كاتب الموضوع :
الغالي المزيون
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
الجــــــــ 43 ـــــــزء:
كانت جمانة جالسة في حديقة منزلها و هي تشرب الشاي بهدوء مع ابنها أمجد.. كانت ما تزال تظن أن سليم ميت لذلك كان الحزن مسيطراً عليها أغلب وقتها.. و عندما لاحظ أمجد أنها رجعت تفكر بسليم قال لها (( يبدو أن جلوسي معكـ لا يفرحكـ يا أمي )) نظرت إليه ثم قالت له بهدوء (( هذا غير صحيح، و لكن الذي يحزنني أني أريد لك الخير و لكنك دائماً تعصيني و لا تستمع لكلامي )) قال لها باستنكار لكلامها (( ما الذي عصيتكـ فيه؟! أنا لم أفعل شيئاً سوى أنني تركت ايطاليا و جئت للعيش في بلدي.. و أنت الآن بنفسكـ جئت للعيش هنا، اسأليني و آمري و اطلبي ما شئت فلن أرد لكـ أي طلب اليوم )) قالت له (( إذا طلبت هل تعدني بأن تنفذ؟؟ )) قال أمجد بثقة (( طبعاً أعدكـ )) قالت بحزن (( صوفيا أصبحت وحيدة و حزينة من بعد موت سليم )) قال أمجد بدهشة (( من هي صوفيا؟!! )) ردت أمه بغضب و هي تظنه يتلاعب بها (( ابنة خالتك.. لا تتحامق الآن و تدعي أنك لا تعرفها، لن أجد لها رجلاً يحترمها و يصونها مثلك )) أشاح أمجد بوجهه عنها و لم يتكلم فقالت له بعصبية (( لماذا خرست عندما علمت من هي؟! يجب أن تتزوجها يا أمجد حتى تخرجها من حزنها )) قال أمجد بقهر و غيض (( يبدو أنني رقم 2 من بعد السيد سليم.. ألم تجدي في هذه الدنيا عروساً لي غير صوفيا؟؟ آسف و لكني لن آخذ قمامة سليم، ثم أنا لا أفكر بالزواج الآن و لا تنظري إلي بهذا الشكل لأني لن أغير رأيي مهما حصل )) صاحت جمانة بغضب (( كيف تجرؤ على وصف صوفيا بالقمامة؟!! )) ثم قالت بصوت عالٍ (( كامل.. تعال إلى هنا بسرعة )) قال أمجد بعناد (( لن تخيفيني يا أماه و تأكدي بأني لن أغير رأيي لذلك لا تتعبي نفسكـ )) و عندما رأى كامل بجسمه الطويل و عضلاته البارزة قال و هو يحاول أن لا يظهر خوفه (( من هذا الشبح ذو الشعر الأبيض يا أمي؟! هل تعتقدين بأنكـ ستخوفينني بهذا العجوز؟ )) قالت له بهدوء محاولة تخويفه أكثر (( السيد كامل يعمل عند أباك منذ عشر سنوات.. صحيح أنه بستاني و لكن لا يغرك تقدمه في العمر و شعره الأبيض فهو ما زال قوياً )) ثم قالت بلهجة حازمة (( هيا يا كامل خذ هذا الولد من أمامي و اضربه بشدة لأني أريده أن يتأدب عندما يتحدث مع أمه )) قال أمجد برعب (( مــــــاذا؟! يضربني؟؟ لقد تعديت العشرين بعدة سنوات!! أنا الآن رجل و أعرف كيف أتصرف بحياتي فلست طفلاً في العاشرة من عمره و ضربكـ لي لن يفيدكـ بشيء )) قالت له ببرود و عناد (( لقد اكتشفت بأنك غير مؤدب و بعض الضرب سيفيدك كي تكلمني باحترام )) قال لها عندما أمسكه كامل من يديه (( أنا آسف.. أرجوكـ سامحيني و لكن لا تدعيه يضربني فأنا كبير على الضرب.. يا إلهــــــــي يجب أن تفهمي بأني كبرت و عندما يرجع أبي و أخوتي فسوف يسخرون مني بسببكـ )) قالت له بفرح (( إذن هل ستتزوجها؟؟ )) صاح بضجر من عنادها (( لااااااااا، لا، لا لن أتزوجها.. لا يوجد في الدنيا أمامكـ غير سليم و صوفيا، رحل سليم و بقيت هذه المشئومة عالة على صدري.. لن أتزوجها حتى لو طلبتي منه أن يقتلني )) غضبت جمانة منه بشدة لأنه لم يخضع لتسلطها فصاحت بكامل قائلة بغضب و قهر (( هيـــــــــا خذه من أمامي و آمر بعض الرجال أن يمسكوه جيداً حتى لا يهرب.. لا أريد أن أراه بل أريد سماع صوت صراخه )) قال أمجد بمحاولة أخيرة و هو يعرف جيداً أمه التي تحب التسلط و العناد (( اتركيني يا أمي.. أخبريه أن يدعني لا تستطيعين إجباري على الزواج بها.. كل إخواني رفضوها، فلماذا أنا؟! سأتزوج أي واحدة تريدين و لكن ليس صوفيا و أيضاً أريدها من هنا عربية خالصة و ليس امرأة عاشت طيلة حياتها في إيطاليا )) قالت به و الغضب وصل حده معها (( اخــــــــــرس.. لا أريد سماع صوتك.. هل تريد أن يكون مصيرك مثل سليم.. أنا لا أصدق كيف أستطاع أن يحب تلك المرأة، إنها لا تستحقه.. لقد ركض ورائها مثل المجنون حتى قضت عليه هي و خالها اللئيم.. أجبني يا أمجد هل تريد امرأة مثلها من هنا؟! هيا أجب فكلهن متشابهات بنظري )) قال أمجد عندما أيقن أنه لن يستطيع الفرار منها (( لا يا أمي لا أريد امرأة مثلها )) قالت جمانة بفرح لأنها استطاعت أخيراً إقناعه (( يبدو بأني سأسامحك، لذلك أنا أقول بأنه لا يوجد من يستحق صوفيا بعد سليم سواك أنت )) قال أمجد حتى يقهرها و يغضبها (( أني أريدها هي يا أمي.. أريد من سلبت عقل و قلب أخي، أريد مآثر.. و بما أن سليم قد مات فسأذهب أنا لخطبتها.. آآآآه لو أنكـ رأيتها لما تعبت و أنت تحاولين إقناعي بصوفيا.. هيا أخبريني متى سنذهب؟؟ )) وقفت جمانة و هي تبحث في الحديقة باهتمام حتى وجدت عصا غليظة، التقطتها ثم توجهت نحو أمجد الذي فتح عينيه برعب شديد لأنه لم يتوقع منها أن تحاول ضربه و هي التي لم تفعل به ذلك طيلة حياته فقالت بحزم (( أمسكه جيداً يا كامل فلن يؤدبه اليوم سواي )) ثم بدأت تضربه بكل قوتها على ظهره فصرخ متوسلاً (( أرجوكـ توقفي يا أمي إن ضربكـ مؤلم جدا.. توقفي لا أريدها.. لست امرأة حتى تغصبيني على الزواج.. لن يتزوجها إلا ذلك المجنون، هو يركض ورائها و أنا أتلقى العقاب بدلا عنه.. أنا آآآآسف لن آتي بذكرها على لساني مرة أخرى و سأفعل كل ما تريدين آآآآآآآآآه ))......
الجــــــــ 44 ـــــــزء:
و في الليل عندما جاء عبد الوهاب دخل إلى البيت و جلس بجانب جمانة ثم قال لها (( كيف حالكـ، هل أنت بخير؟؟ )) قالت له بعصبية كعادتها (( من قال لك بأني مريضة حتى تسأل عن حالي؟! أين كنت طوال اليوم؟ أولادك الثلاثة قالوا بأنك لم تذهب إلى الشركة، اعترف بدون كذب )) قال لها و هو يضحك (( ألم يخبركـ أمجد؟ )) ردت عليه (( لا، لم يخبرني بشيء.. أخبرني الآن ما الذي يحصل؟ )) قال لها ببساطة (( سيأتي ضيف إلى منزلنا بعد قليل )) قال له (( و من يكون هذا الضيف؟! )) رد عليها (( إنها مفاجأة )) قالت جمانة بقلة صبر (( أنت تعرف بأني لا أحب المفاجآت فأخبرني الآن و أرحني )) قال لها بعناد (( إني اسمع صوت سيارة.. لقد وصل الضيف فهيا لنستقبله، و لكن أين أمجد حتى يستقبله معنا؟ )) قالت له (( لقد أغضبني كثيراً فضربته و هو الآن في غرفته غاضب مني.. صحيح أنني ضربته بشدة و لكنه يستحق حتى لا يحاول إغاظتي مرة أخرى )) قال عبد الوهاب بدهشة كبيرة (( ضربت أمجد؟!! )) ردت عليه (( نعم و ماذا في ذلك.. أوليس ابني؟؟ )) قال لها (( طبعاً هو ابنكـ و لكنه تعدى العشرين الآن.. انه رجل و ليس طفل حتى تقومي بضربه يا جمانة.. لقد كبر أولادنا و إذا كنت ما تزالين مصرة على أسلوب الضرب فاعتقد أن لديكـ أحفاد صغار تستطيعين ضربهم إن شئت )) غضبت من تفكيره فصاحت به (( إنهم ليسوا دمى حتى ألعب بهم و أضربهم )) قال لها بعناد أكبر و قد اشتعلت الحرب بينهما (( و أمجد أيضاً ليس دمية، إنه شخص بالغ و لا يجوز أن ترفعي يدكـ لتضربيه )) وقفت والنار تشتعل بها و قالت له (( إنه ابني و يجوز أن أفعل أي شيء لمصلحته و لا تناقشني )) دخل عليهما سليم و ابتسم عندما رآهما كعادتهما دائماً لم يتغيرا، مازالا يتنازعان و يتجادلان على كل شيء فقال لهما مازحاً (( كلما خرجت أو دخلت أجدكما هكذا، ماذا فعل أمجد الشقي حتى يغضبكما؟ )) التفت إليه جمانة و أخذت تنظر إليه و هي تهز رأسها بنفي و عدم تصديق بأنه يقف أمامها حيّ يرزق، و لكن قطع عليها أمجد عندما نزل من غرفته مسرعاً و اتجه إلى سليم و رمى بنفسه عليه فسقطا معاً و قال أمجد بفرح كبير (( سليــــــــــم، أخي الحبيب.. الحمد لله أنك رجعت بالسلامة.. لقد أهنت و تعذبت بسبب نسائك )) قال له سليم و قد تألم من ثقله (( لقد اشتقت لك أيها الثرثار و لكن من تقصد بنسائي اللاتي قمن بتعذيبك؟! )) قال أمجد بصوت منخفض و هو يتصنع الخوف (( الرئيس جمانة و ولي العهد مآثر و رئيس الوزراء صوفيا )) رد سليم بصوت منخفض أيضاً ليجاريه في استهباله (( سأفهم كل شيء فيما بعد، و الآن ابتعد عني لقد آلمتني فأنت ثقيل جداً لقد زاد وزنك )) نهض أمجد ثم نظر لأمه و قال بقهر (( حتى عمري زاد و لو أن بعض الناس ما زالوا يعتبرونني صغيراً )) تجاهل سليم كلام أمجد و نهض متجهاً لوالده الغالي ثم أخذه في حضنه بقوة و قال له بشوق كبير (( اشتقت لك كثيراً يا والدي الحبيب.. كيف حالك أيها الكهل؟ )) ابتسم عبد الوهاب و قال بحنان وهو يمسح بيده على وجه سليم (( ما زلت كما أنت لم تتغير.. ما زالت روحك المرحة موجودة.. ما دمت أنت بخير يا عزيزي فأنا بألف خير )) نظر سليم إلى خلف والده حيث كانت أحن البشر إلى قلبه واقفة تنظر إليه بعينين ذاهلتين، و عندما رآها تبكي بصوت عالي ذهب إليها بسرعة و أحاط وجهها بيديه ثم مسح لها دموعها و قال لها و هو ينظر إلى عينيها (( انظري إلي يا أمي.. ارفعي عيناكـ و انظري لوجهي، لقد عدت أخيراً لحضنكـ الدافئ.. أنا حي و لم أمت فابعدي نظرة الحزن من وجهكـ.. لقد أقسمت فيما مضى أن لا أسمح لأحد بأن يتسبب في نزول دموعكـ الغالية و ها أنا الآن أرى بأني السبب في نزولها فكيف بالله عليكـ أعاقب نفسي.. هيا يا أم سليم كفي عن هذا و دعي الفرح يرجع لمنزلنا من جديد )) ثم أخذها في حضنه و ضمها بقوة و تركها تبكي على صدره و عيناه تدمع حزناً على حالها بعد فراقه.... و هكذا رجع سليم لعائلته التي قامت بتربيته.. العائلة التي أحبها من كل قلبه و التي أخذته صغيراً و قامت بتربيته بكل حب و حنان حتى كبر و أصبح رجلاً ناجحاً و مرموقاً في المجتمع...
