وبانحناءة صغيرة لم تتعد هزة من راسه الداكن, انسحب منصرفا... الماركيز دي الفيرو ريالتا. وظلت كارول في مكانها لا تتحرك لمدة دقيقتين, بينما كانت الافكار تتصارع في راسها, اين الماركيز المتقدم في السن, البدين الذي تخيلته, لا غرابة في ان نيستا كانت تبتسم احيانا لملاحظاتها عن سيد خواماسا. وعندما انطلقت السيارة بعيدا واختفت عن النظر, استدارت مبتعدة عن النافذة, اذن كان ذلك هو فاليب دي الفيرو ريالتا, كان باهر الجاذبية وسحر عجرفته يلائم حتما بعض النساء.
واتجهت ناحية السلم وقد قررت ان تبا في افراغ الحقائب كما كانت تزمع قبل وصول الماركيز, حاولت ان تبعده عن ذهنها وان احست في بعض اللحظات ان الكراهيية تخز ذاكرتها.
وحينما انتهت من مهمتها ذهبت الى حجرة نيستا وسالتها:
" كيف حالك الان؟ "
"احسن كثيرا... الم يحدث شيء اثناءنومي؟"
واابتسمت كارول من جديد ابتسامة مختلفة تماما عن تلك التي منحتها لفاليب دي الفيرو ريالتا, ابتسامة اضاءت عينيها, واظهرت جمال فمها, واشرقت ملامحها بشقاوة لاذعة, لم يكن هباء انها سميت مورغانا فاي كارول, وسالت : "اي نوع من الاشياء؟"
"مثل هل حدث بينك وبين تيريز اي تصارع لغوي؟"
"كلا ولكن رجل الجزيرة العظيم قد جاء..."
"فاليب جاء."
وابتسمت نيستا رغم ما شعرت به من ضيق لضياع هذا اللقاء الاول منها, وكانت في عيني كارول صورة عن الانطباع الذي تركه في نفسها والذي لم يكن طيبا على الاطلاق.
وسالت نيستا وهي تراقب باهتمام الطريقة التي سيطرت بها ممرضتها الشابة على عواطفها: "ما رايك فيه؟"
"الماركيز اعتقد انه لطيف."
"اريد رايا صادقا وليس لبقا."
"حسنا اني اكرهه بشدة واعتقد انه غير محتمل ومعجرف ولا يبالي بغير ارادته."
وحاولت نيستا ان تعترض بهز كتفيها ولكن كارول اسرعت تقول:
"طلبت مني ان اكون صادقة."
"لا بد انكما تحدثتما لفترة طويلة حديثا ممتعا للغاية."
"لم يكن طويلا ولكن.."
"اسفة لاحساسك بالكراهية نحوه, وانا اعترف انه مستبد بعض الشيء احيانا, لكنك اذا عرفته فستجدينه شخصا لطيفا للغاية."
منتديات ليلاس
وامتنعت كارول عن التعليق مقتنعة بانه لا يمكن ان يتحسن في نظرها حتى بالمعرفة الوثيقة, ولم يكن في نيتها ان تحاول صحبته, لكنها في الوقت نفسه لم تكن من الغرور فتتصور ان ذلك يمكن ان يسبب له اي قلق اذ كان شديد الاعتداد بمكانته.
وقالت نيستا وهي تقرا ما ارتسم على وجه الفتاة من تعابير: "الا تريدين التعرف به؟"
"كلا, ولا ارى سببا يدفعه هو الاخر الى الرغبة بالعرف بي, وذلك يحل المشكلة كلها, استطيع ان اتخيل من رؤيته لي عن مدى ترفع الطبقة الارستقراطية البرتغالية."
"ربما ولكن فاليب يهتم بكل فرد بالجزيرة."
وفكرت كارول انه ربما الاقطاعي الذي يجب ان يعرف كل شيء يدورداخل املاكه.
وعادت نيستا تهز راسها ضاحكة وقالت وفي صوتها رنة طرب:
"حسنا على الاقل يجب ان تعترفي انه جذاب وليس بدينا على الاطلاق."
"اوه... انه جذاب بما فيه الكفاية."
وتلاحقت الافكار من جديد في راس كارول, ربما كان غنيا وايضا ساحرا, ولكنها لم تكن تحبه, ولم تكن تجد دافعا لتغيير رايها, وعلى اي حال كان هناك فيليب وهو يملا حياتها رغم انه لم يعد لها, ولاحظت نيستا الظلال التي عبرت وجه الفتاة, وبجدية وهدوء سالتها:"ماذا بك؟"
ورمقتها كارول بنظرة طويلة, ثم تجمدت تعابير وجهها, وارتسمت عليه الابتسامة المؤدبة التي واجهت بها فاليب, وقالت بصوت مصطنع:
"لا شيء مجرد صورة شخص يسير فوق قبري."
"كان علي ان ادرك ان رجلا هو الذي تسبب في هذه الظلال المفاجئة."
وسكتت, وعادت تقول بالصوت الهادئ نفسه الذي حرصت على الا يوحي بالعطف لادراكها ان كارول ستنفر من اقل شفقة:
"لو كان الافضاء يخفف عنك, فيمكنك ان تحدثيني بما في نفسك, اصبحت اعرف الكثير عنك."
وظلت كارول مترددة لحظة, ثم قررت الافضء:
"كنت مخطوبة ثم نكث خطيبي عهده."
"اما زالت الصدمة تؤلمك."
"كثيرا في بعض الاحيان, عتدت ان احبه منذ طفولتي, وعندما كبرت كان الامر يزداد حدة لا سهولة."
"اي نوع من الرجال كان؟"
اي نوع من الرجال ذلك الذي فاز بقلب كارول, وكان من الحماقة والغفلة ففرط بمثل هذه الفتاة؟
وابتسمت كارول غير واعية للنظرة الشاردة في عينيها, وقالت:
"طويل, اشقر الشعر, ذو عينين زرقاوين تبدوان دائما مبتسمتين, كان اسمه فيليب لايلند."
وحملقت نيستا في محدثتها, لكن نظرة الريبة التي استقرت على وجهها لحظة لم تلبث ان حلت مكانها نظرة كراهية شديدة, ولم تلاحظ كارول ذلك في البداية, اذ كانت عيناها حالمتين بعيدا, وعادت تقول بنعومة:
"كان يبدو دائما مبتسما."
"ابتسامة جوفاء دون معنى, اذن كنت مخطوبة لفيليب لايلند."
"هل تعرفينه؟"
"اعرف, شاب معرور, من حسن حظك انك تخلصت منه."
وهزت كارول راسها وابتسمت قائلة:
"انه ليس مغرورا يا انسة بروتون, اعرفه منذ سنوات."
اذن فلا بد انه تغير كثيرا مذ عرفته يا عزيزتي."
وسكتت نيستا لحظة في شيء من التردد, كانت تعرف ان ما لديها من قول يجب ان يعرف "ربما كانت الصدمة افضل وسيلة." وبدات تقول ببطء:
"فيليب لايلند, اعتبره اكثر الرجال الذين قابلتهم غرورا, وبكل تاكيد اكثر الرجال غرورا في خواماسا حاليا."
"في خواماسا." واتسعت عينا كارول تبحثان عن وجه نيستا, وعادت تهتف: "فيليب لا يمكن ان يكون هنافي خواماسا."
وبدات تفيق من ذهول الصدمة, لتسري الرجفة في اعصابها وهي تقول معترضة في ياس:
"لا يمكن ان يكون هنا."
"انه موجود بالفعل, وقد رايت ان من الافضل ان تعرفي بذلك, فمن المؤكد انك ستلتقين به في مكان صغير كهذا."
وضغطت كارول على شفتيها, وقد بدت في عينيها التعاسة والارتباك في الوقت نفسه, جاءت الى خواماسا, حيث لا يمكن ان ياتي لتكتشف انه هنا, في انتظار ان يقوض امنها. "انه مزاح القدر القاسي."
وسالت: "احضره فاليب لبعض الاعمال الهندسية." فاليب مرة اخرى, وبمرارة غير منطقية, حملته مسؤولية عذاب القلب الذي كان في انتظارها, وكانت هذه نقطة اخرى تضعها ضده.
وقالت نيستا بحماسة: "في اية حال, فهو لم يكن من طرازك, قد تتحققين من ذلك عندما تلتقين به من جديد بعد المرحلة التي افترقتما خلالها, رغم انني اعتقد اننا حتى ذلك الحين, يجب ان نتفق على اننا لا نتفق في هذه النقطة, فعندما تفتن فتاة برجل ليس من الطراز الذي يلائمها, لا تراه ابدا على حقيقته."
"وكيف تستطيعين الجزم بانه مجرد افتتان, لا اعتقد انك تعرفين فيليب كما اعرفه انا جيدا, لقد نشانا معا."
"لا تحتاج معرفة شخص من طرازز فيليب لايلند لوقت طويل, وعندي فكرة طيبة عن حقيقتك المختفية وراء مظهر الممرضة الذي تحبين احيانا ان تتظاهري به." وسكتت ثم اضافت بابتسامة حانية:
"لا يمكنك ان تحبي شخصا يريد ان يعتمد عليك, وذها الشاب من ذلك النوع بكل تاكيد."
وودت كارول ان تقول انه مهما كان فيليب, فانها لا تزال تحبه, لكنها تنبهت الى ان ذلك لا يحقق هدفا, ومثل موضوع فاليب دي الفيرو ريالتا, كان عليها كما قالت الانسة بروتون- ان تتفقا على انهما لا تتفقان ابدا - على انها ذات جمال, في حين انها كانت دائما مبهورة بوسامة فيليب, وكان من الصعب عليها ان تقتنع بانه وجد فيها شيئا جذبه ودفعه الى طلب الزواج منها, وانه احبها هي "مورغانا فاي كارول".
ولكنه في الواقع لم يحبها, كان مجرد افتتان من جانبه, او نزوة عابرة, وان كان حبا من جانبها, والان انتهى كل شيء. والناس قد تعتقد انها يمكن ان تقع في الحب من جديد لكنها تقشعر لمجرد الفكرة, كان حبها لفيليب حقيقيا مثل النجوم في السماء.
ثم بدا لها شيء غريب, بدا لها انها ترى عيني فاليب دي الفيرو ريالتا الداكنتين الساخرتين, تستخفان بحبها, وتنددان بها بطريقته المتعالية, واحست بكل شيء فيها يتجمد, ونظرت الى صورة في ذهنها بازدراء وكراهية, حتى تلاشت, وعادت امامها مرة اخرى صورة الرجل الذي كانت تحبه, الرجل الذي كانت ستحبه دائما.
ثم تذكرت "دائما" هذه, لن تكون طويلة المدى.
نهاية الفصل الثاني