وبزغ الصباح زاهيا منتعشا كاان واحدا من ايام خواماسا التقليدية التي تجعل احياة متعة في الجزيرة, وقفزت كارول من سريرها بقلب فرح, وبعدما اخذت حماما ارتدت زيها اثناء تدليك ساق نيستا, لكنها لم تكن تنزي البقاء ولم تكن نيستا تعرف نواياها فاعربت بنظرتها عن ضيقها بذلك وبدات تقول: "كارول."
وردت كارول بدون ان ترفع وجهها عن عملها: "نعم."
"هل ستبقين بهذا الزي اليوم؟"
ورفعت كارول وجهها بسرعة بابتسامة ماكرة وقالت:
"فاليب لن يرضى عن ذلك, أهذاا هو قصدك؟"
"اخشى ذلك, وبدات اعتتقد انك تجدين متعة بمضايقته."
ليس تماما, رغم انني افعل ذلك احيانا واخر مرة التقينا فيها وصلنا الى نوع من التهدئة المهتزة."
"ماذا يعني ذلك بالضبط؟"
"افترقنا في حالة صداقة مسلحة مدركين انا قد نخرق الهدنة من جديد في اية لحظة لنعود الى حالة حرب سافرة."
وظلت نيستا صامتة لحظة طويلة ثم قالت اخيرا:
"كارول, هل انت متاكدة من انك لم تقعي في حبه؟"
"في حب فاليب؟ كلا بالطبع, يا لها من فكرة غير معقولة."
وسكتت من جديد عابسة ثم استطردت قائلة:
"انه ليس نمط الرجل الذي يمكن ان اختاره لاقع في حبه."
"الحب عادة لا يسمح بالاختيار."
"اعرف, ولكن لا جدوى من ذلك في اية حال لا اعتقد انني من الجموح بحيث اقع في حب."
"عندك من الجموح ماا يجعلك تردين عليه."
"هذا مختلف, لكن لا استطييع ابدا ان احبه بسبب...."
"اعرف... بسبب حبك لفيليب لايلاند."
"انا لا احبه."
وظظلت الكلمات الثلاثة معلقة في الهواء لفترة, واغمضت نيستا عينيها وفتحتهما غير مصدقة ما سمعته ثم رددت: "لا تحبينه."
"قطعا لا, اكتشفت ذلك حتى قبل المهرجان شيء مذهل أليس كذلك؟"
وضحكت وهزت راسها متعجبة وقالت: "وبعد كل هذا الوقت."
وتنهدت نيستا بارتياح وقالت:
"حسنا, هذا امر يسرني سماعه في كل الاحوال."
منتديات ليلاس
"وانا ايضا, اشعر الان انني حرة اكثر مما كنت لفترة طويلة ولسوف امتع نفسي اثناء وجودي في خواماسا, وهذا يتضمن الا ادعع العزيز فاليب يشعرني بأنني لا ازيد عن حجم راس الدبوس."
وقهقهت نيستا ضاحكة وقالت: "ان لك طبعا منقذا يتولى هذه المهمة, والان اذهبي لتغيري زيك باجمل اثوابك."
وارتدت ثوبا حريريا باهت الاصفرار ووضعت في قدميها الصندل الاسود الذي ظهرت به في المهرجاان, وعندما كانت تمشط الخصلات البرونزية المتمردة, وقع بصرها على العقد ذي الحلقات الاسطوانية المسطحة فوق مائدة الزينة, وتركت المشط جانبا واحكمت العقد حول عنقها ولاحت ابتسامة خبيثة على شفتيها حينما تذكرت ان فاليب تحداها ان ترتديه قائلا انها ستخاف من الاقدام على ذلك لو علمت معنى النقوش عليه, وصاحت نيستتا مبتهجة حينما وقع بصرها على ممرضتها:
"تبدين مثل قبضة شعاع من ضوء الشمس."
وضحكت كارول ودارت حول نفسها مبتهجة بسماع حفيف ثوبها الفضفاض وتطايرت حلقات شعرها اللامع المنساب وقالت بسعادة:
"اعتقد انني ساستمتع بيوميي."
"انني مسرورة لسماع ذلك."
