"كثرة من الناس في انجلترا يتزوجون يا سنيور... هل ترى أنهم يفعلون ذلك بدون حب؟"
"ليس الحب الذي يعرفه البرتغاليون."
"انه يكفي في انجلترا."
فقال وهو يتامل بامعان القناع المغلق فوق وجهها كما لو كان يبحث عن الحقيقة خلفه: "قد لا يكفيك اذا اقمت طويلا في خواماسا."
"ولكنني لن ابقى طويلا لذلك فانني سابقى امنة تماما."
"اه طبعا... نسيت ان اوقت قصير للغاية."
وكانت السيارة دخلت طريقا خاصا وعندما ظهرت البوابة المزخرفة, تكهنت كارول بقرب الوصول الى القصرنفسه, وفوق البوابة ارتفع قوس شرقي بشعار عائلة ريالتا, وظهر فجاة خادم بزي اخضر وفتح البوابةمنحنيا للسنيور ومبتسما بطريقة تبينت فيها كارول بشيء من الدهشة الفرح والمحبة, وكانت الحدائق المؤدية للقصر ذات جمال خارق, مليئة بالازهار الاستوائية التي لم تكن تعرف اسماءها, وكانت تلمع تحت اشعة الشمس بالوانها الزاهية, ومن خلال الطريق الذي تحفه الاشجار بدا القصر بالظهور تدريجيا. كان مظهره يوحي بقصر مغرربي... ووقفت السيارة امام سلم منخفض يؤدي الى فناء منخفض يؤدي الى فناء امامي مرصوف, وحينما كان فاليب يساعدها على النزول من السيارة, احست انها تنظر مثل طفلة مبهورة, فقد كان كل شيء ضخما باهر الجمال.
وصعدا السلم ووصلا الى فسيفساء الفناء الامامي وتجاوزاه فوق درجات السلم الى المدخل الواسع ذي الاعمدة المنحوتة بشعار ريالتا, وفي الداخل كان نفس الاتساع المفرط. وكانت الردهة باردة والارض الرخامية والاعمدة الشامخة تضفي على المكان اجواء شرقية. كان من السهل رؤية عظمة هذا الناء وجماله كخلفية لذلك الرجل المترفع الذي ولد هنا, وورث اسما قديما وثرووة كبيرة وقرى باكملها تحت سيطرته, وبهذه الافكار عادت نقمة كارول.
فلم يكن من اصواب ان تجتمع لرجل كل هذه القوى, وهو لم يكن سوى كائن حي عادي, مثل اي شخص اخر, ولم تعرف انه كان يلاحظها عن قرب الا عندما سمعته يتكلم, وكان في صوته رنة طرب وهو يسال:
"انك لا تحبين القصر يا سنيورا؟"
"انه جميل جدا, ولكن يوحي بالقوة الزائدة بعض الشيء."
"ذلك شيء ستعتادين عليه."
واحست كارول انها لن تستطيع ابدا ان تالف مثل هذا المكان, وتساءلت عن سبب قوله انها تستطيع ذلك, كان من المشكوك انها ستتردد مرات اخرى على القصر, على الاقل ان استطاعت ذلك, اذ كانت تنوي ان تتجنب فاليب دي الفيرة ريالتا ما استطاعت الى ذلك سبيلا.
واجلسها على مقعد رائع ثم اتجه ناحية المقصف الصغير الملاصق للجدار وقال: "سنتناول اولا مشروبا باردا, ثم اخذك للمكتبة لانتقاء الكتب."
وسكب سائلا عنبريا براقا في كوب من الكريستال وقدمه لها وقال:
"انه خفيف ستجدينه اثقل قليلا من الليموناضة الانجليزية المشهورة."
وكانت كاسه تحتوي مشروبا مختلف اللون, واستطرد يقول وقد عاد الرنين المتهكم الى صوته:
"لا حاجة بك الى الشكوك وانت تشربينه مرتدية زيك الرسمي انه غير ضار."
