لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتملة (بدون ردود)
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية


موضوع مغلق
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (12) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-12-10, 09:12 PM   المشاركة رقم: 71
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
VIP




البيانات
التسجيل: Jan 2009
العضوية: 117447
المشاركات: 738
الجنس أنثى
معدل التقييم: #أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 1255

االدولة
البلدQatar
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
#أنفاس_قطر# غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : #أنفاس_قطر# المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي بين الأمس واليوم/ الجزء الحادي والستون

 

.

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا مساء الورد والفل والياسمين <== حلو التغيير والواحد يمسي :)
مساكم هدوء وعذوبة وشد أعصاب مع بارت استثنائي بجد
.
.
معنى سهاد.. تعب السهر
معنى مافي أذنه ماي: مصمم على رأيه
.
.
أنا بصراحة مستغربة من البنات اللي مصرين إن زواج زايد ومزنة ما يدخل العقل.. وليه مايدخل العقل؟؟

أنا ممكن أعطيكم من الواقع بدال المثال الواحد عشرة أمثلة لناس في سنهم وتزوجوا..
وحتى بعض البنات شاركونا قصص عن ناس فعلا حكايتهم مثل زايد..
مثل الغالية اللي حكت عن عمها انتظر زوجته 26 سنة.. وغيرها أكثر من وحدة من الغوالي!!

يعني يمكن الرواية بشكل عام فيها أكشن عالي وأشياء يمكن تصعب على بعض البنات اللي ما يتقبلون الخيال العالي ويبون كل شيء مثل الواقع بالمليمتر..
بس عاد قصة زواج مثل زايد ومزنة واقعية جدا..
وإذا أنتو الحين شباب صغار جدا وتشوفون إن مالهم حق في الحياة ولازم يدفنون نفسهم بالحياة..
فأقول انتظروا 20 سنة ثم ارجعوا وتذكروني وتذكروهم :)
يا الله يا بنات ما راح تتخيلون السنوات أشلون تغير التفكير!! :)
.
.
أما عاد اللي مستغربته اصرار بعضهم إن مزنة وزايد عجوز وشيبه.. ليس بالمسمى لكن بالحقيقة..
أنا استغرب..
ليش؟؟ يعني جد جد أنتو الناس اللي تعرفونهم في ذا السن مبين عليهم العجز لذا الدرجة؟؟
لأنه والله العظيم والله العظيم كل اللي أعرفهم في ذا السن أحسهم في سن وسامة وجمال ذهبي.. شيء حلو وراقي وعذب وناضج فيهم..
عشان كذا قررت أكتب عن ذا العمر..

وعلى العموم هذا رأيكم وعلى رأسي من فوق

بس خلوني أضرب لكم مثل
مع أني ما عاد أحب أجيب أمثلة باسماء محددة لممثلين عقب ما ربي تاب علي
بس ماعليه خل نضرب مثل لكم..
ترا هيفاء وهبي وداليا البحيري في الـ45..
شريف منير في الـ50..
نيكول كدمان 43 سنة..
شارون ستون القنبلة الحلوة عمرها 52..
جورج كلوني وبروس بروسنان هالاثنين اللي وساومتهم تزيد مع العمر في الـ50 بعد..وبروسنان قرب على الـ60 حتى !!
.
يعني عطوا زايد ومزنة فرصتهم في الحياة يا نبضات قلبي :)
.
.
ومن زايد ومزنة خلني أتكلم عن هذا البارت والبارت الجاي
مواقفهم بالذات أكثر مواقف تعبت فيها وخصوصا البارت الجاي تعبني أكثر من بارت اليوم بكثير.. مو لأنهم أهم عندي من غيرهم..
لكن لأني أبي الحدث يكون بحجم توقعات مرور 30 عاما..
بحجم رقي وفخامة هالشخصيتين..
وعشان كذا ومن كثر ماني متخوفة هل أنا أتقنت كتابة الموقف أو لا؟؟
فللمرة الثانية من بعد بداية الرواية عطيت خوخة وأختي.. المواقف اللي بين مزنة وزايد هالجزء والجزء الجاي..

أختي وخرت الكمبيوتر وقالت خلاص قلبي آجعني!! :)
وخوخة خلصت ثم تمددت على الكنبة وقالت أنا مسخنة ولا حد يكلمني!! :)
ما أبي أعطيكم توقعات ليه هم قالوا كذا لأنه اللي بيصير مختلف وعميق وعاصف وغريب !!
.
.
أدري مستعجلين على علي وشعاع.. بس خل نعطي المواقف حقها..
وقريب جدا جدا بيكون دور علي وشعاع وبيأخذون مواقفهم بكامل حقها
.
.
اليوم بتعرفون ليه أنا قررت إن يصير في أحداث الروايات مكالمات بين عبدالرحمن وعالية
عشان بيكون فيه شيء عبدالرحمن يبلغه لعالية بنفسه بدون وسيط!!
وماكان ينفع حد غيره يبلغها عقب ماتعلقت فيه.. عشان يحدث التأثير المطلوب :)
وهنا نجمة لابتسامة طفل من البحرين بتوقعها الخجول على قولتها وعلى فكرة هو ردها الأول في الرواية :) ماشاء الله تبارك الله مشتركة جديدة !!
جابت السبب ولو أنه بسبب مختلف :)
.
ويا الله كثرت عليكم هذرة
الجزء 71
جزء عاصف جدا وفيه شيء يخص كساب كان منتظر منذ فترة وتعبني عشان نوصل لذا المرحلة وبذا الصياغة..
وستتضح ناحية أخرى من عنوان الرواية (بين الأمس واليوم) مع كساب ووالده!!
.
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.



بين الأمس واليوم/ الجزء الحادي والسبعون





كانت كاسرة قد أصبحت قريبة جدا من الدرج حين وقفت لثوان..
رغما عنها شعرت أن قلبها يعتصر إلى حد الإجهاد..

غرفته قريبة جدا.. تكاد تشعر برائحة عطره تعبق في الجو فعلا..
كما لو كان عبر المكان منذ ثوان فقط..

يا الله كم اشتاقت له.. ولعطره.. ولصوته.. وحتى للؤمه وخبثه !!

تنهدت بوجع عميق وهي تتحرك متجهة للأسفل..
لتتفاجأ برائحة العطر -التي كانت تظنها طيفا- تحيط بها تماما.. إحاطة السوار بالمعصم حتى دخلت أقصى حويصلاتها الهوائية!!


ويد قوية جدا تطبق على فمها..
والأخرى تحيط بخصرها وتكتف ذراعيها لجنبيها وتحملها لتسحبها بخفة إلى مكان تعرفه جيدا..!!!


لم تستطع أن تستوعب شيئا حتى سمعت صوت إقفال الباب.. وهو يشدها لآخر غرفة الجلوس في جناحه..

حينها أفلتها.. لتراه واقفا أماما.. بكامل أناقته كابن للعريس أو ربما والده..
بكامل بروده وثقته.. وصفاقته !!

اتسعت عيناها بشدة الصدمة الكاسحة غير المتوقعة وجسدها يرتعش..
ولشدة صدمتها وغضبها وقهرها..لم تعلم ماذا تقول أو تفعل.. كل ماخطر ببالها هو سيل شتائم لا ينقطع.. كان بعض شذراته المتناثرة:
والله العظيم أنت مجنون.. مجنون.. مكانك مستشفى الأمراض العقلية
أنت حرام يخلونك تمشي بين البشر..
أنت أساسا خطر يخلونك فالت كذا.. أنت فاقد الأهلية.. خبل.. ورأسك مافيه ذرة عقل..

أجابها ببرود وهو يلوح بالمفتاح وبهاتفها في يده: خلصتي شتيمة؟؟

كاسرة تكاد تجن من الغضب: عطني المفتاح خلني أطلع.. أكيد أختك الحين تدور لي..

كساب بثقة : عادي لو نزلت ومالقتش بتظنش رحتي للبيت..

كاسرة بغضب متزايد: أخواني بيدورون لي الحين..؟؟

كساب بذات الثقة: صدقيني ماحد بيدور لش.. كل واحد بيدخل غرفته ويسكر على نفسه..
ولو دوروا عادي.. خلهم يدرون إنش قررتي ترجعين لي..

كاسرة تكاد تموت من شدة القهر: أنا قررت أرجع لك؟؟

كساب بابتسامة واثقة: أجل ويش.. بتقولين لهم إني خطفتش..
عيب عليش.. عيب عليش.. مرة وش كبرش وتقولين رجالش خطفش..
الحين أنتي بتقعدين عندي هنا مثل الشاطرة وبدون ازعاج..
وأدري إن غرورش مارح يسمح لش تصيحين أو تستنجدين.. أو تصغرين نفسش وتقولين إني مسكر عليش في غرفتي..
وبكرة عقب مايدرون كل الناس إنش أمسيتي عندي..
أدري إنه مستحيل تفكرين تطلعين من هنا مرة ثانية.. عشان ماحد يقول لش.. ليه رجعتي وأنتي ناوية تخلينه؟؟


كاسرة تشد لها نفسا عميقا وهي تحاول دراسة الموقف: زين .. وأنت الحين وش بتستفيد من ذا كله؟؟

كساب بنبرة أقرب للسخرية: وش بأستفيد؟؟
بأستفيد إنش بترجعين لي طبعا..

كاسرة تحاول أن تتكلم بمنطقية: بذا الطريقة؟؟ بذا الإسلوب؟؟
مافيه حد يرجع مرته كذا غصبا عنها..

كساب هز كتفيه بثقة: أنتي ماخليتي لي طريقة ثانية.. راكبة رأسش ومصممة على الطلاق..
وأنا واحد مستحيل أطلق.. نعيش حياتنا كذا يعني؟؟ كل واحد في بيت؟؟

حينها سألته كاسرة بألم مختلط بنوع غريب شفاف من الأمل:
والحين أنت سويت ذا اللفة كلها عشان ترجعني..؟؟

كساب بثقة بالغة: تقدرين تقولين كذا..!!

لا تعلم كيف تصف إحساسها وأمل عذب جدا ينتعش في روحها إلى درجة الطعنات العذبة..
همست بنبرة مموهة تخفي خلفها امتدادات شاسعة من أمل مجروح.. ألا تقول عنه والدتها أنه رجل عاشق ؟؟ :
زين وليش تبي ترجعني؟؟


بــعــثــرها !! بعثرها بقسوة.. بوحشية.. مزق براعم أملها تمزيقا وهو يهتف بتكبر:
لأن اللي أبيه أسويه.. وماحد يمشي شوره علي..

كانت روحها تدمي.. تدمي.. تنزف طوفانا من الألم.. همست بحزم بالغ بمقدار وجعها:
كساب لو غصبتني أرجع بذا الطريقة.. صدقني قلبي عمره ماراح يصفا لك..

حينها أجابها بحزم أكثر صرامة: وأنا يعني وش بأستفيد وقلبش صافي لي وأنتي بعيدة عني وحتى الشوفة ما أقدر أشوفش؟؟
يا فرحتي بقلبش الصافي.. خلني أعيش مع إحساسه اللي بيوصلني عبر اللاسلكي وكل واحد منا في بيت..

ثم أردف بحزم أشد وأشد: قلبش صافي.. مهوب صافي.. المهم إنش هنا... وجنبي..


كان يتحاور معها في جدلها العقيم كما يراه.. بينما كل مايريده هو أن يسكت ضجيج كلماتها بدفن وجهها في منتصف صدره..
حينها يعلم أن لهيب صدره سيذيب كلماتها..
أو ربما دفء أنفاسها وهمساتها سيدفئ جليد ضلوعه..
ففي بُعدها.. اجتمع في صدره الضدين... الجليد والنار!!
لتهذي كما تشاء..
فـهــو لايعلم متى ستعلم أن هناك كلمات لا تقال.. لا تقال.. ولكن تُحس.. تُحس..


كان ينظر لها بتمعن وهي ثائرة.. وتهذي وتهذي.. ماعاد لديها سوى الهذيان!!
كانت نظراته تشرب ملامحها بعطش أرض بور نزلت عليها قطرات يتيمة من المطر..

لا يرمش حتى لا تفوته انحناءة واحدة من انحناءات جبينها المقطب بغضب.. شفتيها المتدفقتين بحممها.. يديها المتحركتين بثورة!!

مازالت تفاصيل غضبها كما هي منذ طفولتها.. وهي تفتنه بها.. وهو يذهب مع والده مرارا وتكرارا لمجلس جدها..
لم يكن يفهم حينها أي سحر يجتاحه.. وهو يشعر بحيوية غضبها الطفولي حين يثيرها بالسخرية منها..

الآن يعلم كيف تغلغل هذا السحر في روحه حتى أقصاها..
حتى مع توقفه عن رؤيتها بعد وفاة والدته وسمية.. فهو كان بدأ يعي قبل ذلك.. أنها بدأت تكبر وماعاد يصح جلوسها مع جدها في المجلس..
حينها لا يستطيع تفسير فتوره وعدم رغبته في الذهاب مع والده..
لماذا يذهب إن كان لن يراها ويسخر منها حتى تغضب..؟؟

كطفل.. كان يظن أنه يحب اللعب مع البنات.. وأي سخرية سيحضى بها لو علم الآخرون !! لذا أنكر الأمر حتى على نفسه..!!

وإذا كانت كاسرة قد نسيته تماما فعلا وهي تكبر.. وماعادت تذكره حتى..
فهو أدعى أنها تناساها مع إنشغاله بالكثير من الأشياء..

لكن كيف يتناسى والعلامة في خده مازالت ماكنة واضحة؟؟
وكأنها في اللحظة التي قررت أن تدخل حياته بطبع قبلة طفولية على خده..
قررت أن تترك على جسده علامة وكأنها تخبره أنه أصبح من أملاكها..
وهو فعل بالمثل " إن كنت سأصبح ملككِ فأنت أيضا ستصبحين ملكي!!"


قد يكون مر بالكثير الذي قلب حياته رأسا على عقب.. وآخر ماكان ينقصه أن يفكر بطفلة عبرت أيام طفولته..
وقد يكون غرق في كثير من الأفكار التي غطت مشاعر الطفولة وأفكارها بغطاء من الغبار الذي لم يكن يحتاج سوى لبعض النفض..
وإن لم تكن تغطت تماما حتى..!!
فهو لا ينكر على نفسه إحساس غير مفهوم يشبه سكون النسيم حين يمر قريبا من بيتهم!!

لا ينكر أن عينيه رغما عنه تابعت سيارة تخرج من باحة بيتهم وهو يتساؤل
( من بداخل السيارة؟؟)

لا ينكر أن شعوره حين ضرب من تبع سيارتهم تجاوز الإحساس بالحمية إلى الإحساس بالتملك!!

لا ينكر متابعته لأخبارها من بعيد جدا.. وأنها مازالت لم تتزوج.. وأنها ترفض كل من يتقدم لها..

فهل كانت تنتظره وهو غارق في عالم عقده وسوداويته وغموضه؟؟
وربما لو لم يعرض عليه والده الزواج منها لربما ظل في غيبوبته التي لا يعلم متى كان سيصحو منها..

حين أخبره عمه أن والده يريد تزويجه من بنت ناصر.. أجاب بسخرية: بل ابنة حبيبة القلب..
لكن خلف السخرية.. كانت هناك تساؤل محموم.. أعلم أنهما اثنتان.. أيهما؟؟ أيهما؟؟

وتظل مشكلته الأزلية التي تعاظمت بعد موقفه مع مزون.. افتقاره للشفافية في المشاعر..
كان سيموت ليعلم ماهو اسمها؟؟
أ هو ذات الاسم الذي رسخ في ذاكرته؟؟ أم اسم آخر؟؟

سأل عمه.. ولكن عمه طلب منه أن يسأل والده لأنه لا يعلم..
العلاقة المعقدة بينه وبين والده لم تسمح له أن يسأل..
ولا يعلم كيف استطاع الصبر حتى يسأل خالته؟؟

حين أخبرته خالته.. ظن أنه سمع لحنا عذبا سكن أذنه..
ولولا تكبره المقيت وإلا لكان قفز ليقبل خالته...
أجابها حينها بجواب يشبه ماقاله لجدها.. سيغير اسمها لو تزوجها..
رغم أنه يظن أنه لم يسمع في حياته اسما أعذب..


أنكر معرفتها.. لأنه هكذا..
مـــخــلـــوق مــعــقـــد !!..

فلو أنكر معرفتها.. قد يستطيع إنكار تسلطها المجهول على روحه..!!
وهو يكره أن يكون في موقف ضعف.. يكره أن يكون في موقف ضعف!!
وما مر به في حياته جعله يتعلم أنك حين تصبح في موقف الضعف ولو للحظة فإن من أمامك سيباغتك ويفرض سيطرته!!



هـي كانت مثقلة بالجرح.. تهذي عن كل شيء إلا عن حقيقة جرحها..
تسبه.. تتهمه بالتسلط والجنون والتكبر والغرور..
بينما كل ما كانت تريد أن تقوله: لماذا أنت عاجز عن أن تحبني كما أحبك؟؟


لشدة غضبها وجرحها وألمها وهي تنهمر بكل هذا الغضب لم تنتبه كيف اقترب منها حتى أسكتها تماما..
حتى قبلته تشبهه.. مـتـكـبـرة..مثقلة بالعنفوان واليأس والدفء اللاهب..

"أ تهذي بينما هو يقتله الشوق لها؟!!
أ تهذي بينما روحه تذوب شوقا لعطر أنفاسها؟!"

كاسرة دفعته بقوة وهي تصرخ بغضب مرير: والله العظيم أنت أحقر مخلوق على وجه الأرض..
لو قربت مني مرة ثانية.. والله العظيم بأصيح وبأفضحك وأفضح روحي.. مايهمني!!

هتف لها ببرود يختلف عن اشتعال مشاعره الثائرة حتى الترمد:
لو بغيت أقرب.. قربت ولا تقدرين تفتحين ثمش..
بس أنا خلاص.. خذت اللي برد خاطري الحين..
وترا صار لي أكثر من شهر ونص محروم.. عادي نزيد عليهم يوم يومين شهر شهرين لين يطيح اللي في رأسش..

كاسرة بمرارة حقيقية: أنت وش جنسك؟؟ من ويش مخلوق؟؟
ما تحس!! ما عندك مشاعر !!؟؟

لو أجاب بحقيقة مايشعر لقال لها (المشاعر كلها لكِ والإحساس كله لكِ وحدكِ)
ولكنه اعتاد أن يجيب بغير ما يشعر به.. أجابها ببروده المحترف الذي دفع فيه سيطرته هو على الموقف:
خلينا المشاعر لش.. وخصوصا إنش مغرقتني مشاعر لين اختنقت!!


ماذا يضر أن يستمر في تمثيليته؟؟ فهو يعيش في عالم من الإزدواجية منذ تزوجها..
بل حياته كلها قائمة على الإزدواجية.. فكما يعيش حياتين.. يستطيع أن يعيش الشعورين..
الاحتراق واللهفة والألم والعشق اللامتناهي داخلا!!
والبرود والتكبر والقسوة خارجا!!


وكما لو أن أهله ومعارفه علموا بحياته المخفية فهذا سينعكس على حياته الأساسية..
فهي لو علمت بحقيقة مشاعره تجاهها سيجعلها هذا في موقع القوة التي ستجعلها تفرض شروطها على مشاعره الخارجية الظاهرة..

فهي تماما كأمها.. أمها لأنها علمت أن زايد مولع بها.. أحرقت قلبه ودون أدنى رحمة أو تراجع أو شفقة..
وكاسرة أيضا لو علمت أنه مولع بها.. ستحرق قلبه دون رحمة!!
لابد أن تسلم هي أولا.. حتى يكون من يفرض سيطرته على قلبها.. حينها هو مستعد لدك كل الحواجز والأسوار!!
فمثل كاسرة يجب أن تشعر أنها مهددة حتى تستطيع الاستيلاء على روحها!!


كساب هتف ببرود وهو يتجه للداخل ويحمل في يده مفتاح الجناح الأساسي وهاتفها: أنا بروح أنام..
وأنتي مافيه داعي تقعدين قاعدة بعباتش كذا..
الدولايب مليانة ملابسش..

ثم أردف بخبث مقصود: أستغرب إن وحدة زعلانة من رجالها وتبي الطلاق ومافي أذنها ماي...
ومع ذلك ماخذت شيء من ملابسها حتى عقب ذا الأسابيع كلها!!!






*************************************






مر دقيقتين ربما منذ غادرتهما مزون
والصمت مطبق في المكان..
مزنة رغما عنها وبحياء الأنثى السوية الفطري لم تستطع أن ترفع عينيها لزايد..

بينما هو كان في عالم آخر.. يخشى حتى الموت أن يراها..
لا يعلم ما الذي يخشاه في رؤيتها..؟؟

"ما الذي يخشاه؟؟
إن كان لم يحتمل رؤية أناملها.. فكيف حينما يرى حلم حياته ماثلا أمامه؟؟
هذا الذي هو يخشاه!!"

وفي ذات الوقت تمزقه رغبة بذات القوة أن يشبع جوع عينيه من رؤيتها!!
كل ما أستطاع أن يلمحه فيها أنها فعلا أطول منه.. ابتسم وهو يتذكر معايرتها له بقصره وهما صغيران..
يا الله ما أعذب تلك الأيام في ذاكرته.. حتى معايرتها له يراها غاية في العذوبة!!


مازالت تتنازعه الرغبتان القاسيتان بين الرؤية وعدمها...
وعلى كلا الحالين لا يصح أن يقف أمامها كمراهق عاجز عن التصرف..

هتف بحزم واثق وأريحية متقنة بلباقته المدروسة:
أم امهاب اقعدي.. تريحي.. ترا المكان مكانش وأنتي اللي تعزميننا فيه..


حينها رفعت مزنة عينيها له..
ولــيـتـهـا لم تفعل!! ليتها لم تفعل !!

شعر بصاعقة شطرته نصفين دون مبالغة..
عيناها غابتان من حسن مثير لا يمكن إنكارهما أو تجاهل إثارتهما..
أجمل حتى من أقصى خيالاته!!


ولــكــنـهـمـا..

مختلفتان.. مـخـتـلـفـتــان!!
مختلفتان عن عينيها اللتين سكنتا خياله وحفرتا فيه كعلامتين غائرتين من النور والنار..

أصغر قليلا.. أكبر قليلا.. لا يعلم أين الاختلاف..!!
بالتأكيد أكثر جمالا بكثير وبدون أدنى مقارنة... ولكنهما مختلفتان.. مختلفتان!!
حينها لم يستطيع أن يفسر الحزن الشفاف الذي اجتاح روحه كالطوفان الهادر!!

عيناها اللتان كانتا تشعلان كل تفكيره اختفتا.. اختفتا!!
يعلم أن ثلاثين عاما تمر على إنسان لابد أن تغير في ملامحه.. ولكن ليس إلى هذه الدرجة!! ليس إلى هذه الدرجة!!

وربما لأن صوتها لم يتغير ولكن نضج بأنوثة موجعة.. توقع أن ملامحها ستكون نالت نصيبها من النضج دون أن تتغير..

حاول إبعاد هذه الأفكار عن رأسه.. وهو يقول لنفسه.." مازلت لم أرى وجهها كله..
ربما حين تكتمل الصورة كلها ..سيبدو هذا الاختلاف -الذي أظنه- محض تخيلات!! "

مزنة جلست بناء على دعوته وهي تهمس بتهذيب رقيق: الله يكبر قدرك.. والمكان عامر بهله!!

لم يستطع أن يجلس حتى وهو يهتف بتثاقل: تريحي شوي وعقب توضي عشان نصلي!!

وقفت وهي تهمس بذات النبرة الراقية: أنا على وضي.. نصلي الحين..
دقيقة أجيب سجادتي..

قالتها وهي تتجه لحقيبتها التي رأتها في الزاوية.. فتحتها واستخرجت سجادتها وجلالها من أعلاها..
ثم لمحها زايد بطرف عينه وهي تخلع عباءتها وتعلقها.. بين محاولاته الممزقة للنظر ولعدم النظر ..
لم يستطع أن يلمح سوى شلال كستنائي موجع انحدر حتى خصرها حين نزعت شيلتها عن رأسها ونزعت مشبكها لتعيد لف شعرها مرة أخرى..

وهي لأنها كانت تراه يوليها جنبه وغير منتبه لها.. خلعت عباءتها بحرية وشيلتها وأعادت لف شعرها ثم ارتدت جلالها.. وتوجهت نحوه..

وكخجل فطري لم تستطع أن تنظر له بوجه مكشوف بهذه السرعة..
فكانت تمسك طرف جلالها وتغطي به أنفها وفمها وتهمس باحترام:
يا الله نصلي يا أبو كساب..

زايد خلع غترته وأبقى طاقيته فقط على رأسه..
حينها لا تعلم لِـمَ ابتسمت..
ربما لأن شعره مازال مازال كثيفا وفاحما كما تذكره هي في أيام صباهما..

وقفت خلفه.. وصليا الركعتين..
وحين سلما أعادت وضع جلالها على طرف وجهها وهي تمسكه بكفها..
استدار لها وهما زالا جالسين على الأرض ليضع كفه على رأسها..

رغما عنه ارتعشت يده بعنف..
فهذه هي المرة الأولى التي يجرؤ على مد يده لها.. وملامسة جزء من جسدها.. كلمسة فعلا بمعناها المقصود!!

أحقا هذه يده تلمس مزنة أخيرا.. أخيرا..
يا الله ما أشد هذا الوجع الذي جعل قلبه يرتعش وأطرافه ترتعش وروحه المعذبة ترتعش وكل شريان ووريد في جسده يرتعش...!!
هو زايد.. يرتعش من قرب امرأة!!

شعرت بارتعاش يده وهو يدعو.. حين انتهى من الدعاء..
رفعت رأسها وهي مازالت تغطي طرف وجهها بكفها وجلالها وهمست باحترام:
فيك شيء يأبو كساب؟؟

لم يجبها.. بل مد يده بثقة لبقة.. ليزيل كفها عن وجهها..
لم تمنعه.. ولم تحاول تغطية وجهها عنه.. تعلم أنها ستبدو سخيفة لو فعلت ذلك..
بل سمحت له أن ينظر لوجهها كيف شاء..

وللمرة الثانية.. لـيـتـهـا لم تفعل!! ليتها لم تفعل..!!

"يا الله.. ماهذا الذي يحدث لي؟!"

لم يبق من ملامح مزنة التي سكنت عمق روحه سوى شبح باهت سكن تفاصيل هذه المرأة أمامه..
بالتأكيد مازال هناك شبه كبير جدا.. والمرأة أمامه أجمل بكثير من المرأة التي سكنت خياله..
ولكنه يبدو كمجرد شبه بين قريبتين مهما كان قويا!!

فأين مزنة بتفاصيلها الحادة النحيلة المرسومة بدقة خانقة من هذه بوجهها المرتوي حسنا وإثارة لا حدود لهما بتفاصيلها الناعمة الثرية؟؟
ولكن جمال هذه التي أمامه لا يهمه.. لا يهمه أبدا..

فتلك كانت مزنته هو..!!
لكن هذه لا يعرفها.. لا يعرفها !!

حزن أكثر غرابة وعمقا وسوداوية بدأ يجتاح روحه..
أ يعقل أن حلمه الأسطوري ينتهي هكذا.. هكذا !! بهذه البساطة.. فقط لأن ملامحها تغيرت قليلا..؟؟!!
لأن مزنة ذات الخمسة عشر ربيعا بملامحها وعنفوانها وجنونها هي من سكنت خياله فقط؟!!


" تعوذ من إبليس يأبو كساب.. الظاهر من كثر ماحلمت في مزنة
يوم صارت في يدك استكثرت على روحك الحلم!!
يعني خلاص من كثر ما تعودت على الحرمان ماعاد تبي شيء غيره
ولا تقدر تتصور حياتك من غير ما تنكد على روحك
أول منكد على روحك بمزنة في خيالك..
ويوم صارت مزنة عندك.. تقول لا ما أبيها عشانها صارت أحلى..
خلك من الخبال .. ولا تفشل روحك في المرة !!
ويمكن ربي رحمك إنها تغيرت.. يمكن لو ما تغيرت ما تستحمل شوفتها قدامك!!"


مزنة بدأت تستغرب فعلا من هذا الرجل..
صمته أكثر من كلامه..
هل كساب أجبره عليها.. كما وضحى أجبرتها عليه؟؟

زايد أنهى تفكيره أن وقف ثم مد يده لها.. مزنة من باب اللباقة منحته كفها ليشدها ويوقفها..
لكنه بعد أن أوقفها لم يفلت يدها.. ولم يستطع حتى لو حاول..
فنعومة أناملها شعر بها تذوب بين أنامله..وهو يحكم قبضته عليها..

شعوره هذا زاده ألما غريبا عميقا..
أهو يمسك بيده هكذا لأنها مزنة..؟؟
أو لأنها محض امرأة هي حلاله وأثارته بنعومة يدها ؟!!


"يا الله لماذا يبدو كل شيء معقدا هكذا!!
وكيف أستطيع أن أشعر هكذا في حضرة مزنة؟؟
في حضرة مزنة!!"


همست مزنة بحرج: أبو كساب لو سمحت.. فك يدي خلني أحط جلالي..

زايد حينها أفلتها وجلس على الأريكة.. فمازالا في قاعة الجلوس ولم يتجاوازها للداخل..

مزنة خلعت جلالها وطوته داخل سجادتها..
كانت ترتدي دراعة مغربية فخمة بلون بحري شفاف رائق..
مازال لجسدها تفاصيله الثرية ولكنها مطلقا لم تفكر أن ترتدي فستانا ضيقا..
رأت أن حيادية الجلابية وفخامتها أنسب لها بكثير..

من باب الذوق توجهت لتجلس مع زايد.. كانت على وشك أن تجلس على مقعد منفرد ولكنه أشار لها أن تجلس جواره..
تقدمت وجلست جواره ولكنها تركت مسافة فاصلة بينهما..

ليصدمها بجرأته الواثقة البالغة أنه اختصر المسافة ليجلس ملاصقا لها..
بل ويمد يده بكل ثقة لينزع مشبك شعرها ويحرر خصلاته من أسرها..

همس بثقة تخفي خلفها ألما شاسعا لا يعرف سببه إلا هو: لون شعرش هو هو.. ما تغير..

صمتت.. لم تستطع أن ترد عليه حتى وهو يمرر أنامله بحرية بين خصلات شعرها..
لا تنكر شعورها بالاختناق من قربه هكذا.. ومن جرأته..!!

تعلم أنهما غير صغيران.. وكلاهما سبق له الزواج.. ولكنها تراه مندفعا أكثر من اللازم..
لم تعلم أنه كان يبحث بوجع محموم عن أي تفصيل صغير يقوده لمزنة تلك..
فربما كانت مزنة تختبئ بين طيات شعرها وتريد من يحررها..

حينها انتبه لنفسه.. وأن أنفاسها تصاعدت بارتباك لأنه أثقلها عليها..
فتأخر قليلا وهو يسألها باهتمام: بنتش وضحى عاطفية كذا على طول؟؟

حينها همست مزنة بشجن حنون وهي ترفع عينيها له:
طالبتك يا أبو كساب.. وضحى بالذات لو تقدر عطها شوي زيادة من اهتمامك..
يمكن كاسرة صارت تحبك مع العشرة.. بس وضحى معزتها كبيرة لك من زمان..

حينها ابتسم ابتسامته الفخمة الواثقة: تعزني وهي ماتعرفني؟!!

ابتسمت مزنة حينها ابتسامة غاية في الشفافية: عاطفية على قولتك..

"يا الله .. أي أنثى هذه!!
كل مافيها يأسر حتى النخاع.. وخصوصا هذه النظرة والابتسامة..
تذيبان الحشا حتى العمق.."


ولـــكــــن المصيبة...!!
المصيبة... المصيبة أنه عاجز عن الإحساس بها كما تستحق مزنة التي في خياله!!
كل شيء يشعر به قد يفتنه فيها.. يمنع نفسه أن يتجاوب معه بالإحساس المستحق لكونها مزنة..
لأنه يبحث في كل ذلك عن مزنة أخرى.. مزنة ماعادت موجودة أبدا!!

فمزنة التي سكنت خياله وذكرياته.. تقف بينه وبين مزنة هذه..
وبالتأكيد مزنته من تنتصر.. نصرا كاسحا!!
فكيف تقارن من سكن قلبك وخيالك وامتلك كل مافيك من مشاعر وأنفاس وصدى لسنوات لا حساب لها.. بشخص لا تعرفه؟!!
كـيـف؟؟
كـــيــــــف؟؟؟؟





*********************************






كانت تدخل بعباءتها بينما كان هو جالس ينهي بعض الأعمال على حاسوبه..
همست برقة: مساء الخير حبيبي..

عبدالله رفع عينيه وحين رآها ابتسم بطريقة تلقائية وهو يهتف بمودة صافية:
يعني ما تأخرتي حبيبتي؟؟

ابتسمت جوزاء وهي تضع حقيبتها وتجلس: عرس شيبان بعد؟؟ تبيهم يقعدون لين الساعة وحدة..
الساعة 9 ونص.. جاء وخذها واحنا تعشينا وجينا.. وصلتني أمي وراحت..
ثم أردفت حولها وهي ترى الهدوء: حسون تعبك قبل ينام؟؟

عبدالله بحنان: لا أبد.. خمس دقايق إلا هو يشخر؟؟

جوزاء بعذوبة: والله ماكنت أبي أخليه يجننك.. بس أنت اللي لزمت ما أوديه معي..

عبدالله بحزم: قلت لش قبل دامني موجود لا تودينه حفلات نسوان.. ولا أعراسهم..
ثم أردف بابتسامة: خالاتي مهوب تحت سهرانين مع أمي وعالية؟؟ ماتبين تقعدين معهم؟؟

جوزاء انقلب وجهها بمرح: عبدالله عاد سهرة مع خالاتك وأخليك بروحك.. هذي اسمها وكسة..مهيب سهرة..

حينها هتف عبدالله بحزم: وأنتي بتقعدين تهربين من القعدة معهم.. خلي وحدة منهم تقول لش شيء وشوفي ردي عليها..
خالاتي لهم الحشيمة.. لكن مهوب معنى حشيمتهم أخليهم يضيقون على مرتي حياتها..

جوزاء اقتربت منه لتلتصق به وهو تحتضن عضده وتقبل كتفه وهي تهمس بصفاء:
كافيني إحساسك.. وأنا ما أبيك تزعل خالاتي عشاني..
أنا أعرف أوقفهم عند حدهم.. بس حشمة لك ما أبي أحتك فيهم عشان ما أضطر أعلي صوتي..

ابتسم عبدالله وهو يحتضن خصرها: وأنتي عاد لا طولتي صوتش الله يستر منش بس..

جوزاء ضحكت: لا.. وتخيل قبل فترة.. قبل ملكة شعاع ..كانت أمك مسوية عشاء وجمعة نسوان..
وخالتك نورة تلمح لأمي إن شعاع خلاص بتتخرج وخالك نايف بيتخرج
وإنه خل نجمع الشامي والمغربي..
أنا عاد غمزت أمي.. إنه سكري السالفة بدون نقاش..

عبدالله ضحك: والله إن خالي نايف أجودي ورجال فيه خير..

جوزاء بابتسامة: فيه خير لروحه ولخواته.. أنا وأنا مرت ولد أختهم وعارفين لساني طويل ومع كذا ناشبين في حلقي..
أشلون مرت أخيهم الوحيد.. لا وشعاع على قولت المثل القطوة تاكل عشاها..
أشلون بتتعامل مع خالاتك المفتريات؟؟

عبدالله ضحك: خلش من خالاتي وقومي حطي عباتش واقعدي معي براحتش..

جوزاء وقفت لتخلع عباءتها لتعلقها هي وشيلتها.. حينها ابتسم عبدالله بشجن عميق جدا..

حينها همست جوزاء بابتسامة: لا تكون تضحك على كرشي اللي غصبتها تدخل في الفستان..

