لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > سلاسل روايات مصرية للجيب > روايات أونلاين و مقالات الكتاب
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات أونلاين و مقالات الكتاب روايات أونلاين و مقالات الكتاب


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-03-11, 08:08 AM   المشاركة رقم: 16
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

السلام عليكم

الفصل الثالث

الثورة.. فتحي

في همة ملحوظة غادر فتحي محطة مترو الأنفاق، وتحرّك في اتجاه ذلك الكافيه الذي اعتادت المجموعة اللقاء فيه..

لقد أخبره علاء أن خالد قد عاد للظهور، وهو قلق عليه للغاية بالفعل؛ فقد منعته ظروف عائلية من رؤيته في تلك الليلة التي غادر فيها المجموعة محتداً، ثم اختفى بعدها، ولم يعد يجيب أحداً..

كان فتحي في الواقع أقرب المجموعة إلى خالد؛ فقد جمعتهما صداقة خاصة منذ تعارفا للمرة الأولى، على الرغم من وجود اختلافات عديدة بينهما..

فعلى عكس خالد، نشأ فتحي بين أبوين متوسطي الحال، حنوني القلب، ربّياه مع شقيقته الوحيدة على أفضل ما يكون، وعلّماه الاعتماد على النفس منذ طفولته، فنشأ قوياً، معتدّاً بنفسه، واثق الخطى، يعرف طريقه في الحياة جيداً..

وعلى الرغم من رصانته واتّزانه، كان فتحي شديد الرقة في مشاعره، طيب القلب دون إفراط، وشديد الحماس لكل ما يؤمن به..

وعندما لاح الكافيه، عند ناصية الشارع، أسرع فتحي الخطى، حتى بلغ مدخله، ووقع بصره على المجموعة، التي تنصت كلها في انتباه لصديقه خالد، الذي كان يتحدث على نحو عجيب، يجمع بين الحماس والمرارة، فاتجه نحوهم فتحي، وألقى عليهم التحية، قبل أن يجذب مقعداً، متسائلاً:

- فيم تتناقشون؟!

أجابه علاء في شيء من الملل:
- في الدستور.

ارتفع حاجبا فتحي في دهشة طبيعية، وهو يغمغم:
- الدستور؟!

التفت إليه خالد، متسائلاً في دهشة:
- لا تقل إنك لم تقرأه بعد.

تردّد فتحي لحظة، ثم أجاب:
- الواقع أنني لم أحاول قراءته كله أبداً.. فقط طالعت تلك النصوص التي دارت حولها الخلافات في التعديل الأخير.

قال خالد في أسف:
- خطأ.

هتفت علياء في سرعة:
- أنا قرأته.

سألها سامي في دهشة:
- ومتى هذا؟!

أشارت إلى خالد، مجيبة في حماس:
- عندما طلب مني خالد أن أفعل هذا؟!

سألها تامر في اهتمام:
- ومن أين حصلت على نسخة منه؟!

أخرجت نهى من حقيبتها نسخة من الدستور، في قطع صغير، ولوّحت بها، قائلة:
- كانوا يوزّعونه مجاناً، من خلال مشروع القراءة للجميع.

مال فتحي على خالد، يسأله في حيرة:
- ما الذي أثار حماسك إلى هذا الحد لقراءة الدستور؟!

ارتفع حاجبا خالد في دهشة مستنكرة، وهو يقول:
- ألا تتابع ما يحدث؟! ألم تشهد تلك التظاهرات في الإسكندرية، التي تندد بما فعلته الشرطة مع ذلك الشاب؟!

أجابه فتحي، ولم تنخفض حيرته بعد:
- بلى.. وهناك صفحات على الإنترنت اجتمعت على شجب ما حدث، وتطالب بالقصاص.

رفع سامي سبّابته، قائلاً:
- أنا انضممت إليها.

قالت نهى في حماس:
- وأنا أيضا.

تصاعدت أصواتهم، لتبين أنهم جميعاً انضموا لتلك الصفحات، فيما عدا خالد، الذي احتقن وجهه، وهو يقول في حياء آسف:
- لم أعلم حتى بوجودها.

لمست علياء كفّه بطرف سبابتها، وهي تقول متعاطفة:
- ربما لأنك كنت منشغلاً بدراسة الدستور.

نظر إليها نظرة خاوية، وإن ارتاح كفه لملمس سبابتها، وهو يقول:
- وكيف أجد تلك الصفحات؟!

أخبروه في حماس كيف يفعل، ثم هزّ علاء كتفيه، قائلاً:
- هل تظنون أن صفحات إنترنت يمكن أن تفعل شيئاً؟!

هزّ أحمد كتفيه كعادته، وقال:
- من يدري؟!

تواصل حديثهم لبعض الوقت، حول احتمالية أن يستمع النظام لصفحات إنترنت، وهو نظام شاخ منذ زمن طويل، وما زال يحتفظ بعقلية وأساليب ستينيات القرن العشرين، مع نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ثم هتف خالد فجأة، وهو يرفع نسخة الدستور عالياً:
- لو أننا قرأنا هذا جيداً، وعرفنا حقوقنا في هذا البلد، فسيستمعون إلينا حتماً.

