.
أشباه الرجال وثورة حنين الناعمة
* بقلم سليمان بن أحمد بن عبدالعزيز الدويش
الحمدلله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فلا يخفى على مطلع أن الله تعالى قد وقى بفضله المسلمين من ثورة حنين , التي أزمع القيام بها بعض مريدي الفتنة , وانساق خلفهم بعض الأغرار , أو بعض من يشتكي مظلمة أو عوزاً , غير مقدِّرين للعواقب , ولا للمصالح والمفاسد , ولا مستشعرين أن الفتنة إن استيقظت فستُكلف الأمة أكثر مما ترهبه , وتفوت عليها أعظم مما ترغبه , لكن هذا الفشل لتلك الثورة مما أغاظ أعداء هذه البلاد , ومن آكَدِ ما زاد حنقهم , وأرغم آنافهم , ما أعقب تلك الفترة من أوامر ملكية , جاءت لتؤكد أن هذه البلاد تحمل رسالة الإسلام , وأنها تستشعر به عزها , وتستقي من مصادره قوتها , وأنها مرتهنة به , وأنها لن تتخلى عنه , وأنه سر حفظ الله لها , وهي الأوامر التي خرست عندها أفواه المنافقين , وجفَّت أقلامهم , وكيف لاتجِفُّ وهم كانوا يتمنون نجاح تلك الثورة , ويستشرفون طلائع الثوار , وقد وجموا طيلة الأيام السابقة لها ينتظرون , وحبسوا أنفاسهم يترقبون , حتى إذا مُنِيَت الثورة بالفشل , وعلموا أنه أسقط في أيديهم , انقلبوا يبحثون عن عذر ينتشلهم من وحل الفضيحة والعار , ولكن هيهات هيهات وقد سقطت ورقة التوت , وأبدى الكير عن خبث الحديد .
حين فاتت عليهم تلك الفرصة , وأظهر الله خزيهم , وحديثي هنا ليس عن الأغرار , ولا عن بعض ذوي الحاجات ممن يستغل الخونة ظروفهم , ولا عن ذوي التفكير المحدود , ولا عن أصحاب النظرات القاصرة , ولا عن بعض المتخاذلين من المحسوبين على العلم والفكر , لأن هؤلاء قلة ولله الحمد , وليس لهم تأثير كبير , بل هم وقود تلك التخطيطات الماكرة , وإنما حديثي عن المنافقين , الذين يجمعهم العداء للدين ورجاله ودولته , ممن يسعون جهدهم , ويعقدون حبالهم , وينفثون فيها سحرهم , هؤلاء حين فاتت عليهم الفرصة , وأظهر الله خزيهم , انقلبوا يبحثون عن فتنة أخرى , أو قضية يُشغلون بها الرأي , ويدقون فيها أسفين البلبلة , كما هي عادتهم في كل فترة تكون الأمة أحوج فيها إلى اللحمة والتكاتف , أكثر منها من ذي قبل , ولعل التأريخ بحوادثه يشهد بذلك ويؤكده .
هاهي محاولات التشغيب تعود من جديد , وهاهم الجبناء يتوارون خلف النساء ثانية , ويعزفون على وتر حقوقهن المزعومة , وهاهو الاستقواء بالأجنبي يتكرر ومحافله ومؤسساته يُطِلُّ برأسه وبشكل فجٍّ , وهاهي حنين الثانية تقرع جرس انطلاقها , وتدق ناقوس فوضاها , لكنها بحيلة خبيثة , وبصوت ناعم , وباستغفال للدولة رهيب , لأنهم فيما يبدو أخذوا درساً من محاولتهم أيام أزمة الخليج , ورأوا أن فعلهم قد أعاد مشروعهم للوراء خطوات ومراحل , لذلك انطلقت مؤامرتهم هذه بعد تفكير عميق , وتخطيط مدروس , لكنها للباطل وفيه , ومابني على باطل فسد , ومهما حاول أصحابه تزويره فإت زيفه سريعاً ينكشف بحمدالله , ولعل هذا يظهر جلياً في تلك الحملة الخبيثة , التي يتنادى لها كثير ممن لاخلاق له , ومن معهم من ضعاف التفكير , أو بعض المخدوعين , أو السذج , أو من يقدر المصالح والمفاسد العامة , والمتمثلة بالدعوة لقيادة المرأة للسيارة في هذه البلاد , ومحاولة تجاوز حدود الضغط على الدولة داخلياً , والاستعانة بالقنوات والمؤسسات الأجنبية الخارجية , ولسان حال أرباب تلك الحملة يقول للدولة : سنحقق هذا الأمر رغماً عن أنف كل مسؤول , وأن الظروف الخارجية , والتلويحات الدولية , في دعم الحرية والديمقراطية , أضحت تصب في مصلحتنا , وتحقق رغبتنا , ولكن لأنهم أجبن من أن يتحدثوا بهذه اللغة , وإن كانت هي التي تتلجلج في حناجرهم , إلا أنهم عمدوا إلى أسلوب التقية , وزعموا أنهم ينطلقون بضوابط , ووفق أهداف , وأنهم لا يهدفون للتظاهر , ولالكسر القانون , وغير ذلك من الهراء الذي تضمنته وثيقة التآمر , ولعل من المضحك كثيراً , أن تلك الوثيقة المخادعة تحدثت عن عدم كسر القانون , ومعلوم أن القانون يشترط على كل سائق سعودي مقيم في السعودية حمل رخصة قيادة صادرة من السعودية , ولا أعلم أن المرور قد سبق له أن أصدر رخصة لامرأة , فلا أدري عن أي قانون يتحدثون !! , أم إن ذلك من قبيل الضوابط الشرعية , التي يتحدث عنها كل من يريد تمرير شيء يهدم الشريعة , أو يفسد البلاد والعباد .
لقد فات على هؤلاء أن يتحدثوا ويطالبوا بالعناية بالطرقات , وفض الازدحام والاختناقات المرورية , ومنع التجاوزات الصبيانية , والممارسات العبثية , التي يقوم بها كثير من الشباب , وغير ذلك مما لم نعد قادرين على تحمل أكثر منه , لأنه لو تحسن الوضع في مامضت الإشارة إليه , لربما كان لهم مندوحة في المطالبة ببغيتهم شكلاً , لكن لفرط حمقهم , ولعظيم جهلهم , ولكونهم لايريدون حقيقة ما يعلنون , وإنما تنطوي مطالبتهم على أحلام لو تحققت , لتغير بسببها وجه هذه البلاد الأخلاقي والسياسي والاجتماعي , لذلك فقد أعمى الله بصائرهم عن المطالبة بالضروريات , وانحصرت مطالبتهم بالثانويات والتفاهات , والأغرب أن بعض من تحدثن عن نيتهن , وإن كان الغالب ممن كتب بأسماء نسائية هم من ذوي الأشنتب المنتوفة , من أشباه الرجال , ممن أرادوا توريط بعض المخدوعات , وجعلهن وقوداً للفتنة , وقد تحدثوا أو تحدَّثن عن مشاركة محارمهن معهن , وهذا غاية السخف والسفه , إذْ كيف يقبع محرمها معها ثم يتقاعس عن خدمتها , ويقبل بتعريضها للامتهان , أو يقبل أن تكون تحت طائلة الملاحقة والمساءلة ؟ .
إنني لو أقسمت لربما أيقنت أن قسمي بارٌّ , أن القيادة في هذه البلاد لن تتحقق , وذلك لما تحمله من مخاطر أمنية وسلوكية واجتماعية , وليس لأحد أن يعتذر ويتحجج بكون ذلك لم يقع في دول أذنت بقيادة المرأة للسيارة , لأن تفنيد تلك الشبهة مبسوط في مواضعه , وقد سبق أن فندت تسع شبه يعلق بها دعاة القيادة في مقال مستقل , ولعل من أدرك حجم المؤامرة على هذه البلاد , والرغبة في استهدافها , ورأى في المقابل أنها قلعة الإسلام الكبرى , وأنها إن أصيبت فقد أصيب عمود الأمة الفقري , ونخاعها الشوكي , وأدرك كذلك أن هذه الدولة لا عز لها بغير رفع راية هذه الدين , ولامنعة لها إلا به , وأنها إن تخلت عنه فقد تخلت عن قوتها وعزتها , لعلم أن الخصوصية التي نتحدث عنها ليس مجرد دعوى للهروب من المواجهة , بل هي حقيقة لامناص عنها , حتى لو تنكَّب لها بعض أبناء قومنا , أو من هم على مقربة من صناع القرار نسباً أو وظيفة , وظنوا أن التقدم بتتبُّع سنن الآخرين , واقتفاء أثر غيرنا فيما يضرُّ ولا ينفع , وأننا بحاجة إلى مواكبة الزمن , وهي فكرة لو تحققت لكان أول المصطلين بنارها , فهي لاتقف عند حدِّ مظاهر التغريب للمجتمع , بل ستتجاوز ذلك إلى التدخل في الشأن السياسي , وقد تتطور إلى منازعة الأمر أهله , ولكن هؤلاء المخدوعين , أو الذين يُدفعُون للمواجهة , ربما لايدركون خطر ما يُقدمون عليه على أنفسهم , ولا على أمتهم , ولا على دولتهم .
