كاتب الموضوع :
عهد Amsdsei
المنتدى :
روايات أونلاين و مقالات الكتاب
الفصل الرابع من ليلة شتاء
معذرة لم استطع رفع الصور ......
*************************
ليلة شتاء (4) الليل والدفء الذي بدأ يضرب بناره في أطرافي وخدّي وصوت الشيخ الهامس.. أشعر أن هذا كله حلم سوف أفيق منه حالاً.. الأجمل أن (بسيوني) لم يصحُ بعد، مما جعلني أتساءل عن المؤثّر الذي يمكن أن يجعله يفيق منزعجًا.. هل هو ذبْحُنا؟!
المشكلة أن جهاز اللاسلكي لا يعمل، بل يُحدث هذا الأنين الغريب كأنه كلب مخنوق. لا شك في أنهم قلقون علينا ولا يعرفون أين نحن، لكن لا حيلة أمامهم؛ لأن هذه العزبة صارت خارج الزمن فعلاً. لا أعتقد أن الصباح سيسمح لنا بالرحيل؛ لأن كل هذا الوحل لن يزول قبل يوم بشرط توقّف الأمطار.
صوت الرعد يدوي.. كأن هناك حقل ألغام ينفجر بالخارج..
أقول للشيخ مغتاظًا:
ـ "عم تتكلم بالضبط؟ ما هذا الهراء؟ نحن نعرف القاتل.. لكننا لا نعرف من هو القتيل! ثم من سمح لك بأن تتسلل إلى هنا أصلاً؟"
يصغي لي وهو يضع سبابته على شفتيه محاولاً جعلي أخفض صوتي..
كان ينظر نحو الباب ثم دفن رأسه تحت البطانية..
لم أتحرك.. أدرت عيني بخفة، فرأيت الباب ينفتح ببطء.. الضوء يتسرب بذلك التأثير الشعاعي المعروف، ثم يملأ فرجة النور ظل فارع لرجل ينظر لنا..
فارع القامة ضخم البنية.. لا يوجد أشخاص كثيرون لهم هذه الصفات...
يلقي نظرة كأنه حارس يطمئن على أملاكه، ثم يغلق الباب ثانية..
بعد دقائق أخرج الشيخ رأسه وراح يلهث.. يبدو أنه كان سيموت خنقًا.. قال لي:
ـ "يريدون التأكد من أنك لست فضوليًا، ولن تذهب هنا أو هناك".
ـ "من هم؟ عم تتحدث؟"
أغمض عينه وراح يتكلم..
رباه!.. لن أنسى أبدًا نبرات صوته المسنّ.. صوت رجل دنا من النهاية أكثر من اللازم، وصار يعرف أكثر.. الظلام والليل والحاجة إلى أن تتخذ قرارًا سريعًا..
قال لي بذلك الصوت الرهيب:
ـ "لم نعرف أي شيء غريب إلا في العام 1986.. ليلة عاصفة مثل هذه.. (الليثي) الكبير المسنّ كان في غرفته، وقد أوشك على النوم، ثم خطر له أن المواشي ثائرة أكثر مما يجب. خطر له أنها تتعرّض لخطر أو هناك من يسرقها، أو ربما هناك ثعبان تسلل لها.."
"المهم أنه ارتدى معطفه الثقيل والتفّ بالتلفيعة، وخرج في العاصفة ليرى ما يدور هنالك. أنا كنت نائمًا ولم أعرف ما اعتزمه.. لم يعرف أحد أنه خرج.. كان لا يهاب شيئًا على الإطلاق.."