انفرط حماسه فجأة، فهبّ واقفاً، وصاح بجميع زبائن الكافيه:
- الدستور.. اقرؤوا الدستور؛ حتى لا يفعل بكم أحد ما فعلوه في شاب الإسكندرية.

التفت إليه جميع الزبائن في وجوم، دون أي تعليق، وتفرّس بعضهم في ملامحه بدهشة، في حين أشاح الآخرون بوجوههم، واندفع نحوه ناجي -صاحب الكافيه- وهو يقول مذعوراً:
- أستاذ خالد.. أرجوك.. هذا ليس مكاناً للحديث في السياسة.

سأله خالد في حدّة:
- وهل هناك أماكن خاصة للحديث في السياسة.

امتقع وجه ناجي، وهو يقول في ضراعة:
- أستاذ خالد...أرجوك.

همّ خالد بمحاورته، ولكن فتحي أمسك يده، وقال في رصانة:
- اجلس يا خالد.

التفت إليه خالد بنظرة محتدّة مستنكرة، فاشتركت معه علياء، قائلة بصوت خافت:
- اجلس يا خالد.. أرجوك.

نقل خالد بصره بينهما، ولاحظ ذلك التوتر على وجوه الآخرين، وامتقاع وجه ناجي، فغمغم:
- فليكن.

عاد إلى مقعده، فتنفّس ناجي الصعداء، وتلفّت حوله في قلق؛ ليرى رد فعل حديث خالد على وجوه باقي الزبائن، ولكن الجميع انصرفوا إلى أحاديثهم الخاصة، في حين ربّت خالد على نسخة الدستور، قائلاً:
- الدستور يقول: إن كل شخص من حقه التعبير عن رأيه بكل الوسائل المشروعة.

غمغم تامر، بابتسامة شاحبة:
- هذا في الدستور فقط.

سأله خالد محتداً:
- ماذا تعني بهذا؟!

أجابه سامي، محاولاً تهدئته:
- يعني أن الدستور يقول هذا نظريا، ولكن في ظل قانون الطوارئ، الذي نحيا فيه منذ مولدنا، ليس هذا صحيحاً على أرض الواقع.

هتف خالد في حدة:
- ولكن الدستور يقول..

لمست علياء كفه بسبّابتها مرة أخرى، وهي تقول في لوعة، مقاطعة إياه:
- ماذا أصابك يا خالد؟!

بتر عبارته، وتراجع دفعة واحدة، وهو يغمغم:
- كنت أعمى فأبصرت.

قالت بلوعتها:
- كنت أقصد لماذا صرت عصبياً محتداً هكذا؟! عهدي بك دوماً رصينا هادئاً.

التفت إليها بنظرة، حملت قدراً هائلاً من الحيرة..
نظرة تجيب بأنه حتى هو نفسه لا يدري..
حادثة شاب الإسكندرية غيّرت داخله الكثير..
والكثير جداً...
هو يعترف بهذا، ولا يدري له سبباً واضحاً..

"ما رأيكم في أن نشاهد غدا جميعاً فيلم أحمد حلمي الجديد؟!"
قالها سامي، في محاولة لتهدئة الأحوال، فهتفت نهى في حماس:
- عظيم... أردت مشاهدته منذ قرأت ما كتبوه عن القصة.

هزّ أحمد كتفيه، وقال:
- وأنا أيضا.. ما رأيكم في اقتراح سامي؟!

بينما يتجادلون في الأمر، انفصل أحد الزبائن عن مائدته، واتجه نحو ناجي، وسأله:
- من هذا الولد، الذي كان يتحدّث عن الدستور؟!

اللهجة التي ألقى بها سؤاله كانت صارمة قاسية، تشفّ عن موقع ما، في أحد الأجهزة الأمنية، مما جعل قلب ناجي ينتفض بين ضلوعه، وهو يغمغم:
- أي ولد؟!

لم يجبه ذلك الزبون، وإنما رمقه بنظرة قاسية متوعدة، جعلته ينكمش في مكانه، وهو يجيب في خفوت:
- اسمه خالد.

سأله في صرامة أكثر وقسوة أشد:
- وهل يجتمع مع تنظيمه هنا كل يوم؟!

اتسعت عينا ناجي، وهو يقول في هلع:
- تنظيم؟! إنهم مجرد مجموعة من الشباب يجتمعون هنا بين حين وآخر، وهي المرة الأولى تقريباً التي أسمعهم يتحدثون فيها عن السياسة.

بدا الرجل أشد قسوة وصرامة، وهو يقول بلهجة آمرة فظة:
- أريد أسماءهم.. جميعاً.

وامتقع وجه ناجي بشدة، وأدرك أن الأمر قد خرج عن السيطرة..
تماما.

يُتبع

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 09-03-11, 06:22 PM   المشاركة رقم: 17
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

السلام عليكم

الفصل الرابع

د. نبيل فاروق

الثورة.. علاء

على الرغم من اعتياده التظاهر بالاستهتار واللامبالاة؛ لإخفاء تلك الصراعات شديدة التعقيد في أعماقه، لم يستطع علاء إزاحة حديث خالد عن ذهنه لحظة واحدة، وهو في طريق عودته إلى حيث يقيم..

