السلام عليكم
الثورة.. فيس بوك
اندفعت والدة خالد نحو الهاتف، الذي ارتفع رنينه، وهي تهتف بابنها:
- أنا سأجيب.
لم يتحرّك خالد من أمام الكمبيوتر، وهي تلتقط السماعة، لتسمع صوت والدة سامي تقول:
- كل عام وأنتِ بخير.
علت شفتاها ابتسامة فرحة، وهي تقول:
- وأنتِ بخير.. كيف حالك؟!
لم تكن بينهما أية معرفة قديمة، ولكن المحنة التي خاضتاها معاً، ومع أسر باقي المجموعة، إبان اعتقالهم، جمعت بين معظمهم بروابط جديدة، لم يتصوّروا أنها ما زالت موجودة في المجتمع..
روابط أعادت إلى حياتهم التزاور والألفة وتبادل التهنئة والسؤال في المناسبات، وعلى نحو دوري..
ولقد بدت والدة سامي شديدة الارتياح، وهي تقول:
- عام جديد سعيد.. أتعشّم أن يحمل لنا الكثير من الخير.
أجابتها والدة خالد في أمل:
- يا رب.
ثم خفضت صوتها، واختلست نظرة إلى ابنها، هامسة:
- كيف الحال عندك؟! خالد لم يعد يفارق المنزل كثيراً.. إنه يقضي معظم وقته أمام الكمبيوتر.
أجابتها والدة سامي:
- هداه الله سبحانه وتعالى.. سامي أيضا كذلك.. وأم نهى تقول إنها تقضي معظم وقتها في التطلّع إلى الشاشة، وصوت أصابعها وهي تنقر مفاتيح لوحة الحروف لا يتوقف تقريباً.
حمل صوت والدة خالد حماسها، على الرغم من انخفاضه، وهي تقول:
- أم علياء تقول الشيء نفسه، وكذلك أم فتحي.. ربما عاد الأولاد إلى صوابهم، وقررّوا الانصراف عن السياسة ومشكلاتها.
غمغمت والدة سامي:
- كم أتعشم هذا.
ثم عادت تسألها في اهتمام:
- أين قضيت ليلة رأس السنة؟!
ضحكت والدة خالد، وعاد صوتها يرتفع، وهي تجيب:
- في المنزل.. "بطانية بارتي" كما نسميها.
بلغت الكلمات مسامع خالد، ولكنه لم يبالِ بها كثيرا، مع انشغاله بصفحات فيس بوك، التي تنظم تظاهرات الخامس والعشرين من يناير..
كان شديد الاهتمام بالأمر، يمتلئ ثقة في أنه سيصنع علامة فارقة في تاريخ هذا البلد..
على الأقل من الناحية الإعلامية العالمية؛ لأن الإعلام المصري، الذي ما زال يحيا بفكر الستينيات العقيم، سيتجاهل هذا تماماً، إن لم يسع لتسفيهه والتقليص من حجمه..
والرمز هنا شديد الوضوح والتعبير..
سيخرج الشباب للشرطة في عيدها، يعلن رفضه لأساليبها القمعية، وفي مظاهرة سلمية تماماً..
مظاهرها لا تمنحهم تبريراً واحداً لاتخاذ أية إجراءات تعسفية ضدهم..
وهنا تكمن روعة الأمر.. تظاهرة سلمية، شاملة، عالمية المشهد، واضحة الهدف، حضارية الأسلوب والمنهج..
شيء لم يعتده الأمن في مصر.. أبداً..
في نفس اللحظات التي دار فيها هذا في خلده، كان صفوت يعقد حاجبيه في غضب، وهو يهتف بزوجته نيفين، التي جلست في اهتمام شديد، تعمل على اللاب توب الخاص بها:
- ماذا تفعلين بالضبط؟!
أجابته، دون حتى أن تلتفت إليه:
- فيس بوك.
بدا أكثر غضباً، وهو يتجه نحوها، قائلاً:
- ألن تتوقفي أبداً عن هذا العبث الطفولي؟!
قالت، مواصلة إصرارها على عدم الالتفات إليه:
- هذا العبث وسيلة تواصل اجتماعية معروفة، وتعد أغلى مواقع شبكة الإنترنت، وأكثرها قيمة.
أغلق شاشة الجهاز في حدة، وهو يقول في غضب شديد:
- وماذا عن التواصل الاجتماعي مع زوجك؟!
