احلى جزء بالفصل والرواية
**********************************************************
ووصلوا الى خيمة الازهار الواسعة المربعة القائمة على اوتار خشبية منصوبة على مسافات تبعد حوالي ستة اقدام بعضها عن بعض, تحمل السقف, وكل وتد منها يرفرف فوق قمته بيرق, ويلتف بالازهار بكثافة حتى ليصعب الاعتقاد ان هذه الاوتاد مصنوعة من الخشب, ودلفوا الى الداخل حيث كانت رائحة الازهار تعبق بالجو الى حد الاختناق تقريبا, كانت هناك كتل ازهار في كل مكانن, علاوة على سلال واسعة مغطاة, وفي غطائها فتحة تسمح لليد بان تدخل لتختار زهرة, وحول الجدران رفوف محملة بمختلف انواع الاشياء غير المتناسقة, كانها اسواق اللهو في انجلترا. ثم رات عبر الخيمة راس فاليب الداكن يتحدث الى سنييورا متوسطة العمر كانت تشرف على الخيمةوكانت تتمنى لو انه كان في اي مكان اخر غير ذلك, ولم تكن هناك فرصة للفرار, ولا عذرا مقبول يمكن ان تقدمه لماريتا غير الحقيقة, وهي انها لم تكن تريد ان تسحب زهرتها امام فاليب, وشقت ماريتا طريقها الى احدى السلال الكبيرة المغطاة التي كانت تقف بقربها شابة بملابس العيد, بانتظار ان تناول الهدية المتفقة مع الزهرة المنتقاة, ولم يكن مانويل وماريتا قد رايا فاليب بعد, وقالت ماريتا لكارول:
"هل ستسحبين اولا؟"
ولكن كارول هزت راسها قائلة:"افضل ان اراقبك لارى ما يجب ان افعله بالضبط."
واتجهت ماريتا الى السلة واولتها ظهرها, ومدت يها اليسرى خلفها, وعاونتها الفتاة النتظرة في توجيه يدها الى الفتحة الموجودة في الغطاء, وحينئذ خرجت يدد ماريتا بزهرة ذهبية ضخمة, وتجهم وجهها الحلو, ورشقت مانويل بنظرة مشتعلة وقالت:
"هذا سيء للغاية, كنت اتمنى الوردة الحمراء ولكن..."
وهزت كتفيها في استسلام, لكنها لم تلبث ان بدت مبتهجة بالوشاح المطرز الذي قدم اليها, وان كانت تملك مثله الكثير, واستدارت ناحية كارول وقالت بمرح:
"الان حان دورك, يجب ان تاخذي اول زهرة تلمسها اصابعك."
وقبل ان تستطيع كارول الاستجابة, سمع نداء بالبرتغالية, واستدارت ماريتا باجابة سريعة باللغة نفسها, وكان كل العضاء الشباب في مجموعة اكواراس قد وصلوا, يتقدمهم ريناتو واخته, وقال ريناتو وهو يتامل كارول بعينين مبتسمتين:
"يبدو اننا وصلنا في الوقت المناسب لمشاهدة الانسة كارول تختار الزهرة."
وبنظرة مختلسة لمعرفة اذا كان فاليب ما زال موجودا, اكتشفت كارول اختفاءه, وتقدمت من السلة اكثر ثقة, واحست انها قادرة على التماسك امام هؤلاء الشباب البرتغاليين المرحين, ايا كانت الزهرة التي تسحبها, وامسكت يدها من الخلف لارشادها الى الفتحة الموجودة في السلة, وعندما لامست اصابعها ساقا سميكة صلبة, تذكرت ارشادات ماريتا بان تاخذ اول زهرة تلمسها, وسحبت يدها, لتسمع تنهيدة منبعثة من الفتاة الواقفة بجوار السلة.
"الوردة الحمراء."