كان على عكس رفاقه، لا يتمتع بأي استقرار في حياته الأسرية، حيث انفصل والده عن والدته وهو بعدُ صغير، ولم يكن بوسع أيهما إيجاد سكن مناسب لطفليهما، مما جعله مجبراً على العيش مع جدته لأمه، ليلعب دور مسئول التمريض، منذ سنوات تفتّح شبابه الأولى..

تلك الظروف خلقت داخله صراعاً دائماً، بين طيبته الفطرية، ونقمته على ما وضعه القدر فيه، ولكن تلك الكبرياء في تكوينه، منعته الإفصاح عن هذا، ودفعته لمجاراة رفاقه، دون أن يشعر أحدهم بما يعانيه..

وبحكم عيشه في منطقة شبه شعبية، كان أحد الشباب الذين يدركون جيداً أنه لا مكان لهم على أرض الوطن..

في كل مرة يعود فيها إلى المنزل متأخراً، كان أحد أكمنة الشرطة يستوقفه، وتبدأ تلك الممارسات السخيفة، التي جعلته يبغض السير ليلاً، إلا تحت أسوأ الظروف..

نظرات قاسية، وكلمات جارحة، واستجوابات، وانتظار طويل، حتى يرضى عنه الباشا، وهو اللقب الذي انتزعته حركة يوليو من أصحابه، لتنعم به على كل من هبّ ودبّ، وحمل رائحة سلطة في منصبه..

لم يدرِ أبداً لماذا يتعامل معه ضابط الكمين بهذا الأسلوب المهين، لمجّرد أنه يسير عائداً إلى منزله، دون أن تكون هناك قرارات حظر تجوال سارية..

لم يدرِ أبداً..
ولم يفهم أبداً..

هذا ما جعله ينتبه بشدة إلى كلمات خالد، على الرغم من أن جلسته كانت توحي -كما هي عادته- باللامبالاة...

لماذا لا يعرف الشعب بالفعل حقوقه الدستورية؟!
لماذا لا يتم تدريس الدستور في مدارس مصر؟!
بل والسؤال الأكثر أهمية هو: لماذا لا يحترمه أي مسئول في مصر؟!

وجد نفسه، عن غير وعي، يردّد:
- نعم.. ينبغي أن ندرس جميعاً الدستور.

مرقت إلى جواره سيارة مسرعة في هذه اللحظة، فانتفض جسده كله، واندفع جانباً، محاذياً للرصيف..

في تلك اللحظة بالذات لمح ذلك الكمين..

كان على بُعد أمتار قليلة من منزله، يسدّ الطريق أمامه مباشرة، ويستوقف تلك السيارة المسرعة، وأمين الشرطة يطلب من قائدها أوراقه، في حين يقف الباشا صامتاً، يتابع الموقف في تحفّز، لم يكن له ما يبرره..

وتردّد علاء لحظات، وبدأ قلبه يدق مجدداً، وهو يزن الأمر في رأسه..
هل يعبر ذلك الكمين الآن، أم ينتظر انصراف تلك السيارة؟!

هداه تفكيره إلى أن العبور في وجودها أكثر أماناً؛ إذ سينشغل الجميع بها، على نحو يوحي بأهمية راكبها، مما سيصرف الأنظار عن شاب يسير على قدميه..

من هنا حثّ الخطى، حتى يتجاوز الكمين في سرعة، ومع اقترابه منه سمع قائد السيارة يقول لأمين الشرطة، في تعالٍ واضح:
- أنا مواطن أمريكي، أحمل رخصة قيادة أمريكية، وهذا جواز سفري.

لاحظ ارتباك أمين الشرطة، الذي رفع جواز السفر بيد مرتجفة، ليريه للضابط، الذي انعقد حاجباه في ضيق، ولكنه أومأ برأسه إيجابا، فأعاد أمين الشرطة الجواز الأمريكي لصاحبه، ورفع يده بالتحية العسكرية، وعادت السيارة تنطلق، متجاوزة الكمين؛ لتمضي إلى سبيلها..

وحثّ علاء الخطى أكثر..

وأكثر..
و...
"أنت.. هناك"..

هتف الباشا في صرامة قاسية، فتجمّدت ساقا علاء دفعة واحدة، حتى إنه كاد يسقط على وجهه، وارتجفت كل ذرة من كيانه، وانتقلت ارتجافتها إلى صوته، وهو يلتفت إلى الضابط، متسائلاً:
- أنا؟!

اتجه نحوه الضابط في شراسة، لم يكن لها ما يبررّها، إلا عجزه عن مواجهة سائق السيارة المسرعة، الذي يحمل الجنسية الأمريكية، وصاح فيه:
- لماذا تُسرع هكذا؟!

أشار علاء بسبّابة مرتجفة إلى منزله القريب، وهو يقول:
- منزلي هنا، وقد تأخّرت في العودة، وجدتي وحيدة، و...

قاطعه الضابط، وكأنه لم يسمع حرفاً مما قاله، وبنفس الشراسة غير المبرّرة:
- بطاقتك.