ولم ترد كارول وهي ترشف قليلا من المشروب بحذرفي استحسان لبرودته, ولكنها لم تكن متاكدة من تصريحه بان تاثيره لا يزيد كثيرا عن تاثير الليموناضة, وجلس قبالتها ومرة اخرى احست بمدى جاذبيته النادرة وتساءلت اذا كان هو مدركا لذلك.
منتديات ليلاس
وفاجاها قائلا: "لك القدرة على الصمت يا انسة كارول."
واستدارت كارول ناحيته بابتسامة خفيفة وقالت:
"اعاني من عادة سيئة وهي الاستغراق في احلام اليقظة."
وتمنت الا يسالها ما كانت تدور حوله احلام يقظتها, كان من المتوقع بالطبع ان يفعل ذلك اذ كان يبدو انه يغتبر الاسئلة الشخصية من حقه الطبيعي, ربما جزء من كونه سيد خواماسا, ولكنها لم تكن في تلك اللحظة قد تبينت ان كراهيتها قد خفت قليلا.
وعاد يسال: "حول اي شيء تدوراحلام اليقظة لدى الفتيات الانجليزيات؟"
"حول اشياء عديدة مختلفة."
"حول قصص الحب؟ ام ان هذا شيء لا تسمح الفتاة الانجليزية لنفسها بان تحلم فيه؟"
"اعتقد ان الانجليزيات خياليات شان الاخريات, كنت في وقت ما احلم بالامير الجذاب الذي سياتيني ممتطيا صهوة جواد ابيض, هذا طبعا كان منذ سنوات مضت.؟
"ثم نضجت؟"
ورمقته بنظرة ازدراء وقالت: "بالفعل يا سنيور, ولكن ذلك لا يعني انه لا يوجد قصص حب في العالم حتى في انجلترا, وان لم يعد الفارس يصل فوق جواد ابيض."
ومع ذلك ورغما عنها مرت سحابة على وجهها اذ انتهى الحب بالنسبة لها بلا رجعة, حتى ايام العمراصبحت معدودة والوقت اصبح قصيرا.
ومن جديد انبرى متسائلا: "لكن الا توجد قصة حب في حياتك. الم تعودي مقتنعة بذلك"
"اقتنعت الى حد الخطوبة."
"وبعد ذلك؟"
"قررت انا وفيليب اننا لسنا متلائمين, وتم ذلك بالاتفاق المتبادل."
وسمحت لنفسها بتزوير الحقائق متعجبة في الوقت نفسه مع تزايد غيظها, انه استطاع ان يجعلها تتكلم مع شخص غريب, ومتعجبة اكثر كيف تمكنت ان تتظاهر بان الامر لم يعد يؤلمها.
وقال: "اسمه فيليب... ربما لهذا السبب تكرهينني كثيرا."
"اسماكما ليسا متماثلين تماما حقيقة. ثم انه لا يوجد شبه بينكما فيليب اشقر جدا."
"وانجليزي للغاية."
"فعلا هو انجليزي جدا."
وراقبها وهيتعيد كاسها الى المائدة ثم قال: "برغم هذه الخطبة التيفسخت, لا اعتقد انك كنت في حالة حب, ان لك مظهر الفتاة الي لم تلمس."
ولاحظتدفق الدماء الى وجنتيها وابتسم قائلا:
"وجهك يحتقن؟ لماذا؟ اني اتعجب."
"لم اتعود مناقشة مثل هذا الموضوع"
واصطبغت ابتسسامة فاليب بالتهكم وقال:
"انكن معشر الفتيات الانجليزيات تتباهين بحريتكن, ولكنكن في نواح كثيرة اكثر تحفظا من فتياتنا البرتغاليات الخاضعات للرقابة."
