أضافت كارول: "عدت للتو الى عملي."
وهي تنزع الغطاء الذي وضعته رفيقتها منذ فترة وجيزة, لم ترفع نيستا نظرها عن راس الممرضة المنحني, بينما راحت الاصابع الحازمة والرقيقة تدلك ساقها المعطوبة, ترى ماذا يخفي هذا القناع الباهت من رباطة الجأش؟
قالت نيستا: "اخبريني ايتها الممرضة, كيف يمكنك ان تحافظي على هذا المنديل برصانة في مكانه؟"
ابتسمت كارول من دون أن توقف عملها اجابت: "انها الممارسة والخبرة القديمة, عندما كنت في طور التدريب كانت رئيسة الممرضات توبخني دائما بسبب قبعتي, والمنديل اسهل بكثير لكنه يمكن أن يؤدي الى مضايقات احيانا."
فكرت نيستا "انها كفؤة ومحايدة بشكل لطيف, لكن الا توجد طريقة للوصول الى ما تحت الغطاء؟ ومن حيث لا تدري خطر لها ان تقول: "احيانا افكر في ما قد يقوله فاليب عن الممرضات هنا."
"فاليب؟" قالت كارول من دون ان ترفع راسها. وبالكاد سمعت الاسم, اذ كان عليها ان تركز بقوة على ما كانت تقوم به لئلا تنزلق افكارها الى ما اطلعت عليه في مكتب مارتون, رئيسة الممرضات, وهي لا تريد التفكير به, حتى تحين لحظة مواجهة الواقع.
" انه الماركيز فاليب مانويل رويث دي الفيرو ريالتا ".
لفظت نيستا الاسم باعتداد ذاتي واضح لانها تعلم انه اذا كان من شيء يمكن ان يكسر الجليد بينهما فهو هذا. وبالفعل حصلت على ما ارادت عندما رات الممرضة الشابة تنظر اليها مضطربة من خلال سيطرتها على هدوئها لتقول ببرود "يا الهي من يملك اسما كهذا؟"
اجابت نيستا: "انه سيد خواماسا." وعيناها الزرقاوان تلتمعان. واضافت "فاليب لا يؤمن بعمب النساء واستقلالهن."
عادت كارول الى التدليك وعلى شفتيها شبح ابتسامة ساخرة وقالت: "انه احد اولئك العتاق الذين يفكرون بان المطبخ والزواج مهنة المراة الوحيدة".
واتسعت الابتسامة في عيني نيستا وهي تفكر بان كارول من نصيرات تحرير المراة, ربما يكون الموقف مثيرا لو التقت كارول بسيد خواماسا الرائع.
عاد قناع الحزن ينتاب وحه الفتاة, وعرفت نيستا ان كارول تهجس من جديد بالشيء الذي يعذبها فاكملت مصممةعلى تبديد الكابة ولو لوقت قصير: "قليلون هم الرجال الذين ما زالوا يفكرون هكذا كما اظن."
واضافت: " لكنهم يخفون رغبة في الحماية والعطف."
اجابت كارول: "ربما كذلك."
ولم يكن ذهنها كله مركزا على هذا الموضوع. ثم اضافت: "ما هي جنسية سيد خواماسا هذا, باسمه الطويل العريض".
"برتغالي".
أومات كارول براسها كانما هذا يفسر كل شيء, وانحنت من جديد على عملها, انه واحد من هؤلاء اللوردات الاقطاعيين القدماء الذين ما زالوا يعيشون في مناطق غير عصرية من العالم. وتساءلت جزافا حول موقع خواماسا, غير ان تشتت افكارها اعادها الى الشيء الذي لا تريد التفكير فيه.
قالت نيستا وفي صوتها شيء من المداعبة: "انك لا تبدين اهتماما بالموضوع" واضافت "غريب معظم الفتيات يعجبهن فاليب".
اصطنعت كارول ابتسامة خافتة, فربما كان يهمها ان تعرف شيئا حول نبيل برتغالي يملك جزيرة في مكان او اخر, غالبا في خط الاستواء تدعى خواماسا, لكنها الان لا تستطيع ان تشغر باي فضول. "فيليب" كان الرجل الوحيد الذي شغل عقلها وعلى الرغم من التشابه بين الاسمين فلا شيء يجمع فاليب بفيليب.
قالت كارول بابتسامة ونظرة خاطفة: "يمكنك الاستمرار في الحديث عنه" ثم اضافت قائلة: "ذلك يساعدك في صرف انتباهك عن الالم".
وعن شيء ما يدور في خلدها فكرت نيستا بشراسة بينها وبين نفسها. ثم قالت بصوت مرتفع: "جاءت عائلته الى الجزيرة في اوائل القرن السابع عشر وبالطبع جلبوا معهم كل اتباعهم. واكتشفوا مدينة لورنزيتو وشيدوا فيها قصر "البالاسيو".
رفعت كارول حاجبيها قليلا. ففي النهاية, ورغم ما يجول في خاطرها انه شيء مثير هذا النبيل البرتغالي الذي يعيش في مكان يدعى "البالاسيو".
"اكملي".
قالت بضحكة خافتة واضافت: "انت على حق, بدات اهتم بالموضوع".
اخفت نيستا ارتياحها واستطردت كتفادية ان تكون لهجتها كدليل سياحي:
"البالاسيو بناء جميل ومخيف حسب اعتقادي, لكن فاليب ينسجم والقصر تماما".
اردفت كارول: "ربما لانه هو ايضا مخيف".
وافقتها نيستا قائلة: "اعتقد ذلك, انه لا يملك معظم اراضي الجزيرة وحسب, بل لديه ممتلكات في البرتغال كلها وفي اماكن اخرى من العالم على ما اعتقد".
ابتسمت كارول لنفسها, اذا يبدو الامر كحكايات الجن, لكن في الخرافة يكون الامير شابا جذابا, والواقع انه لا بد في خريف العمر, سمين ولديه معدة كبيرة وربما على وشك الصلع".
في اخر هذه الادانة ابتسمت كارول لنفسها باستغراب وتساءلت: "لماذا تشكلت تلك الصورة التي بقيت بذهنها لبرهة. وعندما انتهت من غرفة نيستا خاجة الى الجناح, تناسته بسرعة.
وصل الخبر بصورة ما الى المرضى, لا احد يعرف كيف, مثل طبول الادغال التي لا يمكن تجاهلها, وكانت كارول منتبهة اليهم يراقبونها تسير في طول جناح المستشفى قبل ان تغادره في نهاية يوم العمل, كانت تحس عيونهم تطاردها ولم تكن شفقتهم في موضعها مع انها نابعة من تاييد داخلي لها, مصدره الامهم بالذات.
" ايتها المرضة ".
ترددت كارول عندما سمعت صوت امراة تناديها ثم التفتت نحوها, واصدرت تنورتها المنشاة حفيفها المعهود, وارتدى وجهها ابتسامة وظيفية براقة لا تشبه ابتسامتها الفاتنة المعروفة. وتساءلت: "كيف حالك يا سيدة روبنسون؟ ثم اضافت: هل كل شيء على ما يرام".
اجابت السيدة روبنسون" :انا على ما يرام".
غير ان نبراتها الطفيفة اوحت ان لديها شيئا اخر يهمها, وعرفت كارول ما هو. لكن من الصعب عليها ان تقطع الحديث وتكمل طريقها, ولو كان ذلك ممكنا لفعلته. كان فضول السيدة روبنسون قاتما لحد لم تعد معه قادرة على الاحتمال, ذلك الصباح. مع ذلك لا يمكن تجاهلها, وهيتحدق فيها كانها تريد اختراق ذاك الجبين الابيض لترى السر المميت وراءه