كان من الصعب أن يلتقط علاء بطاقته من حافظته، مع ارتجافة أصابعه، ألا أنه فعلها، وناول الباشا بطاقته، التي لم يُلقِ عليها نظرة واحدة، وهو يناولها لأمين الشرطة، قائلاً في غلظة:
- قم بالكشف عن هذه.

قال علاء متوتراً:
- منزلي هنا.

تجاهله الضابط، وهو يبتعد عنه، قائلاً في خشونة:
- انتظر هنا.

عاد يكرر في تخاذل بائس:
- منزلي هنا.

في هذه المرة، لم يبد أن الباشا سمع حرفاً مما قاله، وهو يعود إلى وقفته المتحفزة، وكأن مهمته الرئيسية هي ترويع المارة، في حين حمل أمين الشرطة البطاقة إلى سيارة شرطة قريبة، وأمسك جهاز الاتصال اللاسلكي؛ ليملي رقمها لمكان ما، أو وجهة ما، ثم تركها على سطح السيارة، وانصرف عائداً إلى الكمين..

ومضت عقارب الساعة في بطء، لم يعهده علاء مع الزمن أبداً...

الباشا بدا وكأنه قد نسي أمره تماماً، وانشغل في إيقاف السيارات والمارة، وكأن هذه هي لذّته الوحيدة، ولاحظ علاء، في وقفته المتوترة، أن الضابط كان يؤدي هذا بعنصرية واضحة، فالسيارات شديدة الفخامة، كان يلقي نظرة على راكبيها، ثم يشير إليهم بمواصلة الطريق، وكأنما يخشى أن يستوقفهم، فيكون بعضهم من ذوي السلطة، ويعرّضه لما ينقص من هيبته وكرامته..

أما السيارات البسيطة، فكانت تعاني جحيماً في ذلك الكمين..

ولقد علا صوت اللاسلكي مرة..
ومرة..
ومرات..

وفي كل مرة كان قلب علاء يرتجف، متصوّراً أنها نتيجة فحص هويته، ولكن أمين الشرطة كان يتجاهل الردّ..
والضابط كذلك..

وبعد مضي ما يزيد على الساعة، بدت له أشبه بدهر كامل، وبعد أن كادت أعصابه تنهار تماماً، دونما ذنب جناه، لمح أحد أمناء الشرطة الآخرين يلتقط بطاقته، من سطح السيارة، ويتلفّت حوله، ثم يتجه مباشرة..

وتحفّزت كل خلية في جسد علاء، وتصوّر ألف تصوّر، إلا ما حدث بالفعل..
لقد دنا منه أمين الشرطة الثاني، وناوله بطاقته سراً، ثم همس في أذنه، في تعاطف واضح:
- خذها وانصرف يا ولدي، قبل أن ينتبه الباشا إليك.. هيا.. أسرِع.

واندفع علاء يبتعد، وهو يتصوّر في كل لحظة، أن الضابط سيصرخ فيه مرة ثانية، وسيستعيده لينكّل به، جزاء انصرافه دون إذن..

وحتى عندما بلغ منزله، استغرق الأمر منه ما يزيد على الدقيقة، قبل أن تنجح أصابعه المرتجفة، وأعصابه شبه المنهارة، في دسّ المفتاح في ثقب الباب..

وعندما كادت دقات قلبه تبلغ ذروتها، كان قد نجح في عبور الباب، وأغلقه خلفه في قوة، ولأوّل مرة في حياته أغلقه من الداخل بالمفتاح، ثم ارتكن بظهره عليه، يرهف سمعه في شدة متوترة، خشية أن يكون ذلك الباشا قد أرسل خلفه من يُحضره..

ولكن كان من الواضح أن الباشا قد نسي أمره تماماً، مع انشغاله بتكدير آخرين؛ للتسرية على نفسه في ذلك الكمين الذي يمتدّ حتى الفجر..

ومع تلك الحالة، التي يمر بها، استغرق الأمر ربع ساعة كاملة، قبل أن تهدأ أنفاس علاء، ويحلّ غضبه محلّ خوفه وتوتره..

ولماذا يحدث هذا؟!
لماذا؟!
لماذا في بلد يُفترض أنه آمن، يكون مصدر الخوف الوحيد، لشاب في عمره، هو الشرطة؟!

أليس من المفترض أن هذه الشرطة في خدمته؟!
أليس من الطبيعي أن يكون -كمواطن مصري شريف- آمناً مطمئناً في وطنه، وأن يحميه أمن وطنه؟!
أليس هذا حقه؟!

ذلك السؤال الأخير استفزّ مشاعره، وذكّره بحديث خالد، فنهض إلى جهاز الكمبيوتر البسيط الذي يملكه، وبحث في صفحات الإنترنت عن الدستور المصري، خاصة أنه لا يمتلك نسخة مطبوعة منه..

وعندما أشرقت شمس اليوم التالي، كان علاء يواصل مطالعته للدستور ومواده، وقد تفجّرت في أعماقه ثورة..
ثورة حقيقية.

يُتبع

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 11-03-11, 08:08 AM   المشاركة رقم: 18
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

السلام عليكم

الفصل الخامس

الثورة.. نهى

- "هذا ما يقوله الدستور.."

