لها بمشاعر لم تعد لها.. بل هي لمحبوبة في خياله هي كل مابقي منها!!
وربما لو تكرر هذا الموقف مرة أخرى.. لن يتردد في البوح بمشاعره بذات الطريقة..
لا يعلم أي تعارض وتناقض هذا!!
ولكن يبدو أن التناقض سيصبح أحد ملامح علاقته بزوجته الجديدة!!
تماما كما يشعر الآن بعدم الرغبة في رؤيتها لأنه حين يراها رؤيتها ستجدد جروح اختفاء مزنة وملامحها..
وفي ذات الوقت يشعر برغبة عارمة أن يراها..
وإن كان يعلم تماما لماذا لا يريد أن يراها.. فهو لا يعلم لماذا يريد أن يراها!!
هل يريد تعذيب نفسه على الجهتين.. خائن لمزنة وقبل ذلك لوسمية!!
" يا الله ماكل هذا التعقيد!! "
والأغرب أنه يريد الاتصال بها.. حتى يخبرها أنه لن يعود إلا في الليل.. من باب الذوق واللباقة!!
ولكنه عاجز عن سماع صوتها.. عاجز عن سماع همسها ينسكب في أذنه مباشرة..
مع أنه أخذ رقمها اليوم صباحا قبل أن يخرج على أنه سيتصل بها!!
تنهد وهو يتناول هاتفه ويتصل بها.. فهو يعلم أن عدم اتصاله بها سيظهره بظهر غير لبق إطلاقا.. وخصوصا أنه اتصل بمزون عدة مرات..
فكيف لو كانت جوارها وهو لم يتصل بها أبدا ؟!!
اتصل بها.. حينها كانت تعود للتو بعد أن أوصلت سميرة لبيت أهلها..
وطلبت من وضحى أن تجهز لها عدة غيارات لأنها ستنام عندها الليلة
حتى تعود سميرة المرهقة نفسيا من غياب مزنة!!
على أن تعود مزنة لبيت أولادها العصر قبل خروج تميم..
حتى تكون مع وضحى.. التي عاد لها تميم الآن!!
كانت مزنة تريد استبدال ملابسها لتبحث عن كاسرة التي لم تريها وجهها اليوم..
حينها اتصل بها زايد.. ردت بهدوء عذب: هلا أبو كساب..
صمت لثوان.. يبدو أن معجزة صوتها سيبقى عاجزا عن تجاوزها.. ثم هتف بثقة:
هلابش.. أشلون الوالد وبناتش يوم جيتهم اليوم؟؟
مزنة بذات الهدوء الواثق العذب: طيبين طاب حالك.. وترا وضحى تبي تجي عندي يومين بعد أذنك..؟؟
زايد بأريحية: لا تشاورين في حلالش.. حياها الله..
ثم أردف بثقة باسمة راقية: زين تراني بتأخر لين الليل... بعد أذنش طبعا!!
ابتسمت مزنة: مرخوص.. طال عمرك.. وسلم لي على علي..
" حلوة ذي (بعد أذنش) يبه.. ممكن نستفيد منها عقب!!"
زايد يلتفت على علي ويبتسم: الظاهر كساب صادق إنك سكني..
أو أنك أساسا ما ترقد وقاط أذنك..
علي اعتدل جالسا وهمس بابتسامته الصافية: مستعد أروح في غيبوبة كل ماكلمتوا المدامات أنت وولدك..
بس علمني وش صار البارحة؟؟
ابتسم زايد بفخامة: إذا سألتك أنا عقب أسبوعين وش صار البارحة؟؟
يحق لك تسألني ..
اللقافة شينة يا أبيك!!
*************************************
دخل إلى جناحه بحذر وهو يحمل كيسا فخما في يده.. بحث عنها في أرجاء الجناح فلم يجدها.. لكنه سمع صوت ماء الاستحمام في حمام غرفة النوم..
قرر أن يجلس في انتظارها حتى تخرج.. لولا أنه قاطع قراره طرقات على باب الجناج الرئيسي..
فتح الباب ليجد عمته أمامه.. قبل رأسها وهو يهتف بمودة حقيقية:
ألف مبروك يمه..
مزنة أجابته وهي تنظر لما خلف ظهره: الله يبارك فيك..
وأنت بعد مبروك.. وينها العروس اللي ما ترد على اتصالاتي؟؟
كساب هتف بثقة: تسبح.. والتلفون من البارحة وهو هنا في الصالة..
مزنة بنبرة مقصودة: وياحرام مالقت وقت حتى تبلغني بقرارها بالرجعة!!
