لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-12-10, 07:23 PM   المشاركة رقم: 21
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2010
العضوية: 203983
المشاركات: 22
الجنس ذكر
معدل التقييم: الغالي المزيون عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدOman
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الغالي المزيون غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الغالي المزيون المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي

 

الجــــــــ 33 ـــــــزء:

عاد سليم إلى الخيمة و هو يكاد يطير من الفرح بعدما رأى مآثر فجلس بجانب يزن و أمسكه بشدة من كتفيه و هزه بقوة قائلاً في فرحة غامرة (( لقد رأيتهـــا يا يزن.. لقد كلمتني و لم تكن تعرف إني سليم.. آآآآه يا يزن ليتك رأيتها معي إنها أجمل و أرق من رأيت في حياتي.. في البداية لم تكن تعرف سوى أن الجالس أمامها هو عزيز لذلك قامت بشتمي بشدة )) قال له يزن بعد أن خاف منه (( أكرم هناك أنا يزن، اتركني يا أحمق و اذهب إليه فأنا لا دخل لي بمجنون مثلك.. هل أفرحك كثيراً أنها شتمتك؟! إذن تزوجها حتى تتطور من الشتم إلى الضرب و عندها أحتفل و أطلق الزغاريد مثل النساء )) ثم أزاح يد سليم من على كتفيه و زحف عنه محاولاً الهروب و لكن سليم أمسكه من قدميه و أرجعه إلى وضعيته الأولى و قال له (( يجب أن تساعدني حتى أكلمها يا يزن، فأنت صديقي و ليس لي بعد -الله تعالى- و أكرم هنا إلا أنت، فماذا قلت؟ )) رد يزن بغيض و قهر (( قلت أبعد يديك عني.. أنا بالنسبة لك فقط بديل عن أكرم.. الآن تطلب مساعدتي بعد أن قمت بضربي!! أنظر لفكي و عيني، لقد آذيتني و أيضاً ضربك ما زال يؤلمني إلى الآن و إن ساعدتك بعد كل الذي حدث فسوف أتألم أكثر لأني أريد الانتقام منك و ليس المساعدة )) قال له سليم بتردد و هو يتركه (( طبعاً أنت تعلم بأني أريد الاعتذار منك و لكن.... )) قال يزن و هو يحرك يده بلا مبالاة (( أعلم.. أعلم.. غرورك و كبريائك يمنعانك... لا بأس لقد سامحتك.. و لكن كيف تريد أن تكلمها؟؟ ألم تقل بأنها شتمتك معتقدة بأنك عزيز؟! )) قال سليم و هو يحك رأسه ببراءة (( نعم، و لكنها عندما رأت وجهي عرفتني ثم بكت و ذهبت بسرعة لذلك لم أستطع مكالمتها.. لماذا تعتقد أنها بكت و ذهبت؟!! لقد كان بكاؤها شديداً )) رد أكرم هذه المرة و هو ينهض من فراشه بصعوبة (( يقولون أن النساء بلا عقل و أنت اثبت الآن يا سليم خطأ هذه المقولة.. يا أحمق كيف تريد من امرأة تعتقد بأنك ميت أن تستقبلك عندما تراك؟! هل كنت تريدها أن تأخذك في الأحضان؟؟ الفتاة خافت و ذعرت عندما رأتك؛ لذلك بكت.. آ.. و ربما.. يعني أقول ربما.. تكون قد ارتبطت بعد أن سمعت بوفاتك، فلن نستغرب أن نسمع مثلاً أن يوم الخميس سيكون يوم زفافها على صقر )) قال له سليم و هو يبتسم بسخرية (( هل نهضت يا عزيزي؟! و هل شفيت؟! يجب أن أصفق بشدة لهذه الاستنتاجات الأكثر من رائعة.. إذا كانت كلامك صحيحاً فسأوصي رجال هذه القبيلة أن يوسعوا قبر صقر حتى تجد لك مكاناً بجانبه )) قال أكرم وهو يصد بوجهه عنه (( لقد كنت فقط أريد أن أجنبك الحزن.. إذا لم يكن هذا صحيحاً، فماذا تعتقد أنها تفعل هنا و جمال يظنك ميتاً؟! لما ما زالت هنا و لم يرجعها لبيته؟؟ ألم تسمعه بنفسك و هو ينوي تزويجها منه؟ أنا أعتقد أن صقر شاب لا بأس به و هو يستحقها )) قال له يزن (( و أنا أعتقد أن الأفضل لك أن تصمت حتى لا يغضب منك و يسحقك تحت قدميه مثلما فعل معي و لا تنسى أنك مريض، و ما زلنا لا نعلم من قام بضربك على أنفك مع أن سليم ذهب إلى الشيخ و اشتكى، و لكن لم يظهر شيء حتى الآن )) صاح أكرم بسليم (( يا ظــــــــالم!! هل ذهبت مرة أخرى و اشتكيت على صقر؟! إنه مظلوم، فهو لم يقترب منا أبداً منذ أن لفقت له جريمة كسر يدي و التي أنت قمت بها )) قال له سليم بغضب (( كــــف عن الصراخ، فأنا لم أتهم أحداً بشيء.. فقط قلت أن هناك من تهجم عليك و أنك ترفض أن تخبرنا عنه، فوعدنا الشيخ بالبحث عن الحقيقة لا أكثر، و لو كنت أريد إيذاء صقر المتعجرف هذا لذهبت إليه بنفسي و أمام والده )) رد عليه أكرم بغيض (( إذن اذهب له يا مغرور.. أقسم أنه لا يوجد في الدنيا من هو متعجرف أكثر منك.. لا تنظر إلي بغضب هكذا.. هيا إن كنت تريد القتال فتعال.. أنا لا أخاف منك و لا تظن أني مريض، فأنا صحيح و معافى أكثر منك و أستطيع أن ألكمك لكمة قوية تودي بك إلى خارج الخيمة.. هيا تقدم يا جبان و أنا سأريك )) نظر سليم و يزن إلى بعضهما ثم انفجرا ضحكا عليه حتى أغضباه، فقال لهما (( هل تظناني كاذبا؟! تعالا معا لتجربا )) فقال له سليم (( اخــــرس.. فليس لدينا الوقت لتفاهتك، فما زلت أريدك حتى أكلمك عن مآثر التي تغار منها كلما سمعت بها )) و قال يزن (( و أنا أريدك حتى يكف سليم عني و يصب ثقل دمه عليك لأني لا استحمل جنونه و قد اكتشفت أنه لا يوجد من يحتمله سواك )) ثم أكمل سليم قائلا (( هل رأيت أن لك فائدة عظمى بيننا.. سنعرف من قام بضربك و سننتقم لك )) ثم استمرا بالضحك عليه و أكرم المسكين يهز رأسه بأسف لأنه أيقن أن لا سبيل لإصلاح ثقل دمهما مهما حاول...


الجــــــــ 34 ـــــــزء:

مر يومان على لقاء سليم و مآثر، و في الليل كانت مآثر جالسة بجانب وضحى، فقالت مآثر (( أما زلتِ غاضبة مني؟! ليس ذنبي أن هناك فتاة ثانية في قلبه.. ماذا أفعل حتى ترضي؟ )) صاحت بها وضحى بشدة و قسوة (( اصمــــــــتي.. لا أريد سماع صوتكـ القبيح.. كان يجب عليكـ أن تقنعيه لا أن تذهبي و تحاولين استجداءه حتى يتزوجني، و ليكن في علمكـ أنا لست غبية حتى تضحكي علي يا كاذبة.. لقد تبعتكـ و سمعتُ كل ما دار بينكما و هذه التمثيلية لن تمشي بسهولة معي.. أنــــا وضحى ابنة شيخ القبيلة أخدع من قبل مطلقة و منبوذة مثلك!! كيف أحبكـ؟! ماذا فعلتِ حتى تسرقيه مني؟ هيا تكلمي و إلا سأقتلكـ بخنجري هذا )) قالت مآثر بغضب (( يعزُ علي أراكـ بهذا الشكل، و لكن لكل شيء حدود.. أنا لا أسمح لكـ بقول هذه الأشياء عني، صحيح أنني مطلقة و لكني لستُ منبوذة.. أنا لا ذنب لي.. لقد كنت أعرفه منذ أن كنا في العاصمة و لقد وعدني بالزواج و لكن خالي لم يوافق، لهذا جئتُ إلى هنا و لم أتوقع أبداً رؤيته.. عندما ذهبتُ للغدير كنتُ أظنه شخص آخر، و لكن عندما رأيته و عرفته تغير كل شيء بالنسبة لي.. أنا لم أنوي خداعكـ لذلك ها أنا أخبركـ الآن بأني موافقة على الزواج به و سيتم كل ذلك عندما أعود إلى العاصمة فأرجو أن تقدري موقفي و ليتني أجدُ طريقة لمساعدتكـ )) قالت وضحى بسرعة (( إذا كنتِ صادقة فهنالك طريقة )) قالت مآثر بحيرة (( ما هي؟! )) ردت وضحى بخبث (( تخلي عنه.. اتركيه لي.. دعيه يفهم أنكـ لا تحبيه و بأنكـ تريدين صقر أخي و أنني أنا التي أريد الزواج به و عندها سيترككـ )) قالت مآثر و قد صدمت من تفكير وضحى السطحي (( و لكني لا أريد صقر.. أنا لا أريد سواه و لا أستطيع التنازل عنه لأنه حارب العالم لأجلي، لذلك أنا أيضاً سأحارب العالم من أجله و لن أتنازل عنه مهما حدث )) قالت لها وضحى و قد زاد غضبها و حقدها (( سأقتلكـ أيتها المنبوذة قبل أن تصلي إليه )) صاحت مآثر بصوتٍ عالٍ (( قلتُ لكـ بأني لستُ منبوذة ولا تهدديني لأني لا أخافكـ و لا أخاف سواكـ هنا )) قالت وضحى بخبث و هي تبتسم بسخرية لم ترق لمآثر (( حقــاً؟!! إذن اثبتي لي أنكـ لستِ منبوذة.. يكفيني فقط دليلٌ واحد بأنكـ لست كذلك )) ردت عليها مآثر بكل ثقة (( سليـــــم.. حب سليم لي، و محاربته للعالم من أجل الزواج بي أثبت أني لستُ منبوذة.. لم أقابل حتى الآن من هو بمثل عناده، إنه عطوف و حنون و أنا متأكدة بأنه سيكون خير أبٍ لطفلتي.. هيا أخبريني ما رأيكـ الآن؟؟ )) ضحكت وضحى بانتصار و شماتة و قالت (( سليــــــم؟!! الآن سأكشفكـ أمام عزيز.. كم رجلاً تعرفين يا حقيرة؟ من هو سليم يا بريئة؟؟! )) ثم نهضت عنها و قالت لها بتهديد (( إن لم تذهبي و تخبري عزيز بما طلبته منكـ، فسأخبره بنفسي عن المدعو سليم.. ترى كيف هو شكله؟ هل تختارين الوسيمين هكذا دائماً؟! )) وخرجت عنها من دون أن تسمع جوابها.....


الجــــــــ 35 ـــــــزء:

في الصباح قالت وضحى لمآثر بلؤم و قسوة (( اذهبي إلى الغدير لإحضار الماء.. أكيد ستجدينه هناك.. أخبريه بكل ما أمرتكـ به و إلا سأذهب أنا، ما رأيكـ بذلك؟؟ )) ابتسمت لها مآثر فأغاضتها ثم قالت (( حسنا، سأذهب و أفعل كما أمرتي.. هل هناك طلب آخر؟ )) قالت وضحى بعد أن نجحت مآثر في استفزازها (( نعم.. أبعدي هذه الابتسامة و بدلا منها ضعي دموعكـ فهذا أقل ما سيأتيكـ مني.. أقسم أن أجعلكـ تندمين و سأجعل أبي يزوجكـ لصقر شئت أم أبيت و عندها ستكونين خادمة تحت قدميه.. أنت أيتها الحشرة ترفضين أخي ثم تأتين و بكل بساطة لتنتزعي مني عزيز!! هيا اذهبي من أمامي )) فذهبت عنها مآثر لتنسى كلامها الجارح...

و عند الغدير كان أكرم و يزن ينظران بدهشة و عدم تصديق إلى سليم و هو يحاول امتطاء جواد أبيض جميل، و كان الجواد يرميه كلما صعد إلى ظهره فقال له أكرم و هو خائف عليه (( توقـــــــــــف، سوف تموت.. هذه خامس مرة تسقط فيها.. لماذا تصر على ركوب هذا الحصان الجامح و قد أعطاك الشيخ فرسا سوداء تصلح للركوب؟! )) قال سليم بإصرار (( الفرس التي أريد أن أركبها يجب أن تكون بيضاء.. هذا كان شرطها و أنا أريد تحقيقه؛ لأنه لا شيء بيني و بين الزواج منها إلا موافقتها )) قال يزن (( مع أني لم أفهم شيئا و لكن ألا يكفيك أن تخبرها بأنك لم تركب فرسا في حياتك أبدا.. إنك في موقف صعب فأخبارها أفضل من أن تأتي و تراك هكذا و تعتقد أن من تريده جبان و لا يستطيع ركوب الخيل )) رد عليه سليم بعناده المعتاد (( لم يطلب أحد رأيكما لذلك الأفضل أن تصمتا.. هيا يا يزن أعطني السيف الذي أهدانا إياه الشيخ، يجب أن أمسكه قبل أن تأتي مآثر )) صرخ يزن بقوة و هو يمسك ببطنه و قال بألم (( آآآه يا بطني... إنها تؤلمني بشدة.. ساعدني يا أكرم لا أعرف ما الذي حصل لي )) قال أكرم (( لا تعرف؟! هذه نتيجة محتومة بسبب الطعام الكثير الذي تلتهمه دون ملل.. اليوم أكلت لوحدك كل طعام الإفطار و لم تترك لنا أنا و سليم شيئاً، فكيف بالله عليك تتوقع أن يكون مصيرك غير الألم؟! )) قال يزن و هو يتألم أكثر (( إنها عينكما التي أصابتني يا حاسدان.. أكرم خذ هذا السيف، أنا ذاهب لعليّ أجد أحد الأدوية المفيدة عند ذلك العجوز الذي عالج سليم )) و بعد دقائق من ذهاب يزن عنهما، قال سليم (( أعطني السيف بسرعة يا أكرم.. إنها قادمة، يجب أن تراني و أنا أركب الحصان و السيف في يدي )) ناوله أكرم السيف و قال له (( أخاف أن تقع مرة أخرى و يؤذيك هذا السيف فهو حادٌ جداً )) قال سليم (( و ماذا تتوقع منه أن يكون غير ذلك.. لا تخف هذه المرة لن أقع )) اقتربت مآثر منهما وقالت و هي تبتسم تلك الابتسامة الرقيقة التي ذوبت قلب سليم (( صباح الخير يا سليم.. كيف حالك؟ و ماذا تفعل فوق هذا الحصان الجميل؟؟ )) قال أكرم بغيض (( أليس أمامك أحدٌ سوى سليم؟ ألا أحتاج أنا أيضا إلى السؤال عن حالي؟ )) لكزه سليم بقدمه، و قال لها و هو يرفع السيف عالياً (( شكرا على السؤال أنا بخير.. و أنا الآن فوق هذا الحصان الأبيض و أحمل هذا السيف اللامع حتى أخطبكـ رسمياً.. فهل تقبلين بي زوجا لكـ )) و عندما أنهى سليم كلامه تحرك الحصان بقوة و رمى سليم مرة أخرى في الأرض، و هذه المرة أصابته إحدى الصخور على ظهره فأخذ ينزف و لكنه لم يصرخ و إنما كتمها أمام مآثر.. فجاء إليه أكرم مسرعاً ليساعده على النهوض و قال له (( ظهرك قد تلطخ بالدم.. لا أعرف لماذا أصررت على أن ارتداء هذه الملابس البيضاء.. انظر إلى نفسك الآن.. هل تستطيع النهوض؟! )) قال سليم و هو ينهض بصعوبة و ألم (( يبدو أن أحد عظام صدري قد كسرت، و هذا اللباس الأبيض الذي لم يعجبك هو لباس الحرب عندهم و لكنهم رفضوا أن يعطوني درعاً.. أكيد خافوا أن أحاربهم.. يجب أن أصعد مرة أخرى على الحصان و أطلب يدها من جديد، أكيد أنها موافقة )) قال أكرم بهلع (( هل جننت؟! أنت مصاب و يجب أن تتعالج )) قال سليم و هو يزيحه من أمامه (( ابتعد عني.. لن أذهب لأي مكان قبل عمل ما أريد.. فإما أن تساعدني أو اذهب من هنا.. آآآآه لو أخذت درعا من عندهم لما تألمتُ هكذا )) قال أكرم بيأس (( لا أعرف من أين تأتيك هذه الأفكار الغبية.. أية دروع هذه التي تريدها منهم؟؟ البدو لا يستخدمون الدروع، إنهم يستخدمون السيوف و البنادق و هم مدربون جيداً حتى لا يسقطوا من الخيول، والأهم من كل ذلك إن الدروع لا تستخدم ضد السقوط و إنما لتصد السهام فلا تضع اللوم عليهم و إنما عليك يا عنيد.. هيا سأساعدك و لكن احترس )) صعد سليم مرة أخرى، و اقتربت منهما مآثر و قالت لأكرم (( أنا آسفة يا أكرم، يبدو أنك قد تأذيت كثيراً من ضربتي.. لم أكن أقصد إيذائك، لقد أغضبني كلامك فقمتُ بضربك دون وعي مني، فهل تسامحني )) قال سليم بدهشة (( أنـــــتِ التي قمتِ بضربه؟! و نحن يأسنا من إيجاد الجاني، آه لذلك رفض إخبارنا.. يا لكـ من قوية.. و أنت يا أكرم.. إذن امرأة من فعلت بك كل هذا.. يا لك من جبان يا صديقي )) قالت مآثر (( لا تسخر منه و إلا سأضربك مثله.. أنا ضربته و أنا نادمة.. سامحني يا أكرم )) قال لها أكرم بخجل (( لقد سامحتكـ.. و أنا آسف إذا كنت قد جرحتكـ بكلامي، فأنا أيضاً لم أكن أقصد.. لقد كنت غاضبا من تصرفات سليم و محاولته لتحدي خالكـ جمال بتلك الصورة التي لم يجرأ أحد على القيام بمثلها و بعد ضربتكـ أرجو أن نكون تعادلنا )) قالت له (( لقد تعادلنا.. لم أكن أعتقد بأنك لطيف إلى هذه الدرجة.. إنك أسم على مسمى يا أكرم )) قال أكرم و هو يوجه نظراته لسليم (( ليت غيركـ يقدرني كما فعلت )) نظر إليه سليم و هو يضيق عينيه، ثم تجاهله و قال لها (( دعكـ من أكرم، مع أنه يجب أن لا ينسى تلك الضربة التي أصابته بالحمى و كل ذلك النزيف )) قال أكرم (( الحمى أصابتني بسببك.. فلقد كنت خائفاً منك لأنك إن علمتَ بما قمتُ به فستقوم بضربي أكثر، لأن أي كلمة منا ضدها تغضبك فما بالك بكل الذي قلته أنا )) قال له سليم (( أنت جبان و تخاف من أي شيء.. يا غبي أنت صديقي و لن أضربك بسبب كلام تفوهت به في لحظة غضب )) قال أكرم و هو يبتسم بسخرية (( هيا تصنع اللطف أمامها و لكن إن قمت بخداعها فلن تخدعني أنا )) تجاهله سليم و التفت لمآثر ثم قال لها (( ماذا قلتِ هل تقبلين الزواج بي؟؟ أخاف أن يرميني الحصان من جديد قبل أن توافقي )) ردت عليه و هي تبتسم برقة كعادتها (( أنت تعلم بأني موافقة )) قال سليم و الفرحة تغمره (( حقـــــاً.. إذن متى تريدين العرس؟ غداً الخميس هل يناسبكـ ذلك )) ضحكت ثم قالت (( كم أنت مجنون!! لن نتزوج قبل استكمال الشروط )) قال سليم بحيرة (( أي شروط تبقت؟؟! لقد حاربت العالم حتى وصلتُ إليكـ.. و الآن ها أنا أمامكـ أركب فرساً أبيض، و أحمل السيف و ألبس لباس الفارس مثلما أمرتي )) رد عليه أكرم قائلاً (( يا أحمق هل رأيت في حياتك امرأة تتزوج من دون ولي أمرها.. إنها تنتظر أن تذهب و تتقدم لخطبتها من ذلك المخيف خالها )) قال مآثر و هي تمزح (( محاميك أذكى منك.. ارتدي مثل هذا اللباس، و احمل السيف و اركب حصاناً أبيض جمل كهذا و لكن ليس هنا و إنما هنالك في العاصمة.. اذهب لخالي جمال، أو اذهب لجدي و أنا موافقة و لكني لن أتزوج بدون إذن ولي أمري و أنت لا ترضاها لي، أليس كذلك؟ )) قال لها بيأس (( خالكـ يتمنى الموت على أن يضع يده فوق يدي.. إنه يكرهني بشدة و أنت تعرفين )) قالت مآثر بثقة (( جدي موافق و كان يريد مساعدتنا و لذلك قام خالي بمحاولة قتلك، لأنه لا يستطيع مخالفة أمر جدي )) ضرب سليم الحصان بقدمه بقوة من شدة قهره، فهاج الحصان و أخذ يركض بسرعة كبيرة فصرخ سليم قائلاً (( ساعدوووووووني سوف يقتلني.. أنقذنــــــــــي يا أكرم حاول إيقافه آآآآآآآآآآآآآآآآه )) و رمى الحصان سليم بقوة حتى أوقعه في الغدير.. فذهب أكرم و مآثر إليه، و قالت مآثر و هي خائفة عليه كثيراً (( هل أصبت يا سليم؟! هل تستطيع النهوض؟؟ )) ساعداه معاً، فقال و هو يمسك رأسه بألم (( يبدو أن هذا الحصان يكرهني أكثر من خالكـ.. هذه سابع مرة يرميني بها.. لم يبق لي عظمة تصلح لشيء و فوق كل هذا رفضت إتمام الزفاف إلا في العاصمة.. لا بأس من الغد سأذهب إلى العاصمة )) فضحكا أكرم و مآثر بشدة بعد أن سمعاه يتكلم و كأن شيئاً لم يصبه....


الجــــــــ 36 ـــــــزء:

في صباح اليوم التالي، كان أكرم جالسا لوحده في الخيمة، فجاء يزن من الخارج مسرعا و جلس بجانبه والغضب واضح على وجهه فقال له أكرم (( ماذا بك؟! و لماذا أنت غاضب هكذا؟ )) رد يزن بقهر و هو يشير لوجهه (( أنا غاضب بسبب ذلك الظالم المدعو سليم.. انظر إلى وجهي، هيــــا انظر.. لقد ضربني بشدة و بدون رحمة )) قال أكرم متسائلا بهدوء (( و لماذا ضربك بقوة؟ ماذا فعلت؟ )) قال يزن بقهر (( و هل يجب أن أفعل شيئا؟ إنه يضرب من يشاء لأنه قوي يفعل كل ما يحلو له و كل هذا بسبب تدليل جمانة و عبد الوهاب فلو لم تدلله تلك العجوز لما فعل كل ما يريد )) قال أكرم بسخرية (( الآن تتكلم عن جمانة و أنت الذي تستفيد منها و تأكل أموالها و تكذب عليها و تزيد عندما تنقل لها أخبار سليم.. ثم أنا لا أصدق أنه ضربك بلا سبب، أكيد أنه أكتشف أن حبيبتك هي مآثر )) قال يزن بدهشة (( كيف عرفت؟! لقد ذهبت لها كي أطلب الزواج منها و عندما فاتحتها بالموضوع و رأته واقفا ورائي نادته، و لم يكد يسمع ندائها حتى قام بضربي حتى من دون أن يفهم الموضوع )) قال أكرم (( تستحق كل ما حصل لك فلقد يئست تلك المرأة منك.. أنت تطاردها منذ أن وصلنا إلى هنا و الحمد لله أن سليم قد وضع حدا لك يا مراهق )) قال يزن (( أخبرني كيف عرفت أنه ضربني بسببها هي؟! و كيف عرفت أن التي أطاردها هي مآثر؟! إنك جبان فكيف يعقل أن تكون بهذا الذكاء؟ )) قال أكرم (( المسألة لا تحتاج لذكاء فأنت دائما تتغزل بها أمامي و وصفك لها أرشدني خصوصا ما شد سليم لها منذ أن و قع نظره عليها أول مرة "عيناها الرماديتان" و لذلك عرفت و لكني لم أقل لك حتى يعرف هو بنفسه و يؤدبك و بصراحة منظر عينك المتورمة يعجبني )) قال يزن بقهر أكبر (( حسنا اسخر كما شئت، حتى هو ضحك كثيرا و لكن تذكرا جيدا أنا يزن و لن يغلبني جبان مثلك أو أحمق مثل سليم، سوف انتقم منه و سأجعلها ترفضه و تحطمه مثلما فعل هو معي و سترى )) ثم نهض و أسرع إلى خارج الخيمة، فصاح أكرم قائلا بصوت عال عندما رآه يبتعد (( إلى أين؟ ألا تريد معالجة عينك؟! فنحن منذ أن أتينا إلى هنا لا نفعل شيئا سوى التكلم عن مآثر و العلاج عند طبيب هذه القبيلة.. هيا اقترب لأضع لك شيئا من هذه الأعشاب على عينك فأنت الوحيد الذي لم يجربها بعد )) رد يزن ((دع الأعشاب لك.. أنا ذاهب لأنفذ تهديداتي )) قال أكرم (( أذهب فلو استطعت إقناعها برفض سليم فسوف تكافئك جمانة مكافئة كبيرة، و ستخلصنا من مواجهة جمال عندما نصل إلى العاصمة ))...




الجــــــــ 37 ـــــــزء:

بعد قليل جاء سليم و ألقى السلام ثم جلس بجانب أكرم، فقال له أكرم (( أين كنت؟ و لماذا قمت بضرب يزن؟ كان يكفيك أن تهدده، إن عينه متورمة و لقد توعد بالانتقام منك و هو الآن ذاهب لتنفيذ تهديداته )) رد عليه سليم قائلا (( دعك من ذلك الأحمق الذي لا يستطيع فعل شيء.. لقد ضربته لأنه تحرش بمآثر.. تصور أنه تعرض لها في الطريق و طلب يدها و عندما صدته عنها لم يستمع لكلامها فنادتني و عندها ضربته.. و لكن الأهم أننا يجب أن نذهب من هنا بسرعة و أنا أذكر أن هاتفي النقال كان عندك.. أرجو أن لا تكون قد نفذت بطاريته.. أين هو حتى أتصل برجالي ليبعثوا لنا طائرة هليكوبتر.. هيا أخرجه بسرعة )) قال أكرم (( و لماذا تريد الهاتف؟! لما لم تطلب لنا الأحصنة من عند شيخ القبيلة، إنهم يعرفون موقع العاصمة و أكيد سوف يساعدوننا للوصل إليها و برأيي لا داعي لإحضار طائراتك إلى هنا )) قال سليم (( لا نستطيع إحضار الأحصنة )) قال أكرم بدهشة (( لماذا؟! )) رد سليم بسرعة (( لا تسأل لماذا، لأنها قصة طويلة يصعب شرحها ولا تطلب مني أن أشرحها لأني إذا شرحتها فستبدأ بالبكاء و النواح كعادتك دائما )) نظر إليه أكرم طويلا ثم قال بهدوء (( ماذا فعلت يا سليم؟ أخبرني ما الذي فعلته الآن؟ )) قال سليم و هو يتصنع البراءة (( و هل يجب أن أكون قد فعلت شيئا؟؟ )) رد أكرم عليه (( طبعا يجب.. فالمشاكل تسري في جسدك سريان الدم في العروق )) قال سليم بعد تردد (( حسنا.. لقد كشفتني.. يبدو أنني كتاب مفتوح أمامك يا صديقي.. الحقيقة أن صقر رفض إعطائنا الأحصنة )) قال أكرم بضيق (( لماذا ذهبت لذلك المتعجرف.. المفروض أن تطلبها من أبيه و ليس منه )) رد سليم (( والده ذهب لزيارة أحد أقرباءه و سوف يغيب طويلا و الآن صقر هو الشيخ الآمر الناهي في هذه القبيلة و لو لم نذهب بسرعة من هنا فسوف يقتلنا في الليل )) قال أكرم بحيرة أكبر (( يقتلنا لأنك طلبت منه إحدى الأحصنة؟! آه الآن فهمت.. هو أيضا يحب مآثر و أكيد أنه قد علم بأنك ستذهب إلى العاصمة لخطبتها و تبجح أمامك بأنه هو الذي سيتزوجها لا أنت، أليس كذلك يا عزيز )) قال سليم بغيض و قهر (( دعك من هذا الاسم.. لا أدري كيف أطلقته علي )) قال أكرم بنفاذ صبر (( أخبرني بكل الذي حصل يا سليم.. أريد الحقيقة كاملة و الآن )) قال سليم بملل من تحقيق أكرم معه (( لقد طلبت منه الأحصنة بكل أدب و لطف و لكنه رفض إعطائي، لا بل صرخ في وجهي قائلاً بأني سأموت إن فكرت في الزواج من مآثر و بأنه قريبها و هو الأحق بها، أما أنا فمجرد غريب متطفل ذو شعر أغبر و عينان قبيحتان و لن ترضى أية فتاة في العالم بالزواج من أحمق مثلي )) قال أكرم (( تعني أنه هددك بالقتل؟ )) قال سليم و هو يهز رأسه (( لا.. في البداية قال لي ستموت، و لكن بعد عشر دقائق هددني بالقتل )) قال أكرم (( لماذا بعد عشر دقائق؟! )) قال سليم ببساطة (( لأنني ضربته )) رد أكرم بدهشة (( ضربتـــه!! هل قمت بضربه أمام كل رجاله يا سليم؟؟! )) قال سليم (( طبعاً ضربته.. أتريده أن يتكلم هكذا عن مآثر ثم أتركه! )) قال أكرم بغيض و قهر من تصرفات سليم (( و ماذا عنك؟! ضربته لأنه تكلم عن مآثر!! ماذا قال عنها؟؟! لقد تكلم عنك أكثر مما قاله عنها.. هل أعجبك بأنك مجرد غريب متطفل ذو شعر أغبر و عينان قبيحتان.. لا بأس فهو محق عندما قال بأنه لا توجد من تقبل بالزواج من أحمق مثلك )) قال له سليم بأمر (( توقف الآن.. لا أريد سماع أي كلمة منك )) ثم مدّ يده إليه قائلاً (( هيا أعطني الهاتف الآن )) قال أكرم و هو رفع يديه بيأس و استسلام من تصرفات صديقه (( لا يوجد لدي أي هاتف، لقد أتلفته )) قال سليم بضيق (( لماذا قمت بذلك؟؟ لقد كان وسيلتنا الوحيدة للنجاة )) قال أكرم (( عندما كنت في غيبوبة اتصلت بوالدك كي أطمئنه عليك، فأصر على معرفة مكانك و لكني خفت إذا عدنا أن يحاول جمال قتلك مرة أخرى، و كما ترى فلقد كان كريماً معنا أنا و يزن بحيث أنه لم يرد لنا الحزن و البكاء من بعدك فلقد جعل رجاله يطلقون الصاروخ علينا و نحن معك.. لقد كنت أعلم أن هاتفك يحتوي على جهاز تتبع لذلك أتلفته و كسرته بقدمي، و لا تحاول ضربي لأنك أنت السبب في غضب صقر منا، لم يطلب منك أحد أن تضربه.. لماذا لم تدعه وشأنه فليقل ما يريد، هل كان يجب عليك استعراض عضلاتك أمامه؟! )) قال سليم (( آآآآآه.. الآن فقط أتمنى أن أستعرض عضلاتي أمامك.. سأذهب لأكلم مآثر و عندما أعود سأناقش هذا الموضوع معك أنت و يزن ))...


