لاحظت جنيفر أن ذلك الحمام كان غرفة صغيرة للغاية , وأن الحوض الحديدي يملأ معظمها , لم تجد سوى نصف متر فقط تتحرك فيه ,ولكنها نجحت أخيرا في أستبدال ثيابها وعادت الى الغرفة الرئيسية , وفيما كان السيد كارمايكل يعد المائدة , راحت جنيفر تتأمل المجموعة الكبيرة من الكتب الموضوعة على ثلاثة رفوف في أحدى الزوايا
وسمعت لوغان يسأله:
" ألم تفكر أبدا بأيصال الكهرباء اليك ؟ الخط الرئيسي موجود علىبعد أمتار قليلة فقط".
رد الرجل المسن بشيء من العصبية:
" النفقات باهظة , ثم هل أنا فعلا بحاجة اليها؟".
تدخلت جنيفر , وهي تنظر الى قصة توم سوربار لمارك توين ,وقصة أوليفر ستون لتشارلز ديكنز ورواية روميو وجولييت لوليم شكسبير ,وقالت:
" من امؤكد أن لديك مجموعة رائعة من الكتب , يا سيد كامايكل".
أخرج البطاطا المشوية من الموقد, وقال لها بحدة:
" وهل كنت تظنين أنني لا أقرأ أبدا؟".
أعتذرت جنيفر قائلة:
" أوه, لم أكن أقصد ذلك على الأطلاق, تصورت فقط أن.......".
منتديات ليلاس
" أعرف , تصورت أن هذا الغراب العجوز لا يقرأ مثل هذه الكتب الراقية , لا, يا عزيزتي , فأنا أقرأ كل شيء ... بما في ذلك الملصقات الخاصة بالمأكولات المعلبة , هيا الآن , فالطعام جاهز ".
كان العشاء بسيطا للغاية , ولكنه كان شهيا ولذيذا , ثم قدم لهما القهوة المرة , شربتها بتمهل وتردد , فيما كان الرجلان يشربانها بتلذذ وبساطة , تذمر الرجل العجوز قائلا:
" أنها ليست قويو كما يجب , لا تكون القهوة جيدة ألا عندما تكون قوية للغاية".
ثم أبتسم عندما شاهد دهشتها وأستغرابها ,وقال:
" أننا نسميها قهوة الرجال ... قهوة الأقوياء الأشداء , وهي ليست خفيفة كالشاي , مثل تلك التي تشربها النساء".
نظر الفلاح نحو لوغان بعينين براقتين ثم أشار الى جنيفر
وأضاف قائلا بلهجة جادة:
" أنها من النوع الجيد من النساء , سيظل شكلها دائما هكذا... كفتاة مراهقة , وستظل بشرتها على الدوام ناعمة وقوية لا تعرف التجعيد".
لم يعلق أي منهما على كلامه , فتابع حديثه عنها قائلا:
" تعرفت في بداية عمري على عدد كبير من النساء , ولذلك لاحظت فور وصولكما أنها أحدى الأناث اللواتي سينجبن أولادا أصحاء وأقوياء".
فتحت جنيفر فمها دهشة وأستغرابا ,ولكنها أقفلته بسرعة عندما لاحظت النظرات الساخرة في عيني لوغان , قررت أن تضع حدا لهذا التحول المزعج في مجرى الحديث
فقالت وهي تحاول أخفاء أحمرار وجهها :
" سأهتم أنا بغسل الصحون والأطباق , يت سيد كارمايكل".
"لا, سأتولى ذلك بنفسي , أما أذا كنت تصرين على القيام ببعض الأعمال المفيدة , فما عليك ألا أن تفتحي هذا الصندوق القديم وتخرجي منه الأغطية القديمة لتضعيها كفراش قرب النار".
كانت على أستعداد للقيام بأي شيء للأبتعاد عن نظرات لوغان وعينيه الساحرتين ,ما هو الوقت الآن يا ترى؟ ليس أكثر من الثامنة بالتأكيد , ولكنها تشعر بالتعب الشديد والنعاس , فتحت الغطاء الخشبي الثقيل ,وسندته على السرير الوحيد في تلك الغرفة , رأت غطاء سميكا , فقررت على الفور أستخدامه كفراش فوق الأرض الخشبية , فيما تستعمل الأغطية الخفيفة الأخرى كلحاف , علت ثغرها أبتسامة عندما تصورت لوغان يدخل تحت هذه الأغطية المتعددة مع السيد كارمايكل , فيما تستأثر هي بالسرير , نظرت نحو الرجل المسن , الذي كان ينهي غسل الصحون وتجفيفها
وقالت له:
" لم أجد أي وسادة يا سيد كارمايكل ".