أو أنت وإياها ماعاد تعرفون السنع.. اللي براسكم تسونه ماكن لكم كبير تردون له الشور حتى..
كساب بحزم بالغ: يمه عندش كلام يوجع.. قوليه كله لي.. كاسرة مالها ذنب..
أنا ضغطت عليها عشان ترجع لي..
وكفاية اللي أنا سويته فيها.. يعني لا تزيدينها عليها..
مزنة بغضب حازم: وأنت يعني سحبتها غصبا عنها..؟؟ لو أنها ما تبي ترجع ماكانت رجعت..
بنتي وأعرفها..
يا ولدي أنا وش أبي أساسا؟؟ ما أبي إلا مصلحتكم وإنها ترجع لبيتها..
بس أنت وإياها مضيعين السنع كله..
كساب عاود تقبيل رأسها وهو يهتف بلين مدروس: دامها مايهمش إلا مصلحتنا
فخلش من المظاهر اللي مالها داعي.. المهم إنها رجعت وفي بيتها..
بس طالبش يمه ما توجعينها في الحكي..
مزنة بحزم وهي تغادر: ماعليه يأمك.. اسمح لي.. ما تقدر تردني إني أعلم بنتي السنع إذا هي ما تعرفه..
إذا طلعت من الحمام خلها تجيني..
كساب عاد للداخل.. كانت تخرج للتو من الحمام..
شعرها المبلول يتناثر على كتفي روبها..
وخداها محمران تماما.. كخدي طفل لفحتهما الشمس..
جسدها يرتعش بخفة غير ملحوظة..
أشاحت بوجهها حين رأته.. بينما كان كل ما يتمناه أن يشدها إلى حضنه ليمسح النظرة اليائسة التي شعر بها تنحره على أطراف أهدابها..
جلست على طرف السرير وهي تتجاهل وجوده..
جلس جوارها وهو يمدها بالكيس الذي كان معه..
لم تتناوله منه.. فاستخرج العلبة المربعة الفخمة التي كانت فيه!!
وضعها في حضنها وهو يهتف بهدوء حازم مختلط بالأريحية: هذي رضاوتش..
أجابته بسكون بارد ودون أن تنظر ناحيته: ما أتذكر إني رضيت عشان تجيب لي رضاوة..
رأى أنها يبدو أنها لن تفتحها مطلقا.. لذا فتح الغلاف بنفسه وهو يستخرج العلبة التي بدأ على سطحها اسم ماركتها الاستثنائية ..
ثم استخرج السوار الماسي الثمين جدا.. الذي أختلطت فيه الماسات الشفافة بالألماسات السوداء..
كانت تعلم يقينا أنه يتجاوز على الأقل سعر هدية جميلة التي أثارت غيظها وغيرتها.. بضعف السعر.. إن لم يكن الضعفين..
ألبسها السوار بنفسه في معصمها.. لم تمنعه..
ولكنه حين انتهى.. خلعته وأعادته في العلبة وهي تهمس بحزم بصوتها المرهق:
آسفة ما أقدر أقبله.. رجعه.. بيعه.. تبرع فيه.. لأنك أكيد محتاج لثواب التبرع..
كساب هتف بغضب: نعم؟؟ أرجعه؟؟ لمعلوماتش يامدام الأسوارة هذي انطلبت لش مخصوص من برا الدوحة..
أما التبرع.. ترا مهوب أنتي اللي تدخلين بيني وبين ربي.. لأنه هو اللي يدري باللي أتبرع به.. وما أتبرع عشانش ولا عشان غيرش..
لكن لأنه حق ربي علي.. اللي أنعم علي بفضله..ولئن شكرتم لأزيدنكم..
همست بذات الإرهاق العميق: زين جيب لك حيوان أليف.. سكّر عليه معي في الغرفة .. ولبسه إياه في رقبته..
وش الفرق بيني وبينه؟؟
أنهت عبارتها الموجعة ثم وقفت.. فغضب وهو يهتف بذات الغضب: أنتي متى بتعرفين السنع وأشلون تحترمين رجالش؟؟
ثم عاود شدها لتجلس .. لتلسعه حينها حرارة يدها فهو حين ألبسها الأسوارة بالكاد لمس يدها لذا لم ينتبه لحرارتها..
مد يده ليلمس جبينها.. أبعدت وجهها عن مدى يده.. لكنها شدها ليلمس جبينها..
انتفض بعنف وهو يهتف بقلق حقيقي: قومي ألبسي عباتش أوديش المستشفى.. أنتي مولعة..