عبدالله بشجن عميق: لا حرام عليش تو الناس على الكرش..
بس تذكرت موقف مثل هذا.. في زواجنا الاولي..
رحتي تحضرين عرس عقب زواجنا بحوالي شهر ونص.. وكان فستانش لونه أخضر.. أذكره مثل الحلم..

حينها همست جوزاء بشجن أعمق مغلف بحزن رقيق: أتذكر..
ذبحت روحي من كثر ما تزينت تيك الليلة..
وماكان عشان العرس.. كان عشان أعجبك أنت..
ورجعت وأنت مثلك الحين قاعد على كمبيوترك.. ولا حتى عبرتني..
قعدت قريب منك.. وقعدت.. وقعدت.. أقول الحين بينطق.. الحين بينطق
كلمة وحدة ما عبرتني فيها ولا حتى نظرة.. تقول كمبيوترك كان فيه سر الذرة وبيطلع بين إيديك من كثر ما كنت تطقطق عليه..
قعدت ساعتين كاملة مقابلتك..وأخرتها حسيت نفسي ما أسوى شيء...
قمت للحمام.. وبكيت تحت الماي.. وبكيت.. وبكيت.. وبكيت لحد ما انتفخت عيوني ووجهي..
وكنت أحاتي تطلع وتشوف وجهي..
لما طلعت لقيتك نمت على كنبتك.. وجهك للكنبة وظهرك لي..
رجعت للحمام وبكيت وبكيت وبكيت.. لحد خلاص ما حسيت إني بانهار من كثر ما بكيت..

تركها تتكلم وتفرغ ما بداخلها.. فهو يعلم أنه مهما يكن مازال في روحها وجع كبير من تلك الفترة مهما تكلما عنها
ثم شدها ليجلسها ويحتضنها بقوة وحنو.. حينها بكت أيضا وهي تدفن وجهها في كتفه..
فالذكرى حتى لو كانت مضت.. ذكرى موجعة.. موجعة!!

احتضنها بقوة وهو يهتف بعمق موجوع: زين خليني أقول لش اللي صار بس من ناحيتي..
يوم سمعت صوت تحريكش للباب.. خذت الكمبيوتر اللي كان مطفي أساسا..
كأني أبي أحتمي فيه منش..
تدرين إني أساسا كنت قاعد أنتظرش.. وأبي أعذب نفسي بشوفتش..
وكنت باتصل وأقول ليش تاخرتي يوم سمعت صوت الباب يتحرك..
كنت أطقطق على كمبيوتر مطفي.. وخايف تلفين وتشوفينه..
وفي نفس الوقت آخر همي إنش تشوفينه.. لأني كنت مشغول فيش أنتي وبس..

أسرق عيني من تحت لتحت وأحيانا أخذ راحتي وأنتي سرحانة وتفركين يديش..
حسيت يومها إن اللون الأخضر أحلى لون في العالم.. وياليت الدنيا كلها خضراء حتى البيوت والسيارات..

كنت أطقطق على الكمبيوتر بكل قوتي عشان أدس ارتعاش يدي..
كنت بأموت..بأموت.. بأموت بكل معنى الكلمة.. بأموت أبي ألمس طرف كمش الأخضر..
ألمس طرف شفايفش..
أشم ريحة عطرش من قريب..
تعبت نفسيتي وأنتي قاعدة مقابلتني.. أقول الحين بترحمني وتقوم.. الحين بترحمني وتقوم..
بس كنت حاسس إنش مستمتعة بتعذيبي.. والله العظيم حتى وصف التعذيب شوي في اللي حسيته ذاك اليوم..
وكنت أقهر روحي وأقول لنفسي: أنت منت بكفو لها.. خاف ربك تنجس مثل ذا الطهارة..
وكل ماحسيت نفسي بتغلبني.. قعدت أطقطق أكثر على الكمبيوتر..
حسيت الازرار بتنكسر من يدي.. وأخرتها صدق واحد منهم انشلع برا الكيبورد..
ومسكته قبل تشوفينه..
ويوم رحمتيني أخيرا وقمتي.. تدرين وش سويت قمت وجلست مكانش..
قلت ياحظها الكنبة اللي لامستش.. ياحظه الهوا اللي لامس خدش..
وعقبه اندسيت في كنبتي ما أبي أشوفش لا طلعتي.. كنت حاس إني بانهار صدق!!

تكفين ياقلبي ما تخلين شيء من ذكريات تيك الفترة تضايقش..
لأنه لو أنتي استوجعتي من أي موقف تأكدي إني استوجعت معش وأكثر..

حينها انفجرت جوزاء في بكاء مختلط بالشهقات.. بكاء عذب مطهر الروح..
وهو يشدها لحضنه بقوة.. وكتف (فانيلته) البيضاء فسد تماما من أثر زينتها المختلط بدموعها...

همست بابتسامة باكية وهي ترا هذه الآثار: والحين بعد صار وجهي مهرج ويفشل
وأنا اللي كنت أبي أقعد أسهر معك بكشختي!!

مسح وجهها بكفيه وقبلاته وهو يهمس بحنان ووله حقيقين: أنتي في عيني أحلى ماخلق ربي على كل حال..






*********************************





" يا الله وش ذا الهم!!
البيت كنه قبر من غيرها!!
يا الله يمه.. ما أثقل الليلة من غيرش"


هاهو يصعد الدرج بعد أن قضى ساعات تعذيب في مجلس زايد..
واضطر أن يجبر نفسه أن يبقى لساعة إضافية بعد مغادرة زايد لأخذ أمه..
لم يحضر حتى مع زايد كما كان يفترض وهو يشير له أن المكان مكانه..
بينما كل ما أراده أن يهرب من مشهد مغادرة أمه مع رجل غريب سيأخذها منهم..
ما كان سيحتمل هذه المشهد.. ويعلم أن والدته ستتفهم ذلك ولن تتضايق من عدم حضوره..
فأمه كانت تفهمه من دون كلمات.. ولا إشارات.. قلبها يشعر به دون أي لغة تواصل..

" يا الله يمه.. وشلون بأتحمل العيشة عقبش؟؟
كل شيء بارد ولا له طعم!!"


لم يخطر بباله أن يمر بأحد من شقيقتيه.. فوضحى غاضب منها هذه الليلة أكثر وأكثر.. ويخشى أن يُفجر كل غضبه فيها..
وكاسرة يخجل من اقتحام خصوصيتها حين تغلق بابها.. فمهما كان هي شقيقته الكبرى..

لذا توجه لغرفته مباشرة..
حين دخل.. كان هناك شيئا مختلفا.. واختلاف جذري!!

كانت الغرفة تغرق في أضواء خافتة.. وسميرة تكمل المشهد المختلف بأناقة مختلفة!!
مازالت تحتفظ بتسريحتها وزينتها ولكنها خلعت فستان السهرة الطويل لترتدي فستانا قصيرا بلون وردي ناصع مزين بدانتيل فضي..

لا يعلم لماذا النظر لها زاده ألما فوق ألمه.. هل تحاول تعزيته بهذه الطريقة الفاشلة؟؟
هل تحاول أن تنسيه مراراته الليلة بشيء يعلم أنها لا تقصده!!
وحتى لو قصدته فهي لا تفعله باقتناع..

يشعر بالتعب من كل شيء.. وهو يشعر أنه يغرق في عالمه الصامت أكثر وأكثر دون أن يجد يدا تُمد له..
فمن كانت أكثر من تفهمه..وضحى.. صدمته بقسوة.. ويعلم أنه سيحتاج للكثير حتى يستطيع مسامحتها..
من كانت بتفهمها أقرب له من أنفاسه.. أمه.. هاهي ترحل وتتركه..

من بقي له؟؟
هذه التي تسخر منه ومن رجولته وتتلاعب به كأنه بلا مشاعر؟؟
هذه التي تريد أن تذله بحسنها وهو يراها مكتوب عليها ممنوع اللمس..
تعبث به.. تعبث به.. هذا هو ماتفعله الآن!!
يبدو أن هذا كل ما تفعله منذ تزوجا.. وفي كل مرة تخطر ببالها لعبة جديدة تريد أن تجربها فيه..
تجربها فيه دون رحمة.. دون تفكير..

متعب.. متعب.. متعب.. ماذا تريد منه؟؟ أن يطلق رصاصة الرحمة على نفسه أمامها حتى تفقد لعبتها التي كانت تلعب بها؟؟
حتى ترحمه من هذا العبث العقيم الذي بات يثير اشمئزازه منها!!

أصبح الآن يفهم جيدا المثل الشعبي الذي يقول: (من تغلى تخلى) ..
والليلة يشعر بهذا أكثر من كل ليلة..فهي "تغلت" عليه إلى حد القرف..

كل ليلة من الليالي القليلة الماضية على هذا الحال من التمثيل السمج المقرف..
تتزين.. وتتقرب.. ثم تبتعد عنه كأفعى لسعته بجلدها المصقول اللامع..
دون أن تفهم صراخه اليومي أنه لا يريد منها أن تتصرف معه بهذه الطريقة..

ماعاد يريدها ولا يريد أي شيء منها..
الليلة بالذات لن يحتمل هذا العبث منها..
لن يحتمل!!
لن يـــحتمل !!






*****************************************





" عبدالرحمن أنت أشفيك الليلة؟؟ تتغلى علي يعني؟؟
اليوم ولا مرة كلمتني.. وأنا أحاول أتغلى وأقول بأنتظر لين تكلمني..
بس طلع أسلوب التغلي خرطي.. وما قدرت أصبر يا الدب..
مهوب كفاية إني مابعد بردت خاطري فيك من سالفة كراتين الموز البارحة
وشكلي لو ماكلمتك الليلة.. ماكان لك نية تكلمني حتى!!"

أجابها بيأس عميق: يمكن أهرب من شيء بس أنتي ماسمحتي لي!!

انقبض قلبها فورا بعنف.. لأول مرة تسمع نبرته هكذا.. وليست أي نبرة..
نبرة مشبعة بالوجع والياس.. ردت بقلق عميق:
عبدالرحمن فيه شيء يوجعك؟؟.. طالبتك ما تدس علي!!

رد عليها بألم شفاف.. فالعلاقة بينهما فعلا أصبحت غاية في الشفافية:
أنا اللي طالبش ما تروعين كذا عشاني.. وأنا مافيني شيء..
بس أنا أبي أقول لش شيء وخايف ما تفهميني..

حينها كادت تجن.. وصوتها يختنق برقة موجعة:
أنت وش أنت داس علي؟؟ اليوم كان عندك موعد وما كلمتني تقول لي وش صار؟؟
وأنا ما تروعت من شيء.. لأنك قلت لي موعد تدليك عادي..
وش قالوا لك ؟؟ وش قالوا لك؟؟
قالوا لك ما تقدر تمشي؟؟
عادي.. عادي.. لا أنت أول ولا آخر واحد يعيش حياته يستخدم كرسي متحرك..
وأنا ما عندي مانع.. والله العظيم بأحطك فوق راسي وأني ما أشتكي في يوم..
بس تكفى لا يكون طاري على بالك خبال المثالية.. وتقول ما ابي أظلمش معي وذا الخرابيط..
ترا ذا فيلم عربي أيام الأبيض والأسود.. ماعاد يمشي الحين!!

شعر أن ألم قلبه يتزايد بعنف أشد " يا الله ما أعذبها !! أتكون تفكر هكذا وأنا أريد جرحها بأقسى طريقة ؟!!"

هتف لها بذات النبرة اليائسة: تكفين لا تقولين كذا.. تصعبين علي السالفة..
والله العظيم الكلام نشب ببلعومي..

حينها اختنق صوتها تماما وبدا أثر البكاء واضحا فيه:
خلاص والله ما أقول شيء.. بأسكر حلقي.. بس طالبتك ما تدس علي شيء..
قل لي وش فيك؟؟

عبدالرحمن شد له نفسا عميقا.. وهو يشعر أن ما يريد قوله يقف في حلقه كالأشواك التي تمزق حلقه وهي تعبر مجرى الكلمات:
عالية حبيبتي تكفين افهميني.. ولا تستعجلين في الحكم ياقلبي طالبش..
خليني أشرح لش مبرراتي أول وافهميها..

عالية حينها انفجرت في البكاء وهي تسد فمها بقوة حتى لا يسمع شهقاتها وتمنعه من إكمال مايريد قوله..
شعرت أن هناك مصيبة هائلة قائمة..

ربما لن يستطيع مطلقا أن يمشي.. أو أصبح عاجزا جنسيا.. أو لا ينجب..

وكل ذلك لا يهمها.. لا يهمها.. المهم ألا يفكر بتركها..
تريد أن تبقى جواره حتى آخر يوم في عمرها مهما كانت حاله هو..

كانت تسد فمها بكل قوتها وهي تكتم شهقاتها بداخلها حتى كادت تنفجر
وكل ذلك حتى يستطيع أن يقول مايريد قوله..

لم تعلم أنه كان يريد نحرها بدم بارد رغم أنه هتف بوجع حقيقي عميق وهو يكمل ما بدأه بصعوبة بالغة:

عالية.. أنا أبي أتزوج وضحى بنت خالي !!





#أنفاس_قطر#
.
.
.
وعشان أكون أحتفل جد باليوم الوطني..وبعرس عمي زايد
بكرة فيه بارت بعد .. بارت هدية غير بارت الثلاثاء
خلونا نخلص من ليلة عرس أبو كساب اللي طولت :)
ونقرب موعد زواج علي :)
بكرة موعدنا الساعة 6 بعد المغرب
.
.
.

 
 

 

عرض البوم صور #أنفاس_قطر#  
قديم 19-12-10, 05:15 PM   المشاركة رقم: 72
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
VIP




البيانات
التسجيل: Jan 2009
العضوية: 117447
المشاركات: 738
الجنس أنثى
معدل التقييم: #أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 1255

االدولة
البلدQatar
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
#أنفاس_قطر# غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : #أنفاس_قطر# المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني والسبعون

 



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مساكم ورد وفل ورحمة من رب العالمين
جعلكم الله دوم من هل البر والقرب من رب العالمين
الله لا يخليني من تواصلكم وتفاعلكم اللي خجلني فوق ما تتخيلون..
.
.
يا بنات.. لما قلت إن مكالمات عبدالرحمن لعالية بسبب..
مو السبب إنه يكلمها وهو مقرر يتزوج وضحى..
لكن أقصد إنه (سبب قصصي) كان يلزم له مكالمات عشان يصير
يعني لو حد بلغ عالية إن عبدالرحمن بيتزوج ماكان له نفس التأثير ولا نفس التوابع اللي بتصير
وهو ماكان يكلمها وفكرة الزواج من وضحى في باله أبد..
خلونا نشوف في البارت... صايرة هذارة.. بأسوي كنترول :)
.
.
تدرون بنات أنا بالعادة بالنسبة للتوقعات لما يكون التوقع مؤثر في الأحداث
أعطي الغالية النجمة بعد ما ينتهي البارت
بس عاد ماهقيت إنكم قريتوا توقع ابتسامة طفل مع إنه كان توقع بارع..
بس لأنه كان تعليقها تقريبا سطر واحد.. وانا حبيت أشجعها..
فحطيته أول البارت.. ماشاء الله طلعتوا قارين كل شيء :)
خلاص مرة ثانية بأحط النجمة في بداية الجزء الجديد حتى مو في نهاية الجزء عشان ما أخرب عليكم :) آسفة.. يانبضات قلبي
.
.
ترا ماني بغاوية نكد إن سالفة كاسرة وكساب طولت
أو حتى سميرة وتميم.. بس لها مبرر قصصي بس
لأني محتاجة لسالفة زعلهم عشان ترابط أحداث ثانية
.
.
ويا الله الجزء 72
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.





بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني والسبعون





عبدالرحمن شد له نفسا عميقا.. وهو يشعر أن ما يريد قوله يقف في حلقه كالأشواك التي تمزق حلقه وهي تعبر مجرى الكلمات:
عالية حبيبتي تكفين افهميني.. ولا تستعجلين في الحكم ياقلبي طالبش..
خليني أشرح لش مبرراتي أول وافهميها..

عالية حينها انفجرت في البكاء وهي تسد فمها بقوة حتى لا يسمع شهقاتها وتمنعه من إكمال مايريد قوله..
شعرت أن هناك مصيبة هائلة قائمة..

ربما لن يستطيع مطلقا أن يمشي.. أو أصبح عاجزا جنسيا.. أو لا ينجب..

وكل ذلك لا يهمها.. لا يهمها.. المهم ألا يفكر بتركها..
تريد أن تبقى جواره حتى آخر يوم في عمرها مهما كانت حاله هو..

كانت تسد فمها بكل قوتها وهي تكتم شهقاتها بداخلها حتى كادت تنفجر
وكل ذلك حتى يستطيع أن يقول مايريد قوله..

لم تعلم أنه كان يريد نحرها بدم بارد رغم أنه هتف بوجع حقيقي عميق وهو يكمل ما بدأه بصعوبة بالغة:

عالية.. أنا أبي أتزوج وضحى بنت خالي !!


حينها ذابت الشهقات في صدرها كالسم المتعفن المر وهي تهمس بتبلد: نعم؟؟ وش قلت؟؟

عبدالرحمن بصعوبة: أبي أتزوج وضحى بنت خالي..

عالية بذات التبلد: تتزوجها؟؟ ليش أنت عزابي يعني؟؟ أنا ويش؟؟ كيس شعير؟؟

عبدالرحمن بذات الصعوبة: أنتي قلبي وحبيبتي ومرتي.. بس لازم أتزوج وضحى بعد..
لا أنا أول ولا آخر واحد يصير عنده مرتين..

عالية بذات التبلد وكأنها فقدت الإحساس تماما:
مرتين؟؟.. ياعيني..لا والله يا شهريار زمانك؟؟.. وأنا اللي كنت بأموت عشانك أحسب فيك شيء..
أثر الأخ يبي يتزوج مرة ثانية.. وهو حتى مابعد تزوج مرة أولى..
براحتك عبدالرحمن.. تزوج.. على قلبك بالعافية..

عبدالرحمن بصدمة حقيقية وهو يشعر بضيق فعلي وألم أكثر قوة أن الموضوع لم يهمها:
يعني ما عندش مانع أبد؟؟

عالية بذات التبلد الغريب الذي أحاطت به مشاعرها:
وليش يصير عندي مانع.. طلقني.. وتزوج أربع يا ولد فاضل..

عبدالرحمن بصدمة أشد: أطلقش ؟؟ مستحيل.. مستحيل..

حينها انفجرت تماما.. انفجرت.. انفجرت.. بل الانفجار لا يعبر مطلقا عن حالة الثورة الغاضبة التي مزقتها تماما:
نعم؟؟ مستحيل يا قلب أمك...؟؟ تقول مستحيل؟؟ المستحيل أنك تفكر إني أنا بأوافق تجيب ضرة على رأسي وأنا على ذمتك..
يا الخاين.. يا النذل.. يا الحقير.. أنت كل قاموس الشتايم ما يكفيك..
أشلون هان عليك تطعنني كذا.. يا أخي كان طلقتني وعقبه ذلفت في أي داهية تعرس..
لكن أنا قاعدة أتغزل فيك ليلة من جدي.. وأنت تكذب علي.. وتخطط مخططات أكبر..
عليك بالعافية بنت خالك.. غطها على قلبك..
بس طلقني.. طلقني.. يا الخاين..
خاين.. خاين.. خاين.. ونذل وحقير..

كانت تريد أن تبكي دما بدل الدموع.. ولكنها يستحيل أن تشمته فيها..
شعرت أن كل مرارات العالم وقسوته وحشيته لا تساوي ما يحدث لها الآن
وعلى يد من؟؟
على يد عبدالرحمن!! عبدالرحمن!!
عبدالرحمن الذي كان لها بلسم الروح.. ونسمة الحياة!!


عبدالرحمن هتف بتهدئة حانية: هدي حبيبتي هدي.. والله العظيم مقدر زعلش..
بس اسمعي مبرراتي أول..

عالية بغضب عارم: أي مبررات؟؟ أي مبررات؟؟ بنت خالك كانت قدامك ذا السنين كلها.. ليش تخطبني وأنت تبيها؟؟
ليش تعلقني فيك وأنت قلبك لغيري.. ليش؟؟ ليش؟؟

عبدالرحمن بذات نبرة التهدئة المثقلة بالوجع: تكفين عالية افهميني.. وضحى أخت امهاب..
مستحيل أخليها عقب ما تزوجت أمها وخلتها..
أشلون أزور قبر امهاب وأنا مخلي أخته.. لو أنا اللي صار لي شيء مستحيل كان يخلي امهاب هلي..

عالية بذات الغضب المتفجر: وانت توك تكتشف إن امهاب مات.. وما تبي تخلي أخته..؟؟
إلا قول يا النذل الخسيس إنك كنت تبي تتأكد إني ما أقدر أستغنى عنك
وإني ممكن أرضى بأي شيء عشان أكون جنبك.. والحين يوم تاكدت.. قويت قلبك وقلت أصير شهريار زماني..
لا لا لا.. اصح يا بابا..أنا عالية بنت خالد.. وإذا تظن إن قلبي بيذلني لك.. فأنت ما عرفتني..
أدوس قلبي بروحي وأفعصه تحت رجلي.. قدام حد يدوسه..


عبدالرحمن يقدر غضبها ومازال يحاول تهدئتها: والله العظيم وربي اللي خلقني
إن فكرة الزواج من وضحى ما صارت برأسي إلا عقب ما تزوجت أمها..
قبل كذا أنا كنت حاسس إني عايش أحلى غيبوبة معش.. صرت ما أفكر في شيء غيرش..
وأنا مشغول فيش ومعش عن كل شيء في الكون.. حاس حياتي كلها متعلقة على طرف شفايفش..
والله العظيم ولا خطر في بالي إني أجرحش كذا لين تزوجت أم امهاب.. حسيت كن حط عطاني كف على وجهي..
خالتي مزنة مرة قوية.. وما كنت خايف على وضحى وهي معها.. بس الحين وضحى مثل الأمانة في رقبتي..
وضحى هذي أخت امهاب.. امهاب اللي قطعة من روحي راحت وخلتني..
أخلي الحين قطعة من روحه بدون سند حقيقي!!
وضحى شخصيتها لينة واجد.. ومحتاجة لها سند.. وامهاب كان دايما يحاتيها..
ما أقدر أخليها.. افهميني عالية الله يرحم والديش..
أنتي صرتي أكثر وحدة فاهمة أشلون كانت علاقتي بامهاب الله يرحمه!!
والله العظيم السالفة عليّ أصعب منها عليش.. لأني فعلا ما أبي وضحى..
وأشلون أتزوج وحدة وأنا عارف إنه مالها في قلبي مكان..
بس غصبا عني غصبا عني.. افهميني..

عالية بغضب متفجر مدمر: وتبيني أصدق ذا الكلام يا الكذاب... وضحى عادها صغيرة وبيجيها نصيبها..
وماشاء الله هذا تميم عندها.. رجّال كداد وماعليه قاصر..
لا تدور عذر لعينك الزايغة..
يعني أنت الحين يا المكسح شايف نفسك أحسن من تميم.. ؟؟
وش زودك عليه...؟؟
الله يأخذ قلبي اللي ذلني لواحد مثلك!!

رغم قسوة تجريحها.. ولكنه لا يهمه شيء غيرها لذا هتف بيأس عاشق حقيقي:
تكفين عالية لا تصيرين كذا.. والله العظيم أنا أتعذب..
و وضحى مسكينة عمرها ماتقدم لها حد غيري.. وأنا تقدمت لها عشان أناسب امهاب بس.. عشان ما تزعلين بعد..
يعني لو فيه نصيب لها كان قد جاها ..

عالية تكاد تنفجر غضبا ويأسا وحزنا: باقي عندك شيء ما جرحتني فيه يا النذل؟؟
وبعد خاطبها قبلي.. وتبي ترجع تخطبها بعد..؟؟
روح اخطبها.. روح لحبيبة القلب.. عليك بالعافية..

عبدالرحمن بذات اليأس الهائل: عالية.. أنا ماراح أتزوجها الحين.. بس أنا مقرر أسويها عقب ما نتزوج..
وما أدري حتى لو وضحى هي بتوافق علي.. بس أنا مقرر ذا المرة إني مستحيل أخليها..
وماحبيت أني أخدعش.. لأني لو خدعتش كني أخدع نفسي.. بغيتش تكونين على بينة حبيبتي..


عالية انفجرت باكية ماعادت تحتمل.. انهرت دموعها وشهقاتها ويأسها:
لا تقول حبيبتي.. لا تقول حبيبتي..
حبتك قرادة يا الخاين..
طلقني.. طلقني.. ما أبيك.. ما أبيك.. ما أبيك يا الخاين..

ثم أغلقت هاتفها في وجهه.. رن هاتفها عشرات المرات ربما.. بينما هي منكبة على سريرها تنتحب وترتعش كالمذبوحة..
مذبوحة فعلا.. مـــذبـــــوحـــة !!

بينما هو منذ سمع صوت بكاءها وهو كالمجنون يأسا وحزنا وقهرا..
ولم يكل عن الاتصال بها حتى أذن الفجر.. وأرسل عشرات الرسائل يرجوها أن تطمئنه عنها..
ولكن دون أي رد..
يعلم أن مافعله جارح ومؤلم لأبعد حد.. لكنه كان يعتمد على قوة عالية التي يعلمها..
لم يعلم أن المرأة التي تحب فعلا يستحيل أن ترضى بأنصاف الحلول..
وحين تُجرح قد تصبح نمرة مفترسة!!

كان مجروحا بجرح أعظم زاده إحساسه بالعجز..
يعلم أنها الآن.. تبكي.. منهارة.. مثقلة بالجرح..!!
هي التي أصبحت نبض روحه.. ودفء أنفاسه عاجز عن مواساتها.. او حتى الاعتذار لها..
والأشد قسوة أنه عاجز حتى عن الاطمئنان عليها..
لتغضب منه كيف شاءت ولكن ليتها تطمئنه عنها.. فقط تطمئنه!!
آلمته يده لكثرة ماحمل هاتفه وأتصل وأرسل.. دون رد.. دون رد!!




*****************************************






أصبح تميم الآن يفهم جيدا المثل الشعبي الذي يقول: (من تغلى تخلى) ..
والليلة يشعر بهذا أكثر من كل ليلة..فهي "تغلت" عليه إلى حد القرف..

كل ليلة من الليالي القليلة الماضية على هذا الحال من التمثيل السمج المقرف..
تتزين.. وتتقرب.. ثم تبتعد عنه كأفعى لسعته بجلدها المصقول اللامع..
دون أن تفهم صراخه اليومي أنه لا يريد منها أن تتصرف معه بهذه الطريقة..

ماعاد يريدها ولا يريد أي شيء منها..
الليلة بالذات لن يحتمل هذا العبث منها..
لن يحتمل!!
لن يـــحتمل !!


هــــي.. تعلم أن تميما صبر عليها كثيرا.. كل ليلة تتزين له.. وهي تقرر أنها لابد أن ترضيه الليلة..
فكيف يستطيعان أن يتمازجا روحيا فعلا.. وهي مازالت تضع بينهما هذا الحاجز ؟؟
ولكنها في كل ليلة كانت تجبن.. لتثير خيبة تميم وهو يرجوها ألا تكرر هذا التصرف..
ولكنها تكرره لأنها ترجو أنها اليوم ستتشجع.. ألم عميق يتجمع في روحها.. لأنها تعلم مقدار الألم الذي تسببه له.. ليلة بعد ليلة!!

لذا الليلة قررت أنها لن تتراجع.. حتى لو لم تتقبل الأمر نفسيا ستجبر نفسها من أجله.. ومن أجل حقه عليها..
ربما حين تكسر هذا الحاجز حتى لو عنوة.. ستجد أن الحواجز بينهما تكسرت فعلا..
وتميم يستحق منها أن تفعل ذلك من أجله.. فرجل آخر لن يحتمل كل هذا الجفاء من زوجته!!

لذا كان استعدادها لهذه الليلة مختلفا فعلا.. بأناقتها واستعدادها..
وخصوصا أنها تعلم أنه محتاج فعلا لصدر يطرح عليه همومه التي بلغت ذروتها الليلة..


حين رأته دخل.. وقفت لاستقباله بابتسامة حانية..
بينما هو حين دخل.. لم يشر لها بالسلام حتى..
بل دخل بشكل مباشر.. وأخذ له غيارا .. واستعد للخروج..

حينها أوقفته سميرة وهي تشير له باختناق حقيقي موجوع: تبي تهرب مني مرة ثانية للمجلس..؟؟

تأخر بصرامة وهو يقطب جبينه بحزم موجوع بالغ:
لا ذا المرة ماني بهربان من حسنش اللي ماقدرت أقاومه..
ذا المرة أنا بأخذ لي غرفة ثانية لي وبأنقل أغراضي كلها لها.. وخل هلي يدرون.. لأني خلاص انقرفت منش ومن تغليش..
على ويش ذا التغلي..؟؟ شفتي روحش غالية قلتي أذله بغلاي؟؟
أو قلتي أنا خسارة في ذا اللي ما يسمع ولا يتكلم؟؟
يا بنت الناس لو أنتي عفتي شوي.. تراني عايف واجد..!! طلعتي روحي!!
بغيتي تقعدين حياش الله مثلش مثل وضحى.. وش تفرق؟؟ كلنا أخوان !!
مابغيتي.. وتبين تروحين لهلش.. حقوقش بتوصلش كاملة وزيادة دبل..
وخلصنا من ذا الموال اللي ماله معنى!!





******************************************





مازالا على ذات الجلسة بعد أن صليا قيامهما..
لتهمس له مزنة بتهذيب عذب:

" ماعليه أبو كساب ممكن تسمح لي بسؤال لو سمحت..
ولو مابغيت تجاوب براحتك"


زايد ينظر لها بتعجب لا يخلو من مرارة غريبة فعلا.. !!
رقيقة.. رفيعة التهذيب.. واثقة دون تبجح.... و..... مختلفة.. مختلفة تماما..

لا يتخيل أن مزنة السابقة قد تستأذن بكل هذا التهذيب الرفيع لمجرد أن تسأل..
مزنة كانت لتسأل بكل تبجح.. وآخر ما يهمها رغبة الآخر بالرد من عدمه..!!

هتف لها بثقة رجولية لا تخلو أيضا من لباقته الرفيعة.. فليست مزنة فقط من تغيرت يا زايد !! ..:
أم امهاب.. هذا أنا إحنا في بداية حياتنا سوا..إذا بغيتي تسألين عن شيء..
إسالي ولا تهتمين.. وبدون استئذان.. مافيه داعي تحطين حاجز بيننا..

إن كان شعر بالمرارة غير المفسرة لتغيرها الإيجابي.. فهي ابتسمت باستغراب وإعجاب لتغيره الإيجابي..
فزايد الشاب ربما لو قالت له سأسألك سؤالا.. لربما قال لها (وتستأذنين أنتي وجهش ياقوية الوجه؟!!)

وإن كانت على كل حال تعلم أن من هو في مكانته ردوده دائما محسوبة ولبقة..
همست باحترام:
مرة ثانية خلني أقول اسمح لي بالسؤال لأنه يمكن أنت ماتبي تجاوبه..
أبو كساب.. وش السبب اللي خلاك ترجع تخطبني عقب ذا السنين كلها..؟؟
عشان كساب؟؟

ابتسم زايد بفخامة: وأنتي وش اللي خلاش توافقين علي عقب ذا السنين وعقب مارديتيني مرتين..؟؟
عشان كاسرة؟؟

ابتسمت بعذوبة: مع إنه مايصح تجاوب السؤال بسؤال بس قدرك ما يسمح لي ألف وأدور معك..
أبو كساب أنت أكيد مانسيت أنت وش كنت مسوي فيني وحن صغار..
اتسعت ابتسامتها أكثر: أنت تدري إني كنت قبل أطلع رأسي من الباب.. أطل مع فتحة الباب أشوف أنت قاعد في دكتكم وإلا لا..
لو لقيتك قاعد ماطلعت.. والمشكلة إنك قاعد 24 ساعة.. ما أدري وش تسوي ذا كله؟؟
وإذا في الأخير اضطريت وطلعت.. نطيت في حلقي.. وش مطلعش؟؟ وارجعي وأنا بأجيب لش اللي تبين؟؟
وأنت تذكرني بعد.. الحمدلله والشكر على نعمة العقل.. كنت مرجوجة ولساني طويل..
ولو قلت لي كلمة.. قلت لك عشر..
وبصراحة عقب ماضربتني استوجعت منك واجد.. كانت أول وآخر مرة انضرب في حياتي..
كان مستحيل أوافق وأنا حاسة إنك بس تبي تاخذني عشان تضربني وتكسر شوكتي..
ولو افقت عليك وقتها.. صدقني ماراح نتوالم.. وما أسرع ما بنتطلق!!


حينها بشعور أو بدون شعور.. مد كفه اليمنى ليمسح على خدها اليسار.. وهمس كأنه يكلم نفسه: أجعتش واجد وقتها..؟؟

همست بحرج وهي تتأخر قليلا: ياه يا أبو كساب.. راحت.. وراح وجعها..


" ولكنها في داخلي لم تذهب لم تذهب.. ولم يذهب وجعها
ليتك تعلمين أني حين خرجت من بيتكم ضللت ألكم الجدار حتى أدمت يدي
وكأنمي أريد أن أعاقب اليد التي جرؤت على إيلامك
مع أنني آلمت روحي قبل أن آلمك..
أو الأصح قبل أن أؤلمها هي.. مزنة.. تلك البعيدة الغائبة
يا الله يا مزنة.. لماذا أشعر بكل هذه التعقيدات؟؟
أين ذهبتِ أنتِ؟؟ "


زايد ماعاد يعلم أي مشاعر غريبة تجتاحه بغرابته.. ينظر لمن أمامه ويبحث في ثناياها عن أنثى أخرى اختفت ولن تعود أبدا..

زايد اقترب منها أكثر.. أرادت في داخلها أن تتأخر.. ولكنها منعت نفسها من التحرك..
فهي متدينة.. حافظة للقرآن ويستحيل أن تمنع زوجها حقا إن أراده..
ومن ناحية أخرى تعلم أن الإحساس البالغ بالتوتر والجفول حتى ولو كانت تشعر به فعلا.. لا يتناسب مع وضعها ولا وضع زايد..

لكنها لا تستطيع منع نفسها من الشعور بالاختناق فعلا ..
وأناملها ترتعش حين رأته يميل على خدها اليمين حيث كانت كفه تسكن قبل ثوان..
لتسكن شفتيه مكان كفه على خدها في قبلة دافئة مختلفة.. ويـطـيـل.. لدرجة زادت في اختناقها أكثر..وأكثر..

كان يتنفس عطرها من قرب.. يتنفس بعمق.. مازال يبحث عن مزنة الأخرى.. ربما كانت تختبئ تحت جلدها.. يريد أن يشعر بها بأي طريقة..
ربما لو تنفس واستنشق بصورة أعمق سيجدها..
يستحيل أن تكون اختفت هكذا.. حتى رائحتها اختفت!!

كل ماكان يشمه.. رائحة أنثوية دافئة عطرة مثيرة.. وناضجة لأبعد حد..
ولكنها ليست رائحة مزنة.. ليست رائحة مزنة التي كان يشعر بها تعبق في الأجواء دون أن يقترب منها حتى..
وهاهو يتنفس عبق هذه الأخرى من أقرب مكان..ملتصق بها.. ويجد رائحة مختلفة.. مختلفة تماما..

حينها همست مزنة بحرج بالغ: أبو كساب لو سمحت خلاص.. أحرجتني الله يخليك..

أخرجته من دوامته الغريبة التي كان فيها.. وربما لو لم تخرجه لا يعلم حتى متى سيستمر ملتصقا بها..

تأخر قليلا وهتف بثقة راقية: آسف ماكان قصدي أحرجش.. بس من يشوف ذا الزين قدامه ويمسك روحه؟؟

وجد أن هذا التبرير قد يكون مرضيا لامرأة مثلها.. حتى وإن كان لا يقصده تماما.. فهو على جانب كبير من الصحة..