تمتم بتأفف وأنزعاج ثم فتح درجا وأخرج منه وسادتين , أقترب من جنيفر وأعطاها أياهما بعصبية
قائلا:
" أستخدمي هاتين الوسادتين".
شاهدت على أحدى الوسادتين تطريزا لكوخ خشبي يتصاعد من مدخنته دخان أزرق الون , وكتبت تحته كلمتان ... بيتي الجميل ,ولكن التطريز الموجود على الوسادة الثانية هو الذي لفت نظرها , أذ كان مؤلفا من قلب أحمر كبير وفي داخله كلمة ... حبيبي, كادت تختنق ضحكا وهي تتخيلهما يستخدمان هاتين الوسادتين العاطفيتين ,وضعتهما جنبا الى جنب بدون أي تعليق , ثم جلست على الكرسي الهزاز أمام النار تتأمل لألسنتها الجذابة الساحرة.
أقترب كارمايكل من السرير قائلا:
" ها قد أنتهيت من جميع الصحون والأطباق , أن لم لديكما أي مانع, فسوف أذهب الى النوم منذ الآن".
ثم وجه أليهما أبتسامة خفيفة, وأضاف قائلا:
" يمكنكما الذهاب الى النوم في أي وقت تريدان".
أحست جنيفر برعب شديد وذهول فائق , وكادت ألا تسمع لوغان وهو يقول:
" هل من المحتمل أن تستخدم جنيفر سريرك لهذه الليلة؟".
أمسك الرجل بوسادته ,وسأل بأستغراب بالغ:
" سريري أنا؟ ما هي مشكلة الفراش الذي أعدته علىالأرض ؟".
حدقت جنيفر بالرجلين وهي لا تصدق أذنيها , شعرت بأنها ستصاب بنوبة جنون ,أنه حلم ... أنه كابوس!".
أحست فجأة بأن الغطاء السميك الموجود على الأرض تحول الى سجادة من الفرو الثمين , وأنها كانت مستلقية عليها .... بين ذراعي برادلي ستيفنسن , كانت تعانقه ...لا , كانت تقاتله وتضرب يديه اللتين تحاولان التسلل الى جسمها , كانت تتململ وتتحرك بعنف بالغ , وتكافحه بقوة رهيبة , أفلتت منه , فصرخ بها:
" لا تلعبي معي دور الفتاة البريئة".
وسمعته يحطم زجاج النافذة ,ويتابع صراخه.
" كنت تعرفين تماما ماذا سيحدث , عندما دعوتك الى هنا , لن ينفعك وجه الطفولة هذا بعد الآن , قبلت تصرفاتك الهادئة والجادة طوال أسابيع عديدة , أما الآن فقد حان دورك أنت لتقبلي تصرفاتي كما هي!".
منتديات ليلاس
وتذكرت أنها وقفت تنظر اليه بأحتقار وأزدراء , خاصة لأنها أرادت أن تحبه ... أن تحب هذا الرجل....الذئب!
وركضت , ركضت بعيدا عنه , ولكنها لاحظت أنها تركض ضمن دائرة ضيقة وفي حلقة مفرغة , وأستفاقت فجأة من هذا الكابوس المرهق
عندما سمعت الرجل المسن يقول:
" هذا سريري! أنتما في مقتبل العمر , وعظامكما ليست ضعيفة كعظامي لن يؤذيها النوم لليلة واحدة على الأرض".
قالت له جنيفر بصوت متوتر هامس :
"ولكنك لا تفهم الحقيقي , يا سيد كارمايكل , نحن لسنا متزوجين".
قال لها بجدية:
" ولكنكما سوف تتزوجان, أشعر بذلك من النظرات المتبادلة بينكما".
ثم تطلع نحو لوغان , وهو يبتسم بدهاء , وأضاف قائلا:
" هذا بيتي ,وأنا أقرر أين أنام , سأنام في سريري! تصبحان على خير!".
نهاية الفصل الثاني