إن المتأمل بتلك الدعوة , وملمسها الناعم , ولسانها العذب , ومنطقها الذي يشعرك بالغيرة على الشريعة من أول وهلة , يظن أن وراءها من هو هو في تقواه وصلاحه , وهذا ليس اتهاماً لكل من انخدع بها , أو أزمع المشاركة فيها , لكننا من واقع معرفة واطلاع , وسبر لغور كثير ممن ينشطون لمثل هذه الفتن , نجد أنهم من أضعف الناس إيماناً , وأقلهم غيرة , وأكثرهم تبعية للغرب , وسجلهم في تشويه سمعة المجتمع في الخارج , وتصويره بأنه مجتمع بهيمي شهواني , بل إنك لترى في كثير منهم من مظاهر الانحلال من لحظة صعوده الطائرة , وحتى عودته للبلاد , ما يجعلك لاتشك لحظة أنه يريد مجتمعاً منسلخاً من قيمه , مغايراً لما عليه أهل هذه البلاد من المحافظة والالتزام , ولولا ضيق المقام , لحكيت من القصص التي شاهدت كثيرا منها بعيني , بله مانقله لي الثقات , عن حال من يريدون أن نميل ميلا عظيما , مما يندى له الجبين , وتتفطر له القلوب حسرات , مما يتمنونه هنا بلاكلفة مادية , ولاعناء وحجوزات , فضلاً عما يمارسه كثير من عليتهم , أو أهل الجِدة منهم , من ممارسات مرذولة , لاتنم عن مروءة وخلق , بل هي أكبر دليل على فساد الباطن , وانسلاخ الغيرة من القلوب , ووالله إني أعلم عن هذا شيئاً كثيراً , ولأناس منهم بأعيانهم , وهذا مايجعلني اقسم برب الكعبة أنهم أكذب الناس في دعوى المطالبة بالحقوق , أو تأذيهم من السائق الأجنبي , ومن المضحكات في هذا الباب , أن واحدة من ناشطات تلك الحقوق المزعومة , كانت أثناء حملها تراجع عند طبيب ذكر , وحين حانت ولادتها , رفضت أن يولدها غيره , وهي في سفراتها خارج البلاد , لاتكاد تجلس إلا مع الرجال الأجانب , فهل يُتصور أن مثل هذه تكره الخلوة بالسائق ؟ , وهل يتصور ممن تطلب لعلاج أسنانها الرجال دون غيرهم , ولا ترى غضاضة في أن تجلس مع إخوان زوجها منفردين أو مجتمعين , وتسافر بلامحرم , وتجلس مع الرجال الأجانب في بلاد الفرنجة منفردة , أنها كانت تطالب بالقيادة تحرُّجا من إثم الخلوة بالسائق ؟ , وعلى هذا الافتراض فلماذا تتجزَّأ الغيرة , ولاتكون هناك مطالبة بمنع الخادمات في البيوت , لأن الخلوة بهن أشد وأعظم ؟ .
إنني يساورني شعور أشبه باليقين , أن هذه المطالبة جزء من ثورة حنين , وهي كالمقدمة لها , وهي شرارة إن لم تعمل الدولة على إخمادها , وقطع دابرها , فستكون ذريعة لغيرهم بالمطالبة فيما يزعمونه حقوقاً , حينها سينفرط العقد , وتحلَّ الكارثة , وبعدها فلن يُسمَع لصوت ناصح , ولافتوى عالم , وكيف سيسمع الناس لهؤلاء وهم يرون أن التفلت على فتاويهم قد أصبح واقعاً , وسيعمدون إلى ماهو أسوأ من ذلك كضرب فتاوي بعض أهل العلم ببعض , وهذا يفتح باب سوء على الناس , ويمنح كل راغب في المخالفة فرصة للاحتجاج بأي رأي يراه , مما يخدم نزعته وهواه , وإذا لم يؤخذ الناس في هذا بالحزم , الذي هو من السياسة الشرعية , فإنهم حينها سيكونون في حل من كثير مما كان يحجزهم من قبل , وسيصعب عليهم حينها لجمهم بالفتوى الشرعية , لأنهم لن يستجيبوا لها وهم يعلمون أنها لم تحظ بالمكانة اللائقة بها في مواطن أخرى .
إن هذه الدعوة امتحان لقدرة الدولة على ضبط الأمور , وفيها من ألغام الوقيعة بين الدولة ومن وقف ويقف معها في محنتها مالايخفى , فالمنافقون يعلمون أن المجتمع لن يقبل بهذا التمرد , وفي المجتمع من لايقدر على ضبط تصرفاته وانفعالاته , والدولة من واجبها حفظ الأمن , ومنع التجاوزات بأنواعها , وهي في المقابل لن تقبل أن يفتات أحد على سلطتها , أو أن يمارس دوراً لم يُنط به , وهنا تقع الخطورة , فالشاب المتحمس يظن أن تلك التجاوزات بمباركة الدولة , والدولة ستحول دون وقوعها , وهذا ما يتمناه المنافقون , ولكن هذا بفضل الله لن يغيب عن إدراك من صقلتهم المحن والتجارب , وعركتهم الأحداث والشدائد , وجمع الله لهم بين الحكمة والحنكة , وسيقطعون على أهل النفاق بحول الله الطريق , ويقفون لهم بالمرصاد , لاسيما وهم يدركون أن أي بادرة للتمرد تعني أن الباب أضحى مفتوحاً للفتنة .
كما إني أستحث في هذه الفرصة أهل المسؤولية والشأن , من أمراء المناطق ونوابهم , أن يقوموا بحراسة الفضيلة , وأن يعلموا أنهم على ثغر من ثغور الإسلام , فليحذروا أن يؤتى الإسلام من قبلهم , أو أن يُسجل التأريخ أن بداية الفتنة كانت في زمنهم , فإنها وربي فتنة نائمة , ملعون من أيقظها , آثم من تراخى عن وأدها وهو قادر على ذلك , وكما قيل التأريخ لايرحم , والموعد بين يدي الله تعالى .
اللهم أعذنا من الفتن , ماظهر منها وما بطن , واعصمنا بالكتاب والسنة , واجعلنا من أنصار دينك , وحملة لواء شريعتك , والذابين عن حياضها .
اللهم عليك بالفجرة المنافقين , والخونة الليبراليين , والرجس العلمانيين , والرافضة المفسدين .
اللهم اهتك سترهم , وزدهم صغارا وذلا , وأرغم آنافهم , وعجل إتلافهم , واضرب بعضهم ببعض , وسلط عليهم من حيث لايحتسبون .
اللهم اهدِ ضال المسلمين , وعافِ مبتلاهم , وفكَّ أسراهم , وارحم موتاهم , واشفِ مريضهم , وأطعم جائعهم , واحمل حافيهم , واكسُ عاريهم , وانصرمجاهدهم , وردَّ غائبهم , وحقق أمانيهم .
اللهم كن لإخواننا المجاهدين في سبيلك مؤيدا وظهيرا , ومعينا ونصيرا , اللهم سدد رميهم , واربط على قلوبهم , وثبت أقدامهم , وأمكنهم من رقاب عدوهم , وافتح لهم فتحا على فتح , واجعل عدوهم في أعينهم أحقر من الذر , وأخس من البعر , وأوثقه بحبالهم , وأرغم أنفه لهم , واجعله يرهبهم كما ترهب البهائم المفترس من السباع .
اللهم أرنا الحق حقاوارزقنا اتباعه , والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه , ولاتجعله ملتبسا علينا فنضل .
اللهم أصلح أحوال المسلمين وردهم إليك ردا جميلا .
اللهم أصلح الراعي والرعية .
اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشدا , واحفظ عليها دينها , وحماة دينها , وورثة نبيها , واجعل قادتها قدوة للخير , مفاتيح للفضيلة , وارزقهم البطانة الناصحة الصالحة التي تذكرهم إن نسوا , وتعينهم إن تذكروا , واجعلهم آمرين بالمعروف فاعلين له , ناهين عن المنكر مجتنبين له , ياسميع الدعاء .
هذا والله أعلى وأعلم , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
.