همست حينها بتهكم موجوع وهي تتمدد على جنبها على السرير فجسدها مهدود تماما:
مولعة؟؟
أشلون عرفت؟؟
تصدق أنا أصلا لوح ثلج.. لا عنده إحساس ولا مشاعر ولا كرامة ولا شيء..
أبد اسحبه من مكان لمكان..
بس لو ذاب.. لا تشره عليه.. ماحد يشره على لوح ثلج..!!
كساب بغضب يحركه فيها لوعته عليها: يالخبلة يأم الفلسفة الفاضية.. قومي نروح المستشفى..
كاسرة بسكونها المعذب: مافيني شيء.. وعلى العموم ليش تطلب مني..
شيلني مثل البهيمة اللي مالها شور.. ودني المستشفى.. ودني المسلخ.. ماتفرق!!
حينها ألقى غترته جواره ثم تمدد جوارها ليحتضنها من ظهرها.. شعر بحرارة جسدها تنتشر في كل نواحي جسده..
لم تمنعه من احتضانها.. تعلم أنها لا تستطيع مقاومته وهي بكامل قوتها فكيف وهي خالية تماما من أي طاقة..
لذا همست بسكون مثقل بالألم: كساب خلني.. ما أبيك تلمسني ولا تجي جنبي..
حرام عليك تفرض علي كل شيء عشان ربي عطاك قوة ما أقدر أجاريها..
حاول ان يفلتها.. بل حاول جاهدا.. ولكنه لم يستطع.. لذا همس في عمق أذنها بحنان عميق:
امشي معي المستشفى وأهدش.. كاسرة حرام عليش نفسش ..أنتي تعبانة واجد!!
همست حينها بحزم ويأس وهي تحاول أن تزيح ذراعيه عن خصرها:
قلت لك هدني.. وما أبي أروح معك مكان..
حينها نهض.. ليتوجه لجناح والده ويطرق على مزنة الباب حين خرجت هتف لها بحزم:
كاسرة تعبانة واجد.. وما تبيني أوديها للمستشفى..
وديها أنتي لو بتوافق..
مزنة تفجر وجهها بالقلق: تعبانة وش فيها؟؟
كساب بذات النبرة الحازمة التي تخفي خلفها قلقا شاسعا: روحي شوفيها..
لو وافقت أوديكم هذا أنا قاعد تحت.. لو ما تبيني كلمي السواق..
مزنة أوقفته وهي تمسك بعضده: يأمك وش صاير بينك وبينها؟؟
يعني حتى يوم رجعت لك ما تبون ترتاحون وتريحون..
حينها هتف بعمق حازم مثقل باليأس والألم:
الظاهر يمه أنا وياها عندنا هواية تعذيب الذات!!
مزنة توجهت بسرعة لغرفة ابنتها.. دخلت بخطوات سريعة لتجدها متمددة على سريرها وهي ترتعش من الحمى..
فشدة القهر والكبت الذي لم تستطع التنفيس عنه تحول لحمى فعلية اخترمت كل نواحي جسدها..
مزنة انحنت عليها وهي تزيح شعرها المبلول عن جبينها لتلمس جبينها المشتعل
لم تسألها عن شيء.. ولن تعاتبها على شيء..
يكفيها النظرة اليائسة الدامعة التي أطلت من عينيها حين أبصرت أمها لتنحر روحها الأمومية بالقلق والحزن..
مزنة فتحت الدولايب بسرعة وهي تستخرج ملابس لها.. وتساعدها على ارتداءها بينما كاسرة تهمس لها بما يشبه الهذيان:
ما أبي كساب يودينا.. ما أبي كساب يودينا..
كله منه.. كله منه.. قهرني يمه!! قهرني يمه!!
مزنة بحزم وهي منهمكة في إلباسها: بنروح مع سواق البيت.. الله يصلح بينش وبين رجالش.. وش ذا الحالة!!
*************************************
" تغدى معي.. وإلا ما تبي تقعد معي على السفرة؟؟"
كانت هذه إشارة وضحى لتميم الذي دخل للتو..
أشار لها وهو ينظر حوله: باتغدى معش من غير تلميحات سخيفة..
وين الباقين؟؟
وضحى بنبرة مقصودة: أي باقين؟؟ ليش ما تقول وين سميرة؟؟
فيه غيرها معنا في البيت؟؟
وعلى العموم سميرة راحت بيت أهلها..
حينها أشار تميم بجزع: نعم؟؟ راحت بيت أهلها..؟؟
ثم تراجع بسكون: خلاص خلهم يحطون الغدا.. دقيقة أبدل وأنزل..