ورغم ان النطق كان بالبرتغالية, كانت الكلمتان مفهومتين, وازداد احساسها بالرعب عندما ارتفع صوت اخر خلفها قائلا:
"لا تخافي يا سنيوريتا, العالم لم يات الى النهاية بعدز"
واستدارت ببطء شديد لترى فاليب يراقبها بابتسامة سروور خبيث, ثم نظر الى الوردة الحمراء التي تمسكها بين اصابعها واضاف قائلا بلهجة ميزت فيها رنة السرور الساخر:
"يبدو ان القدر لم يستجب لدعواتك."
وقالت كارول محاولة ان تبدو متماسكة: "هذا ما يبدو حقا."
وتدخلت ماريتا قائلة: "انكما تتكلمان بالالغاز, كيف يمكن ان الا يكون القدر استجاب؟ وانت تفوزين بالوردة الحمراء."
قالل فاليب: "الا تذكرين ايتها الصغيرة ان السنيوريتا انجليزية؟"
منتديات ليلاس
وضحكت ماريتا قائلة: "ولكن حتى الانجليز يمارسون التقبيل... الا يفعلون ذلك يا انسة كارول؟"
اجابت كارول وهي تتمنى ان يخلصها ردها من الموقف: "ليس علانية."
قال مانويل: "كذلك البرتغاليون, ولكن هذه الوردة الحمراء جزء من الاحتفال."
ووقفت الفتاة المكلفة بالسلة حائرة, تنقل بصرها بينهم, ثم قالت في النهاية كلاما لكارول بالبرتغالية, واتسعت ابتسامة ماريتا وهي تترجم قائلة: "قبلة يا سنيوريتا, يوجد كثيرون هنا سيعتبرونها شرفا, هيه يا ريناتو؟"
وانحنى ناروتو شديد الجاذبية, وقال شيئا بالبرتغالية, لم يترك شكا لدى كارول فيما يكون مغزاه, ولم يكن لديها على الاطلاق ششيئا ضده, لكنها لم تكن تريد ان تقبل احدا, وان تفعل ذلك علانية, كان هذا يختلف مع كل مبذا نشات عليه, ويعارض طبيعتها المحتشمة, وهزت راسها بحزم...
وقالت: "انني اسفة, لا احمل شيئا ضد احد, لكنني فقط لا استطيع ان اقبل احدا علانية.ط
ورمت الوردة باتجاه السلة, املة ان تنهي بذلك الامر, لكن فاليب مد يده والتقطهها, وبانحناءة هائة قدمها اليها وقال:
"اين هي الشجاعة الانجليزية التي نسمع عنها الكثير؟"
وكانت الكلمات التي نطقها بنعومة فائقة, بلكنته الجذابة ذات الرنين الساخر الخفي, هي التي اشعلت نار الغضب في اعماقها, حتى انها لم تعد تعرف ما تريد, ولا ما تنوي فعله, وبحركة خاطفة, استدارت وخطفت الوردة في غضب, واشتعل الغضب في عينيها, اذاً... قد حاول ان يذلها.
وبحركة اشبه بما لو كانت ستضربه, رفعت وجهها عازمة على ان تقبله بسرعة على وجنته الداكنة اللقريبة منها, وان تتراجع بالسرعة نفسها, وربماا ما تبع ذلك سببه الدهششة البالغة التي برقت في عينيه في البداية والقت كارول براسها الى الوراء في حدة, متنبهة الى ان وجهها كان مشتعلا, وايضا الى نظرة الدهشة في عيني فاليب -التي كانت بالتاكيد مسؤولة عن حركة راسه المفاجئة- انسحبت لتحل مكانها نظرة الغبطة الماكرة, وتبينت ايضا, حينما حاولت ان تتحرك الى الخلف بعيدا عنه, ان يديه النحيلتين كانتا قابضتين بقوتهما القاسية على جانبي خصرها, وقال وقد تسلل الابتهاج من عينيه الى نبرات صوته:
"لقد شرفتني يا سنيوريتا."