مزنة صمتت.. في داخلها غير مرتاحة لهذا الاندفاع ولكن هل بيدها حيلة..
همست بذات التساؤل الذي لم يجب عليه.. علها تعيده لعالم الحوار: تراك ماجاوبتني على سؤالي..
ما تبي تجاوب.. قل لي.. عشان ما أكرره..

ابتسم وهو يقف ويهتف بثقة: تعالي باسولف لش اللي تبينه بس وانا منسدح..
لأني طول اليوم صالب روحي ما تمددت ولا حتى شوي..


مزنة توترت أكثر وهي تقف وتتبعه.. حتى دخل إلى غرفة نومه..
خلع ملابسه ودخل ليغتسل.. وحين خرج كانت تجلس على مقعد التسريحة دون أن تستبدل جلابيتها..

أغلق الإضاءة التي على السرير.. وترك لها بقية أضواء الغرفة..
توجه لسريره..وتمدد على يمينه ثم أغلق عينيه.. صــمــت لدقيقة..
ومزنة مستغربة منه.. ردات فعله غير متوقعة..


حــــيــنــــهـــا
همس بنبرة مختلفة.. مختلفة.. تذيب القلب تماما كما لو كان ينادي من عمق عمق روحه: مـــزنــــــة..!!


إن كان غاويا للنكد.. واستكثر على نفسه قربها.. وهو ربما يبحث عن أسباب تقف بينهما حائلا..
فهو الآن على الأقل يستطيع أن يغذي جوع روحه المتطاول بمناداة اسمها الذي سكن روحه... وسماع همسها الذي لم يتغير..

مزنة وقفت وهي تقترب وتهمس برقة: لبيه..

همس لها بذات النبرة المختلفة.. النبرة التي كانت لتكون لمزنة وليس لسواها وهو مازال مغلق العينين:
مزنة اقعدي جنبي ..

مزنة جلست على طرف السرير وأقدامها على الأرض.. لم تجرؤ حتى أن ترفع قدميها أو تمدد جواره..
همس لها بعمق: عطيني يدش.. وعقبه إسأليني اللي تبينه..
وقولي لي يازايد.. خلني أسمع اسمي لا غردتيه بصوتش..

مزنة رغما عنها اختنقت خجلا.. لم تتخيل هكذا غزلا رقيقا عذبا.. !!
لكنها كانت مجبرة على تنفيذ طلبه!!..

لا تريد أن تعصيه وفي ذات الوقت لا تريد أن تبدو بمظهر توتر وارتباك تشعر أنه لا يناسب ثقتها بنفسها..

مزنة حينها كانت مجبرة أن ترفع ساقيها على السرير حتى تستطيع الاقتراب منه.. فطوت ساقيها تحتها وهي مازالت جالسة..

ثم مدت يدها له وهو مازال مغلق العينين ووضعتها في كفه المفتوحة الممدودة لها..
صدمها بعنف أنه تناول كفها ليقبلها بعمق مذهل ودفء متجذر.. لدرجة أنها شعرت أن كفها ستشتعل لحرارة أنفاسه وتوترها المتزايد..

ثم تناول كفها ووضعها تحت خده وهمس بعمق غريب.. غريب ومختلف عن أي عمق كوني: إسأليني يا مزنة..
ولا تسأليني ليه خطبتني يازايد.. إسأليني ليه ما نسيتني يازايد؟؟

مزنة همست بعمق خافت: وانت صدق مانسيتني يا زايد؟؟

كان هذا ما ينتظره لينثال.. وينثال.. وينثال..
كفها تلامس خده.. وهي تهمس له من قرب بصوتها الذي سكن روحه منذ دهور..
وعيناه مغلقتان.. فهو لا يرى شبح المرأة الغريبة التي تقف بينه وبين مزنة..

همس بعمق متجذر.. متــجــذر.. عمق كعمق تاريخ أزلي ضرب بجذوره إلى العمق:
نسيتش؟؟
مزنة.. حد ينسى يتنفس الهوا؟؟ حد ينسى دقات قلبه أو يقدر يوقفها؟؟
حد يقدر ينسى الدم اللي يجري في عروقه..؟؟
هذا أنتي يا مزنة.. هواي اللي أتنفسه.. ودقات قلبي.. ودمي اللي يمشي بعروقي..


مزنة مصدومة فعلا ( هذا كذاب وإلا متعود يبالغ؟؟) شعر بارتعاش كفها تحت خده وهي تهمس بارتباك لم يظهر في نبرتها الهادئة برقي:
مهوب كنك تبالغ شوي؟!!

تناول كفها من تحت خده مرة أخرى ليغمرها بقبلاته بينما كفها تتزايد ارتعاشاتها..
ثم وضع كفها هذه المرة قريبا من قلبه وهتف بذات نبرته العميقة:
أبالغ؟؟ المشكلة مهما حاولت أوصف الحكي بيكون قاصر..
شوفي أشلون يدش ترتعش من قربي.. وأنا طول عمري قلبي يرتعش مثل مذبوح عشانه ماطال قربش..

مزنة تشعر بالصداع والتوتر يتزايدان لديها (هذا مهوب طبيعي!!)
لم تتخيل أنها قد تسمع هذا الكلام من رجل.. وبعد مرور هذه السنوات كلها!!

أكمل انثياله المدفون في صدره منذ قرون وقرون:
هان عليش يا مزنة تكونين لرجّال غيري.. هان عليش تعطين حقي لغيري..
هان عليش تذبحيني بدل المرة مرتين..
مستحيل واحد منهم كان يحبش أو حبش واحد على مليون من حبي لش..

مزنة ماعادت تستطيع منع صوتها أن يخرج بكامل توتره وارتباكه وكلامه غير المعقول يمزق عقلها المطارق:
زايد الله يهداك.. لا تبالغ.. وقتها كنا بزارين.. وكلن راح في طريقه..

زايد على ذات النبرة العميقة المتجذرة: أنتي كنتي بزر وما اهتميتي.. يمكن..
بس أنا قلبي احترق.. احترق..
كل ليلة عرستي فيها.. مسكت لي لي جمرة في كفي.. أقول يمكن حر الجمرة يلهيني عن حر قلبي..
وعن التفكير إنش تنامين الليلة في حضن رجّال غيري..
أول عرس حرقت كفي اليمين.. وثاني عرس حرقت كفي اليسار..
الله يسامحني على الجهل وطيش الشباب ياكثر ماندمت إني سويتها عشان ربي.. وإلا لو علي لو قدرت أحرق قلبي صدق حرقته..
بس وش أسوي.. بغيت استخف.. بغيت استخف..
وعمر ماحد درا بسبب حرق كفوفي غير خليفة الله يرحمه..

مزنة كانت تظنه يتكلم عن حرق معنوي.. حتى أفلت كفها ليريها كفه اليمين..
ورغم ضعف الإنارة ولكن أثر حرق قديم باهت جدا بدا واضحا في المنطقة بين السبابة والإبهام..
هو مابقي من الحرق.. لأن الكفوف تلتئم بسرعة..

مزنة انتفضت بجزع حقيقي.. وهي تنكمش وتبتعد عنه..
ودقات قلبها تتصاعد بعنف مرعب.. حتى كاد قلبها يخرج من بين ضلوعها..
عاود الهمس بعمق: مزنة وين رحتي؟؟

مزنة همست باختناق: جنبك.. جنبك..

صــــمــــت.. فما قاله يكفيه عن دهور..
شعر أنه مستنزف من البوح..كما لو كان بركانا هائلا تمور حممه داخله لقرون ثم أطلقها دفعة واحدة!!

وفي ذات الوقت كان يشعر أنه خفيف.. خفيف..
بعد أن تخلص من ثقل الاعتراف بمشاعره الثقيلة..
كما لو كان يحمل أثقال جبال فوق كتفيه حتى كاد ينهار من التعب ثم ألقاها أخيرا عن جسده ليستطيع أن يرتاح!!


بينما مزنة تشعر كما لو كان أحدهم ألقاها من فوق هذه الجبال العالية..
وتشعر بجسدها مفتت من أثر الاصطدام..

" هذا أكيد يبالغ...يبالغ..
مستحيل يكون يتكلم من جده!!
بس.. بس.. رجّال مثله وفي مركزه.. مستحيل يتكلم ذا الكلام حتى لو مبالغة..
ياربي رأسي يوجعني.. وعظامي حاستها مكسرة..
عمري ما توقعت إني ممكن أسمع كلام مثل هذا.. حتى ولا في أحلام المراهقة الخبلة"

بعد مرور أكثر من ربع ساعة وكلاهما معتصم بمكانه.. سمعت صوت انتظام تنفسه دلالة على نومه..
فهو فعلا لم ينم منذ 3 أيام.. والجهد الذي بذله في مجرد البوح كان جهدا قاتلا فعلا..
كتمان 30 عاما نزفه في دقائق معدودة !!


وهــي.. نهضت.. لتشد حقيبتها..
استخرجت فوطتها وروبها وقررت أن تستحم.. عل برودة الماء في هذا الوقت المتأخر تخفف بعضا من حرارة جسدها..

ربما طوال الأيام الماضية أحاطت مشاعرها بنوع من التبلد حتى لا تفكر.. لكن ماحدث لم يخطر لها ببال.. بتفكير أو بدونه..

خرجت ملتفة بروبها وهي تمشي بحذر رغم أن الجناح واسع جدا ويستحيل أن يصحو زايد على صوت خطواتها..
بعادتها التي لا تتغير كانت تحب تعطير شعرها وهو مازال رطبا..
لكنها الليلة قررت أن تغير استراتيجيتها حتى ترى كيف ستمر بها هذه الليلة العاصفة..

ارتدت بيجامة حريرية باللون الفستقي بأطراف من التور المطرز.. وأرتدت فوقها روبها المصمم على طريقة الكومينو الياباني..
بأكمام واسعة بأطراف من التور المطرز أيضا.. وبحزام حريري مطرز عريض جدا يُربط من الخلف..
شعرت أن هذا اللباس محايد وأنيق وفي ذات الوقت يعبر عن ذوقها الرفيع وفخامته حتى لا تبدو أمامه كما لو كانت غير مهتمة بمظهرها أمامه..

ثم ارتدت جلالها وقررت أن تراجع حفظها.. فهي تعلم أنها لن تنام في هكذا مكان غريب..
وتلاوة القرآن ستخفف كثيرا من توترها حتى وقت صلاة الفجر التي بقي عليها أكثر من ساعتين ونصف..

جلست في زاوية قريبا من زايد وأشعلت لها إضاءة قريبة منها حتى لا تزعجه وفي ذات الوقت إن صحا لا يظنها تركته وذهبت لمكان آخر..

ولكن قطع مخططاتها أنها بعد حوالي نصف ساعة سمعت همسا أشبه بالأنين..
كان صادرا من ناحية زايد.. وضعت مصحفها وخلعت جلالها وتوجهت له..

أرهفت السمع.. كان يناديها.. ويئن.. اقتربت أكثر بجزع..

همست وهي تقترب منه باحترام وقلق: ابو كساب فيك شيء؟؟ تبي شيء؟؟

كان مستمر في مناداتها وعلى ذات الوتيرة من الأنين الصادر من عمق روحه كما لو كان يتألم فعلا: مزنة.. مزنة..

رأت أنه من غير اللائق أن يناديها "مزنة".. وتقول له (أبو كساب)
كما لو أنها تريد وضع حاجز بينهما.. لذا همست من قرب أشد وهي تنحني عليه:
زايد أنا هنا.. تبي شيء؟؟

ولكنه لم يفتح عينيه وهو مازال يئن باسمها أنينا يمزق القلب.. اقتربت أكثر حتى جلست على الأرض على ركبتيها..

وهي تهمس له ووجهها قريب جدا منه وتهز كتفه برفق:
زايد وش فيك؟؟ مستوجع؟؟ تبي شيء؟؟

حينها فتح عينيه..
الإضاءة ضعيفة جدا.. بالكاد يلمح وجهها.. وشعرها المتناثر على كتفيها..
همس بوجع خافت كما لو كان يكلم نفسه: مزنة.. أنتي جيتي؟؟

مزنة تشعر باستغراب (يا الله عدي ذا الليلة على خير.. الرجال شكله مهوب صاحي) ومع ذلك همست باحترام:
أنا هنا يا زايد.. جيت..

همس بوجع أعمق بكثير: أبطيتي.. أبطيتي واجد..

لا تعلم لِـمَ شعرت رغما عنها بالألم يجاوب ألمه... فلا يمكن أن تكون معدومة المشاعر مع هكذا نبرة تذيب القلب:
زايد هذا أنا جيت.. حتى لو ابطيت..

حينها سألها بذات النبرة العميقة التي يبدو فيها كما لو كان يكلم نفسه:
مزنة تحبيني مثل أحبش؟؟

مزنة حينها تراجعت قليلا بجزع حقيقي وهي تهمس بارتباك جزع: نعم؟؟

همس لها بذات الوجع الداخلي العميق بنبرة تبدو مختلطة بالنعاس: قولي إنش تحبيني..
بأموت يامزنة.. بأموت ما ابتلت عروق قلبي..

مزنة لم تستطع أن تقول شيئا حتى( والله العظيم ذا الرجال مهوب طبيعي!!)
ريقها جاف تماما وأناملها ترتعش بعنف..

مد يده ليمسح ظلال خدها غير الواضحة وهو يهمس بذات الوجع المتضخم:
مزنة.. تحبيني؟؟

مزنة وجدت نفسها مجبرة على إسكاته بما يريد.. فيبدو أنه يهذي ولا يعلم حتى ماذا يقول..
وجدت نفسها مجبرة ومنذ ليلتها الأولى معه أن تقول له كلمة لم تقلها لأحد زوجيها السابقين..
فهذا الذي يحدث لها لم يحدث مطلقا من قبل!!

همست له باختناق وباستعجال وهي تشعر بالكلمة كالأمواس على لسانها:
أحبك يازايد..

همس حينها كمن تلقى طعنة قاتلة يعاني شدة ألمها وانهمار نزيفها:
مرة ثانية يامزنة.. قوليها مرة ثانية..

شعرت بها أصعب من المرة الأولى بكثير لذا خرجت بطيئة مبعثرة: أحبك يازايد.. أحبك.. تبي شيء ثاني؟؟

لم يرد عليها ولكنه شدها من عضدها إلى جواره وهو يزيح ليوسع لها مكانا..
مزنة شعرت بقلبها يقفز في منتصف حنجرتها وهو يحتضنها بكل قوته..
ويهذي في عمق أذنها بكثير من الغزل العميق الموجع..

مصطلحات لم تسمعها في حياتها كلها.. والغريب أنه كان يهذي فعلا بنبرة عميقة دافئة شفافة مثقلة بوجع لا مثيل له..
وهي تشعر باختناق عميق وتأثر متعاظم.. لا تعلم هل هو من أجله أو من أجل نفسها..!!


.
.

حينما صحا من نومه على صوت منبه هاتفه المؤقت على قبل صلاة الفجر بقليل..
مد يده ليشعل الإنارة أولا..
ثم ضغط على جانبي رأسه بقوة و هو يرى ظهرها ناحيته..
كان يحاول أن يتذكر بشكل واضح ماحدث.. ليجد نفسه عاجزا عن تذكر الأمور بتفاصيلها..

فهل تستطيع أن تتذكر الأحلام بحذافيرها؟؟
كان في حلم طويل.. عذب.. مليء بالهذيان..

كان يفتح عينيه ويغلقهما دون انتباه أن من كانت جواره كانت كتفاها ترتعشان بخفة..
وهي تحاول التوقف عن البكاء منذ رأته أشعل الأضاءة.. فهي لم تنم مطلقا وهي غارقة في بكاء خافت مثقل بألم شفاف لا تعرف له معنى!!

لا تعلم لِـمَ كانت تبكي حتى؟؟ هـي تبكي؟؟ مزنة تبكي؟!!
مزنة.. من دموعها كانت عندها أغلى من أن تنحدر لأي سبب كان.. ولم ينزلها إلا أسوأ النكبات وفي خفية عن الأعين..

كما تفعل الآن في خفية وهي تمسح وجهها.. وتأخذ لها نفسا عميقا..
لتستدير حتى تجيب على نداء زايد لها بصوت خافت: مزنة.. مزنة..

همست باحترام وهي تعتدل جالسة وتحاول ألا تنظر له بشكل مباشر:
لبيه.. هذا أنا قايمة..

حينها انتفض بجزع وهو ينظر لها بذات الجزع كمن يصحو من نوم عميق..
ألـــم !! ألـــم !! ألــم !!..
ألم عميق.. عميق غاص في روحه حتى أقصاها.. ألم يجتاحه بعنف مرّ !!

أهذه هي المرأة التي قضت الليل في حضنه؟؟
أ هذه هي المرأة التي هذى لها بكلمات حب أسطوري لم يهذي بها لسواها؟؟
أ هذه هي المرأة التي منحها في لحظات مشاعر وأحاسيس عجز عن منحها لأحد طيلة ثلاثين عاما؟؟
أ خان ذكرى مزنة من أجل شبح مزنة؟؟


والأسوأ من كل ذلك.. شعور ندم مر قارص المرارة تخلل كل شرايينه وأوردته وخلاياه..
أ عجز عن حب وسمية كما تستحق من أجل امرأة ماعادت موجودة؟؟
لو أنه علم فقط قبل أن تذهب وسمية كان ليمنحها حبا كانت تستحقه ووقفت مزنة بينهما فيه..
بينما مزنة كانت أساسا اختفت.. اختفت..
كما لو كنت نذرت حياتك ومشاعرك وكيانك لشيء لا جود له..
لا وجـــــود لـــــه أبدا!!






***************************************





لم ينم مطلقا.. ولكنه بقي معتصما بغرفة التدريبات منذ صلى قيامه وأنهى ورده
يتدرب حتى قبل أذان الفجر..
كان يريد شيئا يلهيه عن التفكير بمن يعلم أنها تجلس خارجا..
وكل ما يريده لو أنه يجلس أمامها حتى لو لم يتكلما.. يشبع عينيه من رؤيتها بعد أن أضناه الشوق لها حتى عمق العظام..
لم يتخيل أن كاسرة قد تقدر على الاستيلاء على مشاعره هكذا وفي غضون أشهر قليلة!!
وهنا الفرق بينه وبين والده تماما... هنا الفرق الذي صنع الاختلاف!!
قد يكون كساب غزت روحه كاسرة الطفلة.. وبقيت شيئا ثمينا نادرا في روحه..
هو الأساس العميق الذي صنع من إحساسه بها شيئا مختلفا عميقا..

ولكن كساب عشق كاسرة الأنثى لا كاسرة الطفلة..
كاسرة الأنثى التي أيقظت كل الحواس والجنون فيه..
جمالها وشخصيتها وعنفوانها وروحها.. كل ذلك.. أيقظ فيه رجولته وكبريائه وعنفوانه واندفاع روحه..
معها شعر أن روحه الميتة تصحو من جديد..
ولم يبحث في ثناياها عن ملامح طفولتها.. بل كانت ملامح طفولتها مرحلة انتقالية ليبهره نضج كل مافيها لدرجة الوجع..
هذا النضج الذي أذاب قلبه كانصهار الحديد..
وهكذا كان قلبه.. الحديد الذي انصهر!!

كانت هذه أفكاره التي أرهقته روحه وهو يرهق نفسه في التدريب وافكاره كلها معها!!!
ختاما.. ماعاد فيه صبر.. سيمر ليرى ما فعلت قبل أن ينزل.. على أن يتوضأ في المسجد وينتظر هناك حتى يأذن الآذان..

حين خرج لها.. وجدها مازالت تجلس بعباءتها وشيلتها.. وعلى وجهها معالم إرهاق مرير..
وكانت بالفعل مرهقة ومجروحة إلى أقصى مساحات الوجع..
فما فعله كساب فيها وهو يجرها إلى غرفته كالذبيحة دون احترام لإنسانيتها أو كونها زوجته أو احترام لأي شيء..
نسف كل ما بينهما نسفا.. وهي تشعر بامتهانه لمشاعرها لأبعد حد..
حتى حقها في الغضب والاعتراض والحزن يريد سلبه منها!!

كساب حين رأها انقبض قلبه.. يبدو أنها لم تستسلم بعد..
لم يكلمها حتى.. قرر أن يؤجل المواجهة حتى يعود من الصلاة..
ولكنها على عكسه كانت تنتظر المواجهة..

كانت هادئة تماما حتى رأته فتح الباب...
حينها قفزت وهي تحاول الخروج ليمسك بها كساب الذي كان يفتح الباب بحذر وهي تصرخ باستنجاد: عمي زايد.. عمي زايد الحقني..

كساب أغلق الباب بغضب بيد وهو يسد فمها باليد الأخرى.. ويهمس من بين أسنانه بغضب: بس يالخبلة تبين تفضحينا..

شدها هذه المرة حتى أوصلها لغرفة النوم.. آخر غرفة في الجناح..

كانت تقاوم بشدة فعلا.. ولكن مقاومتها العاتية لم تؤدي سوى لإجهادها هي ولم تؤثر إطلاقا فيه..
كساب لم يتوقع أن يأسها منه وأن رغبتها في تركه.. قد يدفعها أن تفضح نفسها هكذا..

بينما كاسرة فكرت في اتجاه آخر..
ستبقى بعباءتها وشيلتها حتى موعد الفجر حينها ستنتجد بعمها زايد الذي تعلم أنه لابد سيعبر نازلا لصلاة الفجر..
لا يهمها إن علمت والدتها وعمها زايد.. فهم حين يرونها بعباءتها سيعلمون أنه لم يحدث شيئا بينهما وانها قضت الليل مجبرة هنا..
لا يهمها حينها لو علم الباقون أنها باتت في بيت زايد قريبا من أمها.. المهم ألا يعلم أحد سواهما أنها باتت في غرفة كساب..
لا يمكن أن تسمح لكساب أن يفرض عليها نفسه ورغباته بهذه الطريقة وهو يسلبها إنسانيتها وحقها في اختيار حياتها حتى!!

صرخت كاسرة بصوت عال فعلا وبغضب متفجر: ماراح أسمح لك تفرض نفسك علي..
أنا.. أنا.. أنا ما أبيك.. ما أبيك.. غصيبة هي..

كانت تريد أن تقول له " أنا أكرهك" ولكن حتى لسانها لم يطاوعها..وهي مستمرة في الصراخ..

كساب بغضب عارم: اسكتي قبل أسكتش غصب.. أنتي عارفة البيت كله عوازل صوت.. من اللي بيسمعش.. وكل واحد في غرفته.. وش بعدها..

كاسرة ما زالت تصرخ: كيفي بأصيح.. بأصيح لين أنفجر.. عندك مانع..
طلعني من هنا.. طلعني.. ما أبيك..

حينها وللمرة الثالثة يفعلها بها.. حين رأته اقترب علمت ما الذي سيفعله.. صرخت بيأس: لا لا.. حرام عليك حرام عليك.. مهوب كل شيء في الدنيا على كيفك..

ولكنها كانت بعد ثوان كانت تسقط فاقدة الوعي بين يديه..
حينها احتضنها بيأس وهو يجلس على السرير وهي في حضنه..
شد شيلتها عن رأسها.. ثم احتضنها بكل قوته وهو يدفن وجهه في عنقها ويهمس في أذنها بوجع عميق:
أنتي ما تبين تنهدين شوي؟؟.. تعبتيني وتعبتي نفسش..
والله أني أحبش يا الخبلة.. أحبش.. عمياء أنتي ما تشوفين.. وإلا ماعندش قلب يحس..
خلاص حسي.. حسي.. لأني مستحيل أقولها..
الله عطاش رجال معقد.. الله خلقني كذا..
لازم تكسريني عشان تنبسطين يعني؟؟..
ياربي ياكاسرة.. أنا وأنا جنبش أحس إني من زود حبي لش أخاف أحرقش.. وأنتي ولا حاسة بشيء..
وش ذا البرود اللي أنتي فيه.. ؟؟

ثم قبّل أذنها قبلة وحيدة طويلة مثقلة بالأنين وكأنه يتمنى لو أوصل أنينه بعضا من ثقل مشاعره ووطأتها.. عبر إذنها لشرايين قلبها..

ثم حملها بخفة ليضعها على السرير.. مسح زينتها بسرعة بمناديلها التي مازالت على التسريحة.. ثم خلع عباءتها.. و خلع ملابسها..ثم غطاها..

ثم خبأ ملابسها وعباءتها في دولابه المغلق.. وكان هدفه من ذلك أنها لو صحت وهو في المسجد.. فهي لن تستطيع التصرف..
لأنها إن لبست ملابس أخرى وحاولت أن تستنجد.. سيعلمون أنها خلعت ملابسها.. وقضت الليل بعد أن مسحت زينتها..
وهذه أمور تحدث برضا الشخص لا رغما عنه.. !!
لذا فهي لن تجرؤ على فعل ذلك ولن تستنجد !!


حين عاد من الصلاة.. كان مستعدا لجولة جديدة من العراك..
ولكن ما أصابه بالجنون.. أنه وجدها مازالت على ذات الوضعية التي تركها فيها.
حينها ركض لها بكل جنونه وقلقه ورعبه..
أ يعقل أنه أثقل عليها العيار وهو يضغط على العرق وأنها سقطت في غيبوبة؟؟
سيجن لو حدث لها شيء.. سيجن!!

حينها انحنى عليها وهو يهزها بعنف ويصرخ بجزع: كاسرة.. كاسرة..

لتفتح عيناها بجزع وهي تعتدل جالسة: نعم.. نعم..

حينها انتبهت أين هي.. وأنها بملابسها الداخلية فقط..
صرخت بغضب وهي تشد الغطاء عليها: أنت وش سويت فيني يا الحيوان؟؟

وقف مبتعدا عنها وهو لا يعلم أ يحتضنها لسعادته أنها بخير..؟؟
أو يصفعها لأنها أخافته عليه لدرجة الموت..؟؟
أو يمزق شعرها لأنها تشتمه بهكذا شتيمة..؟؟

هتف ببرود قارص: وش سويت فيش يعني؟؟ شلت ملابسش بس..
وأنا ماني بحيوان.. رجالش يامدام ياذربة.. ولو بغيت شيء خذته منش وأنتي واعية..

تمنت حينها أن تدفن وجهها بين ركبتيها وتنتحب.. وتنتحب وتنتحب..
" يا الله هل لهذا الوجع نهاية ؟!! "

هتف بحزم وهو يخلع ملابسه ويستدير لينام جوارها: قومي توضي وصلي..
وتبين تصيحين الحين.. صيحي على كيفش..
وإلا ليش تتعبين حبالش الصوتية؟؟... ترا مفتاح الجناح في الباب..
وتلفونش بتلقينه على الطاولة اللي برا..
ثم أردف بابتسامة خبيثة: يعني لا تقولين إني جبرتش تقعدين؟؟
وترا أبي يسلم عليش.. واجهته في المسجد.. وعلمته إنش شرفتي بيتش..





*************************************




قبل ذلك..


" علي أنا تعبتك واجد وأنا أسهرك كذا..
ماعاد باقي على صلاة الفجر شيء!!"

علي ابتسم بإرهاق: هذي ليلة تاريخية لازم نخلدها بالسهر..

مزون بحنان: عقبال مانخلد ليلتك التاريخية أنت عقب أسبوعين..
ثم أردفت بخبث: وأنا اللي بأسهر معك بعد.. وبأقعد فوق رووسكم..

ابتسم علي بحنان: حياش الله..

ضحكت مزون: يا النصاب.. ما تبي إلا شعاع بس..

علي بشجن: يعني أنا أعرفها عشان أبيها.. خل نعرفها أول..

مزون باستغراب: تدري إني مستغربة منك.. نهائي ما سألتني عن شكلها أو طبايعها..
حتى كساب اللي حاط روحه أبو الهول سأل خالتي عن مرته قبل عرسهم..

علي ببساطة: كلها أسبوعين وأشوفها بروحي.. ليش أستعجل شيء صاير صاير..
تقدرين تقولين أحب أسوي صورتي عن مرتي بنفسي.. ما أبي صورة مسبقة..

مزون بمودة: زين وش صار على بشتك.. اشتريته أو بعد..؟؟

علي ابتسم بمودة: أبو الهول على قولتش.. تخيلي قبل أمس راح الحسا وشرا لي بشت ورجع على طول
وعقبه جاب لي (الخبان) من سوق واقف لين المستشفى
وخذ قياسي عشان يخبنه.. (الخبان والخبانة= خاصة بالبشوت والعبي)
مع إني كنت أقول له.. الدولاب عندي مليان بشوت..

مزون بمودة: جعلك ماتذوق حزنه ولا يذوق حزنك.. ما أدري كساب أشلون قادر يركز في كل شيء كذا!!
ثم أردفت: تدري أدق له أبيه ينزل يسهر معنا مايرد..

ابتسم علي بمرح: وماراح يرد.. لأن الأخ العزيز الليلة عريس مثل أبيه..
المدام رجعت الليلة.. وإلا مادريتي.. هو قال لي إنهم متفقين ترجع الليلة..

حينها شعرت مزون كما لو كانت ضُربت على رأسها.. في رأسها تخيل مرعب لما حدث تحاول انكاره..
وما يجرحها لأبعد حد مشاركتها في هذه المؤامرة وهو يستغلها فعلا لتنفيذ مخططه وهي تنفذ دون تفكير..
وهو يستغل محبتها اللا محدودة له لخداع زوجته وجلبها لمكانه رغما عنها..





******************************************





حين عاد من صلاة الفجر..
وجدها مازالت تصلي..
استغرب من طول هذه الصلاة.. حين انتهت.. كان يتناول مصحفه ليقرأ ورده..
هتف بابتسامة فخمة: ماشاء الله هذي كلها صلاة؟!!

ابتسمت مزنة وهي تطوي سجادتها: السنة إنك تقرأ السور الطوال في ركعتين الفجر.. وأنا أراجع حفظي فيها..

ابتسم وهو يجلس: ماشاء الله إبي جابر قال لي إنش حفظتي القرآن كامل.. الله يكتب لنا نفس الخير..

شعرت بخجل ما أنه يتتبع أخبارها لهذه الدرجة.. وشعرت بخجل ذكرى أعظم جعل أطرافها ترتعش كما لو مر عبرها ماسا كهربائيا..
وهي تراه أمامها وتنزل عيناها بخجل وهي تتذكر دفء واختلاف همساته ولمساته قبل ساعات ... شيء كانت تظنه مجرد حلم..
فلا يوجد رجل بهكذا رقي وحنان وعمق ودفء مشاعر واختلاف!!!

حاولت الخروج من أسر أفكارها التي بعثت ألما شفافا في روحها ووجهها يحمر لمجرد التذكر..
استأذنته برقة: زين .. ممكن أقرأ وردي؟

أجابها زايد باستغراب: تستأذنين عشان تقرين وردش؟؟

فأجابته بذا الرقة: هذي نافلة مهيب فرض.. وحقك علي دامك موجود أستأذنك لو ترخص لي..

لا يعلم لِـمَ شعر بألم متزايد بغرابة عميقة..
أتستأذنه في عبادة؟؟ يعلم أن زوجة كهذه يشكر أي رجل نفسه عليها؟؟
أي نعمة ستكون هذه المرأة التي تعرف حقوق زوجها وتحترمها لهذه الدرجة!!

ولكنه شعر بحزن عميق لأنه أيقن أن مزنة قد أختفت تماما.. اختفت..
فمزنة كان يستحيل أن تفعل هذا!! يستحيل!!

يعلم أن التدين ومرور السنوات وتزايد الخبرة كلها أمور تغير الآنسان..
ولكن مزنة بقت في خياله تمثال أسطوري كما هي بشخصيتها وشكلها..
أسطورة زاد في قوتها وسموها خيالات سنوات متطاولة جسدتها وعمقتها..

ويصعب عليه أن يتقبل اختفاء أسطورته..هكذا..!!

يشعر أن حزنا عميقا يستقر في روحه.. وحاجز غريب غير مفهوم يرتفع بينه وبين هذه المرأة التي أصبحت زوجته!!

بينما هي.. قد لا تكون متشجعة على تأدية دور الزوجة المطيعة.. ولكن شدة تدينها تجبرها على ذلك..
وخصوصا أن زايد بشكل عفوي يستجلب احترام من أمامه بطريقة سحرية لينفذ له كل مايريد...


حين انتهيا كلاهما من قراءة وردهما.. همست مزنة بهدوء:
ماعليه زايد أنا كل يوم أبي أروح لأبي بدري..؟؟

وضع مصحفه جواره وهتف بثقة: براحتش.. خذي المفتاح من كاسرة وخلي الباب مفتوح لا عاد تسكرينه.. عشان بناتش لو بغوا يجونش بعد..

مزنة بهدوء: كاسرة ماجابت المفتاح معها.. اطلبه من كساب..

ابتسم زايد: اطلبيه من كاسرة.. لأنها رجعت لمكانها ورجالها.. توني شفت كساب في الصلاة وقال لي..
ماقالت لش..؟؟

مزنة قطبت حاجبيها بغضب.. أتسخر منها هذه الفتاة أو تعبث بها؟؟
أ ترجع لزوجها وتكون آخر من تعلم؟؟
أي عبث هذا؟؟
أ تأتي معها لكي تعود له ؟؟
أي امتهان لنفسها ترتكبه في حق نفسها؟؟
إن كانت تريد العودة له.. فلماذا لا تعود كما تعود بنات الأصول؟؟
لماذا هذه الطريقة المحرجة المهينة؟؟





************************************





" وين رايحة؟؟"


كانت هذه إشارة تميم الغاضبة لوضحى وهو يراها بعباءتها وتستعد للخروج هي والخادمة..
أشارت بعفوية: فيه أوراق مهمة لشغلي أبي أصورها.. وعقبه باشتري فواله وأروح لأمي..

تميم أشار لها بحزم بوجهه المرهق: لا.. ما تطلعين من البيت بروحش..
انتظري لين أوديش أو روحي مع كاسرة أو سميرة..

وضحى باستغراب: تميم أنت تروح دوامك صبح وعصر.. متى بتوديني؟
وكاسرة مالقيتها في غرفتها.. وماترد على تلفونها.. يمكن راحت لأمي..
وسميرة اتصلت فيها ماردت علي.. يمكن تبي تنام شوي.. اليوم سبت..
بأروح محل قريب وبأرجع بسرعة..
يعني مهيب أول مرة أروح مع الخدامة.. خصوصا عقب ما اشتغلت..

تميم بحزم: هذاك أول.. الحين منتي بكفو ثقة.. وما تنتخلين تروحين بروحش

وضحى بصدمة: أنا يا تميم أنا؟؟ أنا ماني بكفو ثقة ؟؟.. ليه ما تعرف من أنا؟؟

تميم بألم شاسع: كنت أظن نفسي أعرفش.. لكن الحين ماعاد أعرف حد..
حتى نفسي ما أعرفها..

وضحى بغضب هادر: تميم عيب عليك.. أنا وضحى على آخر عمري بتشك فيني!!

تميم بحزم صارم: انتهينا.. طلعة بروحش مافيه.. تبين تروحين لأمش روحي..
غيرها ما تطلعين شبر من البيت.. لا اليوم ولا غير اليوم..
كل شيء هقيته من أي حد.. إلا أنتي يا وضحى.. إلا أنتي...


ثم غادر...
لتنهار وضحى جالسة وهي تخلع نقابها وتلقي حقيبتها جوارها
وتدفن وجهها بين كفيها وذكرياتها تعود بها لأكثر من ستة أعوام...
للذكرى المريرة التي أحدثت قلبا مرا في شخصيتها!!



#أنفاس_قطر#
.
.
.

 
 

 

عرض البوم صور #أنفاس_قطر#  
قديم 21-12-10, 12:26 PM   المشاركة رقم: 73
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
VIP




البيانات
التسجيل: Jan 2009
العضوية: 117447
المشاركات: 738
الجنس أنثى
معدل التقييم: #أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 1255

االدولة
البلدQatar
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
#أنفاس_قطر# غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : #أنفاس_قطر# المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والسبعون

 





بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية الظهيرة.. كل مرة تحية غير :)
.
.
اليوم بارت طويل طويل طويل ومرحلي
يعني نقف على أعتاب الأحداث الكبيرة التي اقتربت كثيرا
.
.
الجزء 73
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.





بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والسبعون






قبل ست سنوات
.
.


كان يوم الامتحانات الأخير للصف الثاني الثانوي..
فرحة طفولية شفافة.. وقلوب مخضرة.. وابتسامات محلقة..

وضحى وصديقاتها كن قد اتفقن جميعا أن يذهبن لبيت صديقة لهن بعد انتهاء الاختبار احتفالا بانتهاء الاحتبارات..
بناء على دعوة هذه الصديقة لهن..

كاسرة كانت رافضة تماما لذهاب وضحى.. لأنهن سيذهبن جميعا على سيارة هذه الصديقة..

بينما مزنة وافقت لأنها اتصلت بأم الفتاة التي كانت تعرفها جيدا
وأكدت لها أنها هي بنفسها من ستأخذ الفتيات ثم تعيدهن كل واحدة لبيتها بعد صلاة العصر..
وأكدت ذلك لمزنة عدة مرات...
وهكذا كان الاتفاق...!!

سيذهبن أربعتهن وضحى وسميرة وصاحبة الدعوة وصديقة رابعة إلى بيت صاحبة الدعوة القريب جدا من المدرسة مع والدتها...
ليحتفلن احتفالا صغيرا دعتهن إليه صديقتهن..


حين خرجن الساعة التاسعة والنصف صباحا..
وجدن السيارة تنتظرهن ولكن دون والدة البنت..
سميرة حين رأت ذلك.. قررت أن تعود للمدرسة وتتصل بأهلها ليأخذوها..
لأن أمها وافقت على أساس أن أم الفتاة من ستأخذهن..

وكانت وضحى ستعود معها.. لولا أن صاحبة الدعوة كادت تبكي وأظهرت تأثرها المتزايد..
لأنها أعدت كل شيء للاحتفال وأنهن سيفسدن فرحتها..
وأن والدتها لم تحضر لانشغالها بأمر طارئ... والبيت قريب جدا.. خطوتان فقط!!
ضغطت على براءة مشاعرهما ولين شخصياتهما وصفاء قلبيهما!!

ركبت وضحى معها هي والصديقة الثالثة وهما غير مرتاحتان..
ولكن لأنهما لم تريدا أن تحزنا صديقتهما.. وخصوصا أن بين البيت والمدرسة شارع واحد فقط..

لتتفاجأ بالسيارة تتجه للشارع العام..
حينها همست لهما هذه الصديقة برجاء حاد أنها تريد شيئا من المجمع التجاري القريب... وسيعدن فورا..

وضحى والصديقة الأخرى رفضتا بشدة وأرادتا العودة.. ولكنها كانت تترجاهما بحرارة وأنهن سيعدن جميعا بسرعة.. فضعفتا أمام رجاءاتها..

وكان الاتفاق أن تأخذ ما تريد ويعدن فورا...
فالوضع كله أصبح قلقا.. غير مريح.. فيه شيء مقلق فعلا أشعرته به شفافية روحيهما.. لكنهما لم يصدقا في صديقتهما أي ظن سوء!!

ونزلتا معها حتى لا تنزل وحدها...

لتتفاجأ الفتاتان بحقيقة ماحدث..
الحقيقة التي فجعتهما وصعقتهما وجعلتهما ترتعشان من الرعب وهما تريدان الهرب لولا أن كل شيء حدث بسرعة هائلة...

فالصديقة البريئة الفاضلة صاحبة الدعوة اقنعت والدتها أنهن سيخرجن اليوم متأخرات ..
وأن إحدى المدرسات ستوصلهن ثم ستذهب لبيتها لأن غدا ليس هناك من يوصل هذه المدرسة..
وهكذا فالأم لا مكان لها معهن..
والمشكلة كم يصدقن الأمهات براءة بناتهن!!

بينما الحكاية كلها أن هذه الفتاة كانت تكلم شابا عبر الهاتف.. وكان يلح عليها كثيرا حتى يراها..
وهي لأنها لم يسبق أن فعلت ذلك مطلقا.. خافت من توابع ذلك.. وأن تذهب لمقابلته وحيدة..
لذا أرادت أن تحضر صديقاتها كحماية لها..

ولكنها لم تعلم أنه أيضا أحضر أصدقائه معه ولكن لكي يفرجهم على صيدته الجديدة..

كانوا يقفون بعيدا.. ولكن حينما رأوا أن الفتيات أكثر من واحدة تقدمن بجرأة..
وكان ذلك في زاوية غير مطروقة من المجمع.. والوقت صباحا.. ولم يكن هناك الكثير من الناس..!!

الفتيات الثلاث كلهن أردن الهرب حينها.. ولكن الشباب كانوا خمسة.. وأحاطوا بهن يحاولون اقناعهن أن يذهبن معهم لشرب قهوة فقط في أحد مقاهي المجمع...
ثم حاول أحدهم بجرأة شد نقاب إحدى الفتيات..

بينما بكاء وضحى بدأ بالتصاعد وهي تنكمش مبتعدة لتلتصق بالحائط
وتريد أن تهرب من المكان كله ولكن أقدامها ماعادت تحملها لشدة الرعب...

الفتاة حين رأته شد نقابها.. تناولت حذائها ذو الكعب العالي وضربته به على وجهه..

تعالى الصوت والشباب يسبون بصوت عال وهو يرون وجه زميلهم الغارق في الدم..
ويصدف حينها لسوء الحظ تواجد الشرطة قريبا جدا..
والولد وجهه ينزف..
والهرج والمرج يتصاعد..
والفتيات يقلن للشرطة أن الشباب من تعرضوا لهن..
والشباب يقلون أن الفتيات من واعدوهم أساسا في هذا المكان.. وهن يبيتن النية للاعتداء بالضرب..

بينما وضحى ماعادت حتى تستطيع التصرف أو الكلام أو التحرك وهي تنتحب بهستيرية..
وتشعر كما لو كانت تشاهد فيلما مرعبا لا تستطيع تغييره رغم أنها أحد الممثلين فيه!!

شعرت أنها ستموت من الرعب والخوف والقهر.. تتخيل الذي سيحدث لها؟؟
كل شيء يمر في خيالها ككابوس مرعب.. همسات الناس ونظراتهم المحرقة وامتهانهم لها.. مستقبلها الذي سيضيع..
حياتها التي ستتدمر كلها من أجل خطأ بسيط تافه فعلته بحسن نية!!

كانت تسب نفسها بقسوة لماذا لم تعد مع سميرة؟؟
وتتخيل أهلها حين يعرفون بالأمر.. ماذا سيفعلون بها؟؟
تتخيل ما الذي قد يفعله بها مهاب الذي لا يخرج الآن مطلقا من البيت بسبب تأثره من إصاباته في حادث السيارة الذي ألزمه المستشفى عدة أشهر..

وبسبب حبسه لنفسه في البيت لأنه لا يستطيع العودة الكلية وبسبب عجزه عن المشي كما يجب..
أصبح عنيفا جدا ومتحفزا ويدقق في كل شيء لدرجة خانقة مرعبة..

كانت ترتعش وتنتحب وهي في سيارة الشرطة وتهمس بكلمة واحدة :
" بيذبحني!! بيذبحني!!
والله العظيم بيذبحني
بيذبحني !! "


في مركز الشرطة هي بالذات لم تفلح الشرطة في أخذ كلمة واحدة منها لأنها لم تسكت من البكاء..
بينما الفتاتان الآخريان كانتا متماسكتين.. ورفضتا مطلقا اخبار الشرطة بأسماءهن..
ولم يجدو معهن أي اثبات للشخصية.. ولم يفد أخذ بصماتهن..
لأنهن كن أقل من 18 عاما ومازلن لم يستخرجن بطاقات شخصية لذا لا سجل بصمات لهن على الحاسوب!!

والشباب يعلمون أن الفتيات قُصر.. بينما الشباب ليسوا كذلك..
فخافوا أن تلبسهم قضية .. لذا أصروا أن الفتيات هن من يهاتفنهم وأنهم يظنونهن طالبات جامعة..
والآن هن من اعتدوا على زميلهم بالضرب..


وضحى كانت مغيبة في عالم آخر وهي فقط تنتحب كمذبوحة في الممر..
وترتعش برعب وتحاول كتم شهقاتها المرعوبة
ورفضت حتى أن تتحرك من مكانها لداخل المكاتب..
حينها رأته.. رأته.. رأته..!!
نجدة من السماء أرسلها لها الله في هذا الوقت بالذات!!
رأته كما لو كان مشعل نور أضاء سواد كل ما أمامها!!


كان قد جاء لينهي قضية عراك بين عماله في أحد مواقع البناء..
حين رأته لا تعلم أي نشاط دب في جسدها الهامد من البكاء..
وهي تقفز ناحيته قبل أن تمسك بها الشرطية.. وتتعلق بساقه وهي منهارة على الأرض وتصرخ بين شهقاتها:
عمي زايد.. عمي زايد.. طالبتك.. طالبتك تأخذني معك.. لا تخليهم يفضخوني..
والله العظيم ماسويت شيء.. ماسويت شيء.. ولا عمري شفت ذا الشباب..
هلي بيذبحوني لو دروا.. بيذبحوني..
تكفى ياعمي.. تكفى.. طالبتك.. طالبتك.. أحب رجلك خذني من هنا..

زايد كاد يجن من صراخها ومن تدافع دم الحمية في عروقه.. وهو يشدها عن الأرض ويخفيها خلفه..
ويهتف لها بحزم بالغ ووجهه محمر من شدة تدافع الدم:
وصلتي يأبيش.. وصلتي.. والله لو أنش ذابحة لش حد.. ما اطلع من ذا المكان إلا بش..

زايد دخل على الضابط وهي مازالت مختبئة خلفه..
وفهم منه المسألة.. ثم تفاهم مع الشباب.. واستطاع اقناعهم بالتنازل بضغط منه وبمعرفته لأباء اثنين منهم..
وهم أيضا كانوا يريدون التنازل أساسا لكنهم كانوا يخشون من ردة فعل البنات.. وخصوصا أن إصابة زميلهم بسيطة.. وجرحه سطحي..

ولكن كانت المشكلة أنه لابد من معرفة اسماء البنات لإغلاق المحضر..
ولكن البنات بقين مصرات على عدم ذكر أسمائهن..

حينها هتف زايد بحزم للضابط: خلاص يأبو فلان.. البنات في وجهي وباين أنهم بزران..
خلهم يروحون.. وبلاها المحضر من أساسه..
وهذا عيالي تنازلوا عن الموضوع..

ابتسم الضابط: أبشر يأبو كساب.. عشان خاطرك وجيتك لين مكاننا ماحن برادينك.. ودام الأطراف كلهم متنازلين.. خلاص سهالات..


حينها خرج زايد بالفتيات معه .. وتمنت وضحى حينها أن تركع على قدميه وتقبلها..
لم تخيل أنها قد تخرج من هذا المكان إلا مع مهاب وهي تتخيل ما الذي سيحدث بعد ذلك على يد مهاب..

تتخيل فيلما مرعبا بحق ستعيش فيه حياتها كلها.. حين يشتهر أمر دخولها لمركز الشرطة والحكايات المبهرة بالكثير من البهارات التي ستنتشر بعد ذلك!!

حين ركبن الفتيات في سيارة زايد انخرطن ثلاثتهن بالبكاء..
هتف بحزم غاضب ودون أن ينظر لهن في الخلف:
أنا ماني بناشدكم أنتو بنات من.. وحتى لو دريت ماني بقايل لأحد..
لأنكم مثلكم مثل بناتي..
ويأبيكم البنت ألزم ماعليها سمعتها وسمعة أهلها..
تخيلوا شكل ابانكم لو أنهم اللي واقفين ذا الموقف .. وش يسوى عليهم ذا الفضيحة؟؟
البنت الحشيم ما تخلي لأحد عليها طريق..


الفتاة صاحبة الدعوة طلبت من زايد أن يعيدهن للمجمع حتى يعدن مع سائق البيت الذي ينتظرهن هناك..

أنزلهن فعلا.. لكنه تبعهن حتى رأهن يدخلن أحد البيوت..
ورغم معرفته من صاحب البيت.. لكنه قرر أن ينسى الحكاية.. كحكايات كثيرة غيرها..

وكن بالفعل يعدن للبيت في حدود الساعة الواحدة والنصف ظهرا..
وضحى والفتاة الأخرى لم تجلسا حتى.. وهما تطلبان من أم الفتاة أن توصلهما..
حاولت فيهما أن تجلسا ..

ولكن كل واحدة منهن لم تكن تريد رؤية الأخرى حتى.. والموضوع يُدفن في صدر كل واحدة منهن بقرار مشترك لا اتفاق فيه..
ولأن كل واحدة منهن عرفت خطر هذه الحكاية وهي تحمد الله على انتهاءها بسلام.. وتقرر أن تدفنها بسلام أيضا..



وهذا ماحدث فالسر بقي مدفونا حتى عدة أيام..
رغم أنه كان أحد أهم حدثين في حياة وضحى..
أحد الحدثين الذين أحدثا تغييرا هائلا في حياتها..
هذا الحادث.. ووفاة مهاب!!

فهذا الحادث جعلها تستسلم لكاسرة تماما ولقوة شخصيتها..
وجعلها تتقوقع داخل ذاتها إلى حد ما..
فهي رأت أن كاسرة كانت محقة.. فهي لا تستطيع التصرف وحدها..
وستبقى دائما محتاجة للتوجيه والحماية..
إحساسها بالذنب خنق روحها.. وجعل نفسها مكسورة للجميع..
فهي تحت سيطرة كاسرة وحماية مهاب وأخوة تميم وأمومة مزنة.. وهي تستمد وجودها منهم!!

وقد تكون الحادثة كحادثة انزوت في ذاكرتها وهي تحاول نسيان الرعب الذي عاشت فيه.. ولكن أثرها بقي مسيطرا عليها لأبعد حد..
وهو يشكل لها شخصية هلامية ظاهرة تختلف عن شخصيتها الحقيقية...

لتحدث الردة المعاكسة حين توفي مهاب.. انتفضت روحها من شدة الصدمة..
فسندها القوي ذهب.. وكاسرة تزوجت.. وأمها لن تعيش لها أبد الدهر!!

فحتى متى ستعيش في الظل تتجرع مرارة تجربة لا ذنب لها فيها..؟!!



ثم حين سمعت وضحى أن زايدا تقدم لوالدتها..
تفجرت في روحها رغبة عاصفة عمرها أكثر من ست سنوات..
قضتها وهي تعيش امتنانا عميقا لهذا الرجل الذي أنقذها وهو لا يعلم حتى من هي!!
أنقذ حياتها كلها ومستقبلها وسمعتها وسمعة أهلها من الضياع والامتهان..
هذا الرجل الذي حلمت ليال طويلة أنها قد تستطيع يوما تقبيل رأسه وكفه!!

لا تنكر أنها فعلا تمنت حين خطب كساب كاسرة لو أنه خطبها هي..
أمنية مستحيلة تعلم أنها لن تتحقق.. ولكنها تمنتها من أجل زايد فقط.. فهو سيصبح حينها محرما لها..

ثم تمنت لو استطاعت كاسرة فعلا أن تجعل عليا يخطبها.. لذات الأمنية..

ولكنها في النهاية أصبحت تاخذ الأمور ببساطة .. فليست كل الأماني تتحقق..
وللإنسان قدر مكتوب له لا يتجاوزه..
ويبدو أن زايد الرجل المثال النادر سيبقى القرب منه حلما لن تستطيع نيله!!

حتى علمت بخطبته لأمها حينها انتفضت روحها وأمنياتها.. فالحلم أصبح قريبا جدا..
كان يستحيل أن تجبر أحد ولدي زايد على الزواج منها..
لكنها تستطيع إجبار أمها على الزواج من زايد!!


وإن كانت الحكاية وحدها كافية لدفع كل دماء الحمية والغضب في روح تميم.. وهي تستفزه لرد الجميل لهذا الرجل الذي حافظ على سمعته..
وجعل رأسه مرفوعا بين الناس وهو لا يعرفهم حتى..


فهي لم تكن كافية مع والدتها التي فور أن أخبرتها بالحكاية صفعتها على وجهها بكل قوتها...

ثم شدت لها نفسا عميقا جدا وهتفت بحزم مرعب:
هذا كف وجيعتي إنش دسيتي علي ذا السالفة ذا السنين كلها..
أدري مالش ذنب إلا أنش خبلة وكلمة تجيبش وكلمة توديش..
بس مستوجعة منش واجد.. مستوجعة..
أنتي عارفة وش سويتي فينا.. بغت سمعتنا كلها تروح.. عشان خطأ تافه سببه خبالتش..
وعقبه تدسين السالفة علي كنه ماصار شيء؟!!


وضحى همست بحزم غريب ودون أن تلمس خدها المحمر حتى:
ماعليه اضربيني.. أنا أستاهل الضرب أصلا..
بس وافقي على عمي زايد.. طالبتش..

مزنة بحزم أشد: آسفة..منتي بمشية شورش علي..
أبو كساب راعي الأولة.. وفعايله كلها فعايل الطيب..
وما أقدر أرد له جميله علينا لو مهما سويت .. ستر بنتي وحافظ على سمعتنا..
بس خلاص سالفة وانتهت وسكريها.. ولا عاد أسمعها على لسانش..

حينها وقفت وضحى بذات الحزم الغريب:
بس السالفة ذي أنا قلتها لتميم خلاص.. وإذا أنتي شايفة إن زايد اللي ستر على بنتش ما يستاهل إنه يكون لش رجّال ولنا أب..
فأنا الحين وربي اللي خلقني.. واللي ما أحلف به باطل لأروح وأخذ تلفون كاسرة وأتصل بزايد نفسه..
وأعلمه بنفسي بالسالفة كلها.. واقول أنا مستعدة أتزوجه دامش ما تبينه..
وحتى لو هو ما يبيني على الأقل وصلت له إحساسي بجميله علي!!

حينها أتبعت مزنة صفعتها الأولى بصفعة ثانية جعلت خد وضحى يشتعل احمرارا فعلا ومزنة ترتعش من الغضب:
يعني يوم ستر عليش الرجّال وهو ماحتى عرفش.. تبين تفضحين روحش وتفضحيننا؟؟
وبعد تروحين وتعلمين تميم وتحرقين قلبه يا اللي ما تستحين!!


وضحى تقاوم اختناقها بعبراتها وهي تحاول أن تهمس بحزم موجوع:
أنتي اللي محسستني إني شيء تافه.. ومالي قيمة عندش.. وحتى ذا الشيء الكبير في حياتي ماله قيمة عندش..
أقول لش الرجّال ستر علي وعليكم وأنتي ولا هامش!!
يعني لو ذا الشيء صار مع كاسرة وهي اللي طلبت منش كان مستحيل تردينها..
بس أنا مالي قيمة.. مالي قيمة!!

حينها ماعادت مزنة قادرة على السيطرة على نفسها وهي تصفعها للمرة الثالثة على ذات الخد..
ثم في ذات اللحظة.. تشدها لتحتضنها بقوة بالغة.. ولكن جسد وضحى كان متصلبا تماما..
رغم أنها تمنت أن ترتمي في حضن أمها وتنتحب.. فلأول مرة تفعل أمها ذلك وتضربها..
ولكنها خشيت أن تنفجر في بكاءها الذي بات على أطراف رموشها وحنجرتها..

مزنة مازالت تحتضنها وهي تهمس في أذنها بحنان غريب مختلط بالحزم والغضب:
يأمش قهرتيني.. قهرتيني..
قهرتيني بأول السالفة وتاليها..







*******************************






" وين المدام يا أستاذ كساب؟؟"


كساب يلتفت لمزون بحدة وهو يرتشف قهوته ويهتف لها بنبرة مقصودة:
إذا عرفتي أشلون تسألين أخيش الكبير
عرفت أشلون أجاوبش..

حينها همست مزون بذات النبرة المقصودة الغاضبة التي تعلم أنها أغضبته:
وش فيها يا أستاذ كساب؟؟
مهوب أنا طلعت السكرتيرة اللي تنفذ بدون تفكير..
حتى لو كان اختطاف..!!

ضحك كساب ضحكة قصيرة ساخرة:
اختطاف !! مرة وحدة!!
لا نكون في شيكاغو على غفلة!!
وعلى العموم المدام نايمة فوق.. والباب مفتوح عليها.. يعني ماراح تلاقينها مربوطة في الدولاب..
وإسأليها كم طلبت منها فدية للاختطاف ياقلب أخيش؟؟

نجح في إشعارها بالذنب.. واحتقار تفكيرها وفعل ذلك ببراعة فائقة.. !!
محق؟؟.. هل هناك رجل يختطف زوجته؟؟.. ربما أراد فقط فرصة للتحدث معها..
وأقنعها حينها بالعودة له؟؟
مزون صمتت .. حينها هتف كساب بثقة المسيطر: وين علي؟؟ قام وإلا بعد؟؟

مزون بسكون: إبي رجعه للمستشفى..

ابتسم كساب: ماشاء الله العريس قايم من بدري..

ابتسمت مزون: والعروس نزلت قبله وراحت لابيها.. وتقول لك لو سمحت بطل الباب عشان ترجع معه..

ابتسم كساب: حاضرين نبطل الباب..





***************************************







" الحين لين متى وأنتي تبكين كذا؟؟"

وضحى مازالت تحتضن خصر والدتها وتنتحب: ماهقيت تميم يقول لي كذا؟؟
تميم؟؟
سالفة صارت قبل 6 سنين ومالي ذنب فيها.. وكل شيء عدا على خير..
يرجع يحاسبني عليها.. لا ويبي يحبسني في البيت.. يقول ماني بكفو ثقة؟؟
أنا؟؟ أنا يقول علي كذا؟؟

مزنة تحتضنها وهي تهمس بحنان مختلط بالحزم: لا تلومينه يأمش.. اللي سويتيه مهوب بسيط..
ولا تقولين مالها قيمة.. لأنه أنتي خليتي لها كل القيمة..
يعني عطيه وقت لين يستوعب الفكرة.. أنتي بالذات عارفة قرب تميم منش..
موجوع منش واجد..

وضحى حاولت أن تعتدل وهي تمسح وجهها وتهمس بنبرة مختنقة:
أنا شغلتش بنفسي.. أشلونش يمه ؟؟ عساش مبسوطة؟؟
كنت أبي أطلع وأجيب لش فوالة وأجيش.. بس ماخلاني..

ثم عادت لتنخرط في البكاء الذي تحاول الخروج من أجوائه..
مزنة شدتها وهي تربت على كتفها وتهمس بحزم: بس يامش خلاص..
خلاص أنا باكلم تميم..

وضحى برفض: لا يمه.. خلي خاطره يطيب من نفسه ما أبيش تجبرينه على شيء.. أنا وتميم نعرف نتفاهم..
ثم أردفت بتساؤل وهي تحاول التماسك: يمه كاسرة جاتش؟؟ مالقيتها في البيت..

حينها وقفت مزنة وهتفت بحزم غاضب: لا مابعد شفتها.. الشيخة رجعت لرجالها من البارحة..

وضحى بصدمة حقيقية: نعم؟؟ أشلون ترجع بدون حتى ماتعطي حد منا خبر؟؟

مزنة بذات الغضب الحازم: هذا موضوع باتفاهم معها فيه .. بس خلني أشوفها..
أنا أفرح ماعلي.. ترجع لرجالها.. كل أم تبي مصلحة بنتها.. بس السنع سنع..

ثم أردفت بتساؤل: ووينها سميرة بعد؟؟.. ماشفتها!!

وضحى تمسح وجهها وتهمس بسكون: ما أدري حتى أنا ماشفتها من البارحة..

حينها نهضت مزنة لتتوجه إلى غرفة ابنها.. طرقت الباب ولم يجبها أحد..
حينها فتحت الباب بخفة ودخلت..
كانت الأضواء كلها مقفلة.. والغرفة غارقة في ظلام خفيف رغم أن الوقت قبل صلاة الظهر بقليل..
كان هناك جسد مغطى على السرير.. مزنة اقتربت أكثر وهي تهمس بحنان:
سميرة يأمش.. أنتي عادش راقدة ؟؟ عسى منتي بتعبانة؟؟

حينها لاحظت مزنة أن الغطاء بدأ بالارتعاش.. مزنة اقتربت أكثر وجلست جوارها وهي ترفع الغطاء وتهمس بحزم:
سميرة وش فيش؟؟

سميرة كانت منكبة على وجهها وفور أن رفعت مزنة عنها الغطاء استدارت وهي مازالت متمددة لتحتضن خصر مزنة
وتنتحب بطريقة هستيرية وهي تدفن وجهها في حضن مزنة..

مزنة كادت تجن وهي تراها على هذا الحال وهي تسألها برعب:
حد من هلش فيه شي؟؟

سميرة بدأت تهذي بطريقة مقطعة وبصوت مبحوح مرهق..
لأنها لم تنم مطلقا منذ البارحة بل قضت طوال الليل حتى اليوم في البكاء:
تميم .. قرفان .. مني.. ما يبيني... ويقول.. روحي... لبيت.. هلش..!!
ما يبيني.. ما يبيني.. يقول ما يبيني.. ويكرهني..

مزنة همست لها بحزم خافت: أششششششش.. خليني أسكر الباب..

مزنة نهضت بالفعل وأغلقت الباب وأشعلت الإضاءة.. ثم عادت لها وهي تهمس بحزم حنون:
يا الله هاش اشربي ذا الماي وقولي بسم الله واهدي.. وعقب قولي لي السالفة كاملة!!..

سميرة اعتدلت جالسة لترتعب مزنة من انتفاخ وجه سميرة من البكاء واحمراره المتفجر..

مزنة احتضنتها بحنان وهي تجلس جوارها.. حينها عادت سميرة للبكاء.. مزنة انتظرت حتى أفرغت طاقة بكاءها كاملة..
ثم سألتها مرة أخرى... لتخبرها سميرة بالحكاية كلها بدون أن تخفي عليها أي شيئا فهي فعلا تعبت وتريد حلا نهائيا لمشكلتها..


مزنة شدت لها نفسا عميقا ثم سألت بحزم: سميرة يأمش بأسألش وجاوبيني..
أنتي ماتبين قرب تميم نفسه عشان الجرح اللي بينكم أول..؟؟
أو أصلا ما أنتي متقبلة قرب رجّال وخايفة منه..؟؟
لأنه يا سميرة يامش إن كنتي حاسة إن فيش خلل.. ترا مافيها شيء نراجع دكتورة نفسية.. هذا علم!! وأنا باوديش وماحد راح يدري بشيء..

سميرة بجزع: دكتورة؟؟ لا لا يمه..

مزنة تحاول تهدئتها: لا تخافين والله ماحد يدري بشيء..

مزنة تؤمن فعلا باهمية العلم ولا ترى مشكلة في اللجوء للطب النفسي كعلم.. فهي من كانت أقنعت أم عبدالرحمن أن تسمح لجوزاء بالذهاب لطبيب نفسي رغم أنها كانت رافضة بشدة وتقول "بنتي مافيها شيء!!"

سميرة انفجرت في البكاء وهي تهمس بين شهقاتها: والله أني أبيه.. وما ني بخايفة منه ولا من فكرة قربه مني..
بس يوم أشوفه جاء جنبي ما أدري وش يصير لي..
حيا.. زعل .. تغلي عليه.. ما أدري!!

مزنة بمنطقية هادئة: اسمعيني سميرة.. يوم كنتي مطنشته مرة واحدة.. كان راضي لأنه يعرف إنش ماسامحتيه على غلطته..
بس أنتي عقب صرتي تقربينه.. والرجال يأمش مهوب حجر..
وصعب عليه يمنع نفسه خصوصا يوم تكونين أنتي معطيته الضوء الأخضر وعقب عند حد معين تبين توقفينه..
السالفة مهيب لعبة.. وواجد توجع الرجال..
الحين بأسألش سؤال محدد ومافيه داعي تلفين وتدورين.. أنتي تبين تميم وتبين ترضينه وإلا لأ..؟؟

سميرة بين سيول دموعها: والله أني أبيه.. بس هو الحين اللي هج مني ويقول مايبيني.. ولا حتى يبي يقعد معي في غرفة وحدة..

حينها هتفت مزنة بحزم: خلاص قومي جهزي شنطتش وروحي لبيت هلش..

سميرة بجزع: نعم..؟؟ بس أنا ما أبي أروح لبيت هلي.. ما أبي..

مزنة بدهاء: يا الخبلة.. هو قالش روحي وما أبيش.. تبين ترخصين روحش..؟؟

سميرة تبكي: بس أنا الغلطانة.. وما ابي أروح..

مزنة بذات الدهاء: ياصبر أيوب عليش.. الرجال مثل ماهو مايبي مرته تتغلى عليه..
تراه مايبيها ترخص روحها له..
يعني ترا التصرف الطبيعي اللي هو متوقعه منش إنش بتزعلين صدق وبتروحين لهلش..
يعني هو يبي يكبر السالفة.. خليها تكبر!!
لكن هو مافكر في توابع ذا الشيء... البيت بيخلا عليه بروحه..
لأني لو رحتي.. بأخذ بنتي وضحى عندي.. ما أقدر أخليها في البيت بروحها وتميم طول اليوم طالع..
بنقعد عند إبي لين الليل وعقبه بنروح..

الشيء الثاني يا الخبلة.. الولد يموت عليش.. أنتي ما تشوفين؟؟.. بس مجروح منش ويبي به وقت بس..
أنتو بصراحة يا بنات ذا الأيام أما عندكم عمى ألوان وإلا عقولكم متركبة بالمقلوب..
أنتي الولد ميت عليش وأنتي منتي بعارفة أشلون تعاملين معه..
والثانية رجالها بيموت عليها من أقصاه.. بيّن حتى في عيونه ونظراته لها وهي ولا حاسة..

ثم أردفت مزنة بألم: أدري إنه اللي أسويه في تميم قاسي وهو بروحه موجوع.. ولا هذا بوقته..
بس شأسوي فيكم اللي اخترتوا ذا الوقت بالذات عشان تتزاعلون..
عطيه وقت يفكر بصفاء ذهن..
صدقيني يومين وبيرجعش.. بس ذاك الوقت يا ويلش يا سمور ويا سواد ليلش تصدينه تيك الليلة..

سميرة وكأنها بدأت تقتنع: بس أنا ما أبي هلي يدرون إني زعلانة على تميم..

مزنة تبتسم بأمومة: أصلا أنا ما أبيش تقولين إنش زعلانة.. ولا حد يدري!!
قولي إنش منتي بطايقة البيت عقبي..
مهوب أنتي كنتي مادة لسانش إنش بتهجين من البيت عقب ما أروح؟؟؟
بس تكفين يأمش ريحيه.. خلاص.. كفاية اللي شافه..







*******************************





"علوي.. يأمش وش ذا الرقاد كله؟؟
والتلفون مسكر بعد!!"

عالية تنهض من سريرها بجزع وهي تخفي معالم وجهها المتورم من البكاء..
وتهمس بذات الجزع الشفاف: يمه أنتي طالعة لين هنا بروحش؟؟
كان أرسلتي لي وحدة من الخدامات وأنا نزلت..

أم صالح تجلس بإرهاق وهي تهمس بقلق: أرسلت الخدامة قالت لي إنش مطفية الليتات ومنسدحة وخافت تقومش تغسلين شراعها..
فأنا تروعت لا تكونين تعبانة.. تعالي خلني أعس رأسش.. وجهش مهوب زين!!

عالية تجلس جوار والدتها لتقبل كتفها وتهمس بصوت مبحوح:
تعبانة شوي يمه.. شكلها سخونة..


" يا الله يا أمي.. لو تعلمين أي حمى أصابتني من البارحة لليوم..!!
من المؤكد أني هذيت حتى كدت أصاب بالجنون..
يا الله يأمي.. لو تعلمين كم أشعر بنار محرقة تستعر في صدري وعجزت عن إطفاءها..
نعم حمى!! وحمى حقيقية!!
المسي جبيني ستجدينه مشتعلاً بالحرارة التي اجتاحت كل جسدي..
يا الله.. يــا.......... حتى اسمه ماعدت قادرة على نطقه..
اسمه الذي كان أعذب الاسماء على لساني.. ماعدت قادرة على نطقه حتى
بل لو استطعت لقطعت لساني الذي همس له بكلمات لا يستحقها..
لو استطعت لأحرقت قلبه كما أحرق قلبي بدون رحمة..
النذل.. النذل..!!
الخائن.. الخائن.. الخائن !!! "


لم تنتبه عالية أنها أصبحت تهذي بصوت مسموع وهي تصرخ بغضب مكتوم وهي تلكم فخذها بقبضتها : الخاين.. الخاين.. الخاين..

أم صالح بجزع: من الخاين ذا؟؟

ثم ابتسمت أم صالح بحنان أمومي وهي تنظر أمامها:
فديت قلبه..وش خاين ذي.. يبي يسوي لش مفاجأة عشان كذا ماعلمش بجيته!!


عالية انتفضت بجزع أنها كانت تهذي بصوت مسموع وهي لا تعلم عن ماذا كانت والدتها تتحدث..
لتنظر هي أمامها أيضا..
لتجده واقفا أمامها تماما.. وهو يهتف بابتسامته الغالية: خاين مرة وحدة يالدبة عشان ماعلمتش بجيتي..!!
الشرهة على اللي يبي يسوي لش سربرايز.. أنتي ووجهش..


حينها قفزت عالية لتتعلق بعنقه وهي تنتحب بشكل جنائزي مفاجئ.. لدرجة أنها انهارت بين يديه وهو يحاول رفعها دون جدوى..
حتى شدها بقوة وأجلسها على السرير وجلس جوارها.. دون أن تترك جيبه وهي متعلقة بحضنه وتدفن كامل وجهها في صدره حتى أغرقت صدره بدموعها

بينما هو كان ينظر لأخته متسائلا: وش فيها؟؟

أم صالح همست بقلق وتأثر بالغين: الله يهداك نايف فجعتها وهي مشتحنة لك.. البنية بغت تستختف.. كان خليتني أعلمها بجيتك أول..

نايف يعلم أن هذا ليس كله تأثرا من لقاءه.. حتى مع قوة علاقتهما ومتانتها.. ولكنها تراه بشكل يومي وهما يتحادثان عبر كاميرا الحاسوب..
لذا هي لم تفتقد رؤيته للدرجة التي تجعلها تبكي بانهيار هكذا!!

همس لأم صالح بنبرة حازمة مقصودة: صافية فديتش.. خلاص تروحين وتخلينا بروحنا شوي؟؟

أم صالح همست بقلق: بس!! بس أبي اشوف وش فيها..

نايف بذات النبرة الحازمة المقصودة: مافيها إلا العافية.. شوي وأنزل أنا وياها نتقهوى معش..

أم صالح خرجت وهي تتعكز على عصاها.. بينما نايف بقي محتضنا لعالية حتى أنهت ثورة البكاء..
حينها شدها بحزم حان ليرفع وجهها إليه: علوي وش فيش؟؟

أخفضت وجهها وهي تهمس بصوت مبحوح: مافيني شيء بس اشتقت لك.. وشفتك فجأة قدامي.. ماقدرت أمسك نفسي..

نايف بنبرة شك: علي يا علوي ذا الكلام؟؟ من متى ذا الحساسية؟؟

عالية عاودت وضع راسها على صدره بسكون وهي تهمس بصوتها المبحوح:
يا قدرة الله... تخيل أنا صرت حساسة.. وغبية.. وكلمة توديني وتجيبني..

نايف احتضنها بحنو: وغير كذا.. وش عندش مخبى؟؟
خلينا من الأونطة لأني ما أكلها.. حطي عليها شوي بهارات وملح يمكن تنبلع بس مالغة كذا مستحيل..

عالية همست بسكون صادق: مضغوطة بس يانايف من أشياء كثيرة وتعبانة ومسخنة..
وشوفتك هزتني واجد.. لأني فعلا كنت محتاجة وجودك جنبي.. وبس..