الجــــــــ 45 ـــــــزء:
بعد مضي ثلاثة أيام كان سليم جالساً مع والده في الليل و هم ينتظرون العشاء، فقال عبد الوهاب لسليم (( والدتك ما زالت مصرة على فكرة زواجك من ابنة خالتك و لقد أرسلت لها حتى تأتي إلى هنا، لذلك يجب أن تتصرف بسرعة.. أقنعها بكلامك المعسول مثلما تفعل دائماً فهذا يجدي معها )) رد سليم و هو يرفع قدميه على الطاولة أمامه (( دعك من أمي الآن، أنا سأتكفل بإقناعها فيما بعد.. لكن أخبرني لماذا كلما تمر من أمام أمجد تشيح بوجهها عنه و لا تكلمه؟؟ أصحيح بأنها قامت بضربه؟! هيا أخبرني بسرعة قبل أن يأتي حتى أضحك عليه عندما نتعشى )) ضربه عبد الوهاب في قدمه ثم قال له (( أنزل قدميك من أمامي يا ولد! أنت هكذا دائماً، لا تهتم لشيء سوى السخرية من الآخرين و على العموم أمك لا تكلم الجميع في هذا البيت منذ يوم وصولك أي منذ ثلاثة أيام )) أنزل سليم قدميه و قال بدهشة (( و لماذا تفعل ذلك؟! )) قال والده ببساطة (( بسببك أنت )) رد سليم بدهشة أكبر و هو يشير لنفسه (( بسببي أنا!! )) قال عبد الوهاب (( نعم بسببك أنت.. لأننا عندما علمنا أنك حي لم نخبرها بذلك حتى لا تصدم مرة أخرى إذا توفيت من جراحك، فلقد كنت مصاباً بشدة و لم أكن أعرف إن كنت ستنجو أم لا و أكرم لم يتصل إلا مرة واحدة و انقطعت أخبارك لمدة شهر و أسبوعين.. و نظراً لحالتها النفسية الصعبة فضلنا إخفاء الأمر عنها و لذلك هي غاضبة و لا تكلمني و في صباح اليوم قامت بطرد أمجد لأنه عاندها كعادته و على فكرة والدتك قامت بضربه لأنها أرادته أن يتزوج ابنة خالتكم بدلاً منك فرفض و أخبرها بأنه سيتزوج مآثر عناداً لها و للآن ما زالت آثار الضرب موجودة على ظهره، و طبعاً لأن جميع أولادي يعانون من فقر الأحاسيس فأنا متأكد بأنه لن يتأثر من طردها له اليوم لذلك سيأتي للعشاء )) قال سليم (( ما زالت أمي قوية كما عهدتها و أنت السبب لأنك لا تعارضها في شيء.. أنا أعتقد أن أمجد قد غضب بقوة هذه المرة لأنه لم يأتي للغداء و أمجد مثل يزن لا يفوت وجبة طعام )) قال عبد الوهاب (( أمجد متعود أن يتأخر في هذا اليوم من كل أسبوع فهو لا يخرج إلا في هذا الوقت.. سيأتي الآن و سترى )) تجاهل سليم كالعادة موضوع أمجد و قال لأبيه بجدية (( لقد مضى أكثر من شهران و جمال رجل لا يخلف وعده لذلك سأذهب غدا إليه بنفسي حتى أخطب منه مآثر، هل ستأتي معي يا أبي؟ )) نظر إليه عبد الوهاب طويلا ثم قال له و هو يتنهد بضيق (( أمتأكد يا ولدي بأنك تريد المضي في هذا الموضوع؟؟ ألم تمل من ملاحقة تلك الفتاة؟ أليس لديها أحد غير خالها حتى تخطبها منه؟ الآن تمتدحه بعد أن حاول قتلك أكثر من مرة.. لماذا تريد الذهاب إليه؟ هيا أجبني أم أنك تحب تحدي الموت لتحزننا.. لا أحد يستطيع تحدي الموت و أنت تعلم ذلك و جمال الحسيني هو الموت بعينه.. هذا الرجل لا يهمه شيء في الحياة سوى التخلص منك و أنت تريد الذهاب إليه بنفسك!! .. إن لم أستطع منعك من الهلاك فيما مضى فالآن سوف أمنعك.. لن أسمح لك بالذهاب إليه أبداً حتى لو اضطررت إلى منعك بالقوة.. أتسمعني لن تذهب إليه مهما حاولت )) صمت سليم و لم يجب و أخذ ينظر لوالده بحزن فقال عبد الوهاب بصرامة (( لماذا لا تجيب؟ أم أنك لا تجيد سوى جلب الحزن لي و لوالدتك التي كادت أن تموت من الحزن عليك.. هيا أجب.. تكلم.. قل أي شيء )) قال سليم بإصرار و عناد (( لقد وعدتني أن تساعدني يا أبي.. لا تستطيع الآن التخلي عني كما لا تستطيع منعي من الذهاب.. سأذهب إليه وحدي لأتأسف منه لأني أغضبته و سأصالحه و سأفعل أي شيء يريده.. سأذهب إليه لأني وعدتها يا أبي و أنت علمتني أن لا أخلف وعدي مهما حصل )) ثم نهض و قال بضيق شديد (( أنا آسف يا أبي و لكنك لن تستطيع منعي بعد أن قطعت كل هذه المسافة.. إن كنت لا تريد مساعدتي فهذا شأنك و لكن شأني أنا هناك عند مآثر )) ثم تخطى والده ذاهباً لغرفته فقال له عبد الوهاب (( إلى أين تعال و قف أمامي فأنا لم أكمل كلامي بعد )) فجاء سليم و وقف أمامه مثلما أمره، فنظر إليه أباه طويلاً ثم لم يستحمل فانفجر ضاحكاً بصوت عالي و وقف و ضم سليم بين ذراعيه و هو يقول (( يا إلهــــــــي.. هذا هو ابني الذي ربيته فعلاً.. لقد كنت أريد أن أتأكد من صدق نواياك تجاهها، و الآن تأكدت.. أنا فخور بك يا ولدي.. أنت مثلي يا سليم فأنا أيضاً تعذبت كثيراً عندما أردت الزواج بوالدتك لأن والدها كان يكرهني كثيراً و لكني حاربته و تحديته حتى وافق )) ثم أجلسه بجانبه و قال له (( المهم أن لا تكون هذه المآثر مثل أمك عصبية و غيورة و شكاكة و لا يعجبها شيء أبداً.. لقد شوقتني لرؤيتها، أريد أن أرى الفتاة التي أذابت جليد هذا القلب الصخري و التي زادتك عناداً و مكابرة أكثر مما لديك.. هيا أخبرني عنها )) تنهد سليم براحة ثم قال له (( لا أصدق أنك فعلت هذا بي، لقد صدقتك بالفعل و الأهم إياك و التكلم هكذا عن أمي مرة أخرى و إلا سأخبرها و أجعلها تطردك مثلما فعلت مع أمجد.. أما كلامي عن مآثر فأحتاج الليل بطوله كي أكلمك عنها و الأفضل أن نتكلم بعد العشاء حتى لا تسمعنا أمي، و لكن أين قاسم و وحيد و يعقوب؟ لم أرهم اليوم أبداً )) قال والده (( لقد سافروا جميعاً في الصباح إلى إيطاليا و أنت كنت نائماً و قد أخبرونا بأنهم سيرجعون يوم زفافك من ابنة خالتك )) قال سليم (( إنهم متشائمون مثل أمي، متى سيفهم الجميع بأني لن أتزوج امرأة سوى مآثر )) قال عبد الوهاب بتحذير (( أصمت لأن أمك متجه نحونا )) عندما وصلت لهم جمانة وجهت كلامها لسليم متجاهلة تماماً وجود زوجها (( العشاء جاهز.. هيا يا عزيزي سليم أغسل يديك و اتبعني )) ابتسم لها عبد الوهاب و قال (( لا بأس سأستحمل.. لن تستمري هكذا طوال حياتكـ، فبعد أن يتزوج سليم من ابنة خالته سوف ترضين عن الجميع )) التفت له سليم و قال له بضيق (( أبي لا تبدأ معها الآن )) ضحك ثم قال (( حسناً سأصمت، هيا إلى العشاء ) و عندما جلسوا حول مائدة العشاء و بدئوا يأكلون دخل أمجد إلى البيت و عندما رآهم قال لأبيه (( لقد أخبرتك بأني قادم إلى العشاء يا أبي، فلماذا لم تخبرهم حتى ينتظروني؟ )) قالت جمانة بغضب (( و أنا أخبرتك أن لا تعود إلى البيت أبداً، و أنت يا عبد الوهاب إذا كنت تشفق عليه هكذا فاذهب معه و تسليا معاً )) نظر عبد الوهاب بغضب لأمجد ثم قال له (( كيف تجرؤ على الكذب يا ولد؟! لم تخبرني أبداً بأنك قادم )) جلس أمجد بجانب سليم ثم قال (( يجب أن يتحمل أحد العقاب معي يا أبي )) قال عبد الوهاب (( و لماذا أكون أنا؟ سليم أمامك إن أردت )) رد أمجد و هو يأكل بسرعة (( لم أفقد عقلي حتى أتكلم عن سليم أمامها، فلو فعلت لما صدقتني.. و لا تقل لي يا ولد مرة أخرى فأنا رجل و لست صغيراً.. متى ستفهمون أنت و أمي بأني كبرت؟! )) ابتسم سليم بسخرية ثم ضربه متعمداً على ظهره و قال له (( أبي متأكد بأنك كبرت و لكن أمي خائفة عليك من أن تفسد إذا لم تتزوج، فالزواج هو الوسيلة الوحيدة لإصلاح الرجل و جعله يتحمل المسئولية و لكي تثبت لها بأنك كبرت يجب أن تتزوج )) صرخ أمجد بقوة ثم قال له بحقد (( لا تفعل ذلك إن ظهري يؤلمني )) قال سليم بخبث و كأنه لا يعلم (( و لماذا يؤلمك ظهرك؟؟ إنك شرطي و لا أعتقد أنك تحمل الكثير من الأثقال )) قال أمجد (( أنا أعلم بأنك تعرف أيها الخبيث لأن أبي لا يخفي عليك شيئاً، و ما دمت تتكلم عن الزواج فأنت أكبر مني فلماذا لم تتزوج حتى الآن حتى لا تفسد أنت أيضاً؟؟ و بحسب نظر أمي أنت الرجل الوحيد بيننا، أما أنا و أبي فمظلومان بتسلطها.. لقد ضربتني بشدة عندما قلت لها بأني أريد خطبة مآثر و أنت تركض ورائها كل هذه المدة، لا بل ما زلت مصراً على الزواج بها و رغم كل ذلك لم تفكر أمي و لو للحظة بأن تضربك و لا أعتقد بأنها ستفعلها أبداً )) قال له سليم و هو يرفع حاجبه حتى يغضبه (( و هل تغار؟! أنا المفضل عند أمي و لذلك يجب أن تعاملني بامتياز أليس كذلك يا أبي؟ )) رد عليه عبد الوهاب و هو يبتسم باصطناع أمام جمانة التي تنظر إليه (( طبعا كذلك يا عزيزتي )) قالت جمانة (( دعكم من هذه السخافات الآن و أخبرني يا سليم هل أنت سعيد برجوعك إلينا؟ )) أمسك سليم يدها و طبع عليها قبلة حانية ثم قال لها بحب كبير (( و كيف لا أكون سعيداً و أنا بين أعز و أحن البشر على قلبي.. سعادتي و راحتي يا أمي لا تتم إلا بينكم هنا )) ابتسمت أمه و قالت بمكر (( إذن من المؤكد بأنك تفكر في الزواج الآن.. لأننا أنا و أباك قررنا الاستقرار هنا و لن نرجع لإيطاليا أبداً )) قال سليم ببراءة و هو لم يفهم مقصد أمه (( طبعاً يا أمي أفكر في الزواج و لن يتم ذلك إلا برضاكما أنت و أبي )) قال جمانة بفرح لأنها وصلت أخيراً لمرادها (( الحمد لله لأن صوفيا ستصل اليوم و لذلك نستطيع إقامة زواجكما يوم الخميس القادم.. صوفيا ستكون سعيدة برؤيتك يا سليم )) نظر سليم و عبد الوهاب إلى بعضهما ثم قالا بدهشة و في نفس الوقت (( من هي صوفيا؟! )) ردت جمانة بغضب (( ما بالكم في هذا البيت، كلما ذكرت لكم صوفيا تسألون من هي؟! من كنت تقصد بكلامك غيرها يا سليم؟؟ )) قال سليم باستنكار (( لقد كنت صادقاً فأنا لا أعرف من هي صوفيا هذه )) قال أمجد بشماتة و هو يبتسم لفرصته الذهبية التي أتت إليه على طبق من فضه (( إنها ابنة خالتك يا سليم.. إنها الزوجة المنتظرة )) ركله سليم في قدمه بقوة ثم قال له بغضب (( إنها ابنة خالتكم كلكم و ليس وحدي فقط )) صرخ أمجد و هو يمسك قدمه التي آلمته ثم قال (( لم أقل شيئا خاطئا حتى تغضب و تركلني، أنا أعلم أنها ابنة خالة الجميع و لكن أمي مصرة على أنها ابنة خالتك أنت لوحدك فقط )) همس له سليم متوسلا (( يجب أن تتزوجها أنت يا أمجد فأنا لا أريد سوى مآثر.. أرجوك ساعدني )) قال أمجد و هو يتصنع الجدية و الاهتمام (( لا يجوز لك أن تطلب هذا الطلب الكبير قبل أن تتأسف مني، و الأهم يجب أن تقنع أمي بهذه الفكرة المريعة )) قال سليم (( هل يعني هذا أنك وافقت عليها؟ )) قال أمجد (( طبعا لا، هل أنا مجنون حتى أفعل ذلك! هذا يعني أنني وافقت على الاحتيال )) ردد سليم وراءه بدهشة (( الاحتيال!! )) قال أمجد مفسرا و هما مازالا يتهامسان خوفا من جمانة (( نعم، سوف نحتال على أمي و نقنعها بأني أحب صوفيا و أريدها حتى تتزوج أنت مآثر و عندها سوف أتركها و أهاجر بعيدا حتى لا تقتلني أمي بمساعدة أبي ليرضيها، و لكن يجب أن تشتري لي سيارة جديدة و هاتف بعد انتهاء هذه المسألة، فماذا قلت؟؟ )) ضيق سليم عينيه و قال له (( قلت لقد بدأت أنسى صبا و لكني أعتقد بأني أراها أمامي الآن )) قال أمجد و كأن مصير سليم بين يديه (( لن يفيدك تضييق عينيك الآن.. هذا شرطي حتى أساعدك )) قال سليم بسرعة (( حسنا أنا موافق هيا ابدأ )) أخذ أمجد نفسا طويلا و كأنه يستعد لمعركة كبيرة ثم التفت إلى أمه و قال لها (( أمي أنا... )) قاطعته جمانة قائلة بغضب و صرامة (( اخرس يا أمجد و لا تحاول إفساد الأمر.. أنا أفهمك و أعرف ما الذي تريد قوله لذلك الأفضل لك أن لا تتكلم.. الويل لك إن تكلمت )) قال أمجد (( و لكن... )) وقفت جمانة و رمت أحد الصحون الفارغة عليه و لكنه تفادها ثم قال لها بخوف بعد أن سمع صوت انكسار الصحن في الأرض خلفه (( حسناً حسناً.. سوف أصمت ولن أتدخل أنا ذاهب لبيتي الآن إلى اللقاء )) و عندما أزاح الكرسي و أراد الذهاب قالت له أمه (( إلى أين تريد الهروب؟؟ لن تذهب إلى أي مكان و لن تخرج من هذا البيت أبدا إلا عندما تتزوج.. هيا عد لمكانك و أجلس و لكن أيضا اصمت و لا تتدخل في هذا الحديث )) أمسك أمجد فمه بـ كلتا يديه ثم جلس بهدوء في مكانه، فقال سليم (( أرجوكـ اهدئي يا أمي.. أنسي هذا الموضوع الآن و أعدكـ أن نتناقش فيه غدا.. هيا اجلسي لنكمل العشاء )) جلست و قالت له بعناد (( و هل سوف تنساها إذا نسيت أنا هذا الموضوع الآن؟ )) قال سليم و هو يبتسم (( آه، و من تريدين أن أنسى يا أمي؟ صوفيا؟! )) قالت أمه و هي ترد له الابتسامة (( لا.. أنسى مآثر لأنك مهما حاولت فأنا لن أرضى بأن تخطفك هذه المرأة مني، فماذا قلت؟؟ هيا أجبني الآن و لا تتهرب كعادتك )) قال سليم بهدوء شديد و هو ينزل رأسه (( أنا لا أستطيع أن أنسى مآثر يا أمي )) قالت جمانة بقهر من رده (( ماذا تعني بأنك لا تستطيع؟! إنها مجرد امرأة و يوجد الآلاف مثلها في هذه البلدة.. أرجوك قل أي كلام غير أنك لا تستطيع.. يمكنك المحاولة على الأقل و هناك الكثيرات يتمنين إشارة من إصبعك و أولهن صوفيا فماذا قلت؟؟ )) قال سليم بإصرار (( مستحييييل، مستحيل أن أفكر في غيرها يا أمي.. لقد وعدتها بأن لا أتخلى عنها و إن لم أتزوج مآثر فلن أتزوج سواها )) قالت أمه و هي تتصنع الصدمة حتى تقنعه (( إذن أنت لا تفكر في صوفيا!! )) ثم أخذت تمسح بمنديلها دموعا وهمية من على عينيها و قالت و كأنها تبكي (( و ماذا أفعل أنا عندما تأتي تلك المسكينة.. لقد أخبرتها بأنك تنتظرها.. سوف تحزن كثيرا )) قال سليم محاولاً تهدئتها (( كيف تريدين مني أن أتزوجها و أنا لم أرها و لم أتكلم معها منذ خمس سنوات.. أكيد أن أفكارها قد تغيرت عن السابق و أنها قد نست موضوع زواجها مني، ثم أنا.... )) قاطعته قائلة و هي ما زالت تتصنع البكاء (( إذاً لماذا كنت تناديها بالوحش و تقول بأنها قبيحة؟! ما الذي يدريك بأنها ليست أجمل من مآثر؟!! صدقني إنها أجمل منها بكثير و عندما تراها سوف تغير رأيك )) قال لها سليم و هو يكتم ضحكاته (( أولادك الثلاثة دائما يرسلون بصورها إلى مكتبي عندما كنت في إيطاليا.. حتى عندما جئت إلى هنا لم يكفوا عن ذلك، مع أني لم أميز شكلها من كثرة الأصباغ التي تضعها في وجهها.. و لكن بالنسبة لي لا يوجد في الدنيا من هي أجمل من مآثر )) قالت له بغيض و قد نست أمر بكاؤها (( ما الذي فعلته بك هذه المرأة حتى غسلت عقلك بهذه الطريقة؟!! ما الذي تملكه و لا يوجد عند سواها؟! )) قال سليم ببساطة و هو يبتسم لذكراها (( روحها البريئة يا أمي.. لا توجد من تملك مثل طيبتها و شفافيتها و عينيها الجميلتان.. نظرة واحدة لتلك العينان تنسياني الدنيا و ما فيها من هموم و كدر و من أجل عينيها أنا مستعد للتضحية بروحي لو طلبت مني ذلك )) قالت جمانة و هي تتجاهل غزله بمآثر أمامها (( لن ترضى بك إن عادت من عند أولئك البدويون.. ثق بي أنها ستغير رأيها و لن تقبل بك )) رد سليم بثقة و هو يكمل طعامه (( و لماذا أنت متأكدة بأنها لن تقبل بي؟ برأيكـ هل هناك من هو أفضل مني يا أماه؟! )) قالت له أمه (( طبعاً لا يوجد يا عزيزي.. و لكن بعد ما فعله عبد الوهاب بخالها، فأنا أكيدة بأنها ستغير رأيها )) قال عبد الوهاب بغضب (( ماذا فعلت يا امرأة؟؟ لماذا أخبرتيه بذلك؟! ألم تستطيعي كتمان الأمر حتى أتفاهم معه بنفسي؟؟ )) وقف سليم و قال لأبيه بهلع (( ماذا فعلت به يا أبي؟؟ أرجو أن لا تكون قد آذيته )) وقف أباه مثله و قال بصرامة و حزم (( أنا لست مثله و لكنه فطر قلبي بقتلك.. عندما اعتقدنا بأنك توفيت، علمت من أخيك النقيب خالد و من أمجد و أيضاً أكرم أن جمال الحسيني هو الفاعل و لكن لم يستطع أحد منا إيجاد أي دليل ضده.. و قبل إصابتك ذهب إليه أمجد و وعده ذلك المحتال بألا يؤذيك و للأسف مثلما وعده في لحظة نسي كل وعوده في اللحظة الأخرى.. لذلك دخلت في التجارة هنا و عملت بكل جهدي حتى نجحت أخيراً و استوليت على جميع أمواله و شركاته و هي الآن جميعها ملك لي و لم يبقى له سوى منزله و هو الآن رهن عند أحد التجار.. و هكذا استطعت أن أشفي غليلي من الرجل الذي سلبني ابني و لقنته درساً لن ينساه أبداً )) أمسك سليم رأسه بيديه و أخذ يتنفس بقوة من كثرة الضيق الذي أحس به ثم قال لأبيه و الحزن يعتصر قلبه بشدة (( لمـــــــــاذا؟!! لماذا فعلت ذلك يا أبي؟! ألم تفكر في زوجته المسكينة و التي هي أختي؟؟ ألم تفكر في أولاده؟؟ إنهم أطفال لا ذنب لهم حتى يدفعوا ثمن شيء لم يرتكبوه.. لقد قتلتني أنا بدلاً من قتله هو.. أنا من سيتأذى من عملك و ليس هو يا أبي.. أنا من سيمــــوت )) قال عبد الوهاب بغضب لا مثيل له (( كيف تجرؤ على الدفاع عنه بعدما فعله بك و بنا؟!! )) قال سليم بضيق أكبر (( أنا لا أدافع عنه، فهو لا يهمني بشيء.. أنا أدافع عنك أنت.. أنت من يهمني و ليس هو.. أنت أبي.. أنت أغلى ما عندي، كيف استطعت فعل هذا؟!! )) قال عبد الوهاب باستنكار و دهشة من كلامه (( كلامك يوحي بأني فعلت جريمة.. لقد فعلت هذا من أجلك )) قال سليم بغضب (( إن ما فعلته يعد جريمة يا أبي.. الاستيلاء على أموال الآخرين جريمة شنيعة، بفعلتك هذه تسببت في شقائي بدلا من إسعادي )) غضب عبد الوهاب كثيرا من كلام سليم و توجه له و لطمه بقوة على وجهه لدرجة أن ارتطم بالكرسي و وقع للخلف، فصرخت جمانة بخوف (( ابنـــي )) فأشار لها عبد الوهاب بيده بصرامة أخافتها لأنه أول مرة يغضب بهذا الشكل، و قال لها (( إياك أن تقتربي منه يا جمانة )) ثم وجه كلامه لسليم قائلا له (( لا ينقصني إلا أن تضربني بعدما صرخت في وجهي يا سيد سليم.. كيف تجرأت على التكلم معي بهذه الطريقة؟ هل نسيت نفسك أم هل نسيت من أكون؟! أتريد من يذكرك بأني والدك؟ هل أحزنك كثيرا ما فعلته أنا بجمال؟؟ ألم تحزن لما فعله بي و بأمك و أخوتك.. أنا لم أقم بسرقته و إنما أخذتها بطريقة شرعية عن طريق الصفقات و الأسهم )) نهض سليم بصعوبة و هو مازال يتألم من جرحه القديم و خيط من الدم نزل من شفتيه و خده أحمر بشدة من ضربة والده القوية و عندما وضع يده على صدره مكان جرحه القديم اصطبغت بالدم لأنه ارتطم بالكرسي.. فقال لأمه و هي تحاول الأقتراب منه (( لحظة يا أمي.. دعيني أشرح لأبي )) ثم اقترب من والده قائلا بخجل و هو يضع يده الثانية في كتف أبيه (( أنا آسف يا أبي.. لم أقصد أن أرفع صوتي في وجهك أو أن أقلل من احترامك.. أرجوك سامحني فأنا أعرف من تكون يا والدي و لكني أيضا أعرف أنك لست محتاجا لهذه الأموال التي كسبتها من وراء هذه الصفقات.. لقد أخطأت في الماضي و فعلت مثلك حتى أتحداه و لكني ندمت لأني لم أكن بحاجة لتلك الصفقات مع أنها كانت مبالغ رمزية و لذلك أرجعتها له في صفقات أخرى حتى لا يدري و يرفضها.. أما الآن فأنت قمت بأخذ كل ما يملك و عملك هذا سيتسبب في تشريد عائلته.. لذلك أرجوك.. أرجوك يا أبي أنسى ما حصل في الماضي لأني لو كنت قد توفيت فعلا فلن ترجعني لك أموال جمال و لن تستفيد أنت من تفكيك عائلته، أريدك أن تتنازل عن كل ما أخذته منه و تعطيني إياه حتى أرجعه الآن.. هيا يا أبي لنفتح صفحة جديدة معه و ننسى كل خلافات الماضي.. أعطني كل ما أخذته منه فغيرنا بأمس الحاجة له )) قال عبد الوهاب بهدوء و هو يزيح يد سليم من كتفه (( اصعد للأعلى يا سليم و سأتصل بالطبيب حتى يأتي ليعالجك فأنت تنزف )) قال سليم بعناده المعتاد (( و لكن يا أبي أنا... )) صاح به أبوه و هو يقاطعه (( قلت لك اصعد للأعلى و لا تناقشني فلن تذهب لأي مكان و لن تغير رأيي مهما فعلت.. هيا اذهب لا أريد رؤيتك أمامي الآن.. ما الذي حصل ليدك و ما كل هذه الدماء التي عليها؟ إنك تنزف بشدة )) قال سليم بإصرار أكبر (( إنه جرح قديم لم يلتئم جيدا لأني لم أجد له العناية الطبية اللازمة عند البدويون.. لقد انفتح الآن لأنك ضربتني بقوة يا عبد الوهاب و لن أتعالج أبدا ما لم تسمح لي بإعادة أموال جمال )) قال عبد الوهاب (( إصرارك و عنادك لن ينفعاك فلن تذهب لأي مكان أبدا و لن أرجع أموال جمال أبدا أبدا و لن أغير رأيي لأنك تنزف.. أنا بنفسي سأنزع عنك هذا القميص و سأمسك بك حتى يعالجك الطبيب لذلك اذهب لغرفتك و لا تعاندني و لا تنسى بأني ما زلت غاضبا منك و لن أرضى عنك مهما حاولت )) التفت سليم إلى أمه و قال لها (( أمي، أقنعيه أرجوك.. انظري إلى الدماء التي تنزف مني.. سأموت إن لم أتعالج لأن الجرح كبير و أنا لن أفعل حتى يقتنع هو )) قالت له أمه (( لم يصبك بهذا الجرح سوى هذا المدعو جمال، لذلك أنا من رأي والدك.. إصعد إلى الأعلى الآن )) قال سليم لأمجد (( ألن تساعدني يا أمجد؟؟ )) هز أمجد رأسه بنفي ولم يتكلم.. زاد ألم الجرح على سليم فقال بيأس و استسلام (( آه يا أمي أني أتألم بشدة لذلك سأستسلم الآن و لكني سأناقش معكما هذا الموضوع غدا.. أني أسمع أحدا يقرع الباب، سأذهب لأفتح فربما كان أكرم لأنه لم يأتي اليوم و سأسمع الكلام و أصعد لغرفتي )).....
الجــــــــ 46 ـــــــزء:
و ذهب سليم لكي يفتح الباب و عندما فتحه وجد أمامه امرأة و قد لونت وجهها بالكثير من الأصباغ أما شعرها فقد سرحته بطريقة عجيبة استغرب لها سليم فقال لها مازحاًً (( من تريدين يا صاحبة الشعر المنفوش؟ يبدو أنكـ قد أخطأت بالعنوان )) ضحكت ثم قالت له (( لا، لم أخطئ.. أليس هذا منزل خالتي جمانة؟؟ )) قال سليم (( نعم، و لكن من أنت و من تريدين؟؟ )) قالت له بتفاخر (( أنا صوفيا و أريد سليم )) اتسعت عيناه برعب عندما عرفها و سمعها تقول (( هل أنت سليم؟ )) قال بسرعة و هو يحرك يديه نفياً (( لا لا أنا وحيد، سليم داخل البيت )) قالت بحيرة و هي تنظر لشعره (( غريب.. شعر وحيد كما أذكر لونه أسود أما أنت فشعرك أشقر!! )) قال لها مبرراً كذبته (( طبعاً لون شعري الحقيقي أسود و لكني صبغته تماشياً مع الموضة هذه الأيام، و لكن انسي أمر شعري و انتظري حتى آتيكـ بسليم فأكيد أنه سيسعد بهذه المفاجئة.. انتظري هنا و لا تتحركي سأذهب لآتي به )) و دخل عنها ثم توجه لأمجد و قال له (( هناك من ينتظرك عند الباب يا أمجد )) قال أمجد بدهشة (( من ينتظرني؟! لا أحد يعرف بأني هنا )) قال سليم بخبث (( إنها مفاجأة سارة، فاذهب و استمتع يا أخي الحبيب )) و قف أمجد و قال له بتهديد (( كأني أشم رائحة إحدى دعاباتك السخيفة.. إن أوقعتني في شباكك سأقتلك )) ثم ذهب عنه فقال سليم محدثاً نفسه (( لا أعرف كيف تكون أمي مصرة على تزويجي بهذه المخيفة الملونة.. إنها حتى لا تعرفني! الآن أمجد المسكين سيبتلي بها.. يجب أن أهرب قبل أن يرجع و يقتلني مثلما قال )) ثم ضغط على صدره بألم شديد و قال بتعب كبير (( آآآآآخ.. إن الجرح يؤلمني بشدة، يجب أن أخلع هذا القميص الأسود حتى تصدق أمي مدى خطورة إصابتي فتقف معي ضد أبي )) جاءت أمه و وقفت بجانبه و قالت بعطف و هي تمسح بيدها على رأسه كأنه ما زال طفلاً صغيراً (( الطبيب سيأتي بعد قليل يا عزيزي.. هيا لغرفتك حتى تبدل ملابسك )) ثم أخذت تمسح الدم من شفتيه و أكملت (( أين ذهب أمجد و من كان عند الباب؟؟ )) قال سليم و هو ما زال يتألم (( دراكولا )) قال أمه بدهشة و حيرة (( و من هذا دراكولا؟!! أنا أعرف أكرم و يزن و لكني أول مرة أسمع باسم هذا الرجل، فمن هو؟! )) قال سليم و هو يضحك بألم (( إنها امرأة و ليست رجلاً يا أمي، و لقد جاءت تسأل عن أمجد و ليس عني و هو الآن يكلمها في الخارج )) قال جمانة باشمئزاز (( يا إلهي، امرأة و لها هذا الاسم! من أي مصيبة تعرف عليها هذا الطائش أمجد؟! )) ثم صرخت برعب عندما رأت سليم يتنفس ببطيء و يئن و هو ممسك بصدره بقوة (( سليم ماذا بك؟؟! إنك تتنفس بصعوبة و وجهك أصبح شاحباً جداً )) قال سليم بصعوبة و بصوت خافت و هو يمسك بيدها حتى لا يقع (( إني تعب جداً يا أمي و لا أستطيع الوصول لغرفتي.. أني أتألم فأتي بأحد ليساعدني )) ثم ترك يدها و هوى أمامها فاقداً لوعيه، فصرخت بشدة أكبر عندما رأته ممدداً هكذا أمامها.. و جاء أباه و أمجد بسرعة و حملاه إلى أقرب غرفة، و عندما جاء الطبيب دخل عنده هو و عبد الوهاب فقط....