كظمت غيظها، وضمت شفتيها لحظات في غضب، قبل أن تلتفت إليه، قائلة في برود واضح:
- ماذا تريد بالضبط؟!
أجابها في حدة:
- ما يريده كل زوج، عندما يعود إلى منزله، بعد ست وثلاثين ساعة خارجه.
نهضت قائلة:
- سأعدّ لك الطعام.
أمسك ذراعها، وهو يقول في عصبية:
- لم أعنِ الطعام فقط.
التفتت إليه في حدة، وأزاحت يده في حركة عصبية، قائلة:
- وأنا عنيت الطعام فقط.
احتقن وجهه، وامتلأ بالغضب، وهو يقول، محاولاً استعراض قوته:
- يقولون: إنني سأحصل على ترقية، في عيد الشرطة القادم.
ابتسمت ابتسامة ساخرة، وهي تغمغم:
- وهل تعتقد أنه سيكون هناك عيد شرطة هذا العام؟!
أجابها في عصبية:
- ولماذا لا يكون؟! إنه عيد سنوي!
بدأت في نقل الأطباق إلى المائدة، وهي تقول:
- هذا لأنك لا تتابع فيس بوك.
احتقن وجهه مرة أخرى، وقال في حدة:
- لو أنك تعنين هؤلاء العيال، الذين يدعون لمظاهرة يوم عيد الشرطة، فأمرهم لا يعنينا.
قالت في سخرية:
- حقاً؟!!
تصاعدت حدّته مع سخريتها، وهو يقول:
- إنهم لا يساوون شيئاً.. لقد رصدنا ما يدعون إليه، وحددنا هوياتهم، وسيدفعون الثمن غالياً.
تطلّعت إليه لحظة، حاولت فيها كتمان مقتها، قبل أن تقول:
- وما داموا لا يساوون شيئاً، فأي ثمن تريدونهم أن يدفعوه.
هتف بها في حدة:
- ثمن غبائهم.
رمقته بنظرة ازدراء، وعادت تنقل الأطباق إلى المائدة، ولكنه لم يتوقف عن الحديث حاد اللهجة، وهو يكمل:
- كيف يتصوّر شباب "السيس" هؤلاء أن موقعاً على الإنترنت يمكن أن يصنع شيئاً؟!
غمغمت، وهي تضع آخر الأطباق على المائدة:
- عددهم تجاوز ثلاثمائة ألف شخص.
صرخ:
- حتى ولو بلغوا مليوناً.
رمقته بنظرة أخرى، وتركته متجهة نحو اللاب توب، فقال في حدة:
- عددنا يربو على مليوني ضابط وجندي.
التفتت إليه في حدة، قائلة:
- تتحدّث كما لو أن الشرطة في حرب مع الشعب.
أجاب في عصبية غاضبة:
- إنها كذلك.
ارتفع حاجباها في دهشة بالغة، وعادا ينعقدان وهي تقول في حنق:
- المفترض أن الشرطة في خدمة الشعب.
أطلق ضحكة عصبية، قائلاً:
- كان هذا فيما مضى.
ثم مال بجسده نحوها، مضيفا في تحدّ عصبي:
- نحن أسياد هذا الشعب، فكيف يخدم السيد عبده؟!
عاد حاجباها يرتفعان، في دهشة مستنكرة هذه المرة، ثم عادا يلتقيان في مقت، أطل من عينيها، قبل أن تشيح بوجهها عنه، وتلتقط اللاب توب مرة أخرى، فزمجر قائلاً في شراسة:
- ألن تتناولي الطعام معي؟!
أجابته، وهي تفتح اللاب توب، وتعمل على الاتصال بشبكة الإنترنت:
- لست جائعة.
أطلّت من عينيه نظرة غضب حانقة، قبل أن يقول في صرامة:
- اجلسي معي فحسب.
هزّت كتفيها، وهي تتمتم، دون أن تلتفت إليه:
- ولماذا؟!
صرخ في هستيريا:
- لأنني زوجك، وآمرك بهذا.
هتفت مستنكرة:
- تأمرني؟!
ثم تراجعت، مضيفة في سخرية:
- من الواضح أنكم تستحقونها.
سألها في عصبية:
- ما هذه؟!
أجابته في حزم:
- الثورة..
واحتقن وجهه أكثر..
وبشدة؟
يُتبَع