وسقطت يداه من فوق خصرها, وتراجعت هي الى الخلف بسرعة, مواجهة الاخرين بابتسامة تمنت الا تظهر متكلفة كما كانت تحس بهاو وقالت بمرح اعتبرته افضل طريقة لتغطية ارتباكها: "هل الجميع راضون؟"
ولكن فيما بعد, حتما هدات ثائرتها واستطاعت ان تفكر في الامر كله بموضوعية, تبينت بدهشة وبشيء من السخط, ان الامر لم يكن كريها, وابتعدت واتجهت الى الطرف الاخر من المجموعة, وكان من السهل عليها بعد ذلك ان تنسحب تماما, وكان اخر شيء راته وهي تهرب من خيمة الازهار, سيلستينا تهمس بشيء لفاليب وهي تبتسم في وجهه, بينما يمل هو براسه مصغيا في اهتمام, كان من الواضح اننه نسي تماما وجود من تدعى كارول, وبدون وعي رغم غضبها, تنهدت كارول ولكنها لم تحاول ان تتساءل لماذا, وعندما وصلت الى الخيمة الاخرى حيث تركت نيستا, كان من المؤكد ان اعلام الغضب والتمرد ما زالت ترفرف في عينيها, لان نيستا استدارت بسرعة نحوها, وقالت ممازحة:
"حدث خلاف جديد في الراي بينك وبين فاليب... كما يبدو من بوادر العاصفة..."
"اسوا من ذلك."
وفجاة سيطرت روح الدعابة على كارول حينما استعادت في مخيلتها ما حدث وقهقهت ضاحكة, ثم قالت:
"لقد التقطت الوردة الحمراء."
"استطيع ان اخمن الباقي؟"
وقهقهت مبتهجة واستطردت تقول: "رفضت ان تقبلي احدا, واستعمل فاليب طريقته الخاصة بالاغاظة اللطيفة. وادرت ظهرك للجميع, اليس كذلك؟"
"اغاظة لطيفة؟ انه.. انه شيطان يا انسة بروتون, استفزني عمدا فلقي عقابه."
"حسنا ماذا فعلت به؟"
ولمدة لحظة اكتسى وجه الفتاة بما كانت تسميه نيستا نظرة مورغاانا- لو- فاي, ثم انفجرت من جديد ضاحكة وقالت:
"لقد قبلته."
"انت قبلته, هو, اهنئك, ولكن اياك ان تزعمي انك لم تجدي ذلك ممتعا, حتى لو كنت حانقة."
وانفرجت شفتا كارول في اعتراض حار, لكنها احست برجفة تسري في كيانها, واغلقت فمها على الكلمات المتمردة التي كانت ستنطلق, وتناولوا العشاء في مطعم داسكاني, وكانت المصابيح الملونة مضاءةهذه المرة, وظلت الموسيقى تنساب بنعومة مصحوبة بغناء ششاب اسمر نحيل مخملي الصوت,كان يتجول بين الموائد باغانيه البرتغالية العاطفية, ودفع ذلك الصوت الساحر المنساب بعض الشبان والشابات الى تبادل النظرات المبهمة, وحتى كارول وجدت نفسها تبتسم, الى ان التقت مصادفة بنظرة فاليب المبتهجة الساخرة,واحست انه يهزأ بها لانها تاثرت بالاجواء العاطفية, وبعد ذلك شاهجوا استعراضات برتغالية راقصة, ثم نهض المدعوون انفسهم يرقصون على نغمات الموسيقى, ومالت كارول قليلا ناحية نيستا, وهمست:
"ماذا افعل اذا طلبني احد للرقص؟ لا استطيع ان اقومم بهذه الرقصات البرتغالية."
"اذا طلبك احد, فلا بد ان يكون قد وضع ذلك في اعتباره, ولذلك لا ترفضي."
