1_سارة تحمل جرحا قديما , ما زال ينزف في داخلها , تحاول التوفيق بين مرض والدها ورغبتها في الأستجابة لعرض بالزواج من أعز أصدقائها بيري.... الهادىء , الطيب , المتفهم ,موت والدها يجلب معه الشبح القديم للرجل الذي هجرته وهجرها!
شعرت سارة بالفخر وهي تجلس وراء المكتب الوقور الذي كان ذات يوم مكتب والدها , كانت تتأمل الأضواء المتأرجحة في أفق مدينة لندن , فمكاتب المؤسسة تقع في الدور السادس لبناية ضيقة محشورة بين بنايتين ضخمتين , لكن نافذة مكتبها كانت تطل على منظر خلاب للمدينة , تبرز من خلالها قبة كاتدرائية القديس بولس الرمادية ومن بعيد تلمع مياه نهر التايمس.
منذ سنتين وهي تحتل هذا المكتب وتتعلم مهنة والدها التي مارسها مدة طويلة , كانت دائما على أتصال به هاتفيا ,فالهاتف هو الصلة الوحيدة بينه وبين العالم الخارجي.
والدها في الخمسين من العمر , يدعى سام هاريسون , أصيب بمرض لا شفاء له , فأنشل جسديا , لكنه ما زال يتحلى بكل مقدراته العقلية والثقافية , أنها مأساة حقيقية لهذا الرجل النشط والطموح , وكانت سارة معجبة به كل الأعجاب , يصارع بشجاعة مستنزفا جميع قواه ومحافظا على حيويته وروح الفكاهة.
منتديات ليلاس
كل يوم يقرأ الصفحات الأقتصادية في الصحف المحلية ويقوم ببعض الأتصالات الهاتفية , وما أن ينتهي من عمله حتى يبدأ بلعبة الشطرنج بواسطة الهاتف مع صديق له وأحيانا يقرأ القصص البوليسية أو يسمع الموسيقى الكلاسيكية.
وجدت المرأة نفسها على رأس هذه المؤسسة في الوقت الذي كانت فيه بأمس الحاجة للعمل والأنشغال , ولذا فقد ألقت نفسها باندفاع ونشاط في عملها الجديد , ومن حسن حظها أن مستشار والدها ورجل الثقة بالنسبة اليه كان قريبا منها , كان يدعى جايسون وود , في البداية خافت أن يشعر جايسون بالمرارة بأعتباره الأنسان الثاني في الشركة بعدها , لكن تبين لها , فيما بعد , أن تخوفاتها بلا سبب , فقد تكيف جايسون سريعا مع الوضع وأظهر عن كفاءة وأصبح لا بديل عنه.
وخلال سنتين , أمتسبت سارة ثقة حقيقية بعملها , وأصبح بأمكان جايسون أن يوكل اليها جميع الأعمال العادية , ليتمكن من تكريس وقته كليا في أختيار الأستثمارات الجديدة.
فشركة ( هاريسون)لم تصبح بعدمؤسسة ضخمة عالمية , لكن أساسها كان متينا ونموها منتظما سنة بعد سنة , وكانت سارة تعرف بأنها ستصبح ذات يوم صاحبة تلك المؤسسة , لأن والدها عرف كيف يحافظ على ملكية معظم الأسهم , وهي أبنته الوحيدة ووريثته الأكيدة.
عيناها محدقتان في السماء المتأججة بشمس الغيب , تفكر بوالدها بحزن كبير , فمرضه يزداد تطورا بسرعة ولم يعد لديه الوقت الطويل في هذه الحياة , في بداية الصيف , قضت سارة مع والدها اسبوعا في كورنويل و غربي أنكلترا , وأظهر سام حينذاك عن مرحه وأسترخائه , لكن بالرغم من هذه المظاهر , شعرت سارة أن صحته تسوء وأنه أشرف على نهايته , كان السياح يتأملون هذه الفتاة الشابة وهذا الرجل المريض الذي يتنقل على الكرسي الآلي , لكنه كان سعيدا بالخروج بعد أن قضى ثلاثة أشهر في المستشفى.
كم يتبقى له من الحياة؟ تساءلت سارة والدمع يملأ عينيها , لم يتمكن الأطباء من تحديد زمن الوفاة , لكنها لاحظت الأرهاق القوي عند والدها , في هذه الأيام الأخيرة , وكم كان يحب اللجوء الى الفراش من أجل الراحة.
منتديات ليلاس
رن جرس الهاتف ,فأنتفضت مذعورة , ثم تناولت السماعة بطريقة آلية :
" سارة حبيبتي.........".
أرتسمت أبتسامة على وجهها وقالت:
" بيري! أعتقدت أنك ستبقى في أسكتلندا حتى نهار الأربعاء".
" لقد عدت بعد ظهر اليوم وأشتقت اليك".
" يا للصدفة!".
أندهش بيري وسألها :
" ماذا تعنين؟".
" أعني أنني أشتقت اليك , أنا أيضا , يا صديقي الأحمق".
قهقه ثم قال:
"أنا في غاية السعادة , هل نتناول العشاء معا , هذا المساء؟".
" لقد وعدت والدي أن أتعشى معه , لماذا لا تنضم الينا؟".
" سأكون مسرورا للغاية ,لأني أحب سام كثيرا , لكن , هذا المساء , أريدك لوحدي , لدي أمور أريد أن أحدثك بها".
أقترحت سارة أن تتصل بوالدها لتعرف أذا كان هذا التغيير في البرنامج لا يزعجه , قبل أن تعطي الجواب النهائي لبيري , وعلى الهاتف شجعها سام بحماس لأن تقبل دعوة صديقها
أذ قال لها:
" لا تقلقي علي , فالسيدة جينكيس ستهتم بي , تسلي وأفرحي وسلمي على بيري , أنه شاب لطيف".
كم هو طيب معها! لكنها تعرف نظرة والدها أتجاه بيري , لا يمكن لسام أن يرى فيه الرجل الذي سيحل مكان ...... لا يمكنها أن تلفظ أسمه , ولا تريد أبدا أن تفكر فيه , الماضي قد دفن الى الأبد.