وتوقفت كارول عن دورانها المرح عندما سمع صوت فاليب فجاة ولم تكد تستقر حتى راته واقفا بجانب الباب مباشرة, كامل الاناقة كالمعتاد شعره الاسود يلمع وملامحه الداكنة تبدو مكتملة الرجولة والجاذبية, ورغم البريق الظريف في عينيه لم يكن النوع الذي يحرك في كارول الشعور بعدم الارتياح, والغريب انه ذكرها بالمرة التي حدثها فيها عن تسلقه الاشجار حتى انها استطاعت ان تبتسم له ابتسامة طبيعية اكثر من اي وقت مضى وسار كل شيء على ما يرام ذلك الصباح, فقد بدا كانما هناك اشعاع ينشر الاحساس بالبهجة, وسط هذه الاجواء وبعد تقديم المشروبات الباردة خرجوا متجهين ناحية السيارة السوداء, وعندما وصلوا الى الطريق المؤدي الى لورنزيتو التفت فاليب في الاتجاه المعاكس وشعرت كارول بالرضى لتعرفها على بعض اسماء الاشجار رغم قصر اقامتها في الجزيرة, ووسط هذه الاشجار كانت تنبت الازهار الملونة التي جعلت من الجزيرة جنة من الالوان والاضواء.
ووقف فاليب بالسيارة عند قمة الجبل بينما تلفتت كارول حولها لترى ما سبب هذه الوقفة المفاجئة وكان كل ما فازت به هو احساسها انها في مكان ما مرتفع في العالم تكسوه الاشجار حتى حافة المنحدرات العميقة, واستدار فاليب ناحية نيستا بابتسامة سريعة مهذبة, وسألها:
هل تسمحين لنا لمدة دقيقة واحدة؟"
وردت نيستا في الحاال: "طبعا"
وبسرعة دار فاليب حول السيارة ليفتح الباب قائلا:
"هذا جزء من خواماسا يجب الا يمر المرء عليه مرورا عابرا."
وكانت اصابعه رشيقة حينما عاونها على الخروج من السيارة واعترتها تلك الرجفة الخفيفة لملمس رجل كانت حتى وقت قصير مضى متاكدة من كراهيتها له.
وقال وهو يقودها الى الطريق في اتجاه المنحدر:
"من الملاحظ ان البراعم تتفتح سريعا بتأثير دفء خواماسا."
"ماذا تقصد يا سنيور؟"
وعادت اللهجة الساخرة القديمة الى صوته وبدا واضحا انه لم يستطع ان يقاوم الرغبة اللطيفة في التهكم عليها وقال:
"الممرضة كارول الصارمة اختفت من جديد والتغير كبير يستحق الاستحسان, رغم ان لها ذاكرة ضعيفة جدا." وارتفع احد حاجبيهه واستطرد مازحا: "هل هي اذن مهمة صعبة للغاية ان تستعملي اسمي؟"
"كلا, نسيت فقط, فعندما يكون الانسان معتادا على التفكير في شخص ما بطريقة معينة يستغرق منه التغيير بعض الوقت."
"اني اتساءل, كيف تفكرين بي؟"
وفي الحال تبينت كارول مدى صعوبة الاجابة على هذا السؤال بل وخطورتها, وكانت تتساءل اذا كان من الافضل ان تفكر باجابة مراوغة كافية لارضائه, عندما رات اهتزاز كتفيه وضيق عينيه وعودته الى الجدية بطريقة اثارت حيرتها اما هو فقال
لا باس ففي الغالب انه امر لست نفسك متاكدة منه ياا عزيزتي كارول."
"ثمة مناسبات لا يكون هناك عدم تاكد... ابدا"
ووضع يده على ذراعها ليوقفها عن السير, ووقفا تحت اغصان شجرة الناماريسك يتأملان تلا منحنيا ينتهي بشاطئرملي تتكسر عنده الامواج البيضاء وسمعته يقول:
"الا يستحق هذا المنظر ان يكون يومك قد نظم لك بطريقة استبدادية؟"
وكان صوته لطيفا مهذبا, لكنها كانت تعرف ان مجرد نظرة منها لا بد ان تكشف عن ابتسامة في عينيه, وبدات تحس بالارتباك لشدة قربه منها, لكنها لم تجرؤ على ان تتحرك مبتعدة خشية ان يلقي باحد تعليقاته الساخرة التي يتعذر الرد عليها, وظلت صامتة فترة, تشد من عزيمتها لتسيطر على اضطراب تنفسها الذي كاد يسيطر عليها, ثم اجابت اخيرا بان المنظر جميل بالفعل ولكن دون ان تذكر شيئا عن تسامحها لكون اليوم نظم بطريقة استبدادية, وتحرك بخفة, وادركت كارول انه كان يتامل تعبيرها من نقطة اكثر قربا مما كانت تحب.
