رأته يصلي في الغرفة المجاورة، يتلوا سورة الرحمن بصوته العذب، يرتل ويجود بتميز، ركع فأطال الركوع،
سجد فمرت دقائق ولم ينهض من السجود، ارتعدت أطرافها ظنته لن يعتدل جالسا، اقتربت منه بخفة
وسرعة، لكنه قبل وصولها اعتدل بالجلوس، سجد السجدة الثانية وأطال كما الأولى قبل أن يستقيم واقفا
ليتلوا الفاتحة ويكمل آيات العروس، قرأ فأجاد ورتل فارتقا إلى أن وصل إلى قول العزيز ذو الملكوت: ((فِيهِنَّ
قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ))، فرفعت رأسها، أكمل: (( كَأَنَّهُنَّ
الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ))، فاستندت على جدار خلفها، أكمل إلى أن وصل: (( فِيهِنَّ
خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ))، فأطرقت رأسها بابتسامة حزينة، أكمل: (( حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ))، فأدمعت، أكمل:
((لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ))، فخرجت بخفة كي لا يشعر بها. أتم ركوعه وسجوده، لم يطل كما
أطال، لقد شعر بها خلفه تستمع، ووصل صوت انسكاب الدموع إلى مسمعه، ابتسم بحنان، علم ما جال
بخاطرها من حوار، تبعها إلى حيث هي، أحست بخطواته فكفكفت دموعها مسرعة، ورسمت ابتسامتها
الرقيقة ملتفتة إليه، ولكن صوتها خانها حين بادرته الكلام، فخرج مختنقا: " تقبل الله "، صمت للحظة ومن ثم
أجاب: " منا ومنكم صالح الأعمال "، نظر إلى عينيها اللتين لم تجفا بعد، رفع يديه ودعا قائلا: " أحمدك يا
إلهي... لقد رزقتني حوريتي... في دنياي قبل آخرتي ".
منقوول .. دمتم بكل الود ..