ولذلك حينما طلب منها ريناتو لرقص, اخذت بنصيحة نيستا ولم ترفض, كانت تلك رقصة اشبه برقصة الفالس سريعة الايقاع, وبسرعة استطاعت ان تتحكم في خطواتها, وبدات تستمتع بها, وكان الرقص دائما رياضتها المفضلة ولكن ولسوء الحظ لم يكن فاليب يحبه كثيرا. واعادها ريناتو الى مقعدها متوردة ضاحكة, وفي الحال تقريبا, طلبها اخر وعادت تدور في في حلبة الرقص, ولم تكن قادرة على مقاومة الرغبة في النظر بين الحين والاخر الى حيث كانت برتغالية جميلة ذات شعر اسود تبتسم لرجل كان يملك جاذبية غامضة, ووعادت مرة اخرى الى المائدة, وحينئذ احست بدون ان تلتفت ان فاليب خلف مقعدها, وانتصبت واقفة في شيء من التردد, من غيرؤ ان تجرؤ على النظر اليه وهو يسحبها لان ذلك جعلها تتذكر بوضوح ما حدث في خيمة الازهار, وكان يجيد الرقص لكن كارول احست بشيء من التحفظ, كان من الواضح حتى وهو يرقص, انه ما زال الماركيز دي الفيرو ريالتا, وجمد ذلك حركاتها, حتى انها لم تستطع ان تتمتع بالرقص, وجربت ان تستغرق في الايقاع وان تنسى الشيء الذي استبد بها فجاة بتفكيرها يهمس لها محذرا:
"لم يتبقى الا وقت قصير للغاية, استمتعي بايامك المحدودة."
ورغم ذلك كانت تعلم عندما اعادها الى المائدة مع كلمات شكر مناسبة, انها لم تتمتع بالرقص, بل تلاشى سحر ذلك اليوم, واحست بالتعب وبالوحدة, حتى ابتسامة نيستا المرحة لم تستطع ان تخفف من ثقل الحمل والامه.
وتهالكت على مقعدها تتنهد, ولم تلتفت عندما سمعت صوتا اجنبي اللهجة خلفها يقول برقة, وبعبارة تجمع بين الانجليزية والالمانية:
"مشاغل كثيرة يا غاليتي؟"
واستدار ليواجهها, ورفعت كارول وجهها نحو عيني كارل الزرقاوين, ولم تساله كيف عاد, كان يكفيها انه امامها, وقالت متوسلة وفي صوتها اختلاجة الم:
"ارقص معي يا كارل, دعني انسى."
ولم يسالها ما كانت تريد ان تنساه, ربما كان هو ايضا يعرف ان هناك اشياء تفترس الذهن, ولا يمكن التحدث عنها, وامسك بيدها دون ان ينطق بكلمة, وانهضها على قدميها ولكن كان في عيينيه الفهم والحنانز
ولم تكن الموسيقى قد بدات, وللحظة تساءلت لماذا اتجه ناحية الفرقة وما الذي طلبه بالبرتغالية, ثم اومأ قائد الفرقة الموسيقية مبتسما, وبدلا من الموسيقى البرتغالية الصاخبة, بانغامها المتلاحقة, تراقصت في الاجواء انغام فالس مدينة فيينا.
وهمس كارل: "ارقصي يا عزيزتي... ارقصي وانسي."
"للم تسالني ما الذي اريد ان انساه."
"ربما تخبريني في يوم ما, وحتى ذلك الحين, لن أسأل, انني افهم كيف يمكن ان تكون مثل هذه الاشياء."
"شكرا لك يا كارل."
وكانت في صوتها نبرة شكر, وهز راسه بابتسامة شاحبة, ثم لم تلبث ان اشرقت مع الانغام المرحة وقال من جديد:
"ارقصي, ارقصي وانسي, من يمكن ان يكون حزينا عندما تكون هناك موسيقى من فيينا؟"
وباندفاع مجنون.. اطاعته كارول, انثنت وتلوت على الايقاع الساحر من عصر اخر, حتى لم تعد في ذهنها اية فكرة, ولم تكن تدري ان الناس توقفوا ليتفرجوا على الرجل اللاشقر الطويل, وزميلته الرشيقة, الذين كانا يرقصان كانما روج فيينا القديمة وقد انبعثت فيها الحياة في حديقة جزيرة برتغالية.
نهاية الفصل السادس
انتظروني مع الفصل السابع وعنوانه
الوجه والقناع