هتفت نهى بالعبارة في حماس، على نحو أدهش أمها، وجعلها تسألها في حيرة:
- وما شأن الدستور بما كنا نتحدّث عنه؟!

أجابتها بنفس الحماس:
- الدستور هو كل شيء في الحياة.. هو الذي يحدد حقوقنا، وواجباتنا، وحدود حرينا، و..

قاطعتها أمها في غضب:
- مهلاً! هل تتصوّرين أن هذا الاستعراض الكلامي سيعفيك من إخباري أين كنتِ حتى هذه الساعة؟!

هدأت نهى دفعة واحدة، وهي تقول:
- كنت مع المجموعة في الكافيه، كما تعلمين.

قالت أمها في صرامة:
- وطلبتُ منكِ العودة قبل الحادية عشرة، والساعة الآن تقترب من الحادية عشرة والنصف.

هزّت نهى كتفيها قائلة:
- الطريق مزدحمة، هذا كل ما في الأمر.

انعقد حاجبا والدتها، وهي تتطلّع إليها لحظات في غضب، ثم لم تلبث أن مالت نحوها، وقالت في حزم، وبصوت منخفض:
- نهى، لسنا في كندا الآن.. الحياة هنا تختلف، ونظرة الناس إلى فتاة مثلك لها منظور آخر تماماً.

انعقد حاجبا نهى بدورها، وضمّت شفتيها في غضب صامت مستنكر..

كانت مشكلتها الرئيسية هي أنها ترّبت في مناخ يختلف تماماً، عندما هاجر والداها إلى كندا منذ عدة سنوات، وألحقاها وشقيقتها بمدارس كندية ذات سمات انفتاحية، وفكر أكثر تطوّرًا، صنع منها مزيجاً من التحرّر والالتزام، وخلق منها شخصية قوية، ذات فكر واضح، ونظرة مستقبلية، وطموح يتجاوز كل الحواجز..

وعندما بدأت تغوص في مرحلة المراهقة؛ اختطف الموت والدها فجأة، وأصابها بصدمة مباغتة، شاركتها فيها أمها التي اتخذت قرارً بالعودة إلى الوطن، واستكمال تربية ابنتيْها هناك..

وعادت نهى إلى مصر بأفكار مصرية، وأسلوب حياة كندي، ومشاعر هي مزيج من هذا وذاك..
ولأنها ذات جمال واضح؛ اصطدمت في البداية ببعض التجاوزات، والأسوار التي توضع حول مثيلاتها في عالمنا الشرقي، ولكن شخصيتها القوية جعلتها تقاوم هذا في حزم، وتصر أكثر على المضيّ قدماً في حياتها بالأفكار التي تؤمن بها، والأساليب التي ترى أنها الأفضل..

وإلى حد كبير نجحت في هذا..
وإلى حد كبير تكيّفت مع الحياة في مصر، وعشقت ترابها، ربما أكثر ممن وُلدوا وتربَوْا فيها، وباتت تحلم بتطوّرها ورفعتها..
ولقد كان لانضمامها لمجموعة خالد وأصدقائه مفعول السحر في تطوير تعاملاتها، وأساليبها الاجتماعية..

وعندما أثار خالد موضوع الدستور هذا؛ لقي الأمر قبولاً مدهشاً في أعماقها، لأنه يتعلق بالحريات والحقوق التي تطالب بها دوماً..

وبسرعة حصلت على نسخة من الدستور، وبدأت في قرأتها، ووضع خطوط حمراء تحت كل ما يهمها من مواده..
والواقع أن هذا قد أدهشها بشدة؛ فمواد الدستور -على الرغم من تعديلاته المخزية الأخيرة- تمنح المواطنين الكثير من الحقوق، ولكن تلك الحقوق تُهدَر بشكل يومي، وعلى نحو يبدو منهجياً، وكأن لا أحد يبالي بالدستور ومواده، حتى نظام الحكم ذاته..

والأدهى أن المواطن أيضًا يجهل دستور بلاده..
وكان هذا يعنى أن المجتمع بأسره يحتاج إلى الكثير من التغيير..
والكثير جداً..

" هل فهمتِ ما قلتُه؟!.."..

انتزعتها أمها من أفكارها بعبارتها الصارمة، فقالت نهى في حماس:
- لست أبالى بنظرةالمجتمع.

أجابتها والدتها في حدة:
- ولكن المجتمع نفسه يبالي.

نظرت إليها نهى في دهشة، فالتقطت أمها نفساً طويلاً في محاولة لتهدئة أعصابها الثائرة، قبل أن تحيط كتف ابنتها بذراعها، وتقودها إلى الأريكة المجاورة وهي تقول:
- مشكلة المجتمع المصري -يا نهى- هي أنه لا يتبنى نظرة اجتماعية واحدة، ولا حتى فكرًا واحدًا، فكل فئة منه لها نظرة قد تختلف مع فكر الفئات الأخرى، وكل مدينة لها فكر خاص، يتفق مع فكر بعض المدن ويختلف مع أخرى.. في الصعيد مثلاً قد يرون العيب كل العيب في أمر يراه أبناء الإسكندرية طبيعياً عادياً، والأقاليم قد تنظر إلى فتاة بسيطة الملبس باعتبارها سافرة مارقة.. حتى هنا في القاهرة؛ لكل حي من الأحياء فكره ومنظوره.