الجــــــــ 38 ـــــــزء:

ذهب سليم إلى الغدير لأنه أصبح مكان لقائه بمآثر و عندما وصل وجدها واقفة هناك و قد ضمت يديها مع بعضهما بتوتر و غضب و لما رأته واقفا أمامها قالت له بحدة لم يتعودها منها (( ما الذي جاء بك إلى هنا؟ لقد كشفت كل ألاعيبك الدنيئة أيها المخادع.. كيف استطعت عمل كل هذا بي؟! و لكني لن أسكت، سأخبر خالي حتى ينتقم منك، إن لم يفلح في المرة الماضية بقتلك فأنا سأساعده الآن )) لم يستطع سليم أن يمنع ضحكته عندما رآها غاضبة بهذا الشكل الذي جعلها أشبه بخالها جمال، فأطلق ضحكة كبيرة و استمر بها حتى دمعت عيناه، ثم قال لها مازحاً و هو لا يظنها جادة فيما قالته منذ قليل (( صحيح أنني معجب بلسان خالكـ السليط و لكني لا أريد أن تكون زوجتي عصبية هكذا.. ما الذي فعلته حتى تحكمي علي بالقتل و أيضا بمساعدة خالكـ؟ )) قالت له بعصبية و قد ظنت بأنه يستهزأ بها (( اضحك أيها المليونير.. العب بالنساء كما شئت فهكذا تربيت.. والداك دائما يسمحان لك بفعل كل ما تريد، تخطب و تترك.. تتزوج و تطلق كما تشاء و لا تهتم بأحد، و في النهاية عندما تكلم خالي و قال بضع كلمات عن أمك، تغضب و تهاجمه و تهدده و..... )) قاطعها سليم و هو يمسك بيدها بقوة حتى آلمها ثم صرخ بوجهها فانتفضت بخوف بعد أن قال لها (( اصمتــــــــي.. أنا لا أسمح لمخلوق في الدنيا أن يتكلم عن أمي بأي كلمة حتى لو كنت أنت و التي حاربت و تألمت كثيرا حتى أفوز بحبكـ.. أنا مستعد لترككـ في ثانية من أجلها، هل فهمت؟؟ )) ثم تركها و هو يردد بحزن عذبها (( هل فهمت يا مآثر؟! أنا مستعد لرميكـ من أجلها.. أنسي كل ما حصل و ليذهب كل منا في طريقه )) وذهب عنها و تركها واقفة مكانها و هي ترتجف.. لقد كانت مندهشة لا بل إنها منصدمة.. صدمة كبيرة أصابتها و قد فتحت عيناها بقوة وأخذت تبكي في تلك اللحظة، تبكي لأنها تذكرت أيامها الماضية و زواجها الذي فشل مرتين.. تذكرت عذابها عندما كان طليقها يضربها هي و طفلتها بلا رحمة أو شفقة.. و تذكرت زواجها الثاني و الذي كان أبشع من الأول، و عندما تخلصت من تلك الأيام التعيسة و من كل تلك الآلام، كرهت كل الرجال و انعدمت ثقتها بكل الناس حتى قابلت سليم.. إنه مختلف عن الجميع.. لقد رأت فيه شخصا له شخصية استثنائية اختلفت عن كل من قابلتهم في حياتها.. لقد عاملها بكل لطف و رقة و حنان، فلماذا ترد له الجميل بهذه الطريقة.. لقد حارب خالي و كاد أن يموت بسبب حبه لي فكيف الآن و بكل بساطة أصدق كاذباً مثل يزن.. لا يهمني إن لم تكن أمه تريدني زوجة له لأنه لم يهتم بخالي عندما رفضه.. ثم قالت بصوتٍ عالٍ تردد صداه في قلبها (( أنا آتية لك يا سليم، و لن أصدق فيك أي شيء بعد الآن فأرجو أن تسامحني ))

الجــــــــ 39 ـــــــزء:

عندما عاد سليم إلى الخيمة، وجد أكرم هناك ينتظره، فقال سليم بحزم (( هيا استعد أنت و يزن سنضطر لسرقة الأحصنة حتى نذهب من هنا )) ثم تنهد بحزن و قال بألم لاحظه صديقة الأقرب لقلبه (( لا تعرف كم أنا مشتاق للرجوع إلى إيطاليا، و لنسيان كل ما مررنا به في هذه البلدة.. لا أعرف كيف جننت و تكبدت كل هذه المشقة و جئت إلى هنا.. لقد فزت يا صديقي و أنا مقنع كلياً أنني أخطأت، لذلك أريد الرجوع لإيطاليا بأسرع ما يمكن.. ما بك يا أكرم؟! هيا لا تنظر إلي بهذه الطريقة المريعة.. يجب أن تفرح لأني لن أتزوج من مآثر و عندها لن يؤذينا خالها.. لقد انتهت مشاكلنا )) صاح فيه أكرم و هو في أشد حالاته اندهاشاً لحصول ما لم يتوقعه أبداً (( هل جننت يا سليم؟! أم أن الخرف قد أصابك و أنت ما زلت صغيراً؟ الآن و بعد أن أقنعت الجميع بحبك لمآثر، و بعد أن أزلت كل العقبات تأتي و بكل بساطة و يسر لتقول بأنك ستعود لإيطاليا و تترك كل شيء خلفك!! لم أعهدك أناني لهذه الدرجة.. ما الذي حصل لك؟! ألم تفكر في تلك المسكينة مآثر.. ما الذي حدث بينكما و جعلك غاضباً منها لهذه الدرجة؟؟! اسمع يا سليم، لا تعتقد أن ابتعادك عن مآثر سوف يفرحني.. أنت صديقي الوحيد و سعادتك تعني سعادتي و قبل أن نأتي إلى هنا كنت أرفض أن أساعدك على الزواج منها بل كنت أحاول إقناعك مرارا لتنساها، أما بعد أن قابلتها و تكلمت معها و عرفتها جيداً فأنا متأكد أنه لا توجد من تستحق رجلاً مثلك غيرها.. أرجوك.. أرجــــــــوك يا سليم فكر جيداً قبل أن تهدم حياتك بيديك.. أخبرني ما الذي حدث حتى أستطيع مساعدتك.. ربما تفوهت بكلمات لم تكن تقصدها فلا تظلمها.. يجب أن تلتقيا و تسمع منها.. يا إلـــــهي هذه أول مشكلة تصادفكما منذ أن التقيتما و أنت تريد الانسحاب بسهولة و نسيان كل شيء.. ألم تحاول تشغيل ذلك الشيء الموجود برأسك و المسمى بالعقل.. ألم يخطر ببالك يزن و تهديداته، لقد حذرتك منه قبل أن تخرج.. قد يكون قابلها و نسج لها قصة من خياله و المسكينة صدقته لأنها لا تعرف عنه سوى أنه صديقك.. لقد خرج منذ الصباح و لم يعد حتى الآن و هو في العادة لا يتخلف عن موعد الطعام أبدا إلا إذا قتل.. و بما أنه يعلم جيدا بأنك قاتله لا محالة، لم يأتي لوجبة الغداء.. هيا الآن اهدأ يا صديقي و اشرح لي كل شيء )) ابتسم سليم بإرتياح و بفرح و قد أزاح عنه صديقه جبل الهموم الذي كان يثقل صدره ثم أخبره بكل ما حدث معه، و بعد أن انتهى قال له أكرم ناصحا (( ما الذي يدريك يا سليم بأنها تعرف ما قاله خالها عن والدتك؟! لقد قالت لك "بضع كلمات" و خالها المتوحش قال أكثر من هذا بكثير.. لا تظلمها فهي تحبك كثيرا.. أعتقد أنكما تعادلتما فهي جرحتك و أنت جرحتها.. اذهب إليها و عاقب يزن فهو من سبب هذه المشكلة.. هيا بسرعة لا تضيع الوقت )) نهض سليم ثم قال لأكرم بإمتنان (( لا أعرف ماذا كنت سأفعل من دونك.. لقد أرحتني كثيرا )) قال أكرم (( هيا اذهب فلو حل الليل سنموت بسببك.. آآآه الآن تذكرت زوجتي العزيزة، فلقد كانت دائما تحذرني منك فأنت مليونير و البنات يلتفتن حولك من كل مكان و على حد قولها عيناك زائغتان و لو حصل أن فكرت مثلك فستقطعني بسكين اللحم و بسببك الآن أكيد تبكي علي )) قال سليم مازحا (( لا بأس دعها تبكي فلا أحد يعرف كيف سيكون أولادكما عندما يكبرون فأنتما متشابهان )) ثم خرج عنه ذاهبا لمآثر....


الجــــــــ 40 ـــــــزء:

و عندما كان متوجهاً للغدير اعترضت طريقه وضحى، فوقف ينظر إليها و هو يحك رأسه باستغراب لأنه لا يعرفها و هذه أول مرة يلتقي بها، فقالت له بدلال لم يعجبه (( كيف حالك يا عزيز؟ تبدو مستعجلا، إلى أين تذهب؟ )) رد سليم و هو يعقد حاجبيه بضيق (( عزيز بخير و لكن من أنت؟! )) جاء أكرم نحوه ثم وقف بجانبه قائلا له بخبث (( إنها وضحى ابنة الشيخ يا عزيز، سأترككما لوحدكما و أذهب للبحث عن يزن.. إلى اللقاء )) صاح به سليم عندما رآه يبتعد عنه (( إلى أين أيها المخادع؟؟ لا تتركني وحدي معها )) قالت له و هي تبتسم (( لا تخف، لم آتي لآكلك.. لقد أتيت لأحذرك منها )) قال سليم بحيرة (( من هي هذه التي يجب أن أحذر منها؟! )) قالت وضحى بسرعة (( مآثر طبعا )) ضحك سليم بخفة ثم قال لها بتهديد واضح (( لاحظي أنكـ امرأة و أنا لا أضرب النساء لذلك إياكـ و التكلم عنها بسوء )) قالت وضحى بغضب و قهر من تهديده (( إنها لعوب، فلماذا تدافع عنها.. هي لا تحبك و إنما تحب شخصا آخر )) قال سليم و هو يكتم غضبه منها (( لا ينقصني الآن إلا أنت.. هيا اذهبي من أمامي و لا أريد سماع أي كلمة منكـ لأني لن أصدقكـ مهما حاولتِ )) قالت له بتوسل (( ألا تريد معرفة اسم هذا الشخص؟! )) قال سليم حتى يتخلص منها (( هل هو أخوك صقر؟! )) قالت له بخبث و حقد (( لا، إنه شخص مختلف.. أخي مقامه أعلى من أن يفكر في الزواج من مثلها.. الرجل الذي أعنيه سمعتها تتكلم أكثر من مرة عنه، لا بل و رأيتها تبكي عليه )) قال لها سليم بعد تردد (( من هو ؟؟ )) قالت وضحى (( سأخبرك يا عزيز لأني لا أرضى بأن تضحك عليك تلك المنبوذة )) صاح بها سليم بغضب و هو يضم قبضة يده بقوة حتى لا يتهور و يضربها (( كفي عن شتمها و أخبريني بسرعة من هو هذا الغبي الذي تقصدينه و انسي اسم عزيز نهائيا لأني أكرهه )) قالت له بسرعة (( حسنا لا تغضب، اسمه سليم )) نظر إليها سليم مطولا بصدمة، ثم شهق و هو يتنفس بقوة و ارتياح فابتسم و قال لها ليتأكد مما سمعه (( من قلت؟؟ )) قالت وضحى (( أقسم لك أني سمعتها أكثر من مرة تأتي بذكره على لسانها منذ أن أتت إلى هنا.. اسمه سليم، أنا متأكدة.. ماذا قلت الآن، هل مازلت مصرا على الزواج بها؟! )) قال لها سليم و الفرح يشع من عيونه (( لا أعرف كيف أشكركـ.. صحيح أنكـ جئت لتحطيمها و لكن كلامكـ قد أفرحني و زاد من قربها لقلبي بدل أن يبعدها.. لقد أزلت هما كبيرا من صدري.. أنا ذاهب لها، شكرا لكـ مرة أخرى )) صرخت وضحى بقوة و بغضب و حقد و استنكار عندما رأته يبتعد عنها، ثم قالت بصوت عال (( هل أنت مجنون؟! المفروض أن تتركها و ليس أن تفرح بما سمعته يا أحمق.. لا أعرف كيف أحببت غبيا مثلك، أنت مثلها و أنتما مناسبان لبعض آآآآآه ))

الجــــــــ 41 ـــــــزء:

ذهب سليم يركض متوجها لمآثر و التي ما زالت واقفة عند الغدير.. وقف سليم ورائها و هو يتنفس بسرعة ثم قال لها (( مآثر أرجوكـ سامحيني.. يبدو أن يزن قد أثر فينا بفعلته السوداء.. لم أكن أقصد أن أجرحكـ.. لقد جرحت قلبي قبل أن أجرحكـ.. أرجوكـ تكلمي.. ردي علي.. هيا افعلي مثل العجوز جمال و اصرخي بوجهي.. افعلي أي شيء و لكن لا تصمتي )) التفت إليه و عيونها حمراء من البكاء منذ أن تركها وقالت له بهمس و ما زالت دموعها تجري على خدها (( سامحني أنت يا سليم فأنا لم أكن أعرف ما قاله خالي عن أمك.. أنا فخورة بك فبحبك لأمك أثبت لي أن ابنتي ستكون بأمان بين يديك.. هل سامحتني؟! )) قال لها بحنانه المعتاد (( طبعا سامحتكـ يا عزيزتي، و الآن أخبريني ما الذي قاله لكـ يزن و أغضبكـ مني كثيرا؟؟ )) قالت له و هي تمسح دموعها و تبتسم (( بصراحة ذلك المحتال يستحق الضرب، لقد أخبرني بأنك تزوجت مرتين و طلقتهما معا و بأنك خطبت 6 مرات و إحداهن كانت تعمل في بيتكم بإيطاليا و أن والدك لا يمانعان بل يساعدانك بكل ما تريده و أيضا كان يريدني بأن أقول بأن أكرم هو من قال لي هذا الكلام عنك، و الأهم أن أمك غير راضية على زواجك بي فهي تريد لك ابنة خالتك أليس كذلك يا سيد سليم؟ )) ضحك سليم بمرح لأن يزن رغم غباءه أستطاع أن يستغل براءتها و يضحك عليها ثم قال (( يا إلهي، لا أعرف كيف صدقت كل هذه الأكاذيب عني؟! على العموم يزن كان صادقا في نقطة واحدة من كل هذا الكذب، فأمي غير راضية على زواجنا و هي بالفعل تريد لي ابنة خالتي و لكني لن أتزوج غيركـ أبدا، و أمي عندما تقابلكـ أكيد بأنها ستغير رأيها و أنا أعدكـ بإقناعها لأنها لا ترفض أي طلب لي.. لكن أخبريني هل تغارين علي؟ أنا أحب المرأة الغيورة و لكن يجب أن تقللي من العنف لأنكـ تصبحي عنيفة عندما تغضبي.. و الآن عندما فكرت اكتشفت أن غضبكـ بين لي شيئا مهما كنت أنتظره منذ أول لقاء لنا )) رفعت عيناها لتلتقي بعيناه ليبحرا معا في بحر حبهما الطاهر ثم قالت له و هي تهمس برقة و قد أبعدت نظرها عنه للأسفل بخجل (( و ما هو هذا الشيء المهم؟ )) همس مثلها قائلا لها بحب كبير (( أحبكـ عندما تكونين رقيقة.. أحب خجلكـ و همسكـ.. أحب عيناكـ اللتان أغرقتاني مئات المرات في سجنهما الحزين البعيد و الذي أقسمت بأن أكسر و أزيل كل أسواره و قيوده و ها أنا في مواجهة أول باب و لم يبق إلا القليل حتى أحررهما و سأفعل.. أعدك بأن أفعل.. لقد كنت غبياً عندما طلبت منكـ نسيان كل ما بيننا و أنا الآن أرجو أن تغفري لي هذه الزلة التي لن تكرر لأني بكل بساطة لا أستطيع العيش بدونكـ .. أنا الآن و في كل لحظة أفضل الموت على مجرد التفكير بنسيانكـ ))

أأنســــــــــــــــاكـ؟؟!
ســــــؤال بــــات يقتلنـــــــي إلى الأعمـــــاق يأخذنــــــــي
و يعوى صوتـــه المشئــــــوم في آفــــــــــــاق ذكـــــــراكـ
أأنســــــــــــــــاكـ؟؟!
سكاكيـــــــن على صـــــدري أرى في حدهـــــــا قبـــــــري
و ليـــــــــل في مخيلتـــــــــي تسافـــــــــــر فيه عينــــــــاكـ
أأنســــــــــــــــاكـ؟؟!
أجيبينـــــــــــــــــــــي
فإن البعـــــــــــد و الحرمـــــان شيء فــــــــــــوق إدراكـــــــي
و هل أنســـى غروب الشمـــــس تلفــــــــح خــــــدكـ الباكـــــــــي
و هل أنســـــــــــــــــــــــــــــاكـ كيف و قلبـــــــــــــــي مــــــأواكـ
أحبــــــــــــــــــــــــــكـ
أينمــــــــــــــــــــــا تمضيــــــــن عن عينــــــــــــــــي ألقـــــــــاكـ
و طائــــــــر نورس يشـــــــــــــدو هنالـــك في أنيـــــــــــن البحـــــــر
مــــــــلء البحـــــــر أهــــــــــواكـ
على الحيطـــــــــــــان ترتسميــــــن و في الأوراق تبتسميـــــــــــــــــــن
مــــــــــن أرض إلـــــــــــى أرض يطاردنـــــــــــــي محيــــــــــــــاكـ
وبين الفجـــــــــر و الإشــــــــــراق تنبعثيــــــــــــن من روحـــــــــــــي
فـــــــــــــلا أدري فــــــــــــلا أدري إذا مــــــــــا كنــــــت امــــــــــــرأة
أم الإصبــــــــــــــاح غنــــــــــــــاكـ

ثم أكمل و هو يرفع وجهها بيده كي تطالعه مباشرة و قال (( لقد بين لي غضبكـ بأنكـ تحبيني.. هل أنا مخطئ؟ )) قالت له و قد أحمرت وجنتاها من شدة خجلها (( أرجوك لا تضايقني.. أنت تخجلني )) قال لها بأعلى صوته و هو يرفع يديه عاليا ليضايقها (( قوليها بصوت عاااااالي.. قولي أحبــــــــــك ليسمعهااااا الجميييييييع )) ضربته بيديها على صدره لتسكته و من دون أن تقصد جاءت ضربتها قوية قليلا فوقع سليم في الغدير و تبلل كله بالماء، وعندما رأت أنه بخير ضحكت بشدة لأنها ثاني سقطة له في هذا الغدير، فضحك سليم معها ثم ذهبت تركض متجهة لخيمتها فنهض سليم ثم قال (( أنا قادم إليك يا يزن.. انتظرني ))



الجــــــــ 42 ـــــــزء:

و عندما عاد سليم إلى الخيمة وجد أكرم لوحده فقال له بحزم (( أين يزن؟؟ أخبرني أين هو فلا أحد سواك يعلم )) أشار أكرم برأسه إلى خلف الخيمة من دون أن يتكلم، فذهب سليم إلى الخلف ورآه فركض يزن و وقف وراء أكرم ليحتمي به، فقال أكرم (( ابتعد عني و تفاهم معه هو.. تستحق كل ما سيحصل لك منه، لو لم تكن تعرفه لعذرتك )) صاح يزن قائلا بيأس من وراء أكرم (( اسمع يا سليم لدي صفقة لك اسمعها ثم قرر إذا كنت ستقبل بها أو ستقتلني )) أمسكه سليم بقوة من كتفيه و سحبه نحوه ثم قال له (( لا أريد سماع شيء منك يا محتال أريد قتلك و بسرعة يا كاذب.. ألم تكتفي بكل تلك الأكاذيب التي ألفتها عني حتى تخبرها عن رفض أمي و عن ابنة خالتي!! الآن سأحطمك دون شفقة و لن أندم على ذلك أبدا )) قال يزن بخوف و هو يحاول الهرب من يدي سليم (( أرجوك سامحني يا سليم.. أنا صديقك منذ الطفولة لا تنسى ذلك )) قال سليم (( أنت من نسي ذلك عندما حاولت أن تفرقني عن مآثر )) قال يزن بسرعة حتى ينقذ نفسه (( عندي طريقة مضمونة و سريعة للخروج من هنا و إن قمت بضربي فأقسم أني لن أخبرك و إذا حل الليل فأنت تعلم أن صقر سيأتي لقتلنا و لن ننجو منه.. لنتفق الآن دعني أرشدكما إلى الوسيلة الوحيدة للخروج من هنا و مقابل ذلك سامحني و لن أتدخل في شئونك مرة أخرى أعدك.. ماذا قلت؟؟ )) ثم ألتفت يزن إلى أكرم و قال له بقهر لأنه لم يتكلم (( ما بك صامت هكذا؟ هيا تحرك و ساعدني على أقناعه حتى نخرج من هنا قبل أن يأتي صقر )) قال أكرم (( أعطه فرصة يا سليم، فلو كان صادقا لأنقذنا من المصيبة التي وقعنا فيها بسببك.. هيا اتركه و اسمع ما عنده ثم قرر ما ستفعله، مع أني كنت أتمنى أن تضربه حتى يتوقف عن التدخل فيما لا يعنيه )) تركه سليم و قال له (( هيا تكلم )) قال يزن بفضول بدون أن يتعلم من الذي حصل معه (( لماذا أنت مبلل هكذا ما الذي حصل لك؟! )) رد عليه أكرم بيأس من حاله (( ألم تترك هذه الصفة بعد؟! ما زلت تسأل عن كل صغيرة و كبيرة.. الظاهر أن التوبة لا تنفع مع أمثالك.. هيا يا سليم اضربه لأنه كاذب و يضيع علينا وقتنا )) قال يزن (( لاااااااااا، لا تضربني لن أتدخل و لن أسأل، سنخرج بواسطة هذا )) ثم أخرج جوالا من جيبه فقال له سليم بغيض و غضب (( لديك هاتف نقال و لم تتكلم منذ البداية، لقد هدنا التفكير في وسيلة للخروج من هنا و أنت صامت لم تتكلم أيها البخيل )) قال يزن (( لقد نسيته لأنه جديد و قد أقفلته عندما توجهنا للمطار و عندما وصلنا إلى هنا نسيته مع أغراضي القديمة و لقد وجدته عندما عدت منذ قليل و عندما فتحته اكتشفت أنه مازال يعمل.. هيا خذه و اتصل برجالك و دعنا نذهب من هنا فلقد سئمت من الصحراء و من الحر و من ضربات سليم )) قال سليم و هو يأخذ الهاتف بقوة منه (( أعطني هذا الهاتف و أرجو أن يصدق رجالي بأني حي )) و أخيرا اتصل سليم برجاله و أقنعهم بأنه حي و بأنه بحاجة إلى هيلكوبتر لكي يرجع.... و بعد نصف ساعة كان سليم خارج الخيمة يكلم مآثر و معه أكرم و يزن.. قال سليم لمآثر (( أخيرا سأذهب للمدينة.. و بعدها سنتزوج، فبعد قليل سيأتي رجالي في إحدى الطائرات و سنذهب من هنا.. كم أنا مشتاق للقاء أمي و أبي و أخبارهما عنكـ )) ابتسمت له ثم قالت (( لا تستعجل، قبل أن تتزوجني يجب أن تخطبني )) قال سليم (( المهم أنك موافقة )) قال أكرم (( بل المهم أن يوافق خالها أي يجب أن تشتاق لخالها جمال بدلا من تشتاق لوالديك )) رد عليه سليم (( اخرس يا ثرثار.. و أنت يا يزن ألن تتقدم لتعتذر )) قال يزن بعناد (( و هل ستضربني إن لم أفعل )) قال أكرم (( أنا سأضربك إن لم تفعل )) قال يزن مستسلما (( حسنا أنا آسف يا مآثر.. كل ما قلته لكـ كان كذبا.. أنا أعترف بأني كذبت عليكـ فأنا في حياتي لم أسمع أن سليم تزوج أبدا و لم أرى أي امرأة قد شدته أو حتى أعجبته، و لم أره و قد أحب امرأة سواكـ أنت فأرجوكـ سامحيني أو اضربيني حتى يسامحني هو فماذا قلت؟؟ )) قال أكرم مشجعا لها (( هيا اضربيه ما دام يطلب ذلك.. اضربيه و لا ترددي فهو يستحق )) قالت مآثر بتسامح (( لا، لن أضربه يا أكرم.. لقد أعترف بذنبه و الاعتراف بالحق فضيلة.. لقد سامحتك و لكن لا تكررها )) جاءهم صوت أرعبهم من ورائهم قائلا (( إن كنت لن تفعلي فأنا سأفعل ذلك بكل رحابة صدر يا عزيزتي )) التفتوا جميعا إلى الخلف فرأوا صقر مع شباب قبيلته و كلهم مسلحين ببنادقهم و قد أحاطوا بهم بسرعة فقالت مآثر بدهشة (( صقــــر؟! )) قال لها صقر و هو يقترب منها (( نعم صقر.. سأضربه و أقطع رؤوس أصدقائه إن شئت )) قال له سليم بغضب (( ابتعد عنها و لا تقل لها عزيزتي و إلا ضربتك يا ذا الأنف المكسور )) قال أكرم بخوف و صوت خافت (( رائع، لا ينقصنا إلا أن تذكره أنك أنت من قمت بكسر أنفه )) رد سليم (( إنه لم ينسى حتى أذكره )) صاح بهما صقر (( اخرسا أنتما الاثنان فأنا لم آمركما بالكلام.. لن تخرجوا من هنا أحياء أبدا.. أما أنت أيتها الخائنة فسوف أجعلكـ تتمنين الموت ألف مرة عندما أتزوجكـ.. سأعذبكـ كثيرا و لن أسمح لكـ بالذهاب لرؤية أبنتكـ أبدا و سأتزوج من ابنة عمي حتى تكوني خادمة لها )) قال يزن لسليم بصوت منخفض (( هذه المسكينة لها منافسات في كل مكان، صقر مع ابنة عمه و سليم مع ابنة خالته.. لو أنها قبلت بي، لما وجدت منافسة لها فأنا مقطوع من شجرة و ليس لي لا أعمام و لا أخوال )) ضربه سليم في رأسه بقهر من تفكيره (( بدلا من هذه الثرثرة اخرس و فكر معنا في طريقة للنجاة من هذا المتعجرف.. سوف يقتلنا إن لم نتصرف بسرعة )) قال له أكرم و قد بدأ نواحه المعتاد (( اضربه و اكسر له رأسه حتى تكمل ما بدأته.. لو أنك أمسكت نفسك قليلا عندما كلمته في المرة الماضية لما تبعنا إلى هنا )) التفتوا جميعا لصقر عندما سمعوه يقول لمآثر (( من سيحميكـ مني الآن.. سأتزوجكـ و لن يمنعني أحد و لن يجرؤ هذا الجبان المسمى عزيز على اللحاق بنا )) ثم أمسك يدها و جرها ورائه بقوة فصرخت بألم و لكن سليم أخذ يدها منه و جعلها تقف خلفه ثم دفع بصقر بعيدا عنها بقوة حتى طرحه على الأرض و قال له بغضب كبير (( إن كنت تريد الموت فخذها معك.. إياك أن تلمسها أيها الحقير.. أنا هنا و أنا من سيدافع عنها و أنا من سيمنعك من إيذائها.. إن كنت تحب نفسك فاذهب من هنا أو قاتلني كرجل بدلا من الاحتماء برجالك أيها الضعيف )) نهض صقر و قال بلهجة حادة (( أتصرخ في وجهي.. الآن سأريك من أنا.. ابتعد أنت من أمامها و دعها تأتي معي أو سأجعل رجالي يطلقون النار عليكما معاً و معكما أصدقائك )) لم يأبه سليم بكلامه بل قال له بتحدي (( إن كنت تمتلك ذرة من الرجولة فافعل ذلك.. هيا أطلق النار علي و سترى ما سيحدث لك )) صاحت مآثر برعب من فكرة موت سليم بسببها مرة أخرى (( لاااااااااااا، لا تفعل له شيئاً.. أنا سآتي معك، و لكن دعهم في حالهم يا صقر.. سليم لا يعرف ماذا يقول )) قال لها صقر (( من سليم هذا؟! )) ردت بسرعة و هي ترتجف من الخوف (( أقصد عزيز.. لقد أخطأت و لكن سامحه أرجوك )) ثم التفت لسليم هامسة له بحنان و توسل (( لا تتحداه من أجلي يا سليم.. أنا أحبك و لن أحتمل فكرة أن تتأذى من جديد بسببي فكيف إذا قتلك هذا المتوحش أمامي.. لقد وعدتني أن تذهب الحزن عن عيني و قد نجحت و لكنك إذا مت الآن فستجعله ملازماً لي طيلة حياتي.. دعني أذهب معه فلن تنجو أنت و أصدقائك إلا بهذه الطريقة، و مثلما ضحيت بحياتك لتثبت لي حبك آن الأوان لي لأفعل مثلك و أثبت لك ما كنت تريد سماعه عند الغدير )) نظر سليم لها بضيق و قهر لأنها اعترفت بحبها له الآن و هو لا يريد أن تذهب هذه اللحظة بسبب صقر المتعجرف.. لقد غضب كثيراً من طلبها من صقر بأن يسامحه و من فكرتها بأن تذهب مع صقر لتنقذه فصاح بها بصوت سمعه الجميع (( لا تطلبي السماح لي فأنا لم أخطئ.. هل عندكـ شكـ في أنني أستطيع حمايتكـ؟! لن تذهبي معه بل سأحميكـ بروحي و لن يمسكـ أحد بسوء.. هل سمعت يا صقــــر؟؟ هي لن تأتي إليك فافعل ما بدا لك )) احمر وجه صقر كثيراً من شدة غضبه، ثم التفت إلى رجاله و قال لهم بصوت هادر (( أطلقوا النار عليهما معــــــــــاً )) خافت مآثر و تمسكت بقوة بسليم و هي تغمض عينيها خوفاً من الرصاص، و عندما رفع رجال صقر أسلحتهم سمعوا صوتاً هادراً قوياً يأتي من بعيد و تناثر الرصاص حولهم فأخذوا يجرون في كل الاتجاهات و عندما رأوا طائرة الهليكوبتر تقترب منهم رموا أسلحتهم و هربوا عن قائدهم، فأخذ صقر يصرخ قائلاً (( أرجعوا أيها الجبناء، لا تذهبوا و تتركونـــــي )) و نزل ثلاثة من رجال سليم من الطائرة و أحاطوا بصقر، ثم قال أحدهم و هو يرفع مسدسه في وجه صقر (( ماذا نفعل به يا سيد سليم؟! هل نقتله مثلما أراد أن يفعل معكم؟ )) رد سليم بهدوء (( طبعاً لا.. نحن لسنا مثله )) قال أحد رجاله (( حمداً لله على سلامتك يا سيدي.. لقد خفنا عليك كثيراً )) رد سليم (( شكراً لكم يا أصدقائي فلولاكم لكنا الآن أمواتاً بسبب هذا الجبان الصامت الآن)) ابتسم الرجل و هز رأسه احتراماً ثم قال لسليم برسمية (( متى تأمرنا بالذهاب من هنا يا سيدي؟ )) قال له سليم (( طبعاً الآن، و اتركوا هذا الأحمق حتى يرجع لرجاله الضعفاء )) و عندما ترك الرجال صقر أخذ يركض بسرعة و هو يتوعد بالانتقام الشديد فضحك الجميع عليه، ثم التفت سليم لمآثر و قال لها و هو في قمة سعادته لأنها احتمت به عندما أحست بالخطر (( هيا أعطيني يدكـ لنذهب من هنا.. سوف أرجعكـ لبيتكـ بأمان )) قالت له مآثر بابتسامتها المعتادة (( لا يا سليم.. لن أذهب معك.. أذهب أنت و إذا خطبتني و وافق أهلي فالأفضل أن يأتوا هم ليأخذوني من هنا )) قال لها سليم (( و لكن أنا خائف عليكـ من صقر )) قالت له (( لا تخف.. هذا الغبي لا يجيد فعل شيء سوى التباهي، ثم أن أباه سيعود اليوم و أنا أمانة عنده و هو يعلم جيداً ما سيحدث له إن فرط في أمانة جمال الحسيني.. هيا أذهب و سنلتقي في المدينة بإذن الله.. إلى اللقاء )) و دعها سليم ثم قال لأصحابه (( هيا بنا إلى العاصمة )).....