الجــــــــ 47 ـــــــزء:
بعد نصف ساعة، كان أمجد و أمه ما زالا ينتظران خارج الغرفة حتى يخرج الطبيب و يطمئنهما على سليم.. و فجأة سمعا طرقاً على الباب و دخل عليهما أكرم الذي وجد الباب مفتوحاً و كان يحمل بيده الكثير من الأوراق و الملفات، فسلم عليهما و قال (( أين سليم؟ لقد وعدني أن يلاقيني الآن )) أشار له أمجد بالرحيل و لكنه لم يستمع له ظناً منه أنها إحدى حركات الاستهبال التي تعودها منه و إنما أعاد السؤال عن سليم، فتوجهت نحوه جمانة و قالت له بعصبية (( لمـــــاذا؟؟! )) قال أكرم ببراءة و هو لم يفهم سبب غضبها منه (( لماذا ماذا يا خالتي؟ أنا لم أفهم ماذا تقصدين )) صاحت به (( لا تنادني خالتي )) قال أمجد (( لأنه لا يوجد عندها ابنة أخت سوى صوفيا )) ضربته بقهر على ظهره و قالت له (( أخرس أنت و دعني أكمل كلامي معه )) قال أمجد (( كنت أحاول تلطيف الجو )) ردت عليه (( و من طلب منك ذلك؟؟ المطلوب منك فقط الجلوس صامتاً )) وضع أمجد يديه على فمه و ابتعد عنها ليجلس في إحدى الكراسي البعيدة.. فالتفت جمانة لأكرم و أكملت معه قائلة (( لماذا سليم لديه كل تلك الإصابات و أنت و يزن مثل الأحصنة ليس بكما شيء؟! )) نظر إليها أكرم بدهشة و خوف و لم يجبها، فخرج لها عبد الوهاب و قال لها بعتب (( ما هذه التصرفات يا جمانة؟!! أكرم مثل ابننا سليم و لا يجوز لكـ معاملته على هذا النحو.. إن نهض سليم فلن يرضى بأن تهيني صديقه هكذا )) قالت جمانة (( لم أقل سوى الحقيقة يا عبد الوهاب.. فجسم سليم به إصابات كثيرة غير الرصاصة، و أكرم و يزن صحيحان لا يعانيان من شيء )) قال أكرم بعد أن أفاق من صدمته (( لا بأس دعها يا عمي، سأخبركـ بكل الذي حصل لابنكـ يا خالتي )) قال أمجد مقاطعاً كعادته (( ألم تفهم يا محامي سليم؟؟ هي لا تريد أن يناديها أحد "خالتي" غير صوفيا )) قال أكرم بقرف (( و هل وصلت هذه المشئومة؟! و تريدين أن تعرفي لماذا هو مصاب و متعب!! هذا بسببها بالتأكيد.. أين هي يا أمجد؟ كم أتمنى أن أرى عروس المستقبل )) قال أمجد و هو ينظر إليه بدهشة و قد تجاهلا وجود جمانة الغاضبة حد الانفجار (( ألست خائفاً على سليم يا أكرم؟! لقد أغمى عليه و كان منذ دقائق يعجز عن التنفس.. لماذا لا تبكي و تصرخ مثلما قال عنك يزن )) قال أكرم (( هناك بكيت و صرخت لأنه لم يوجد طبيب و بذلك لم يجد سليم الرعاية الصحية المناسبة، و كثيراً ما كان جرحه يلتهب بسبب عدم توفر الأدوية.. أما عندما عدنا فلقد وعدني بأنه سيذهب إلى الطبيب لكي يعاينه و لكن ما دام قد عاند و كابر كعادته و لم يفعل فهذا شأنه )) قالت جمانة و غضبها قد زاد من تجاهلهما لها (( اصمتا معاً و لا تتكلما حتى آمركما، و إياكما و السخرية من صوفيا فسليم كان يريدها لولا أن سممتما أنتما الاثنان أفكاره ضدها.. هيا تكلم يا أكرم و أخبرني سبب كل تلك الإصابات على جسمه.. مستحيل أن يكون كل ذلك بسبب رصاصة واحدة! )) قال أكرم وقد بدأ يغضب من اتهامها الصريح له (( إصابته لم تكن بسببي أنا و يزن، فالرصاصة أصابته بسبب جمال فهو من كان يريد قتله لا نحن، أما الجروح و الإصابات الباقية فهي بسبب ابنكـ المتفاخر.. هو من سببها لنفسه عندما أراد أن يركب على إحدى الأحصنة حتى يثبت لمحبوبته أنه رجل.. لقد أراد أن يطلب يدها هناك عندما كنا في الصحراء و بعناده المعتاد اختار حصاناً أبيضاً و كان هذا الحصان صعب الترويض لكن سليم بسبب عقله المتحجر لم يقتنع أن يتركه و لذلك أخذ الحصان يرميه على الأرض في كل مرة يقترب منه حتى أصابته الصخور في كل جسده، و لا تقولي أنني و يزن صحيحان و لم نصب بشيء فلقد كسرت يدي بفضل ابنكـ بعد أن و قع عليّ و يزن تعرض للضرب الشديد مرتين على يدي سليم لذلك لم يرجع أحد منا بدون إصابة و لو جمعنا كل ما أصابنا لوجدناه بسبب ابنكـ المدلل.. فلو لم يتحدى جمال الحسيني بتلك الصورة العلنية لما غضب و أطلق الرصاص عليه و لما أمر رجاله بإطلاق ذلك الصاروخ علينا.. و الآن هل تريدين سماع المزيد؟؟ )) قالت له و هي تهز رأسها بصدمة من كلامه (( لا.. لا أريد سماع المزيد من أكاذيبك عن ولدي.. حتى المجنون لن يصدق هذا الكلام أيها المدعيّ.. كيف استطعت تلفيق كل هذا الكذب عن سليم؟! إنه صديقك و لا يتباهى بأحد سواك و لكن أنا سأتصرف معه إن لم يعمل على طردك )) قال أكرم (( أنا لم أكذب.. كل ما قلته حقيقة و اسأليه إن شئت )) خرج الطبيب من عند سليم و قال لهم بعتب و ضيق (( ما هذه الضجة التي تعملونها؟؟ المريض بحاجة لبعض الراحة )) نظر إليه أكرم بدهشة و قال له (( د.حسام؟! كيف رضيت أن تأتي إلى هنا و تعالج سليم!! )) ابتسم حسام و قال له بمرح (( إذن أنت هنا.. كان يجب أن أعلم أن هذا الإزعاج سببه وجودك هنا )) ثم اقترب حتى وقف أمامه مباشرة و قال له (( لقد أتيت لمعالجة أخي و الاطمئنان عليه.. مع أن عمي عبد الوهاب طلب طبيباً آخر لكن من حسن حظي أنه كان صديقي و كنت في مكتبه نشرب القهوة معاً و هو يعلم جيداً قصتنا مع سليم.. و عندما علمت منه أن أخي على قيد الحياة لم أستطع الانتظار فأتيت بنفسي إليه )) ابتسم أكرم بخبث ثم قال (( سليم أخوك أنت!! آه حسناً، و لكن هل هذا هو رأي النقيب خالد أيضاً )) قال د.حسام بضيق من موقف أكرم ضد خالد (( أبعد ابتسامة السوء هذه عنك.. أنا و خالد نحب سليم و سنأتي لنصالحه عندما يشفى و ننسى كل خلافات الماضي، فسليم بين للجميع أنهم مخطئون بشأنه و لذلك نحن نادمان على ما حدث في السابق و نود فتح صفحة جديدة معه و يجب أن تساعدنا يا سيد أكرم لا أن تقف ضدنا )) قال أكرم (( أبعدني عنكم و عن أخاكم فلا دخل لي بكم لأن أخاك سيادة النقيب رفضه بقسوة و أسمعه كلمات أستغرب أن سليم لم يقتله بسببها، و أنت منعت طفلك عنه و رفضت أن يناديك بأخي.. لذلك حاربوه لوحدكم إن أردتم أو صالحوه لوحدكم و لا تدخلوني بينكم )) قال عبد الوهاب (( كفى يا أكرم، لقد انتهى كل ذلك الآن و من يمد لنا يده عار علينا أن نرجعها.. تعال و أجلس بجانبي أيها الطبيب و أخبرنا بحالة سليم فقد خفنا عليه كثيراً )) ابتسم حسام لطيبة عبد الوهاب بعد أن أحرجه أكرم أمامهم و قال وهو يخلع نظارته الطبية (( لا يجب أن تخاف عليه يا عمي فهو بخير، و لكن عنده التهاب في عدة أماكن من جسمه و أكثرها في صدره حيث أصابته الرصاصة التي كانت قريبة من قلبه و هذه الإصابة خطيرة و كان من الممكن أن تتسبب في وفاته لولا أن عولجت ببعض الأعشاب المفيدة.. و عندما تماثل للشفاء أصيب مرة أخرى في نفس الموضع بإحدى الأحجار كما أعتقد )) ثم التفت إلى أكرم مكملاً كلامه (( اشرح لنا يا سيادة المحامي من الذي أصاب سليم بالأحجار في صدره؟؟ )) نظر الجميع إلى أكرم بتساؤل فخاف أكرم كعادته و علم أن حسام قد انتقم منه الآن فقال بتوتر واضح (( ابعدوا نظراتكم المريبة عني فلم يعمل أحد على إصابة سليم بالأحجار.. لقد شرحت لكم منذ قليل أنه هو من أصاب نفسه عندما أراد التباهي أمام مآثر.. لقد كان يحاول ركوب أحد الأحصنة فغضب الحصان و رماه على الصخور و هذا هو سبب إصابته )) أمسكته جمانة من قميصه و شدته إليها و قالت له (( لماذا لم تدافعا أنت و يزن عنه؟؟ كيف سمحتما بأن يضرب أبني أمامكما بالحجارة؟! )) قال أكرم (( اتركيني يا خالتي.. أقسم أن ما قلته هو الحقيقة.. ثم كيف صورت لك نفسك أن أحدًا قام بضربه بالحجارة! من الذي يجرؤ على فعل ذلك؟! إن ابنكـ رجل بالغ و ليس طفلاً حتى يضرب بالحجارة )) تركته و قالت و هي تشير بيدها للباب (( اخرج من هنا لا أريد رؤية وجهك )) قال لها بدهشة (( هل تطرديني؟! )) قالت له (( نعم، و الآن هيا لا أريد رؤيتك أمامي و لا ترجع إلى هنا أبداً فسليم لا يريد شخصاً مثلك لكي يكون صديقه.. هيا أخـــرج )) قال أكرم (( و لكني... )) قاطعته بقوة (( الآن )) تنهد بضيق و تركها ثم حمل أوراقه و خرج عنهم بهدوء.. فقال لها عبد الوهاب (( لماذا فعلت هذا يا جمانة؟! )) ردت عليه (( لا تقل لي لماذا.. أنت السبب يا عبد الوهاب، فلو لم تصفع سليم لما حصل له كل هذا )) قال عبد الوهاب و هو يرفع يديه باستسلام من تقلباتها (( رائع، الآن ذهب أكرم فانتقلي إلي أنا )) ثم قال لها بحنان و هو يجلسها بهدوء ليطمئنها (( اهدئي يا عزيزتي.. سليم سيكون بخير في الصباح ))....
الجــــــــ 48 ـــــــزء:
و في الصباح كان سليم جالسا في سريره و بجانبه يقف أكرم و ينظر إليه و هو صامت لأن سليم كان يضحك عليه بشدة.. و عندما توقف سليم استغرب هدوء أكرم فقال له مبتسماً (( لماذا لا تغضب و تنهرني كعادتك.. أنا آسف يا أكرم و لكني لا أصدق أن أمي فعلت بك كل هذا.. يجب أن تعذرها لأنها خائفة على ولدها الحبيب )) رد أكرم بهدوء (( إنها خائفة على ولدها المدلل يا خفيف الدم.. لو كنت أعلم بأنك ستسخر مني هكذا و تضحك بهذه الطريقة لما جئتُ لأراك )) قال سليم و هو يمسك بيد صديقه (( حسناً اهدأ.. هيا أجلس.. أمجد أخبرني بأنك كنت البارحة تحمل الكثير من الأوراق و الملفات فلماذا أتيت بها؟؟ )) قال أكرم بضيق شديد و هو يشيح بوجهه عن سليم (( أتيت لأودعك يا سليم )) وقف سليم بسرعة و قال له بصدمة (( ماذا قلت؟! تودعنــــــي!! )) قال أكرم بحزن و هو يقاوم دموعه و قد أنزل رأسه للأسفل (( لا تحاول منعي و لا تنطق حتى بكلمة لأنك لن تغير رأيي.. أنا ذاهب يا سليم.. سأرجع إلى إيطاليا مع عائلتي و سأشرف على أموالك هناك إن أردت أن تبقيها على حالها أو سأجد أي عمل آخر يناسبني.. لم أكن أريد أن أودعك و لكن أبي و أمي أصرا علي حتى أفعل )) نظر سليم بغضب إلى إحدى التحف الموجودة على طاولة بغرفته ثم أخذها و كسرها بقوة عند قدمي صديق عمره الذي ابتعد قبل أن تصيبه إحدى الشظايا فقال سليم بهلع و بأعلى صوت عنده و هو يمسكه من كتفيه و يهزه بقوة (( هل جننــــت؟؟! لا تستطيع أن تفعل هذا بي.. أنت صديقي الوحيد في هذه الدنيا، فكيف فكرت بتركي.. لقد حققت كل ما كنت أصبو إليه بمساعدتك، لا أستطيع العيش بدونك يا أخي )) صاح به أكرم و هو يبعد يديه بقوة و قد نزلت دموعه بسبب ردة فعل سليم (( أرجــــــــوك أصمت و لا تكمل.. لا تصعب علي الموضوع أكثر مما هو عليه.. لم آتي لأسمع منك شيئاً، لذلك وداعــــاً )) و عندما أراد أكرم الذهاب أمسكه سليم بقوة من يده حتى التفت إليه و عندها قال له بصرامة (( ليس بهذه السهولة.. لن تذهب دون أن أفهم السبب الذي جعلك تقرر أن ترحل )) قال أكرم و هو ينظر لسليم كأنه لن يراه مرة أخرى (( اتركني لأنك تؤلمني يا سليم.. لا يوجد سبب، أنا قررت أن أذهب لوحدي )) قال سليم بتوسل و هو يتركه (( إذا كانت أمي السبب فتأكد أنها لم تكن تقصد ذلك.. لا ترحل يا أكرم و سأجعلها تتأسف منك )) مسح أكرم دموعه و قال و هو يحاول المزاح (( لا تفعل حتى لا تعطيها سبباً لقتلي.. أمك مثل أمي يا سليم، و تصرفاتها معي و مع يزن متوقعة فهي دائماً تفعل هذا بنا و نحن نتقبله بكل رحابة صدر.. أنا أحبها و أحترمها و لذلك أعذرها.. و لكني.... )) قال سليم و هو يهمس بيأس (( و لكنك ماذا؟؟ لن أسمح لك بتخطي هذا الباب.. لن أسمح لك بالخروج من عندي )) جلس أكرم ثم قال و هو يمسك رأسه بيديه و ينظر للأسفل و قد قرر أن يقول كل ما بقلبه قبل الوداع الأخير (( لا تمنعني فلقد سئمت من هذه البلد.. سئمت من الألم الذي تلقيته عندما أصبت يا سليم.. كنت دائما في ايطاليا تحاول مجادلة رجال الأعمال، كنت دائماً تفتعل المشاكل و رغم ذلك لم يحاول أحد إيذاؤك على عكس جمال هنا و الذي حاول أكثر من مرة أن يقتلك حتى كاد أن ينجح في آخرها، و أنا متأكد بأنك ستذهب إليه لتخطب مآثر و لن يتركك هذه المرة أبدا فلقد سمعت بأنه ما زال قوياً على الرغم مما فعله به والدك.. لذلك و بكل بساطة أنا لست مستعداً لعيش حالة الرعب المخيفة التي ذقتها معك فيما مضى.. أنا لست مستعداً لحضور جنازتك أيها الأحمق العنيد.. لماذا ما زلت مصراً على خطبتها من خالها؟؟! لماذا لا تذهب لجدها بدلاً من مواجهة الموت من جديد على يد ذلك المتوحش جمال؟؟ و الأهم لماذا تريد إرجاع أموله و هو لا يستحق هذا منك؟!! )) جلس سليم أمامه و قال له شارحاً (( سأخطبها من خالها يا أكرم لأنه هو من قام بتربيتها، و لأني عاهدت نفسي أن أتزوجها برضاه لأني لا أستطيع أن أسمح له بفعل ما برأسه حين قال بأنه سيتبرأ منها هي و ابنتها، و سأرجع له أمواله لأنها من حقه و لا يجوز لأبي أن يأخذها بينما أطفال جمال و زوجته يتشردون )) قال أكرم (( زوجته رفضتك بقسوة )) قال سليم بحنان و عطف (( لا يهمني، فهي ما زالت أختي و أنا أحبها و لن أرضى بأن يصيبها سوء بسببي.. لقد انتهى كل شيء الآن، لا تستطيع الذهاب لأنك خائف عليّ.. أعدك بأن لا أدخلك في هذا الموضوع مثلما فعلتُ سابقاً )) تنهد أكرم بحسرة ثم أخذ ينظر إليه بحزن و بعد فترة قال له (( لماذا أنت عنيد هكذا.. أنا ذاهب يا صديقي، لقد حجزت لي و لكل عائلتي معي و لا تنسى أن مدارس أولادي هناك.. دعني يا سليم أذهب و أنت سيكون لك هنا حياة جديدة و أيضاً لا تنسى أن يزن ما زال هنا فهو أيضاً صديقك )) قال سليم يصوت باكي و هو يقاوم بشدة دموعه التي تنذر بالنزول (( يزن لا يصدق أن يسمع كلمة مني حتى ينشرها في كل مكان و لمن يدفع أكثر، و لكن أنت مختلف.. أنت من يكتم أسراري و يحتملني رغم كل عيوبي.. أنت أعز صديق عندي )) قال أكرم (( ستنساني بمجرد زواجك من مآثر.. ستنسيك تلك الساحرة كل شيء و ربما سترتكب جريمة في حق نفسها و تنسيك جمانة حتى تنسيها نفسها )) قال سليم بضيق (( كف عن المزاح و أخبرني لماذا ما زلت مصراً؟؟ كم كنت أتمنى أن تحضر عرسي.. كنت أريد أن أثبت لك أنت قبل أن أثبت للعالم بأني سأتزوجها )) قال أكرم و هو يقف (( يكفيك ما أثبته لي حتى الآن و إن قتلك جمال هذه المرة سأتكرم و أرسل بباقة ورد أبيض إلى أمك و لن أحضر جنازتك )) ثم لم يستطع المقاومة أكثر و بكى بشدة و هو يقول (( ألن تأخذني في حضنك يا صديقي؟؟ ألن تودعني يا سليم؟؟ ربما لن نرى بعضنا بعد الآن )) وقف سليم و قال بصوته الباكي و هو ما زال يكابر (( لا أريد توديع أحد.. اذهب إن شئت فهذا لا يهمني.. هيا اذهب و أقفل الباب ورائك )) قال أكرم و قد زاد موقف سليم من حزنه (( إذن خذ هذا العقد.. إنه مصنوع من الياسمين و قد صنعته أمي لك.. إنها تعرف بأنك تحب الياسمين كثيراً و قد أخبرتني بأنها كانت تصنع لك عقداً كل يوم فيما مضى و لكنها توقفت عندما أصبحت رجلاً منشغلاً بأعماله.. أعذرها فهي لم تدري بأن روحك الطيبة لم تتغير برغم كثرة أموالك و لو سألتني لأخبرتها بأنك ما زلت للآن تحب الياسمين.. هذا العقد هدية منها لأنها لم تجد الوقت الكافي حتى تأتي و تودعك بنفسها )) و وضع أكرم العقد في الطاولة و خرج بكل هدوء و أقفل الباب.. فالتفت سليم إلى العقد و أخذه بين يديه برقة حتى لا يتفكك و عندما اشتم رائحته الجميلة ركض إلى الخارج و صرخ بأعلى صوته (( أكــــــرم.. انتظر يا صديقي )) وقف أكرم بمكانه عندما سمع صوت سليم، فجاء سليم و أخذه في حضنه آذناً لدموعه التي حبسها طويلاً بالنزول أخيراً و كانت لحظة الوداع مؤلمة بين الصديقين اللذان قضيا معظم أوقات حياتهما مع بعض، و لكن للأسف سليم لم يستطع منع أكرم من السفر... و هكذا سافر أكرم و ترك سليم حزيناً عليه لا يصله به إلا ذكريات الماضي الجميل......
الجــــــــ 49 ـــــــزء:
و في وقت لاحق، كان سليم نازلاً من غرفته و هو بكامل أناقته و عندما رأته والدته التي كانت تجلس بجانب والده قالت له (( لماذا أنت بكامل ملابسك، إلى أين تريد الذهاب في هذا الوقت؟! )) قال سليم بثقة و هو ينظر لوالده (( أريد إرجاع أموال جمال يا أبي )) قال عبد الوهاب بضجر (( ألم تسأم من ترديد هذا الكلام؟؟ إني لم أرى أعند منك في حياتي!! )) قال سليم (( لا لم أسأم و لن أسأم أبداً، و حتى ننتهي من هذا الكلام يجب أن تعطيني الأموال الآن و تسمح لي بإرجاعها و يعود كل شيء كما كان في السابق )) قالت جمانة (( أباك عنده حق يا سليم، يجب عليك أن تستمع لكلامه )) قال سليم لوالده و هو ينظر لعينيه (( لن أستمع لكلامك يا أبي لأنك علمتني )) ردد عبد الوهاب بدهشة (( علمتك؟!! )) قال سليم و هو يبتسم (( نعم علمتني يا أبي.. علمتني أن لا أظلم أبداً )) ثم ضحك و هو يكمل (( أتذكر عندما كنت صغيراً و كنت آخذ ألعاب يزن بالقوة فتضربني أنت و تقول لي بأنه لا يجوز لنا أن نأخذ ما ليس لنا و خصوصاً إذا كنا نملك مثله و لسنا بحاجة إليه.. أنت من علمني أن لا أظلم أحداً، فكيف تريدني الآن أن أسكت عن هذا العمل؟؟ )) ضحك عبد الوهاب كثيراً حتى دمعت عيناه ثم قال بفخر (( من الرائع أن يعلمني ابني عمل الخير بعد هذا السن.. لقد أقنعتني أيها العنيد..منذ الصباح و أنا أنتظرك.. كنت أريد أن أرى أن كنت ما زلت مصراً أم أنك تراجعت و لقد قمت بالاتصال بمحاميّ الخاص و طلبت منه تجهيز كل الأوراق اللازمة يا سليم.. فاذهب إلى شركتي و خذ الأوراق و سلمها لرجال جمال.. هيا يا عنيد اذهب و أرجع أموال جمال )) ابتسم سليم برضا ثم قال (( هل تعني حقاً ما تقوله يا أبي؟! )) قال عبد الوهاب وهو سعيد لفرحة ابنه (( نعم أعني ما أقوله، هيا أذهب بسرعة قبل أن أغير رأيي )) جاء أمجد و جلس بجانب والده و تثاءب بقوة ثم قال (( صباح الخير لكم جميعاً.. كم الساعة الآن؟؟ )) قال سليم بعد أن نظر لساعته (( أي صباح هذا الذي تتكلم عنه؟! الساعة الآن الثانية بعد الظهر.. لا أصدق كم تحب النوم يا أمجد.. إن مت سيكون سبب موتك النوم )) قال أمجد و هو يأخذ تفاحة من أمامه و يقضمها (( إلى أين تريد الذهاب في هذا الوقت؟ إنه وقت الغداء.. هل عادت من قامت بسرقة أخينا من أمنا؟؟ )) قال سليم بلؤم (( مثلما تقول لك أمي دائماً اخرس و لا دخل لك بالموضوع )) ثم التفت لأمه و أباه و قال لهما (( أنا خارج و ربما سأتأخر لذلك لا تنتظراني على الغداء )) قالت أمه برجاء (( صوفيا تريد أكل الطعام معك يا ابني )) قال سليم بملل من سيرتها (( لدي أعمال أهم من صوفيا الآن.. هل اكتشفت أن أمجد القبيح ليس سليم الوسيم؟ )) قالت جمانة بضيق من تصرفه (( نعم و أنا لم يعجبني ما فعلته بها.. كيف استطعت خداعها بهذه الطريقة؟؟ )) قال سليم و هو يتوجه للخارج (( أرجوك أنسي هذه الـ صوفيا لدقيقة واحدة، أنا ذاهب إلى اللقاء )) قالت أمه (( انتظر و اخبرني من أين لك هذا العقد الجميل من الياسمين حول عنقك؟ أكيد أن صوفيا هي من صنعته لك.. يبدو أنها قامت بقطف الياسمين من الحديقة لأجلك )) قال أمجد (( لا يوجد عندنا ياسمين في الحديقة يا أمي )) نظرت إليه أمه بغضب لإفساده مخططها بتدخلاته الفضولية فقال بخوف (( لم أكن أقصد إفساد الأمر و لكني كنت أريد أن أقول بأنها أشترت هذا الياسمين و لم تقطفه )) قال سليم (( كفا عن المجادلة، هذا العقد من عند أم أكرم.. لقد أهدتني إياه قبل أن يسافروا لإيطاليا )) قال عبد الوهاب (( و هل رحل أكرم مع عائلته؟ )) تألم سليم لذكرى صديقه و قال بحزن (( نعم يا أبي رحل ذلك الأناني.. رحل و تركني وحيداً هنا بلا أصدقاء.. لقد نسى بأنه بالنسبة لي أعز صديق و أعز أخ في الدنيا و لكنه أصر على الرحيل و تركي و لم تفد كل محاولاتي في منعه لذلك ودعته في الصباح )) قال عبد الوهاب مواسياً (( دعه يا ابني فربما لم يرحه المكان هنا و إذا أردت اللحاق به فافعل بعد أن تتزوج )) قالت جمانة (( ماذا يفعل؟! هل جننت يا عبد الوهاب؟! ابني لن يذهب إلى أي مكان و عندما يتزوج سيبقى معي هنا في بيتي.. هل آخذ هذا العقد يا سليم؟ )) قال سليم و هو يناولها العقد (( نعم خذيه، مع أنه غالي عليّ و لكنه يرخص لأجل عينيكـ ، و لكن لا تحاولي أن تعطيه لابنة خالتي و تقولي لها أنها من عند سليم فأنا سأنكر ذلك )) ثم خرج عنهم و ذهب لقضاء أعماله.....
و في صباح اليوم التالي كان سليم ينوي الخروج أيضاً فذهب أولاً لطاولة الإفطار و وجد أمجد وحده يأكل فطوره، فجلس بجانبه و قال له (( صب لي فنجاناً من القهوة يا أمجد )) قال أمجد و هو يرفع رأسه (( و من أخبرك بأني أعمل عندك؟! إن كنت تريد القهوة فصبها لنفسك و إن كنت تريد الفطور فاعمله لنفسك فلا أحد في البيت غيرنا أنا و أنت )) قال سليم (( أين ذهبت أمي؟؟ )) رد أمجد (( صوفيا ذهبت للسوق حتى تتجهز لعرسها )) قال سليم بتهديد (( أنا لم أسأل عن صوفيا و إنما سألت عن أمي و إن حاولت أن تخفف دمك معي فسأضربك يا شاطر لأنك تقول لا أحد في المنزل سوانا )) قال أمجد متجاهلاً التهديد (( المفروض أن تفرح لأن صوفيا سريعة في التجهز )) أمسكه سليم من قميصه بقوة فقال أمجد بسرعة لينقذ نفسه (( أمي ذهبت معها و هذه كانت فكرة أمي طبعاً حتى تثنيك عن الزواج بمآثر )) تركه سليم و وقف ثم قال له (( إذا سئلت أمي عني عندما ترجع فقل لها بأني لن أعود حتى الليل )) قال أمجد (( إلى أين؟؟ أجلس كنت أمزح معك، سأصب لك القهوة )) قال سليم (( و من قام بتحضيرها ما دامت أمي بالخارج؟ )) قال أمجد بتباهي (( أنا و بكل فخر.. هذه القهوة من صنع يدي فاجلس و تذوق بعضاً منها )) ابتسم سليم بسخرية و قال (( لا أريد أن أتسمم، أفضل أن أذهب إلى أحدى المقاهي أو سأشرب القهوة في الشركة فأنت أسوأ من يدخل إلى المطبخ )) قال أمجد (( إذن سأقول لأمي بأنك ذاهب للقاء مآثر و سنرى عندها كيف ستخرج من هذه المشكلة )) ضحك سليم ثم قال و هو يتوجه للخارج و يلوح له بيده (( إلى اللقاء يا أسوء طباخ ))....
توجه سليم إلى بيت جمال و عندما وصل قرع الجرس ففتح شاب له الباب و سلم عليه ثم قال سليم (( هل السيد جمال موجود في البيت؟ )) قال الشاب (( لا إنه ليس هنا، و لكن من أنت و ماذا تريد من جمال؟؟ )) قال سليم و هو ينظر للشاب بتمعن (( أعتقد أني رأيتك في المستشفى منذ شهران.. هل أنت طبيب؟ )) رد الشاب (( نعم و اسمي حسن و أنا شقيق جمال و الآن أخبرني من أنت )) قال سليم و هو يصافحه (( لن أخبرك من أكون حتى تخبرني أين السيد جمال )) قال حسن و هو يتنهد بضيق (( جمال في المستشفى، الجميع في هذه البلدة يعرفون أنه دخل المستشفى )) قال سليم (( هل أصيب بسكتة قلبية مرة أخرى )) قال حسن بحزن (( نعم و لقد نجا منها بصعوبة شديدة.. لقد كان قريبا جدا من الموت هذه المرة و هو الآن عاجز عن المشي و كل هذا بسبب ذلك المتبجح المدعو سليم.. تصور إن والده استولى على كل أموال أخي لأنه كان يعتقد أن جمال قتل ولده )) قال سليم و هو يرفع حاجبه (( أولم يفعلها جمال؟! الجميع يقولون بأنه قتل سليم )) قال حسن بثقة (( سليم حي و لم يمت، و جمال لا يحاول إيذاء أحد من دون سبب )) قال سليم (( و هل رأيته بنفسك حتى تعتقد بأنه حي؟؟ )) رد حسن (( منير رآه و هو الآن سيحاول مقابلته ليتفاوض معه بشأن أموال أخي )) ضحك سليم بمرح ثم قال (( الأموال أخذها أبي و لست أنا حتى تفاوضوني و الأهم من ذلك أن الأموال رجعت إلى صاحبها منذ الأمس.. أنا ذاهب إلى المستشفى، إلى اللقاء )) ثم التفت ليذهب و هو يلوح له بيده، فقال حسن بحيرة (( أباك؟! من أنت؟! هيا أخبرني )) قال سليم و هو يبتسم من دون أن يلتفت له (( أنا سليم عبد الوهاب )) قال حسن بخوف (( سليم!! أرجوك لا تخبر جمال بأنك قابلتني، سيغضب مني بشدة إن علم عن كل ما أخبرتك به )) قال سليم و هو يمشي للخارج (( اطمئن و كأني لم أقابلك، لأن عندي ما هو أهم منك.. إلى اللقاء ))......
الجــــــــ 50 ـــــــزء:
في المستشفى كانت رحاب جالسة أمام غرفة جمال و هي تأكل فطورها و آثار الحمل واضحة عليها ببطنها المنتفخ أمامها، فسمعت صوتا من جانبها يقول (( ألا تريدين أن يشارككـ أحد فطوركـ أم أنكـ تحبين الأكل لوحدكـ؟ )) رفعت رأسها و عندما رأته وقفت بهدوء ثم قالت و هي تشبك يديها مع بعض (( أنت مرة أخرى!! ما الذي تريده هذه المرة؟؟ )) قال سليم و هو يكمل عنها (( ألا يكفيك ما فعلته في المرات السابقة يا سليم السيئ؟؟ )) ثم ضحك و قال (( يبدو أنكـ لم تتفاجئي لرؤيتي.. ماذا، ألم تسمعي بوفاتي؟ )) قالت له بغضب (( المفروض أن لا تضحك لأني الآن في موقف حرج، ألا ترى أننا نقف أمام غرفة العناية المركزة؟! و جمال داخل تلك الغرفة و بمجرد سماعه لصوتك ستعاوده عصبيته لذلك ارحل و كف عن إزعاجي.. و لم أتفاجأ لأن منير بالأمس رآك أمام شركة والدك و أخبرنا أنك حيّ )) قال سليم (( و هل أخبر جمال؟؟ )) صاحت به (( لا دخل لك بجمال دعه و شأنه و أرحل من هنا )) ثم التفتت و قالت و هي تبتعد عنه (( أنا تعبة جداً و لا وقت عندي لمجادلتك لذلك وداعاً )) لحقها سليم قبل أن تختفي عن أنظاره و أمسكها و شدها إليه بحنان حتى أصبحا لا يفصل بينهما إلا بضع سنتيمترات ثم قال لها برقة و عطف و هو ينظر لعينيها (( ألم تفرحي لأني حي يا رحاب؟! ألم يسعدكـ الخبر؟! أنا أعلم جيدا أنكـ تحبيني مثلما أحبكـ و لكن خوفكـ من جمال و غيرته عليكـ هو ما يمنعكـ من الإفصاح أليس كذلك؟؟ )) نظرت إلى عينيه بحزن شديد ثم وضعت يدها في خده و مررتها في وجهه لتتأكد من أنه حي أمامها رغم مكابرتها و قالت له (( أنا أعترف بك كأخ لي يا سليم لأن أمي قبل موتها أخبرتني عنك و أخبرتني أنها نادمة جداً لتركك و لكنها عندما رجعت إليك لم تجدك فظنت أن أباك قد أخذك و هو كذلك ظن أن أمي قد أخذتك و هكذا عاش كل منهما حياته الخاصة، هو رجع لزوجته السابقة أم حسام و خالد، و أمي أرجعها أبي و عندما تقابلا بعد عدة سنوات علما بالمصيبة التي كانا السبب في حصولها.. فبحثا عنك حتى علما كل شيء عن حياتك في إيطاليا و عندما رأياك سعيداً في ظل تلك العائلة الرائعة لم يريدا إفساد الأمر و باعتقادي هذه كانت أنانية منهما لأنه من حقك أن تعلم و تقرر الذي تريده لا أن يقررا هما حتى لا يفسدا حياتهما الجديدة.. للأسف يا سليم لقد ضحيا بك من أجل سعادتهما، أمي حتى لا يغضب أبي و نتشتت أنا و عاطف، و العم أحمد حتى لا تتركه ابنة عمه و يخسر من جديد حسام و خالد و معهما صبا أيضاً.. أمي يا سليم طلبت مني قبل موتها أن أبلغك اعتذارها عن كل ما سببته لك من ألم.. لقد كانت نادمة بشدة قبل موتها..ضميرها كان يؤنبها بشدة و كانت تتمنى رؤيتك.. أعرف أني تأخرت في نقل الاعتذار و لكني أرجوك من أجلي سامحها يا سليم، فهل تفعل؟؟ )) قال سليم و هو يقبل يدها (( نادني أخي )) همست له بدهشة (( ماذا؟! )) قال لها (( طلبت منكـ أن تنادني أخي، فهل هذا صعب عليكـ ؟! )) ابتسمت و هي تبكي بفرح ثم قالت و هي ترمي نفسها في صدره و تضمه بأقوى ما عندها (( أخــــي.. نعم أنت أخي يا سليم )) قال سليم و هو يبتسم براحة و رضا (( إذن أنا سامحت أمي و أبي أيضاً معها.. أعرف بأنهما أخطئا في حقي لكني بسببهما قابلت جمانة و عبد الوهاب، لذلك أنا ممتن لهما كثيراً.. أنا آسف جداً يا رحاب لأني رفعت يدي عليكـ و ضربتكـ في ما مضى.. أنها المرة الأولى في حياتي التي أمد فيها يدي على امرأة و لسوء حظي كنت أنت هذه المرأة يا أختي )) قالت له (( أنت لم تضربني و لكنك أيقظت ضميري الميت بداخلي لذلك شكراً لك يا أخي العزيز، و لكن أرجوك لا تدخل و تقابل جمال فهو متعب جداً و اليوم فقط استطاع الكلام.. لقد فقدنا كل شيء، و خسرنا شركته التي تعب في تأسيسها منذ خمسة عشر عاماً و بيتنا الجميل الذي عشنا فيه أجمل أيام حياتنا سنخليه بعد أسبوع و....... )) قاطعها سليم و هو يضع يده على فمها قائلاً (( لا تكملي يا أختي، فلقد أعاد أبي كل شيء لجمال و لم يأخذ منها شيئاً أبداً )) قالت رحاب بدهشة كبيرة (( مــــاذا؟! و هل من المعقول أن يعيد شخص كل هذه الأموال بهذه البساطة؟!! )) قال سليم (( نعم، فأبي لم يكن بحاجة لهذه الأموال و لكنه كان مقهوراً لأن الشخص الذي قام بقتل ابنه حر طليق و الشرطة لم تجد أي دليلاً ضده و لذلك فعل كل هذا لينتقم منه.. و الآن كل شيء تغير فلقد أعدت كل أموال جمال و هي الآن كلها باسمه و قمت بفكاك رهن البيت لذلك أريد أن أقابله )) قالت رحاب بضيق (( و هل يجب أن تخبره بذلك بنفسك؟! )) قال سليم (( لا أريد إخباره بشيء، الذي أريده فقط هو طلب مآثر منه.. أريد أن أتزوجها بأسرع ما يمكن فلقد مللت من الانتظار )) قالت رحاب (( و هل تعتقد بأنه سيوافق؟؟ )) قال سليم بثقة (( نعم فلقد مضى الشهر الذي حدده و هو كما أعلم رجل يفي بوعوده فاسمحي لي بالدخول )) قالت رحاب و هي تبتعد قليلاً عنه (( أنا آسفة يا سليم و لكني لا أستطيع السماح لك بالدخول.. أرجوك قدر موقفي )) و فجأة انفتح باب الغرفة المقابلة لهما فالتفتا إليها و كان جمال يقف هناك و هو يتكئ على عكازين فقال بهدوء (( دعيه يدخل يا رحاب )) قالت رحاب بفرح (( أنت تقف يا جمال )) رد جمال (( نعم أقف و لكن أجلي الفرحة لوقت آخر و اتركينا لوحدنا )) قالت رحاب لتتأكد مما سمعته (( لوحدك مع سليم؟! )) رد سليم (( و هل سآكله؟! اطمئني فأنا لست جائعاً الآن و إلا لكنت أكلتكـ قبله )) نظرت رحاب بغضب لسليم لأنه سخر منها ثم ذهبت عنهما، فابتسم سليم ثم التفت لجمال و قال له (( يبدو أنك أقوى مما كنت أتوقع يا سيد جمال )) قال جمال و هو ينظر إليه بتساؤل (( لماذا أرجعت الأموال يا سليم مع أن والدك كسبها بطريقة شرعية؟! )) قال سليم ببساطة (( تشريد أولادك و زوجتك لا يعتبر طريقة شرعية بالنسبة لي يا جمال )) قال جمال (( و هل تريدني أن أشكرك على ما فعلته؟؟ )) قال سليم (( لا.. لا أريدك أن تشكرني و لكني أريدك أن تتأسف مني )) نظر إليه جمال بدهشة و صدمة مما سمعه الآن و قال له باستنكار (( أنا جمال الدين الحسيني تريدني أن أتأسف منك أنت؟! لماذا؟؟! هل سرقت أموالك؟؟ )) قال سليم و قد قرر في هذه اللحظة أن يتوصل لحل كل الخلافات بينهما (( لا، و لكنك حاولت سلب روحي أكثر من مرة لولا أن نجاني الله منك و أيضاً تكلمت عن أمي و هذا هو السبب الرئيسي لكل مشاكلنا و لنكن متعادلين فأنا صرخت بوجهك و تكلمت بسوء عن زوجتك رحاب و قلت بأني سأتزوج مآثر برضاك أو بدونه و هذا كله كان خطأ مني فلم يكن لي الحق في كل ما قلته و أنا أقسم أني لم أكن أقصد أي كلمة مما قلته فقد كنت غاضباً جداً منك و لذلك تفوهت بتلك الكلمات السيئة )) ثم قال و هو يحني رأسه باحترام (( أنا آسف يا سيد جمال و أرجو أن تسامحني على كل ما قلته )) نظر إليه جما طويلاً و هو متعجب مما فعله أمامه الآن ثم قال له بحيرة (( من أنــــت؟!!! كيف تستطيع فعل كل هذا؟ و لا تقل لي أنا سليم عبد الوهاب، فأنا أعرف أن أسمك سليم و لكنك شخص نادر لا وجود لمثله في زمننا.. أخبرني كيف استطعت إقناع إخوتك بحبك؟! كيف استطعت أن تبين للجميع أنهم هم المخطئون و أنت الذي على حق؟! و الأهم كيف تتأسف مني بعدما أهنتك و حاولت قتلك؟!! لقد استطعت بأفعالك كسر كبريائي و غطرستي يا سليم لذا أرجو أن تسامحني على كل كلمة سيئة نطقتها بحق أمك، فالأم التي قامت بتربيتك لا تستحق إلا كل احترام و تقدير )) قال سليم (( الآن أستطيع طلب الزواج من مآثر فهل تقبل أن تزوجني إياها؟؟ )) قال جمال (( بالطبع أقبل و لقد أرسلت رجالي ليأتوا بها و لكن عندي شرط واحد )) قال سليم بفرح لا مثيل له (( ما هو هذا الشرط.. أطلب و تمنى )) قال جمال (( الخاتم )) ردد سليم وراءه بحيرة (( الخاتم؟! )) قال جمال (( نعم.. الخاتم الذي تكلمت عنه في الصحف.. أريدك أن تهديها نفس الخاتم و بنفس القيمة فماذا قلت؟؟ )) قال سليم و هو يضحك (( طبعاً موافق )) قال جمال (( و هناك شرط آخر أهم من هذا و يجب أن تحققه )) قال سليم (( و ما هو هذا الشرط المهم؟؟ )) قال جمال (( خذ ابنتها معها فهي لن تقبل أن تعيش بعيداً عنها و أجعلها تعيش حياة سعيدة معك فهي تستحق هذا بعد كل الذي عانته فيما سبق و الأهم من كل ذلك إياك و مناداتي عمي فعندها سأعاود محاولاتي لقتلك هل فهمت؟ و الآن هيا أنصرف و اتركني حتى أرتاح فلقد أرهقتني )) قال سليم (( حسناً، و لكن ماذا عن زوجها السابق؟ أعني والد ابنتها، ألن يطالب بابنته؟؟ )) قال جمال و هو يجلس على أحد الكراسي (( ذلك المعتوه دخل السجن و لن يخرج منه أبداً، لأنه تزوج من امرأة غنية و قتلها طمعاً في أموالها فأمسكت به الشرطة و هو الآن في السجن و قد أخذ حكماً مؤبداً بالسجن مدى الحياة، لذلك لا خوف منه أبداً )) قال سليم (( إذن إلى اللقاء و سآتي لمقابلتك أنا و أبي عندما تعود مآثر )) و ذهب سليم متوجهاً إلى الخارج فناداه جمال قبل أن يبتعد، فالتفت سليم إليه متسائلاً فقال جمال و هو يبتسم لأول مرة منذ أن رآه سليم (( شكراً على كل ما فعلته )) أومأ سليم له برأسه ثم ذهب عنه........
الجــــــــ 51 ـــــــزء:
عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل عاد سليم إلى البيت و عندما فتح الباب دخل بهدوء شديد حتى لا يسمعه أحد و لكن كان هناك شخص يشاهد التلفاز لم يميز ملامحه لأن كل الأنوار مطفئة ما عدا ضوء صغير بجانب التلفاز، فقال سليم في نفسه (( أرجو أن لا يكون أحد الثلاثة، أمي أو أبي أو صوفيا.. أتمنى أن يكون أمجد )) ثم خلع حذاءه و استمر في المشي بهدوء و لكن ذلك الشخص التفت إليه و رآه و قال له (( إلى أين يا سليم؟! ألا تريد أن تسلم علي؟ )) التفت سليم إليه ثم قال (( من؟ وحيد؟! ما الذي أتى بك إلى هنا؟ و كيف سمحوا لك بترك عملك هناك؟ )) تقدم وحيد و سلم على أخوه بكل ود و اشتياق ثم قال له (( كيف حالك أيها العاشق؟ لقد اشتقت لك كثيرا.. هل شفيت من كل إصاباتك أم ما زالت أمنا تدللك؟ )) قال سليم بضجر (( لا تتكلم الآن مثل أمجد و هيا أخبرني كيف جئت إلى هنا لأنه على حد علمي أنك شريك مع يعقوب في تجارته و أنا أعرف جيدا أنه لا يرحم من يتخلف عن عمله و نادراً ما يعطي الإجازات لأحد فماذا فعلت به حتى سمح لك بالمجيء؟؟ )) ابتسم وحيد و قال له بعد أن جلسا (( يعقوب هنا معي هو و زوجته و أولاده و أيضا قاسم هنا مع زوجته و ولده الصغير و زوجتي و نور البيت ابنتاي هنا )) قال سليم بحماس (( رائع، و هل هناك حفلة ما؟ فنحن لم نجتمع هكذا منذ أن تركت أنا إيطاليا )) ضحك وحيد ثم قال (( يبدو أن المسئوليات التي ستلقى على كاهلك قد أثقلتك قبل أن تصل إليك.. إنه مجرد زواج فلماذا أنت خائف هكذا؟ )) قال سليم و هو يمسح رأسه (( كيف علمت بأمر زواجي؟؟ اليوم فقط وافق ولي أمرها على أن يزوجني بها، فكيف عرفت؟! )) قال وحيد (( علامات الفرح على وجهك تفضحك، و لكن كيف وافق ولي أمرها على زواجك بها اليوم و هو الذي كان يلح عليك حتى تتزوجها منذ سنوات؟!! )) قال سليم و هو يتمدد في الكرسي براحة (( اليوم ذهبت لمقابلته و.... )) ثم قطع كلامه و وقف و قال بعصبية (( من هي العروس التي تعتقد بأني سأتزوجها يا سيد وحيد؟! )) وقف وحيد مواجها له و قال بهدوء (( و هل يوجد هنا غير صوفيا لكي تتزوجها يا سيد سليم؟؟ )) قال سليم و هو يصرخ و يشد شعره بقهر (( آآآآه.. إن لم يفلح جمال بقتلي في السابق فلن يقتلني سوى صوفيا.. أنا لم أكن أقصدها أيها الغبي و لم أكد أقصد بولي الأمر أمي )) قال وحيد (( اخفض صوتك أيها المجنون حتى لا توقظ أبي و يحصل لك ما لا تحمد عقباه لأنها الساعة الواحدة بعد منتصف الليل و أنت على حد علمي خرجت منذ الصباح الباكر و لم تعد إلا الآن.. أمي هي التي أخبرتنا بأنك أخيرا وافقت على الزواج من صوفيا و عندما كلمت أمجد في الهاتف أكد كلامها و أبي أيضا أكد ذلك و عندما وصلنا في وقت العصر أمي أخبرتنا بأن العرس سيقام بعد عدة أسابيع و أيضا منذ ثلاث ساعات دخلت لغرفتك لأخرج بناتي و أمنعهن من اللعب فيها و عندها بكل فضول رأيت ملابسك الجديدة و أظن أن أحدها بدلة للعرس و هي كما تبدو غالية الثمن، فإن لم تكن تريد الزواج فبماذا تفسر وجود تلك الملابس الجديدة؟؟ )) ركل سليم بغضب أحد الكراسي أمامه فآلمته قدمه و لكنه كتم صرخته حتى لا يوقظ أباه أو أمه ثم قال و هو يتحسس قدمه بألم (( آخ يا قدمي، إن هذا مؤلم بشدة.. لقد فعلاها أبي و أمجد الوغد، أنا سأريهما.. أنهما أمامي معي و من ورائي يقفان مع أمي.. أنا أريد أن أتزوج اليوم قبل الغد يا أخي العزيز، و التي أريدها زوجة لي مسافرة و عندما تعود سوف نتمم كل شيء و هي بكل تأكيد ليست تلك المدعوة صوفيا... فصوفيا هذه آخر من أفكر بالزواج بها، ألم ترى شعرها الغريب و قد صبغته باللون الأحمر الفاتح؟! ألم ترى شكله و قد ثبتته بشكل غريب بحيث أنه لو مرت بها ريحا عاصفة فلن تتحرك منها شعرة واحدة!! و أيضا وجهها الذي صبغته بكل ألوان الطيف.. إنها صناعية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى فكيف تريدني أن تزوجها؟؟! )) قال وحيد و قد رأف لحال أخيه (( توقف عن هذا، ستتسبب في كسر قدمك و عندها لن يفيدك غضبك.. أمي من تريدك أن تتزوجها وليس أنا، و لكن من هي التي تريد الزواج منها؟ )) قال سليم و هو يتنهد بملل و ضجر من حاله التي لم تستقر حتى الآن (( من أريد الزواج منها امرأة طبيعة لا تفعل مثل صوفيا أبدا، هي الوحيدة التي استطاعت كسر قفل قلبي الذي لم يهتم بامرأة من قبل، إنها أجمل من رأته عيناي من النساء بالنسبة لي و أسمها مآثر )) قال وحيد مازحا و هو يضع يده على كتف سليم (( يبدو أنها اكتشفت فيك موهبة جديدة يا أخي، فأنا أرى قصائد الغزل تنهمر من شفتيك منذ أن بدأت الكلام عنها )) قال سليم برجاء و هو يمسك بيدي وحيد (( دعك من هذا يا وحيد، يجب أن تساعدني حتى أقنع أمي لأني إن لم أتزوج مآثر فلن أتزوج سواها )) أبعد وحيد يديه ثم قال و هو يمسح على رأسه بتوتر (( لا أحد يستطيع الوقوف في وجه أمي وأنت أدرى الناس بذلك، إن عجزت أنت يا من تفضله علينا جميعاً في إقناعها فكيف سننجح نحن بذلك؟؟ )) ثم ابتسم و أكمل بحماس (( عندي فكرة جيدة سوف تساعدك بالتأكيد )) قال سليم (( و ما هي هذه الفكرة أيها العبقري؟؟ )) قال وحيد و هو يكتم ضحكاته و يحرك يديه بطريقة مسرحية ثم يصعد على طاولة صغيرة كانت موجودة أمامهم (( إصلاح صوفيا... اذهب بها إلى أحدى مراكز تصفيف الشعر و اجعلها تزيل الصبغة الحمراء عن شعرها ثم اطلب منها أن تجعله ناعما و منسدلا بدلا من إعطائه الحرية في الطيران.. و من ثم أخبرها أنك لا تحب أن تلون امرأتك وجهها بالألوان و لأنها تحبك سوف تطيعك و بذلك تصبح امرأة طبيعية مثل مآثر التي تريدها ثم تزوجها و أرضي أمي لأنك و بكل بساطة لن تجد من يقف معك من أهل البيت و قصة موافقة أمي على زواجك من مآثر نادرة إن لم تكن مستحيلة.. و الآن تصبح على خير أنا ذاهب للنوم )) و نزل عن الطاولة، فقال سليم (( شكرا على النصيحة و على السخرية مني و لكن عندما تقع في مشكلة مع أمي بسبب عدم إنجاب زوجتك للأولاد فلا تطلب مني التدخل ثانية هل فهمت؟؟ )) ضحك وحيد و ذهب عنه ثم بعد قليل ذهب سليم أيضا للنوم لأنه كان متعبا جدا..
الجــــــــ 52 ـــــــزء:
و في صباح اليوم التالي كان سليم يجفف شعره في غرفته بعد أن استحم و فجأة سقط للخلف فوق سريره بعد هجوم ساحق من بنات وحيد، فضحك بقوة ثم قال بفرح و هو يضمهما لصدره (( مرحبا بشمس البيت و قمره.. أين كنتما؟ لما أركما منذ أن وصلتم )) قالت لارا بزعل و هي تعقد حاجبيها و تمد شفتيها للأمام -عمرها 4 سنوات- (( أنت لا تحبنا يا عمي، أنا غاضبة منك )) طبع سليم قبلة قوية على خدها الأحمر ثم حملها و قال لها و هو يعقد حاجبيه و يقلدها (( لماذا يا عيون عمك ما الذي فعلته حتى أكون السبب في إغضاب أحب الناس إلى قلبي؟! )) شدت سارا قميصه و مدت يديها له حتى يحملها مثل أختها -عمرها 7 سنوات- و عندما حملها قالت له (( عمي أمجد يقول بأنك لا تحبنا لأنك لم تسأل عنا )) أكملت لارا بهلع و هي تبكي ثم تمسك وجه سليم بيديها الصغيرتين و تجعله ينظر لها (( و قال بأنك قتلت لولو.. هل هذا صحيح يا عمي؟! )) قالت سارا و هي تبكي مثلها ثم تجعله يصد بوجهه لها (( أين لولو يا عمي؟! لقد وعدتنا أن تعتني بها )) أنزلهما سليم و هو يشتم أمجد في نفسه، ثم مسح دموعهما و جلس في الأرض و أجلسهما في حضنه و قال بحنان و عطف و هو يمسح بيديه على شعرهما الناعم (( توقفا عن البكاء، لا أستطيع أن أرى هذه اللآليء تنزل من عيناكما بسببي، أمجد شرير و لقد وعدتماني أن لا تصدقاه أبدا، أنا أحبكما و بالأمس كنت مشغولاً و عدت للبيت في وقت متأخر و عندما ذهبت لأراكما وجدتكما نائمتين )) ثم أوقفهما أمامه و قال و هو ينظر لعيناهما (( لولو كانت مريضة و لقد ماتت و استراحت حتى لا تتألم، هل تريدان لها أن تتألم؟ )) توقفا عن البكاء و هزا رأسيهما بنفي دون أن يتكلما، فاستغل سليم ذلك و صد بوجهه عنهما و قال (( أنا غاضب منكما و لن أتكلم معكما مرة أخرى.. كيف تصدقان أمجد؟! أين ذهب وعدكما لي؟ )) اقتربا منه بسرعة و أخذا يقبلانه في كل وجهه و يطلبان السماح، فقال و هو يضحك بعد أن كاد يختنق منهما (( حسناً حسنـــــاً توقفا.. لقد استحممت منذ قليل و أنتما ملأتما وجهي باللعاب، لقد سامحتكما و لكن لا تكرراها و اذهبا الآن لتنتقما من أمجد الكذاب )) قالت سارا (( و لكن البيت ممل من دون وجود قطة فيه )) قال سليم و هو يقرص خدها (( و من يريد قطة و أنتما أجمل قطتين أمامه؟! )) قالت لارا ببراءة (( نحن نريد يا عمي )) قال سليم و هو يبتسم لبراءتها (( أعدكما أن أشتري لكما أجمل قطة أجدها في محل الحيوانات )) أخذا يقفزان بفرح و يصرخان بقوة فدخل وحيد و قال (( أنتما هنا أيتها الشقيتان.. هيا للاستحمام لأن اليوم موعد طبيب الأسنان و كفا عن الصراخ حتى لا تسمعكما أمي و تغضب )) قالت لارا (( في البداية سنذهب لأمجد حتى نضربه )) قال وحيد بغضب (( عيب يا لارا.. أمجد عمكـ و يجب أن تحترميه )) قالت سارا (( إنه شرير و كذاب و يجب أن ننتقم منه )) تقدم وحيد و أمسك يداهما بحزم ثم قال (( هيا أمامي الآن.. لا أريد أن أسمع هذا الكلام و إلا تعرضتما للعقاب الشديد )) قال له سليم (( لا تصرخ بوجههما هكذا، هما لم تخطئا، أمجد كذاب و شرير فاتركهما حتى يأخذا حقهما منه )) قال وحيد (( كان يجب أن أعلم أنك أنت من يعلمهما هذه الألفاظ.. أمجد عمهما مثلك و يجب أن يحترماه مهما فعل )) تجاهله سليم و أشار بعينيه للفتاتين، فأمسكت كل واحدة منهما بيد والدها وعضتاه بقوة فصرخ و تركهما، فهربتا بسرعة عنه متوجهتان لغرفة أمجد، فالتفت وحيد لسليم و قال له (( آآآآخ إن هذا مؤلم.. كيف تجرؤ على جعلهما يفعلان هذا بي.. أنا والدهما و المفروض أن تسمعا كلامي في كل وقت )) قال سليم و هو يضحك (( هذان الوردتان هما حياة البيت و المفروض أن لا تصرخ بوجههما هكذا.. ثم يجب أن تفرح لأني علمتهما أن تأخذا حقهما بيدهما )) قال وحيد (( و لكنك ستتسبب بالضرب لهما لأن أمجد لن يتركهما بدون عقاب بعد أن يفسدا نومه و أنت تعرفه )) قال سليم بثقة (( لا تخف عليهما.. إنهما ذكيتان و تعرفان الخطة البديلة جيداً )) نظر إليه وحيد حتى يفسر له، فأشار سليم لأذنه و عندها سمعا أمهم جمانة و هي تنهر أمجد بشدة، فضحك سليم ثم قال (( هل رأيت؟! بعد الانتقام توجها لحضن أمي و أنت تعرف كم تحبهما لأن كل أحفادها أولاد ما عداهما.. و الآن أمجد تلقى الضرب منهما و الصراخ من أمي.. إنه يستحق حتى لا يجرؤ على تحدي سليم الوسيم مرة أخرى.. هيا أخرج من هنا أريد أن أبدل ملابسي حتى أذهب لعملي )) قال وحيد (( حسناً يا مغرور، يمكنك تعلم بناتي كل ما تريد و لكن أبعدهما عن غرورك يا واثق )) قال سليم (( أنت تتمنى أن يصلا لنصف غروري و لكنهما لن يستطيعا بما أنك أنت والدهما )) ابتسم وحيد و ذهب لبناته و أقفل سليم الباب وراءه.... و بعد نصف ساعة كان سليم يضع الجل في شعره ثم يمشطه للوراء، ثم قال (( لقد طلا شعري كثيراً، يجب أن أقصره قبل يوم الزفاف )) فدخل عليه أبوه بعد أن قرع الباب ثم قال له (( أين كنت بالأمس؟! لقد انتظرتك حتى منتصف الليل.. أخبرني الآن متى رجعت؟؟ )) قال سليم و هو يبتسم بعذوبة (( صباح الخير يا أبي.. كم الساعة الآن؟ )) رد عبد الوهاب (( أعاتبك فترد علي بصباح الخير و كم الساعة!! )) قال سليم (( رجعت عند الساعة الواحدة و لقد ذهبت لأشرف على أعمالي المتوقفة بعد رحيل أكرم، و أيضاً قابلت جمال و خطبت مآثر منه و وافق و وعدني بالزواج منها عندما ترجع )) قال عبد الوهاب (( آه لهذا أطلقت الابتسامات العذبة و لم تحاول التهرب من الإجابة على سؤالي كعادتك.. إذن لقد وافق جمال، و لكن أمك العنيدة غير موافقة و ما زالت مصرة على ريحانة القلب صوفيا )) قال سليم (( ألم تعداني أنت و أمجد بالوقوف معي ضدها؟؟ )) قال عبد الوهاب بسرعة (( طبعـــاً و سننفذ وعدنا )) فنظر إليه سليم نظرة شك طويلة، فقال (( أوه، حسناً يبدو أن وحيد أخبرك بكل شيء.. إن أمك قوية و لا يستطيع أحد الوقوف ضدها عندما تغضب، لذلك عندما تقنعها أنت سنقف بجانبك أنا و أمجد )) قال سليم (( و ما فائدتكما في ذلك الحين؟! )) قال عبد الوهاب و هو يرفع كتفيه (( لا أعرف، و لكن أمك تستحم الآن و إذا أردت الهروب منها إلى الخارج فأسرع قبل أن تراك لأنها تريدك أن توصلها هي و صوفيا إلى السوق )) قال سليم (( أنا أريد الذهاب إلى الشركة و لا وقت عندي للذهاب إلى السوق )) دخل يعقوب و قاسم إلى غرفة سليم و سلما عليه بحرارة فقال لهما سليم (( قبل أن تباركا و تفعلا مثل ذلك المحتال وحيد أريد أن أسألكما سؤالاً واحداً و أرجو الإجابة عليه بكل صدق )) قال يعقوب (( اسأل كما تريد يا عريس )) تأفف سليم ثم قال (( لماذا لم يتزوج أحد منكم أنتم الثلاثة من صوفيا؟! لماذا أنا و أنتم أكبر مني؟؟ إنها جميلة فكيف سمحتم بأن تضيع من أيديكم يا بلهاء؟! )) نظر يعقوب و قاسم إلى بعضهما ثم قالا في نفس الوقت (( و هل نحن مجنونان في اعتقادك؟! )) قال سليم بيأس (( لا، أنا المجنون لذلك اختارتها أمي لي )) قال قاسم مواسياً له (( أنت الأجمل في نظر والدتنا و بنفسك قلت للتو أن صوفيا جميلة، لذلك الجميل للجميلة و أتمنى لكما التوفيق معاً )) ثم انفجر الجميع بالضحك فقال سليم لأخويه بقهر و غضب (( اضحكا كما شئتما و سواء قمتم بمساعدتي أم لا فأنا لن أتورط و أتزوج من امرأة لا أطيقها )) ثم أخذ حقيبة أوراقه من الطاولة و قال (( أنا ذاهب من هنا، و كل يوم سأخرج منذ الصباح و لن أرجع قبل الساعة الواحدة بعد منتصف الليل حتى تقتنع أمي )) قال له يعقوب و هو ما زال يضحك (( هذا لن يفيد مع أمي و كلنا سنقف معها )) قال سليم و هو يخرج عنهم (( لا أريد سماع صوت أي واحد منكم أيها الخائنون فكثيراً ما كنت أساعدكم يا ناكري الجميل )).... و عندما نزل إلى الطابق السفلي رأى أمجد يتوجه إلى المطبخ فقال له (( أمجد لو سمحت أحضر لي بعض القهوة )) نظر أليه أمجد و هو يعلم جيداً أن إزعاج الفتيات له كان بسبب سليم و لذلك أراد أن يتجاهله، و لكن عندما رأى صوفيا جالسة في المطبخ ارتسمت على شفتيه ابتسامة خبيثة و قال لسليم (( من عيناي الاثنتان يا أخي الحبيب.. سآتي لك بالقهوة بسرعة )) قال سليم بعد أن جلس (( الأفضل أن تأتي بها من المطبخ يا خائن بدلاً من أن تسممني بعيونك )) دخل أمجد إلى المطبخ ثم قال في نفسه (( دائما أخبره أني لا أعمل عنده و لكنه لا يقتنع و لا ذنب لي فيما سيحصل.. يبدو أنه علم بما حصل و لهذا ينعتني بالخائن.. لذلك يجب أن أثبت له أني خائن فعلاً )) ثم صب أمجد بعض القهوة في كوب و توجه إلي صوفيا و قال لها (( انهضي يا ابنة الخالة.. هناك مهمة جديدة موجهة لكـ من خالتكـ جمانة التي تأمركـ بمحاصرة العدو و إلقاء الشباك حوله و عليه )) قالت صوفيا برجاء (( تكلم يا أمجد بلغة أفهمها.. ما الذي تريده مني خالتي؟! )) قال أمجد بإعجاب (( يعجبني إتقانكـ السريع للغة العربية )) قالت صوفيا بدلال (( لقد أتقنتها لأن سليم يحب التحدث بالعربية أكثر من الإيطالية )) قال أمجد (( و يعجبني أيضا هذا الدلال، و لكن أظهريه أمام سليم بصورة مكثفة حتى يقبل عليكـ بدلاً من تفكيره في سواكـ.. اسمعي، خالتكـ تقول اذهبي و احملي كوب القهوة هذا إلى سليم و تحدثي معه في عدة مواضيع و قولي له بأنكـ أنت من صنع هذه القهوة لأن أخي يحب المرأة التي تعرف كيف تطهو )) قالت صوفيا بصراحة (( و لكني لا أعرف شيئا عن الطهو )) قال أمجد (( ألم تدللكـ نفس المرأة التي دللت سليم؟! فهو أيضا لا يعرف شيئا عن الطهو.. أنا سأتكفل بتعليمكـ فيما بعد.. المهم الآن أن توقعيه في شباككـ بحيث لا يفكر في سواكـ.. هيا اذهبي، و إن شئت امسكيه من يده حتى لا يفلت منكـ.. هيا إنه ينتظر القهوة، و أحملي له أيضا الجريدة لأنه يحب قراءة الجرائد في الصباح، و إياكـ أن يبتعد عن ناظركـ.. و الأهم من كل شيء إياكـ ثم إياكـ أن يعرف بأني أنا من قمت بإرسالكـ إليه فعندها لن تجدي من سيعلمكـ الطبخ لأنه سيُقتل )) قالت صوفيا (( أنت لم ترسلني، إنها فكرة خالتي )) قال أمجد (( طبعا هي فكرة خالتكـ، و لكن أنا مرسالها، لذلك لا تأتي بذكر أسم أي رجل سواه فهو شديد الغيرة، و أيضا لا تقولي أن أمي أرسلتكـ.. دعيه يظن أنكـ جئت إليه لوحدكـ حتى يفتتن بذكائكـ بما أن جمالكـ منعدم مع هذه الإضافات الصناعية الرهيبة على وجهكـ )) قالت له و هي تصفق بفرح (( أنا أحب الرجل الغيور بشدة )) قال أمجد و هو يتصنع الجدية (( و أنا أيضاً، و لكن يجب عليكـ الإكثار من الخجل لأنه يحبه و أقرصي وجهكـ جيداً حتى يتبين الخجل على خدودكـ.. هيا اذهبي قبل أن تبرد القهوة ))....
الجــــــــ 53 ـــــــزء:
ذهبت صوفيا إلى سليم كما أمرها أمجد.. و عندما وصلت إليه ناولته القهوة فتناولها و هو شارد الذهن و عندما انتبه لها قال (( آ.. شكراً يا ابنة خالتي و لكن أين أمجد اللئيم فهذا العمل لا يقوم به إلا هو و أنا قاتله لا محالة )) جلست بجانبه و هي تبتسم بدلال و خجل ثم قالت له (( ما رأيك يا ابن خالتي بالمرأة الخجولة؟ هل تحبها؟ )) قال سليم وهو يبتسم بحنق (( ومن لا يفعل يا ابنة خالتي فأبي لم يتزوج خالتكـ إلا لكونها خجولة )) ضحكت صوفيا بصوت منخفض ثم أخذت تقرص وجهها مثلما قال لها أمجد و هي تقترب من سليم حتى أصبحت ملاصقه له و هو ينظر لها بدهشة ثم نهض عنها و قال لها باستغراب (( ماذا تفعلين أيتها المجنونة؟! لماذا تقرصين وجهك بهذه الطريقة؟! ألا يكفيه ما عليه من أصباغ حمراء حتى تزيدي عليه و تقرصيه؟ )) قالت له (( ألم تقل أنك تحب المرأة الخجولة؟ و المرأة لا يظهر خجلها إلا إذا احمرت و جنتاها )) قال سليم و قد وصل لأقصى حالات اليأس بسببها (( بالله عليك أخبريني لماذا أنا؟! لماذا تريدين الزواج بي أنا؟! أمجد من نفس عمرك لماذا لا تتزوجيه هو؟ )) نهضت و وقفت بجانبه ثم قالت (( لأنك أوسم من أمجد وعملك ناجح و خالتي تحبك جداً و أنا أيضاً أحبك فماذا أريد أكثر من ذلك؟! )) قال سليم (( أنت لا تحبيني بل أمي التي أجبرتكـ على ذلك.. اسمعي يجب أن لا تنصتي لها.. أمجد يحبكـ و لا يريد الزواج من غيركـ و لذلك يجب أن لا تضيعيه من يديكـ )) قالت له و هي تمسك يده (( و لكني أحبك أنت، و أنت أيضا تحبني لقد أخبرتني خالتي بكل الكلام اللطيف و الرقيق الذي كنت تبعثه لي معها، إنك أرق
و أحن من قابلت يا سليم لذلك أنا موافقة أن نتزوج الأسبوع المقبل فماذا قلت يا عزيزي؟ )) أبعد سليم يده عنها بقوة ثم ذهب إلى المطبخ و عندما رأى أمجد هناك أمسكه من قميصه و شده بقوة إليه و قال له بغضب (( أيها الخائن تعدني بمساعدتي ثم تنقلب ضدي.. سأريك الآن ما سأفعل بك )) قال أمجد و هو يكاد يختنق (( أرجوك يا سليم اتركني أنا لا دخل لي هي من طلب النصيحة و أنا أعطيتها ثم ألم تتذوق تلك القهوة التي صنعتها إن مآثر لا تستطيع أن تصنع مثلها )) ضم سليم قبضته اليسرى و ضربه بشدة على بطنه فصرخ أمجد من الألم بقوة و دخل عبد الوهاب و خلصه من يديَ سليم ثم قال لسليم (( ماذا بك أيها المجنون؟ أتريد قتل أخاك؟ )) قال سليم (( إنه يستحق هذا و هو يعلم )) التفت عبد الوهاب إلى أمجد الذي كان ممداً على الأرض و هو يتألم و قال له (( ما الذي فعلته هذه المرة يا أمجد؟! )) قال أمجد (( أمعائي تتقطع يا أبي لقد ضربني هذا المتوحش بقوة.. لم أفعل شيئاً سوى أنني حققت أمنية أمي و دبرت لقاء بينه و بين صوفيا و هو حاول إقناعها بالابتعاد عنه و عندما رفضت و بدلاً من أن يضربها صب غضبه علي وضربني.. خذني يا أبي إلى المستشفى قبل أن أموت و أنت يا سليم سأرفع ضدك قضيه اعتداء و سأطالب بتعويض كبير على ما أصابني من ضرر و.... )) قطع كلامه عندما رأى سليم و قد أراد ركله في بطنه مجدداً و لكن أباه أمسكه و قال له (( اهدأ يا سليم و دعه و شأنه، أنا سأتصرف معه فيما بعد و الآن اذهب لعملك )) قال سليم (( سأذهب و لكن عندما ارجع بيدي هاتين سوف أقتلع أمعائك يا أمجد و سترى )) قال أمجد (( لا تنسى أنني شرطي و تهجمك على شرطي يعني وقوعك في السجن )) قال عبد الوهاب بحزم (( اخرس يا أمجد و أدخل لسانك إلى فمك و أغلقه و إلا سوف أخرج من المطبخ و أغلق الباب عليك و هو معك، آه من لسانك السليط ما أطوله! و أنت يا سليم ألم يعدك جمال بتزويجك من مآثر؟؟ لماذا تغضب من تفاهات أخيك مادمت متأكد من أنك ستتزوجها؟؟ )) قال سليم بضيق (( ألا ترى أمي و أفعالها؟ لقد جعلت يعقوب و وحيد و قاسم يأتون مع عائلاتهم من إيطاليا بحجة أنها ستقيم زفافي على صوفيا الأسبوع القادم و الأدهى من ذلك إنها تذهب كل يوم إلى السوق مع صوفيا حتى تجهزها، و مآثر تأخرت كثيراً و لا أعرف متى سترجع.. و هذه الصوفيا التي تجلس بالصالة و هي مقنعة كليا أن لا زوج لها سواي، ماذا أفعل بها و هذا الأمجد الذي يشجعها بدلاً من أن يبعدها مثلما اتفقنا.. كل هذا و لا تريدني أن أقلق )) قال عبد الوهاب بعطف (( لا تقلق قم بمجاراة أمك ليومين و أنا بنفسي سأذهب لجمال الحسيني و أخبره أن يعجل زواجك و بذلك تتزوج الأسبوع المقبل و تجعل والدتك أمام الأمر الواقع.. سأساعدك أن تتزوجها و بدون وجود أمك فأنت بالغ و لا تحتاج لأحد حتى تعرف طريق مستقبلك )) قال سليم (( أحقا ستساعدني و تقف معي يا أبي؟! )) قال عبد الوهاب (( طبعاً يا عزيزي و أكيد أن أمك ستتقبل زواجك من مآثر في النهاية ثق بي و أنا الآن خارج لإبعاد صوفيا عنك حتى تذهب لعملك )) و قف أمجد و هو يصفق لهما ثم قال (( الذي لا تعرفاه أن هناك ثلاثة أمور ضدكما وضد خططكما: أولاً، جمانة ليست سهلة حتى تخدعاها.. و ثانياً، صوفيا الرائعة أرتني بالأمس فستان عرسها الذي اشترته لها أمي و كان فستانا رائعاً جدا و جميلاً يليق بزوجة التاجر العالمي المشهور سليم عبد الوهاب و أخبرتني سراً صغيراً و هو أن أمي ستزوجك يا سيد سليم هذا الأسبوع أي هذا الخميس و اليوم هو الأحد فاحسب أنت كم يوم تبقى لك و هذا طبعا سرٌ لا يجب لي أن أخبركما به.. و ثالثاً و هو الأهم، لقد قمت بضربي يا سليم و نعتني بالخائن و بذلك جرحتني معنوياً و جسدياً و أنا سمعت كل ما تخططان له لذلك و بكل بساطة أنا ذاهب للقضاء عليك يا عبد الوهاب.. سأخبر أمي بكل خططك مع ابنك الأشقر المدلل و سأجعل أمي تقدم يوم العرس و تجعله يوم الاثنين بدلاً من الخميس إلى اللقاء )) و عندما أراد الخروج أقفل سليم عليه الباب قبل أن يخرج و أخذ سليم ينظر إلى أباه و كانت فكرة واحدة تسيطر عليهما في ذلك الوقت فقال أمجد (( ماذا تفعل لن تستطيع منعي من الخروج و لن أقبل منك أي اعتذارات )) قال سليم و هو يبتسم بخبث و نظرة شر تطل من عينيه (( و من تكلم عن الاعتذار يا أمجد.. أتعرف ما هذا؟! )) نظر إليه أمجد و هو يحمل مقلاة بين يديه فقال بخوف (( نعم إنها مقلاة و لكن لن تضربني بها أليس كذلك؟! إن فعلت ستكسر عظامي و أنا أخوك الحبيب أمجد )) قال سليم (( في هذه اللحظة بالذات لن يسعدني شيء في الدنيا أكثر من تحطيم عظامك.. ألن تساعدني يا أبي )) قال عبد الوهاب (( هذا هو نفس الشعور الذي أحس به الآن هيا لنبدأ )) صرخ أمجد و قال (( ابتعدا عني لن أخبر أحداً بما دار بينكما.. لم اسمع شيئاً.. ساعدوني النجدة!! إنهما يقتلاني )) وضع سليم يده على فم أمجد و تعاون عليه هو و عبد الوهاب و بذلك شفي غليلهما من أمجد الذي يحب التدخل فيما لا يعنيه و لقناه درساً جيداً و مؤلماً حتى لا يحاول إفساد أمور الآخرين و حتى لا يخلف و عده مهما حصل...
|