"ستقولين له ذلك بنفسك , وعندما يكون هذا التأكيد صادرا عنك شخصيا , سيشعر بمزيد من الراحة النفسية , سنذهب اليه بعد قليل ومعنا بيار , ليحس بأن الماضي مضى والأمور عادت الى طبيعتها".
وجهت اليها مارجريت نظرة فاحصة , ثم مضت الى القول:
" لا تخيبي أملي , يا عزيزتي ... أرجوك! فسعادته تعتمد كثيرا على تأكده من أنكما ستعيشان هنا بعد وفاته بسعادة وهناء , مع بعضكما ... ومع أولادكما , ثم... أليس من العدل والأنصاف أيضا أن يموت أنسان طيب حنون مثل أرمون , قرير العين مرتاح الباب؟".
"نعم ... طبعا , ولكن بيار وأنا........".
منتديات ليلاس
" أوه , أعرف أنكما تواجهان بعض المشاكل , ولكن, هل ثمة زواج لا يواجه عددا من المصاعب والعراقيل في سنواته الأولى ... وبخاصة عندما يكون الزوجان من بيئتين وطبيعتين مختلفتين مثلكما؟ أنا خبرت جزءا من هذه المشكلة بنفسي , فزوجي الآول جان , كان فلاحا ملتصقا بالأرض والتربة , كان رجلا بسيطا في ذوقه وعاداته وقويا كالصخرة التي تحمل عائلته أسمها , في حين كنت أنا من الطبقة المتوسطة في أعلى درجاتها الأجتماعية , كان والدي أستاذا ناجحا ,ووالدتي أبنة عائلة من التجار المرموقين , هل تريدين مزيدا من الشاي؟ قطعة حلوى ؟ هيا , هيا , أيتها العزيزة , يجب زيادة وزنك قليلا , أعتقد أنك كنت تتضورين جوعا في لندن".
وضعت أيلاين فنجانها على الطاولة وهي تقول:
" لا , شكرا أيتها السيدة ... الخالة مارجريت.... أوه, لم أعرف أبدا كيف يتحتم علي مناداتك".
أبتسمت السيدة المسنة , وقالت:
" أفضل كلمة خالتي أكثر من أي شيء آخر , فمنذ كانت جدتك تحضرك الى هنا ,وأنا أشعر نحوك كخالة حقيقية وليس كزوجة خال والدك ,ماذا كنت تودين قوله, أيتها العزيزة؟".
" أرتكبت خطأ كبيرا , يا .... خالتي مارجريت , عندما قرأت رسالتي للخال أرمون".
" حقا؟ هل أخطأت في قراءة موعد وصولك الى المطار؟ هل وصلت الطائرة بعد الموعد الذي كنت أتصوره؟ ألهذا السبب تأخرتما ؟ أوه , كم شعرت بالقلق عليكما! يا للأفكار السوداء التي أزعجتني وأرعبتني ! تصورت أنكما تعرضتما لحادث بسبب تهور بيار في القيادة , وأنك أصبت ولم يعد بأمكانك الحضور الى هنا! لا شك في أن ذلك كان سيقضي بالتأكيد على أرمون ,ويودي بحياته!".
"لا , لم يكن التأخير نتيجة ذلك , فقد وصلت الطائرة في موعدها المقرر ,ولكنني لم أجد أحدا بأنتظاري بسبب تأخر بيار بعض الوقت , أستأجرت سيارة وقدتها بنفسي , ولم يلحق بي بيار ألا في القرية ببضعة كيلومترات , الموضوع هو...".
" أين هي سيارتك أذن؟ شادتك من النافذة العلوية تنزلين من سيارته".
" تعرضت لحادث بسيط ... أنزلقت بي السيارة عن الطريق ووقعت في أحدى القنوات الجافة ,ولكن.......".
" آه , كنت أشعر بشيء ما يزعجني ! السرعة ,أليس كذلك؟ لا , لا تحاولي نفي التهمة ,فأنت تحبين السرعة , هذا هو أذن سبب التأخير؟".
" لا ....! توقفنا قليلا قرب الغابة للتحدث و.......".
وقفت مارجريت , وهي تقاطعها للمرة الثالثة قائلة بتهذيبها المعتاد:
"أوه , نعم , فلديكما الكثير من الأمور التي تريدان بحثها بعد هذه الأشهر الطويلة من الفراق , سأخبر رامون بوصولك , فيما تذهبين أنت الى غرفتك لغسل وجهك وأستبدال ثيابك ,خصصنا لك الجناح الموجود في برج القصر , في حين أن رامون موجود بالطبع في الغرفة الوسطى للجناح الرئيسي , سأقابلك هناك خلال نصف ساعة ’ الى اللقاء , أيتها العزيزة ".
أعترفت أيلاين لنفسها بأن براعة مارجريت في المناورة , منعتها من الحديث عن أستحالة قيام مصالحة مع أبنها , أرادت أرضاء زوجها المريض وأسعاده , فكذبت عليه عندما قالت له أن الزوجين الشابين سوف يعودان الى بعضهما , وها هي الآن تبذل أقصى جهدها لتحويل الكذب الى حقيقة , أو على الأقل أظهاره كحقيقة .
منتديات ليلاس
توجهت الى غرفتها, وهي تشعر مرة أخرى بالخدل العميق من جراء تصرفها التي قد تنعكس سلبا على الرجل العجوز الطيب , فرفضها الساخط والقاطع للتظاهر بالوفاق مع بيار لأراحة بال رامون في أيامه الأخيرة و يدل على الخبث واللامسؤولية ... فيما لو جرت مقارنته مع أخلاص مارجريت المتفاني أتجاه زوجها وأستعدادها للقيام بأي شيء لأسعاده وأدخال البهجة الى قلبه الكبير, أين الضرر الذي سيلحق بها , أذا تظاهرت أمام رامون بأنها أتفقت مع بيار؟ لماذا تزعج نفسها أذن , بالأصرار على أن مارجريت أرتكبت خطأ فادحا ؟ لماذا لا تماشي هذه الزوجة الوفية في محاولاتها الحثيثة والجادة , لمنح أرمون بعض السرور والفرح؟ ستفعل ذلك ... وستثبت لبيار بصورة نهائية أنها ليست أنانية أو جبانة.
فتحت أحد الأبواب الثلاثة لخزانة الحائط الضخمة , فتبين لها أن الخادمة ماري قامت بعملها على أحسن وجه , دفعها حب الأستطلاع الى فتح البابين الآخرين , فضايقها كثيرا وجود ملابس وأحذية تخص بيار ,لا , لن تسمح للتظاهر بالوفاق بالوصول الى درجة مشاركته غرفة نوم واحدة! سيكون الأمر محفوفا بالمخاطر , وعليه فأنها ستطالبه بعد مقابلتهما أرمون بالأنتقال الى حجرة أخرى.