وقال: "شيء ما سرك اليوم."
وعرفت كارول انه كان يشير الى كونها لم تنفعل بسرعة, ولكن حيث انها اكتشفت ان جزءا كبيرا من سرورها كان يدين بالفضل لوجودها بجانبه, لم تكن تستطيع ان تخبره اللحقيقة, واجابت:
قد اكون اليوم في الواقع منطلقة خالية البال.."
"هل من المسموح ان استفسر عن السبب؟"
وهمت ان ترد, ولكنه قاطعها برفع يده قائلا: "اقدم اعتذاري... انه امر خاص كما يفهم؟"
"خاص للغاية."
وكانت لهجة كارول حازمة وادارت وجهها وقد تراقصت عيناها, اذ احست ان المناقشة في هذه النقطة طالت بما فيه الكفاية, وانعكست اشعة الشمس على حلقات اللعقد الاسطوانية, فجذبت نظر فاليب الذي ارتفع احد حاجبيه الداكنين قائلا:
"اذا لا زلت على ارتباطك بالمجهول؟"
"ربما لانني لا اخاف المجهول؟"
"وايضا ربما لانك تخافين المعلوم؟"
وتاملها بنظرة خاطفة متفحصة, وبدا الانشراح واضحا في عينيه وقالت هي متحدية:
"اذا اخبرني عما تعنيه هذه الحلقات الاسطوانية."
واقترب منها ومن جديد كان عليها ان تسيطر على رغبتها الملحة في ان تخطو بعيدا عنه, وربما لاحظ حركتها اللاارادية رغم ضآلتها, فعمقت الابتسامة في عينيه واصطبغت بتلك السخرية التي كانت تعرفها جيدا, وبسرعة خلعت العقد وناولته اياه, وباصبع من يده الاخرى نقر على الاسطوانة الاولى باهمال وقال:
"هذه تطالب بالحب."
وارتفعت عيناه نحوها عندما تكلم, واحست كارول انه يتوقع منها بعض التعليق, فقالت بعدم مبالاة: "اعتقد ان كل شخص يطلب الحب في وقت ما."
"ولكن ليس هذا كل شيء."
ومن جديد رمقها بتلك النظرة السريعة من عينين داكنيتين كان لهما بريق الزمرد, واستطرد قائلا:
"هذه تعد بالتجاوب مع الحبو والثالثة تطالب بالعاطفة التي لها دفء الشمس وعنف رياح الخماسين."
"واظن ان الرابعة تعد بالاخذ والعطاء, انها تبدو مخلوقة عنيفة, اقصد الفتاة التي نظمت العقد."
"ولكنها كانت تعرف كيف تحب."
واحست من جديد في صوته تلك النغمة الخفية الرقيقة التي كانت تحفزها على التعقيب, ولكنها قررت ان تتجاهل ذلك وسألت:
"ما الذي تقوله بقية الحلقات؟"
وبحركة شيطانية من حاجبه الداكن اظهر انه يدرك جيدا تملصها من التحدي وقال:
"اما زلت لا تخافين سماع المزيد؟"
وتعمدت كارول ان تلتقي بعينيه بثبات واجابت:
"حسنا بقية الحلقات لن تستطيع ان تطالب بشيء اكثر ازعاجا من سواها."
"صحيح, فالخامسة تطالب بأن يدوم الحب, واثنتان محفور علهما ايات دينية."
وأعاد اليها العقد وقال: "والان وقد سمعت معنى النقوش اما زالت لديك الشجاعة لان ترتدي العقد؟"
اخذت منه العقد ولفته حول عنقها قائلة:
"كما سبق ان قلت من قبل يا سنيور انا لا اعتقد بالخرافات."
"انت لا تعتقدين بالخرافات, ولا تملكين ذاكرة قوية, ام ان هذا متعمد يا مورغانا لو فاي."
واحست بغصة لسماعه يناديها بالاسم الذي كان يدللها به والدها حتى انها لم تجد كلمات ترد بها عليه, اما هو فاعتبر صمتها تاكيدا لزعمه وقال:
"قد تحسين بان مدة التعارف بيننا اقصر من ان تجعلنا نرفع الكلفة ونستعمل اسماءنا المجردة."