قالت نهى في عناد:
- هذا أدعى لأن أتمسك بفكري الخاص، ورؤيتي الخاصة لكل الأمور، إذ إنني سأختلف حتماً مع فئة ما، ولن يمكننى نيل رضاء كل الفئات، مهما حاولت.

تنهّدت أمها في يأس، قائلة:
- عنيدة! مثل والدك رحمه الله.

أشارت نهى إلى رأسها قائلة:
- ولكن من خلال فكر وليس عناداً صبيانياً.

زفرت أمها يأساً مرة أخرى، وغمغمت:
- لا فائدة من النقاش معك كالمعتاد.

ونهضت منصرفة عنها، ولكنها لم تكد تبلغ مدخل ذلك الممر المؤدى إلى حجرات النوم حتى التفتت إليها، قائلة في صرامة:
- ولكن العودة بعد الحادية عشرة ما زالت ممنوعة!

ابتسمت نهى، وهى تقول:
- سأذكر هذا جيداً.

اتجهت إلى حجرتها في خفة، وهرعت إلى الميزان؛ لتعلم كم فقدت من الوزن، خلال يوم واحد، ومطت شفتيها في عدم رضى عندما لم يخبرها الميزان بفقدان أية جرامات، وغمغمت في سخط:
- ماذا ينبغى ان أفعل إذن؟!.. أضرب عن الطعام؟!

استبدلت ملابسها في سرعة، واندّست في فراشها مع نسخة الدستور، وراحت تطالعها في شغف، حتى غلبها النوم، فتركت النسخة تسقط أرضاً، وغابت في سبات عميق..

لم تدرِ لماذا انتشر الضباب على هذا النحو؟!..
ولماذا تسير في شوارع خالية، بملابس النوم؟!..
كل ما شعرت به، هو أنها وحيدة، وخائفة.. وضائعة..

الشوارع كانت خالية تماماً، ومصابيح الضوء محاطة بذلك الضباب الذي جعلها تبدو باهتة، غير كافية لإضاءة الطرقات..
ولقد راحت تبحث عن منزلها وسط الضباب، دون أن تعثر له على أثر..
كانت وكأنها تدور في دوائر مغلقة، والضباب يزداد كثافة، ومعالم الطريق تختفي، والحصى تؤلم قدميها العاريتين، و..

انطلق رنين هاتفها المحمول بغتة، فانتزعها من ذلك الكابوس في عنف، وجعلها تلهث على نحو غير طبيعى، وهى تختطفه، هاتفة:
- علياء..! خيراً؟

بدا صوت علياء مندهشاً من توتر العبارة، وامتزاجها بذلك اللهاث العجيب، فسألتها في قلق:
- أأنت بخير يا نهى؟!

أجابتها، وهى تعتدل في فراشها:
- أعتقد هذا.. أظنه كابوساً فحسب.

قالت علياء في قلق:
- ولكنك لم تحضرى محاضرة الدكتور عبد الله، فخشيت أن..

قاطعتها نهى هاتفة:
- محاضرة من؟!.. كم الساعة الآن؟!..

ألقت السؤال، وهي تلتفت هَلِعَة إلى المنبه المجاور لها ثم تهتف مذعورة، قبل أن تأتيها علياء بالجواب:
- يا إلهى!.. العاشرة؟!

أنهت المحادثة دون إخبار علياء أو استئذانها، وقفزت ترتدى ثيابها، وتسرع إلى الكلية..

كانت الحادية عشرة والنصف عندما وصلت إلى هناك، ولاحظت -فور تجاوزها البوّابة- أن مجموعتها كلها تقف في الساحة والحزن يبدو على الوجوه، فأسرعت إليهم متسائلة:
- ماذا حدث؟!.. ما سر كل هذا الحزن؟!..

أجابها سامي في حزن امتزج بالضيق:
- رفضوا تعيين الدكتورعبد الله رئيساً للقسم.

اتسعت عيناها في دهشة وهي تقول:
- ولماذا؟!..المفترض أنه دوره لهذا!!

أجابها خالد في غضب وهو يشيح بوجهه:
- أمن الدولة!

سألته في دهشة:
- وما صلة أمن الدولة بهذا؟! إنه منصب فني، وليس سياسياً ولا أمنياً؟!

بدا تامر عصبياً وهو يقول:
- الدكتور عبد الله لا تنطبق عليه الشروط.

قالت في حدة:
- الشروط؟ إنه أفضل طبيب في القسم كله، وأكثرهم خبرة، و..

قاطعها أحمد في توتر:
- تامر لا يقصد الشروط.. تامر يقصد أنه ليس عضواً في الحزب الوطني، وليس موالياً للنظام ولا الأمن.. إنه رجل صاحب فكر مستقل، ولهذا رفضوا تعيينه.

بدت عليها دهشة عارمة، وغمغمت:
- أين حقوقه الدستورية إذن؟!

ومن بعيد تابعهم رئيس الحرس الجامعي في اهتمام، ثم رفع هاتفه المحمول، وقال عبره في حزم:
- حازم باشا.. من الواضح أنك كنت على حق.. هؤلاء الأولاد جزء من تنظيم خطير.. خطير جداً.

وعبر الهاتف أيضًا راح يتلقى التعليمات..
وبدقة.

* * *

يُتبع

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 14-03-11, 08:24 AM   المشاركة رقم: 19
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

السلام عليكم

الفصل السادس

الثورة.. تامر

على الرغم من احتدام الجدل في الكلية حول تدّخل أمن الدولة في تعيين الدكتور عبد الله رئيساً للقسم، لم يحاول تامر التعبير عن رأيه لفترة طويلة..

كان يكتفي بالاستماع إلى وجهات النظر، وإدارتها كلها في عقله..

وكان -كالمعتاد- يطرح على نفسه ألف سؤال وسؤال..
لماذا يتدّخل أمن الدولة في أمر فني كهذا؟!
لماذا؟!

ولماذا تعتبر أية جهة أمنية نفسها وصياً على أمور لا شأن لها بالأمن؟!
هل استفحل الأمر إلى هذا الحدّ؟!

هل حوّل النظام مصر إلى دولة بوليسية، من القمة إلى القاع؟!

كانت هناك أمور عديدة تستفزّه، منذ وضع قدميه في الحياة الجامعية، أوّلها الحرس الجامعي، الذي يقف عند أبواب كل كلية، موحياً بأنها سجن للطلاب، ومعتقل للتعليم والفكر والرأي..

لم يكن يجد أية صلة، بأي منطق كان، بين الجامعة وأجهزة الأمن..
جامعات الدنيا كلها لها أمن خاص، يتبع الجامعة، ولا يتبع الشرطة..
أمن مثلها... مستقل..

ولأنه، ومنذ طفولته، يمتلك طبيعة ثائرة متمردة، فقد كان يرفض هذا بشدة، ولكن طفولته نفسها شهدت لحظات من القمع، جعلته يدرس مواقفه جيداً، ويفصح عنها بشيء من الحذر؛ لتفادي رد الفعل..

ولكن ارتباطه بالدكتور عبد الله كان قوياً بالفعل..

فالدكتور عبد الله أستاذ بكل ما تحمله الكلمة من معان؛ فهو واسع العلم والاطّلاع، هادئ النفس، جمّ الصبر، يجيد الاستماع إلى طلابه وأسئلتهم واستفساراتهم، في سعة صدر، وسماحة خلق، ويجيد أكثر إجابة تساؤلاتهم، بأسلوب سلس هادئ بسيط..

ومن وجهة نظر تامر كان يستحق رئاسة القسم عن جدارة...
ولكن المشكلة أنه لا يمتلك مقومات العصر..
والعلم ليس أحد تلك المقومات... مع الأسف...

فرئاسة القسم، في العالم المتحضّر كله، ترتبط بالتفوق العلمي، وكفاءة الأستاذ، وموهبته الإدارية..

أما في مصر فالأمر يختلف تماماً..

المقومات الرئيسية فيها، هي أن ينتمي الشخص إلى الحزب الوطني، وألا ينتمي إلى أية جماعة إسلامية، والأهم أن يوافق جهاز أمن الدولة على تعيينه..

أسلوب أمني بوليسي سخيف، ربما هو سر ابتعادنا الشديد عن العلم، وعن ركب التطوّر والحضارة...

قاده هذا، على نحو طبيعي، إلى التفكير فيما يدعو إليه خالد، في الآونة الأخيرة.. إلى دراسة الدستور..

فالمفترض أن يحوي الدستور كل الحقوق والواجبات، و.....

توقف تفكيره دفعة واحدة، مبتعداً عن الدستور، ومتجهاً نحو ما أسمته الدولة، طوال ثلاثة عقود كاملة، بقانون الطوارئ... ذلك القانون، الذي ينتزع من كل مواطن في مصر، كافة حقوقه الدستورية، بحجة الحفاظ على الأمن!!

نفس اللعبة، التي استخدمتها الدول الديكتاتورية عبر التاريخ...
الأمن مقابل الحرية..

كل النظم الديكتاتورية القمعية، في التاريخ كله، استخدمت هذه اللعبة..
وخسرت في النهاية...
إيران، روسيا، رومانيا، وغيرها...

كلها حاولت خداع شعوبها، وإيهامها بأنها تقتطع حريتها؛ لتمنحها الأمن، فلا حازت شعوبها حريتها، ولا نعمت بالأمن والأمان..

كلها حاولت..
وكلها سقطت..

"لا بد وأن نفعل شيئاً"..

انتزعته عبارة خالد من أفكاره، فالتفت إليه على نحو أشبه بالذعر، وهو يسأله في توتر:
- بشأن ماذا؟!

أجابه في حماس:
- بشأن منع تعيين الدكتور عبد الله.

أطلّت الحيرة من وجه تامر وصوته، وهو يسأل:
- وما الذي يمكن أن نفعله؟!

أجابه خالد بنفس الحماس:
- نعترض.

سأله تامر في حذر:
- باعتبارنا ماذا؟!