صعد الدرج.. ولكنه لم يذهب لغرفته الجديدة.. بل صعد إلى غرفته/ غرفتها..
ليفتح الأدراج والدولايب كالمجنون..
بالفعل كانت أخذت الكثير من ملابسها..
ولكن مالم يعلمه.. أن هذه الملابس بقيت في غرفة مزنة.. بينما هي لم تأخذ معها سوى حقيبة صغيرة فيها غيارات قليلة..
تميم انهار جالسا على طرف السرير..
لمح مخدتها كانت متسخة تماما بالكحل المختلط بدموعها التي أشبعت فيها ثنايا المخدة البارحة..
مسح على المخدة بيأس: يعني سويتيها يا سميرة؟؟.. سويتيها!!
هنت عليش أول وتالي!!
" وش تبيها تسوي زين؟؟
وأنت تقول لها أنا قرفان منش وروحي بيت هلش..
أي وحدة عندها كرامة مستحيل تقعد!!"
" بس أنا كنت تعبان.. تعبان.. وهي ما تبي ترحمني.. ماتبي ترحمني..!!
والله العظيم كانت شوفتها قدامي تكفيني
بس هي اللي ما كفاها الحدود اللي كانت حاطتها
كانت تبي توترني وتختبر صبري بتصرفاتها!!"
" خلاص.. هذي الأطلال عندك.. اقعد وابكي عليها..
وش كنت تبيها تسوي؟؟
تسمع كلامك وتقعد قدامك وبس؟؟"
يا الله ما أكبر هموم هذا الفتى!!
مرهق حتى نخاع النخاع..
مرهق من كل شيء.. من كل شيء!!
ومجروح من الجميع..!!
فهل سيبقى طوال عمره مكتوب عليه هذا الهم؟؟
**********************************
" أما إنش غريبة... هذا كله شوق لعمتش تهجين من البيت؟؟"
سميرة حاولت تغليف ألمها بابتسامة: وأنتي وش عرفش.. خلش في كرشش؟؟
وبعدين اسمها خذت تايم آوت وبس..
يومين وبأرجع.. أنتي وش حارق بصلتش؟؟
نجلاء تبتسم: عدال وش يحرق بصلتي؟؟ بس مستغربة.. صحيح أنا أحب أم صالح وأموت عليها..
بس عادي لو عرست على عمي أبو صالح.. وأنا في البيت.. بأكبر مخدتي وأرقد!!
سميرة اغتصبت ابتسامة.. فبالها ليس للمزاح إطلاقا:
هذي آخرتها.. زوجي عمتش..
نجلاء تقف لتخرج من غرفة سميرة وهي تهتف بتأفف باسم:
صدق إنش قافلة وتجيبين النكد..
بأروح أدور غنوم أحسن لي من وجهش..
صار لي يومين ما شفته رجّال مزينة...
فور خروج نجلاء قفزت سميرة لتغلق الباب ثم عادت لتندس في فراشها وتنهمر ببكاء موجوع مثقل بالأنات المكتومة..
فهي أيضا كثير كل هذا عليها!!
أما آن لها أن ترتاح من هذا الهم الذي لا ينجلي سواد ليله!!
وألمها الاكبر هو من أجل تميم ليس من أجل نفسها..
فهو الآن وحيد في البيت.. مثقل بالهجر والياس والوحدة!!
نفسها تتمزق عليه ومن أجله!! تتمزق تماما!!
********************************
" عمتي وكاسرة رجعوا؟؟"
مزون تنظر لملامح كساب المعقودة بقلق وتهمس بهدوء: رجعوا من بدري..
مرتك في غرفتها.. وعمتك راحت لأبيها..
سألها بذات القلق: زين وش قالوا لها في المستشفى؟؟
حينها تساءلت مزون بدهشة: ليه أنت ما سألت عنها ولا اتصلت بها؟؟
كساب هتف بغضب: كم مرة قايل لش لا تجاوبين عن سؤالي بسؤال..
مزون شدت لها نفسا عميقا: حمى.. وحرارتها عالية.. وعطوها إجازة ثلاث أيام..
ثم أردفت بنبرة مقصودة: وتوني طليت عليها لقيتها نايمة..
عمتي وصتني عليها لين ترجع.. بس بما أنك جيت خلاص الوصاة انتقلت لك..
كساب شد له نفسا عميقا جدا.. وهو يصعد درجات السلم..
كان لديه اجتماع عمل مهم ألغاه حتى يستطيع العودة للاطمئنان عليها!!
كانت غرفة النوم تغرق في أضواء خافتة.. فالوقت كان بين العصر والمغرب..
والإضاءة مقفلة..
وبدا له الجو مقبضا للقلب.. وهو يدخل باحثا عنها..
بالفعل كانت نائمة.. جلس قريبا منها وهو يتمدد نصف تمدد.. وهو يتحسس حرارة جبينها بشفتيه..
كانت دافئة بالفعل.. أدخل ذراعه تحت كتفيها ليجلسها وهو يهمس قريبا من أذنها بحنان:
كاسرة قومي.. مهوب زين النوم ذا الحزة..
كانت خادرة تماما وجسدها مستنزف من الحمى وهي تتعلق بجيبه لا إراديا..
شعر أن قلبه يذوب مع دفء أنفاسها التي كانت تلفح عنقه..
همست بصوت مبحوح تماما: وين أمي؟؟
أجابها بحنو وهو يشدها لصدره بحنان بالغ: راحت لجدش وبتجي الحين..
تبين أجيب لش شيء..؟؟
أسندت كفها في منتصف صدره لتبعده عنها وهي تهمس بإرهاق:
أبيك تخليني في حالي وبس.. وما أبيك تجي جنبي حتى..
دامك سويت كل اللي في رأسك.. وفرضت وجودك علي..
فلا تفرض نفسك على جسمي بعد.. لأن هذا شيء خاص فيني..
أفلتها مجبرا وهو ينزلها برفق.. لتنهار مرة أخرى على مخدتها..
شعر أن قلبه يتمزق بكل معنى الكلمة وهو يرى مهرته ذاوية هكذا..
وهو عاجز حتى دفنها في صدره عله يستطيع سحب كل هذه الحرارة لجسده هو..
هو سيحتمل الحرارة والحمى والمرض..
ولكن جسدها اللين لن يحتمل.. لن يحتمل!!
لا يعلم هل مسترخية أو نائمة.. ولكنه لم يستطع تركها لوحدها وهي على هذه الحالة..
لذا قرب مقعده منها وبقي يراقبها..
وكل لحظة تمر تزيد في عذابه أكثر وهو يراها هكذا ولا يستطيع أن يعبر لا بالجسد ولا باللسان..
حتى حضرت مزنة.. حينها وقف وهو يوصيها عليها..
ثم خرج وهو يشعر كما لو كان هو مريضا أيضا فعلا!!
*****************************
" يمه.. أدري أنش الليلة خلصتي الأربعين
وعندش مخططات..
بس أنا أبي متى بنروح نسلم على خالتي مزنة عشان نودي لها هديتها"
ارتعشت يد عفراء التي كانت تحدد شفتيها بمحدد الشفاة لتخرج خارج حدود شفتيها..
" يعني أنا أحاول أنسى وأنتي تذكريني بذا الوجيعة؟!!"
همست عفراء بجمود ألمها وهي تمسح الخط الذي خرج خارجا: ماعليه يأمش لاحقين خير..
ابتسمت جميلة وهي تقبل زايد بين يديها: زين ترا زيود خلاص بينام عندي في غرفتي الليلة..
عفراء تكمل زينتها وهي تهمس برفض: لا يامش.. ماعليه.. ما أقدر..
خليه عندش كثر ما تبين.. بس في الليل يرقد عندي..
جميلة تبتسم: يمه بس الليلة.. سوي لعمي منصور سربرايز عدل..
عاد سربرايز وزيود مأساة مو سربرايز..
****************************************
" يا الله شوفي أنا مستحيل أخليش
لين تقولين لي أنتي وش فيش؟؟ منتي بطبيعية أبد
بتدسين علي يعني؟؟"
عالية بإرهاق: أنت عازمني تعشيني برا.. عشان تستجوبني؟!!
نايف ابتسم: ألا يا قليلة الخاتمة.. الحين أنا عيت أتعشى عند عطران الشوارب..
عشانش أنتي ووجهش.. وعادش بعد مخيسة النفس..
إنها عوايدش يا بنت خالد.. خياس النفس ذا لا حضرت ماعاد شفتي قدامش..
عالية بذات النبرة المرهقة: تعبانة من اشياء واجد... والله العظيم تعبانة..
نايف حينها هتف بمودة صافية: أفا يا بنت أختي.. أفا..
تتعبين ونايف عندش.. قطي حمولش ولا تنشدين!!
حينها نظرت له عالية بنظرة مباشرة وهي تهتف بنبرة مقصودة:
تقولها من جدك؟؟
وإلا كلمة ومقيولة؟؟
#أنفاس_قطر#
.
.
.
.
|