المنتدى :
روايات أونلاين و مقالات الكتاب
د/أحمد خالد توفيق يكتب ...الاديب الذى تجاوز الحدود ..6/3/2011
الاديب الذى تجاوز الحدود ..6/3/2011
تذكرت كتاب (الجنزوري وأنا) الذي كتبه عادل حموده يحكي فيه عن مشاكله المزمنة مع رئيس وزراء مصر الذي يظهره الكتاب دكتاتورًا يهوى احتكار السلطات كلها (ونظيف اليد بالمناسبة)، ولا أنكر أن الكتاب فيه قدر لا بأس به من الشماته بعد ترك الجنزوري للوزارة. في لقاء مع الجنزوري حاول حموده أن يكون مهذبًا منصفًا ودقيقًا وقدم بعض الأرقام، فاستشاط الجنزوري غضبًا وصرخ:
ـ"كيف تجرؤ على الكلام معي بهذه الطريقة ؟.. أنا رئيس وزراء مصر !"
والسؤال هو: كيف تكون طريقة الكلام مع رئيس وزراء مصر ؟.. أليس في النهاية موظفًا في الدولة يؤخذ من كلامه ويرد ؟. ما حدث مع حموده شبيه جدًا بما حدث مع الأسواني مؤخرًا ..
بعد الندوة التي دارت على قناة أو تي في، انهالت تعليقات غاضبة كثيرة على علاء الأسواني بحجة أنه كان طويل اللسان في كلامه مع أحمد شفيق، وأنه نسى أنه يكلم رئيس وزراء مصر. والحقيقة إن الأسواني لم يتجاوز على الإطلاق ... المشاكسة لا تعني الوقاحة بتاتًا، ومن ينتقدون أداءه إنما يعبرون عن تصورهم لطريقة التعامل مع رئيس الوزراء: "فيه ناس بيقولوا إن حكومة سعادتك اتأخرت في كذا وكذا .. أرجو أن سعادتك توضح لهم إن ده مش صحيح .. ".
ولربما استدعى التهذيب أن يجلس السائل على الأرض بين يدي رئيس الوزراء على طريقة فلاح كفر الهنادوة، وأن يطرق بوجهه في خفر وحياء.. يتلقى الإهانات فيبتلعها في صمت. هذه هي طريقة التعامل وكل من لا يتعامل بها هو إنسان وقح يفتقر للتهذيب.
أذكر أن مذيعًا مهمًا كان يجري حوارًا تلفزيونيًا مع السيدة جيهان السادات، وكان مهذبًا لكنه كان يؤدي عمله جيدًا ويسأل عن كل شيء .. سمعت سيدة أعرفها تقول: "لماذا تقبل جيهان السادات لواحد كهذا أن يمارس وقاحته معها ؟"
هذه هي المشكلة لدى رجل الشارع .. أي تعامل مع هذه الشخصيات يزيد على (يا ريت سعادتك تحكي لنا عن تطلعاتك العظمى)، هو وقاحة وقلة أدب. غلطة الأسواني أنه بحكم ثقافته ورؤيته العالم قد افترض أن رئيس الوزراء موظف يمكن أن نناقشه، بينما الحقيقة في مصر هي أن رئيس الوزراء إله صغنون لا يُسمح لنا سوى بإحراق البخور تحت قدميه.
الحقيقة أن اللقاء كان سيئًا بالنسبة لأحمد شفيق منذ اللحظة الأولى، وقد رأينا كيف أضاع ربع ساعة في الإجابة عن سؤال لم يطرحه أحد، وهو أن حسني مبارك لم يصنعه وأنه عظيم من قبل أن يعرف (مبارك) أصلاً ، وهي على كل حال نقطة فرعية تضعف حجته.. منذ اللحظة الأولى بدا واضحًا أنه لم يفهم كلام علاء الأسواني، وأنه شديد العصبية.. وبدأ يفقد الكثير من أسهمه وهالة الوقار المحيطة به.
منذ تولى أحمد شفيق الوزارة في فترة عصيبة جدًا، بدا لنا مختلفًا وواعدًا .. كان يتكلم بهدوء وتهذيب ويبدو مرتب الذهن يعرف ما يريد وكيف يفعله. مع الوقت بدأنا ندرك أن شيئًا لا يحدث على الإطلاق .. لا تحرك في اتجاه محاسبة مجرمي الماضي، ولا تحرك في اتجاه إلغاء قانون الطوارئ، ولا تحرك في الخلاص من الأسماء التي تثير ريبة الناس. وبالفعل لم يبذل الرجل أي جهد كي يزيل علامات الاستفهام المحيطة به التي تقول إنه يتلقى التعليمات من شرم الشيخ مباشرة. وبعد ما وعد بعدم مس المتظاهرين وقعت واقعة الجمل وأطلق الرصاص على المتظاهرين. أما الآن فقد جاءت علامة استفهام واضحة جديدة: بمجرد رحيله ومجيء عصام شرف، قامت أجهزة أمن الدولة في كل مكان بفرم وحرق أوراقها !... لقد عرفوا أن وقت الحساب قد جاء وأن القادم يختلف تمامًا عن الراحل !
أما عن إعجاب الناس المستمر بشفيق فعلى الأرجح لأنه ظريف أنيق ويتكلم بالانجليزية ويقول could be. وهو نفس المنطق الذي يجعل الناس يعتقدون أن عمرو موسى رائع لأنه وسيم وأنيق ويبدو منهمكًا، وقال ذات مرة إن ليبرمان مجنون.
قرب نهاية الحوار فقد شفيق أعصابه تمامًا ، واتهم علاء الأسواني بادعاء الوطنية، وهي الموضة الجديدة مع كل من يحاول أن يتكلم بصراحة .. ومنذ أيام اتهم أنس الفقي محمود سعد بأنه يبحث عن الجماهيرية ليزيد من قيمة تعاقده، وهي إهانة لم يبتلعها علاء بأي شكل وازداد الكلام حدة حتى اقترب من الصراخ. عندما انتهى الحوار لم يعد هناك شك لدى أحد فيمن هو الطرف الضعيف الذي يدافع عن نفسه.
عندما يدور الكلام عن علاء الأسواني، فعلينا ألا ننسى أن هناك جانبًا لا بأس به من الحسد لدى قطاع من المثقفين تجاهه. الرجل حقق مجدًا عظيمًا في وقت قصير .. ثم يضيف لهذا المجد أنه الروائي الذي أدى للإطاحة بوزارة كاملة !.. لهذا تكاثرت المقالات التي تتهمه بأنه كان غير مهذب مع رئيس وزراء مصر، وأنه كان عدوانيًا غير ديمقراطي، وأنه حول نفسه لبوق يردد ما يريده الشباب كي يكسبهم .. الخ .. بينما كان ما فعله هو الرد على الإهانة بمثلها تقريبًا. وإذا لم يكونوا قد أوصوه بأن يجلس في حياء بين يدي رئيس الوزارة يوافق على كل شيء، فهذه ليست غلطته بالتأكيد.
المصدر:جريدة الدستور
|