قال خالد في شيء من الحدة:
- باعتبارنا طلابه، ومن حقنا أن.....

قاطعه تامر في توتر:
- ومن حقنا ماذا؟!

صمت خالد وتطلّع إليه في حيرة، فأكمل تامر بنفس التوتر:
- حقنا الوحيد هو أن نطالب باستمراره في تدريس المادة لنا.

هزّ خالد رأسه في ضيق، قائلاً:
- لم يمنعوه من التدريس.

قال تامر في سرعة:
- وهذا لا يمنحنا أي حق آخر.

بدا الإحباط على وجه خالد، وهو يغمغم:
- ولكننا إن لم نفعل شيئاً، فلن يتغيّر أي شيء.

تردّد تامر لحظة، قبل أن يقول في حذر:
- المهم أن نعرف ما الذي ينبغي أن نفعله.

رفع إليه خالد عينين يائستين، وتطلع إليه بهما لحظة، ثم استدار منصرفاً، دون أن يضيف حرفاً واحداً..

والعجيب أن تامر لم يحاول استيقافه..

كل ما فعله هو أن تابعه ببصره في صمت، حتى غاب عن نظره تماماً، وكأنه يبرّر الأمر لنفسه:
- وما الذي ينبغي أن نفعله؟!

لم يكد ينطقها، حتى شعر بيد ثقيلة توضع على كتفه، فانتفض جسده في عنف، وهو يلتفت محدقاً في وجه صاحبها...

كان أحد أمناء الشرطة المعروفين، من طاقم الحرس الجامعي، مما جعل تامر يقول في عصبية شديدة، امتزجت بشيء من الخوف:
- ماذا تريد؟!

أشار أمين الشرطة بإبهامه خلفه، وهو يقول:
- الباشا يريدك في مكتبه.

ردّد تامر، في توتر متعاظم:
- الباشا؟!

أجابه أمين الشرطة في صرامة، وكأنما أغضبه ألا يطيع الأمر مباشرة:
- الباشا قائد الحرس.

شعر تامر بقلبه ينتفض بين ضلوعه، وهو يحدّق في وجه أمين الشرطة، بنظرة خوف من أي انفعال، على الرغم من تلك العاصفة، التي هبت على عقله..
لماذا يريده قائد الحرس الجامعي؟!

ماذا فعل؟!
ومتى؟!

"إنه مجرّد لقاء تعارف يا تامر"..

هكذا أجاب قائد الحرس الجامعي، وهو يستقبله في مكتبه، بابتسامة لا تمنحك أي شعور بالارتياح، فارتجف صوت تامر، على الرغم منه، وهو يسأله:
- ولماذا أنا؟!

اتسعت تلك الابتسامة غير المريحة، على شفتي قائد الحرس، وهو يقول، في بطء متعمّد:
- ولمَ لا؟! هل تحمل ضغينة خاصة تجاه الحرس الجامعي؟!

أجابه، في سرعة متوترة:
- لست أحمل أية ضغائن تجاه أية جهة.

رمقه قائد الحرس بنظرة طويلة، أشبه ما تكون بابتسامته الخاوية من المودّة، قبل أن يميل نحوه، ويسأله، في خبث واضح:
- فيم تتحاور أنت ومجموعتك إذن؟!

ارتدّ تامر في دهشة مصدومة، وحدّق في الرجل في دهشة بالغة، أشعرت هذا الأخير بابتسامة الظفر، فاتسعت ابتسامته أكثر، وهو يتراجع في مقعده الكبير، مكملا:
- يغضبكم عدم تعيين الدكتور عبد الله.. أليس كذلك؟!

غمغم تامر، بنفس الدهشة المصدومة:
- كيف عرفت؟!

أطلق قائد الحرس ضحكة ساخرة شديدة القصر، ولوّح بكفه، قائلاً:
- هذا أول درس ينبغي أن تتعلّمه.

وعاد يميل نحوه، مضيفاً في صرامة:
- أننا نعلم كل شيء.

اتسعت عينا تامر، وهو يحدّق فيه أكثر..

كيف علموا؟!
كيف؟!

لقد تحدّث مع رفاقه وحدهم..
لم ينضم إليهم أي شخص آخر غريب..
كانوا وحدهم.. تماماً..

وقبل أن يواصل الغرق في تساؤلاته، عاد قائد الحرس يبتسم، ويميل نحوه، وهو يكمل في زهو واضح:
- ثم إن أحد أفراد مجموعتك يعمل معنا.

واتسعت عينا تامر، حتى بلغ اتساعهما ذروته هذه المرة..
فقد كانت المفاجأة عنيفة..

إلى أقصى حد.

* * *

يُتبع

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 15-03-11, 06:11 PM   المشاركة رقم: 20
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: May 2009
العضوية: 145358
المشاركات: 58
الجنس ذكر
معدل التقييم: تلوستوى عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 12

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تلوستوى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 

شكرا على الروايه الرائعة

 
 

 

عرض البوم صور تلوستوى   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثورة, الثورة المصرية, الدكتور نبيل فاروق, عهد amsdsei
facebook




جديد مواضيع قسم روايات أونلاين و مقالات الكتاب
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 05:26 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية