كاتب الموضوع :
هناء الوكيلي
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
الاحتراق الثاني
مساء الخير روح،
تحية محملة بنسيم حديقتي الصغيرة،
روح، العالم يا صديقتي لا يعزل أحدا، كما لا يقدم لنا الفرح في طبق من فضة، الفرح الذي علينا أن نبحث عنه، بأنفسنا، أنت من عزلت نفسك عن عالمك عن كل شيء جميل فيه..
وجمدت كل شيء حي حولك، فقط البعيد، تصورت أنه السعادة، أنه الفرح، أنه الشيء الكامل في حياتك، بيد أنه كأي شيء يأتي ويروح، كفصل الربيع الذي يليه خريف ينثر أوراقه الخضراء، بعدما يكسبها لونه الأصفر على الطرقات، إذا ما تأملت الآن البعيد سترينه بعين أخرى، هو مثله مثل غيره، ليس فيه شيء لا يوجد فيمن حولك..
طيب أو لم تقابلي شخصا طيبا يا روح في حياتك؟؟ فهمك وما الجديد في الموضوع؟؟
لست لغزا إغريقيا حتى يحتار الناس في فهمك، ويتسابقون في حلك؟؟
أنت عادية بالقدر الذي يسمح لكل من يقترب من لحظات صدقك أن يفهمك..
رسالته جميلة وإن كانت مثالية، أو تعلمين لقد شعرت وكأنها صفحة نزعت من إحدى الروايات الرومانسية التي تقرئينها لسارة كرافن أو آن هامبسون..
لست أدري أحس أنه هو أيضا كذب، حينما أخبرك أنه لم يكن موجودا، مجرد شعور يا روح، أحسست أنه احتاج لبعض الوقت حتى يفكر، هل سيتوقف هنا؟؟؟
رغم أن الرسالة جاءت بشكل عفوي، لم يتصنع فيها ولم يختر كلماته بعناية كما تختار الفتاة فستان زفافها، لم يحتر، لم يكتب ويمسح، ويعيد ويرتب، لغته بسيطة جدا، كبساطة تلك المشاعر التي لفتكما وعميقة جدا كعمق ذلك الفراغ الذي تحدثت عنه، والذي سيشعر به هو أيضا..
أنت رائعة يا روح، أجل لا أتفق معك في الكثير من الأشياء، تلك الشاعرية التي تلفين بها نفسك، وذلك الكم من العطاء غير المحدود لديك، وذلك التمرد على أي شيء لا يناسب أحلامك، وحتى في حبك للبعيد..
لكن هذا لا ينفي أن كل من يقترب منك بصدق، يعجز كعجز ترجمة ذلك الشعور، الذي تفلسفت فيه بالمناسبة كثيرا، أن ينساك..
خطوة رائعة منك..
أهنئك يا صديقتي..
لم يتسن لي أن أخبرك في رسالتي الماضية أن ما قمت به كان رائعا..
اتخاذك لهكذا قرار، هو أروع من حبك وألمك..
سيأتي اليوم الذي تنسي فيه،
صدقيني مهما تأخر هذا اليوم لكنه سيأتي، فلا ليل بدون نهار، ولا شتاء بلا صيف
الحمد لله أنه أنعم علينا عز وجل بنعمة النسيان، وإلا لكان المرء منا لا يزال يقبع أمام قبر والديه..
أجل سيصعب ذلك، فالحب كالسجائر، من الصعب العودة عنها لكن ليس مستحيلا..
وعلى فكرة رغم أني لا أحب أن أسمع النصائح كثيرا، لكن لديك حق، إن تصرف الأستاذ بذلك الشكل، يعني أني قمت بشيء ما غير معتاد، لم تعتده طبيعتي، ولم يعتده الناس من حولي، شيء ما يا روح سمح له بأن يتجاوز حجابي، والتزامي، ويقذف نيته السيئة أمامي بلا خجل، وبلا مروءة..
اليوم كنت بالمكتبة بالجامعة، لم يكن لدي أي محاضرات، أبدا لذلك ارتأيت أن أدخل لهناك
بدل الجلوس في المنزل، أراقب عقارب الساعة التي تمر ببطء كما تمر الأيام من حولي
التقيت في طريقي، ذلك العامل الإفريقي الذي يكنس الممرات ويجمع الأزبال من الحديقة
إنه يتحدث الفرنسية بشكل جيد، اليوم عرفت أنه قد جاء للمغرب قبل ست سنوات، ليدرس الطب، أجل ستستغربين كثيرا، ما الذي يحوله من طالب علمي، إلى عامل..
سأخلصك من تلك الحيرة التي سبقت وأن سكنتني حينما أخبرني بذلك..
لم يتبق له إلا سنة واحدة ويتخرج طبيبا
لا تضعي يديك على فمك اندهاشا، وتتوقف أنفاسك، تابعي القراءة يا روح
أجل جاء هنا ليدرس، والتحق بالجامعة التي أدرس فيها، لكن المصاريف يا روح كما تعلمين كبيرة جدا، فتقدم بطلب ليعمل بالجامعة، وينام فيها وطبعا يستفيد من الأكل الذي تقدمه لنا الجامعة، -نحن الذين لا نخرج من داخل أسوارها-وهكذا فإن راتبه لا يستعمله إلا في شراء المقررات والأبحاث التي يقوم بها..
حتى اللباس فهو معفى منه، فطوال اليوم وعلى مدار السنة يرتدي، في ساعات العمل
ذلك اللباس الأزرق الخاص بهم-هم العاملون-وفي أيام الامتحانات يرتدي جنزا أزرقا باهتا وقميصا أبيضا، وفي فصل الشتاء يرتدي سترة صوفية أخبرني أنها قد صنعتها له والدته
ما أدهشني وهو أن ابن عمي والده من أغنى الناس في قريتي، وقد تم طرده الشهر الماضي من جامعة الأخوين في إفران يا روح..
لأنه ليس أهلا للدراسة فيها، بسبب سلوكه واللامبالاة التي تصاحب شخصيته..
هل رأيتي المفارقة؟؟
جامعة الأخوين، يا روح وما أدراك ما جامعة الأخوين، يأتونها الناس من كل صوب
ليدرسوا فيها، في تلك الساعة جاءتني فكرة، ماذا لو عكسنا الوضع؟؟
بمعنى يصبح العامل ابن عمي، وابن عمي عاملا..
هكذا كنا سننصف ذلك العامل كثيرا، وننصف عمي الذي يحلم بابن يرفع رأسه
وننصف أيضا ابن عمي فمن حقه أن يعرف من أين تولد الحاجة..
أخبرتني في رسالتك الماضية أنك تحتاجين، لمفتاح مني كي تبدئي رسائلك من جديد
إلي..
أخبرك بسر صغير:
كنت أحتار دائما كلما هممت بالكتابة إليك، فكنت أكتب دائما وكما تلاحظين في رسائلي إليك
اسمك، ابدأ باسمك، فيمنحني دفعة من القدرة الكتابية، مع أني لا أعتقد أن المرأة تعجز عن الثرثرة، فهي طبيعتها..
في المرة القادمة أريد اسمي..
ابدئي باسمي يا روح..
صديقتك دائما
جميلة
|