"لكنه نسي.. نسي كابينة التفتيش التي كانت تُبنى، وبالطبع هناك إهمال في كل صوب. كان هناك كابل ضغط عال عارٍ يتدلى حرًا.. لقد أسقطته الرياح وصار يسبح في الماء. في الثانية صباحًا سمعنا صرخة عالية، وصوتًا يُشبه الشرر الكهربي، وانقطع التيار الكهربي للحظات. خرج الجميع مذعورين يتساءلون عما حدث، فوجدنا الليثي الكبير واقفًا في مدخل الدار.. قال لنا ألا نقلق، فقد حرّكت العاصفة الكابل، لكن كل شيء على ما يرام، ثم اتجه لغرفته ونام فعاد الجميع لغرفهم.."
"في الصباح لم يكن في غرفته.. بحثنا كثيرًا وفي النهاية وجدناه ميتًا بالخارج قرب كابينة التفتيش. كان متصلبًا وقد تقلّصت ذراعاه على صدره شأن من تلقى صدمة كهربية، وعندما حاولت أن أنهضه صفعتني الكهرباء، وألقت بي مترًا للخلف.."
كنت أصغي للقصة نافد الصبر، فقلت له في ضيق:
ـ "لحظة.. قلت إنه بات في غرفته.."
ـ "هذا ما رأيناه.. لكننا عرفنا أنه مات فعلاً صعقًا بالكهرباء عندما داس على ذلك الكابل.."
ـ "يا سلام.. ومن ذلك الذي فسّر لكم كل شيء؟"
ـ "هذا هو السر.. سر آل الليثي.. لا يعرفه إلا قليلون. وفيما بعد قالت لي أم خضر العجوز التي تعمل في هذا البيت قبلي بعقود ذات القصة.. هناك شيء غريب يتعلق بهم، ويحدث في أوقات معينة. عندما يموت بعضهم تبقى منهم رؤى تتكلم وتمارس الحياة لبضع ساعات، حتى لتحسبهم لم يموتوا بعد.. ثم يزول الوهم فتجد الجثة وتفهم".
ـ "تعني أن ذلك الشيخ مات، لكن روحه أو طيفه هو الذي عاد للدار، وتكلّم معكم؟"
ـ "هذا ما أعنيه يا باشا"
ـ "جميل.. جميل.. وأبو زبيدة هذا؟"
سعل الرجل ثم تمالك نفسه ودفن الغطاء في فمه كي لا يرتفع صوته.. ثم قال:
ـ "كح كح!.. لقد تسلل للبيت وقتل أحدًا.. أنا واثق من هذا.. هناك خلافات ونزاعات كثيرة حول الأرض والحدود والري، فلا أستبعد أن هناك من استأجره للقتل.. ثم انتقم منه أهل البيت وقتلوه وأخفوا جثته حيث رأيتها.. المشكلة أننا لا نعرف من الذي قتله أبو زبيدة!"
هنا كان صبري قد انتهى، فأخرجت مسدسي من تحت الوسادة ولوّحت به:
ـ "مشكلتك أنت بسيطة جدًا.. لو لم تنصرف بتخاريفك لفجّرت رأسك ولن أبالي بالعواقب!!"
لم يبد خائفًا جدًا.. فقط نهض في صعوبة، وزحف على ركبتيه نحو الباب وأنا أطلق السباب:
ـ "مجنون وأحمق.. إن خرف الشيخوخة قد....."
أخيرًا انغلق الباب وعاد الهدوء..
ومعه راحت أفكاري تتسابق..
كل هذا هراء طبعًا.. لكن لو فكّرنا فيه لبدا مخيفًا..
هذا يعني أن أحد الذين قضيت الأمسية معهم لا وجود له!.. ربما هم جميعًا!
يطلق الغربيون على القصص البوليسية مصطلح "من فعلها؟".. أي أن القاتل غير معروف.. وأحيانًا "كيف فعلها؟" بمعنى أن القاتل معروف، لكن الكشف عنه هو موضوع القصة.. للمرة الأولى أواجه اختراعًا جديدًا اسمه "من المفعول به؟"!
وكما قال الشيخ فعلاً: هذه المرة القاتل معروف.. لكننا لا نعرف القتيل!
يتبع
|