واحست بعيينيه الداكنتين المركزتين عليها للكنها بذلت جهدا لتحتفظ بهدوء مظهرها بينما عاد هو يسالها:
"اني اتعجب ماذا يعنس الحب لديك بالضبط؟"
"ماذا يعني الحب لدى اي برتغالي؟"
وقاومت الرغبة في ان تنظر اليه حينما استطرد قائلا بصوته المتهكم:
"لحب, انه ياتي بخفة في اللقاء الاول,وربما لا يستطيع الشخص ان يتبينه حينذاك, لكنه يترك في الاعماق شيئا محيرا, وتحوم الافكار حول اللقاء الاول, ثم حول غيره, ويظل الانجذاب الاول ينمو ويقوى حتى يصبح في الاعماق نارا مشتعلة."
واتجهت النظرة المتهكمة نحوها ولم تستطع ان تتجنبها واستمر يقول:
"الا تؤمنين بالحب هكذا؟"
وبسرعة ردت كارول: "اني دهشة من اعتقادك به على هذه الصورة."
قال وهو يخرج علبة سجائره الذهبية: "انك لا تعرفين شيئا عن مشاعر الاخرين, لانك نفسك لم تتاثري بها بعد."
وتاملها بعينيه وفوجئت باكتشافها انهما خضراوين داكنتين, وليستا سوداوين.
وسمعته يقول: "اني اتساءل؟ هل ساقابلك في وقت لا تكونين فيه مرتدية زي التمريض؟"
ورسمت كارول ابتسامة مهذبة على وجهها وقالت: "هناك اوقات اظهر فيها بالملابس العادية ولكن الانسان يعتاد نوعا خاصا من الملابس."
واخرج سيجارة من العلبة المذهبة واشعلها من ولاعة حفر عليها اسمه وسال:
"كيف اصبحت ممرضة يا انسة كارول؟"
وترددت كارول ثم هزت كتفيها قائلة:
"اعتقد اني وجدت نفسي مدفوعة نحو المهنة."
وارتفع الحاجبان الداكنان وقال: "افهم انك تجحمين عن التحدث في الامور الشخصية الى ان يتم تعارفنا اكثر, حسنا, سنذهب الان الى المكتبة."
ودخلت كارول ببظء الى حجرة المكتبة وهي تدور بعينيها في تقدير حول صفوف الكتب, كم كان والدهاسيحب مثل هذه الحجرة, اذ كان مزهوا بمجموعته الصغيرة وحريصا عليها؟ واتجه فاليب نحو احد الرفوف وسحب مجلدا سميكا ذا كعب مذهب وقال:
|اعتقد انك ستجدين هذا الكتاب ممتعا يا سنيورا, خذيه واقرئيه."
"لا احب استعارته انه نسخة نادرة."
"لن يصيبها اي سوء معك, اعتقد يا انسة كارول انك تحبين الكتب."
"كثيرا جدا, ساعنى بالكتاب يا سنيور."
والتقط كومة صغيرة من الكتب من فوق المائدة كانت بدون شك المجموعة المختارة للانسة بروتون, ولاحظت من جديد سلوكه, اذ عاد الماركيز دي الفيرو ريالتا منذ القى بملاحظته الاخيرة في الحجرة الاخرى, ولم تكن متاكدة ما اذا كانت تفضل البرتغالي الحيادي ام فاليب المتهكم الذي يثير اعصابها, وقررت انها تفضل فاليب دي الفيرو ريالتا المتهكم رغم انها لم تكن تحب هذا او ذاك.
وقالت: "اعتقد انه من الافضل ان اعود الى الانسة بروتون."
"بلطبع."
ولم يوصلها بنفسه الى السيارة بالرغم من انه عاملها بطريقة مهذبة لطيفة, وودعها كما لو كانت ضيف شرف, وليست الممرضة كارول, اية شخصية غريبة, هناك لحظات احست بانها تقريبا تحبه, ثم كانت تصدر عنه بعض التعليقات الشخصية وفي الحال يشتعل غيظها منه.
بعد مضي بضعة ايام كان على كارول ان تواجه اللقاء الذي تخشاه.