نايف ابتسم: زين صدقناش.. خلني أستانس أنش بكيتي عشاني واحطها في التاريخ..
ولو أنه الظاهر أنش تبين تمثلين على عبدالرحمن دموع التماسيح..
المسكين تخيلي لقيته قاعد في مجلسكم بروحه ماعنده حد غير المقهوين..
والمقهوين يقولون إنه جاي من صبح.. ويبي أبو صالح بس مالقاه.. ومصمم ينتظره..
قلت له بأسلم على هلي وأجيك..
ثم ضحك نايف: يوم قلت له بأسلم على هلي.. حسيت وده يقوم ينط من الكرسي ووجهه فيه حكي..

عالية حينها قفزت وهي تهمس بقلق عميق لنايف: خلاص نايف انزل لأمي شوي وأنا جايتك الحين.. بأغسل وجهي..

فور أن خرج نايف فتحت هاتفها.. عشرات الرسائل... أولها قلق مليء بالقلق واللوعة.. والرجاءات العميقة أن تطمئنه عليها
وأخرها غاضب محمل برائحة تهديد أنه سيتصرف تصرفا لن يرضيها لو لم ترد عليه..

عالية بدأ ذهنها العملي المتفوق يعمل على عدة جهات...
لماذا أتى؟؟ يريد أن يطلقها ؟؟أو يخبر والدها بما حدث..؟؟ او حتى يقهرها حين يجبرها على مواجهته بحجة الرؤية الشرعية؟؟

لن ترضى بأي خيار من هذه الخيارات.. لن ترضى.. على الأقل حتى تنفذ مخططها..!!

وستعرف كيف ستنتقم من هذا الخائن على مافعله بها وهو يمتهن مشاعرها..
ويستغلها بكل حقارة وجبن يغلفها بمثاليته السمجة التي لا معنى لها!!
سيدفع ثمن الحرقة التي لم تذق مثلها في حياتها كلها وهو يحطم قلبها بكل قسوة..
وكل ذنبها هو حبها له!!
هذا هو كل ذنبها!!


عالية تناولت هاتفها لترسل له:

" عبدالرحمن لو سمحت لا تدخل حد في مشاكلنا..
خلني لين أروق شوي وعقبه نتفاهم!!"

وصلها رده خلال ثوان:
"كلميني!!"

عالية أرسلت له:
" عبدالرحمن أرجوك.. كفاية اللي سويته فيني البارحة
ترا الذبح في الميت حرام..
خلني لين أروق..
حرام يعني؟؟.. وإلا لازم تقهرني عشان ترتاح؟؟"


عبدالرحمن كان مازال جالسا في مجلسهم في انتظار إبي صالح وبرأسه مخطط ما
فهو لم يستطع أن ينم مطلقا وقلقه عليها يمزقه..
لم يرد أن يسال جوزا عنها لأنه خاف أن تخبر عبدالله وخوفه هو على عالية وليس على نفسه.. فختاما فهو رجل ولن يُحاسب على شيء..
والحساب كله سيكون لها!!

حينها وصلته رسالته.. عاجز عن وصف إحساسه حين وصلته..
الأمر أصبح معقدا جدا بينهما..
ظنها ستتقبل مثاليته المندثرة غير المعقولة..!!
ظنها ستفهم لماذا سيفعل ذلك!! وظنها ستتقبل صراحته معها!!
كان يعلم أنها ستغضب لابد.. ولكن ليس إلى درجة تجريحه بقسوة!!
وفي ختام الأمر كانت هي كل ما أشغل باله!!

حين قرأ رسالتها.. لا يعلم فعلا كيف يصف إحساسه.. أراد أن يسمع صوتها..
مثقل بالوجع واليأس والعشق والألم اللامتناهي..
وإحساس العجز دائما يزيده إحاسيسه قسوة وحدة..

وحين وصلتها رسالتها الثانية.. التفت لأمجد وهتف بإرهاق:
يا الله يا أمجد.. اتصل في السواق وخله يشغل السيارة وينزل.. عشان تشلوني للسيارة..
بنمر المسجد أول.. ماعاد باقي على صلاة الظهر شيء!!






**************************************





كان يجلس عند علي النائم وذهنه مشغول تماما منذ عاد من صلاة الظهر
كما هو مشغول منذ الصباح!!

الآن في وضح النهار.. وأشعة الشمس.. يتذكر بوضوح جلي ليلة البارحة الأسطورية..الحلم غير المعقول!!
يتذكر كل ماحدث.. كل لمسة.. كل همسة!!
وهذا التذكر أرهقه واستنزفه لأبعد حد..

البارحة لشدة وطأة مشاعره عليه.. شعر كما لو كان في غيبوبة.. غيبوبة لذيذة.. قاسية.. جارحة.. عذبة..

ليس نادما مطلقا على بوحه بمشاعره.. فهو كان يحتاج فعلا لهذا البوح حتى يرتاح!!
ولكنه يخشى نتائج هذا البوح على مزنة.. مزنة الحالية!!

بوحه لها بمشاعر لم تعد لها.. بل هي لمحبوبة في خياله هي كل مابقي منها!!
وربما لو تكرر هذا الموقف مرة أخرى.. لن يتردد في البوح بمشاعره بذات الطريقة..

لا يعلم أي تعارض وتناقض هذا!!

ولكن يبدو أن التناقض سيصبح أحد ملامح علاقته بزوجته الجديدة!!

تماما كما يشعر الآن بعدم الرغبة في رؤيتها لأنه حين يراها رؤيتها ستجدد جروح اختفاء مزنة وملامحها..
وفي ذات الوقت يشعر برغبة عارمة أن يراها..

وإن كان يعلم تماما لماذا لا يريد أن يراها.. فهو لا يعلم لماذا يريد أن يراها!!
هل يريد تعذيب نفسه على الجهتين.. خائن لمزنة وقبل ذلك لوسمية!!

" يا الله ماكل هذا التعقيد!! "

والأغرب أنه يريد الاتصال بها.. حتى يخبرها أنه لن يعود إلا في الليل.. من باب الذوق واللباقة!!
ولكنه عاجز عن سماع صوتها.. عاجز عن سماع همسها ينسكب في أذنه مباشرة..
مع أنه أخذ رقمها اليوم صباحا قبل أن يخرج على أنه سيتصل بها!!

تنهد وهو يتناول هاتفه ويتصل بها.. فهو يعلم أن عدم اتصاله بها سيظهره بظهر غير لبق إطلاقا.. وخصوصا أنه اتصل بمزون عدة مرات..
فكيف لو كانت جوارها وهو لم يتصل بها أبدا ؟!!

اتصل بها.. حينها كانت تعود للتو بعد أن أوصلت سميرة لبيت أهلها..
وطلبت من وضحى أن تجهز لها عدة غيارات لأنها ستنام عندها الليلة
حتى تعود سميرة المرهقة نفسيا من غياب مزنة!!
على أن تعود مزنة لبيت أولادها العصر قبل خروج تميم..
حتى تكون مع وضحى.. التي عاد لها تميم الآن!!

كانت مزنة تريد استبدال ملابسها لتبحث عن كاسرة التي لم تريها وجهها اليوم..
حينها اتصل بها زايد.. ردت بهدوء عذب: هلا أبو كساب..

صمت لثوان.. يبدو أن معجزة صوتها سيبقى عاجزا عن تجاوزها.. ثم هتف بثقة:
هلابش.. أشلون الوالد وبناتش يوم جيتهم اليوم؟؟

مزنة بذات الهدوء الواثق العذب: طيبين طاب حالك.. وترا وضحى تبي تجي عندي يومين بعد أذنك..؟؟

زايد بأريحية: لا تشاورين في حلالش.. حياها الله..
ثم أردف بثقة باسمة راقية: زين تراني بتأخر لين الليل... بعد أذنش طبعا!!

ابتسمت مزنة: مرخوص.. طال عمرك.. وسلم لي على علي..



" حلوة ذي (بعد أذنش) يبه.. ممكن نستفيد منها عقب!!"

زايد يلتفت على علي ويبتسم: الظاهر كساب صادق إنك سكني..
أو أنك أساسا ما ترقد وقاط أذنك..

علي اعتدل جالسا وهمس بابتسامته الصافية: مستعد أروح في غيبوبة كل ماكلمتوا المدامات أنت وولدك..
بس علمني وش صار البارحة؟؟

ابتسم زايد بفخامة: إذا سألتك أنا عقب أسبوعين وش صار البارحة؟؟
يحق لك تسألني ..
اللقافة شينة يا أبيك!!





*************************************





دخل إلى جناحه بحذر وهو يحمل كيسا فخما في يده.. بحث عنها في أرجاء الجناح فلم يجدها.. لكنه سمع صوت ماء الاستحمام في حمام غرفة النوم..

قرر أن يجلس في انتظارها حتى تخرج.. لولا أنه قاطع قراره طرقات على باب الجناج الرئيسي..
فتح الباب ليجد عمته أمامه.. قبل رأسها وهو يهتف بمودة حقيقية:
ألف مبروك يمه..

مزنة أجابته وهي تنظر لما خلف ظهره: الله يبارك فيك..
وأنت بعد مبروك.. وينها العروس اللي ما ترد على اتصالاتي؟؟

كساب هتف بثقة: تسبح.. والتلفون من البارحة وهو هنا في الصالة..

مزنة بنبرة مقصودة: وياحرام مالقت وقت حتى تبلغني بقرارها بالرجعة!!
أو أنت وإياها ماعاد تعرفون السنع.. اللي براسكم تسونه ماكن لكم كبير تردون له الشور حتى..

كساب بحزم بالغ: يمه عندش كلام يوجع.. قوليه كله لي.. كاسرة مالها ذنب..
أنا ضغطت عليها عشان ترجع لي..
وكفاية اللي أنا سويته فيها.. يعني لا تزيدينها عليها..

مزنة بغضب حازم: وأنت يعني سحبتها غصبا عنها..؟؟ لو أنها ما تبي ترجع ماكانت رجعت..
بنتي وأعرفها..
يا ولدي أنا وش أبي أساسا؟؟ ما أبي إلا مصلحتكم وإنها ترجع لبيتها..
بس أنت وإياها مضيعين السنع كله..

كساب عاود تقبيل رأسها وهو يهتف بلين مدروس: دامها مايهمش إلا مصلحتنا
فخلش من المظاهر اللي مالها داعي.. المهم إنها رجعت وفي بيتها..
بس طالبش يمه ما توجعينها في الحكي..

مزنة بحزم وهي تغادر: ماعليه يأمك.. اسمح لي.. ما تقدر تردني إني أعلم بنتي السنع إذا هي ما تعرفه..
إذا طلعت من الحمام خلها تجيني..


كساب عاد للداخل.. كانت تخرج للتو من الحمام..
شعرها المبلول يتناثر على كتفي روبها..
وخداها محمران تماما.. كخدي طفل لفحتهما الشمس..
جسدها يرتعش بخفة غير ملحوظة..

أشاحت بوجهها حين رأته.. بينما كان كل ما يتمناه أن يشدها إلى حضنه ليمسح النظرة اليائسة التي شعر بها تنحره على أطراف أهدابها..

جلست على طرف السرير وهي تتجاهل وجوده..
جلس جوارها وهو يمدها بالكيس الذي كان معه..
لم تتناوله منه.. فاستخرج العلبة المربعة الفخمة التي كانت فيه!!
وضعها في حضنها وهو يهتف بهدوء حازم مختلط بالأريحية: هذي رضاوتش..

أجابته بسكون بارد ودون أن تنظر ناحيته: ما أتذكر إني رضيت عشان تجيب لي رضاوة..

رأى أنها يبدو أنها لن تفتحها مطلقا.. لذا فتح الغلاف بنفسه وهو يستخرج العلبة التي بدأ على سطحها اسم ماركتها الاستثنائية ..
ثم استخرج السوار الماسي الثمين جدا.. الذي أختلطت فيه الماسات الشفافة بالألماسات السوداء..
كانت تعلم يقينا أنه يتجاوز على الأقل سعر هدية جميلة التي أثارت غيظها وغيرتها.. بضعف السعر.. إن لم يكن الضعفين..

ألبسها السوار بنفسه في معصمها.. لم تمنعه..
ولكنه حين انتهى.. خلعته وأعادته في العلبة وهي تهمس بحزم بصوتها المرهق:
آسفة ما أقدر أقبله.. رجعه.. بيعه.. تبرع فيه.. لأنك أكيد محتاج لثواب التبرع..

كساب هتف بغضب: نعم؟؟ أرجعه؟؟ لمعلوماتش يامدام الأسوارة هذي انطلبت لش مخصوص من برا الدوحة..
أما التبرع.. ترا مهوب أنتي اللي تدخلين بيني وبين ربي.. لأنه هو اللي يدري باللي أتبرع به.. وما أتبرع عشانش ولا عشان غيرش..
لكن لأنه حق ربي علي.. اللي أنعم علي بفضله..ولئن شكرتم لأزيدنكم..

همست بذات الإرهاق العميق: زين جيب لك حيوان أليف.. سكّر عليه معي في الغرفة .. ولبسه إياه في رقبته..
وش الفرق بيني وبينه؟؟

أنهت عبارتها الموجعة ثم وقفت.. فغضب وهو يهتف بذات الغضب: أنتي متى بتعرفين السنع وأشلون تحترمين رجالش؟؟

ثم عاود شدها لتجلس .. لتلسعه حينها حرارة يدها فهو حين ألبسها الأسوارة بالكاد لمس يدها لذا لم ينتبه لحرارتها..

مد يده ليلمس جبينها.. أبعدت وجهها عن مدى يده.. لكنها شدها ليلمس جبينها..

انتفض بعنف وهو يهتف بقلق حقيقي: قومي ألبسي عباتش أوديش المستشفى.. أنتي مولعة..

همست حينها بتهكم موجوع وهي تتمدد على جنبها على السرير فجسدها مهدود تماما:
مولعة؟؟
أشلون عرفت؟؟
تصدق أنا أصلا لوح ثلج.. لا عنده إحساس ولا مشاعر ولا كرامة ولا شيء..
أبد اسحبه من مكان لمكان..
بس لو ذاب.. لا تشره عليه.. ماحد يشره على لوح ثلج..!!

كساب بغضب يحركه فيها لوعته عليها: يالخبلة يأم الفلسفة الفاضية.. قومي نروح المستشفى..

كاسرة بسكونها المعذب: مافيني شيء.. وعلى العموم ليش تطلب مني..
شيلني مثل البهيمة اللي مالها شور.. ودني المستشفى.. ودني المسلخ.. ماتفرق!!

حينها ألقى غترته جواره ثم تمدد جوارها ليحتضنها من ظهرها.. شعر بحرارة جسدها تنتشر في كل نواحي جسده..
لم تمنعه من احتضانها.. تعلم أنها لا تستطيع مقاومته وهي بكامل قوتها فكيف وهي خالية تماما من أي طاقة..
لذا همست بسكون مثقل بالألم: كساب خلني.. ما أبيك تلمسني ولا تجي جنبي..
حرام عليك تفرض علي كل شيء عشان ربي عطاك قوة ما أقدر أجاريها..

حاول ان يفلتها.. بل حاول جاهدا.. ولكنه لم يستطع.. لذا همس في عمق أذنها بحنان عميق:
امشي معي المستشفى وأهدش.. كاسرة حرام عليش نفسش ..أنتي تعبانة واجد!!

همست حينها بحزم ويأس وهي تحاول أن تزيح ذراعيه عن خصرها:
قلت لك هدني.. وما أبي أروح معك مكان..

حينها نهض.. ليتوجه لجناح والده ويطرق على مزنة الباب حين خرجت هتف لها بحزم:
كاسرة تعبانة واجد.. وما تبيني أوديها للمستشفى..
وديها أنتي لو بتوافق..

مزنة تفجر وجهها بالقلق: تعبانة وش فيها؟؟

كساب بذات النبرة الحازمة التي تخفي خلفها قلقا شاسعا: روحي شوفيها..
لو وافقت أوديكم هذا أنا قاعد تحت.. لو ما تبيني كلمي السواق..

مزنة أوقفته وهي تمسك بعضده: يأمك وش صاير بينك وبينها؟؟
يعني حتى يوم رجعت لك ما تبون ترتاحون وتريحون..

حينها هتف بعمق حازم مثقل باليأس والألم:
الظاهر يمه أنا وياها عندنا هواية تعذيب الذات!!

مزنة توجهت بسرعة لغرفة ابنتها.. دخلت بخطوات سريعة لتجدها متمددة على سريرها وهي ترتعش من الحمى..
فشدة القهر والكبت الذي لم تستطع التنفيس عنه تحول لحمى فعلية اخترمت كل نواحي جسدها..

مزنة انحنت عليها وهي تزيح شعرها المبلول عن جبينها لتلمس جبينها المشتعل
لم تسألها عن شيء.. ولن تعاتبها على شيء..
يكفيها النظرة اليائسة الدامعة التي أطلت من عينيها حين أبصرت أمها لتنحر روحها الأمومية بالقلق والحزن..

مزنة فتحت الدولايب بسرعة وهي تستخرج ملابس لها.. وتساعدها على ارتداءها بينما كاسرة تهمس لها بما يشبه الهذيان:
ما أبي كساب يودينا.. ما أبي كساب يودينا..
كله منه.. كله منه.. قهرني يمه!! قهرني يمه!!

مزنة بحزم وهي منهمكة في إلباسها: بنروح مع سواق البيت.. الله يصلح بينش وبين رجالش.. وش ذا الحالة!!





*************************************





" تغدى معي.. وإلا ما تبي تقعد معي على السفرة؟؟"

كانت هذه إشارة وضحى لتميم الذي دخل للتو..

أشار لها وهو ينظر حوله: باتغدى معش من غير تلميحات سخيفة..
وين الباقين؟؟

وضحى بنبرة مقصودة: أي باقين؟؟ ليش ما تقول وين سميرة؟؟
فيه غيرها معنا في البيت؟؟
وعلى العموم سميرة راحت بيت أهلها..

حينها أشار تميم بجزع: نعم؟؟ راحت بيت أهلها..؟؟
ثم تراجع بسكون: خلاص خلهم يحطون الغدا.. دقيقة أبدل وأنزل..

صعد الدرج.. ولكنه لم يذهب لغرفته الجديدة.. بل صعد إلى غرفته/ غرفتها..
ليفتح الأدراج والدولايب كالمجنون..
بالفعل كانت أخذت الكثير من ملابسها..
ولكن مالم يعلمه.. أن هذه الملابس بقيت في غرفة مزنة.. بينما هي لم تأخذ معها سوى حقيبة صغيرة فيها غيارات قليلة..

تميم انهار جالسا على طرف السرير..
لمح مخدتها كانت متسخة تماما بالكحل المختلط بدموعها التي أشبعت فيها ثنايا المخدة البارحة..
مسح على المخدة بيأس: يعني سويتيها يا سميرة؟؟.. سويتيها!!
هنت عليش أول وتالي!!


" وش تبيها تسوي زين؟؟
وأنت تقول لها أنا قرفان منش وروحي بيت هلش..
أي وحدة عندها كرامة مستحيل تقعد!!"


" بس أنا كنت تعبان.. تعبان.. وهي ما تبي ترحمني.. ماتبي ترحمني..!!
والله العظيم كانت شوفتها قدامي تكفيني
بس هي اللي ما كفاها الحدود اللي كانت حاطتها
كانت تبي توترني وتختبر صبري بتصرفاتها!!"


" خلاص.. هذي الأطلال عندك.. اقعد وابكي عليها..
وش كنت تبيها تسوي؟؟
تسمع كلامك وتقعد قدامك وبس؟؟"


يا الله ما أكبر هموم هذا الفتى!!
مرهق حتى نخاع النخاع..
مرهق من كل شيء.. من كل شيء!!
ومجروح من الجميع..!!
فهل سيبقى طوال عمره مكتوب عليه هذا الهم؟؟





**********************************




" أما إنش غريبة... هذا كله شوق لعمتش تهجين من البيت؟؟"

سميرة حاولت تغليف ألمها بابتسامة: وأنتي وش عرفش.. خلش في كرشش؟؟
وبعدين اسمها خذت تايم آوت وبس..
يومين وبأرجع.. أنتي وش حارق بصلتش؟؟

نجلاء تبتسم: عدال وش يحرق بصلتي؟؟ بس مستغربة.. صحيح أنا أحب أم صالح وأموت عليها..
بس عادي لو عرست على عمي أبو صالح.. وأنا في البيت.. بأكبر مخدتي وأرقد!!

سميرة اغتصبت ابتسامة.. فبالها ليس للمزاح إطلاقا:
هذي آخرتها.. زوجي عمتش..

نجلاء تقف لتخرج من غرفة سميرة وهي تهتف بتأفف باسم:
صدق إنش قافلة وتجيبين النكد..
بأروح أدور غنوم أحسن لي من وجهش..
صار لي يومين ما شفته رجّال مزينة...

فور خروج نجلاء قفزت سميرة لتغلق الباب ثم عادت لتندس في فراشها وتنهمر ببكاء موجوع مثقل بالأنات المكتومة..
فهي أيضا كثير كل هذا عليها!!
أما آن لها أن ترتاح من هذا الهم الذي لا ينجلي سواد ليله!!
وألمها الاكبر هو من أجل تميم ليس من أجل نفسها..
فهو الآن وحيد في البيت.. مثقل بالهجر والياس والوحدة!!
نفسها تتمزق عليه ومن أجله!! تتمزق تماما!!






********************************





" عمتي وكاسرة رجعوا؟؟"

مزون تنظر لملامح كساب المعقودة بقلق وتهمس بهدوء: رجعوا من بدري..
مرتك في غرفتها.. وعمتك راحت لأبيها..

سألها بذات القلق: زين وش قالوا لها في المستشفى؟؟

حينها تساءلت مزون بدهشة: ليه أنت ما سألت عنها ولا اتصلت بها؟؟

كساب هتف بغضب: كم مرة قايل لش لا تجاوبين عن سؤالي بسؤال..

مزون شدت لها نفسا عميقا: حمى.. وحرارتها عالية.. وعطوها إجازة ثلاث أيام..
ثم أردفت بنبرة مقصودة: وتوني طليت عليها لقيتها نايمة..
عمتي وصتني عليها لين ترجع.. بس بما أنك جيت خلاص الوصاة انتقلت لك..


كساب شد له نفسا عميقا جدا.. وهو يصعد درجات السلم..
كان لديه اجتماع عمل مهم ألغاه حتى يستطيع العودة للاطمئنان عليها!!

كانت غرفة النوم تغرق في أضواء خافتة.. فالوقت كان بين العصر والمغرب..
والإضاءة مقفلة..
وبدا له الجو مقبضا للقلب.. وهو يدخل باحثا عنها..

بالفعل كانت نائمة.. جلس قريبا منها وهو يتمدد نصف تمدد.. وهو يتحسس حرارة جبينها بشفتيه..
كانت دافئة بالفعل.. أدخل ذراعه تحت كتفيها ليجلسها وهو يهمس قريبا من أذنها بحنان:
كاسرة قومي.. مهوب زين النوم ذا الحزة..

كانت خادرة تماما وجسدها مستنزف من الحمى وهي تتعلق بجيبه لا إراديا..
شعر أن قلبه يذوب مع دفء أنفاسها التي كانت تلفح عنقه..
همست بصوت مبحوح تماما: وين أمي؟؟

أجابها بحنو وهو يشدها لصدره بحنان بالغ: راحت لجدش وبتجي الحين..
تبين أجيب لش شيء..؟؟

أسندت كفها في منتصف صدره لتبعده عنها وهي تهمس بإرهاق:
أبيك تخليني في حالي وبس.. وما أبيك تجي جنبي حتى..
دامك سويت كل اللي في رأسك.. وفرضت وجودك علي..
فلا تفرض نفسك على جسمي بعد.. لأن هذا شيء خاص فيني..

أفلتها مجبرا وهو ينزلها برفق.. لتنهار مرة أخرى على مخدتها..
شعر أن قلبه يتمزق بكل معنى الكلمة وهو يرى مهرته ذاوية هكذا..
وهو عاجز حتى دفنها في صدره عله يستطيع سحب كل هذه الحرارة لجسده هو..
هو سيحتمل الحرارة والحمى والمرض..
ولكن جسدها اللين لن يحتمل.. لن يحتمل!!

لا يعلم هل مسترخية أو نائمة.. ولكنه لم يستطع تركها لوحدها وهي على هذه الحالة..
لذا قرب مقعده منها وبقي يراقبها..
وكل لحظة تمر تزيد في عذابه أكثر وهو يراها هكذا ولا يستطيع أن يعبر لا بالجسد ولا باللسان..

حتى حضرت مزنة.. حينها وقف وهو يوصيها عليها..
ثم خرج وهو يشعر كما لو كان هو مريضا أيضا فعلا!!






*****************************





" يمه.. أدري أنش الليلة خلصتي الأربعين
وعندش مخططات..
بس أنا أبي متى بنروح نسلم على خالتي مزنة عشان نودي لها هديتها"

ارتعشت يد عفراء التي كانت تحدد شفتيها بمحدد الشفاة لتخرج خارج حدود شفتيها..
" يعني أنا أحاول أنسى وأنتي تذكريني بذا الوجيعة؟!!"

همست عفراء بجمود ألمها وهي تمسح الخط الذي خرج خارجا: ماعليه يأمش لاحقين خير..

ابتسمت جميلة وهي تقبل زايد بين يديها: زين ترا زيود خلاص بينام عندي في غرفتي الليلة..

عفراء تكمل زينتها وهي تهمس برفض: لا يامش.. ماعليه.. ما أقدر..
خليه عندش كثر ما تبين.. بس في الليل يرقد عندي..

جميلة تبتسم: يمه بس الليلة.. سوي لعمي منصور سربرايز عدل..
عاد سربرايز وزيود مأساة مو سربرايز..





****************************************





" يا الله شوفي أنا مستحيل أخليش
لين تقولين لي أنتي وش فيش؟؟ منتي بطبيعية أبد
بتدسين علي يعني؟؟"

عالية بإرهاق: أنت عازمني تعشيني برا.. عشان تستجوبني؟!!

نايف ابتسم: ألا يا قليلة الخاتمة.. الحين أنا عيت أتعشى عند عطران الشوارب..
عشانش أنتي ووجهش.. وعادش بعد مخيسة النفس..
إنها عوايدش يا بنت خالد.. خياس النفس ذا لا حضرت ماعاد شفتي قدامش..

عالية بذات النبرة المرهقة: تعبانة من اشياء واجد... والله العظيم تعبانة..

نايف حينها هتف بمودة صافية: أفا يا بنت أختي.. أفا..
تتعبين ونايف عندش.. قطي حمولش ولا تنشدين!!

حينها نظرت له عالية بنظرة مباشرة وهي تهتف بنبرة مقصودة:
تقولها من جدك؟؟
وإلا كلمة ومقيولة؟؟




#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

 
 

 

عرض البوم صور #أنفاس_قطر#  
قديم 23-12-10, 12:48 PM   المشاركة رقم: 74
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
VIP




البيانات
التسجيل: Jan 2009
العضوية: 117447
المشاركات: 738
الجنس أنثى
معدل التقييم: #أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 1255

االدولة
البلدQatar
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
#أنفاس_قطر# غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : #أنفاس_قطر# المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع السبعون

 





بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا هلا والله بكل المتواجدين جعل ربي ما يخليني من طلتكم
.
.
ترا نجمتنا اللي معلقة من البارت اللي فات هي للحلوة فيتامين سي..
أدري فيه بنات كثير قالوا عن سر وضحى.. بس فيتامين سي أول وحدة عشان نكون حقانيين :)
مبروك يا سوسو
ولو أنه تكفينا قصايدك عن كل النجوم :)
.
.
بنات يا نبضات قلبي ويا صماصيم روحي.. أنا وحدة منتهية من التعب بكل معنى الكلمة
والله العظيم والله العظيم لو أحاول أوصف أشلون تعبانة ما أقدر أوصف
أول شيء جا تعب ولدي وعقبه البارتات اللي فاتت وحتى بارت اليوم كلها متعبة واستنزفت حيلي وأفكاري ومشاعري
واللي زاد وغطى إنه دوام أبو العيال متغير فالوقت اللي كنت أكتب فيه هو موجود
وهو سم ضروسه يشوفني ماسكة اللاب وهو في البيت :)

بعد أسبوعين بيرجع دوامه يتغير لدوامه الأولي ..

هالأيام خلاص صرت تعبانة لأني صرت أكتب الوقت اللي كنت أنام فيه.. ولاني ما احب أقصر في حق بيتي وفي نفس الوقت ما ابي أقطعكم
فالضغط صار عليّ غير طبيعي...

أدري أنكم ناطرين عرس علي وشعاع على نار..
لكن لو كتبته بهالنفسية والله العالم يمكن أكتب لكم:
وشافها وانصدم وشافته وانصدمت... والسلام ختام :)

فخلوني أرتاح أول...
ثم أكتب على راحتي.. عشان اكتب لكم بارتات تستحق تطلعاتكم اللي أعرف إنها كبيرة..
لأنه والله العظيم والله العظيم إني منتهية من التعب بكل معنى الكلمة..
بأرجع لكم بعد أسبوعين.. وهالمرة أوعدكم إنه إن شاء الله ماراح انقطع لين نخلص الرواية..
ووعد الحر دين!!

وخصوصا إنه الأحداث في هالبارت بتشوفونها متحركة على أكثر من جبهة
فخلونا نمخمخ لكم أحداث ترضيكم وتليق بمستواكم العالي عندي..

موعدنا الجاي إن شاء الله بيكون الأحد
9/ 1/ 2011 الساعة 7 الصبح

.
.
ويا الله البارت 74
بارت طويل وقد بارتين ويارب يعجبكم
ونشوفكم على خير يا وجيه الخير
.
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.

بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع والسبعون





" يا الله شوفي أنا مستحيل أخليش
لين تقولين لي أنتي وش فيش؟؟ منتي بطبيعية أبد
بتدسين علي يعني؟؟"

عالية بإرهاق: أنت عازمني تعشيني برا.. عشان تستجوبني؟!!

نايف ابتسم: ألا يا قليلة الخاتمة.. الحين أنا عيت أتعشى عند عطران الشوارب..
عشانش أنتي ووجهش.. وعادش بعد مخيسة النفس..
إنها عوايدش يا بنت خالد.. خياس النفس ذا لا حضر ماعاد شفتي قدامش..

عالية بذات النبرة المرهقة: تعبانة من اشياء واجد... والله العظيم تعبانة..

نايف حينها هتف بمودة صافية: أفا يا بنت أختي.. أفا..
تتعبين ونايف عندش.. قطي حمولش ولا تنشدين!!

حينها نظرت له عالية بنظرة مباشرة وهي تهتف بنبرة مقصودة:
تقولها من جدك؟؟
وإلا كلمة ومقيولة؟؟

حينها نظر لها نايف نظرة مباشرة أقرب للغضب: وأنا متى كنت أقول كلام ما أقصده؟؟

عالية بذات نبرتها المقصودة: أقصد فيه أشياء ما تقدر تفيدني فيها!!

ابتسم نايف: مثل؟؟

عالية تبتسم بإصطناع: مثل إني متضايقة واجد لأن صديقتي بتتزوج واحد برا قطر
وحتى عرسي ما تقدر تحضره.. ما تتخيل أشلون ذا الموضوع متعب نفسيتي..

نايف باستغراب: ومن صديقتش ذي اللي ما أعرفها؟؟ واللي بتموتين عشانها كذا؟؟
عالية أنتي منتي بصاحية؟؟ وإلا أنا اللي توني بأعرفش؟؟

عالية بضيق وهي تنهمر بعصبية: نايف تبي تخدمني.. وأنا صدق أهمك.. أبيك تأخذها!!

نايف ينفجر ضاحكا: استخفيتي بصراحة.. أنا توني واصل من فرنسا اليوم ترا.. حتى شهادتي مابعد خلصت خليت ربعي يصدقونها..
والعرس آخر شيء أفكر فيه في حياتي..
وأنتي جايتني بذا النكتة البايخة!!

عالية تشد لها نفسا عميقا: اسمعني عدل.. بيت ملك وعندك.. ووظيفة أساسا عندك وأنت رايح تدرس على حساب النيابة العامة..
ليش ماتبي تعرس؟؟

حينها نظر لها نايف نظرة قارصة.. نظرته التي تكرهها لأنها تعلم أنها يكتشف أنها تخطط لشيء ما: عالية من الآخر.. لأن الكلام هذا مايدخل مخي ولا بنص ريال..

حينها انفجرت عالية تبكي بصوت مسموع وهي تحاول كتمان شهقاتها بدفن وجهها بين كفيها..

نايف قفز من مكانه ليجلس جوارها وهو يحاول تهدئتها
ويحمد الله أن المكان مغلق ولكنه لا يكتم الصوت لذا همس لها برجاء: علوي تكفين لا تفضحينا..
وش فيش كل شوي هالة الدميعات.. ما كنتي كذا يا بنت الحلال!!

عالية بين شهقاتها: الخاين النذل الخسيس يبي يأخذ بنت خاله على رأسي..

نايف نظر لها باستغراب: وأنتي وش عرفش لو هو يبي يأخذ بنت خاله؟؟
ذا الكلام ماسمعته عند خالد ولا عياله..

عالية شعرت أنه حصرها في الزاوية ومع ذلك هتفت بين شهقاتها: أخته قالت لي..

ثم شرحت عالية المبررات التي قالها لها عبدالرحمن على أنها مبررات أخته.. ليهتف نايف بحزم أقرب للغضب: بالطقاق.. خله يولي..
بيطلقش ورجله فوق رقبته.. يعني ما يستاهل الأمر إنش تبكين كذا..
أنتي لا بعد عرفتيه ولا عاشرتيه عشان تحزنين عليه كذا!!

عالية بين شهقاتها: بس أنا ما أبي اتطلق.. تبي الناس يأكلون وجهي..
تكفى نايف تزوج بنت خاله.. والله العظيم البنية أنا أعرفها زين وحن ربع..
وهي أساسا ماتبي عبدالرحمن.. بس أخاف يجبرونها.. يعني لا هي مبسوطة ولا عبدالرحمن مبسوط ولا أنا مبسوطة..

نايف بحزم: طيب أنا وش ذنبي في السالفة كلها؟؟ أتورط في عرس غير محسوب عشان خاطرش أنتي ورجالش؟!!

عالية حينها همست برجاء عميق وهي تقبل كتف نايف:
طالبتك نايف.. والله لأحط جميلك على رأسي طول عمري..
وقسم بالله بأنها مهيب ورطة.. لو أنت أساسا تبي تعرس كنت رشحتها لك.
بنت أجواد وأخلاقها عالية ووحدة عقلها موزون وكلمتها ثقيلة..
والله العظيم بتعجبك وعلى ضمانتي...

نايف ممزق بين ضعفه الشديد ناحية عالية وبين عدم رغبته في الزواج فعلا وخصوصا أن هذه هي المرة الأولى التي يرى عالية ترجوه هكذا..
يشعر أنها ستموت من شدة الرجاء والبكاء.. لم يسبق له أن رأى عالية هكذا أبدا..

بينما عالية مستمرة في الانهمار والشهقات وهي تضغط عليه بهما بشدة:
أدري أنك ما تبي تعرس الحين.. بس أنت مصيرك بتعرس..
بس وش عقبه؟؟ عقب ما تدمر حياتي أنا.. والبنت راحت.. ولا حد منا مبسوط..

هتف نايف بتردد وهو يسب نفسه على ضعفه أمامها: زين عندها استعداد تتحمل خواتي؟؟

عالية قفزت لتقبل رأسه: لو ما تحملتهم ماحد راح يتحملهم غيرها..

هتف بابتسامة: زين عطيني وقت أفكر..
أبكي وجهش ما أغلاش.. اللي بأورط روحي ذا الورطة عشانش..

عالية حينها همست بحزم بصوتها المبحوح من البكاء فعلا:
لا.. تبي تتم جميلك.. تروح تخطبها بكرة وتملك على طول..
والعرس براحتك متى ما بغيت..






******************************************





" جميلة وين أمش؟؟"

جميلة كانت تجلس في الصالة السفلية وبيدها زايد الصغير الذي أعاده لها منصور بعد أن خنقه بكثرة القبلات..
و كانت تنظر لمنصور وفي عينيها شقاوة محببة وهمست بخبث لطيف:
أمي في المطبخ!!

منصور بدهشة: في المطبخ.. وش تسوي في المطبخ؟؟

جميلة بذات الخبث اللطيف: عصبت على الخدامات والحين تنفض المطبخ.. تنظفه من جديد.. وتقول ماراح تنام هي وإياهم لين يخلصونه!!

لم تكن عفراء طلبت من جميلة أن تقول هكذا لكن هذه كانت اجتهادات جميلة لتصبح المفاجأة مفاجأة فعلا..

بينما منصور همس لنفسه" الظاهر يا منصور من كثر ماتعد الأيام ضيعت الحساب!!"
ثم هتف لجميلة بحنان: خلاص دامها في المطبخ ومطولة.. أنا بأروح يأبيش للمجلس.. تبين شيء؟؟

جميلة بجزع : لا وش تروح للمجلس.. أنت مهوب كنت تقول تبي تعلمني رماية ورني السلاح زين..

منصور يبتسم: بس أنتي قلتي ما تبين..

جميلة بإصرار: بلى أبي.. بس روح جيب السلاح وتعال تكفى عمي..

منصور بذات الابتسامة: زين خلاص أنتي تعالي وأوريش إياهم كلهم لأنه السلاح اللي عندي واجد..

جميلة بذات الاصرار زين أنت اطلع وطلعهم وأنا بس بألف زايد عدل واجيك..

منصور باستغراب: زين هذا زايد ملفوف كنه سندويشة وش تلفينه أكثر من كذا..

جميلة بتأفف عذب: لا حول ولا قوة إلا بالله ياعمي.. وش فيك صاير عنيد كذا!!

منصور ابتسم: لأني أساسا عنيد... يعني طبعي وإلا باشتريه؟؟

حينها وقفت جميلة معه وهمست بابتسامة: الله يعين أمي عليك وعلى يباس رأسك..
يا الله امش نطلع..

حين وصلا لمنتصف الصالة العلوية همست جميلة بتذكر تمثيلي: يوه عمي بأروح لغرفتي بسرعة وأجيك.. نسيت الماي مفتوح هناك..

منصور توجه لغرفته وهو يبتسم: وش فيها ذا البنية الليلة مهيب طبيعية؟؟



حين فتح باب غرفته علم أن الليلة كلها غير طبيعية.. فالغرفة كانت تعبق في أجواء دافئة عطرة بإضاءتها الخافتة المختلفة وبالعشاء المضاء بضوء الشموع في زاوية غرفة الجلوس..

ابتسم وعيناه تبحث عنها.. فكل الرتوش هذه لا تهمه.. ولكن اهتمامه كله بآسرته!!
نادى بجزالة: عفرا صدق لا تكونين في المطبخ!!

عفراء خرجت من غرفة التبديل حيث كانت تضع التعديلات الأخيرة على شكلها.. وهي تهمس برقة: أي مطبخ؟؟

أشبع عينيه نظرا لها.. مشتاق لها حتى وهي جواره.. لا يعلم ماذا كان سيفعل لو كانت مثلا والدتها حية وأرادت أن تقضي النفاس عندها..!!
فهو بالكاد احتمل بعدها وهي إلى جواره!!

كانت آسرة فعلا بفستان كريمي من الشيفون على الطريقة الرومانية قصير من ناحية وطويل من ناحية أخرى..
اقترب كما لو كانت حلما يريد التأكد منه..!!

شد كفها ليجلسها ثم يجلس جوارها وهو مازال ممسكا بكفها التي غمرها بقبلاته قبل أن يهتف باسما:
كانت روحي بتخلص ما خلصت ذا الأربعين..
وقبل الأربعين ست شهور زعل.. المفروض يعطوني جايزة على صبري..

عفرا مالت لتضع رأسها على كتفه وهي تحتضن خصره وتنتهد من أعماقها تنهيدة حارة مثقلة بالشجن..

منصور احتضنها بحنو وهو يهمس باهتمام حان: عفرا وش اللي مضايقش؟؟ ولا تقولين مافيه شيء..
صار لش كم يوم متضايقة وأنا حاسس فيش؟؟

عفراء احتضنت خصره أكثر وهي تهمس بألم: غصبا عني منصور.. من يوم قلت لي إن زايد خطب مزنة قبل وسمية وأنا مستوجعة..
أختي عاشت معه وهو باله مع غيرها.. موجوعة واجد يا منصور !!

ابتسم منصور وهو يمسح على شعرها ويهتف بعمق: تدرين وش أكبر مشكلة عند الإنسان ؟؟
الأنانية...

أنتي الحين تبين تحاسبين زايد على مشاعر أخفاها في قلبه.. وماله ذنب إنه ماقدر يلغيها أو ينساها..
لكن تنسين زايد وش سوى لوسمية...

أمنتش بالله ياعفرا.. قد شفتي رجّال كان يحشم مرته ويحترمها ويعزها ويقدرها مثل ما كان زايد مع وسمية..

أنتي الحين تبين تحاسبينه إنه حقق حلم تمناه في صباه.. وتنسين وش صار له أيام مرض وسمية.. مابقى مكان في العالم ما وداها له..
أهمل شغله وعياله ونفسه.. وماكان هامه في الدنيا شيء غيرها..
ويوم ماتت الله يرحمها كان بيموت وراها من الحزن.. وعقب ذا كله تبين تحاسبينه على مشاعره عقب ما ماتت وسمية بأكثر من 17 سنة..
وش ذا الأنانية ياعفرا؟؟.. الأنانية تلبق لي.. بس ما تلبق لش..

حينها انفجرت عفراء في البكاء وهي تدفن وجهها في صدره..
متأثرة بشدة من كلام منصور.. ومخنوقة بالحزن من الجانبين..
يالا غرابة البشر الذين يشعرون بأحزانهم ويرفضون الإحساس بأحزان الآخرين!!

منصور هتف بابتسامة: لا تكفين.. مابعد شفت وجهش.. تحوسين الدنيا بالبكا..

عفراء حاولت أن تتماسك وهي تهمس باختناق:
سبحان الله أشلون تكون فيه أشياء بديهية في الحياة.. بس ما نقدر نشوفها لأنه أنانيتنا ما تبينا نشوفها..
وصدقني مع إن كلامك خفف واجد من ضيقتي بس ما أقدر أقول أنه الموضوع بسيط علي أو هين..

حينها ابتسم منصور: يعني لو مثلا أخت وحدة من نسواني اللي قبل.. زعلت عشان أنا خطبتش قبلهم ورجعت وتزوجتش عقبهم.. يكون لها حق؟؟

عفراء انتفضت بجزع حقيقي وهي تبتعد عن حضن منصور قليلا كي تتمكن من رؤية وجهه وهي تهمس بذات الجزع: أنت خطبتني قبل ما تتزوج؟؟

منصور مد سبابته ليمسح دمعة اختلطت بالكحل كانت تتعلق بأهدابها وهو يهمس بحنان: الأصح قرعت على خليفة.. بس زايد ما رضى..

صمتت عفرا.. لا تستطيع أن تقول أنها حزينة لأنها لم تكن لمنصور منذ البداية.. رغم أنها تشعر الآن كما لو كانت له وحده منذ الأزل.. وأنها لم تكن أبدا لرجل قبله..!!

ورغم تجربتها القصيرة والمشوشة مع خليفة.. ولكنها لو عاد بها الزمن لفعلتها مرة أخرى
لأنه نتج عن هذه التجربة (جميلة) وهي كان يستحيل أن تضحي بوجود جميلة في حياتها مقابل أي شيء!!

ولكنها همست بشفافية بالغة: ما أدري منصور.. عمري ما حسيت إنك تبيني..
أحيانا كنت أشك أنك عارف إني موجودة معكم في البيت..

ابتسم منصور بشجن مرح: سبحان الله.. تنهين الإنسان عن شيء فيجن جنونه فيه..
أنا بصراحة كنت لاهي عنش.. لين حذرني زايد منش..
قال لي لا عاد تدخل داخل البيت كلش..عشان عندنا بنت كبرت وتستحي ما يصح إنك تشوفها..
فأنا تعجبت من البنت ذي؟؟.. عفيرا البزر صارت تستحي..!!
واكتشفت إن البنت كبرت واحلوت وأنا مادريت..
فصار مالي شغلة إلا أني إبي أشوفش وبأي طريقة وبس.. الظاهر أنا وأخي عندنا ذا الشيء في الجينات الوراثية!!

عفراء مصدومة بالفعل.. صدمة غاية في الشفافية والتأثير:
منصور عمري ما انتبهت لذا الشيء.. بالعكس أنت كنت جدي بزيادة وشايف نفسك..
أنا كنت أخاف منك أكثر ما أخاف من زايد..
منصور أرجوك.. مهوب تنصب علي في سالفة مثل ذي.. قلبي بدا يوجعني!!

منصور قبل رأسها وهو يبتسم: قلبش يوجعش الحين.. عقب ما آجعتي قلبي سنين!!
تدرين عاد مشكلة التكبر الله يكفينا شره.. وبعدين بصراحة أنا كنت أستحي..
وش تبين أسوي وأنتي ما تشوفيني إلا وتنزلين رأسش كني باكلش..
كنت بأموت وأشوفش بس ترفعين عيونش فيني.. ولحد الحين وأنتي نظرة العيون ذي تشحين فيها عليّ..

عفراء تشعر بتأثر متعاظم: منصور حرام عليك تسوي فيني كذا..
بروحي متاثرة من أشياء واجد ومشتاقة لك.. وحاسة بالذنب عشانك.. وتجي تقول لي كذا!!

منصور يبتسم وهو يتنفس بعمق عطر شعرها الذي يغمره بقبلاته: أما عاد الذنب.. طالبش تحسين فيه..
ست شهور يا الظالمة ناسيتني.. ما تقولين رجّالي مسكين مستوحش في البيت بروحه.. لا أنيس ولا حد يراده الصوت..

حينها ابتسمت عفراء بشفافية: لا عاد يا أبو زايد لا تعيرني بعيارتك وتركبني حمارتك.. أنت اللي ما سألت عني..
ما تقول مرتي وحامل وتعبانة ولا حتى تدق علي مرة ولا بالغلط..

منصور يحتضنها بكل قوته كأنه يريد إخفائها بين ضلوعه ويهمس بعمق شفاف:
خوش وقت نتعاتب فيه..!!

عفراء تهمس بعذوبة مثقلة بالمشاعر ووجهها مختبئ في صدره:
زين خلنا من العتاب.. صدق منصور كان في قلبك مشاعر لي قبل تتزوج
وإلا تنصب علي؟؟..تكفى تجاوبني بصراحة..
لأني لمعلوماتك.. وعشان تعرف أشلون الإنسان أناني..
أموت من الغيرة كل ما طرا علي أنك كنت متزوج قبلي ثلاث..

شده أكثر إلى حضنه وهو يهمس بعمق متجذر:
يكفيش لو قلت إني عمري ما حسيت إني متزوج ولا حتى عايش مثل باقي مخاليق ربي ..إلا عقبش أنتي!!





**************************************






" يمه.. شأخبارها الحين؟؟"

كان كساب يهمس بخفوت بهذه العبارة لمزنة التي كانت تقرأ وردها قريبا من كاسرة بعد أن صلت قيامها..
مزنة وضعت المصحف جانبا وهي تهمس بخفوت:
احسن بواجد.. ما معها حرارة الحين.. صلت قيامها بدري ونامت..
والحين نايمة..

كساب بابتسامة مغلفة بالاحترام: تعبناش معنا وأنتي توش مالش يوم من يوم جيتي بيتنا..
والعريس من بدري في غرفته..

حينها همست مزنة باهتمام: زين من اللي قعد عند علي يوم كلكم جيتوا؟؟

كساب بسكون: علي حلف ما حد يقعد عنده.. وعلى العموم أصلا ربعه ميتين يبون يمسون عنده..
بس عشان دايما أنا وإبي موجودين يستحون.. والليلة يمكن يمسي عنده اثنين منهم..



مزنة حينها وقفت وغادرت المكان.. بينما كساب انحنى على كاسرة قليلا وهو يتحسس جبينها..
وجد حرارتها طبيعية..فخلع ملابسه ليمارس تمارين الضغط ثم استحم وصلى قيامه وقرأ ورده ثم عاد ليتمدد جوارها..
وكان أول ما فعله أنه عاود تحسس جبينها..هذه المرة وجدها دافئة قليلا
همس لها من قرب: كاسرة قومي كلي علاجش.. أنتي دافية..

كاسرة اعتدلت جالسة لتتناول الأقراص من جوارها دون أن تلتفت له..
ولكنه سبقها أن مد يده عبر خصرها ليتناول الأقراص والماء ويعطيها إياها..
تناولتها دون أن تقول شيئا ودون حتى أن تنظر له..
ثم عادت لتتمدد..

اقترب منها بخفة.. حينها همست بحزم: كساب لو سمحت لا تجي جنبي.. قلت لك ذا الكلام أكثر من مرة..
وإلا أنت لو ما فرضت نفسك ما ترتاح..

همس بخفوت دافئ عميق: ماني بفارض نفسي.. وبأقول لش لو سمحتي وتكرمتي نامي في حضني بس..
والله العظيم ما أبي منش شيء.. بس نامي في حضتي بس..
يعني هذا أنا تنازلت عن شيء. تنازلي أنتي عن شيء..

كاسرة بألم عميق مغلف بنبرتها الحازمة: تعبت تنازلات يا كساب.. وما أبي أتنازل.. على الأقل خلني أحس أني رفضت
لأني عارفة إنك بتجبرني على اللي تبيه..

كساب حينها ابتعد عنها لآخر طرف السرير وهو يوليها ظهره يهتف ببرود قارص:
لا أجبرش ولا شي.. براحتش يا بنت ناصر..





**************************************





قبل ذلك بقليل..


دخلت إلى جناحها بخطوات مترددة.. انشغالها طوال اليوم بمشاكل ابنائها لم يترك لها مجالا للتفكير بشيء..
ولكن الآن في هجعة الليل.. وفي هذا المكان.. وهي تعلم أنه بالداخل.. كل ذلك بعث توترا عميقا في روحها..
لن تحتمل كلمات كالتي قالها لها البارحة.. لن تحتمل!!

غريب كيف بقي قلبها عذريا طوال عمرها..!! ولم تشعر بتلك الرعشة الفاتنة العذبة التي تهز ثنايا القلب بألم شفاف إلا الآن..
ليست مراهقة ولا محدودة التفكير لتتأثر من مجرد كلمات!!

ولكن المشكلة أنها لم تكن مجرد كلمات.. لم تكن مجرد كلمات..!!
وهي ليست حجرا ولا معدومة المشاعر حتى تعجز عن الإحساس به!!
فهذا الرجل الذي احتواها في أحضانه البارحة كان يشتعل.. ينزف.. ينهمر.. فكيف يكون مجرد ماقاله كلمات؟؟!!

كان يشتعل نارا شعرت بها تتسرب إلى حناياها..

كان ينزف حبا موجعا حاول ترجمته إلى كلمات.. فإذا بالكلمات تتحول إلى أنين موجوع أشبه بأسهم حارقة ثقبت روحها...

كان ينهمر بكلماته كمطر خرافي أسطوري يستحيل أن يكون قد وجد قبله أو سيوجد بعده..

فلا يمكن أن يقول رجل ما هذه الكلمات التي قالها هذا الرجل الاستثنائي لها..
وهو يُشعرها أنها أسطورة فعلا.. أنها أنثى لا تكرر.. وهو يقفز بإحساسها الأنثوي بنفسها إلى الذروة!!
وهو يخبرها بكلمات حب لا تكون إلا لأسطورة فقط ولا تستحقها سوى أسطورة لم تخلق من قبل!!

كلما تذكرت فقط.. تذكرت فقط.. همساته.. دفء أنفاسه..
ارتعش جسدها بالقشعريرة التي تمر عبر عمودها الفقري لاسعة حادة..
وشعرت أنها تريد الجلوس لأن قدميها لا تحملانها.. كما هي تجلس الآن في غرفة الجلوس في جناحهما..
وتعلم أنه بالداخل ولكنها عاجزة عن مواجهته.. لا تعلم كيف فعل بها هذا؟؟
وكيف جعلها تجبن عن المواجهة وهي من لم تجبن عن مواجهة يوما؟؟



هـــو معتصم بناحيته من الجبهة..
يعلم أنها عادت للجناح.. منذ وقت ليس بالقصير.. تحديدا منذ عاد كساب لغرفته..

ومع ذلك مازال لم يراها وهو يتمزق تماما بين رغبتيه الغريبتين أن يراها وألا يراها..
كان باله يحدثه أن ينام قبل أن تأتي فهو في غنى عن مواجهة لا يعلم كيف سيكون تصرفه فيها..
ولكن ما يريده.. غير ما تريده رغباته المتعارضة..

لذا خرج لغرفة الجلوس.. ليجدها جالسة هناك.. غارقة في أفكارها..
ولم تنتبه حتى جلس جوارها..
انتفضت بخفة وهي ترحب بعذوبة واحترام: هلا أبو كساب.. السموحة كنت جايه الحين..

مد يده لينزع برقعها عن وجهها.. لا يعلم ما الذي دفعه لذلك وهو يهمس لها بدفء: برقع في غرفتش عاد!!

شعرت بالخجل وهي تنزل جلالها على كتفيها وتهمس بذات الخجل المغلف بتهذيبها الرفيع:
كنت في غرفة كاسرة.. واستحي كساب يشوف وجهي..

أجابها بذات الدفء: تستحين من كساب ماعليه.. بس تستحين مني بعد؟؟

ابتسمت حينها بعذوبة: ترا كساب ولدي صار له شهور.. وأنت توني أعرفك البارحة..

أجابها بدفء أشد مثقل بالعمق: ما سمعتي بالليلة اللي عن ألف سنة.. هذي هي!!

مزنة رغما عنها اشتعل وجهها احمرارا وهي تقف لتهمس بثقة تخفي خلفها ارتباكها:
السموحة.. كان المفروض إني قبلك في الغرفة وأنتظرك..
بس مرض كاسرة لخبطني شوي.. عطني 10 دقايق أبدل واجيك..

مزنة غادرت بينما زايد تنهد بعمق..
لا يعلم لماذا يتصرف معها على هذا النحو؟؟
أو يحادثها بهذه النبرة التي لم يسبق أن كلم بها أحدا مطلقا ولا حتى وسمية؟؟

وليس غبيا ليلاحظ تأثرها البالغ..
يشعر كما لو كان يرتكب جريمة في حقها وهو يمنحها إحساسا كاذبا لا يستطيع منع نفسه من الانهمار به!!

فما الذي يحركه؟؟ أ هي أنوثتها الطاغية التي حركت الرجل المحروم في أعماقه؟؟

يكره جدا هذا التفكير.. بل يحتقره!!
أ يكون هذا تفكيره بمزنة؟؟ بــمــزنـــة؟؟!!
ولكنه لا يجد لنفسه مبررا آخر لهذا الاندفاع الذي لا يستطيع السيطرة عليه..

والغريب أن التناقضات تتصارع في نفسه بصورة أشد وأكثر إيلاما..
يشعر أن هناك حاجز ضخم بينهما.. ولكنه في ذات الوقت يريدها أن تصبح أقرب من أنفاسه..
يحاول أن يمنع نفسه أن يقول لها الكثير من الكلام الذي بات يعرف يقينا أنه ليس لها..
ومع ذلك يكاد يحترق لهفة للحظة التي سيسكب هذه الكلمات في عمق أذنها..!!


هذه المرة كان من غرق في التفكير لفترة لا يعلم كم طالت.. حتى انتفض بخفة وهو يتذكر أنها لابد من تنتظره الآن..

دخل بخطواته الهادئة الواثقة.. كانت الإضاءة خافتة كما تركها هو...

كانت تجلس على مقعد التسريحة ووقفت حين دخل..


فــــــــــــــــــاتــــــــــــــــنــــــة..!! فـــــاتـــنــــة إلى أقصى درجات الهلوسة!!

وهي تقف كحورية.. كتمثال نادر.. كأيقونة للجمال.. وشعرها الكستنائي يتناثر باستثنائية على فخامة سواد روبها الحريري الحالك!!

رؤيتها.. كان من المفترض أن تبعث في روحه سعادة خالصة..
فمن يرى كل هذا الحسن له وبين يديه ولا يسعد به؟!!
ولكن الغريب أنه شعر بحزن عميق غريب غمر فؤاده حتى أقصاه.. بل أقصى أقصاه!!..

تجاوزها ليجلس على سريره ودون أن يقول لها كلمة واحدة..
مزنة استغربت منه فعلا..
" يكون زعلان عشاني تأخرت عليه؟؟"

لتتصارع الرغبتان في روح مزنة أيضا..
رغبة يدفعها لها معرفتها لحقه وأنها يجب أن ترضيه لأنها من قصرت في حقه..

ورغبة اخرى هي الأقوى.. هي رغبة روحها التي لا تعرف المهادنة..
فهو يعرف أن ابنتها مريضة.. وإن كان سيغضب لأنها تأخرت عندها.. فليغضب كما يشاء!!

ولكنه قطع عليها خط الصراع وهو يتمدد نصف تمدد ويهمس بدفئه الذي أصبح علامة مخصصة لها:
ها مزنة مطولة وأنتي تفكرين تحنين علي وإلا لأ؟؟
تعالي.. تمددي جنبي!! قطعتي قلبي..

مزنة انتفضت بخفة وهي تتقدم نحوه وتهمس بخفوت اختلط بخجلها الفطري: هذا أنا جايه..

حين جلست جواره وهي تسند ظهرها لظهر السرير.. تناول كفها ليحتضنها بين كفيه كليهما بينما همست هي بشفافية:
زايد أبي أقول لك شيء وأتمنى ما يضايقك..

ابتسم زايد: أتضايق من شيء تقولينه؟؟ أفا عليش.. قولي وتدللي!!

مزنة بذات الشفافية: بصراحة ردات فعلك غريبة شوي.. أو يمكن أنا أشوفها غريبة لأني ما بعد أعرف طبايعك..
يعني أحيانا تسكت وأنا متوقعة منك تقول شيء.. واحيانا أتوقع منك تسكت تفاجئني بكلام ما توقعته..

حينها هتف بعمق شديد: إذا على الصمت.. فأحيانا الصمت في حرم الجمال جمال..
أما على الكلام.. فيا الله يامزنة.. ما تتخيلين وش كثر في قلبي كلام..!!

حينها همست مزنة برجاء عميق: تكفى زايد.. لا تقول لي شيء..
أنا عادني ما قدرت أستوعب كلامك أمس.. وحاسة كأني في دوامة عدم توازن..
تكفى ما تقول لي شيء.. ترا ضربتين في الرأس توجع..

ولكنه لم يرحمها ولم يرحم رجاءها الذي كانت تعنيه حقا!!
وهو يفلت كفها ليحتضن كتفيها وهو يزيح شعرها خلف أذنها ليغمرها بقبلاته وهو يهمس بعمق متجذر في داخل أذنها:
ما أقدر.. حاس أني باموت لو ما تكلمت.. كتمت ثلاثين سنة.. ثلاثين سنة!!
حاس بأنفجر من كثر الكلام اللي دسيته لش !!






**************************************





" وضحى شتفكرين فيه؟؟"

وضحى انتفضت بخفة وهي تنظر لمزون وتبتسم: مافيه شيء.. سرحت كذا!!

فهي الليلة ستنام مع مزون التي أصرت أن تنام وضحى معها في غرفتها..
بينما وضحى تحاول الخروج من أسر أفكارها التي تطوقها رغما عنها..

ماذا تقول لها؟؟
أ تقول لها انها متضايقة إلى درجة الاختناق من تصرفات تميم!!
اليوم آلمها ألم أكثر من سنوات عمرها كلها!!
لأنه تميم.. تميم.. نبض روحها!!

بدءها صباحا بمنعها من الخروج..
وختمها مساء.. وهو يتعارك مع أمه لأنه كان رافضا أن تبات وضحى خارج البيت..
يريدها أن تبقى سجينة تحت عينيه..
وربما كان يريد أيضا إغلاق الغرفة عليها.. مايدريها..!!


بقدر ماشعرت بالألم أنها أفشت سرها ليتخذه تميم سيفا مسلطا على رقبتها..
بقدر ما شعرت أن الأمر يستحق وزايد يمر بها وبمزون الليلة وهو يجلس بينهما ويحتضن كل واحدة منهما بذراع..
وهو يحدثهما بحديثه الآسر الأبوي الحاني لحدود السماء..
شعرت أن هذا يكفيها عن كل ألم..
يا الله كم هذا الشعور رحب وثري ودافئ!!

ولكن هل سيطيل تميم عليها تصرفاته.. لأنها لا يمكن أن تتحمل هذا من تميم بالذات..؟؟
فالأمر جارح لها ومؤذي لأبعد حد!!




**********************************






يدور في غرفته كالمجنون.. مليء بالهواجس والألم..
البيت خال عليه تماما..
كان يريد أن ينام مع جده.. حتى يخفف شعوره بالوحدة..
ولكنه لم يستطع .. فإن كان لا يستطيع سماع شخير جده الذي يصم الآذان
فهو بالتأكيد اختنق من رائحة (الفيكس) الذي يبدو أن (سليم) قد استحم به!!
ولا يستطيع أن يطلب من سليم أن ينام في مكان آخر.. لآن جده لو قام في الليل ونادى فهو لن يسمعه..


لذا عاد لغرفته مدحورا مقهورا..
وهو يدور في أرجائها كعقرب ثوان لا يكف عن الحركة!!
لشدة إحساسه بالوحدة يتمنى لو أرسل لوضحى حتى تعود وهو سينتظرها عند الباب الواصل بين البيتين..
ولكنه رأه تصرفا غير لائق.. عدا أن وضحى قد تكون نائمة أصلا!!


غرفته باتت تمثل له كابوسا يكتم على أنفاسه..
قرر أن ينام في غرفة أمه.. فرائحة أمه قد تهدئ قلق روحه كما فعل البارحة وهو يقضي الليل فيها ..
لكنه انصدم أن غرفة أمه مغلقة..
شعر بالألم.. لماذا أغلقتها؟؟
لم تبق له إلا رائحتها فيها وحتى هذه الرائحة استكثروها عليه!!


"يا الله... رحماك ياربي..
ماعاد للهم في قلبي مكان!!"






*******************************





اليوم التالي
.
.
.

" من جدك نايف اللي سويته؟؟
من جدك؟؟
واصل أمس ورايح تخطب اليوم وبدون حتى ما تشورنا
ما تقول خواتي أخذ رايهم.. أخليهم يختارون لي..
رايح تتبع شور عالية مثل الخروف.. أكيد هذا شورها..
بنت خال رجّالها ومرت عبود أم لسانين!!"

نايف يشد له نفسا عميقا وهو يضغط رأسه حتى لا ينفجر.. فهذا هو العتاب السادس اليوم وبذات المعنى..
بل يستطيع الآن أن يحدد تماما ماذا ستقول بعد ذلك..
وهو تقصد تماما أن يفاجئهن بخبر الخطبة لأنه لو أخبرهن قبلها لصنعنها قضية الشرق الأوسط..
ولأفسدوا الخطبة بأكملها..
والآن تقصد أن تكون نورة آخر من يخبرها لأنه يعلم أنها ستكون أشدهم وأقساهم عتابا..


نايف بنبرة حنونة: نورة يا قلبي أنتي.. الحين مابعد صار شيء.. هذي مجرد خطبة..

نورة بغضب عارم: إيه وصافية عندها خبر من البارحة.. ورجالها اللي رايح يخطب لك..
وليه ما قلت لي أنا ورجّالي؟؟ وإلا ما حنا بكفو ياحضرة وكيل النيابة..

نايف يميل على رأسها ليقبله وهو يهتف بذات النبرة الحانية:
صافية رجّالها هو الكبير.. ما يصير نتعدى عليه..
هذي الأصول وأنتي أم الأصول اللي تعلمينها يأم سعود..

نورة بذات الغضب: بس البنت مهيب عاجبتني.. ماحتى خذت شوري فيها..

نايف يشد له نفسا للمرة الألف هذه المرة: ليه مهيب عاجبتش؟؟
تردين شيء في دينها؟؟ في أخلاقها؟؟

نورة حينها همست بجزع: لا والله حاشاها.. ما أبهتها..
بنت أجواد وحشيم وأنا أشهد إنها ذربة ومتربية.. أنا عندي بنات ولا أبهت بنات الناس..

نايف استغرب أن نورة بالذات التي لا يعجبها العجب.. تشهد لها ومع ذلك لا تريدها: زين دامش تمدحينها ذا المدح كله.. ليه مهيب عاجبتش..

نورة تصرح تماما بما في ذهنها: أمها وأختها الكبيرة ما ينداس لهم على طرف..
اللي بيقول لهم كلمة بيردونها عليه عشر..
وشيدرينا إنها بكرة لا خذتك ما تكون مثلهم..
هي ذا الحين صغيرة.. بس يمكن بكرة تنفش ريشها.. واقلب القدر على ثمها تطلع البنت لامها..

حينها ضحك نايف: ليه أنتو ناوين تدعسون في بطن مرتي وما تبونها حتى ترد!!

نورة بغضب: غدت مرتك من ذا الحين..؟؟
أنت أخينا الوحيد.. وما نبي حد يفرق بيننا وبينك.. ونبي لك الزين..
ووضحى الله يستر علينا وعليها ماحتى هي بذابحها الزين!!

نايف ينظر لها بنظرة مباشرة وهو يهتف بنبرة مقصودة: شينة يعني؟!!

نورة تنظر له بغضب لأنه يسألها بهذا البرود: لا ..مهيب شينة.. بس مهوب ذابحها الزين..

نايف وقف وهو يقبل رأس نورة ويستعد للمغادرة ويهتف بابتسامة مرحة:
اللي فيها من الزين بيكفيني..
ما أبي مرتي يذبحها الزين.. لا ذبحها وش باستفيد عقب وهي ميتة!!






************************************





" ما أدري يمه.. بأصلي استخارة وبأفكر!! "

كانت هذه عبارة وضحى التي نطقت بها في خجل شديد وهي تنزل رأسها
بعد أن أخبرتها أمها بالخطبة التي أخبرها بها زايد بعد أن اتصل به خالد وطلب أن يقابله ومعه تميم والجد جابر في مجلس تميم حتى يخطب منهم وضحى لنايف..


مزنة جلست جوارها وهي تربت على فخذها بحنو..
بينما كانت تهمس بنبرة حازمة: أنا بعد يامش باصلي استخارة..
لكن خلني أقول لش مبدئيا إني ماني بمرتاحة..
نايف بنفسه يمدحونه.. بس خواته الله يصلحهم معروف أشلون ناشبين في حلقه..
والوحدة منهم لسانها شبرين خصوصا نورة وسلطانة.. الواحد يعيف مقعدهم..
جوزا كانت تبكي من اللي كانوا يسوونه فيها وهي مرت ولد أختهم..أشلون مرت أخيهم الوحيد والصغير..؟؟
وأنا يأمش ما عينتش في الشارع.. لو شكيت واحد في المية إن ذا العرس مافيه خيرة لش ما وافقت..

كاسرة التي تمدد على سرير أمها بإرهاق همست بإرهاق حازم:
يمه كان قلتي لعمي زايد يقول لهم من أولها مافيه نصيب..
خواته ذولا سحالي مهوب آدميات.. وضحى وش حادها على حياة الشقا ذي؟؟
عادها صغيرة.. ونصيبها بيجيها..

حينها همست وضحى بحزم رقيق: كاسرة لو سمحتي.. هذا أنتي قلتي.. نصيبها..
يعني هذا موضوع يخصني.. ومن حقي أفكر فيه وأنا اللي أعطي قراري..

ابتسمت كاسرة فموضوع وضحى جاء في وقت مناسب حتى ينشغل به الجميع عن موضوع عودتها حتى لا يناقشوها فيه ويزيدوا حرقتها حرقة..
وهي تهمس بنبرة مقصودة: والله صايرة قوية يا بنت..
إذا القوة ذي بتطلعينها على خوات نايف لا خذتيه ما ينخاف عليش..
الخوف تمدين لسانش عندي.. وعقبه يدبغونش خواته..

وضحى جلست جوار كاسرة وهي تميل لتقبل رأسها وتبتسم بمرح:
عندي أخت لسانها ما يحتاج.. إذا بتخليهم يدبغوني.. وش فايدة لسانها..

كاسرة تحتضن عضد وضحى بحنو وتهمس بذات الحنو:
أفا عليش.. يا أنا مستعدة ومجهزة لساني.. ولا يهمش..

مزنة ابتسمت: زين يا بنت أنتي وإياها ما حلت لكم السوالف إلا على فراش أبو كساب.. قوموا يا الله للصالة..

كاسرة ووضحى كلتاهما تمددتا أكثر.. بينما كاسرة تغمز بعينها لوضحى:
صدق ريحة فراش معاريس.. أنا تعبانة وما أشم ومع كذا دخت من حلات العطر..

مزنة شدت كل واحدة منهما من اذنها وهي تهمس بابتسامة:
صدق أنكم بنات مافي وجيهكم سحا..








**************************************





" نعم؟؟ ماسمعت.. عيدي اللي قلتيه لأمي"

جوزا تهمس بابتسامة: كنت أقول لأمي إن نايف خال عبدالله.. خطب اليوم وضحى بنت خالي..
توه واصل أمس راح يخطب اليوم.. ماعنده وقت!!

حينها انفجر عبدالرحمن ضاحكا.. لأول مرة يرونه يضحك هكذا منذ صحى من غيبوبته..

أم عبدالرحمن ابتسمت بسعادة لضحكه: الله يونسك دوم.. وش يضحكك..

عبدالرحمن بين ضحكاته: سالفة طرت علي بس!!


" والله منتي بهينة يا مدام..!! ينخاف منش!!
تدبرين لوضحى عريس عشان تزيحينها من دربش!!
صدق إنش خطيرة!!

ودام دبرتي لوضحى رجّال.. متى بتحنين علي أنا؟؟
ميت ياعالية.. ميت من شوقي!!
لا تصيرين قاسية كذا!!

يا الله !! يوم مر ما سمعت صوتها..
حاسة يوم ناقص من عمري.. ما ينحسب!!"





******************************






بعد ثلاثة أيام
.
.



" يمه أنا موافقة خلاص"

مزنة تلتفت لها وتهمس بحزم: يأمش لا تستعجلين.. هذا عرس.. عشرة عمر
مهوب يوم ولا يومين..

وضحى بسكون: يمه أنا صليت استخارة كم مرة وقلبي مرتاح له..

لا تنكر أن جزءا كبير موافقتها كان يرجع لمعاملة تميم الجديدة لها..
مع أنها الآن تبات في بيت زايد..
ولكن معظم اليوم تقضيه في بيتهم.. ولا يسمح لها مطلقا بالخروج إلى أي مكان..

صباحا يذهب بها للمدرسة وينتظر حتى يراها دخلت.. وظهرا يحضر قبل خروجها بأكثر من ساعة..
هل يشك أنها تذهب لمكان آخر؟؟

الأمر بات يجرحها بشدة.. فلترحه من همها مادامت أصبحت هما هكذا؟!!

بل حتى انشغاله بها.. أشغله عن مشاكله الخاصة..
فسميرة مازالت في بيت أهلها!!
ويبدو أنه لم يجد وقتا ليفكر بإعادتها.. كيف يفكر وهو مشغول بسجينته؟؟


لم تعلم أن التفكير كان يلتهمه كل ليلة كالتهام النار للهشيم..
ولكنه لا يريد إجبارها على العودة.. وهو يشعر أنها لو عادت له فستعود مجبرة..
لذا مازال لم يستمع لإلحاح مزنة عليه أن يذهب لإعادة سميرة التي تنتظر عودتها له على أحر من الجمر!!
ومن ناحية أخرى.. يشعر أنه يريد أن يبقي في قلبه بعض الأمل..
لأنه يخشى أن يذهب لإحضارها فترفض أو يرفض أهلها الذين يكره أن يجلس أمامهم كمذنب لمناقشة مشاكله الخاصة..

مزنة قررت أن تمهله عدة أيام قبل أن تتدخل بشكل قاطع لأنها علمت أنه محتاج لبعض الوقت للتفكير فعلا بصفاء ذهن مازال لم يتوفر له مع تأثره من موضوع وضحى ثم انشغاله بخطبتها..







****************************************





كانت مسترخية على سريرها مثقلة بهذا الهم الذي ماعادت تعرف كيف تزيله عن روحها..
مرارة الخذلان!!
وقسوة الخيانة!!
أسوأ شعورين قد يشعر بهما بشر.. يحطمان الروح ويعمرونها بالسواد!!


وصلتها رسالته.. حانية.. دافئة .. صادقة كما هو!!
كاذبة .. منافقة .. خائنة كما أصبحت تراه !!

" عالية حبيبتي..
مشتاق لش يا قلبي..
ما أبي أضغط عليش أو أفرض نفسي..
بس والله العظيم ماعاد فيني صبر..
أنا غلطان.. والغلط راكبني من ساسي لرأسي..
وآسف.. والف مرة آسف..
ما يكفيش ذا كله تسامحيني وتحنين عليّ
والله العظيم حاس أني بأموت من شوقي لصوتش!!"


عالية.. نظرت للهاتف بنظرة محروقة.. حارقة.. جارحة.. مجروحة!!
كتبت له:

" عبدالرحمن أرجوك عطني وقت..
أنا لا رقت بنفسي اتصلت فيك"


ألقى هاتفه جواره بأسى..

كان صوتها هو ما يأخذه من ضيق هذه الجدران الأربعة إلى رحابة العالم..
كان معها ينسى أنه عاجز عن المشي.. كأنها هي قدميه!!
ولكنه الآن عاجز حتى عن محاولة التناسي.. وعجزه يتجسد أمامه ويتجسد ويتجسد..

مشتاق لجلسة المجالس..
مشتاق للجامعة وللتدريس..
مشتاق حتى لقيادة سيارته حتى يذهب لكل الأماكن التي كان يذهب مع مهاب لها..

ولكنه يجد نفسه مجبرا على حبس نفسه في البيت.. حتى عن الجلوس في مجلس والده.. وهو يتمزق من حبسته في البيت كفتاة..
بل حتى الفتيات يخرجن أكثر منه....

ولكنه يكره جلوسه في المجلس وشكله يصبح مهينا والعمال يحملونه داخلا وخارجا وذاهبا للحمام..
وهم يمزقون جسده بالألم بحملهم غير المحترف له..

أما أكثر ما يمزقه في هذه الجلسة هو اضطرار (الشيبان) للانحناء للسلام عليه..
البعض منهم ماعاد قادرا على الانحناء حتى..
ومع ذلك ينحنون عليه بمودة.. بينما كان هو من يلقاهم سابقا على باب المجلس بسلامه وتحياته وترحيبه..


لذا صار يحبس نفسه باختياره في البيت وهو يكثف جلسات العلاج الطبيعي والتدليك التي يبدو مفعولها بطيئا جدا..
بل بمعنى أصح لا مفعول لها.. لأنه مازال لم يلحظ أي تحسن على حركة قدميه الميتتين تماما..!!

وفي كل هذا... كانت هي مرشدته.. ونوره ونبراسه وقدميه ومحاورته..
باختصار...

كانت له كـــــل شـــــيء!!!






***********************************


بعد ثلاثة أيام أخرى!!
.
.



" الحين حن مطولين على ذا الحال؟؟"

كاسرة تمشط شعرها وتلتفت لكساب الذي يجلس على طرف السرير وينظر لها بنظرة غامضة..

كاسرة ببرود: أي حال؟؟

كساب بحزم: تعاملش معي كني ماني بموجود معش في الغرفة!!
صار لش أسبوع من رجعتي..
أول الأيام كنتي مريضة ماقلت شيء.. بس الحين مافيش إلا العافية..

كاسرة همست بتهكم: ومن قال أنك منت بموجود.. أصلا أنت الموجود وبس..
لأني أساسا مالي وجود..
فأشلون غير الموجود يعامل الموجود على إنه غير موجود؟؟

كساب بغضب: ألف مرة قلت لش بلاها الفلسفة الفاضية وكلميني كلام محدد..

حينها نظرت له كاسرة بنظرة مباشرة وهتفت بنبرة شديدة المباشرة والحزم:
الكلام المحدد إني قلت لك إنك لو رجعتني بطريقة البهايم ذي.. عمر قلبي ماراح يصفا لك..
أنت قلت عادي عندك.. ماتبي قلبي يصفا لك.. المهم أني جنبك مثلي مثل الكرسي..
وهذا أنا جنبك.. فلا تطالبني بشيء أنت رضيت فيه من البداية...

كساب يشد له نفسا عميقا ويهتف بحزم: أنتي اللي كنتي معندة وما تبين ترجعين
ماخليتي لي طريقة غير ذا الطريقة..

كاسرة همست بوجع: بلى كان فيه طرق غير ذي.. بس أنت ما تعرف إلا الطرق الملتوية..
لكن الحين خلاص.. لا عاد يفيد طرق مستقيمة ولا ملتوية...

كساب بذات الحزم: يعني أشلون؟؟ بنعيش حياتنا كلها كذا؟؟

كاسرة همست بثقة: أنت الحين ليش مسوي روحك زعلان؟؟
كل اللي تبيه سويته وما اهتميت من حد..
وش تبي زود؟؟
حقك كزوج ؟؟.. ما أقدر أمنعك منه.. ومالي حق أمنعك.. وحقك على رأسي عشان ربي مهوب عشانك..

حينها انفجر كساب بغضب: أنا أبي أدري أنتي وش شايفتني؟؟ حيوان مايهمه إلا غرايزه؟؟
أنا سبق لي ولو مرة وحدة إني غصبتش علي أو جبرتش.. عشان تكلميني بذا الأسلوب؟؟

حينها همست بسخرية مريرة : أبد حاشاك.. أنت تجبرني؟؟
تصدق.. حتى قبل ما تسكر ثمي وتسحبني لغرفتك..
استئذنتني.. قلت لي تسمحين لي.. أقهرش وأسحبش مثل البهيمة المربطة؟؟

حينها انتفض بحدة ليقطع المسافة بينه وبينها في ثانية ويشدها قريبا منه وهو يدخل كفيه في خصلات شعرها من الخلف ويقربها منه حتى أصبحت أنفاسه المتطايرة تلفح وجهها بقوة..
وكلاهما يتبادلان النظرات الحادة من قرب وهو يهتف لها بحزم بالغ:
لو سمعتش تعيدين ذا الكلام مرة ثانية.. والله ما يحصل لش طيب!!

أجابته بحزم مشابه: وش بتسوي زود؟؟ تضربني؟؟
عاد الكلام ما تقدر تحرمني منه.. لأني بأتكلم مثل ما أبي..
وهدني لو سمحت لأني أسمع زين..

حينها همس بخفوت بنبرة دافئة ومتلاعبة:
توش تقولين لو بغيت حقي بتعطيني إياه.. والحين تقولين هدني..
وين أم الكلام اللي الظاهر كلامها كله ما تعني منه شيء؟؟

كاسرة صمتت وأنفاسها تعلو وتهبط بغيظ وتوتر وهي عاجزة عن توقع خطوته القادمة..
ليفاجئها بإفلاتها ببساطة وهو يتأخر ويتناول غترته عن السرير ويهمس ببرود حازم ساخر:
بأروح أمسي عند علي..
لا تنسين تكلميني قبل تنامين.. عشان تقولين: تصبح على خير يا حبيبي!!




*********************************





هاهو يريح رأسه على فخذها وهو مغلق العينين.. وهي تمرر أناملها عبر خصلاته بحنو..
لا تعلم كيف تصف علاقتهما التي باتت تتجه لاتجاه غريب تماما..
الليلة هي الليلة التاسعة لزواجهما...

أنهك أعصابها واستنزف مشاعرها وكيانها بفيضان كلماته غير المعقولة طوال الليالي الثلاث الأولى..

كلماته التي أحدثت ثورة عارمة في كيانها الذي بات يرتعش كرعشات الحمى كلما تذكرت فقط همساته..

وبعد ذلك.. صمت.. صمت تماما.. الليالي الخمس الماضية بات حديثهما يتجه إلى التعمق في الحوار في نواحي أخرى من الحياة والتفكير..

ولكن بقدر ما أرعبتها كلمة " أحبكِ" وهو يقولها بطريقته التي تذيب القلب في الأيام الأولى..
وبقدر خوفها من تكراره لها وهي كل مرة تتحول لسلاح أكثر قوة في يده..

بقدر ما تشعر بلهفة قاتلة لسماعها الآن من بين شفتيه!!
لها وقع أشبه بالسحر تماما.. بل هي سحر خالص في التأثير غير المعقول على قلبها وكيانها وأعصابها وكل خلاياها التي شعرت بها تتساقط إعياءً على حد كلماته المسنون!!


تناول كفها من فوق رأسه ليخرجها من دوامة أفكارها.. وهو يضمها قريبا من قلبه وهو يهمس بسكون:
مزنة شتفكرين فيه؟؟ ليه سكتي؟؟
تدرين إنش لا حكيتي ما أبيش تستكتين..

ابتسمت برقة: حسبتك رقدت ومابغيت أزعجك..

هتف لها بثقة وهو مازال محتفظا بكفها قريبا من دقات قلبه:
تبين شي معين نشترطه بكرة على نايف في الملكة؟؟

ابتسمت مزنة: لو أقدر كان شرطت إن خواته ما يطبون البيت عند بنتي..
بس شأسوي؟؟
الولد أجودي.. أعرفه من عاده صغير.. كان دايما كاسر خاطري وخواته يتهادون عليه كنه لعبة..
ما أقول إلا الله يسخره لبنتي ويسخرها له..

ثم أردفت مزنة بحزم عذب: بس عندي طلب واحد بعد أذنك..
أبي عبدالرحمن يشهد على عقد الزواج..
عبدالرحمن كان غالي واجد على امهاب.. ولو امهاب موجود ما كان طلب من حد غيره يشهد..

ابتسم زايد بفخامة: أصلا عبدالرحمن بنفسه اتصل لي وقال لي إنه يبي يشهد على العقد..
فأنا حلفت إنه مايشهد على العقد غيره هو وإبيه.. أعرف بغلا فاضل عند تميم..
فعبدالرحمن وإبيه هم شهود العقد إن شاء الله!!





**********************************






اليوم التالي.. انتهاء عقد قران نايف ووضحى على خير...



يجلس في الزواية.. يشعر بتحليق حقيقي.. ويشعر أنه اليوم خفيف.. خفيف.. يكاد يحلق فعلا!!

ينظر أمامه لوالده ولنايف.. ولخالد آل ليث وأولاده.. وزايد وكساب وتميم والجد جابر و وأنسباء نايف الآخرين.. ومعارف لزايد من الوزن الثقيل..
حتى الشيخ الذي مازال جالسا لأن زايد حلف عليه أن يبقى للعشاء..

المجلس مزدحم تماما... لم يشعر اليوم بالحرج ولا الأذى النفسي من جلوسه معهم لأنه اليوم سعيد.. سعيد.. ولن يسمح أن يكدر سعادته بأي شيء..

ينظر لهم وهو يشعر أنه ليس معهم.. فهو في مكان آخر.. حيث قلبه.. مـــعـــهــا!!

سترضى عليه.. يعلم أنها ستفعل..
ألم تكفها الأيام العشرة الماضية عقابا له..؟؟

يعلم أن قلبها الحاني لن يظلمه أكثر من هذا..
فهي تعلم كم بات يتمزق من جوعه لسماع صوتها وانسكاب أنفاسها وضحكاتها في أذنه..

كان غارقا في هذه الأفكار حتى وصلته رسالة..
حين رأى اسمها يتصدر الرسالة.. شعر بقلبه يقفز إلى منتصف بلعومه " ياقلبي ياعالية.. داري إن قلبش كبير وأكبر حتى من ذنبي الكبير!!"

فتح الرسالة.. ليقفز قلبه من حنجرته ممزقا خلاياه لينهار أشلاءً متطايرة في فضاء المكان:


" طــــلــــقـــنــــي !!
لأني مستحيل أضيع شبابي وحياتي في خدمة واحد مكسح مثلك!!"




#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

 
 

 

عرض البوم صور #أنفاس_قطر#  
قديم 08-01-11, 08:25 PM   المشاركة رقم: 75
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
VIP




البيانات
التسجيل: Jan 2009
العضوية: 117447
المشاركات: 738
الجنس أنثى
معدل التقييم: #أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم#أنفاس_قطر# عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 1255

االدولة
البلدQatar
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
#أنفاس_قطر# غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : #أنفاس_قطر# المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس و السبعون

 




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يامساء الشوق وكل كل كل الشوق
ولو أنتو اشتقتوا لي جرام فأنا اشتقت لكم بالأطنان :)
وأدري عن شوقكم وكنت أقرأ ردودكم
وللمرة الثانية أعتذر من اللي تضايقوا لحذف ردودهم
بس المنتدى عنده سياسة خاصة للردود أرجو أنكم ترجعون لها حتى تعرفون ليه الردود تنحذف
وأبدا مافيه عضو مقصود بذاته.. الأعضاء كلهم سواسية..
فخالص اعتذاري لكم.. ومايصير خاطركم إلا طيب..
وفالكم طيب يامال الطيب..
.
.
ما أبي أطول عليكم أكثر من كذا.. لأني أدري أنكم مشتاقين للبارت موب لهذرتي :)
.
بارت خاص جدا جدا جدا.. خاص بشخصين فقط
بأحداث متسارعة غير متوقعة..
قد يكون أشبه بقطعة شكولاته بلجيكية دافئة بعد غفوة ساكنة :) !!!
.
استمتعوا به رويدا رويدا
.
الجزء 75
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولاقوة إلا بالله
.
.

بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس والسبعون..





تجلس في زاوية الغرفة على الرخام البارد..
تحشر نفسها في الزواية وبرودة الحوائط والرخام تتسرب لجسدها وقدميها الحافيتين..
تحتضن رجليها الملصقتين بصدرها وتدفن وجهها بين ركبتيها..
وبقربها هاتفها المحطم إلى أشلاء متناثرة.. تماما كما فعلت بقلبها قبل قلبه..

و

تـــنـــتـــحـــب!!


تنتحب كما لم ينتحب مخلوق قبلها.. تنتحب بهستيرية.. وبصوت عالٍ !!
ولكن صوتها لم يتجاوز أسوار غرفتها لأنها كانت تجلس في الزاوية البعيدة ووجهها مدفون تماما بين ركبتيها..


محطمة تماما.. محطمة!!
بل وصف التحطم لا يتناسب مع حالتها المنهارة تماما..
هاهي انتقمت منه.. فــلــمَ ليست سعيدة؟؟

هاهي انتقمت من عبثه بها وبمشاعرها بينما قلبه مع سواها!!


اقنعت نايف أنها لا تريد الطلاق وأنها حريصة على زواجها حتى تقنعه بالزواج من وضحى..
بينما هي كانت تخطط للطلاق منذ البداية..

فكيف ترضى أن تتزوج برجل منحته كل مشاعرها حتى آخر نقطة ليصفعها برغبته بسواها دون رحمة؟؟
كيف ترضى بفتات مشاعره بينما هي منحته لب اللب؟؟

لا تعلم لماذا يتوقع منها الناس أن تكون بلا مشاعر لمجرد أنها قوية..
هل القوة كانت المبرر لينحر عبدالرحمن قلبها المتيم به وبهذه القسوة؟؟


تعلم أنه يستحق تماما ما فعلته به... بل حتى ما فعلته به لا يوازي جريمته في حقها..
فهو كان البادئ.. والبادئ دائما أظلم..
كما أنه نحرها بدم بارد وطعنها بكل وحشية في الوقت الذي كان صدرها مفتوحا تماما لطعنته غير المتوقعة..

لكن هي هيئته تماما لطعنتها.. الخطبة أولا.. ثم ملكة حبيبته.. ثم طلبها الطلاق..
تعلم أن من هان عليه أن يبيعها بهذا الرخص.. لن يهمه طلاقها..

ولكن ما يجرحها حتى نخاع النخاع أنها جرحته بطريقة بشعة وهي تعايره بعجزه..

قد تكون فعلتها مسبقا.. ولكنها فعلتها في لحظة غضب وهي حينما تغضب تضيع الإحساس بما تقول..
ولكنها الآن قالتها مع سبق الإصرار والترصد..

لم تكن تريد أن تفعلها أو تكتبها أو تقولها.. شعرت أن الكلمة كانت سكينا نحرها بوحشية..
ومع ذلك فعلتها لأنها أرادت أن تؤذيه كما أذاها..
ولكنها وهي تؤذيه آذت نفسها بشكل أعمق وأعمق وأحد وأكثر وجعا..!!


قد تكون فعلا تريد الطلاق.. فهي يستحيل أن توافق على العيش مع رجل مشاعره مع غيرها منذ البداية..
بل وكان يتلاعب بها بكل تقصد..

ولكنها.. لم ولن تستطيع أن تكرهه.. فحبه تغلغل حتى آخر خلية في روحها..
إذا كانت أحبته وهو مجرد جسد هامد لا حياة فيه..
فكيف لا تحبه وهو من كان يهمس لها بدفء كلماته ليشعلها من الوريد للوريد..؟؟

قد يكون عبدالرحمن لم يحبها كما أحبته..
ولكنها تعلم عنه شيء هي متأكدة منه تماما..
أن هذا الرجل الذي تجاوز الثلاثين.. أستاذ الجامعة.. الذي درس في الخارج
وله خبرة لا يستهان بها في الحياة..
يحمل في داخله روحا أشبه بروح طفل بريء!!
وإلا أي رجل يصارح زوجته أنه يفكر أن يتزوج عليها لأنه لا يريد أن يخدعها!!


وهي تعلم الآن ما فعلته بهذه الروح البريئة!!

مـزقـتــهـــا.. مزقتها تماما!!





************************************






" (مكسح) ؟؟
أ هكذا تراه؟؟
لماذا جرحك هذا الأمر لهذه الدرجة؟؟
ألست كذلك فعلا؟؟ (مكسح) ؟؟ "


كان يجلس بينهم وهو لا يشعر بأحد إطلاقا.. وشتان بين إحساسه بعدم تواجدهم قبل دقائق وإحساسه الآن..
يعتصر هاتفه بين يديه.. وهو يقرأ رسالتها للمرة الألف..

" تبين تطلقين يا عالية عشان ما تبين المكسح..؟؟
دامش وريتني وجهش الثاني اللي كنتي تحذريني منه
فخلي المكسح يوريش وجهه الثاني بعد..
وإذا أنتي تعرفين تخططين خطط طويلة
وتؤمنين إن الانتقام وجبة توكل باردة..
فالمكسح يفكر وينفذ فورا
وما أمسي بحرتي في قلبي!!
وأي حرة يا عالية؟؟ أي حرة؟؟
حرقتي القلب اللي ما انكتب على جدرانه اسم غير اسمش!!
والكلمة نفسها ما تهمني.. بأقول مرة مجروحة..
لكن أنتي خططتي ونفذتي وكنتي قاصدة كل شيء!! "




عبدالرحمن رفع صوته بنبرة جهورية حازمة بالغة الاحترام : عمي خالد..


الجميع التفت لناحية عبدالرحمن.. فالنبرة العالية التي نادى فيها عبدالرحمن عمه.. أشعرتهم بشيء غير طبيعي..

أبو صالح هتف بأريحية: نعم يأبيك..

عبدالرحمن بذات النبرة: طلبتك قدام ذا الوجيه الغانمة.. قل تم !!

أبو صالح انتفض بشدة لحميته التي تخللت عروقه وهو يهتف بصوت عال: تم.. يأبيك تم..

ولكن عبدالرحمن أعاد عليه التأكيد بطريقة أكثر استفزازا للحمية: وعطني وجهك ما تردني..

أبو صالح ماعاد حتى قادرا على الجلوس لاشتداد الحمية في عروقه.. وقف بحزم وهو يهتف بحزم أشد: ولك وجهي..

ليفجر عبدالرحمن قنبلته مدوية في أرجاء المجلس الواسع:
أبي أدخل على مرتي الليلة.. وذا الوجيه الغانمة يشهدون إنك عطيتني!!

أبو صالح هتف بذات الحزم: وأنا عطيتك.. وتم!!

أبناء خالد الثلاثة عبدالله وصالح وفهد ومعهم نايف تغيرت وجوههم..
وفهد كان يريد أن يقفز لشدة غضبه لولا أن صالح المجاور له أمسك به وأجلسه وهو يهتف بحزم خافت:
أص ولا كلمة.. أبيك عطى الرجّال.. وش أنت قايم له؟؟

فهد وجهه محمر من الغضب: وهذا سنع.. وين حن عايشين وأبيك يحسب روحه عاده عايش في البر..
بيهز الرواق على هل الشق ويقول ياعرب عندكم عرس الليلة
وش يدخل الليلة؟؟ وش خرابيطه؟؟ هذا كلام عقّال؟؟



زايد لاحظ الوجوم الذي حدث في المكان والجميع في مجلسه بعد أن حلف عليهم بالعشاء عنده بعد أن تمت الملكة في بيت تميم..
لذا لابد أن يتدخل الآن..
هتف بحزم قيادي:
عبدالرحمن يأبيك.. أبو صالح ما قصر وعطاك..
بس يابيك أنا طالبك تأجل سالفة الدخلة ذي أسبوع وإلا أسبوعين لين يتجهزون العرب..

عبدالرحمن بذات الحزم: طلْبتك على رأسي.. بس عمي خلاص عطاني..
وأنا شوفة عينك ماعاد حتى أقدر أطلع للمجالس..
وذبحتني الضيقة من مقابل الطوف.. وأنا ذا الحين أحوج ما أكون لمرتي..
كان أنها بتقدر توقف جنبي الحين.. وإلا ما أقدر أمسك بنت الناس وأنا ما أدري متى الله يكتب لي أمشي!!
وش تقول يا عمي؟؟ تعطوني مرتي؟؟ وإلا تشوفوني ماني بكفو لها؟؟

أبو صالح بحزم بالغ: إلا كفو وكفو.. ومهوب بناتنا اللي يقصرون في حق رياجيلهم لا اختبرهم الله من عنده..
والمرة مرتك.. ومالنا حق نردك منها...
والعرس كله خرابيط مالها معنى..

مر البيت عقب ما نطلع من هنا وخذ مرتك لبيتك..
وترا عشاكم كلكم عندي بكرة..






*****************************************





" يأبيك اللي سويته مهوب سنع!!
وش عرسه وأنت بذا الحال..؟؟
وخالد ماعنده إلا ذا البنت.. وأنا ماعندي ولد غيرك..
وش يضرك لو انتظرت لين تتحسن وعقبه نحدد عرسك ونسوي لكم عرس على قدركم عندنا؟؟"


عبدالرحمن تنهد بعمق.. وهو يجلس مع والده في المقعد الخلفي بينما السائق وأمجد في المقعدين الأمامية..
يعلم أن في تصرفه كم كبير من الأنانية.. بينما هو فعلا أبعد الناس عن هذه الصفة..

ولكنه مجروح.. وتصرف بتسرع.. أو ربما بغير تسرع فهو فعلا ماعاد فيه صبر على بقاءه على هذا الحال..
يريد أن تكون عالية لجواره.. ولكن لأنه غير أناني فهو لم يرد فعلا أن يربطها لجواره وهو مازال لم يتحسن..
ولكنها الآن أعطته المبرر القوي ليكون أنانيا وغاضبا ومجروحا..
لا تريد المكسح..؟؟؟
فلتنم في حضنه الليلة!!

فهي كان يجب ان تعلم أن هذا المكسح زوجها وأن له عليها من الحقوق مالا تتخيله..
قبل أن ترميه بطلب الطلاق وبمعايرتها له..

ماهي الجريمة التي ارتكبها لدرجة أن تفعل به كل هذا؟؟
أنه كان وفيا لصديقه وصريحا معها؟؟
لماذا لم تقل له بطريقة واضحة أنا حريصة عليك وأستطيع أن أدبر لوضحى عريسا ما دامت قادرة على ذلك..
كانت تستطيع أن تغضب كيف شاءت وهو من سيراضيها كما يفعل الناس الطبيعين..
ولكن أن تلف هذه اللفة الطويلة حتى تنتقم منه!!
طريقة مطلقا لا تتناسب مع شفافيته ولا حتى مع وضعه الصعب!!


عبدالرحمن هتف بحزم لوالده:
يبه جعلني فداك.. خلاص اللي صار صار..
وأنا فعلا تعبت من الوحدة..
إذا هم صدق يبون يعطوني مرتي وإلا خلها تروح في حالها..
بس إني قاعد معلق ومعلقها معي هذا اللي مهوب سنع!!





*****************************





" أص ولا كلمة..
أنت وش جابك معنا؟؟
أنت منت بجاي مع صالح؟؟ ليه ماذلفت معه؟؟"


أبو صالح يهتف بذلك بغضب لفهد الذي كان يرتعش غضبا منذ سمع عبدالرحمن
وركب مع والده في سيارة عبدالله حتى يفرغ بعضا من غضبه..

فهد بغضب: يبه حتى الكلام ما نحكي.. محتر.. بأموت..

عبدالله بحزم غاضب: إيه احتر وموت.. وإلا بتقعد تراد أبيك بعد؟؟

فهد وجد له وجهة لتفريغ غضبه: إيه وش عليك.. نسبيك.. أفرح ماعليك تونسه
لكن أختك مالها قدر عندك..

عبدالله حينها هتف بغضب حقيقي: أص يا فهيدان..
أظنك عارف زين إني أقرب واحد فيكم لعالية..
وعبدالرحمن ما طلب إلا حقه اللي المفروض حن عرضناه عليه..
الرجال طلع من المستشفى تعبان ومحتاج اللي يقوم به..
أمه عجوز..وخواته أم حسن حامل وتعبانة.. والثانية أبيها طلع أخير منا وحلف تروح مع رجالها التعبان..
وحن اللي كان من المفروض نقدم الغانمة.. ونقول له مانبي عرس ولا خرابيط وخذ مرتك لبيتك..
لكن الظاهر إنك ماعاد تعرف السنع ولا السلوم ولا المراجل كون طول لسانك على أبيك وأخيك الكبير..

فهد ابتلع غيظه.. بينما أبو صالح هتف بحزم: صح لسانك يا أبو حسن..
الظاهر إني ما عرفت أربي عقبك أنت وصالح..
بس ترا الواحد ما يكبر على التربية.. وكان التربية ما نفعت..
فتراك ما كبرت على العقال.. أعلّم به جنوبك شوي..

فهد ماعاد يحتمل وهو يهتف بغضب: الحين لا قلت كلمة حق أستاهل العقال يعلم في جنوبي..

حينها هتف أبو صالح بحزم بالغ: عبدالله وقف السيارة!!

عبدالله أوقف سيارته دون تفكير وهو يصف جانب الطريق بينما أبو صالح هتف بحزمه الشديد:
انزل يا الرخمة.. والله ما تخاوينا..
البيت مهوب بعيد.. امش شوي ما يضرك..

فهد نزل فعلا وهو يغلق الباب بصوت مسموع.. بينما أبو صالح فتح شباكه وهتف بغضب: زين يا فهيدان.. وتصفق الباب بعد..
أما سنعتك فأنا ما أني بخالد آل ليث!!





*********************************





الطرقات تتعالى على باب عالية..
كان عبدالله هو الطارق وهو يهتف بحزم: عالية انزلي أبي يبيش الحين ضروري...

عالية انتفضت بجزع وهي تقف من مكانها الذي لازمته لأكثر من ساعتين لدرجة أن عظامها تصلبت من قسوة الرخام وبرودته..
وهي تهمس بصوت مبحوح: زين عبدالله نازلة الحين..

لتنتفض بجزع أكبر..
"والدها يطلبها ؟؟؟.."


نظرت لساعتها.. الساعة التاسعة والنصف مساء..
والدها بعادته.. حينما يصلي العشاء فهو لا يحب أن يخوض في حديث عدا التسبيح إلا إن كان مضطرا للحديث فعلا..
فما هو الحديث الضروري الذي يريدها فيه بعد عودته من ملكة نايف التي كان عبدالرحمن موجودا فيها..؟؟

سدت فمها بيدها حتى لا تخترق الشهقة روحها..
أ يعقل أنه فعلها بهذه السرعة؟؟ طلقها؟؟

لا يوجد تبرير آخر... عبدالرحمن طلقها !!
كانت تريد أن تنفجر بالبكاء فعلا..
فرغبتك بشيء تظنه في بالك.. مختلف تماما حينما يحصل..

أ يعقل أن ما بينها وبين عبدالرحمن قد انتهى؟؟!!
هذا الرباط الروحي المتين انقطع؟؟
ما عادت تربطها بعبدالرحمن أي علاقة؟؟

أ يعقل كل هذا الألم الذي شعرت به يثقل روحها لدرجة العجز عن التنفس؟؟


جمدت كل مشاعرها وأحاسيسها وهي تستبدل ملابسها وتغسل وجهها بماء بارد..
وتلف رأسها بجلال وتقربه من أطراف وجهها حتى لا ينتبه أحد لذبول وجهها..
فهي مهما كان عالية بنت خالد.. وستبقى قوية !!

و أ ليس هذا ما أرادته فعلا؟؟ أ لم تكن تريد الطلاق؟؟
هاهي حصلت عليه!!


عالية نزلت لوالدها..
كان يجلس في الصالة.. قريبا منه كان يجلس عبدالله ووالدتها..
انقبض قلبها تماما والعبرات تسد حلقها حين رأت الدموع التي تملأ عيني والدتها..

كان مازال في قلبها بعض أمل غبي لا معنى له.. ولكن حين رأت دموع والدتها علمت أن الامر فعلا حصل...
عبدالرحمن طلقها !!! طلقها!!


أما حين ناداها والدها بحنو لتجلس جواره وهو يهمس بحنان عميق:
تعالي يأبيش جنبي أبيش في سالفة..

حينها علمت أن مخاوفها حقيقة واقعة وأنها حتى وإن أرادت الطلاق كفكرة لرد كرامتها..
ما عادت تريده الآن حين علمت أنه حقيقة.. لذا دفنت وجهها في كتف والدها وهي تنتحب بعنف هستيري..

أبو صالح احتضنها بحنو حقيقي وقلبه يذوب لها.. يؤلمه قلبها أن يحرمها من فرحتها بحفل زواج كبقية الفتيات..
وهي ليست أي فتاة.. بل عالية!! عالية!! وحيدته ونبض قلبه!!

ولكن ماذا يفعل وهو يوضع في موقف يختبر طيب عاداتهم المتوارثة وحميته ورجولته؟؟
ويعلم أن ابنته قوية وصلبة وكل هذه رتوش لا تهمها..
وإن كانت ابنته عند ظنه فهي لن تخيب رأيه فيها!!

همس لها بذات الحنان الذائب وهو يظن أنه أصبح لديها خبرا بما أنها تبكي هكذا
ولأن عبدالله وصالح كلاهما أبلغا زوجتيهما فور معرفتهما بالخبر حتى تشتريا الأغراض الضرورية لعالية:
اسمعيني يا أبيش أدري إن الموضوع مهوب بسيط عليش..
بس وشأسوي يا أبيش.. عبدالرحمن حدني على أقصاي وخلاني أعطيه وجهي..

عالية تزايد نحيبها وهي تدفن وجهها أكثر في كتف والدها.. بينما أبو صالح يكمل بذات الحنو:
يا أبيش المجلس مليان رياجيل وماقدرت أرده.. وهو يا أبيش ترا ما طلب إلا حقه..
والمفروض إنه حن اللي قلنا له ذا الكلام قدام يطلبه...
وأنا ماني بغاصبش على شيء.. بس ما ظنتي إنش بتفشليني وتصغريني قدام الرياجيل..

عالية بدأ ذهنها يتشوش.. ماكل هذا؟؟ وماذا يقصد والدها؟؟
لتنصدم صدمة حياتها ووالدها يكمل: عشان كذا يا أبيش قومي تجهزي تروحين مع رجالش..
نجلا وجوزا بيساعدونش الحين تجهزين اغراضش الضرورية بسرعة..
وأغراضش الباقية بيرتبونها لش ويجونش بها بعدين..



وبالفعل كانت نجلا حينها تدخل.. عائدة من المجمع القريب .. بعد أن أنزلت جوزا في بيت أهلها..
بعد أن أخبرهما زوجيهما قبل أكثر من ساعتين حتى يشتريا لعالية شيئا مناسبا على عجالة..
فمرت نجلا بجوزا وذهبت بها..
واشتريا لها بشكل سريع قمصان نوم وبيجامات وملابس داخلية وبعض الأطقم الجديدة وهما تركضان في المجمع..

والاثنتان فعلا لم تكونا راضيتين بهذا.. فمن التي تتزوج بهذه الطريقة؟؟
حتى جوزا مطلقا لم تكن راضية بما فعله عبدالرحمن وهي تحاول وضع نفسها مكان عالية لتجد الأمر صعبا عليها..
ولكنها اتصلت فورا بشعاع لتجهز هي أيضا غرفة عبدالرحمن..
لتنزل لها الآن لكي ترتب الأغراض التي اشترتها لعالية في الغرفة..



وبما أن زواج شعاع بعد أقل من أسبوع فهي تقريبا كانت أغراضها جاهزة..

لذا قررت شعاع أن تضع مفرشها الفخم الذي كانت جوزاء قد اشترته لها لليلة زواجها لهما..
فهي مازال الوقت أمامها وجوزا ستشتري لها غيرها.. ولكن عالية المسكينة صدموها بهذا التصرف غير المعقول..

بل إن شعاع بأريحية وشفافية كبيرة علقت في الدولاب كثيرا من قمصانها وملابسها الجديدة ..
ونثرت على التسريحة عطورها وكريماتها المعطرة وبخورها.. وكثير من أدوات زينتها..
وكذلك فعلت في الحمام وأرجاء الغرفة.. وهي تبخر كل شيء وتعطره بعناية..

وحين دخلت جوزا بالأكياس الكثيرة ومعها خادمتين يحملونها.. فوجئت أن كل شيء تقريبا جاهز..
كغرفة عروس فعلا بأجواءها وترتيبها ورائحتها..

جوزا همست بتأثر وهي تختنق من تأثرها: شعاع يا قلبي وش خليتي من أغراضش..؟؟

ابتسمت شعاع بشفافية: الأغراض هذي أنتي اشتريتها في أسبوع.. ما تقدرين تشترين لي غيرها يعني؟؟

جوزا احتضنتها بتأثر: واللي خلق عيونش الحلوة لأشتري لش أحلى وأكثر منها.. وفي يومين بس..
جعل ربي يفرح قلبش مثل ما فرحتي قلب ذا المسكينة..
وجعل عين ولد آل كساب ما تشوف غيرش.. قولي آمين..







*******************************************






كانت نجلا ترتب حقيبة عالية على عجالة..
وهي عاجزة عن منع طوفان دموعها من الانهمار.. وهي تهمس بكلمات مختنقة أشبه بكلمات متقاطعة:
ترا والله عمي خالد انحرج من المجلس.. صالح قال لي إن عبدالرحمن ما خلا له مجال... وهو يطلبه قدام الرياجيل..
تكفين لا تتضايقين.. بكرة بنجي عندش ونسوي لش أحلى حفلة..
وبأرقص لش بكرشي..
وبجيب لش هدية ماصار مثلها ولا أستوى.. تكفين لا تتضايقين...
المهم توفيقش..

كانت نجلاء تنهمر بكلماتها المبتورة المتغرغرة بالدموع وهي تتحرك بتوتر في أرجاء الغرفة.. بينما عالية جالسة على طرف السرير غارقة في التبلد..

ختاما كانت هي من شدت نجلا لتجلسها وهي تهمس بذات التبلد:
نجلا بس.. اقعدي.. الشنطة خلصتيها من زمان.. وأنتي نفس الأغراض تدخلينها وتطلعينها..
ومن قال لش أنا متضايقة.. أنا متقبلة الموضوع ببساطة..
وفعايل أبو صالح فعايل رياجيل صدق وما تنلحق.. ومهوب أنا اللي أسود وجهه.. عشان خرابيط مالها داعي..


حينها كانت نجلا من انفجرت في البكاء وهي تدفن وجهها في حضن عالية..
عالية ربتت على كتف نجلاء المنكبة في حضنها وهي تهمس بذات التبلد:
تدرين عبدالرحمن كنه حاسس فيني..
كنت أفكر أشلون أنا بألبس فستان أبيض.. حسيته شيء غبي ما يلبق لي..
وأشلون بأمشي فيه؟؟.. مثل البطة!!
وأشلون أرسم نفسي عروس وأقعد باحترام وذرابة وأنا ما أعرف..
فخلاص تريحت وريحت رأسي من التفكير بكل ذا السخافات..

نجلاء تزايد انهمارها بالبكاء بطريقة هستيرية وهي تشهق: بس عالية تكفين اسكتي..
لا تقولين شيء.. مافيها شيء لا بكيتي.. ابكي وفضفضي..

عالية وقفت وهي تهمس بحزم: وليش أبكي.. أنا أبي أعرف وين المأساة في الموضوع؟؟
عبدالرحمن رجّالي صار له شهور طويلة..
المفروض أساسا أني رايحة بيته من زمان..
ويا الله نجلا كلمي صالح خله يوديني لبيت رجّالي..

نجلا تنظر لعالية بدهشة حقيقية: نعم؟؟ تبين صالح يوديش..؟؟
عبدالرحمن بنفسه بيجيش لين مكانش..

عالية بحزم شديد: عبدالرحمن وضعه مايسمح له يجيبني.. يجيني مع السواق؟؟
أنا أبي أروح بنفسي وأنتظره هناك..


" تحسب أنك بحركتك بتكسرني يا عبدالرحمن..؟؟
بتجي تأخذني وتلاقيني منهارة أبكي..؟؟
لا يا ولد فاضل..
ما عرفتني !!
أنا اللي بأروح هناك.. وبنفسي.. وأتعدل وأنتظرك مثل عروس..
ورني أنت أشلون بتمثل دور العريس !! "






*****************************






" عبدالرحمن لا تروح تجيب عالية خلاص"

عبدالرحمن يعتصر هاتفه ويهمس بصوت مبحوح: وليش ما أجيبها؟؟ أهلها غيروا رأيهم..؟؟

شعاع بابتسامة عذبة: لا بس عالية صارت هنا خلاص..
وتقول بس عطها ساعتين قبل تجي..

عبدالرحمن ألقى الهاتف من يده كأنها شعلة من نار أحرقت يده..
ليسقط الهاتف عن المقعد المتحرك الذي كان يجلس عليه في المجلس.. لأنه اتصل بالسائق حتى يذهب لإحضار عالية..

ماذا تقصد من هذه الحركة؟؟
أن تثبت له سيطرتها على الأمور؟؟ أو عدم اهتمامها بحركته؟؟
بالفعل يشعر أنه يجهل المرأة التي كان يظن أنه بات يعرفها أكثر من نفسه!!
وهو يرى الطريق أمامهما بات مليئا بالتعقيدات والعناد والخطوات غير المحسوبة!!


لا يعلم كيف قضى الساعتين حتى..
يتمزق بين أفكاره المتعارضة المؤلمة والجارحة..

والده غادره منذ فترة مجبرا.. بناء على حلف عبدالرحمن عليه لأنه يعلم أن والده يفضل النوم مبكرا..
والعمال ذهبوا للنوم أيضا.. فهو على كرسيه المتحرك ويستطيع تحريكه بنفسه حتى يصل لداخل البيت.. بعد أن وضع والده الممرات المسطحة على كل المداخل..
سيتصل بشعاع لتساعده فقط ليصعد لداخل البيت..
لا مشكلة حتى الآن في دخول البيت الذي دخله فعلا..

ولكن الـمـشـكـلـة....
أنه يقف الآن على أعتاب باب غرفته ولا يريد الدخول..
لا يريد الدخول فعلا !!!

عاجز عن توقع شكل المواجهة أو وطأتها وهو فعلا غير مستعد لها ولا بأي شكل!!



مازال يقف أمام باب غرفته..
يسب نفسه على تسرعه..
هاهو في خضم مواجهة هو غير مستعد لها إطلاقا..
هو غير نادم على التصرف الذي قام به.. ولكنه تمنى لو أنه قال لعمه أريد أن أدخل على زوجتي بعد أسبوع أو أسبوعين..
يكون تهيأ للأمر نفسيا..

وبهذه الطريقة يكون وصل لكل اهدافه..
أدبها على ما فعلته به..
وفي ذات الوقت استطاع أن يحضرها لتكون جواره..

لا يستطيع حتى أن يتخيل تقبلها له.. أو تقبله لها...
نحن حينما نسمع عن شخص أو نتكلم معه دون مشاهدة نرسم في خيالنا صورة ما.. قد لا تكون حقيقية إطلاقا..

عبدالرحمن لأنه رجل منفتح التفكير كان يرفض أن يتزوج من محض شبح لا يعرفه..
بدأ بالكلام معها.. وكان يخطط لأن يطلب منها صورة لها على أن يراها ويعيدها لها.. لكي تكتمل الصورة في ذهنه..

حقيقة وفعلا الجمال لا يهمه إطلاقا ولا يشغل باله.. ولكن يهمه أن يعرف شكل المرأة التي ستصبح أقرب له من روحه..

لا ينكر أنه رسم لها صورة ما.. صورة تغلغت في تفكيره من خلال شبه أشقائها..
قد يكونون أولاد خالد آل ليث الذكور يتمتعون بوسامة استثنائية إلا هزاع.. ولكنه لم يستطع أن يتخيل أبدا أن عالية قد تكون جميلة بأي حال من الأحوال.. ولكنها ليست دميمة أيضا..!!

بل الغريب أنه شعر أنها قد تكون أقرب شبها لهزاع ولكن بالطريقة الأنثوية..


فالشباب كانوا يتدرجون في هرم على رأسه عبدالله ثم فهد ثم صالح... ثم يأتي هزاع متأخرا جدا في آخر الهرم..
فهزاع يتمتع ببنية جسدية ضخمة هي الأضخم بين أشقائه.. وتتصف ملامحه بالحدة والخشونة لأبعد حد..

ولأن عالية كانت حتى في حديثها معه تربط بينها وبين هزاع فهذا الربط بدأ يحدث في ذهنه تلقائيا..
وخصوصا أن عالية لم تكن تتمتع بأي أنوثة في الحديث.. الذي كان هو مفتاحه الوحيد لمعرفتها..

بالتأكيد يعلم أنها ليست ضخمة.. لأنه رأها بالعباءة الواسعة.. فطولها طبيعي كطول أي أنثى.. قريبة من طول شعاع مثلا!!


إذن فالصورة التي تكونت في ذهنه..
أن عالية عادية الملامح ولكنها (مملوحة) كما يُقال في اللهجة الدارجة.. أي وجه ترتاح العين لمرآه..
وفي ذات الوقت.. الأنوثة عندها هي في مستوياتها الدنيا..

ومع كل ذلك.. كان متأكدا أنها ستكون المخلوقة الأجمل في عينيه..
فمتى كان الجمال هو مقياس كل شيء في الحياة؟؟

ولكن مع هذا التعقيد الحاصل بينهما.. وهي تجرحه بدون رحمة..
يخشى أنها مهما كان شكلها فهو لن يبصر إلا مساوئها..
وهكذا هي النفس.. ما حسنته فهو حسن.. وما قبحته فهو قبيح!!





هـــــي في الداخل..
تسب نفسها على تسرعها أكثر منه..
بل تسب نفسها أكثر على ثقتها التي شعرت أنها تبخرت في الهواء..

فهي منذ وصلت لبيتهم.. رغم دفء ترحيب أم عبدالرحمن وشعاع وجوزا.. وهن يكدن يحملنها عن الأرض..
وهي تشعر أنها عاجزة عن التنفس.. أما حين وصلت للغرفة ثم تركنها فيها..
شعرت أنها سيغمى عليها...

كانت تظن أنها ستأتي إلى غرفة رجل جامدة.. تبدو كأرض حرب محايدة..
ولكن الغرفة كانت تبدو فعلا كغرفة عروسين في أبهى صورة..

فكيف استطاعوا فعل ذلك في أقل من 3 ساعات ؟؟


المفرش الأبيض البالغ الفخامة.. والشموع العطرية المنثورة في المكان.. والرائحة العطرة الدافئة..
وأكوام العطور والزينة على التسريحة..

أما حين فتحت الدولاب أغلقته بسرعة كما لو كان سيخرج منه عفريت وهي ترى أمواجا من الفساتين الجديدة.. والقمصان الفاخرة..

قررت أن تهرب للحمام وهي تنتزع فوطتها وروبها من حقيبتها.. تريد أن تستحم حتى تغسل جسدها من الحرارة والتوتر..

حين دخلت للحمام.. أصيبت بخجل أعمق.. حتى الحمام كان غارقا في فخامة استثنائية بطقمه الفاخر الجديد..
وهو يفوح برائحة الزيوت العطرية.. وغارق في أكوام الكريمات ومعطرات الجسد..


كادت تجن.. كيف فعلوا كل هذا في وقت قصير.. بل دون وجود وقت حتى؟؟
بل لماذا فعلوه وهم يسلبونها حقها في القوة والثقة ليجعلوها تشعر بالخجل والتزعزع كأي فتاة غبية؟؟

لم يخطر ببالها أن كل هذه الأغراض هي أغراض شعاع التي كانت جاهزة أصلا..
وكل ما احتاجته.. هو خادمتين معها لتنتهي من العمل كله في أقل من ساعة..

مع أنه لم يكن لها عقل لتفكر وهي تستحم.. ولكنهالم تستطع منع نفسها من الشعور بألم عميق..
وهي تلاحظ في الحمام بقرب المرحاض والمغطس وجود الألواح الحديدية التي توضع لذوي الاحتياجات الخاصة لتساعدهم على الحركة داخل الحمام..


حاولت تنحية الألم الذي غمر روحها لأقصاها وهي وتقرر أنها لابد أن تمشي في مخططها كما رسمت.. مع أنها ماعاد بها قدرة لا للتفكير ولا للتنفيذ..


صلت قيامها قبل أن تقوم بأي شيء وهي تدعو الله أن يقوي عزيمتها ويبعث في روحها القلقة السكينة..
ثم حاولت أن تهدأ وهي تقوم لتبدأ بتنفيذ مخططها..

بعد أن انتهت من تعطير جسدها وشعرها وتبخيرهما.. أخرجت فستانها الذي قررت أن تلبسه.. فستان زهري..
ضيق على الصدر ويتسع من الصدر بكسرات متعددة..

فهي بطبعها ولأنها نشأت في بيت كله شباب ثم عاشت سنواتها الأخيرة مع شاب كانت لا ترتدي إلا الملابس الواسعة..
وربما حتى هذا الفستان كانت تراه مخجلا.. ولكنه كان الفستان الوحيد الجديد الجاهز لديها لأنها كانت أعدته لزواج شعاع..

تركت شعرها المتوسط الطول يجف دون تمشيط وهي تمرر بعض الجل خلاله ليكون مموجا بطبيعية..
ثم رفعت أطرافه من الأمام بفراشات زهرية..
ووضعت زينة خفيفة.. اعتمدت على ألوان الزهر في مجملها..

لا تعلم حتى لو كان شكلها مرتبا وهي تنهي زينتها برشات كثيفة من العطر..
ولكن هذا ما استطاعت فعله وهي تنظر لساعتها وترى أن الساعتين اللتين طلبتهما من عبدالرحمن عن طريق شعاع قد انتهتا من أكثر من ربع ساعة..



كانت تجلس في الجلسة الصغيرة في الزاوية حين رأت الباب يُفتح..
شعرت أن قلبها يقفز إلى منتصف حنجرتها من الرعب والتوتر..
حاولت أن ترفع عينيها لتنظر له بتحدي و برود حتى تريه أنه لم ولن يكسرها..
ولكنها لم تستطع رفع عينيها عن يديها المتشابكتين وصوت دقات قلبها يكاد يطغى على صوت العجلات التي سمعتها تتقدم لداخل الغرفة..



هــــو... بقي أمام الباب لوقت طويل.. لا يعلم مدته.. ربع ساعة.. نصف ساعة..
يعصف به توجس عميق.. في داخله كره أن تراه بهذه الضعف.. وهو يدخل على كرسيه المتحرك..
وكأنها تتأكد بذلك مما وصفته به أنه " مكسح " !!!
أذى نفسي متزايد هو في غنى عنه..!!

ولكنه في النهاية وجد نفسه مجبرا على الدخول.. فحتى متى سيبقى أمام الباب؟؟
أ ليس من أراد جلبها لعنده؟؟ وهاهي عنده كما أراد تماما..

حين دخل لم يستطع حتى أن ينظر ناحيتها..
وإهانتها المرة تقفز فورا لذاكرته...

غمغم بسلام بارد وهو يتجاوزها للحمام.. لترد هي بسلام أكثر برودا..
وعبرتها تقفز لمنتصف حلقها وهي تتذكر حين سمعت صوته.. ماقاله لها في مكالمتهما الأخيرة..
وهو يطعن قلبها الطعنة التي حاولت أن تنحيها من تفكيرها فإذا بها تقفز لتحتل كل المساحات وهي تراه أمامها..


قضى في الحمام نصف ساعة قبل أن يخرج من غرفة التبديل وشعره يبدو مبلولا..
خلال الفترة التي قضاها في الحمام كانت رغما عنها تتساءل بألم شاسع:
كيف يتصرف في الداخل..؟؟

كانت تنظر له بطرف عينها وهي تراه يعبر من أمامها.. متوجها للسرير ودون أن يوجه لها كلمة واحدة..
نقل نفسه للسرير.. بدا له أنه عانى طويلا حتى استطاع فعل ذلك..
ولكنها لم تجرؤ على عرض المساعدة.. وهي تشعر رغما عنها أن كل حركة فاشلة يقوم بها تجعل قلبها ينتفض وهي تخشى أن يقع على الأرض خلال محاولاته..

وهي مازالت تسترق النظرات له وهي تراه يتوجه للقبلة ويصلي قيامه.. ثم يتناول مصحفه ليتلو ورده..
ثم يضع مصحفه جانبا.. لينظر أمامه.. دون أن يتوجه لها بكلمة..

شعرت بغضبها يتصاعد منها.. لماذا أحضرها هنا إن كان يريد أن يتعامل معها كأحد مقاعد الغرفة..؟؟
فهو لم يكن يحتاج لمقعد إضافي..


مرت دقائق صمت قبل أن يكسر هو الصمت وهو يهتف ببرود مقصود:
تراني تعشيت في ملكة خالش العزيز..
لو تبين تتعشين.. تعشي أنتي..

قالها وهو يشير بيده للعشاء المرتب على طاولة التقديم في الزواية..

حينها رفعت عينيها وهي تنظر له بشكل مباشر وترد ببرود أشد:
شكرا مالي نفس.. نفسي مسدودة طال عمرك..

حينها تجرأ لينظر لها.. فنبرة التحدي منحته عذرا ليقوي أعصابه..


حـــــيـــــــــنــــها...
تبعثرت مشاعره تماما..
فالمرأة أمامه شكلها مختلف تماما عما رسمه في ذاكرته..
لا تشبه أي واحد من أخوتها ولها شكلها الخاص بها..
قد تكون فعلا عادية الجمال.. ولكن ملامحها كانت عذبة وأنثوية ورقيقة لحد بعيد..
كانت فعلا في عينيه هو أنثى فاتنة وهي أمامه كزهرة عطرة متفتحة في أجمل فصول الربيع!!
لم يتخيل أن من لها هذا اللسان الحاد السليط قد يكون لها مثل هذه الملامح الرقيقة..!!


رغما عنها حين رأته يتفحصها بهذه الطريقة المتمعنة أنزلت عينيها

" وش فيه الدب يتمقل كذا كنه عمره ماشاف مره؟؟
يمكن يتمسخر هو ووجهه ذا الحين!!!"

لم تستطع أن تسكت وهي تراه يطيل النظر فيها هكذا .. فروحها المتمردة رأت في تفحصه لها بهذا الاستهزاء امتهانا لها..

لذا رفعت عينيها وهي تنظر له وتهمس بنبرة تهكمية:
تطلع الأخطاء السبعة؟؟.. وإلا تحسر على حالك لأنك كنت تتمنى ناس ثانين يكونون مكاني..؟؟

حينها رد ببرود: ناس ثانين مثل من؟؟

أجابته حينها بمباشرة غاضبة وكل الأقنعة تسقط: بنت خالك مثلا يابو عين زايغة..

حينها أجاب ببساطة حازمة: لو أنا أبغي بنت خالي على قولتش..
ترا أبسط شيء إنه أتصرف تصرفات القرون الوسطى.. و أقرع على خالش من يوم دريت إنه خطب..
ولو كنت مثل ما تظنين.. فخطبة خالش بتحل كل مشاكلي..
لأني لو خطبت عادي لهم حق يردوني.. لكن لو قرعت ما لحد حق يفتح ثمه..
كذا تقول العوايد يا اللي تعرفين العوايد..
ولو حتى بغيتها الحين.. ممكن أروح أشتكي عند كبار القبيلة وأخلي خالش يطلقها..
صحيح هذا مهوب حق في الشرع ولا الدين.. بس حق في العادات والتقاليد..
والرجال العاشق ماعليه شرهة..
أشرايش عالية؟؟ أسويها؟؟

عالية صمتت بغيظ وغضب وألم أوسع من كل ألم..
وما يؤلمها حتى آخر شرايينها.. أنه محق تماما..!!

لو كان يريد وضحى ويحبها كما كانت تظن.. كان يستطيع أن يحجرها على خالها..
فالمحب يستحيل أن يتخلى عن حبيبه.. تماما كما فعل هو معها الآن.. بينما هي فعلت العكس.. العكس تماما!!!


بدا لها الأمر بسيطا واضحا إلى درجة الوجع.. ولكن الأمور لا تكون بهذه البساطة والوضوح لامرأة مجروحة!!

شعرت بتزايد حزنها ووجعها في قلبها.. حتى شعرت أنها تريد أن تتقيأ دون أن تستطيع!!


تبادلا النظرات الصامتة لثوان.. ثم تمدد عبدالرحمن وهو يهتف بسكون:
تصبحين على خير..

ابتلعت غصتها الصامتة.. شعرت لضخامة الغصة أنها ستتقيأ فعلا وهي تبتلعها رغما عنها..
" يا الله كم هو مرهق!! "


بينما هو كان مرهق فعلا.. متعب من هذه المواجهة القصيرة..
لم يتخيل أن ليلته الأولى مع عالية لن تكون سوى مأساة واستنزاف لمشاعره وأعصابه بهذه الطريقة..
ألا يستطيع أن يناديها ويقول لها تعالي جواري فقط.. أريد أن أسمع أنفاسك من قرب..
أنفاسك التي رافقت روحي وأخرجتني إلى ضوضاء الحياة!!

لماذا كل هذه التعقيدات بينهما؟؟
وهو يحاول بفشل ذريع أن يتجاوزها ليجد حاجزين ممتدين أمامها..
معايرتها الجارحة له..
ثم إحضاره لها بطريقة مطلقا لا تناسب قدرها الكبير عنده !!
رغم أنه بذاته إنسان غير معقد أبدا.. واعتاد على أخذ الأمور ببساطة وشفافية..
فلماذا يحضر التعقيد بينهما؟؟

وهو يتمدد... تذكر أن الغرفة ليس بها مكان مناسب للنوم عدا هذا السرير..
لأن هذه غرفة مؤقتة له..
والجلسة الصغيرة في الزاوية عبارة عن أربع مقاعد دون أريكة حتى!!

حاول أن يعتدل بذات الصعوبة التي عاناها في تمدده وكانت مازالت تجلس على المقعد ليهمس بذات السكون:
عالية تعالي نامي جنبي.. مافيه مكان تنامين فيه..
ثم أردف بتهكم موجوع: ولا تخافين.. السرير كبير.. وأنا واحد مكسح..
ما أقدر أجي جنبش..

شهقت بعنف.. ولكنها كتمت شهقتها بداخلها مع أخواتها الأخريات..
وهي تسمع معايرتها له بلسانه.. تبدى لها مقدار بشاعة الكلمة وقسوتها ووحشيتها..
بدت الكلمة فعلا بشعة لأقسى صور البشاعة التي لا يمكن تخيلها حتى!!


" أ حقا جرؤت أن أجرحه بهذه الطريقة غير الإنسانية؟؟
أ حقا فعلتها؟؟"


قفزت للحمام دون أن ترد عليه..
شعرت أنها ستنفجر في البكاء أمامه ودون مقدمات..
لذا أغلقت باب غرفة التبديل.. ثم باب الحمام.. لتنتحب..

يا الله .. أي ليلة زواج هذه التي قضت أكثر من ثلاثة أرباعها في النشيج والنحيب!!


حين استكانت بعد أن فرغت ثورة بكائها..
خرجت لغرفة التبديل لترتدي بيجامة حريرية واسعة بلون مشمشي..
لا تعلم لماذا اختارتها؟؟
كانت أقرب شيء ليدها.. ربما..!!
بريئة ودافئة.. ربما!!



حين خرجت.. كان يتمدد على جنبه .. عيناه مفتوحتان لكن مسبلتان جزئيا..


"يفكر.. مهموم.. !!
وأي شخص بحاله لا يكون هموما.. اجتمعت عليه المصائب..
العجز والقهر والحبس... وأنا !! "


اعتصمت بمكانها في مقعدها حتى أذن الفجر الذي لم يكن بعيدا أساسا..
حينها رأته يزيح غطائه ويحاول النهوض.. رغما عنها قفزت لتقف..
محاولة الاعتدال وهو يسحب قدميه.. بدت مؤلمة..
فكيف بمحاولة النزول عن السرير للكرسي المتحرك؟؟

ولكنها لم تتحرك من مكانها.. فليس لها حق الاقتراب ولا عرض المساعدة!!
لها حق تجميع الغصات فقط!!


هــو.. شعر بأذى نفسي كبير أنها تراقب عجزه وقلة حيلته من هذا القرب..
وقوفها ساكنة متفحصه هكذا يؤلمه.. بل يذبحه..
ولو عرضت المساعدة فهي ستذبحه تماما.. لأنها حينها ستريه أي (مكسح) هو!!


عاني طويلا فعلا لينقل نفسه للمقعد لأن قدميه كانتا متيبستين تماما..
حين دخل للحمام.. شعرت برغبة مضنية للبكاء.. هل هناك من آخر لهذه الدموع التي لا تشبهها..؟؟


لم تتخيل أن رؤيته بهذا العجز وقلة الحيلة سيؤذيها بهذه الطريقة..
والمؤذي أكثر من كل شيء معرفتها أنه يكابر على وجعه حتى لا يبدو كما قالت له في كلمتها البشعة...


بقيت معتصمة بمكانها وآلامها الغريبة تتسع وتتسع..
خرج بعد عشر دقائق مرتديا ثوبه.. ولكنه يحتاج إلى من يسدله له على قدميه..

حينها وقفت وهي تهمس له بحزم رقيق:
لا تصير سخيف وتعيي..
خلني أوطي لك ثوبك..

هتف لها بحزم أشد: إبي ينتظرني في الصالة وبيوطيه لي..

حينها همست بنبرة أقرب للرجاء: وتشوفها زينة في حقي قدام إبيك.. إنك طالع من عندي وشكلك كذا..؟؟

فأجابها بنبرة أقرب للألم: وهذا كل اللي هامش..
خلاص تعالي وطيه..

ألم شفاف فعلا يغمر قلبيهما النقيين.. ألم ماعاد له معنى.. وكل منهما يرى كم الآخر مجروح منه...!!

انحنت لتسدل ثوبه على قدميه..
تمنى حينها وهو يراها قريبة هكذا.. لو استطاع أن يضع كفه على رأسها ويقول لها كلمة واحدة تسمعها منه بشكل مباشر: (أنا أسف)..

وتمنت هي لو دفنت رأسها في حجره وبكت فيض دموعها وغصاتها المكتومة وهي تهمس بكلمة واحدة: (أنا آسفة)..


غريب هو الإنسان كيف يهوى تعذيب نفسه!! ويبحث عن مبررات لهذا العذاب وأسباب!!
مع أن أسباب التسامح والسعادة أقرب وأقرب!!!

غريب هو الإنسان كيف يكون سهلا عليه أن يغضب ويجرح..!!
ثم يكون صعبا عليه أن يحتوي ويسامح..!!

غريب هو الإنسان كيف يرضى بالعطش والماء بين يديه!!

غريب هو الإنسان يرضى أن يكون جارحا ويرفض أن يكون مجروحا!!
غريب هو الإنسان كيف يريد مع كونه جارحا أن يتلبس دور الضحية!!
ويرفض دور الجلاد مع رفضه للجرح...
فكيف تكون ضحية لم تُجرح!!
وكيف تكون جارحا وأنت لست بجلاد !!!


تساؤلات دارت في النفسين المعذبتين على ذات المستوى من القهر والوجيعة
وهي تراه يغادرها للصلاة..
ثم وهي تصلي وتقرأ وردها ولا تكف عن البكاء..
ثم وهي تكتم شهقاتها وهي تراه عائدا من الصلاة....


اقتربت هذه المرة دون أن تتكلم لتساعده على خلع ملابسه..
فما عادت تحتمل أن تتركه يتعذب هكذا لوحده وهي مازالت لم ترى عذابه سوى لليلة واحدة..

وتمنى هو أن يرفض..
ولكنه لا يستطيع أن يكون لئيما ولا يعرف..

وهو يعرف أنه إن رفض سيجرحها.. وهو عاجز عن جرحها متقصدا..
فهو إن كان جرحها عن غير قصد.. فلا يستطيع أن يكون مثلها ويفعلها عن قصد...


بدا كل شيء بينهما حينها كثيفا وجارحا وحساسا ومغمورا في شعور جارف لا يمكن صده ولا تحديده..
أنفاسه الدافئة المتوترة قريبة منها وتلفح وجهها!!
وأناملها الباردة الأكثر توترا على عضده وكتفيه..!!


بدت العملية أكثر من مجرد خلع ثوب إلى معضلة إنسانية موجعة.. بين الفعل ورد الفعل!!
بين إحساس كل منهما بالذنب وبالجرح في ذات الوقت!!
بين إحساس كل منهما بالقرب والبعد!!
بين اختلاج الإنفاس وارتعاش اللمسات !!

حين انتهت وهي تشد ثوبه مبتعدة.. كان كل منهما يشد أنفاسه التي شعر بها احتبست من هذا القرب اللاسع..

همست بخجل وهي عاجزة عن النظر له: أقومك على السرير..؟؟

فرد عليها بثقل عميق: لا.. أقدر بروحي..

فكلاهما بدا غير قادر على احتمال جولة أخرى من هذا القرب المموه اللاسع الجارح..!!!

وبالفعل حاول نقل نفسه بصعوبة بالغة لسريره حتى نجح..
تمدد على جنبه.. وأسبل عينيه وهي مازالت واقفة..
همس بإرهاق شديد وهو مغلق العينين: تكفين عالية تعالي نامي.. أنا ميت من التعب.. ومستحيل أقدر أنام وأنا عارف أنش قاعدة صالبة نفسش كذا..

تنهدت بعمق.. " إذا كنت عذبا وشفافا هكذا؟؟
فكيف استطعت أن تجرحني بهكذا قسوة؟؟"


وقفت لثوان ثم اقتربت من الناحية الأخرى..
تمنت أن تهرب من المكان كله..
لكنها لم تستطع أن ترفض وهي ترى كم هو متعب!!
لم تتخيل أن رؤيته قريبا هكذا ستفجر في داخلها مشاعر على مستوى آخر..
أنها تود أن تكون جواره.. تخفف عنه..
تنسيه هم هذا الثقل الذي لم تستطع هي احتماله.. فكيف بمن يعانيه؟؟


اقتربت وهي تختنق بخجلها لتجلس على طرف السرير الآخر..لم تستطع أن تتمدد حتى..
علم أنها أصبحت جواره هي تسلل إلى أقصى خياشيمه رائحة عطرها العذب المعذب..

فتح عينيه.. لتنتفض هي بجزع.. همس بسكون: ليش قاعدة كذا.. انسدحي.. ترا أنا ما أعض..

تمددت وهي تشعر كما لو كان الفراش يتحول لفراش من مسامير..
شدت الغطاء على كامل وجهه.. وهي تترك فقط عينيها اللتين كانتا نتظران نحوه وهي تمسك الغطاء على وجهها...

حينها همس بيأس حقيقي.. بصدقه الشفاف: تكفين عالية لا تزيدينها علي..
والله إني ندمان إلى جبتش بذا الطريقة اللي ما تناسب قدرش عندي..
فلا تزيدينها علي وأنا أشوفش خايفة وحزينة كذا!!


حـــيـــنـــهــــا...
انفجرت تماما في البكاء.. ماعادت تحتمل.. ماعادت تحتمل!!
أيكون نادما لأنها أحضرها هنا..
وهي أ ليست نادمة ألف مرة على تجريحها البشع له الذي دفعه لهذا التصرف؟؟

هو حين رآها تبكي هكذا.. شعر بقلبه يتحطم لشظايا..
ظنها تبكي لأنه شعرت بالقهر منه ومن تصرفه معها..

شد نفسه بصعوبة ليقترب منها.. ثم ربت على كتفها بحنو ذائب وهو يهمس بذات الحنو الذائب الموجوع:
عالية يا قلبي.. والله أني آسف.. الله يلعن الشيطان ويباس الرأس..
تكفين لا تبكين.. والله قلبي ما يستحمل..
وش اللي يرضيش؟؟ تبين ترجعين بيت هلش وننتظر لين أقدر أمشي وعقب نحدد عرس؟؟ أنا حاضر..
أدري إنه كلام مهوب منطقي عقب ماجيتي عندي وأمسيتي في بيتي!!
بس أنا ما علي من حد.. وما يهمني كلام الناس.. يهمني اللي يرضيش أنتي..
تبين الطلاق صدق؟؟.. أنا حاضر حتى لو كان الموت أهون علي.. المهم أنتي..


تزايد نحيبها وهي تدفن وجهها بين كفيها..
بينما شعر هو أن شظايا قلبه المحطم تتزايد تطايرا كلما رأى تزايد بكاءها..
تمنى لو يشدها ليحتضنها وهو يرى نفسه عاجزا عن تهدئتها..
ولكنه لم يرد أن يزد رعبها منه رعبا..


هـــي.. مطلقا لم تكن مرعوبة.. ولا خائفة... بل محض نادمة!!
عاجزة عن تجاوز تجريحها له الذي يتغلغل ألمه في روحها..
تشعر أن شفافية روحه تكاد تضيء جوانحه بينما تشعر هي أنها روحها ملوثة بسواد لا يليق بطهر روحه!!


همس عبدالرحمن بذات الحنو الموجوع وهو يمد يده المرتعشة ليمسح على شعرها:
عالية بس تكفين.. طالبش.. خلاص..
زين كلميني بس.. سبيني لو تبين..
بس طالبش ما تبكين كذا!! حرام عليش.. بروحي نفسيتي زفت..

حينها أزالت كفيها عن وجهها.. لتقترب هي منه وهي تحارب خجلها وحزنها ويأسها وتوترها.. وتصدمه بدفن وجهها في منتصف صدره...


وحينها.. ماعاد للكلمات معنى أو قيمة.. !! تضاءلت كل قيمة لها ومعنى أمام معجزة إحساس سماوي غير مسبوق...


فيكفيه ارتعاشها بين يديه.. ودموعها تغرق صدره.. وأنفاسها تبعث قشعريرة قارصة في كل خلاياه..

ويكفيها صلابة ذراعيه تحيطها بكل حنان العالم.. وهي تتوسد عضده وتستمع إلى دقات قلبه المتصاعدة من هذا القرب!!



يكفيه أنها غفرت له جرحه لها وهي تطهر روحه بلهيب دموعها وأنفاسها الساكنة بين حناياه..

ويكفيها أن صدره كان الميناء الذي استقبل بشاعة معايرتها له دون أن يجعل هذه الكلمة المرعبة سدا بينها وبين ميناء حضنه..



يكفيهما هذا الإحساس بالذوبان والتماهي والامتزاج وكل منهما يشعر أن خطيئته في حق الآخر هي الأكبر..
ويشكر الله على نعمة التسامح التي منحها لقلبيهما ولسكينة روحيهما..




#أنفاس_قطر#
.
.
.

أدري البعض الحين بيقولون خليتهم يتراضون بسرعة.. موب منطق..
بأقول لهم إلا هذا هو المنطق اللي أنا قصدته هنا..
من أسهل ما يكون أني أطول في زعلهم كم بارت.. وأحداث زعلهم تمشي جنب لجنب مع أحداث الباقين..
لكن أنا قصدت تمام أخليهم يتراضون بسرعة لسبب مقصود جدا أعتقد إنه وصلكم : )
.
موعدنا الجاي الثلاثاء الساعة 6 الصبح مع بارت سبيشل جدا جدا...
.
.
.

 
 

 

عرض البوم صور #أنفاس_قطر#  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
من وحي قلم الأعضاء, أنفاس قطر, بين الأمس و اليوم, دون ردود, كاملة
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتملة (بدون ردود)
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t158045.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
ط¨ط¹ط¯ظٹ ظ…طھط°ظƒط± ظ‡ظ…ط³ط§طھظƒ ظ…ظ† ط§ظٹط§ظ… ط§ظ„ط·ظپظˆظ„ط© This thread Refback 21-08-14 12:03 AM
Untitled document This thread Refback 19-08-14 02:15 AM
ظˆط§ظ…ط§ظ… ط§ظ„ظ‚ط±ط§ط± ط§ظ„ظƒط¨ظٹط± ط¬ط¨ظ†طھ This thread Refback 17-08-14 07:47 PM
Untitled document This thread Refback 15-08-14 06:46 AM
ط´ط§ط¹ط± ظپط±ط§ط´ ط§ظ„ظ‚ط§ط´ This thread Refback 14-08-14 05:23 PM
ط§ط®ظ„ط§ ط·ط±ظپ ط¨ط§ظ„ط§ظ†ط¬ظ„ظٹط²ظٹط© This thread Refback 12-08-14 05:05 PM
ظˆط§ظ…ط§ظ… ط§ظ„ظ‚ط±ط§ط± ط§ظ„ظƒط¨ظٹط± ط¬ط¨ظ†طھ This thread Refback 10-08-14 03:02 PM
ط§ظ†ظ‡ط§ ط­ظ…ط²ظ‡ ظˆط³ظ…ط§ط­ This thread Refback 10-08-14 04:33 AM
ظ…ظ†طھط¯ظ‰ ط±ظˆط§ظٹط§طھ ظ…ط§ ظˆط±ط§ ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ط© liilas This thread Refback 09-08-14 01:48 AM
Twitter meznah ظ…طµط± ظ…ط²ظ†ط© ط§ظ„ط¨ط­ط±ظٹظ† This thread Refback 03-08-14 12:01 PM
ط­ظٹظ† ط§ظ…ظˆطھ ط§ظ†ط§ ط³ظٹظ…ظˆطھ ظ…ط¹ظٹ ط­ظ„ظ…ظٹ This thread Refback 03-08-14 09:06 AM
ظˆط§ظ…ط§ظ… ط§ظ„ظ‚ط±ط§ط± ط§ظ„ظƒط¨ظٹط± ط¬ط¨ظ†طھ This thread Refback 01-08-14 02:11 PM


الساعة الآن 01:16 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية