اعذروني صارت عندي ظروف
************************************************************ **
غير أن غبطتها الماكرة وهي تتحدى عدم رضى فاليب الصامت سرعان ما تحولت الى رجفة غريبة في اوصالها عندما لمحت تعبيره النافر, وقالت لنفسها ما شانه هو؟ ربما كان سيد خوامااسا, ولكن كارول ليست احدى رعاياه, وبعد تناول الغداء وجدت كارول ان رغبتها في لقاء الدكتور كريستين ستتحقق باسرع مما توقعت, فبعد انتقالهم الى غرفة مجاورة ظهر رجل نحيل اشقر متوسط الطول, ولم تكن بحاجة الى مراسم التعارف لتدرك شخصية القادم, فبذلك الشعر الذهبي والعينين الزرقاوين اللامعتين, مع اللكنة االالمانية الجذابة, ما كان يمكن القادم غير الدكتور كارل كريستين, الطبيب السويسري, واحست نحوه بالتعاطف بالسرعة نفسها التي احست فيها الكراهية نحو فاليب, وانحنى لتحيتها قائلا:
"سمعت انك ممرضة يا انسة كارول."
"اجل يا دكتور."
واحست كارول وكانها في مستشفى سان كريستوفر حيث تظهر الممرضات للاطباء غاية الاحترام, ويبدو ان شيئا من احاسيسها ظهر على سلوكها اذ ضحك الطبيب السويسري مازحا وقال:
"هذا واضح للغاية, ولكنني ارجوك الا تعامليني كاحد اطباء مستشفاك في لندن."
وحول نظرته الباسمة نحو الاخرين واستطرد:
"ممرضات مستشفيات لندن احيانا يخفنني بصلابتهن وانضباتهن."
منتديات ليلاس
وضحكت ماريتا بصوت مرتفع وحتى السنيورا سمحت لنفسها بالابتسام وظلت سيلستينا غير مبالية, ولم تجرؤكارول على النظر الى فاليب, اذ شعرت بالالفة نحو كارل كريستين, ولم تكن تريد ان يفسد عليها فاليب بتهكمه شعورها هذا. وتساءلت كارول, لماذا بعض الصداقات يبدا بمنتهى السهولة وبدون ادنى تعقيد؟ ادركت كارول بغريزتها انها هي والدكتور كريستين سيصبحان صديقين. واحست براحة واطمئنان لهذا الاعتقاد, صديقان لا اكثر يجمعهما اعجاب عميق لا يعقده اي شيء اخر, وتنبهت على صوت اللطبيب يسالها:
"في اي مستشفى كنت تعملين؟"
"سان كريستوفر."
وعندما استدارت لتنظر اليه تعجبت لما ارتسم في عينيه الزرقاوين, كانت هناك سحابة قاتمة خيمت عليهما لحظة ثم لم تلبث ان انقشعت سريعا حتى انها اعتقدت انها كانت واهمة, وقال الدكتور كريستين وقد تلاشى اثر تلك اللمحة العابرة واختفت النظرة المريرة من عينيه:
"اعرف مستشفى سان كريستوفر, ولكن يجب ان تزوري مستشفانا في لورنزيتو يا انسة كارول."
"سيسعدني ذلك للغاية."
"ستجدين المستشفى في لورنزيتو مختلفا كثيرا بلا شك عن سان كريستوفر, هنا لا تجدين النظام الدقيق الذي يوجد عندكم, انك تفهمين... فمن الصعب جدا الحفاظ على ذلك النظام في الاجواء الاستوائية."
وفجاة ارتفع صوت فاليب متدخلا في المناقشة وقال:
"ان الانسة كارول لن تعتبر ذلك عذرا يا عزيزي كارل."
واكتشفت كارول اختفاء توترها بعد قليل واستمتعت بوقتها متناسية تماما نظرات ماريتا المتمعنة المبتهجة التي كانت توجهها اليها والى كارل, وايضا ما بدا من عدم مبالاة فاليب الذي لم يقترب منها ثانية.
وحين عادت كارول الى فيلا فرانشيسكا, سالتها نيستا:
"هل استمتعت بوقتك يا عزيزتي."
"الى اقصى حد."
والقت بقفازيها وحقيبة يدها البيضاء فوق المنضدة قبل ان تستدير لتواجه نيستا من جديد قائلة: "لم يكن الامر مخيفا كما تخيلته."
ما رايك في الفتاتين."
"حسنا, كان واضحا للغاية ساحب ماريتا ولكنني لا استطيع حقيقة ان ازعم انني اهتم بسيلستينا."
"كذلك انا,وبذا يمكنك ان تتكلمي بصراحة, اظن انها كانت تحاول ان تجتذب فاليب بطريقتها الماكرة المعتادة."
"اعتقد انهما سيكونان متلائمين."
ولم تحاول كارول ان تحلل ما اجتاحها من شعور غريب بالضيق, واستمرت تقول:
"التقيت ايضا بالدكتور كريستين."
استنتج انه اعجبك."
"انك تجعلينني ابدو مغرورة وهوائية للغاية, لانني لم استطع مقاومة كراهيتي للماركيز تاما كما لم استطع مقاومة اعجابي بالدكتور كريستين."
وسكتت لحظة وقطبت جبينها شاردة ثم استدارت لتنظر الى نيستا مباشرة وقالت:
"ماذا حدث له يا انسة بروتون؟"
"ماذا تقصدين؟"
"لماذا تبدو في عيينيه احيانا نظرة تائهة؟ انه يحاول ان يخفيها, ولكنها تظهر بين الحين والاخر."
"اذن فقد لاحظتها."
وقطعت كلامها وهزت راسها قائلة: "لا اعرف يا كارول, كثيرا ما ارتبت في ان شيئا فظيعا حدث له قبل ان ياتي الى هنا."
"وكيف حدث انه جاء الى مكان مثل خواماسا؟"
"فاليب احضره بعدما تقابلا في سويسرا."
ورمقت كارول بنظرة حادة وعادت تقول: "هذا سر, في الواقع كارل لم يطلب مني عدم البوح به, لكنني لا اعتقد انه يريد ان يعرفه الكثير من الناس, لقد كان يمارس المهنة في لندن لفترة من الوقت."
"تكهنت بذلك عندما تحدثت عن سان كريستوفر."
واومات نيستا واستطردت قائلة: "من الواضح ان شيئا ما حدث في لندن جعله يقرر اعتزال مهنته, فعاد الى وطنه ودفن نفسه في قرية جبلية صغيرة, ثم وجده فاليب هناك واتى به الى خواماسا, وعهد اليه بمهمة اقامة مستشفى حديث هنا, كان يبدو فيذلك الحين متحفظا للغاية وشديد المرارة."
ومن جديد سكتت عن الكلام وعبست وعادت تقول: "لكنه بالتدريج خرج من قوقعته وبدا يضحك من جديد, ولكن ايا كان ما حدث ومهما كانت طبيعته فانه ما زال كامنا هناك في عقله."