 
 

 

عرض البوم صور الغالي المزيون   رد مع اقتباس
قديم 25-12-10, 07:28 PM   المشاركة رقم: 22
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2010
العضوية: 203983
المشاركات: 22
الجنس ذكر
معدل التقييم: الغالي المزيون عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدOman
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الغالي المزيون غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الغالي المزيون المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي

 

الجــــــــ 43 ـــــــزء:

كانت جمانة جالسة في حديقة منزلها و هي تشرب الشاي بهدوء مع ابنها أمجد.. كانت ما تزال تظن أن سليم ميت لذلك كان الحزن مسيطراً عليها أغلب وقتها.. و عندما لاحظ أمجد أنها رجعت تفكر بسليم قال لها (( يبدو أن جلوسي معكـ لا يفرحكـ يا أمي )) نظرت إليه ثم قالت له بهدوء (( هذا غير صحيح، و لكن الذي يحزنني أني أريد لك الخير و لكنك دائماً تعصيني و لا تستمع لكلامي )) قال لها باستنكار لكلامها (( ما الذي عصيتكـ فيه؟! أنا لم أفعل شيئاً سوى أنني تركت ايطاليا و جئت للعيش في بلدي.. و أنت الآن بنفسكـ جئت للعيش هنا، اسأليني و آمري و اطلبي ما شئت فلن أرد لكـ أي طلب اليوم )) قالت له (( إذا طلبت هل تعدني بأن تنفذ؟؟ )) قال أمجد بثقة (( طبعاً أعدكـ )) قالت بحزن (( صوفيا أصبحت وحيدة و حزينة من بعد موت سليم )) قال أمجد بدهشة (( من هي صوفيا؟!! )) ردت أمه بغضب و هي تظنه يتلاعب بها (( ابنة خالتك.. لا تتحامق الآن و تدعي أنك لا تعرفها، لن أجد لها رجلاً يحترمها و يصونها مثلك )) أشاح أمجد بوجهه عنها و لم يتكلم فقالت له بعصبية (( لماذا خرست عندما علمت من هي؟! يجب أن تتزوجها يا أمجد حتى تخرجها من حزنها )) قال أمجد بقهر و غيض (( يبدو أنني رقم 2 من بعد السيد سليم.. ألم تجدي في هذه الدنيا عروساً لي غير صوفيا؟؟ آسف و لكني لن آخذ قمامة سليم، ثم أنا لا أفكر بالزواج الآن و لا تنظري إلي بهذا الشكل لأني لن أغير رأيي مهما حصل )) صاحت جمانة بغضب (( كيف تجرؤ على وصف صوفيا بالقمامة؟!! )) ثم قالت بصوت عالٍ (( كامل.. تعال إلى هنا بسرعة )) قال أمجد بعناد (( لن تخيفيني يا أماه و تأكدي بأني لن أغير رأيي لذلك لا تتعبي نفسكـ )) و عندما رأى كامل بجسمه الطويل و عضلاته البارزة قال و هو يحاول أن لا يظهر خوفه (( من هذا الشبح ذو الشعر الأبيض يا أمي؟! هل تعتقدين بأنكـ ستخوفينني بهذا العجوز؟ )) قالت له بهدوء محاولة تخويفه أكثر (( السيد كامل يعمل عند أباك منذ عشر سنوات.. صحيح أنه بستاني و لكن لا يغرك تقدمه في العمر و شعره الأبيض فهو ما زال قوياً )) ثم قالت بلهجة حازمة (( هيا يا كامل خذ هذا الولد من أمامي و اضربه بشدة لأني أريده أن يتأدب عندما يتحدث مع أمه )) قال أمجد برعب (( مــــــاذا؟! يضربني؟؟ لقد تعديت العشرين بعدة سنوات!! أنا الآن رجل و أعرف كيف أتصرف بحياتي فلست طفلاً في العاشرة من عمره و ضربكـ لي لن يفيدكـ بشيء )) قالت له ببرود و عناد (( لقد اكتشفت بأنك غير مؤدب و بعض الضرب سيفيدك كي تكلمني باحترام )) قال لها عندما أمسكه كامل من يديه (( أنا آسف.. أرجوكـ سامحيني و لكن لا تدعيه يضربني فأنا كبير على الضرب.. يا إلهــــــــي يجب أن تفهمي بأني كبرت و عندما يرجع أبي و أخوتي فسوف يسخرون مني بسببكـ )) قالت له بفرح (( إذن هل ستتزوجها؟؟ )) صاح بضجر من عنادها (( لااااااااا، لا، لا لن أتزوجها.. لا يوجد في الدنيا أمامكـ غير سليم و صوفيا، رحل سليم و بقيت هذه المشئومة عالة على صدري.. لن أتزوجها حتى لو طلبتي منه أن يقتلني )) غضبت جمانة منه بشدة لأنه لم يخضع لتسلطها فصاحت بكامل قائلة بغضب و قهر (( هيـــــــــا خذه من أمامي و آمر بعض الرجال أن يمسكوه جيداً حتى لا يهرب.. لا أريد أن أراه بل أريد سماع صوت صراخه )) قال أمجد بمحاولة أخيرة و هو يعرف جيداً أمه التي تحب التسلط و العناد (( اتركيني يا أمي.. أخبريه أن يدعني لا تستطيعين إجباري على الزواج بها.. كل إخواني رفضوها، فلماذا أنا؟! سأتزوج أي واحدة تريدين و لكن ليس صوفيا و أيضاً أريدها من هنا عربية خالصة و ليس امرأة عاشت طيلة حياتها في إيطاليا )) قالت به و الغضب وصل حده معها (( اخــــــــــرس.. لا أريد سماع صوتك.. هل تريد أن يكون مصيرك مثل سليم.. أنا لا أصدق كيف أستطاع أن يحب تلك المرأة، إنها لا تستحقه.. لقد ركض ورائها مثل المجنون حتى قضت عليه هي و خالها اللئيم.. أجبني يا أمجد هل تريد امرأة مثلها من هنا؟! هيا أجب فكلهن متشابهات بنظري )) قال أمجد عندما أيقن أنه لن يستطيع الفرار منها (( لا يا أمي لا أريد امرأة مثلها )) قالت جمانة بفرح لأنها استطاعت أخيراً إقناعه (( يبدو بأني سأسامحك، لذلك أنا أقول بأنه لا يوجد من يستحق صوفيا بعد سليم سواك أنت )) قال أمجد حتى يقهرها و يغضبها (( أني أريدها هي يا أمي.. أريد من سلبت عقل و قلب أخي، أريد مآثر.. و بما أن سليم قد مات فسأذهب أنا لخطبتها.. آآآآه لو أنكـ رأيتها لما تعبت و أنت تحاولين إقناعي بصوفيا.. هيا أخبريني متى سنذهب؟؟ )) وقفت جمانة و هي تبحث في الحديقة باهتمام حتى وجدت عصا غليظة، التقطتها ثم توجهت نحو أمجد الذي فتح عينيه برعب شديد لأنه لم يتوقع منها أن تحاول ضربه و هي التي لم تفعل به ذلك طيلة حياته فقالت بحزم (( أمسكه جيداً يا كامل فلن يؤدبه اليوم سواي )) ثم بدأت تضربه بكل قوتها على ظهره فصرخ متوسلاً (( أرجوكـ توقفي يا أمي إن ضربكـ مؤلم جدا.. توقفي لا أريدها.. لست امرأة حتى تغصبيني على الزواج.. لن يتزوجها إلا ذلك المجنون، هو يركض ورائها و أنا أتلقى العقاب بدلا عنه.. أنا آآآآسف لن آتي بذكرها على لساني مرة أخرى و سأفعل كل ما تريدين آآآآآآآآآه ))......


الجــــــــ 44 ـــــــزء:

و في الليل عندما جاء عبد الوهاب دخل إلى البيت و جلس بجانب جمانة ثم قال لها (( كيف حالكـ، هل أنت بخير؟؟ )) قالت له بعصبية كعادتها (( من قال لك بأني مريضة حتى تسأل عن حالي؟! أين كنت طوال اليوم؟ أولادك الثلاثة قالوا بأنك لم تذهب إلى الشركة، اعترف بدون كذب )) قال لها و هو يضحك (( ألم يخبركـ أمجد؟ )) ردت عليه (( لا، لم يخبرني بشيء.. أخبرني الآن ما الذي يحصل؟ )) قال لها ببساطة (( سيأتي ضيف إلى منزلنا بعد قليل )) قال له (( و من يكون هذا الضيف؟! )) رد عليها (( إنها مفاجأة )) قالت جمانة بقلة صبر (( أنت تعرف بأني لا أحب المفاجآت فأخبرني الآن و أرحني )) قال لها بعناد (( إني اسمع صوت سيارة.. لقد وصل الضيف فهيا لنستقبله، و لكن أين أمجد حتى يستقبله معنا؟ )) قالت له (( لقد أغضبني كثيراً فضربته و هو الآن في غرفته غاضب مني.. صحيح أنني ضربته بشدة و لكنه يستحق حتى لا يحاول إغاظتي مرة أخرى )) قال عبد الوهاب بدهشة كبيرة (( ضربت أمجد؟!! )) ردت عليه (( نعم و ماذا في ذلك.. أوليس ابني؟؟ )) قال لها (( طبعاً هو ابنكـ و لكنه تعدى العشرين الآن.. انه رجل و ليس طفل حتى تقومي بضربه يا جمانة.. لقد كبر أولادنا و إذا كنت ما تزالين مصرة على أسلوب الضرب فاعتقد أن لديكـ أحفاد صغار تستطيعين ضربهم إن شئت )) غضبت من تفكيره فصاحت به (( إنهم ليسوا دمى حتى ألعب بهم و أضربهم )) قال لها بعناد أكبر و قد اشتعلت الحرب بينهما (( و أمجد أيضاً ليس دمية، إنه شخص بالغ و لا يجوز أن ترفعي يدكـ لتضربيه )) وقفت والنار تشتعل بها و قالت له (( إنه ابني و يجوز أن أفعل أي شيء لمصلحته و لا تناقشني )) دخل عليهما سليم و ابتسم عندما رآهما كعادتهما دائماً لم يتغيرا، مازالا يتنازعان و يتجادلان على كل شيء فقال لهما مازحاً (( كلما خرجت أو دخلت أجدكما هكذا، ماذا فعل أمجد الشقي حتى يغضبكما؟ )) التفت إليه جمانة و أخذت تنظر إليه و هي تهز رأسها بنفي و عدم تصديق بأنه يقف أمامها حيّ يرزق، و لكن قطع عليها أمجد عندما نزل من غرفته مسرعاً و اتجه إلى سليم و رمى بنفسه عليه فسقطا معاً و قال أمجد بفرح كبير (( سليــــــــــم، أخي الحبيب.. الحمد لله أنك رجعت بالسلامة.. لقد أهنت و تعذبت بسبب نسائك )) قال له سليم و قد تألم من ثقله (( لقد اشتقت لك أيها الثرثار و لكن من تقصد بنسائي اللاتي قمن بتعذيبك؟! )) قال أمجد بصوت منخفض و هو يتصنع الخوف (( الرئيس جمانة و ولي العهد مآثر و رئيس الوزراء صوفيا )) رد سليم بصوت منخفض أيضاً ليجاريه في استهباله (( سأفهم كل شيء فيما بعد، و الآن ابتعد عني لقد آلمتني فأنت ثقيل جداً لقد زاد وزنك )) نهض أمجد ثم نظر لأمه و قال بقهر (( حتى عمري زاد و لو أن بعض الناس ما زالوا يعتبرونني صغيراً )) تجاهل سليم كلام أمجد و نهض متجهاً لوالده الغالي ثم أخذه في حضنه بقوة و قال له بشوق كبير (( اشتقت لك كثيراً يا والدي الحبيب.. كيف حالك أيها الكهل؟ )) ابتسم عبد الوهاب و قال بحنان وهو يمسح بيده على وجه سليم (( ما زلت كما أنت لم تتغير.. ما زالت روحك المرحة موجودة.. ما دمت أنت بخير يا عزيزي فأنا بألف خير )) نظر سليم إلى خلف والده حيث كانت أحن البشر إلى قلبه واقفة تنظر إليه بعينين ذاهلتين، و عندما رآها تبكي بصوت عالي ذهب إليها بسرعة و أحاط وجهها بيديه ثم مسح لها دموعها و قال لها و هو ينظر إلى عينيها (( انظري إلي يا أمي.. ارفعي عيناكـ و انظري لوجهي، لقد عدت أخيراً لحضنكـ الدافئ.. أنا حي و لم أمت فابعدي نظرة الحزن من وجهكـ.. لقد أقسمت فيما مضى أن لا أسمح لأحد بأن يتسبب في نزول دموعكـ الغالية و ها أنا الآن أرى بأني السبب في نزولها فكيف بالله عليكـ أعاقب نفسي.. هيا يا أم سليم كفي عن هذا و دعي الفرح يرجع لمنزلنا من جديد )) ثم أخذها في حضنه و ضمها بقوة و تركها تبكي على صدره و عيناه تدمع حزناً على حالها بعد فراقه.... و هكذا رجع سليم لعائلته التي قامت بتربيته.. العائلة التي أحبها من كل قلبه و التي أخذته صغيراً و قامت بتربيته بكل حب و حنان حتى كبر و أصبح رجلاً ناجحاً و مرموقاً في المجتمع...


الجــــــــ 45 ـــــــزء:

بعد مضي ثلاثة أيام كان سليم جالساً مع والده في الليل و هم ينتظرون العشاء، فقال عبد الوهاب لسليم (( والدتك ما زالت مصرة على فكرة زواجك من ابنة خالتك و لقد أرسلت لها حتى تأتي إلى هنا، لذلك يجب أن تتصرف بسرعة.. أقنعها بكلامك المعسول مثلما تفعل دائماً فهذا يجدي معها )) رد سليم و هو يرفع قدميه على الطاولة أمامه (( دعك من أمي الآن، أنا سأتكفل بإقناعها فيما بعد.. لكن أخبرني لماذا كلما تمر من أمام أمجد تشيح بوجهها عنه و لا تكلمه؟؟ أصحيح بأنها قامت بضربه؟! هيا أخبرني بسرعة قبل أن يأتي حتى أضحك عليه عندما نتعشى )) ضربه عبد الوهاب في قدمه ثم قال له (( أنزل قدميك من أمامي يا ولد! أنت هكذا دائماً، لا تهتم لشيء سوى السخرية من الآخرين و على العموم أمك لا تكلم الجميع في هذا البيت منذ يوم وصولك أي منذ ثلاثة أيام )) أنزل سليم قدميه و قال بدهشة (( و لماذا تفعل ذلك؟! )) قال والده ببساطة (( بسببك أنت )) رد سليم بدهشة أكبر و هو يشير لنفسه (( بسببي أنا!! )) قال عبد الوهاب (( نعم بسببك أنت.. لأننا عندما علمنا أنك حي لم نخبرها بذلك حتى لا تصدم مرة أخرى إذا توفيت من جراحك، فلقد كنت مصاباً بشدة و لم أكن أعرف إن كنت ستنجو أم لا و أكرم لم يتصل إلا مرة واحدة و انقطعت أخبارك لمدة شهر و أسبوعين.. و نظراً لحالتها النفسية الصعبة فضلنا إخفاء الأمر عنها و لذلك هي غاضبة و لا تكلمني و في صباح اليوم قامت بطرد أمجد لأنه عاندها كعادته و على فكرة والدتك قامت بضربه لأنها أرادته أن يتزوج ابنة خالتكم بدلاً منك فرفض و أخبرها بأنه سيتزوج مآثر عناداً لها و للآن ما زالت آثار الضرب موجودة على ظهره، و طبعاً لأن جميع أولادي يعانون من فقر الأحاسيس فأنا متأكد بأنه لن يتأثر من طردها له اليوم لذلك سيأتي للعشاء )) قال سليم (( ما زالت أمي قوية كما عهدتها و أنت السبب لأنك لا تعارضها في شيء.. أنا أعتقد أن أمجد قد غضب بقوة هذه المرة لأنه لم يأتي للغداء و أمجد مثل يزن لا يفوت وجبة طعام )) قال عبد الوهاب (( أمجد متعود أن يتأخر في هذا اليوم من كل أسبوع فهو لا يخرج إلا في هذا الوقت.. سيأتي الآن و سترى )) تجاهل سليم كالعادة موضوع أمجد و قال لأبيه بجدية (( لقد مضى أكثر من شهران و جمال رجل لا يخلف وعده لذلك سأذهب غدا إليه بنفسي حتى أخطب منه مآثر، هل ستأتي معي يا أبي؟ )) نظر إليه عبد الوهاب طويلا ثم قال له و هو يتنهد بضيق (( أمتأكد يا ولدي بأنك تريد المضي في هذا الموضوع؟؟ ألم تمل من ملاحقة تلك الفتاة؟ أليس لديها أحد غير خالها حتى تخطبها منه؟ الآن تمتدحه بعد أن حاول قتلك أكثر من مرة.. لماذا تريد الذهاب إليه؟ هيا أجبني أم أنك تحب تحدي الموت لتحزننا.. لا أحد يستطيع تحدي الموت و أنت تعلم ذلك و جمال الحسيني هو الموت بعينه.. هذا الرجل لا يهمه شيء في الحياة سوى التخلص منك و أنت تريد الذهاب إليه بنفسك!! .. إن لم أستطع منعك من الهلاك فيما مضى فالآن سوف أمنعك.. لن أسمح لك بالذهاب إليه أبداً حتى لو اضطررت إلى منعك بالقوة.. أتسمعني لن تذهب إليه مهما حاولت )) صمت سليم و لم يجب و أخذ ينظر لوالده بحزن فقال عبد الوهاب بصرامة (( لماذا لا تجيب؟ أم أنك لا تجيد سوى جلب الحزن لي و لوالدتك التي كادت أن تموت من الحزن عليك.. هيا أجب.. تكلم.. قل أي شيء )) قال سليم بإصرار و عناد (( لقد وعدتني أن تساعدني يا أبي.. لا تستطيع الآن التخلي عني كما لا تستطيع منعي من الذهاب.. سأذهب إليه وحدي لأتأسف منه لأني أغضبته و سأصالحه و سأفعل أي شيء يريده.. سأذهب إليه لأني وعدتها يا أبي و أنت علمتني أن لا أخلف وعدي مهما حصل )) ثم نهض و قال بضيق شديد (( أنا آسف يا أبي و لكنك لن تستطيع منعي بعد أن قطعت كل هذه المسافة.. إن كنت لا تريد مساعدتي فهذا شأنك و لكن شأني أنا هناك عند مآثر )) ثم تخطى والده ذاهباً لغرفته فقال له عبد الوهاب (( إلى أين تعال و قف أمامي فأنا لم أكمل كلامي بعد )) فجاء سليم و وقف أمامه مثلما أمره، فنظر إليه أباه طويلاً ثم لم يستحمل فانفجر ضاحكاً بصوت عالي و وقف و ضم سليم بين ذراعيه و هو يقول (( يا إلهــــــــي.. هذا هو ابني الذي ربيته فعلاً.. لقد كنت أريد أن أتأكد من صدق نواياك تجاهها، و الآن تأكدت.. أنا فخور بك يا ولدي.. أنت مثلي يا سليم فأنا أيضاً تعذبت كثيراً عندما أردت الزواج بوالدتك لأن والدها كان يكرهني كثيراً و لكني حاربته و تحديته حتى وافق )) ثم أجلسه بجانبه و قال له (( المهم أن لا تكون هذه المآثر مثل أمك عصبية و غيورة و شكاكة و لا يعجبها شيء أبداً.. لقد شوقتني لرؤيتها، أريد أن أرى الفتاة التي أذابت جليد هذا القلب الصخري و التي زادتك عناداً و مكابرة أكثر مما لديك.. هيا أخبرني عنها )) تنهد سليم براحة ثم قال له (( لا أصدق أنك فعلت هذا بي، لقد صدقتك بالفعل و الأهم إياك و التكلم هكذا عن أمي مرة أخرى و إلا سأخبرها و أجعلها تطردك مثلما فعلت مع أمجد.. أما كلامي عن مآثر فأحتاج الليل بطوله كي أكلمك عنها و الأفضل أن نتكلم بعد العشاء حتى لا تسمعنا أمي، و لكن أين قاسم و وحيد و يعقوب؟ لم أرهم اليوم أبداً )) قال والده (( لقد سافروا جميعاً في الصباح إلى إيطاليا و أنت كنت نائماً و قد أخبرونا بأنهم سيرجعون يوم زفافك من ابنة خالتك )) قال سليم (( إنهم متشائمون مثل أمي، متى سيفهم الجميع بأني لن أتزوج امرأة سوى مآثر )) قال عبد الوهاب بتحذير (( أصمت لأن أمك متجه نحونا )) عندما وصلت لهم جمانة وجهت كلامها لسليم متجاهلة تماماً وجود زوجها (( العشاء جاهز.. هيا يا عزيزي سليم أغسل يديك و اتبعني )) ابتسم لها عبد الوهاب و قال (( لا بأس سأستحمل.. لن تستمري هكذا طوال حياتكـ، فبعد أن يتزوج سليم من ابنة خالته سوف ترضين عن الجميع )) التفت له سليم و قال له بضيق (( أبي لا تبدأ معها الآن )) ضحك ثم قال (( حسناً سأصمت، هيا إلى العشاء ) و عندما جلسوا حول مائدة العشاء و بدئوا يأكلون دخل أمجد إلى البيت و عندما رآهم قال لأبيه (( لقد أخبرتك بأني قادم إلى العشاء يا أبي، فلماذا لم تخبرهم حتى ينتظروني؟ )) قالت جمانة بغضب (( و أنا أخبرتك أن لا تعود إلى البيت أبداً، و أنت يا عبد الوهاب إذا كنت تشفق عليه هكذا فاذهب معه و تسليا معاً )) نظر عبد الوهاب بغضب لأمجد ثم قال له (( كيف تجرؤ على الكذب يا ولد؟! لم تخبرني أبداً بأنك قادم )) جلس أمجد بجانب سليم ثم قال (( يجب أن يتحمل أحد العقاب معي يا أبي )) قال عبد الوهاب (( و لماذا أكون أنا؟ سليم أمامك إن أردت )) رد أمجد و هو يأكل بسرعة (( لم أفقد عقلي حتى أتكلم عن سليم أمامها، فلو فعلت لما صدقتني.. و لا تقل لي يا ولد مرة أخرى فأنا رجل و لست صغيراً.. متى ستفهمون أنت و أمي بأني كبرت؟! )) ابتسم سليم بسخرية ثم ضربه متعمداً على ظهره و قال له (( أبي متأكد بأنك كبرت و لكن أمي خائفة عليك من أن تفسد إذا لم تتزوج، فالزواج هو الوسيلة الوحيدة لإصلاح الرجل و جعله يتحمل المسئولية و لكي تثبت لها بأنك كبرت يجب أن تتزوج )) صرخ أمجد بقوة ثم قال له بحقد (( لا تفعل ذلك إن ظهري يؤلمني )) قال سليم بخبث و كأنه لا يعلم (( و لماذا يؤلمك ظهرك؟؟ إنك شرطي و لا أعتقد أنك تحمل الكثير من الأثقال )) قال أمجد (( أنا أعلم بأنك تعرف أيها الخبيث لأن أبي لا يخفي عليك شيئاً، و ما دمت تتكلم عن الزواج فأنت أكبر مني فلماذا لم تتزوج حتى الآن حتى لا تفسد أنت أيضاً؟؟ و بحسب نظر أمي أنت الرجل الوحيد بيننا، أما أنا و أبي فمظلومان بتسلطها.. لقد ضربتني بشدة عندما قلت لها بأني أريد خطبة مآثر و أنت تركض ورائها كل هذه المدة، لا بل ما زلت مصراً على الزواج بها و رغم كل ذلك لم تفكر أمي و لو للحظة بأن تضربك و لا أعتقد بأنها ستفعلها أبداً )) قال له سليم و هو يرفع حاجبه حتى يغضبه (( و هل تغار؟! أنا المفضل عند أمي و لذلك يجب أن تعاملني بامتياز أليس كذلك يا أبي؟ )) رد عليه عبد الوهاب و هو يبتسم باصطناع أمام جمانة التي تنظر إليه (( طبعا كذلك يا عزيزتي )) قالت جمانة (( دعكم من هذه السخافات الآن و أخبرني يا سليم هل أنت سعيد برجوعك إلينا؟ )) أمسك سليم يدها و طبع عليها قبلة حانية ثم قال لها بحب كبير (( و كيف لا أكون سعيداً و أنا بين أعز و أحن البشر على قلبي.. سعادتي و راحتي يا أمي لا تتم إلا بينكم هنا )) ابتسمت أمه و قالت بمكر (( إذن من المؤكد بأنك تفكر في الزواج الآن.. لأننا أنا و أباك قررنا الاستقرار هنا و لن نرجع لإيطاليا أبداً )) قال سليم ببراءة و هو لم يفهم مقصد أمه (( طبعاً يا أمي أفكر في الزواج و لن يتم ذلك إلا برضاكما أنت و أبي )) قال جمانة بفرح لأنها وصلت أخيراً لمرادها (( الحمد لله لأن صوفيا ستصل اليوم و لذلك نستطيع إقامة زواجكما يوم الخميس القادم.. صوفيا ستكون سعيدة برؤيتك يا سليم )) نظر سليم و عبد الوهاب إلى بعضهما ثم قالا بدهشة و في نفس الوقت (( من هي صوفيا؟! )) ردت جمانة بغضب (( ما بالكم في هذا البيت، كلما ذكرت لكم صوفيا تسألون من هي؟! من كنت تقصد بكلامك غيرها يا سليم؟؟ )) قال سليم باستنكار (( لقد كنت صادقاً فأنا لا أعرف من هي صوفيا هذه )) قال أمجد بشماتة و هو يبتسم لفرصته الذهبية التي أتت إليه على طبق من فضه (( إنها ابنة خالتك يا سليم.. إنها الزوجة المنتظرة )) ركله سليم في قدمه بقوة ثم قال له بغضب (( إنها ابنة خالتكم كلكم و ليس وحدي فقط )) صرخ أمجد و هو يمسك قدمه التي آلمته ثم قال (( لم أقل شيئا خاطئا حتى تغضب و تركلني، أنا أعلم أنها ابنة خالة الجميع و لكن أمي مصرة على أنها ابنة خالتك أنت لوحدك فقط )) همس له سليم متوسلا (( يجب أن تتزوجها أنت يا أمجد فأنا لا أريد سوى مآثر.. أرجوك ساعدني )) قال أمجد و هو يتصنع الجدية و الاهتمام (( لا يجوز لك أن تطلب هذا الطلب الكبير قبل أن تتأسف مني، و الأهم يجب أن تقنع أمي بهذه الفكرة المريعة )) قال سليم (( هل يعني هذا أنك وافقت عليها؟ )) قال أمجد (( طبعا لا، هل أنا مجنون حتى أفعل ذلك! هذا يعني أنني وافقت على الاحتيال )) ردد سليم وراءه بدهشة (( الاحتيال!! )) قال أمجد مفسرا و هما مازالا يتهامسان خوفا من جمانة (( نعم، سوف نحتال على أمي و نقنعها بأني أحب صوفيا و أريدها حتى تتزوج أنت مآثر و عندها سوف أتركها و أهاجر بعيدا حتى لا تقتلني أمي بمساعدة أبي ليرضيها، و لكن يجب أن تشتري لي سيارة جديدة و هاتف بعد انتهاء هذه المسألة، فماذا قلت؟؟ )) ضيق سليم عينيه و قال له (( قلت لقد بدأت أنسى صبا و لكني أعتقد بأني أراها أمامي الآن )) قال أمجد و كأن مصير سليم بين يديه (( لن يفيدك تضييق عينيك الآن.. هذا شرطي حتى أساعدك )) قال سليم بسرعة (( حسنا أنا موافق هيا ابدأ )) أخذ أمجد نفسا طويلا و كأنه يستعد لمعركة كبيرة ثم التفت إلى أمه و قال لها (( أمي أنا... )) قاطعته جمانة قائلة بغضب و صرامة (( اخرس يا أمجد و لا تحاول إفساد الأمر.. أنا أفهمك و أعرف ما الذي تريد قوله لذلك الأفضل لك أن لا تتكلم.. الويل لك إن تكلمت )) قال أمجد (( و لكن... )) وقفت جمانة و رمت أحد الصحون الفارغة عليه و لكنه تفادها ثم قال لها بخوف بعد أن سمع صوت انكسار الصحن في الأرض خلفه (( حسناً حسناً.. سوف أصمت ولن أتدخل أنا ذاهب لبيتي الآن إلى اللقاء )) و عندما أزاح الكرسي و أراد الذهاب قالت له أمه (( إلى أين تريد الهروب؟؟ لن تذهب إلى أي مكان و لن تخرج من هذا البيت أبدا إلا عندما تتزوج.. هيا عد لمكانك و أجلس و لكن أيضا اصمت و لا تتدخل في هذا الحديث )) أمسك أمجد فمه بـ كلتا يديه ثم جلس بهدوء في مكانه، فقال سليم (( أرجوكـ اهدئي يا أمي.. أنسي هذا الموضوع الآن و أعدكـ أن نتناقش فيه غدا.. هيا اجلسي لنكمل العشاء )) جلست و قالت له بعناد (( و هل سوف تنساها إذا نسيت أنا هذا الموضوع الآن؟ )) قال سليم و هو يبتسم (( آه، و من تريدين أن أنسى يا أمي؟ صوفيا؟! )) قالت أمه و هي ترد له الابتسامة (( لا.. أنسى مآثر لأنك مهما حاولت فأنا لن أرضى بأن تخطفك هذه المرأة مني، فماذا قلت؟؟ هيا أجبني الآن و لا تتهرب كعادتك )) قال سليم بهدوء شديد و هو ينزل رأسه (( أنا لا أستطيع أن أنسى مآثر يا أمي )) قالت جمانة بقهر من رده (( ماذا تعني بأنك لا تستطيع؟! إنها مجرد امرأة و يوجد الآلاف مثلها في هذه البلدة.. أرجوك قل أي كلام غير أنك لا تستطيع.. يمكنك المحاولة على الأقل و هناك الكثيرات يتمنين إشارة من إصبعك و أولهن صوفيا فماذا قلت؟؟ )) قال سليم بإصرار (( مستحييييل، مستحيل أن أفكر في غيرها يا أمي.. لقد وعدتها بأن لا أتخلى عنها و إن لم أتزوج مآثر فلن أتزوج سواها )) قالت أمه و هي تتصنع الصدمة حتى تقنعه (( إذن أنت لا تفكر في صوفيا!! )) ثم أخذت تمسح بمنديلها دموعا وهمية من على عينيها و قالت و كأنها تبكي (( و ماذا أفعل أنا عندما تأتي تلك المسكينة.. لقد أخبرتها بأنك تنتظرها.. سوف تحزن كثيرا )) قال سليم محاولاً تهدئتها (( كيف تريدين مني أن أتزوجها و أنا لم أرها و لم أتكلم معها منذ خمس سنوات.. أكيد أن أفكارها قد تغيرت عن السابق و أنها قد نست موضوع زواجها مني، ثم أنا.... )) قاطعته قائلة و هي ما زالت تتصنع البكاء (( إذاً لماذا كنت تناديها بالوحش و تقول بأنها قبيحة؟! ما الذي يدريك بأنها ليست أجمل من مآثر؟!! صدقني إنها أجمل منها بكثير و عندما تراها سوف تغير رأيك )) قال لها سليم و هو يكتم ضحكاته (( أولادك الثلاثة دائما يرسلون بصورها إلى مكتبي عندما كنت في إيطاليا.. حتى عندما جئت إلى هنا لم يكفوا عن ذلك، مع أني لم أميز شكلها من كثرة الأصباغ التي تضعها في وجهها.. و لكن بالنسبة لي لا يوجد في الدنيا من هي أجمل من مآثر )) قالت له بغيض و قد نست أمر بكاؤها (( ما الذي فعلته بك هذه المرأة حتى غسلت عقلك بهذه الطريقة؟!! ما الذي تملكه و لا يوجد عند سواها؟! )) قال سليم ببساطة و هو يبتسم لذكراها (( روحها البريئة يا أمي.. لا توجد من تملك مثل طيبتها و شفافيتها و عينيها الجميلتان.. نظرة واحدة لتلك العينان تنسياني الدنيا و ما فيها من هموم و كدر و من أجل عينيها أنا مستعد للتضحية بروحي لو طلبت مني ذلك )) قالت جمانة و هي تتجاهل غزله بمآثر أمامها (( لن ترضى بك إن عادت من عند أولئك البدويون.. ثق بي أنها ستغير رأيها و لن تقبل بك )) رد سليم بثقة و هو يكمل طعامه (( و لماذا أنت متأكدة بأنها لن تقبل بي؟ برأيكـ هل هناك من هو أفضل مني يا أماه؟! )) قالت له أمه (( طبعاً لا يوجد يا عزيزي.. و لكن بعد ما فعله عبد الوهاب بخالها، فأنا أكيدة بأنها ستغير رأيها )) قال عبد الوهاب بغضب (( ماذا فعلت يا امرأة؟؟ لماذا أخبرتيه بذلك؟! ألم تستطيعي كتمان الأمر حتى أتفاهم معه بنفسي؟؟ )) وقف سليم و قال لأبيه بهلع (( ماذا فعلت به يا أبي؟؟ أرجو أن لا تكون قد آذيته )) وقف أباه مثله و قال بصرامة و حزم (( أنا لست مثله و لكنه فطر قلبي بقتلك.. عندما اعتقدنا بأنك توفيت، علمت من أخيك النقيب خالد و من أمجد و أيضاً أكرم أن جمال الحسيني هو الفاعل و لكن لم يستطع أحد منا إيجاد أي دليل ضده.. و قبل إصابتك ذهب إليه أمجد و وعده ذلك المحتال بألا يؤذيك و للأسف مثلما وعده في لحظة نسي كل وعوده في اللحظة الأخرى.. لذلك دخلت في التجارة هنا و عملت بكل جهدي حتى نجحت أخيراً و استوليت على جميع أمواله و شركاته و هي الآن جميعها ملك لي و لم يبقى له سوى منزله و هو الآن رهن عند أحد التجار.. و هكذا استطعت أن أشفي غليلي من الرجل الذي سلبني ابني و لقنته درساً لن ينساه أبداً )) أمسك سليم رأسه بيديه و أخذ يتنفس بقوة من كثرة الضيق الذي أحس به ثم قال لأبيه و الحزن يعتصر قلبه بشدة (( لمـــــــــاذا؟!! لماذا فعلت ذلك يا أبي؟! ألم تفكر في زوجته المسكينة و التي هي أختي؟؟ ألم تفكر في أولاده؟؟ إنهم أطفال لا ذنب لهم حتى يدفعوا ثمن شيء لم يرتكبوه.. لقد قتلتني أنا بدلاً من قتله هو.. أنا من سيتأذى من عملك و ليس هو يا أبي.. أنا من سيمــــوت )) قال عبد الوهاب بغضب لا مثيل له (( كيف تجرؤ على الدفاع عنه بعدما فعله بك و بنا؟!! )) قال سليم بضيق أكبر (( أنا لا أدافع عنه، فهو لا يهمني بشيء.. أنا أدافع عنك أنت.. أنت من يهمني و ليس هو.. أنت أبي.. أنت أغلى ما عندي، كيف استطعت فعل هذا؟!! )) قال عبد الوهاب باستنكار و دهشة من كلامه (( كلامك يوحي بأني فعلت جريمة.. لقد فعلت هذا من أجلك )) قال سليم بغضب (( إن ما فعلته يعد جريمة يا أبي.. الاستيلاء على أموال الآخرين جريمة شنيعة، بفعلتك هذه تسببت في شقائي بدلا من إسعادي )) غضب عبد الوهاب كثيرا من كلام سليم و توجه له و لطمه بقوة على وجهه لدرجة أن ارتطم بالكرسي و وقع للخلف، فصرخت جمانة بخوف (( ابنـــي )) فأشار لها عبد الوهاب بيده بصرامة أخافتها لأنه أول مرة يغضب بهذا الشكل، و قال لها (( إياك أن تقتربي منه يا جمانة )) ثم وجه كلامه لسليم قائلا له (( لا ينقصني إلا أن تضربني بعدما صرخت في وجهي يا سيد سليم.. كيف تجرأت على التكلم معي بهذه الطريقة؟ هل نسيت نفسك أم هل نسيت من أكون؟! أتريد من يذكرك بأني والدك؟ هل أحزنك كثيرا ما فعلته أنا بجمال؟؟ ألم تحزن لما فعله بي و بأمك و أخوتك.. أنا لم أقم بسرقته و إنما أخذتها بطريقة شرعية عن طريق الصفقات و الأسهم )) نهض سليم بصعوبة و هو مازال يتألم من جرحه القديم و خيط من الدم نزل من شفتيه و خده أحمر بشدة من ضربة والده القوية و عندما وضع يده على صدره مكان جرحه القديم اصطبغت بالدم لأنه ارتطم بالكرسي.. فقال لأمه و هي تحاول الأقتراب منه (( لحظة يا أمي.. دعيني أشرح لأبي )) ثم اقترب من والده قائلا بخجل و هو يضع يده الثانية في كتف أبيه (( أنا آسف يا أبي.. لم أقصد أن أرفع صوتي في وجهك أو أن أقلل من احترامك.. أرجوك سامحني فأنا أعرف من تكون يا والدي و لكني أيضا أعرف أنك لست محتاجا لهذه الأموال التي كسبتها من وراء هذه الصفقات.. لقد أخطأت في الماضي و فعلت مثلك حتى أتحداه و لكني ندمت لأني لم أكن بحاجة لتلك الصفقات مع أنها كانت مبالغ رمزية و لذلك أرجعتها له في صفقات أخرى حتى لا يدري و يرفضها.. أما الآن فأنت قمت بأخذ كل ما يملك و عملك هذا سيتسبب في تشريد عائلته.. لذلك أرجوك.. أرجوك يا أبي أنسى ما حصل في الماضي لأني لو كنت قد توفيت فعلا فلن ترجعني لك أموال جمال و لن تستفيد أنت من تفكيك عائلته، أريدك أن تتنازل عن كل ما أخذته منه و تعطيني إياه حتى أرجعه الآن.. هيا يا أبي لنفتح صفحة جديدة معه و ننسى كل خلافات الماضي.. أعطني كل ما أخذته منه فغيرنا بأمس الحاجة له )) قال عبد الوهاب بهدوء و هو يزيح يد سليم من كتفه (( اصعد للأعلى يا سليم و سأتصل بالطبيب حتى يأتي ليعالجك فأنت تنزف )) قال سليم بعناده المعتاد (( و لكن يا أبي أنا... )) صاح به أبوه و هو يقاطعه (( قلت لك اصعد للأعلى و لا تناقشني فلن تذهب لأي مكان و لن تغير رأيي مهما فعلت.. هيا اذهب لا أريد رؤيتك أمامي الآن.. ما الذي حصل ليدك و ما كل هذه الدماء التي عليها؟ إنك تنزف بشدة )) قال سليم بإصرار أكبر (( إنه جرح قديم لم يلتئم جيدا لأني لم أجد له العناية الطبية اللازمة عند البدويون.. لقد انفتح الآن لأنك ضربتني بقوة يا عبد الوهاب و لن أتعالج أبدا ما لم تسمح لي بإعادة أموال جمال )) قال عبد الوهاب (( إصرارك و عنادك لن ينفعاك فلن تذهب لأي مكان أبدا و لن أرجع أموال جمال أبدا أبدا و لن أغير رأيي لأنك تنزف.. أنا بنفسي سأنزع عنك هذا القميص و سأمسك بك حتى يعالجك الطبيب لذلك اذهب لغرفتك و لا تعاندني و لا تنسى بأني ما زلت غاضبا منك و لن أرضى عنك مهما حاولت )) التفت سليم إلى أمه و قال لها (( أمي، أقنعيه أرجوك.. انظري إلى الدماء التي تنزف مني.. سأموت إن لم أتعالج لأن الجرح كبير و أنا لن أفعل حتى يقتنع هو )) قالت له أمه (( لم يصبك بهذا الجرح سوى هذا المدعو جمال، لذلك أنا من رأي والدك.. إصعد إلى الأعلى الآن )) قال سليم لأمجد (( ألن تساعدني يا أمجد؟؟ )) هز أمجد رأسه بنفي ولم يتكلم.. زاد ألم الجرح على سليم فقال بيأس و استسلام (( آه يا أمي أني أتألم بشدة لذلك سأستسلم الآن و لكني سأناقش معكما هذا الموضوع غدا.. أني أسمع أحدا يقرع الباب، سأذهب لأفتح فربما كان أكرم لأنه لم يأتي اليوم و سأسمع الكلام و أصعد لغرفتي )).....


الجــــــــ 46 ـــــــزء:

و ذهب سليم لكي يفتح الباب و عندما فتحه وجد أمامه امرأة و قد لونت وجهها بالكثير من الأصباغ أما شعرها فقد سرحته بطريقة عجيبة استغرب لها سليم فقال لها مازحاًً (( من تريدين يا صاحبة الشعر المنفوش؟ يبدو أنكـ قد أخطأت بالعنوان )) ضحكت ثم قالت له (( لا، لم أخطئ.. أليس هذا منزل خالتي جمانة؟؟ )) قال سليم (( نعم، و لكن من أنت و من تريدين؟؟ )) قالت له بتفاخر (( أنا صوفيا و أريد سليم )) اتسعت عيناه برعب عندما عرفها و سمعها تقول (( هل أنت سليم؟ )) قال بسرعة و هو يحرك يديه نفياً (( لا لا أنا وحيد، سليم داخل البيت )) قالت بحيرة و هي تنظر لشعره (( غريب.. شعر وحيد كما أذكر لونه أسود أما أنت فشعرك أشقر!! )) قال لها مبرراً كذبته (( طبعاً لون شعري الحقيقي أسود و لكني صبغته تماشياً مع الموضة هذه الأيام، و لكن انسي أمر شعري و انتظري حتى آتيكـ بسليم فأكيد أنه سيسعد بهذه المفاجئة.. انتظري هنا و لا تتحركي سأذهب لآتي به )) و دخل عنها ثم توجه لأمجد و قال له (( هناك من ينتظرك عند الباب يا أمجد )) قال أمجد بدهشة (( من ينتظرني؟! لا أحد يعرف بأني هنا )) قال سليم بخبث (( إنها مفاجأة سارة، فاذهب و استمتع يا أخي الحبيب )) و قف أمجد و قال له بتهديد (( كأني أشم رائحة إحدى دعاباتك السخيفة.. إن أوقعتني في شباكك سأقتلك )) ثم ذهب عنه فقال سليم محدثاً نفسه (( لا أعرف كيف تكون أمي مصرة على تزويجي بهذه المخيفة الملونة.. إنها حتى لا تعرفني! الآن أمجد المسكين سيبتلي بها.. يجب أن أهرب قبل أن يرجع و يقتلني مثلما قال )) ثم ضغط على صدره بألم شديد و قال بتعب كبير (( آآآآآخ.. إن الجرح يؤلمني بشدة، يجب أن أخلع هذا القميص الأسود حتى تصدق أمي مدى خطورة إصابتي فتقف معي ضد أبي )) جاءت أمه و وقفت بجانبه و قالت بعطف و هي تمسح بيدها على رأسه كأنه ما زال طفلاً صغيراً (( الطبيب سيأتي بعد قليل يا عزيزي.. هيا لغرفتك حتى تبدل ملابسك )) ثم أخذت تمسح الدم من شفتيه و أكملت (( أين ذهب أمجد و من كان عند الباب؟؟ )) قال سليم و هو ما زال يتألم (( دراكولا )) قال أمه بدهشة و حيرة (( و من هذا دراكولا؟!! أنا أعرف أكرم و يزن و لكني أول مرة أسمع باسم هذا الرجل، فمن هو؟! )) قال سليم و هو يضحك بألم (( إنها امرأة و ليست رجلاً يا أمي، و لقد جاءت تسأل عن أمجد و ليس عني و هو الآن يكلمها في الخارج )) قال جمانة باشمئزاز (( يا إلهي، امرأة و لها هذا الاسم! من أي مصيبة تعرف عليها هذا الطائش أمجد؟! )) ثم صرخت برعب عندما رأت سليم يتنفس ببطيء و يئن و هو ممسك بصدره بقوة (( سليم ماذا بك؟؟! إنك تتنفس بصعوبة و وجهك أصبح شاحباً جداً )) قال سليم بصعوبة و بصوت خافت و هو يمسك بيدها حتى لا يقع (( إني تعب جداً يا أمي و لا أستطيع الوصول لغرفتي.. أني أتألم فأتي بأحد ليساعدني )) ثم ترك يدها و هوى أمامها فاقداً لوعيه، فصرخت بشدة أكبر عندما رأته ممدداً هكذا أمامها.. و جاء أباه و أمجد بسرعة و حملاه إلى أقرب غرفة، و عندما جاء الطبيب دخل عنده هو و عبد الوهاب فقط....


الجــــــــ 47 ـــــــزء:

بعد نصف ساعة، كان أمجد و أمه ما زالا ينتظران خارج الغرفة حتى يخرج الطبيب و يطمئنهما على سليم.. و فجأة سمعا طرقاً على الباب و دخل عليهما أكرم الذي وجد الباب مفتوحاً و كان يحمل بيده الكثير من الأوراق و الملفات، فسلم عليهما و قال (( أين سليم؟ لقد وعدني أن يلاقيني الآن )) أشار له أمجد بالرحيل و لكنه لم يستمع له ظناً منه أنها إحدى حركات الاستهبال التي تعودها منه و إنما أعاد السؤال عن سليم، فتوجهت نحوه جمانة و قالت له بعصبية (( لمـــــاذا؟؟! )) قال أكرم ببراءة و هو لم يفهم سبب غضبها منه (( لماذا ماذا يا خالتي؟ أنا لم أفهم ماذا تقصدين )) صاحت به (( لا تنادني خالتي )) قال أمجد (( لأنه لا يوجد عندها ابنة أخت سوى صوفيا )) ضربته بقهر على ظهره و قالت له (( أخرس أنت و دعني أكمل كلامي معه )) قال أمجد (( كنت أحاول تلطيف الجو )) ردت عليه (( و من طلب منك ذلك؟؟ المطلوب منك فقط الجلوس صامتاً )) وضع أمجد يديه على فمه و ابتعد عنها ليجلس في إحدى الكراسي البعيدة.. فالتفت جمانة لأكرم و أكملت معه قائلة (( لماذا سليم لديه كل تلك الإصابات و أنت و يزن مثل الأحصنة ليس بكما شيء؟! )) نظر إليها أكرم بدهشة و خوف و لم يجبها، فخرج لها عبد الوهاب و قال لها بعتب (( ما هذه التصرفات يا جمانة؟!! أكرم مثل ابننا سليم و لا يجوز لكـ معاملته على هذا النحو.. إن نهض سليم فلن يرضى بأن تهيني صديقه هكذا )) قالت جمانة (( لم أقل سوى الحقيقة يا عبد الوهاب.. فجسم سليم به إصابات كثيرة غير الرصاصة، و أكرم و يزن صحيحان لا يعانيان من شيء )) قال أكرم بعد أن أفاق من صدمته (( لا بأس دعها يا عمي، سأخبركـ بكل الذي حصل لابنكـ يا خالتي )) قال أمجد مقاطعاً كعادته (( ألم تفهم يا محامي سليم؟؟ هي لا تريد أن يناديها أحد "خالتي" غير صوفيا )) قال أكرم بقرف (( و هل وصلت هذه المشئومة؟! و تريدين أن تعرفي لماذا هو مصاب و متعب!! هذا بسببها بالتأكيد.. أين هي يا أمجد؟ كم أتمنى أن أرى عروس المستقبل )) قال أمجد و هو ينظر إليه بدهشة و قد تجاهلا وجود جمانة الغاضبة حد الانفجار (( ألست خائفاً على سليم يا أكرم؟! لقد أغمى عليه و كان منذ دقائق يعجز عن التنفس.. لماذا لا تبكي و تصرخ مثلما قال عنك يزن )) قال أكرم (( هناك بكيت و صرخت لأنه لم يوجد طبيب و بذلك لم يجد سليم الرعاية الصحية المناسبة، و كثيراً ما كان جرحه يلتهب بسبب عدم توفر الأدوية.. أما عندما عدنا فلقد وعدني بأنه سيذهب إلى الطبيب لكي يعاينه و لكن ما دام قد عاند و كابر كعادته و لم يفعل فهذا شأنه )) قالت جمانة و غضبها قد زاد من تجاهلهما لها (( اصمتا معاً و لا تتكلما حتى آمركما، و إياكما و السخرية من صوفيا فسليم كان يريدها لولا أن سممتما أنتما الاثنان أفكاره ضدها.. هيا تكلم يا أكرم و أخبرني سبب كل تلك الإصابات على جسمه.. مستحيل أن يكون كل ذلك بسبب رصاصة واحدة! )) قال أكرم وقد بدأ يغضب من اتهامها الصريح له (( إصابته لم تكن بسببي أنا و يزن، فالرصاصة أصابته بسبب جمال فهو من كان يريد قتله لا نحن، أما الجروح و الإصابات الباقية فهي بسبب ابنكـ المتفاخر.. هو من سببها لنفسه عندما أراد أن يركب على إحدى الأحصنة حتى يثبت لمحبوبته أنه رجل.. لقد أراد أن يطلب يدها هناك عندما كنا في الصحراء و بعناده المعتاد اختار حصاناً أبيضاً و كان هذا الحصان صعب الترويض لكن سليم بسبب عقله المتحجر لم يقتنع أن يتركه و لذلك أخذ الحصان يرميه على الأرض في كل مرة يقترب منه حتى أصابته الصخور في كل جسده، و لا تقولي أنني و يزن صحيحان و لم نصب بشيء فلقد كسرت يدي بفضل ابنكـ بعد أن و قع عليّ و يزن تعرض للضرب الشديد مرتين على يدي سليم لذلك لم يرجع أحد منا بدون إصابة و لو جمعنا كل ما أصابنا لوجدناه بسبب ابنكـ المدلل.. فلو لم يتحدى جمال الحسيني بتلك الصورة العلنية لما غضب و أطلق الرصاص عليه و لما أمر رجاله بإطلاق ذلك الصاروخ علينا.. و الآن هل تريدين سماع المزيد؟؟ )) قالت له و هي تهز رأسها بصدمة من كلامه (( لا.. لا أريد سماع المزيد من أكاذيبك عن ولدي.. حتى المجنون لن يصدق هذا الكلام أيها المدعيّ.. كيف استطعت تلفيق كل هذا الكذب عن سليم؟! إنه صديقك و لا يتباهى بأحد سواك و لكن أنا سأتصرف معه إن لم يعمل على طردك )) قال أكرم (( أنا لم أكذب.. كل ما قلته حقيقة و اسأليه إن شئت )) خرج الطبيب من عند سليم و قال لهم بعتب و ضيق (( ما هذه الضجة التي تعملونها؟؟ المريض بحاجة لبعض الراحة )) نظر إليه أكرم بدهشة و قال له (( د.حسام؟! كيف رضيت أن تأتي إلى هنا و تعالج سليم!! )) ابتسم حسام و قال له بمرح (( إذن أنت هنا.. كان يجب أن أعلم أن هذا الإزعاج سببه وجودك هنا )) ثم اقترب حتى وقف أمامه مباشرة و قال له (( لقد أتيت لمعالجة أخي و الاطمئنان عليه.. مع أن عمي عبد الوهاب طلب طبيباً آخر لكن من حسن حظي أنه كان صديقي و كنت في مكتبه نشرب القهوة معاً و هو يعلم جيداً قصتنا مع سليم.. و عندما علمت منه أن أخي على قيد الحياة لم أستطع الانتظار فأتيت بنفسي إليه )) ابتسم أكرم بخبث ثم قال (( سليم أخوك أنت!! آه حسناً، و لكن هل هذا هو رأي النقيب خالد أيضاً )) قال د.حسام بضيق من موقف أكرم ضد خالد (( أبعد ابتسامة السوء هذه عنك.. أنا و خالد نحب سليم و سنأتي لنصالحه عندما يشفى و ننسى كل خلافات الماضي، فسليم بين للجميع أنهم مخطئون بشأنه و لذلك نحن نادمان على ما حدث في السابق و نود فتح صفحة جديدة معه و يجب أن تساعدنا يا سيد أكرم لا أن تقف ضدنا )) قال أكرم (( أبعدني عنكم و عن أخاكم فلا دخل لي بكم لأن أخاك سيادة النقيب رفضه بقسوة و أسمعه كلمات أستغرب أن سليم لم يقتله بسببها، و أنت منعت طفلك عنه و رفضت أن يناديك بأخي.. لذلك حاربوه لوحدكم إن أردتم أو صالحوه لوحدكم و لا تدخلوني بينكم )) قال عبد الوهاب (( كفى يا أكرم، لقد انتهى كل ذلك الآن و من يمد لنا يده عار علينا أن نرجعها.. تعال و أجلس بجانبي أيها الطبيب و أخبرنا بحالة سليم فقد خفنا عليه كثيراً )) ابتسم حسام لطيبة عبد الوهاب بعد أن أحرجه أكرم أمامهم و قال وهو يخلع نظارته الطبية (( لا يجب أن تخاف عليه يا عمي فهو بخير، و لكن عنده التهاب في عدة أماكن من جسمه و أكثرها في صدره حيث أصابته الرصاصة التي كانت قريبة من قلبه و هذه الإصابة خطيرة و كان من الممكن أن تتسبب في وفاته لولا أن عولجت ببعض الأعشاب المفيدة.. و عندما تماثل للشفاء أصيب مرة أخرى في نفس الموضع بإحدى الأحجار كما أعتقد )) ثم التفت إلى أكرم مكملاً كلامه (( اشرح لنا يا سيادة المحامي من الذي أصاب سليم بالأحجار في صدره؟؟ )) نظر الجميع إلى أكرم بتساؤل فخاف أكرم كعادته و علم أن حسام قد انتقم منه الآن فقال بتوتر واضح (( ابعدوا نظراتكم المريبة عني فلم يعمل أحد على إصابة سليم بالأحجار.. لقد شرحت لكم منذ قليل أنه هو من أصاب نفسه عندما أراد التباهي أمام مآثر.. لقد كان يحاول ركوب أحد الأحصنة فغضب الحصان و رماه على الصخور و هذا هو سبب إصابته )) أمسكته جمانة من قميصه و شدته إليها و قالت له (( لماذا لم تدافعا أنت و يزن عنه؟؟ كيف سمحتما بأن يضرب أبني أمامكما بالحجارة؟! )) قال أكرم (( اتركيني يا خالتي.. أقسم أن ما قلته هو الحقيقة.. ثم كيف صورت لك نفسك أن أحدًا قام بضربه بالحجارة! من الذي يجرؤ على فعل ذلك؟! إن ابنكـ رجل بالغ و ليس طفلاً حتى يضرب بالحجارة )) تركته و قالت و هي تشير بيدها للباب (( اخرج من هنا لا أريد رؤية وجهك )) قال لها بدهشة (( هل تطرديني؟! )) قالت له (( نعم، و الآن هيا لا أريد رؤيتك أمامي و لا ترجع إلى هنا أبداً فسليم لا يريد شخصاً مثلك لكي يكون صديقه.. هيا أخـــرج )) قال أكرم (( و لكني... )) قاطعته بقوة (( الآن )) تنهد بضيق و تركها ثم حمل أوراقه و خرج عنهم بهدوء.. فقال لها عبد الوهاب (( لماذا فعلت هذا يا جمانة؟! )) ردت عليه (( لا تقل لي لماذا.. أنت السبب يا عبد الوهاب، فلو لم تصفع سليم لما حصل له كل هذا )) قال عبد الوهاب و هو يرفع يديه باستسلام من تقلباتها (( رائع، الآن ذهب أكرم فانتقلي إلي أنا )) ثم قال لها بحنان و هو يجلسها بهدوء ليطمئنها (( اهدئي يا عزيزتي.. سليم سيكون بخير في الصباح ))....


الجــــــــ 48 ـــــــزء:

و في الصباح كان سليم جالسا في سريره و بجانبه يقف أكرم و ينظر إليه و هو صامت لأن سليم كان يضحك عليه بشدة.. و عندما توقف سليم استغرب هدوء أكرم فقال له مبتسماً (( لماذا لا تغضب و تنهرني كعادتك.. أنا آسف يا أكرم و لكني لا أصدق أن أمي فعلت بك كل هذا.. يجب أن تعذرها لأنها خائفة على ولدها الحبيب )) رد أكرم بهدوء (( إنها خائفة على ولدها المدلل يا خفيف الدم.. لو كنت أعلم بأنك ستسخر مني هكذا و تضحك بهذه الطريقة لما جئتُ لأراك )) قال سليم و هو يمسك بيد صديقه (( حسناً اهدأ.. هيا أجلس.. أمجد أخبرني بأنك كنت البارحة تحمل الكثير من الأوراق و الملفات فلماذا أتيت بها؟؟ )) قال أكرم بضيق شديد و هو يشيح بوجهه عن سليم (( أتيت لأودعك يا سليم )) وقف سليم بسرعة و قال له بصدمة (( ماذا قلت؟! تودعنــــــي!! )) قال أكرم بحزن و هو يقاوم دموعه و قد أنزل رأسه للأسفل (( لا تحاول منعي و لا تنطق حتى بكلمة لأنك لن تغير رأيي.. أنا ذاهب يا سليم.. سأرجع إلى إيطاليا مع عائلتي و سأشرف على أموالك هناك إن أردت أن تبقيها على حالها أو سأجد أي عمل آخر يناسبني.. لم أكن أريد أن أودعك و لكن أبي و أمي أصرا علي حتى أفعل )) نظر سليم بغضب إلى إحدى التحف الموجودة على طاولة بغرفته ثم أخذها و كسرها بقوة عند قدمي صديق عمره الذي ابتعد قبل أن تصيبه إحدى الشظايا فقال سليم بهلع و بأعلى صوت عنده و هو يمسكه من كتفيه و يهزه بقوة (( هل جننــــت؟؟! لا تستطيع أن تفعل هذا بي.. أنت صديقي الوحيد في هذه الدنيا، فكيف فكرت بتركي.. لقد حققت كل ما كنت أصبو إليه بمساعدتك، لا أستطيع العيش بدونك يا أخي )) صاح به أكرم و هو يبعد يديه بقوة و قد نزلت دموعه بسبب ردة فعل سليم (( أرجــــــــوك أصمت و لا تكمل.. لا تصعب علي الموضوع أكثر مما هو عليه.. لم آتي لأسمع منك شيئاً، لذلك وداعــــاً )) و عندما أراد أكرم الذهاب أمسكه سليم بقوة من يده حتى التفت إليه و عندها قال له بصرامة (( ليس بهذه السهولة.. لن تذهب دون أن أفهم السبب الذي جعلك تقرر أن ترحل )) قال أكرم و هو ينظر لسليم كأنه لن يراه مرة أخرى (( اتركني لأنك تؤلمني يا سليم.. لا يوجد سبب، أنا قررت أن أذهب لوحدي )) قال سليم بتوسل و هو يتركه (( إذا كانت أمي السبب فتأكد أنها لم تكن تقصد ذلك.. لا ترحل يا أكرم و سأجعلها تتأسف منك )) مسح أكرم دموعه و قال و هو يحاول المزاح (( لا تفعل حتى لا تعطيها سبباً لقتلي.. أمك مثل أمي يا سليم، و تصرفاتها معي و مع يزن متوقعة فهي دائماً تفعل هذا بنا و نحن نتقبله بكل رحابة صدر.. أنا أحبها و أحترمها و لذلك أعذرها.. و لكني.... )) قال سليم و هو يهمس بيأس (( و لكنك ماذا؟؟ لن أسمح لك بتخطي هذا الباب.. لن أسمح لك بالخروج من عندي )) جلس أكرم ثم قال و هو يمسك رأسه بيديه و ينظر للأسفل و قد قرر أن يقول كل ما بقلبه قبل الوداع الأخير (( لا تمنعني فلقد سئمت من هذه البلد.. سئمت من الألم الذي تلقيته عندما أصبت يا سليم.. كنت دائما في ايطاليا تحاول مجادلة رجال الأعمال، كنت دائماً تفتعل المشاكل و رغم ذلك لم يحاول أحد إيذاؤك على عكس جمال هنا و الذي حاول أكثر من مرة أن يقتلك حتى كاد أن ينجح في آخرها، و أنا متأكد بأنك ستذهب إليه لتخطب مآثر و لن يتركك هذه المرة أبدا فلقد سمعت بأنه ما زال قوياً على الرغم مما فعله به والدك.. لذلك و بكل بساطة أنا لست مستعداً لعيش حالة الرعب المخيفة التي ذقتها معك فيما مضى.. أنا لست مستعداً لحضور جنازتك أيها الأحمق العنيد.. لماذا ما زلت مصراً على خطبتها من خالها؟؟! لماذا لا تذهب لجدها بدلاً من مواجهة الموت من جديد على يد ذلك المتوحش جمال؟؟ و الأهم لماذا تريد إرجاع أموله و هو لا يستحق هذا منك؟!! )) جلس سليم أمامه و قال له شارحاً (( سأخطبها من خالها يا أكرم لأنه هو من قام بتربيتها، و لأني عاهدت نفسي أن أتزوجها برضاه لأني لا أستطيع أن أسمح له بفعل ما برأسه حين قال بأنه سيتبرأ منها هي و ابنتها، و سأرجع له أمواله لأنها من حقه و لا يجوز لأبي أن يأخذها بينما أطفال جمال و زوجته يتشردون )) قال أكرم (( زوجته رفضتك بقسوة )) قال سليم بحنان و عطف (( لا يهمني، فهي ما زالت أختي و أنا أحبها و لن أرضى بأن يصيبها سوء بسببي.. لقد انتهى كل شيء الآن، لا تستطيع الذهاب لأنك خائف عليّ.. أعدك بأن لا أدخلك في هذا الموضوع مثلما فعلتُ سابقاً )) تنهد أكرم بحسرة ثم أخذ ينظر إليه بحزن و بعد فترة قال له (( لماذا أنت عنيد هكذا.. أنا ذاهب يا صديقي، لقد حجزت لي و لكل عائلتي معي و لا تنسى أن مدارس أولادي هناك.. دعني يا سليم أذهب و أنت سيكون لك هنا حياة جديدة و أيضاً لا تنسى أن يزن ما زال هنا فهو أيضاً صديقك )) قال سليم يصوت باكي و هو يقاوم بشدة دموعه التي تنذر بالنزول (( يزن لا يصدق أن يسمع كلمة مني حتى ينشرها في كل مكان و لمن يدفع أكثر، و لكن أنت مختلف.. أنت من يكتم أسراري و يحتملني رغم كل عيوبي.. أنت أعز صديق عندي )) قال أكرم (( ستنساني بمجرد زواجك من مآثر.. ستنسيك تلك الساحرة كل شيء و ربما سترتكب جريمة في حق نفسها و تنسيك جمانة حتى تنسيها نفسها )) قال سليم بضيق (( كف عن المزاح و أخبرني لماذا ما زلت مصراً؟؟ كم كنت أتمنى أن تحضر عرسي.. كنت أريد أن أثبت لك أنت قبل أن أثبت للعالم بأني سأتزوجها )) قال أكرم و هو يقف (( يكفيك ما أثبته لي حتى الآن و إن قتلك جمال هذه المرة سأتكرم و أرسل بباقة ورد أبيض إلى أمك و لن أحضر جنازتك )) ثم لم يستطع المقاومة أكثر و بكى بشدة و هو يقول (( ألن تأخذني في حضنك يا صديقي؟؟ ألن تودعني يا سليم؟؟ ربما لن نرى بعضنا بعد الآن )) وقف سليم و قال بصوته الباكي و هو ما زال يكابر (( لا أريد توديع أحد.. اذهب إن شئت فهذا لا يهمني.. هيا اذهب و أقفل الباب ورائك )) قال أكرم و قد زاد موقف سليم من حزنه (( إذن خذ هذا العقد.. إنه مصنوع من الياسمين و قد صنعته أمي لك.. إنها تعرف بأنك تحب الياسمين كثيراً و قد أخبرتني بأنها كانت تصنع لك عقداً كل يوم فيما مضى و لكنها توقفت عندما أصبحت رجلاً منشغلاً بأعماله.. أعذرها فهي لم تدري بأن روحك الطيبة لم تتغير برغم كثرة أموالك و لو سألتني لأخبرتها بأنك ما زلت للآن تحب الياسمين.. هذا العقد هدية منها لأنها لم تجد الوقت الكافي حتى تأتي و تودعك بنفسها )) و وضع أكرم العقد في الطاولة و خرج بكل هدوء و أقفل الباب.. فالتفت سليم إلى العقد و أخذه بين يديه برقة حتى لا يتفكك و عندما اشتم رائحته الجميلة ركض إلى الخارج و صرخ بأعلى صوته (( أكــــــرم.. انتظر يا صديقي )) وقف أكرم بمكانه عندما سمع صوت سليم، فجاء سليم و أخذه في حضنه آذناً لدموعه التي حبسها طويلاً بالنزول أخيراً و كانت لحظة الوداع مؤلمة بين الصديقين اللذان قضيا معظم أوقات حياتهما مع بعض، و لكن للأسف سليم لم يستطع منع أكرم من السفر... و هكذا سافر أكرم و ترك سليم حزيناً عليه لا يصله به إلا ذكريات الماضي الجميل......




الجــــــــ 49 ـــــــزء:

و في وقت لاحق، كان سليم نازلاً من غرفته و هو بكامل أناقته و عندما رأته والدته التي كانت تجلس بجانب والده قالت له (( لماذا أنت بكامل ملابسك، إلى أين تريد الذهاب في هذا الوقت؟! )) قال سليم بثقة و هو ينظر لوالده (( أريد إرجاع أموال جمال يا أبي )) قال عبد الوهاب بضجر (( ألم تسأم من ترديد هذا الكلام؟؟ إني لم أرى أعند منك في حياتي!! )) قال سليم (( لا لم أسأم و لن أسأم أبداً، و حتى ننتهي من هذا الكلام يجب أن تعطيني الأموال الآن و تسمح لي بإرجاعها و يعود كل شيء كما كان في السابق )) قالت جمانة (( أباك عنده حق يا سليم، يجب عليك أن تستمع لكلامه )) قال سليم لوالده و هو ينظر لعينيه (( لن أستمع لكلامك يا أبي لأنك علمتني )) ردد عبد الوهاب بدهشة (( علمتك؟!! )) قال سليم و هو يبتسم (( نعم علمتني يا أبي.. علمتني أن لا أظلم أبداً )) ثم ضحك و هو يكمل (( أتذكر عندما كنت صغيراً و كنت آخذ ألعاب يزن بالقوة فتضربني أنت و تقول لي بأنه لا يجوز لنا أن نأخذ ما ليس لنا و خصوصاً إذا كنا نملك مثله و لسنا بحاجة إليه.. أنت من علمني أن لا أظلم أحداً، فكيف تريدني الآن أن أسكت عن هذا العمل؟؟ )) ضحك عبد الوهاب كثيراً حتى دمعت عيناه ثم قال بفخر (( من الرائع أن يعلمني ابني عمل الخير بعد هذا السن.. لقد أقنعتني أيها العنيد..منذ الصباح و أنا أنتظرك.. كنت أريد أن أرى أن كنت ما زلت مصراً أم أنك تراجعت و لقد قمت بالاتصال بمحاميّ الخاص و طلبت منه تجهيز كل الأوراق اللازمة يا سليم.. فاذهب إلى شركتي و خذ الأوراق و سلمها لرجال جمال.. هيا يا عنيد اذهب و أرجع أموال جمال )) ابتسم سليم برضا ثم قال (( هل تعني حقاً ما تقوله يا أبي؟! )) قال عبد الوهاب وهو سعيد لفرحة ابنه (( نعم أعني ما أقوله، هيا أذهب بسرعة قبل أن أغير رأيي )) جاء أمجد و جلس بجانب والده و تثاءب بقوة ثم قال (( صباح الخير لكم جميعاً.. كم الساعة الآن؟؟ )) قال سليم بعد أن نظر لساعته (( أي صباح هذا الذي تتكلم عنه؟! الساعة الآن الثانية بعد الظهر.. لا أصدق كم تحب النوم يا أمجد.. إن مت سيكون سبب موتك النوم )) قال أمجد و هو يأخذ تفاحة من أمامه و يقضمها (( إلى أين تريد الذهاب في هذا الوقت؟ إنه وقت الغداء.. هل عادت من قامت بسرقة أخينا من أمنا؟؟ )) قال سليم بلؤم (( مثلما تقول لك أمي دائماً اخرس و لا دخل لك بالموضوع )) ثم التفت لأمه و أباه و قال لهما (( أنا خارج و ربما سأتأخر لذلك لا تنتظراني على الغداء )) قالت أمه برجاء (( صوفيا تريد أكل الطعام معك يا ابني )) قال سليم بملل من سيرتها (( لدي أعمال أهم من صوفيا الآن.. هل اكتشفت أن أمجد القبيح ليس سليم الوسيم؟ )) قالت جمانة بضيق من تصرفه (( نعم و أنا لم يعجبني ما فعلته بها.. كيف استطعت خداعها بهذه الطريقة؟؟ )) قال سليم و هو يتوجه للخارج (( أرجوك أنسي هذه الـ صوفيا لدقيقة واحدة، أنا ذاهب إلى اللقاء )) قالت أمه (( انتظر و اخبرني من أين لك هذا العقد الجميل من الياسمين حول عنقك؟ أكيد أن صوفيا هي من صنعته لك.. يبدو أنها قامت بقطف الياسمين من الحديقة لأجلك )) قال أمجد (( لا يوجد عندنا ياسمين في الحديقة يا أمي )) نظرت إليه أمه بغضب لإفساده مخططها بتدخلاته الفضولية فقال بخوف (( لم أكن أقصد إفساد الأمر و لكني كنت أريد أن أقول بأنها أشترت هذا الياسمين و لم تقطفه )) قال سليم (( كفا عن المجادلة، هذا العقد من عند أم أكرم.. لقد أهدتني إياه قبل أن يسافروا لإيطاليا )) قال عبد الوهاب (( و هل رحل أكرم مع عائلته؟ )) تألم سليم لذكرى صديقه و قال بحزن (( نعم يا أبي رحل ذلك الأناني.. رحل و تركني وحيداً هنا بلا أصدقاء.. لقد نسى بأنه بالنسبة لي أعز صديق و أعز أخ في الدنيا و لكنه أصر على الرحيل و تركي و لم تفد كل محاولاتي في منعه لذلك ودعته في الصباح )) قال عبد الوهاب مواسياً (( دعه يا ابني فربما لم يرحه المكان هنا و إذا أردت اللحاق به فافعل بعد أن تتزوج )) قالت جمانة (( ماذا يفعل؟! هل جننت يا عبد الوهاب؟! ابني لن يذهب إلى أي مكان و عندما يتزوج سيبقى معي هنا في بيتي.. هل آخذ هذا العقد يا سليم؟ )) قال سليم و هو يناولها العقد (( نعم خذيه، مع أنه غالي عليّ و لكنه يرخص لأجل عينيكـ ، و لكن لا تحاولي أن تعطيه لابنة خالتي و تقولي لها أنها من عند سليم فأنا سأنكر ذلك )) ثم خرج عنهم و ذهب لقضاء أعماله.....
و في صباح اليوم التالي كان سليم ينوي الخروج أيضاً فذهب أولاً لطاولة الإفطار و وجد أمجد وحده يأكل فطوره، فجلس بجانبه و قال له (( صب لي فنجاناً من القهوة يا أمجد )) قال أمجد و هو يرفع رأسه (( و من أخبرك بأني أعمل عندك؟! إن كنت تريد القهوة فصبها لنفسك و إن كنت تريد الفطور فاعمله لنفسك فلا أحد في البيت غيرنا أنا و أنت )) قال سليم (( أين ذهبت أمي؟؟ )) رد أمجد (( صوفيا ذهبت للسوق حتى تتجهز لعرسها )) قال سليم بتهديد (( أنا لم أسأل عن صوفيا و إنما سألت عن أمي و إن حاولت أن تخفف دمك معي فسأضربك يا شاطر لأنك تقول لا أحد في المنزل سوانا )) قال أمجد متجاهلاً التهديد (( المفروض أن تفرح لأن صوفيا سريعة في التجهز )) أمسكه سليم من قميصه بقوة فقال أمجد بسرعة لينقذ نفسه (( أمي ذهبت معها و هذه كانت فكرة أمي طبعاً حتى تثنيك عن الزواج بمآثر )) تركه سليم و وقف ثم قال له (( إذا سئلت أمي عني عندما ترجع فقل لها بأني لن أعود حتى الليل )) قال أمجد (( إلى أين؟؟ أجلس كنت أمزح معك، سأصب لك القهوة )) قال سليم (( و من قام بتحضيرها ما دامت أمي بالخارج؟ )) قال أمجد بتباهي (( أنا و بكل فخر.. هذه القهوة من صنع يدي فاجلس و تذوق بعضاً منها )) ابتسم سليم بسخرية و قال (( لا أريد أن أتسمم، أفضل أن أذهب إلى أحدى المقاهي أو سأشرب القهوة في الشركة فأنت أسوأ من يدخل إلى المطبخ )) قال أمجد (( إذن سأقول لأمي بأنك ذاهب للقاء مآثر و سنرى عندها كيف ستخرج من هذه المشكلة )) ضحك سليم ثم قال و هو يتوجه للخارج و يلوح له بيده (( إلى اللقاء يا أسوء طباخ ))....
توجه سليم إلى بيت جمال و عندما وصل قرع الجرس ففتح شاب له الباب و سلم عليه ثم قال سليم (( هل السيد جمال موجود في البيت؟ )) قال الشاب (( لا إنه ليس هنا، و لكن من أنت و ماذا تريد من جمال؟؟ )) قال سليم و هو ينظر للشاب بتمعن (( أعتقد أني رأيتك في المستشفى منذ شهران.. هل أنت طبيب؟ )) رد الشاب (( نعم و اسمي حسن و أنا شقيق جمال و الآن أخبرني من أنت )) قال سليم و هو يصافحه (( لن أخبرك من أكون حتى تخبرني أين السيد جمال )) قال حسن و هو يتنهد بضيق (( جمال في المستشفى، الجميع في هذه البلدة يعرفون أنه دخل المستشفى )) قال سليم (( هل أصيب بسكتة قلبية مرة أخرى )) قال حسن بحزن (( نعم و لقد نجا منها بصعوبة شديدة.. لقد كان قريبا جدا من الموت هذه المرة و هو الآن عاجز عن المشي و كل هذا بسبب ذلك المتبجح المدعو سليم.. تصور إن والده استولى على كل أموال أخي لأنه كان يعتقد أن جمال قتل ولده )) قال سليم و هو يرفع حاجبه (( أولم يفعلها جمال؟! الجميع يقولون بأنه قتل سليم )) قال حسن بثقة (( سليم حي و لم يمت، و جمال لا يحاول إيذاء أحد من دون سبب )) قال سليم (( و هل رأيته بنفسك حتى تعتقد بأنه حي؟؟ )) رد حسن (( منير رآه و هو الآن سيحاول مقابلته ليتفاوض معه بشأن أموال أخي )) ضحك سليم بمرح ثم قال (( الأموال أخذها أبي و لست أنا حتى تفاوضوني و الأهم من ذلك أن الأموال رجعت إلى صاحبها منذ الأمس.. أنا ذاهب إلى المستشفى، إلى اللقاء )) ثم التفت ليذهب و هو يلوح له بيده، فقال حسن بحيرة (( أباك؟! من أنت؟! هيا أخبرني )) قال سليم و هو يبتسم من دون أن يلتفت له (( أنا سليم عبد الوهاب )) قال حسن بخوف (( سليم!! أرجوك لا تخبر جمال بأنك قابلتني، سيغضب مني بشدة إن علم عن كل ما أخبرتك به )) قال سليم و هو يمشي للخارج (( اطمئن و كأني لم أقابلك، لأن عندي ما هو أهم منك.. إلى اللقاء ))......


الجــــــــ 50 ـــــــزء:

في المستشفى كانت رحاب جالسة أمام غرفة جمال و هي تأكل فطورها و آثار الحمل واضحة عليها ببطنها المنتفخ أمامها، فسمعت صوتا من جانبها يقول (( ألا تريدين أن يشارككـ أحد فطوركـ أم أنكـ تحبين الأكل لوحدكـ؟ )) رفعت رأسها و عندما رأته وقفت بهدوء ثم قالت و هي تشبك يديها مع بعض (( أنت مرة أخرى!! ما الذي تريده هذه المرة؟؟ )) قال سليم و هو يكمل عنها (( ألا يكفيك ما فعلته في المرات السابقة يا سليم السيئ؟؟ )) ثم ضحك و قال (( يبدو أنكـ لم تتفاجئي لرؤيتي.. ماذا، ألم تسمعي بوفاتي؟ )) قالت له بغضب (( المفروض أن لا تضحك لأني الآن في موقف حرج، ألا ترى أننا نقف أمام غرفة العناية المركزة؟! و جمال داخل تلك الغرفة و بمجرد سماعه لصوتك ستعاوده عصبيته لذلك ارحل و كف عن إزعاجي.. و لم أتفاجأ لأن منير بالأمس رآك أمام شركة والدك و أخبرنا أنك حيّ )) قال سليم (( و هل أخبر جمال؟؟ )) صاحت به (( لا دخل لك بجمال دعه و شأنه و أرحل من هنا )) ثم التفتت و قالت و هي تبتعد عنه (( أنا تعبة جداً و لا وقت عندي لمجادلتك لذلك وداعاً )) لحقها سليم قبل أن تختفي عن أنظاره و أمسكها و شدها إليه بحنان حتى أصبحا لا يفصل بينهما إلا بضع سنتيمترات ثم قال لها برقة و عطف و هو ينظر لعينيها (( ألم تفرحي لأني حي يا رحاب؟! ألم يسعدكـ الخبر؟! أنا أعلم جيدا أنكـ تحبيني مثلما أحبكـ و لكن خوفكـ من جمال و غيرته عليكـ هو ما يمنعكـ من الإفصاح أليس كذلك؟؟ )) نظرت إلى عينيه بحزن شديد ثم وضعت يدها في خده و مررتها في وجهه لتتأكد من أنه حي أمامها رغم مكابرتها و قالت له (( أنا أعترف بك كأخ لي يا سليم لأن أمي قبل موتها أخبرتني عنك و أخبرتني أنها نادمة جداً لتركك و لكنها عندما رجعت إليك لم تجدك فظنت أن أباك قد أخذك و هو كذلك ظن أن أمي قد أخذتك و هكذا عاش كل منهما حياته الخاصة، هو رجع لزوجته السابقة أم حسام و خالد، و أمي أرجعها أبي و عندما تقابلا بعد عدة سنوات علما بالمصيبة التي كانا السبب في حصولها.. فبحثا عنك حتى علما كل شيء عن حياتك في إيطاليا و عندما رأياك سعيداً في ظل تلك العائلة الرائعة لم يريدا إفساد الأمر و باعتقادي هذه كانت أنانية منهما لأنه من حقك أن تعلم و تقرر الذي تريده لا أن يقررا هما حتى لا يفسدا حياتهما الجديدة.. للأسف يا سليم لقد ضحيا بك من أجل سعادتهما، أمي حتى لا يغضب أبي و نتشتت أنا و عاطف، و العم أحمد حتى لا تتركه ابنة عمه و يخسر من جديد حسام و خالد و معهما صبا أيضاً.. أمي يا سليم طلبت مني قبل موتها أن أبلغك اعتذارها عن كل ما سببته لك من ألم.. لقد كانت نادمة بشدة قبل موتها..ضميرها كان يؤنبها بشدة و كانت تتمنى رؤيتك.. أعرف أني تأخرت في نقل الاعتذار و لكني أرجوك من أجلي سامحها يا سليم، فهل تفعل؟؟ )) قال سليم و هو يقبل يدها (( نادني أخي )) همست له بدهشة (( ماذا؟! )) قال لها (( طلبت منكـ أن تنادني أخي، فهل هذا صعب عليكـ ؟! )) ابتسمت و هي تبكي بفرح ثم قالت و هي ترمي نفسها في صدره و تضمه بأقوى ما عندها (( أخــــي.. نعم أنت أخي يا سليم )) قال سليم و هو يبتسم براحة و رضا (( إذن أنا سامحت أمي و أبي أيضاً معها.. أعرف بأنهما أخطئا في حقي لكني بسببهما قابلت جمانة و عبد الوهاب، لذلك أنا ممتن لهما كثيراً.. أنا آسف جداً يا رحاب لأني رفعت يدي عليكـ و ضربتكـ في ما مضى.. أنها المرة الأولى في حياتي التي أمد فيها يدي على امرأة و لسوء حظي كنت أنت هذه المرأة يا أختي )) قالت له (( أنت لم تضربني و لكنك أيقظت ضميري الميت بداخلي لذلك شكراً لك يا أخي العزيز، و لكن أرجوك لا تدخل و تقابل جمال فهو متعب جداً و اليوم فقط استطاع الكلام.. لقد فقدنا كل شيء، و خسرنا شركته التي تعب في تأسيسها منذ خمسة عشر عاماً و بيتنا الجميل الذي عشنا فيه أجمل أيام حياتنا سنخليه بعد أسبوع و....... )) قاطعها سليم و هو يضع يده على فمها قائلاً (( لا تكملي يا أختي، فلقد أعاد أبي كل شيء لجمال و لم يأخذ منها شيئاً أبداً )) قالت رحاب بدهشة كبيرة (( مــــاذا؟! و هل من المعقول أن يعيد شخص كل هذه الأموال بهذه البساطة؟!! )) قال سليم (( نعم، فأبي لم يكن بحاجة لهذه الأموال و لكنه كان مقهوراً لأن الشخص الذي قام بقتل ابنه حر طليق و الشرطة لم تجد أي دليلاً ضده و لذلك فعل كل هذا لينتقم منه.. و الآن كل شيء تغير فلقد أعدت كل أموال جمال و هي الآن كلها باسمه و قمت بفكاك رهن البيت لذلك أريد أن أقابله )) قالت رحاب بضيق (( و هل يجب أن تخبره بذلك بنفسك؟! )) قال سليم (( لا أريد إخباره بشيء، الذي أريده فقط هو طلب مآثر منه.. أريد أن أتزوجها بأسرع ما يمكن فلقد مللت من الانتظار )) قالت رحاب (( و هل تعتقد بأنه سيوافق؟؟ )) قال سليم بثقة (( نعم فلقد مضى الشهر الذي حدده و هو كما أعلم رجل يفي بوعوده فاسمحي لي بالدخول )) قالت رحاب و هي تبتعد قليلاً عنه (( أنا آسفة يا سليم و لكني لا أستطيع السماح لك بالدخول.. أرجوك قدر موقفي )) و فجأة انفتح باب الغرفة المقابلة لهما فالتفتا إليها و كان جمال يقف هناك و هو يتكئ على عكازين فقال بهدوء (( دعيه يدخل يا رحاب )) قالت رحاب بفرح (( أنت تقف يا جمال )) رد جمال (( نعم أقف و لكن أجلي الفرحة لوقت آخر و اتركينا لوحدنا )) قالت رحاب لتتأكد مما سمعته (( لوحدك مع سليم؟! )) رد سليم (( و هل سآكله؟! اطمئني فأنا لست جائعاً الآن و إلا لكنت أكلتكـ قبله )) نظرت رحاب بغضب لسليم لأنه سخر منها ثم ذهبت عنهما، فابتسم سليم ثم التفت لجمال و قال له (( يبدو أنك أقوى مما كنت أتوقع يا سيد جمال )) قال جمال و هو ينظر إليه بتساؤل (( لماذا أرجعت الأموال يا سليم مع أن والدك كسبها بطريقة شرعية؟! )) قال سليم ببساطة (( تشريد أولادك و زوجتك لا يعتبر طريقة شرعية بالنسبة لي يا جمال )) قال جمال (( و هل تريدني أن أشكرك على ما فعلته؟؟ )) قال سليم (( لا.. لا أريدك أن تشكرني و لكني أريدك أن تتأسف مني )) نظر إليه جمال بدهشة و صدمة مما سمعه الآن و قال له باستنكار (( أنا جمال الدين الحسيني تريدني أن أتأسف منك أنت؟! لماذا؟؟! هل سرقت أموالك؟؟ )) قال سليم و قد قرر في هذه اللحظة أن يتوصل لحل كل الخلافات بينهما (( لا، و لكنك حاولت سلب روحي أكثر من مرة لولا أن نجاني الله منك و أيضاً تكلمت عن أمي و هذا هو السبب الرئيسي لكل مشاكلنا و لنكن متعادلين فأنا صرخت بوجهك و تكلمت بسوء عن زوجتك رحاب و قلت بأني سأتزوج مآثر برضاك أو بدونه و هذا كله كان خطأ مني فلم يكن لي الحق في كل ما قلته و أنا أقسم أني لم أكن أقصد أي كلمة مما قلته فقد كنت غاضباً جداً منك و لذلك تفوهت بتلك الكلمات السيئة )) ثم قال و هو يحني رأسه باحترام (( أنا آسف يا سيد جمال و أرجو أن تسامحني على كل ما قلته )) نظر إليه جما طويلاً و هو متعجب مما فعله أمامه الآن ثم قال له بحيرة (( من أنــــت؟!!! كيف تستطيع فعل كل هذا؟ و لا تقل لي أنا سليم عبد الوهاب، فأنا أعرف أن أسمك سليم و لكنك شخص نادر لا وجود لمثله في زمننا.. أخبرني كيف استطعت إقناع إخوتك بحبك؟! كيف استطعت أن تبين للجميع أنهم هم المخطئون و أنت الذي على حق؟! و الأهم كيف تتأسف مني بعدما أهنتك و حاولت قتلك؟!! لقد استطعت بأفعالك كسر كبريائي و غطرستي يا سليم لذا أرجو أن تسامحني على كل كلمة سيئة نطقتها بحق أمك، فالأم التي قامت بتربيتك لا تستحق إلا كل احترام و تقدير )) قال سليم (( الآن أستطيع طلب الزواج من مآثر فهل تقبل أن تزوجني إياها؟؟ )) قال جمال (( بالطبع أقبل و لقد أرسلت رجالي ليأتوا بها و لكن عندي شرط واحد )) قال سليم بفرح لا مثيل له (( ما هو هذا الشرط.. أطلب و تمنى )) قال جمال (( الخاتم )) ردد سليم وراءه بحيرة (( الخاتم؟! )) قال جمال (( نعم.. الخاتم الذي تكلمت عنه في الصحف.. أريدك أن تهديها نفس الخاتم و بنفس القيمة فماذا قلت؟؟ )) قال سليم و هو يضحك (( طبعاً موافق )) قال جمال (( و هناك شرط آخر أهم من هذا و يجب أن تحققه )) قال سليم (( و ما هو هذا الشرط المهم؟؟ )) قال جمال (( خذ ابنتها معها فهي لن تقبل أن تعيش بعيداً عنها و أجعلها تعيش حياة سعيدة معك فهي تستحق هذا بعد كل الذي عانته فيما سبق و الأهم من كل ذلك إياك و مناداتي عمي فعندها سأعاود محاولاتي لقتلك هل فهمت؟ و الآن هيا أنصرف و اتركني حتى أرتاح فلقد أرهقتني )) قال سليم (( حسناً، و لكن ماذا عن زوجها السابق؟ أعني والد ابنتها، ألن يطالب بابنته؟؟ )) قال جمال و هو يجلس على أحد الكراسي (( ذلك المعتوه دخل السجن و لن يخرج منه أبداً، لأنه تزوج من امرأة غنية و قتلها طمعاً في أموالها فأمسكت به الشرطة و هو الآن في السجن و قد أخذ حكماً مؤبداً بالسجن مدى الحياة، لذلك لا خوف منه أبداً )) قال سليم (( إذن إلى اللقاء و سآتي لمقابلتك أنا و أبي عندما تعود مآثر )) و ذهب سليم متوجهاً إلى الخارج فناداه جمال قبل أن يبتعد، فالتفت سليم إليه متسائلاً فقال جمال و هو يبتسم لأول مرة منذ أن رآه سليم (( شكراً على كل ما فعلته )) أومأ سليم له برأسه ثم ذهب عنه........


الجــــــــ 51 ـــــــزء:

عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل عاد سليم إلى البيت و عندما فتح الباب دخل بهدوء شديد حتى لا يسمعه أحد و لكن كان هناك شخص يشاهد التلفاز لم يميز ملامحه لأن كل الأنوار مطفئة ما عدا ضوء صغير بجانب التلفاز، فقال سليم في نفسه (( أرجو أن لا يكون أحد الثلاثة، أمي أو أبي أو صوفيا.. أتمنى أن يكون أمجد )) ثم خلع حذاءه و استمر في المشي بهدوء و لكن ذلك الشخص التفت إليه و رآه و قال له (( إلى أين يا سليم؟! ألا تريد أن تسلم علي؟ )) التفت سليم إليه ثم قال (( من؟ وحيد؟! ما الذي أتى بك إلى هنا؟ و كيف سمحوا لك بترك عملك هناك؟ )) تقدم وحيد و سلم على أخوه بكل ود و اشتياق ثم قال له (( كيف حالك أيها العاشق؟ لقد اشتقت لك كثيرا.. هل شفيت من كل إصاباتك أم ما زالت أمنا تدللك؟ )) قال سليم بضجر (( لا تتكلم الآن مثل أمجد و هيا أخبرني كيف جئت إلى هنا لأنه على حد علمي أنك شريك مع يعقوب في تجارته و أنا أعرف جيدا أنه لا يرحم من يتخلف عن عمله و نادراً ما يعطي الإجازات لأحد فماذا فعلت به حتى سمح لك بالمجيء؟؟ )) ابتسم وحيد و قال له بعد أن جلسا (( يعقوب هنا معي هو و زوجته و أولاده و أيضا قاسم هنا مع زوجته و ولده الصغير و زوجتي و نور البيت ابنتاي هنا )) قال سليم بحماس (( رائع، و هل هناك حفلة ما؟ فنحن لم نجتمع هكذا منذ أن تركت أنا إيطاليا )) ضحك وحيد ثم قال (( يبدو أن المسئوليات التي ستلقى على كاهلك قد أثقلتك قبل أن تصل إليك.. إنه مجرد زواج فلماذا أنت خائف هكذا؟ )) قال سليم و هو يمسح رأسه (( كيف علمت بأمر زواجي؟؟ اليوم فقط وافق ولي أمرها على أن يزوجني بها، فكيف عرفت؟! )) قال وحيد (( علامات الفرح على وجهك تفضحك، و لكن كيف وافق ولي أمرها على زواجك بها اليوم و هو الذي كان يلح عليك حتى تتزوجها منذ سنوات؟!! )) قال سليم و هو يتمدد في الكرسي براحة (( اليوم ذهبت لمقابلته و.... )) ثم قطع كلامه و وقف و قال بعصبية (( من هي العروس التي تعتقد بأني سأتزوجها يا سيد وحيد؟! )) وقف وحيد مواجها له و قال بهدوء (( و هل يوجد هنا غير صوفيا لكي تتزوجها يا سيد سليم؟؟ )) قال سليم و هو يصرخ و يشد شعره بقهر (( آآآآه.. إن لم يفلح جمال بقتلي في السابق فلن يقتلني سوى صوفيا.. أنا لم أكن أقصدها أيها الغبي و لم أكد أقصد بولي الأمر أمي )) قال وحيد (( اخفض صوتك أيها المجنون حتى لا توقظ أبي و يحصل لك ما لا تحمد عقباه لأنها الساعة الواحدة بعد منتصف الليل و أنت على حد علمي خرجت منذ الصباح الباكر و لم تعد إلا الآن.. أمي هي التي أخبرتنا بأنك أخيرا وافقت على الزواج من صوفيا و عندما كلمت أمجد في الهاتف أكد كلامها و أبي أيضا أكد ذلك و عندما وصلنا في وقت العصر أمي أخبرتنا بأن العرس سيقام بعد عدة أسابيع و أيضا منذ ثلاث ساعات دخلت لغرفتك لأخرج بناتي و أمنعهن من اللعب فيها و عندها بكل فضول رأيت ملابسك الجديدة و أظن أن أحدها بدلة للعرس و هي كما تبدو غالية الثمن، فإن لم تكن تريد الزواج فبماذا تفسر وجود تلك الملابس الجديدة؟؟ )) ركل سليم بغضب أحد الكراسي أمامه فآلمته قدمه و لكنه كتم صرخته حتى لا يوقظ أباه أو أمه ثم قال و هو يتحسس قدمه بألم (( آخ يا قدمي، إن هذا مؤلم بشدة.. لقد فعلاها أبي و أمجد الوغد، أنا سأريهما.. أنهما أمامي معي و من ورائي يقفان مع أمي.. أنا أريد أن أتزوج اليوم قبل الغد يا أخي العزيز، و التي أريدها زوجة لي مسافرة و عندما تعود سوف نتمم كل شيء و هي بكل تأكيد ليست تلك المدعوة صوفيا... فصوفيا هذه آخر من أفكر بالزواج بها، ألم ترى شعرها الغريب و قد صبغته باللون الأحمر الفاتح؟! ألم ترى شكله و قد ثبتته بشكل غريب بحيث أنه لو مرت بها ريحا عاصفة فلن تتحرك منها شعرة واحدة!! و أيضا وجهها الذي صبغته بكل ألوان الطيف.. إنها صناعية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى فكيف تريدني أن تزوجها؟؟! )) قال وحيد و قد رأف لحال أخيه (( توقف عن هذا، ستتسبب في كسر قدمك و عندها لن يفيدك غضبك.. أمي من تريدك أن تتزوجها وليس أنا، و لكن من هي التي تريد الزواج منها؟ )) قال سليم و هو يتنهد بملل و ضجر من حاله التي لم تستقر حتى الآن (( من أريد الزواج منها امرأة طبيعة لا تفعل مثل صوفيا أبدا، هي الوحيدة التي استطاعت كسر قفل قلبي الذي لم يهتم بامرأة من قبل، إنها أجمل من رأته عيناي من النساء بالنسبة لي و أسمها مآثر )) قال وحيد مازحا و هو يضع يده على كتف سليم (( يبدو أنها اكتشفت فيك موهبة جديدة يا أخي، فأنا أرى قصائد الغزل تنهمر من شفتيك منذ أن بدأت الكلام عنها )) قال سليم برجاء و هو يمسك بيدي وحيد (( دعك من هذا يا وحيد، يجب أن تساعدني حتى أقنع أمي لأني إن لم أتزوج مآثر فلن أتزوج سواها )) أبعد وحيد يديه ثم قال و هو يمسح على رأسه بتوتر (( لا أحد يستطيع الوقوف في وجه أمي وأنت أدرى الناس بذلك، إن عجزت أنت يا من تفضله علينا جميعاً في إقناعها فكيف سننجح نحن بذلك؟؟ )) ثم ابتسم و أكمل بحماس (( عندي فكرة جيدة سوف تساعدك بالتأكيد )) قال سليم (( و ما هي هذه الفكرة أيها العبقري؟؟ )) قال وحيد و هو يكتم ضحكاته و يحرك يديه بطريقة مسرحية ثم يصعد على طاولة صغيرة كانت موجودة أمامهم (( إصلاح صوفيا... اذهب بها إلى أحدى مراكز تصفيف الشعر و اجعلها تزيل الصبغة الحمراء عن شعرها ثم اطلب منها أن تجعله ناعما و منسدلا بدلا من إعطائه الحرية في الطيران.. و من ثم أخبرها أنك لا تحب أن تلون امرأتك وجهها بالألوان و لأنها تحبك سوف تطيعك و بذلك تصبح امرأة طبيعية مثل مآثر التي تريدها ثم تزوجها و أرضي أمي لأنك و بكل بساطة لن تجد من يقف معك من أهل البيت و قصة موافقة أمي على زواجك من مآثر نادرة إن لم تكن مستحيلة.. و الآن تصبح على خير أنا ذاهب للنوم )) و نزل عن الطاولة، فقال سليم (( شكرا على النصيحة و على السخرية مني و لكن عندما تقع في مشكلة مع أمي بسبب عدم إنجاب زوجتك للأولاد فلا تطلب مني التدخل ثانية هل فهمت؟؟ )) ضحك وحيد و ذهب عنه ثم بعد قليل ذهب سليم أيضا للنوم لأنه كان متعبا جدا..


الجــــــــ 52 ـــــــزء:

و في صباح اليوم التالي كان سليم يجفف شعره في غرفته بعد أن استحم و فجأة سقط للخلف فوق سريره بعد هجوم ساحق من بنات وحيد، فضحك بقوة ثم قال بفرح و هو يضمهما لصدره (( مرحبا بشمس البيت و قمره.. أين كنتما؟ لما أركما منذ أن وصلتم )) قالت لارا بزعل و هي تعقد حاجبيها و تمد شفتيها للأمام -عمرها 4 سنوات- (( أنت لا تحبنا يا عمي، أنا غاضبة منك )) طبع سليم قبلة قوية على خدها الأحمر ثم حملها و قال لها و هو يعقد حاجبيه و يقلدها (( لماذا يا عيون عمك ما الذي فعلته حتى أكون السبب في إغضاب أحب الناس إلى قلبي؟! )) شدت سارا قميصه و مدت يديها له حتى يحملها مثل أختها -عمرها 7 سنوات- و عندما حملها قالت له (( عمي أمجد يقول بأنك لا تحبنا لأنك لم تسأل عنا )) أكملت لارا بهلع و هي تبكي ثم تمسك وجه سليم بيديها الصغيرتين و تجعله ينظر لها (( و قال بأنك قتلت لولو.. هل هذا صحيح يا عمي؟! )) قالت سارا و هي تبكي مثلها ثم تجعله يصد بوجهه لها (( أين لولو يا عمي؟! لقد وعدتنا أن تعتني بها )) أنزلهما سليم و هو يشتم أمجد في نفسه، ثم مسح دموعهما و جلس في الأرض و أجلسهما في حضنه و قال بحنان و عطف و هو يمسح بيديه على شعرهما الناعم (( توقفا عن البكاء، لا أستطيع أن أرى هذه اللآليء تنزل من عيناكما بسببي، أمجد شرير و لقد وعدتماني أن لا تصدقاه أبدا، أنا أحبكما و بالأمس كنت مشغولاً و عدت للبيت في وقت متأخر و عندما ذهبت لأراكما وجدتكما نائمتين )) ثم أوقفهما أمامه و قال و هو ينظر لعيناهما (( لولو كانت مريضة و لقد ماتت و استراحت حتى لا تتألم، هل تريدان لها أن تتألم؟ )) توقفا عن البكاء و هزا رأسيهما بنفي دون أن يتكلما، فاستغل سليم ذلك و صد بوجهه عنهما و قال (( أنا غاضب منكما و لن أتكلم معكما مرة أخرى.. كيف تصدقان أمجد؟! أين ذهب وعدكما لي؟ )) اقتربا منه بسرعة و أخذا يقبلانه في كل وجهه و يطلبان السماح، فقال و هو يضحك بعد أن كاد يختنق منهما (( حسناً حسنـــــاً توقفا.. لقد استحممت منذ قليل و أنتما ملأتما وجهي باللعاب، لقد سامحتكما و لكن لا تكرراها و اذهبا الآن لتنتقما من أمجد الكذاب )) قالت سارا (( و لكن البيت ممل من دون وجود قطة فيه )) قال سليم و هو يقرص خدها (( و من يريد قطة و أنتما أجمل قطتين أمامه؟! )) قالت لارا ببراءة (( نحن نريد يا عمي )) قال سليم و هو يبتسم لبراءتها (( أعدكما أن أشتري لكما أجمل قطة أجدها في محل الحيوانات )) أخذا يقفزان بفرح و يصرخان بقوة فدخل وحيد و قال (( أنتما هنا أيتها الشقيتان.. هيا للاستحمام لأن اليوم موعد طبيب الأسنان و كفا عن الصراخ حتى لا تسمعكما أمي و تغضب )) قالت لارا (( في البداية سنذهب لأمجد حتى نضربه )) قال وحيد بغضب (( عيب يا لارا.. أمجد عمكـ و يجب أن تحترميه )) قالت سارا (( إنه شرير و كذاب و يجب أن ننتقم منه )) تقدم وحيد و أمسك يداهما بحزم ثم قال (( هيا أمامي الآن.. لا أريد أن أسمع هذا الكلام و إلا تعرضتما للعقاب الشديد )) قال له سليم (( لا تصرخ بوجههما هكذا، هما لم تخطئا، أمجد كذاب و شرير فاتركهما حتى يأخذا حقهما منه )) قال وحيد (( كان يجب أن أعلم أنك أنت من يعلمهما هذه الألفاظ.. أمجد عمهما مثلك و يجب أن يحترماه مهما فعل )) تجاهله سليم و أشار بعينيه للفتاتين، فأمسكت كل واحدة منهما بيد والدها وعضتاه بقوة فصرخ و تركهما، فهربتا بسرعة عنه متوجهتان لغرفة أمجد، فالتفت وحيد لسليم و قال له (( آآآآخ إن هذا مؤلم.. كيف تجرؤ على جعلهما يفعلان هذا بي.. أنا والدهما و المفروض أن تسمعا كلامي في كل وقت )) قال سليم و هو يضحك (( هذان الوردتان هما حياة البيت و المفروض أن لا تصرخ بوجههما هكذا.. ثم يجب أن تفرح لأني علمتهما أن تأخذا حقهما بيدهما )) قال وحيد (( و لكنك ستتسبب بالضرب لهما لأن أمجد لن يتركهما بدون عقاب بعد أن يفسدا نومه و أنت تعرفه )) قال سليم بثقة (( لا تخف عليهما.. إنهما ذكيتان و تعرفان الخطة البديلة جيداً )) نظر إليه وحيد حتى يفسر له، فأشار سليم لأذنه و عندها سمعا أمهم جمانة و هي تنهر أمجد بشدة، فضحك سليم ثم قال (( هل رأيت؟! بعد الانتقام توجها لحضن أمي و أنت تعرف كم تحبهما لأن كل أحفادها أولاد ما عداهما.. و الآن أمجد تلقى الضرب منهما و الصراخ من أمي.. إنه يستحق حتى لا يجرؤ على تحدي سليم الوسيم مرة أخرى.. هيا أخرج من هنا أريد أن أبدل ملابسي حتى أذهب لعملي )) قال وحيد (( حسناً يا مغرور، يمكنك تعلم بناتي كل ما تريد و لكن أبعدهما عن غرورك يا واثق )) قال سليم (( أنت تتمنى أن يصلا لنصف غروري و لكنهما لن يستطيعا بما أنك أنت والدهما )) ابتسم وحيد و ذهب لبناته و أقفل سليم الباب وراءه.... و بعد نصف ساعة كان سليم يضع الجل في شعره ثم يمشطه للوراء، ثم قال (( لقد طلا شعري كثيراً، يجب أن أقصره قبل يوم الزفاف )) فدخل عليه أبوه بعد أن قرع الباب ثم قال له (( أين كنت بالأمس؟! لقد انتظرتك حتى منتصف الليل.. أخبرني الآن متى رجعت؟؟ )) قال سليم و هو يبتسم بعذوبة (( صباح الخير يا أبي.. كم الساعة الآن؟ )) رد عبد الوهاب (( أعاتبك فترد علي بصباح الخير و كم الساعة!! )) قال سليم (( رجعت عند الساعة الواحدة و لقد ذهبت لأشرف على أعمالي المتوقفة بعد رحيل أكرم، و أيضاً قابلت جمال و خطبت مآثر منه و وافق و وعدني بالزواج منها عندما ترجع )) قال عبد الوهاب (( آه لهذا أطلقت الابتسامات العذبة و لم تحاول التهرب من الإجابة على سؤالي كعادتك.. إذن لقد وافق جمال، و لكن أمك العنيدة غير موافقة و ما زالت مصرة على ريحانة القلب صوفيا )) قال سليم (( ألم تعداني أنت و أمجد بالوقوف معي ضدها؟؟ )) قال عبد الوهاب بسرعة (( طبعـــاً و سننفذ وعدنا )) فنظر إليه سليم نظرة شك طويلة، فقال (( أوه، حسناً يبدو أن وحيد أخبرك بكل شيء.. إن أمك قوية و لا يستطيع أحد الوقوف ضدها عندما تغضب، لذلك عندما تقنعها أنت سنقف بجانبك أنا و أمجد )) قال سليم (( و ما فائدتكما في ذلك الحين؟! )) قال عبد الوهاب و هو يرفع كتفيه (( لا أعرف، و لكن أمك تستحم الآن و إذا أردت الهروب منها إلى الخارج فأسرع قبل أن تراك لأنها تريدك أن توصلها هي و صوفيا إلى السوق )) قال سليم (( أنا أريد الذهاب إلى الشركة و لا وقت عندي للذهاب إلى السوق )) دخل يعقوب و قاسم إلى غرفة سليم و سلما عليه بحرارة فقال لهما سليم (( قبل أن تباركا و تفعلا مثل ذلك المحتال وحيد أريد أن أسألكما سؤالاً واحداً و أرجو الإجابة عليه بكل صدق )) قال يعقوب (( اسأل كما تريد يا عريس )) تأفف سليم ثم قال (( لماذا لم يتزوج أحد منكم أنتم الثلاثة من صوفيا؟! لماذا أنا و أنتم أكبر مني؟؟ إنها جميلة فكيف سمحتم بأن تضيع من أيديكم يا بلهاء؟! )) نظر يعقوب و قاسم إلى بعضهما ثم قالا في نفس الوقت (( و هل نحن مجنونان في اعتقادك؟! )) قال سليم بيأس (( لا، أنا المجنون لذلك اختارتها أمي لي )) قال قاسم مواسياً له (( أنت الأجمل في نظر والدتنا و بنفسك قلت للتو أن صوفيا جميلة، لذلك الجميل للجميلة و أتمنى لكما التوفيق معاً )) ثم انفجر الجميع بالضحك فقال سليم لأخويه بقهر و غضب (( اضحكا كما شئتما و سواء قمتم بمساعدتي أم لا فأنا لن أتورط و أتزوج من امرأة لا أطيقها )) ثم أخذ حقيبة أوراقه من الطاولة و قال (( أنا ذاهب من هنا، و كل يوم سأخرج منذ الصباح و لن أرجع قبل الساعة الواحدة بعد منتصف الليل حتى تقتنع أمي )) قال له يعقوب و هو ما زال يضحك (( هذا لن يفيد مع أمي و كلنا سنقف معها )) قال سليم و هو يخرج عنهم (( لا أريد سماع صوت أي واحد منكم أيها الخائنون فكثيراً ما كنت أساعدكم يا ناكري الجميل )).... و عندما نزل إلى الطابق السفلي رأى أمجد يتوجه إلى المطبخ فقال له (( أمجد لو سمحت أحضر لي بعض القهوة )) نظر أليه أمجد و هو يعلم جيداً أن إزعاج الفتيات له كان بسبب سليم و لذلك أراد أن يتجاهله، و لكن عندما رأى صوفيا جالسة في المطبخ ارتسمت على شفتيه ابتسامة خبيثة و قال لسليم (( من عيناي الاثنتان يا أخي الحبيب.. سآتي لك بالقهوة بسرعة )) قال سليم بعد أن جلس (( الأفضل أن تأتي بها من المطبخ يا خائن بدلاً من أن تسممني بعيونك )) دخل أمجد إلى المطبخ ثم قال في نفسه (( دائما أخبره أني لا أعمل عنده و لكنه لا يقتنع و لا ذنب لي فيما سيحصل.. يبدو أنه علم بما حصل و لهذا ينعتني بالخائن.. لذلك يجب أن أثبت له أني خائن فعلاً )) ثم صب أمجد بعض القهوة في كوب و توجه إلي صوفيا و قال لها (( انهضي يا ابنة الخالة.. هناك مهمة جديدة موجهة لكـ من خالتكـ جمانة التي تأمركـ بمحاصرة العدو و إلقاء الشباك حوله و عليه )) قالت صوفيا برجاء (( تكلم يا أمجد بلغة أفهمها.. ما الذي تريده مني خالتي؟! )) قال أمجد بإعجاب (( يعجبني إتقانكـ السريع للغة العربية )) قالت صوفيا بدلال (( لقد أتقنتها لأن سليم يحب التحدث بالعربية أكثر من الإيطالية )) قال أمجد (( و يعجبني أيضا هذا الدلال، و لكن أظهريه أمام سليم بصورة مكثفة حتى يقبل عليكـ بدلاً من تفكيره في سواكـ.. اسمعي، خالتكـ تقول اذهبي و احملي كوب القهوة هذا إلى سليم و تحدثي معه في عدة مواضيع و قولي له بأنكـ أنت من صنع هذه القهوة لأن أخي يحب المرأة التي تعرف كيف تطهو )) قالت صوفيا بصراحة (( و لكني لا أعرف شيئا عن الطهو )) قال أمجد (( ألم تدللكـ نفس المرأة التي دللت سليم؟! فهو أيضا لا يعرف شيئا عن الطهو.. أنا سأتكفل بتعليمكـ فيما بعد.. المهم الآن أن توقعيه في شباككـ بحيث لا يفكر في سواكـ.. هيا اذهبي، و إن شئت امسكيه من يده حتى لا يفلت منكـ.. هيا إنه ينتظر القهوة، و أحملي له أيضا الجريدة لأنه يحب قراءة الجرائد في الصباح، و إياكـ أن يبتعد عن ناظركـ.. و الأهم من كل شيء إياكـ ثم إياكـ أن يعرف بأني أنا من قمت بإرسالكـ إليه فعندها لن تجدي من سيعلمكـ الطبخ لأنه سيُقتل )) قالت صوفيا (( أنت لم ترسلني، إنها فكرة خالتي )) قال أمجد (( طبعا هي فكرة خالتكـ، و لكن أنا مرسالها، لذلك لا تأتي بذكر أسم أي رجل سواه فهو شديد الغيرة، و أيضا لا تقولي أن أمي أرسلتكـ.. دعيه يظن أنكـ جئت إليه لوحدكـ حتى يفتتن بذكائكـ بما أن جمالكـ منعدم مع هذه الإضافات الصناعية الرهيبة على وجهكـ )) قالت له و هي تصفق بفرح (( أنا أحب الرجل الغيور بشدة )) قال أمجد و هو يتصنع الجدية (( و أنا أيضاً، و لكن يجب عليكـ الإكثار من الخجل لأنه يحبه و أقرصي وجهكـ جيداً حتى يتبين الخجل على خدودكـ.. هيا اذهبي قبل أن تبرد القهوة ))....



الجــــــــ 53 ـــــــزء:

ذهبت صوفيا إلى سليم كما أمرها أمجد.. و عندما وصلت إليه ناولته القهوة فتناولها و هو شارد الذهن و عندما انتبه لها قال (( آ.. شكراً يا ابنة خالتي و لكن أين أمجد اللئيم فهذا العمل لا يقوم به إلا هو و أنا قاتله لا محالة )) جلست بجانبه و هي تبتسم بدلال و خجل ثم قالت له (( ما رأيك يا ابن خالتي بالمرأة الخجولة؟ هل تحبها؟ )) قال سليم وهو يبتسم بحنق (( ومن لا يفعل يا ابنة خالتي فأبي لم يتزوج خالتكـ إلا لكونها خجولة )) ضحكت صوفيا بصوت منخفض ثم أخذت تقرص وجهها مثلما قال لها أمجد و هي تقترب من سليم حتى أصبحت ملاصقه له و هو ينظر لها بدهشة ثم نهض عنها و قال لها باستغراب (( ماذا تفعلين أيتها المجنونة؟! لماذا تقرصين وجهك بهذه الطريقة؟! ألا يكفيه ما عليه من أصباغ حمراء حتى تزيدي عليه و تقرصيه؟ )) قالت له (( ألم تقل أنك تحب المرأة الخجولة؟ و المرأة لا يظهر خجلها إلا إذا احمرت و جنتاها )) قال سليم و قد وصل لأقصى حالات اليأس بسببها (( بالله عليك أخبريني لماذا أنا؟! لماذا تريدين الزواج بي أنا؟! أمجد من نفس عمرك لماذا لا تتزوجيه هو؟ )) نهضت و وقفت بجانبه ثم قالت (( لأنك أوسم من أمجد وعملك ناجح و خالتي تحبك جداً و أنا أيضاً أحبك فماذا أريد أكثر من ذلك؟! )) قال سليم (( أنت لا تحبيني بل أمي التي أجبرتكـ على ذلك.. اسمعي يجب أن لا تنصتي لها.. أمجد يحبكـ و لا يريد الزواج من غيركـ و لذلك يجب أن لا تضيعيه من يديكـ )) قالت له و هي تمسك يده (( و لكني أحبك أنت، و أنت أيضا تحبني لقد أخبرتني خالتي بكل الكلام اللطيف و الرقيق الذي كنت تبعثه لي معها، إنك أرق
و أحن من قابلت يا سليم لذلك أنا موافقة أن نتزوج الأسبوع المقبل فماذا قلت يا عزيزي؟ )) أبعد سليم يده عنها بقوة ثم ذهب إلى المطبخ و عندما رأى أمجد هناك أمسكه من قميصه و شده بقوة إليه و قال له بغضب (( أيها الخائن تعدني بمساعدتي ثم تنقلب ضدي.. سأريك الآن ما سأفعل بك )) قال أمجد و هو يكاد يختنق (( أرجوك يا سليم اتركني أنا لا دخل لي هي من طلب النصيحة و أنا أعطيتها ثم ألم تتذوق تلك القهوة التي صنعتها إن مآثر لا تستطيع أن تصنع مثلها )) ضم سليم قبضته اليسرى و ضربه بشدة على بطنه فصرخ أمجد من الألم بقوة و دخل عبد الوهاب و خلصه من يديَ سليم ثم قال لسليم (( ماذا بك أيها المجنون؟ أتريد قتل أخاك؟ )) قال سليم (( إنه يستحق هذا و هو يعلم )) التفت عبد الوهاب إلى أمجد الذي كان ممداً على الأرض و هو يتألم و قال له (( ما الذي فعلته هذه المرة يا أمجد؟! )) قال أمجد (( أمعائي تتقطع يا أبي لقد ضربني هذا المتوحش بقوة.. لم أفعل شيئاً سوى أنني حققت أمنية أمي و دبرت لقاء بينه و بين صوفيا و هو حاول إقناعها بالابتعاد عنه و عندما رفضت و بدلاً من أن يضربها صب غضبه علي وضربني.. خذني يا أبي إلى المستشفى قبل أن أموت و أنت يا سليم سأرفع ضدك قضيه اعتداء و سأطالب بتعويض كبير على ما أصابني من ضرر و.... )) قطع كلامه عندما رأى سليم و قد أراد ركله في بطنه مجدداً و لكن أباه أمسكه و قال له (( اهدأ يا سليم و دعه و شأنه، أنا سأتصرف معه فيما بعد و الآن اذهب لعملك )) قال سليم (( سأذهب و لكن عندما ارجع بيدي هاتين سوف أقتلع أمعائك يا أمجد و سترى )) قال أمجد (( لا تنسى أنني شرطي و تهجمك على شرطي يعني وقوعك في السجن )) قال عبد الوهاب بحزم (( اخرس يا أمجد و أدخل لسانك إلى فمك و أغلقه و إلا سوف أخرج من المطبخ و أغلق الباب عليك و هو معك، آه من لسانك السليط ما أطوله! و أنت يا سليم ألم يعدك جمال بتزويجك من مآثر؟؟ لماذا تغضب من تفاهات أخيك مادمت متأكد من أنك ستتزوجها؟؟ )) قال سليم بضيق (( ألا ترى أمي و أفعالها؟ لقد جعلت يعقوب و وحيد و قاسم يأتون مع عائلاتهم من إيطاليا بحجة أنها ستقيم زفافي على صوفيا الأسبوع القادم و الأدهى من ذلك إنها تذهب كل يوم إلى السوق مع صوفيا حتى تجهزها، و مآثر تأخرت كثيراً و لا أعرف متى سترجع.. و هذه الصوفيا التي تجلس بالصالة و هي مقنعة كليا أن لا زوج لها سواي، ماذا أفعل بها و هذا الأمجد الذي يشجعها بدلاً من أن يبعدها مثلما اتفقنا.. كل هذا و لا تريدني أن أقلق )) قال عبد الوهاب بعطف (( لا تقلق قم بمجاراة أمك ليومين و أنا بنفسي سأذهب لجمال الحسيني و أخبره أن يعجل زواجك و بذلك تتزوج الأسبوع المقبل و تجعل والدتك أمام الأمر الواقع.. سأساعدك أن تتزوجها و بدون وجود أمك فأنت بالغ و لا تحتاج لأحد حتى تعرف طريق مستقبلك )) قال سليم (( أحقا ستساعدني و تقف معي يا أبي؟! )) قال عبد الوهاب (( طبعاً يا عزيزي و أكيد أن أمك ستتقبل زواجك من مآثر في النهاية ثق بي و أنا الآن خارج لإبعاد صوفيا عنك حتى تذهب لعملك )) و قف أمجد و هو يصفق لهما ثم قال (( الذي لا تعرفاه أن هناك ثلاثة أمور ضدكما وضد خططكما: أولاً، جمانة ليست سهلة حتى تخدعاها.. و ثانياً، صوفيا الرائعة أرتني بالأمس فستان عرسها الذي اشترته لها أمي و كان فستانا رائعاً جدا و جميلاً يليق بزوجة التاجر العالمي المشهور سليم عبد الوهاب و أخبرتني سراً صغيراً و هو أن أمي ستزوجك يا سيد سليم هذا الأسبوع أي هذا الخميس و اليوم هو الأحد فاحسب أنت كم يوم تبقى لك و هذا طبعا سرٌ لا يجب لي أن أخبركما به.. و ثالثاً و هو الأهم، لقد قمت بضربي يا سليم و نعتني بالخائن و بذلك جرحتني معنوياً و جسدياً و أنا سمعت كل ما تخططان له لذلك و بكل بساطة أنا ذاهب للقضاء عليك يا عبد الوهاب.. سأخبر أمي بكل خططك مع ابنك الأشقر المدلل و سأجعل أمي تقدم يوم العرس و تجعله يوم الاثنين بدلاً من الخميس إلى اللقاء )) و عندما أراد الخروج أقفل سليم عليه الباب قبل أن يخرج و أخذ سليم ينظر إلى أباه و كانت فكرة واحدة تسيطر عليهما في ذلك الوقت فقال أمجد (( ماذا تفعل لن تستطيع منعي من الخروج و لن أقبل منك أي اعتذارات )) قال سليم و هو يبتسم بخبث و نظرة شر تطل من عينيه (( و من تكلم عن الاعتذار يا أمجد.. أتعرف ما هذا؟! )) نظر إليه أمجد و هو يحمل مقلاة بين يديه فقال بخوف (( نعم إنها مقلاة و لكن لن تضربني بها أليس كذلك؟! إن فعلت ستكسر عظامي و أنا أخوك الحبيب أمجد )) قال سليم (( في هذه اللحظة بالذات لن يسعدني شيء في الدنيا أكثر من تحطيم عظامك.. ألن تساعدني يا أبي )) قال عبد الوهاب (( هذا هو نفس الشعور الذي أحس به الآن هيا لنبدأ )) صرخ أمجد و قال (( ابتعدا عني لن أخبر أحداً بما دار بينكما.. لم اسمع شيئاً.. ساعدوني النجدة!! إنهما يقتلاني )) وضع سليم يده على فم أمجد و تعاون عليه هو و عبد الوهاب و بذلك شفي غليلهما من أمجد الذي يحب التدخل فيما لا يعنيه و لقناه درساً جيداً و مؤلماً حتى لا يحاول إفساد أمور الآخرين و حتى لا يخلف و عده مهما حصل...

 
 

 

عرض البوم صور الغالي المزيون   رد مع اقتباس
قديم 25-12-10, 07:30 PM   المشاركة رقم: 23
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2010
العضوية: 203983
المشاركات: 22
الجنس ذكر
معدل التقييم: الغالي المزيون عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدOman
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الغالي المزيون غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الغالي المزيون المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي

 

الجــــــــ 54 ـــــــزء:

و بعد قليل خرج سليم من المطبخ إلى الصالة و أما عبد الوهاب فذهب لكي يستحم و عندما أراد سليم الخروج من المنزل استوقفته أمه و قالت له (( إلى أين يا عزيزي؟ ألن توصلنا إلى السوق؟ لا تقل لي إن لديك أعمال أهم من أمك )) قال سليم (( طبعاً ليس لدي أعمال أهم منكـ يا أمي و لكن ليس عندي وقت لأضيعه على التسوق.. لقد رحل أكرم و الأعمال الآن كلها على رأسي.. لقد كنت أعتمد عليه في كل شيء و الآن فقط عرفت قيمته كمحامي.. لقد كان يهتم بكل معاملاتي و أعمالي و الآن عندما ذهب تراكمت عليّ الأعمال و بالأمس خسرت صفقتين في وقت واحد بسبب كثرة الأعمال ماذا أفعل من دونه يا أماه؟ هيا أجيبيني )) قالت أمه (( لقد استرحت من ذلك الثرثار فبسببه كنت ترفض الزواج من صوفيا و يوجد في هذه البلدة الآلاف من المحامين لذلك يمكنك اختيار من هو أفضل من ذلك الأكرم )) قال سليم و هو يتذكر الأيام الجميلة التي قضاها مع أكرم (( صدقت يا أمي يوجد الآلاف من المحامين هنا و لكن للأسف لا يوجد سوى أكرم واحد و لا يوجد من هو بذكائه، مع أنه جبان جداً و لكنه ذكي و يستطيع إدارة أعمالي بكل سهولة و هذا ما لا يستطيعه سواه.. لقد ترك في قلبي فجوة كبيرة لن يستطيع أحد ملئها بعده )) قالت أمه بحزن مصطنع (( حتى صوفيا؟ )) تنهد سليم بقوة بسبب عناد أمه ثم قال لها (( بصدق يا أمي.. أتريدين مني الزواج في يوم الخميس القادم؟ )) قالت أمه بفرح (( طبعاً إنه يوم سعدي و فرحي و عندها سأتفرغ لأخيك أمجد )) قال سليم (( حسناً سأحقق لكي هذه الأمنية و أعدك أن أتزوج الخميس القادم و لكن اذهبي للسوق لوحدك و دعيني أدير أعمالي )) قالت له بفرح لا يوصف (( و لكن ألا تريد الاستعداد و .. و شراء بدلة للعرس )) قال سليم (( أنا اعرف يا أمي أنك شاهدت الملابس الجديدة التي اشتريتها فأنا لا يهون عليّ أن أراك غاضبة أو حزينة )) قالت جمانة بعد أن طبعت قبلة على وجه سليم (( سأذهب لأبشر صوفيا بهذا النبأ )) ثم توقفت وقالت (( إني اسمع طرقاً على الباب سأذهب و افتح )) و ذهبت و عندما فتحت وجدت أمامها يزن فقالت ببرود و كأنها لا تريد أن تراه (( إنه أنت أيها الفاشل.. أين كنت؟! و لماذا تركت سليم و هو لا يفكر إلا في ذلك المحتال الكبير أكرم؟؟ لقد أعطيتك الكثير من الأموال حتى تقنع سليم بنسيان مآثر و لكنك فشلت يا أحمق )) قال يزن (( صباح الخير يا خالتي، لماذا كل هذا الغضب منذ الصباح؟! و لماذا تصرخين بوجهي بدلاً من أن تسمحي لي بالدخول؟ أتقولين أن أكرم محتال؟! آوه يا للأسف لا أحب أن أخيب ظنكـ و لكن لا يوجد من هو محتال أكثر من ابنكـ سليم.. أكرم مسكين فرغم أنه لم يأخذ منكـ أموالاً مثلما فعلت أنا، إلا أنه حاول كثيراً إعادة سليم إلى صوابه.. لقد حاول أكثر من مره أن ينسيه مآثر ولكن لابنكـ طبع لا يوجد عند غيره، فهو عنيد كالصخر لا يثنيه شيء عن رأيه مهما كان هذا الشيء حتى لو كنت أنت أمه.. و بالمناسبة ابنكـ هو الفاشل و الأحمق و لست أنا )) صاحت به جمانة (( كيف تجرؤ على شتم سليم أيها الغبي؟! )) قال يزن و هو يعاندها (( ابنكـ هو الغبي أيتها العجوز و أنت من بدأ بالشتم )) غضبت جمانه كثيراً ثم ضربته بشده على رأسه و قالت له (( من العجوز يا يزن؟ أتنعتني بالعجوز؟! )) و استمرت بضربه، فقال لها و هو يتألم (( توقفي لم أقصد، أنا آسف أنت شابة و لست عجوز )) فجاء سليم وامسك بأمه و قال لها و هو يبعدها عن يزن (( توقفي يا أمي قبل أن تتسببي لنا بمشكلة كبيرة )) ثم ادخلها برفق و أكمل (( اذهبي لابنة أختكـ و دعيه لي أنا سأريه )) و عندما ذهبت نظر إلى يزن بغضب ثم قال له (( ألا تتعلم أبداً من أخطائك؟! لم يبق أحد منا لم يضربك.. الجميع يمد يده عليك بسبب لسانك.. ألم تستطع أن تسكت عنها و لو لدقيقة؟! يا إلهــــي!! متى ستتخلص من طباعك التي ستتسبب في يوم ما لك بالقتل )) قال يزن و هو يتألم (( ماذا أفعل إذا كانت أمك ما زالت تظن بأنها شابة.. هل تعرف كم هو عمرها هذه المرأة حتى تغضب عندما أناديها بالعجوز؟! )) أدخله سليم ثم قال له (( اخرس و تذكر أن هذه المرأة هي أمي و الآن تعال و اجلس لأني اشتقت لك كثيرا،ً و لكني لا أكره منك سوى هذا اللسان السليط الذي لا تستطيع السيطرة عليه )) قال يزن (( لو لم اشتق لك أيضا لما أتيت.. إن أمك غاضبة جداً منا بسبب إصرارك على الزواج من مآثر و الأدهى أنها تصب كل غضبها علينا أنا وأكرم.. ليتها تعلم أن أكرم المسكين كان ضدك و أني كنت أنوي الزواج بمآثر لولا أنها رفضتني.. تصور رفضت الرجل الصنديد يزن و فضلت عليه المدلل سليم و لكنها تستحق ما سيحصل لها عندما تسكن مع والدتك المتسلطة.. سوف تخرب لها عيشتها و تجعلها في عذاب دائم )) قال سليم (( اصمت فأنت لا تعرف أمي حتى تتكلم عنها بهذه الطريقة المشينة، و لو لم تكن صديقي لكنت لقيت مالا يعجبك مني.. إن أمي تحب كل زوجات إخواني و جميعهن يحترمنها و يقدرنها )) قال يزن (( لأنها راضية على زواج أخوانك بهن ولكن أنت تريد لك صوفيا حبيبة قلبها و مهما فعلت هذه المآثر فلن تدخل قلب أمك مثلما فعلت صوفيا )) قال سليم بعد أن جلسا (( اسمعني .. اخرس و لا تتكلم في هذا الموضوع و أخبرني ما الذي أتى بك إلى هنا؟ )) قال يزن (( قلت لك إنني مشتاق إليك )) قال سليم (( و هل تتوقع مني أن أصدقك ؟ )) قال يزن وهو يحاول المراوغة (( لم أجد أكرم في بيته ترى إلى أين ذهب ؟)) قال سليم (( لقد رحل )) قال يزن بدهشة (( رحل؟! إلى أين؟؟ و لماذا رحل بدونك؟! )) قال سليم (( لقد ملّ من كل ما حصل و رحل ليكمل حياته بعيداً عن هنا، أو بالأصح بعيداً عن مشاكلي التي أقحمته فيها.. كنت أظن بأنه ذهب إلى إيطاليا، و لكن عندما اتصلت عرفت أنه استقال من شركاتي التي هناك و لا أحد يعلم من رجالي أين ذهب.. ليتني أراه و لو لمرة واحدة حتى أتأسف منه على كل ما أصابه من حزن و ألم بسببي )) قال يزن (( آخر ما كنت أتوقعه أن يرحل أكرم و خصوصاً بعد أن حققت كل ما كنت تصبو إليه بمساعدته، و لكن لا تحزن لأن لدي مفاجأة لك ستنسيك أكرم و أمه و أباه )) وقف سليم و قال بفرح (( هل عادت مآثر ؟ )) قال يزن (( لماذا لا تفكر بشيء في الدنيا سوى مآثر؟! أليس لديك سواها؟ إن عرفت أنك مولع بها لهذه الدرجة فلسوف تسقط من عينها، فالمرأة لا تحب سوى الرجل القوي الذي يفرض سيطرته )) أراد سليم ضربه و لكنه ابتعد عنه و قال بسرعة (( مفاجأتي هي صبا )) قال سليم بدهشة كبيرة و كأنه لم يتوقع أن يذكر يزن اسمها (( مــــن ؟! )) قال يزن (( صبــــا أختك.. ألم تسمع.. لقد وجدتها في الشارع و هي تبحث عن عنوانك، فأتيت بها معي إلى هنا )) صاح به سليم (( هل جننت حتى تأتي بصبا إلى هنا؟!! ألا يكفيني أمي و إلحاحها علي بالزواج من صوفيا حتى أنني كذبت عليها، و في النهاية تأتي أنت بصبا إليّ، ماذا أفعل بك؟؟ )) قال يزن (( لا داعي للصراخ يجب أن تفرح لأنها أختك و هي الوحيدة بينهم جميعا التي تحبك و الأهم هي الآن خارج المنزل و سوف تسمعك و أنت تعرف مدى شدتها فلقد جربتها على رأسك )) تمنى سليم لو يخنقه بيديه الآن و لكنه هدأ بعد التفكير، ثم ذهب و فتح الباب و عندما رأى أخته أخذها في حضنه و قال لها (( أختي العزيزة صبـــا.. كم اشتقت لرؤيتكـ يا أجمل و أرق من رأيت )) قالت له صبا (( أكثر من مآثر؟! )) قال سليم (( طبعاً و أكثر من أي امرأة في العالم )) قال يزن في نفسه (( هذا المحتال متخصص في الكذب على النساء، منذ قليل كان يود قتلي لأني أحضرتها و الآن يكذب عليها و كأنه يريدها )) ثم قال لسليم (( أنا ذاهب يا سليم، اجلس و استمتع مع أختك التي تموت في حبها )) أوصله سليم إلى الباب و كأنه سعيد لخروجه ثم قال له هامساً (( إذا قامت هذه المشئومة بضربي فلسوف أخنقك بيدي هاتين حتى تموت و أريح العالم منك )) و عندما رجع لأخته وجد أمه تقترب منهما فقال لها (( تعالي يا أمي حتى أعرفكـ على أختي.. هذه صبا التي كلمتكـ عنها.. صبا، أقدم لكـ والدتي جمانة )) وقفت صبا ثم اتجهت لجمانة و طبعت قبلة على خدها و قالت لها برقة شديدة لم يعتدها سليم منها (( أنا سعيدة جداً بالتعرف عليكـ يا خالتي.. كم أنت جميلة و أنيقة.. أتمنى أن أصبح بجمالكـ عندما أكبر )) قالت جمانة (( أوه يا لهذه الصغيرة الرقيقة! أنت أجمل مني يا عزيزتي.. أنظر يا سليم إلى أختك ما ألطفها.. يجب أن تجلسي اليوم معنا هنا حتى أتعرف عليكـ، و الآن هيا لتتسوقي معنا لأن سليم مشغول )) نظرت صبا إلى سليم، فقال لها باستهبال و هو يعرف جيداً معنى تلك النظرة (( أنا آذن لكـ، هيا اذهبي مع أمي )) اقتربت منه و قالت له هامسة (( و من طلب منك الأذن؟! أنت تعرف ما هو طلبي فأنا مفلسة )) قال لها سليم و هو يخرج بعض النقود من محفظته (( آه من رقتكـ التي تأتي في لحظة و تختفي في اللحظة الأخرى! خذي هذه النقود فأنا أعرف جيداً بأنكـ لم تشتاقي لي و إنما لأموالي.. أنا ذاهب الآن و سنتقابل في العصر و إياكـ و الثرثرة كثيراً أمام أمي )) ثم اتجه لأمه و قال لها (( أنا ذاهب يا أمي و سأرجع عند العصر، استمتعي مع صبا )) قالت والدته و هي توصله للباب (( أنا متأكدة من ذلك و لكن لا تتأخر عن أختكـ )) قال سليم (( حسناً إلى اللقاء ))....


الجــــــــ 55 ـــــــزء:

تأخر سليم و عاد إلى المنزل بعد المغرب، و عندما دخل وجد صبا جالسة في الصالة و بجانبها والدته فقال (( مساء الخير.. أما زلت هنا يا صبا؟! )) قالت له والدته (( طبعا ما زالت هنا، ألا تراها أمامك؟! )) رد سليم (( بالتأكيد أراها يا أمي، و لكني أقصد لما لم تعد إلى بيت خالد؟ سيقلق عليها إخوانها )) قالت له صبا بخبث و هي تدري أنه يريد التخلص منها (( اطمئن، خالد لا يرجع من عمله قبل صلاة العشاء و أنا قبلت دعوة أمك لي و لذلك سوف اتصل بخالد بعد قليل و أخبره أني هنا في بيت عمي عبد الوهاب و بعد أن أتناول وجبة العشاء سأشرب الشاي مع خالتي جمانة ثم توصلني أنت إلى البيت )) قال سليم (( أنا لن أذهب إلى بيت خالد مهما حصل، لقد أهانني عندما قابلته و تعاون مع جمال على قتلي لذلك لا أريد رؤية وجهه أبدا فالأفضل لكـ أن تذهبي الآن مشياً على الأقدام أو إذا أردت انتظري عمكـ عبد الوهاب حتى يرجع و هو من سيوصلكـ إلى بيت أخيكـ النقيب خالد صاحب المبادئ الشريفة.. أنا ذاهب الآن لأرتاح )) وقفت صبا بوجهه و قالت له بغضب (( إياك و التكلم عن خالد بهذه الطريقة السيئة، فلو تكلم أحد عن الشرف فسيكون هو أشرف منك أيها الخبيث المخادع.. لقد سامحت جمال و أرجعت له كل أمواله فلماذا لا تستطيع مسامحة خالد؟؟ )) رد سليم (( جمال ليس أخي و لا يوجد سبب يجبره على أن يحبني و لكن خالد أخي و المفروض عليه أن يحبني و خصوصا أنه كان يدري بأني أخوه و لكنه أنكر و أهانني أنا و عائلتي.. للأسف إنه أخي و يا ليته لم يكن )) صاحت به صبا (( لا تكن قاسياً، خالد جاء إلى والدك و تصالح معه و عمي عبد الوهاب سامحه و اعتبره كابن له )) ثم أكملت قائلة بخبث (( بدلاً عنك لأنه قال له فقدنا ولداً و هو أنت يا سليم، و كسبنا ولداً و هو خالد.. فلماذا لا تستطيع أن تكون مثل والدك و تسامحه؟! )) قال سليم (( هذا الأمر بيني و بين خالد و لا دخل لأبي بيننا، أنا من يجب أن يسامحه و ليس أبي )) ثم أضاف بغرور (( و لأجلكـ سأسامحه و لكن بشرط أن يأتي إلى هنا و يتأسف مني )) قالت صبا بعد أن استطاع استفزازها (( أنت غبــــي )) قال سليم (( من الغبي؟ أنا؟! )) صاحت به (( نعم.. غبي و مغرور، و إذا كنت لن تسامح خالد فلن تراني هنا بعد الآن.. لن آتي لرؤيتك أبداً )) قال سليم بلا مبالاة (( سيكون من الأفضل أن لا أراكـ حتى يوم عرسي لأنكـ مزعجة و لا تأتي معكـ سوى المشاكل لذلك اذهبي و ابكي على صدر الحنون خالد و أنا سأذهب لغرفتي كي أرتاح فأنا متعب و لا وقت عندي للثرثرة مع مشاكسة مثلكـ )) و ذهب عنها و لكنه لم يرى الأكياس الموضوعة أمام الدرج المؤدي للطابق الثاني فسقط على وجهه، و عندما نهض تحسس وجهه بألم ثم قال (( لمن كل هذه الأشياء؟ و لماذا وضعت في هذا المكان؟! لا تقولي يا أمي بأنها لصوفيا.. ألم يكفيها كل الذي اشتريتماه في الأيام الماضية؟! )) قالت أمه و هي تبتسم (( إنها بعض الهدايا التي اشتريتها لأختكـ صبا، لقد كانت خجولة جداً و رفضت أن تختار لنفسها فاخترت لها على ذوقي و الحمد لله أنه أعجبها )) قال سليم و هو ينهض (( كل هذه الأشياء لصبا! سوف تفسدينها يا أمي.. بسببكـ سوف تتمرد على إخوانها.. من أين سيأتون لها بمثل هذه الأشياء عندما تطلبها مرة أخرى؟! )) قالت جمانة (( أنت أيضاً أخوها فإذا لم يستطع خالد و حسام توفير كل ما تريده فأنت موجود و أموالك كثيرة )) رد سليم (( التزاماتي كبيرة و لست مستعداً على أن أرمي أموالي لمبذرة مثلها )) قالت أمه (( قلت لك يا عزيزي، لقد كانت خجولة و لم ترضى أن تأخذ شيئاً من عندي لذلك اشتريت لها و أجبرتها على قبولها.. ليتني تعرفت عليها منذ زمن إنها ألطف من قابلت في هذه المدينة )) قال سليم بسخرية (( من ناحية اللطف و الرقة فلا أحد يغلبها، أما عن الخجل فهذه الفتاة لا تعرف معنى كلمة خجل.. إنها خطة منها حتى تحصل على ما تريد و الظاهر أنها نجحت.. قبل أن تذهب معكـ أعطيتها بعض الأموال فلماذا لم تشتري لنفسها إذا كانت خجولة من قبول هداياكـ؟ )) قالت له صبا (( أنا لا أريد تلك الهدايا يا سليم، فأنا لم آتي للتسول من عندك.. إذا كنت تريدها فخذها و قدمها لخطيبتك صوفيا )) قالت والدته بغضب (( لقد جرحت مشاعرها يا سليم.. كيف تتصرف بهذه الطريقة الوقحة مع آنسة مؤدبة مثلها؟! هيا اعتذر منها )) نظر سليم لأخته بعد أن ذكرت أسم صوفيا بدلاً من مآثر و هي أول من يعلم بقصة حبه، ثم قال ليتجنب ما كانت تخطط له و كان واضحاً في عينيها الماكرتين (( أنا آسف يا أختي العزيزة و أنا لا أرضى على زعلكـ.. أرجوكـ و أتوسل لكـ أن تصفحي عني و تسامحيني و هذه قبلة صغيرة أطبعها على خد الآنسة الخجولة لتسامحني )) ثم قبلها سليم على خدها مثلما قال، فسارعت صبا لمسح مكان القبلة بيدها ثم قالت (( سأسامحك و لكن يجب أن نتكلم.. هيا اجلس أريد أن أناقشك في موضوع مهم )) رد عليها بسرعة (( لا ليس الآن، فأنا كما قلت لكـ متعب جداً و أريد أن أستحم فكثرة العمل أرهقتني ))
قالت له أمه بحنان (( أنت مدير و لا تفعل شيئاً سوى الجلوس على كرسي و توقيع الأوراق، فما الذي أتعبك؟ هيا أجلس و تكلم مع أختك فهي مشتاقة لك )) قال لها سليم (( اليوم سلمت الرواتب للموظفين و راجعت الكثير من الملفات و أشرفت على الاستيراد و التصدير، فلذلك أنا مرهق جداً و لا أستطيع الوقوف.. على الأقل سأستحم ثم سآتي لأكلم أختي مثلما أمرت يا أمي )) قالت أمه (( حسناً اذهب و أنا سأعد لك بعض الشطائر و عصير الليمون.. عندما تنزل لأختك سيكون كل شيء جاهز )).....


الجــــــــ 56 ـــــــزء:

ذهب سليم و نزل بعد حوالي 45 دقيقة، و عندما أتت أمه بالطعام، قال لها بعد أن شكرها (( لقد فعلها أمجد يا أمي و قام بسرقة علبة الشامبو التي وضعتها في حمامي.. سرقها و هرب بكل بساطة، متى سيعود؟؟ )) ردت أمه (( ما الذي يؤكد لك أن أمجد هو من فعلها و ليس أحد إخوانك الآخرين أو والدك؟ أفعلت شيئاً أغضب أمجد منك حتى يسرق علبة الشامبو الخاصة بك؟؟ )) قال سليم و هو يتصنع البراءة (( أنــــا؟! لا، طبعاً لم أفعل له شيئاً.. لا تصدقيه )) قالت جمانة (( ألم تضربه أنت و أباك أم أنه كان يفتري عليكما عندما أخبرني بذلك؟؟ )) قال سليم (( أوه حسناً.. لقد ضربناه و لكن هذا لا يبرر له فعلته فذلك الشامبو الذي أخذه غالي الثمن و لقد اشتريته من إيطاليا و لا يوجد مثله هنا )) قالت أمه لتنهي النقاش (( أخبرني كم ثمنه و عندما نرجع إلى إيطاليا سأشتري لك غيره و لا تفكر في إرجاعه من عند أمجد لأنك تعرفه )) قال سليم و هو يحاول إغضاب صبا (( لا بأس يا أمي، أنا لا أريد شامبو مثله لأني سأبدأ بتعويد شعري على الشامبو العادي.. ما نوع الشامبو الذي تستخدمينه يا صبا؟ لأني أريد مثله فشعركـ جميل )) ردت صبا (( و من قال لك بأني أستخدم شامبو رخيص أيها المتبجح؟! )) قال سليم (( لا أحد يجرؤ على قول هذا يا حبيبتي و لكن ربما نقرر أنا و صوفيا البقاء هنا و عدم العودة لإيطاليا و لذلك لابد من تعويد شعري على نوعية الشامبو الموجودة عندكم )) قالت صبا و هي ترفع حاجباها معاً (( إذا أردت نوعية ممتازة فعليك بالشامبو الممزوج بنكهة مسحوق الحشرات فرائحته النتنة مناسبة لشخص مثلك )) قالت والدته (( كف يا سليم عن مضايقة أختك و تكلم معها بأدب.. سأترككما لوحدكما و إياك أن تشتكي منك، و تذكر صبا ضيفتي )) و ذهبت عنهما، فقالت صبا بقهر (( لقد قضيت 45 دقيقة في الاستحمام.. لو أن عروساً تستحم لعرسها لما قضت هذه المدة )) قال سليم و هو يحرك شعره بيديه (( ماذا أفعل لكـ إذا كنت تجهلين معنى النظافة؟ )) قالت صبا (( سأتغاضى عن ذلك الآن.. هيا أخبرني هل صحيح ما قالته أمك عنك؟! )) قال سليم ببرود (( و ما الذي قالته أمي عني؟ )) قالت صبا (( أنت تعرف و لكنك تتظاهر بالغباء.. أنا أتكلم عن صوفيا، هل صحيح بأنك ستتزوجها و تترك مآثر مثلما أخبرت والدتك؟؟ )) رد سليم (( هل تعتقدين بأني كاذب؟! )) قالت صبا (( أنا لا أعتقد، بل أنا متأكدة بأنك كاذب )) قال سليم (( حسناً، إذا كنت تريدين معرفة الحقيقة قلا بأس.. أنا لم أقل لأمي بأني سأتزوج صوفيا و إنما قلت بأني سأتزوج يوم الخميس المقبل و هذا ما حدث و أنا لم آتي بسيرة ابنة أختها أثناء كلامي )) قالت صبا و هي تفرك يديها مع بعضهما (( تعجبني صراحتك و لذلك سأكلمك بصراحة.. طبعاً أنت تعرف أن أمك أحبتني كثيراً و من كلامنا مع بعض اكتشفت أنها تثق بي جداً، لذلك إن لم تنفذ لي كل طلباتي فسأخبرها بأنك تريد الزواج بمآثر و ليس صوفيا مثلما تعتقد هي و عندها ستقع المشاكل بينكما و أنت تعرف الباقي فماذا قلت؟؟ )) قال سليم باستنكار (( هل هذا ابتزاز؟! )) ردت صبا و هي تبتسم بثقة (( بالتأكيد، نعم هذا ابتزاز )) فكر سليم ثم قال لها (( قبل أن أرد عليك، أخبريني كم عمركـ؟ )) قالت صبا بضجر (( أووووف و لماذا نضيع الوقت؟ عمري 16 سنة و أنت تعرف ذلك )) قال سليم (( ألا تعتقدين بأنكـ صغيرة على الابتزاز و خصوصاً من رجل وسيم و غني و.... قوي مثلي؟!! فربما لقيت ما لا يعجبكـ )) قال صبا بإصرار و خبث (( لا، لست صغيرة و كفاك غروراً و إلا ذهبت الآن إلى أمك.. فهل ستنفذ أم أضطر لاستخدام القوة؟؟ )) صفق سليم ثم قال لها (( رائــــع، منذ أن التقينا و أنت لا تعتبريني إلا صرافة نقود لكـ.. سأنفذ ما تريدين و لكن أخبريني هل تعاملين بقية أخوانكـ هكذا؟ هل هم بالنسبة لكـ مجرد بنك مثلي.. هيا أجيبي ثم سنتناقش في مطالبكـ )) قالت صبا بصراحة (( منذ أن كنت صغيرة تعودت على سفر أبي و أمي المستمر بسبب طبيعة عمل والدي و كان خالد هو من يعتني بي دائماً لأن حسام كان يكمل تعليمه في الخارج، لذلك خالد بالنسبة لي كل شيء لأنه الحنان الذي فقدته و أنا صغيرة و أنا أحبه أكثر من أي شيء في الدنيا و أحب زوجته أيضاً لأنها طيبة معي و رغم أنهما تزوجا في سن صغيرة و لكن هذا لم يمنعهما من الاعتناء بي، و حسام أيضاً عطوف معي و لكنه صارم جداً و أنا أعرف جيداً أنه يخفي قلباً رقيقاً خلف تلك النظرات الصارمة التي يبعثها لي كلما أخطأت أو أسأت التصرف أو طردت من مدرسة ما )) قال سلم و هو يرفع قدميه في الطاولة و يسترخي جيداً في الكرسي (( و سليم عبد الوهاب مجرد آلة تصرفين منها المال )) ردت صبا بثقة (( سليم أحمد الأحمد، إذا كنت تحارب بقوة كي تحظى بحب إخوانك فيجب عليك أن تقتنع في البداية أن أباك الذي يجب كتابة اسمه مع اسمك هو أحمد الأحمد و لا تخف أيها المتكبر أنت لست مجرد آلة لصرف المال فقط، إنما أنت أخي الذي لم يولد بعدي )) قال سليم بحيرة (( و ما معنى هذا؟! )) قالت ساندي و هي تقلده و تضع قدماًَ فوق الأخرى (( معناه أني لا أجرؤ على ضرب حسام و خالد أو الصراخ بوجههما أما معك أنت أفعل و بكل بساطة و كأنك أخي الذي أصغر مني )) قال سليم (( و ما هي طلباتكـ يا سيدة صبا؟ )) قالت صبا و هي تعتدل في جلستها (( آنســة لو سمحت.. أريد أموالاً بقدر دموعي التي ذرفتها عليك عندما ظننت بأنك توفيت.. هل تصدق يا سليم؟! أنا بكيت و أنت أول من بكيت عليه.. لقد بكيت بشدة حتى دخلت المستشفى بعدما مرضت من كثرة البكاء و الآن اكتشفت أن بكائي ذهب سدى و أنك ما زلت حياً، طبعاً هذا يفرحني لذلك أعتبر هذا تعويضاً لي و لا تنسى أيضاً الحلة الرسمية الكاملة )) قال سليم بعد أن وقف (( ألم تنسي الحلة الرسمية الكاملة أيتها السخيفة؟!! ثم كم دمعة ذرفتها عليّ حتى أعطيكـ مقابلها؟! هيا أخبريني.. إنكـ مبذرة في المال و بخيلة في الدموع، و الآن هيا قفي )) وقفت صبا و هي تنظر له بغضب شديد فقال لها (( انظري لنفسكـ أنت لا تنتمي لجنس النساء بشيء.. كل شيء فيكـ يشبه الأولاد، وقفتكـ و ملابسكـ و شعركـ الذي تخبئيه خلف هذه القبعة التي لا يلبسها سوى الأولاد.. يجب عليكـ أولاً أن تغيري من منظركـ حتى تصبحي كسيدة راقية ثم تعالي و طالبي بالحلّة الرسمية الكاملة التي لا نفع منها إن اشتريتها لولد... و الآن هيــــا اذهبي من أمامي و لا أريد أن أرى وجهكـ و إياكـ ثم إياكـ أن ترفعي إحدى المزهريات و تحاولي ضربي بها، فعندها سأضطر إلى فعل ما لا يعجبكـ و أنا لا أريد أن أمد يدي عليكـ.. هيا انصرفي و ابعدي نظرات الغضب من عينيكـ، لا أريد رؤيتكـ إلا يوم الخميس.. تعالي و تصرفي برقة حقيقية و برقي و لطف و عندها سأعطيكـ كل ما تريدين )) انتظر سليم أن تذهب صبا من أمامه و لكنها ظلت واقفة بلا حراك و الغضب مسيطر على وجهها الأحمر، فقال لها بضجر (( لماذا لا تتحركي من أمامي؟! هل تريدين أن أحملكـ و أرميكـ خارجاً؟ )) و بسرعة و من دون أن ترد عليه أخذت صبا إحدى التحف الثقيلة الموضوعة في الطاولة بجانبه و حاولت للمرة الثانية كسرها على رأسه و لكنه هذه المرة أمسكها من يديها و أخذها منها بقوة و قال لها (( يكفي تحطيماً للأشياء الثمينة، فلو باعكـ أحد في السوق بجانبها لكانت هذه التحفة أغلى ثمنا منكـ، سأريك الآن كيف تقلين أدبكـ مع من هم أكبر منكـ سناً )) و لكن صبا لم تمهله و إنما ضربته بمرفقها على مكان إصابته فصرخ متألما بشدة و أمسك صدره بيده و أمسكها هي باليد الثانية، فضربته بكعب حذائها على قدمه فآلمه ذلك أكثر و عندها تفجر غضبه منها و أمسكها جيداً بيديه الاثنتين ثم ثبتها على الأرض و لم تستطع الحراك فقال لها (( أيتها المشاغبة لقد آلمتني و فتحتي جرحي، و لكن دوائكـ عندي أنا.. سأؤدبك و سأجعلكـ تندمين على قدومكـ إلى هنا و سأعلمكـ كيف تحترميني، أنا لست أصغر منكـ حتى تمدي يدكـ عليّ كلما تقابلنا، بيننا اثنا عشرة سنة لن يظهرها لكـ سوى بعض الضرب الذي لا يضر مع أمثالكـ لذلك خذي مني هذا )) و قام سليم بضربها و لكن عندما سمعها تبكي رق قلبه لها و تركها و عندما ابتعد عنها قليلاً زاد بكائها، ثم نهضت و قالت له (( كيف تجرؤ على انتقاد شعري و ملابسي و رقتي؟! أنا أكثر رقياً منك أيها الهمجي المتوحش... سأنتقم منك، لا أحد يضربني و ينجو بسهولة مني )) و زادت في بكائها، فجاءت جمانة و قالت لسليم (( ماذا فعلت بأختك يا سليم؟؟! )) أشاح سليم عن والدته و التفت لصبا و صاح بها بشدة (( اصمتـــي.. لا أريد سماع صوتكـ المزعج، أنت تستحقين و يجب عليكـ أن تتأسفي الآن )) ارتجفت صبا من صوته القوي ثم صمتت خوفاً منه و أخذت تنظر إليه و قد صدمها بصراخه عليها، ثم قالت له و هي ما زالت تبكي بصوت منخفض (( أنا آسفة سامحني )) ثم ركضت و خرجت من المنزل للشارع، فقالت أمه بخوف (( اذهب و ألحق بها، لا تتركها تذهب لوحدها )) تنهد سليم و قال لأمه (( لا تخافي عليها فهي تعرف طريقها جيداً )) قالت جمانة (( إنها فتاة صغيرة و لوحدها في الشارع يجب أن تلحق بها لأن بيتها بعيد من هنا )) قال سليم (( لا تضايقيني يا أمي لن أتبعها، دعيها تتعلم مما حصل.. أريدها أن تتعلم درساً قاسياً و تحترم من هم أكبر منها سناً، و منزل خالد على بعد شارعين من هنا و مثلما أتت ستعود لا تخافي عليها )) قالت أمه بخيبة أمل (( لم أعهدك قاسياً لهذه الدرجة و أنا واثقة بأنها لم تكن تستحق أن تضربها، ربما ناقشتك فيما قالته لي )) قال سليم بدهشة (( لم تستحق؟! لقد قامت هذه الشقية بضربي بمرفقها على صدري ثم داست بكعب حذائها على قدمي حتى كسرت لي أصابعي و تقولي لا تستحق!! ثم ما الذي قالته لك هذه الكاذبة هيا أخبريني )) قالت أمه (( لقد أخبرتني بأنك ما زلت تريد الزواج من مآثر، فهل كنت تكذب عليّ عندما جعلتني أظن بأنك ستتزوج صوفيا؟! هيا رد علي و لا تكذب )) فكر سليم في الورطة التي أوقعته فيها صبا ثم قال لأمه و هو يتظاهر بالضيق (( لا بأس يا أمي عندك حق أنا كاذب و صبا هي الصادقة )) و ذهب عنها ليخرج من المنزل فاستوقفته قائلة (( إلى أين تريد الذهاب؟؟ هل أغضبك كلامي؟؟ )) قال سليم (( بل أحزنني أن تصدقي تلك المشاكسة و تكذبيني، فعندما قلت لكـ بأني سأتزوج يوم الخميس فأنا أعني ذلك و لقد وعدتكـ و أنا لا أخلف و عدي مهما حصل و أنت أدرى الناس بي.. ثم ما الذي أتى بسيرة مآثر الآن، إنها ليست هنا و لا أحد يدري متى ستعود )) قالت أمه بعد أن صدقته (( أنا آسفة يا عزيزي، لم أقصد أن أجرحك.. أرجوك لا تذهب فأنت تعرف مدى حبي لك.. لا تغضب فأنا أصدقك )) قال لهما وحيد بعد أن دخل بدون أن يحسا به (( يا إلهـــــي! أنت دائماً تنجح في تمثيلك على أمي )) التفت سليم و قال له (( متى دخلت؟! لم نحس بك )) قالت له أمه (( كيف تجرؤ على التكلم عن أخيك بهذا الشكل؟! ثم أين كنت اليوم لماذا لم تأتي للغداء؟؟ )) قال وحيد بخبث (( لقد ذهبت للتسوق أنا و زوجتي لكي نشتري هدية للعروسين )) قالت جمانة بفرح (( و هل وجدتما هدية مناسبة لهما )) رد وحيد (( طبعاً يا أمي، فسليم و صوفيا غاليان علينا و لن نرجع دون أن نشتري لهما هدية تليق بهما و بمركز التاجر المشهور سليم عبد الوهاب )) ثم أكمل و هو ينظر لسليم بتحدي (( لقد قررنا شراء بطاقتين لهما لقضاء شهر العسل في أي بلد يختاراه، و لك أن تختار يا سليم أي بلد تحب أن تذهب إليها مع صوفيا.. بإمكانك الذهاب إلى هاواي أو ماليزيا أو حتى بانكوك إن أحببت.. فما هي البلدة التي تريدها أخبرني بسرعة )) قال سليم (( نريد الذهاب لمصر )) قال وحيد باستغراب (( لماذا مصر و أمامك بانكوك؟!! )) رد سليم (( لأن فيها مكان يسمى وادي الموت و نحن نريد الذهاب حتى ندفن جثتك بجانب أحد الفراعنة لأنك إن لم تذهب من أمامي فأنا قاتلك لا محالة )) قالت أمه باستنكار من رده على أخيه ((لقد كنت مختلفاً قبل أن نأتي إلى هنا.. لا أعرف ما الذي حصل و قلب لك كيانك؟! هل هو أكرم أم يزن أم تلك التي حاولت خطفك مني مآثر!! المفروض أن تشكر وحيد لأنه قضى طوال يومه و هو يبحث لك عن هدية و أنت ترد عليه هكذا!! لا أصدق ما أرى أمام عيني.. أنت لست سليم الذي أعرفه.. هيا أذهب و أشكر أخاك )) قال وحيد بسرعة (( لا لا يا أمي.. لا بأس اعتبريه قد شكرني، أنا ذاهب لأرى بناتي )) و ذهب مسرعاً، فقال سليم (( كنت أتمنى أن يسمح لي بشكره و الاعتذار منه )) قالت أمه و هي تمسح على كتفه بحنان (( أنت لم تأكل شيئاً مما قدمته لك يا سليم )) قال سليم و هو يبتسم براحة و رضا (( بعدما فعلته بصبا، سآكل كل هذا الطعام و أشرب كل هذا العصير )) و لكنه عندما جلس انقلب الكرسي للخلف و وقع سليم بقوة على ظهره فتألم بشدة ثم قال و هو ينهض (( الشقية!! لقد أتلفت الكرسي بعد أن ضربتها.. لقد استغربت أن تتأسف تلك المصيبة بتلك السهولة.. آآآآه.. أمي )) قالت له جمانة (( هل تأذيت يا سليم؟؟ دعني أرى جرحك )) قال سليم (( لا داعي لأنه ينزف.. هل تذهبين معي إلى المستشفى )) قال أمه بسرعة (( طبعاً، هيا سأخبر و حيد حتى كي يأتي و يقود السيارة )).... و هكذا ذهب سليم إلى المستشفى و تعالج عند الدكتور حسام و هنالك التقى بخالد و تصالح الأخوة أخيراً، و سامح سليم أخاه خالد على ما بدا منه تجاهه، و نصح الدكتور حسام "سليم" بالمكوث في المستشفى ثلاثة أيام حتى يشفى تماماً و لكنه رفض و رجع لمنزله، و ما زال ينتظر رجوع مآثر لبيت خالها جمال......


الجــــــــ 57 ـــــــزء:

و في يوم الثلاثاء و بالضبط وقت العصر عندما كان سليم عائدا من عمله فدخل إلى الحديقة بسيارته الـ GMC و عندما نزل منها وجد أمامه حصاناً أبيض جميل مربوط بأحد الأشجار فأخذ ينظر إليه ثم قال بفرح (( هذا ما كنت أريد.. لقد نسيت أن أشترى حصانا أبيض و لكن ها هو أمامي الآن.. كيف حدث هذا؟ سأدخل و أسأل لمن الحصان )) و عندما دخل وجد أمه و أباه و قد جلسا حول طاولة و هما يشربان الشاي فسلم عليهما و قالت له أمه (( لقد تأخرت كثيرا و الطبيب أمرك أن لا ترهق نفسك.. لا تنسى أن عرسك بعد يومين و الآن اجلس لتشرب الشاي معنا )) قال عبد الوهاب (( كفاكـ تدليلا له.. إنه بخير، دعيه يشرف على أعماله فإن لم يفعل من سيفعل بدلا عنه؟ ثم أنه تجهز جيدا لعرسه و لم ينساه و لن يفعل أوليس كذلك يا سليم؟ )) قال سليم و هو يتناول الشاي من يد أمه ثم يجلس بجانب والده (( طبعا كذلك، أنا لم أنسى يوم جنازتي.. أين أنت يا أكرم فكم أنا بحاجة إليك الآن )) قالت جمانة (( المفروض أن تذكر اسم صوفيا لا أكرم فهي من ستتزوجها و ليس هو )) قال سليم (( و لماذا أذكرها و أنا عند دخولي و خروجي أراها؟! )) قالت أمه (( يجب أن يفرحك هذا )) قال سليم (( طبعا، ألا ترين السعادة تشع من عيوني؟! و لكن دعينا منها و أخبريني لمن الحصان الذي في الحديقة؟ )) التفت جمانة إلى زوجها و قالت له بغضب (( أرأيت يا عبد الوهاب، حتى ابنك انتقده )) قال عبد الوهاب (( أنا لم أشتريه له حتى يدلي برأيه.. لقد أهدي لي و بما أني لا أعرف شيئا عن الخيول فسأبيعه بثمن جيد فهو خيل عربي أصيل )) قال سليم (( أنا لم أنتقده يا أبي، بالعكس إنه جميل جدا و يجب أن تعرف أن الهدايا لا ترد و لا تباع و هذا الحصان أجمل هدية تلقيتها لذلك دعه و سنأتي بمن يعلمك و يعطيك معلومات عن الخيول فماذا قلت؟ )) قال والده بإصرار (( إذا كنت تريده يا عاشق و أنا أعرف لماذا تريده، فعليك شراءه و إلا فأنني سأبيعه في الغد )) قالت جمانة بدهشة (( أتطلب ثمنا من ابنك على ذلك الحصان؟! كيف تجرؤ على ذلك يا عبد الوهاب؟! )) قال سليم مؤيدا أمه (( صدقت أمي، كيف تجرؤ على ذلك يا عبد الوهاب؟ )) ثم لصق بوالده و همس له بصوت منخفض (( إني أحتاجه لخطبة مآثر، لقد أخبرتك بشروطها و يجب علي تنفيذها لأني وعدتها )) قال عبد الوهاب و هو يهمس أيضا (( و هل تعتقد أنها جادة فيما قالته أيها الأحمق؟! كيف تذهب إليها بحصان أبيض و سيف؟! ماذا سيقول الناس عنا؟! )) قال سليم بعناد (( أنا لا يهمني رأي الناس، سأفعل ذلك حتى لو اضطررت لسرقة الحصان منك و الأفضل لك أن تساعدني بدلا من أن يقول الناس سرق سليم أباه )) قالت جمانة (( بماذا تتهامسان؟ أخبراني الآن ماذا يدور من حولي )) قال لها عبد الوهاب (( لا شيء، ابنك يحاول إقناعي بأن أعطيه الحصان )) قالت جمانة (( و هل اقتنعت؟ )) قال عبد الوهاب (( طبعا، فأنا لا أستطيع رفض أي طلب لك يا عزيزتي )) وقفت جمانة و قالت (( حسنا أنا ذاهبة لأجلس مع صوفيا )) و عندما ذهبت قال سليم (( أريد سيفا يا أبي، يجب أن أحصل عليه قبل أن تصل مآثر )) قال والده (( لا أعتقد بأنك ستتزوجها بمجرد وصولها أليس كذلك؟! )) قال سليم (( بل سأفعل، سأتزوجها يوم وصولها حتى لو وصلت الآن فلقد مللت من الانتظار و بما أن الحصان معي فلا ينقصني إلا السيف )) قال عبد الوهاب بعد تفكير (( عندي في القبو بعض الأشياء القديمة و أعتقد أني أحتفظ بسيف أهداني إياه جدي عندما كنت صغير و أنا أحمله دائما مع أغراضي عندما أسافر.. سأبحث عنه و أرجو أن أجده و لكن كيف ستتخلص من صوفيا )) قال سليم بثقة (( سأتخلص منها عندما أتخلص من أمجد ))....

الجــــــــ 58 ـــــــزء:

و في يوم الأربعاء كان سليم و عبد الوهاب يدخلان إلى البيت و هما يضحكان بشدة و الفرحة تعلو وجههما و عندما رأتهما جمانة ركضت نحوهما و هي تبكي بشدة و قالت لهما (( أين كنتما؟! الحقاني.. مصيبة حلت علينا )) قال عبد الوهاب بخوف (( ماذا بكـ يا جمانة؟! ما الذي يجعلكـ تبكين هكذا؟ )) قالت جمانة و هي ترتجف (( صوفيا.. صوفيا يا عبد الوهاب، لقد هربت و أخذت كل ثيابها، قاسم و يعقوب بحثا عنها في كل مكان و لكن لم يجدا لها أثر )) ابتسم سليم بعطف و قال لها و هو يمسكها من كتفيها و يجلسها بحنان (( لا تخافي عليها يا أمي فهي بأمان.. نحن نعرف أين هي )) توقفت جمانة عن البكاء و وقفت و قالت و هي مصدومة (( إذن هي معكما و أنا هنا أبكي!! لماذا لم تخبراني؟! لا تقل أنكما تزوجتما من ورائي يا سليم، لا تقلها أبدا )) قال سليم و هو يحاول التخفيف عليها (( اهدئي يا أمي و اجلسي و أنا سأشرح لكـ كل شيء )) صاحت به بحدة (( لا أريد الجلوس و لا أريد أن أهدأ.. هيا أخبرني بسرعة، هل تزوجتما بالسر؟ )) قال سليم (( لا يا أمي، لم نتزوج بالسر و أنت تعرفين أني أرفض فكرة الزواج بالسر )) تنهدت جمانة بارتياح ثم جلست و قالت (( الحمد لله لقد أرحتني، إذن أين هي؟؟ أين ذهبتما بها أنت و والدك؟! )) قال سليم بتردد (( أمي اسمعيني جيدا و لا تتفاجئي أو بالأصح لا تنصدمي.. صوفيا تزوجت و لكن ليس بي )) وضعت جمانة يدها على صدرها و قالت بهلع (( إن كنت لم تتزوجها أنت فمن فعلها؟! لا تقل أبوك!! يا إلهي، هل فعلتها يا عبد الوهاب؟!! )) قال سليم و هو يحرك يديه إشارة لنفي ما قالته (( لا لا لا تفهميني خطأ.. أبي لم يفعلها، و لو فعلها لما كان يقف هنا أمامك، لكان هرب و لم يعد )) قال عبد الوهاب بغضب و استنكار (( لا تفقدي عقلكـ يا امرأة.. صوفيا مثل ابنتي و أنا وأنت أوصياء عليها.. اشرح لها يا سليم )) تنهد سليم بقوة ثم قال (( في الصباح الباكر عندما كنت أنت نائمة يا أمي، جاءت تلك الشقية صبا كي تنتقم مني و تساعدكـ على إقناعي بالزواج من صوفيا.. فقامت بتصفيف شعرها و جعلته ناعما و منسدلا و صبغته باللون الأسود ثم ألبستها فستانا جميلا و أصلحت لها وجهها بعد أن مسحت عنه تلك المساحيق المريعة و بهذا نجحت تلكـ الماكرة صبا بإصلاح ابنة خالتي بنسبة 100% و جعلتها كالبدر في تمامه و لكن ليس بالنسبة لي فأنا مازلت أحب مآثر لذلك لم أتأثر بهذا التغيير أبدا، و لكن تأثر سواي.. ففي تلك اللحظة دخل أمجد و رآها و أكتشف أخيرا أنه بدأ يحبها بعد أن رآها لأول مرة عندما أتت تسأل عني و زاد إعجابه بها عندما رآها بعد تعديلات صبا و لهذا أخبرها بنيته بالارتباط بها و أنا بدوري أخبرتها استحالة زواجي منها و بعد تفكير وافقت صوفيا و اعترفت أنها لم تكن تريد الزواج بي إلا بسببكـ يا أمي و ما دام ارتباطنا مستحيل وافقت على أمجد و بهذا ذهبنا معهما أنا و أبي إلى المحكمة و تم زواجهما و لقد سافر العروسان بالبطاقات التي اشتراها وحيد و أنا أهديتهما سيارة جديدة و وعدهما أبي بتغيير أثاث منزل أمجد عندما يرجعان من شهر العسل، و هذا كل ما حصل و إذا كنت تريدين معاقبتنا أنا و أبي أو قتلنا يجب أن تعرفي أن وحيد كان معنا )) أمسكت جمانة رأسها بألم و هي تحس بأن الأرض تدور بها و أن رأسها يكاد ينفجر من الصداع ثم قالت بضعف (( تركت صوفيا لأمجد! تركتها تذهب من يديك )) ثم وقعت على الأرض، فأسرع إليها سليم و عبد الوهاب و حاولا إيقاظها و لكن دون جدوى فأحضرا لها الطبيب و أخبرهما أن ضغطها ارتفع بسبب صدمة تلقتها و إذا ارتاحت ستكون بخير....


الجــــــــ 59 ـــــــزء:

و في الغد، أي يوم الخميس كان سليم يفطر مع أمه و إخوانه و زوجاتهم و طبعا جمانة غاضبة و ترفض التكلم مع سليم و عبد الوهاب و وحيد.. فقال لها وحيد متوسلا (( أنا لا ذنب لي فيما حصل، لقد هدداني بالضرب إن لم أساعدهما في جريمتهما.. لو لم يجبراني لما أقدمت على هذه الفعلة الشنيعة يا أمي )) ركله سليم بقوة في قدمه و قال له (( لا تكذب لأنك لن تقنعها بشيء )) ثم التفت لأمه و قال لها (( سامحيني يا أمي، لا أستطيع الزواج بامرأة لا أريدها، و صوفيا لم تذهب لبعيد لقد تزوجها أخي.. أرجوكـ سامحينا، أنا و أبي لم نقصد إغضابكـ )) ردت عليه بغضب (( أين هو والدك يا سليم؟؟ لماذا لم يأتي للإفطار معنا؟ )) رد سليم (( إنه في القبو، و لكن لا تسأليني ماذا يفعل لأني لا أعرف )) قالت له (( بل تعرف.. لن تكذبا عليّ بعد اليوم، إنه في القبو يخطط لمساعدتك حتى تتزوج تلك التي سحرتك، و لكني لن أوافق عليها أبداً.. أتسمــع؟! لن أوافق عليها مهما حصل و مهما غضبت و مهما عاندت و لا تحاول فعل شيء لأنك لن تغير رأيي )) قال سليم (( و لكن يا أمي.... )) قاطعته قائلة (( اخرس و لا تتكلم، لا أريد سماع صوتك بعدما فعلته أنت و والدك )) قال سليم بضيق من موقفها (( أنا أريد أن أتزوجها برضاكـ يا أمي )) قالت أمه بعناد و قسوة (( إن تزوجتها فأنسى أنني أمك )) قال سليم بحزن (( لا تقتليني يا أماه، أنت تدمري كل أحلامي بكلامكـ هذا.. الطلاق ليس جريمة حتى ترفضيها بسببه )) قالت جمانة (( لقد نسيت مسألة طلاقها و أنا لم أرفضها لأنها مطلقة بل لكذبك علي أنت و أباك.. و الآن أكمل فطورك و اعلم أننا في الغد سنرجع لإيطاليا و ستنساها أو تنساني )) قال سليم بغضب (( أنا لست صغيراً حتى تعامليني بهذه الطريقة و تخيريني بينكـ و بينها.. و هذه حياتي و مستقبلي و من حقي أن أرسمه كيفما شئت و لكن برضاكـ أنت و أبي.. أرجوكـ لا تحرميني منها فأنا لن أكون سعيداً إلا معها )) قاطعهما يزن و هو يدخل حاملاً في يده طفلة صغيرة جميلة، و أخذ يصرخ قائلاً بفرح (( أبشر يا سليــــم، لقد عادت مآثر و هي الآن في حديقة بيت خالها جمال تنتظرك.. هيــــا أسرع إليها )) طبعاً طار عقل سليم و أراد الخروج بسرعة و لكن استوقفته أمه و قالت له (( لا لن تذهب.. لن أسمح لك )) قال سليم و هو ينظر لها بثقة (( بل سأذهب يا أمي و سأقنعكـ فيما بعد )) ثم أخذ يبحث عن مفاتيح سيارته في جيوبه و عندما لم يجدها صاح بقهر (( تبــاً، أين اختفت المفاتيح؟! لقد كانت في جيبي!! )) قالت أمه (( و هي الآن معي و لن أعطيك إياها لذلك أعقل و أنسى هذه المرأة )) قال لها بعناد و إصرار (( اطلبي أي شيء إلا نسيانها )) ثم ركض حتى وصل للحديقة و هناك أخذ بسرج الحصان ثم ركب فوقه و عندما أراد الانطلاق رمى به الحصان بقوة فوقع للخلف و لكنه نهض و صعد مرة أخرى و عندما أراد الحصان رميه مرة أخرى قال له بتحدي (( لن أسمح لك بفعلها ثانية يا صديقي فلقد تعلمت درسي )) ثم جاء والده و قال له (( هل ينفع هذا السيف؟؟ إلى أين تريد الذهاب بالحصان؟؟ لقد كنت أمزح فأنا لم أعطه لك )) أخذ سليم السيف من يده و قال له (( إنه يصلح، شكراً يا أبي.. ألحقني أنت و أمي و أخوتي لبيت جمال و أحضروا يزن و لا تعاقبه يا أبي مثلما اتفقنا )) قال عبد الوهاب (( سنحضر إن لم تقتلنا أمك و لكن هل حملت الخاتم معك؟ )) رد سليم و هو يمشي بالحصان (( إنه في جيبي لا يفارقني )) ثم ذهب مسرعاً إلى حبيبة قلبه فخرجت جمانة و وقفت بجانب زوجها و أخذت تنادي بأعلى صوتها (( سليــم.. سليـــــــم )) و لكنه اختفى وسط زحام الشوارع، فالتفتت لعبد الوهاب و يزن و قالت لهما بهدوء أرعبهما –لأنهما توقعا القتل منها- (( هيا دلاني على منزلها، فبعدما رأيت من حبه لها اقتنعت أن أذهب و أراها )) ثم تنفست بقوة و قالت ((أقصد دلاني على بيت مآثر زوجة ابني، فأنا لم أرى أحد من أبنائي و قد أحب امرأة بهذا الشكل.. و من هي هذه الطفلة يا يزن؟؟ هل فعلتها أنت الآخر و تزوجت؟! )) قال عبد الوهاب بهدوء و هو يضع يده على كتف يزن (( لقد كلمنا سليم عن زواجك.. هيا أعطني هذه الطفلة الجميلة لأحملها و أخبرني ما أسمها؟ )) أعطاه يزن ابنته و قال بتردد (( ألن تضربني؟! )) رد عبد الوهاب و هو يلاعب الطفلة و يضحك معها (( إذا لم أفعل ذلك بالمجنون سليم فهل أفعله بك؟! اطمئن لقد وعدت سليم أن لا أضربك )) ابتسم يزن و قال (( سليم هكذا دائماً يساعدني في الخروج من مشاكلي رغم أني لا أستحق )) قال عبد الوهاب (( لا تقل هذا الكلام مرة أخرى، سليم يحبك لولا أن لك لساناً يوقعك دائماً في المشاكل.. هيا أخبرني عن أسمها حتى أعرف مع من أتكلم )) قال يزن براحة (( اسمها ليليان و عمرها سنة و نصف و أمها تنتظرني في الفندق )) صعدت جمانة إلى السيارة ثم قالت لهما (( هيـــا أسرعا و قولا ليعقوب و قاسم و وحيد بأن يتبعونا ))....


الجــــــــ 60 ـــــــزء:

و عند بيت جمال الدين الحسيني، كانت مآثر واقفة في الحديقة و هي تشم رائحة إحدى الزهور الحمراء الجميلة.. و عندما دخل سليم لم تنتبه له، فنزل و ربط الحصان في إحدى الأشجار ثم اقترب منها و قال لها بهمس رقيق (( أنت أجمل من تلك الوردة بكثير، فهي ستذبل بعد يومين أما أنت فستظلين جميلة في قلبي مهما مر الزمن )) ردت مآثر و هي تبتسم بفرح لا حدود له (( سليـــــم.. آه منكم أيها الرجال لا تبحثون عن الكلام المعسول عندما تريدونه، فهو يأتي إليكم ركضاً قبل أن تطلبوه )) رد عليها سليم و هو يبادلها ابتسامتها الجميلة (( و آه منكن أيتها النساء فأنتن تبخلن بالكلام الجميل عندما يطلب منكن.. فنحن الرجال مبذرون و أنتن بخيلات )) ثم أخرج خاتم الألماس من جيبه و أخذ يدها و قال و السيف في يده الأخرى (( الحصان هنا و السيف في يدي و ملابسي التي علي الآن تعتبر ملابس الفارس في هذا العصر و لقد أكملت جميع شروطكـ، فهل تقبلين يا مآثر بسليم أحمد الأحمد زوجاً لكـ لأن خالكـ المتعب جمال وافق و أبي معنا منذ البداية و أنا متأكد أن قلب أمي قد رق و حن لي و وافقت و لم يبقى سوى رأي صاحبة الشأن فهل توافقي؟؟ )) دمعت عيناها و هي تنظر له بفرح و سعادة ثم قالت له بثقة (( طبعاً أوافق.. لقد وافقت منذ أن رأيتك وسمعتك و أنت تدافع عني أمام زوجة خالي و طارق، و لو بحثت في كل الدنيا فلن أجد شخصاً مثلك في عطفك و حنانك و شجاعتك و عنادك.. لذلك أقولها و بكل ثقة و إصرار، مآثر توافق على سليم أحمد الأحمد )) قال سليم و السعادة تشع من عيونه (( بل أنا الذي لن يجد مثلكـ يا حبيبتي، فأنت علمتني أن المال و الشركات و المنافسات ليس كل شيء في الحياة.. حزنكـ علمني أن أقهر حزني و أن أناضل حتى أحظى بحب إخواني و اليوم عندما أرى هذا الوجه الناعم و قد حلت السعادة به بدلاً من ذلك الحزن المرير فأنا أسعد إنسان في هذا الكون )) قالت له (( سعادتي رجعت لي بسببك يا سليم.. و حبي لك زاد بعد أن علمت مدى إصرارك على رضا والدتك على زواجنا.. أنت ستكون أول و آخر رجل أسمح له بأن يجعل قلبي مسكناً دائماًَ له.. أنا أحبك و أعدك بأن أكون وفية لك مدى الدهر )) قال سليم (( و أنا أيضاً أحبكـ و أعدكـ بأن أكون وفياً لكـ طول العمر )) قالت مآثر (( إذن أسمح لي بأن أقدم لك شهود زواجنا.. هيـــا اخرجوا )) فخرج من المنزل الكبير خالد و حسام مع زوجاتهم و أولادهم و صبا، و أيضاً جمال و رحاب و طارق و أحاطوا بهما و هنئوهما و أبعد جمال يد مآثر من يد سليم و أخذها بجانبه و قال لسليم (( لا أسمح لك بإمساك يدها فأنتما لم تتزوجا بعد و لا يغرك مرضي فما زلت قوياً و أستطيع منعك إن أردت )) ابتعد سليم عنها عندما سمع تهديده فضحك الجميع عليهما، ثم دخل من الباب الخارجي جمانة و عبد الوهاب مع أبنائهم و عائلاتهم و طبعاً يزن و زوجته و ابنته... اقترب طارق من سليم و قال له (( سامحني على كل ما حصل يا سليم فلم يبقى أحد من إخوتك إلا و صالحته ما عداي.. و أنت يا مآثر سامحيني على مضايقتي لكـ فلقد اكتشفت أنكما مناسبان لبعضكما )) قال سليم و هو يمسك وجه أخيه بيديه و ينظر لعينيه بحنان (( لا تكمل فأنا سامحتك منذ أول يوم رأيتك فيه و كنت تمشي وراء رحاب، أما الآن فأنت رجل بمعنى الكلمة لأنك تركت طريق الضلال الذي كنت تتبعه و ما دمت أراك تمشي بمفردك و في الطريق الصحيح فأنا معك و فخور بك و لا تنسى أنك أخي الصغير )) قالت جمانة و هي تقترب من مآثر (( كنت أعلم أنه لا يوجد من يغلب ابني في ذوقه و لكني لم أعتقد أن تكون من أختارها و كأنها قطعة من القمر )) ردت مآثر بخجل (( أرجو أن أكون عند حسن ظنكـ يا خالتي )) ثم التفتت لسليم و قالت له (( بما أن الجميع هنا أرجو أن تستمع لشروطي و أعتقد أن هذا من حقي يا سليم )) قال سليم (( أطلبي ما شئت و لكني لن أعيش في بيت بعيداً عن أمي و أبي )) قالت مآثر (( لست أنا من تطلب منك الابتعاد عن والديك فلقد أحببت والداك من كلامك الدائم عنهما و زاد هذا الحب بعد أن قابلتهم.. شرطي ينقسم إلى قسمين: أولاً أريد ابنتي معي، أرجوك لا تحرمني منها يا سليم.. و ثانياً أريد إكمال تعليمي، على الأقل دعني أحصل على الشهادة الثانوية )) قال سليم (( أيضاً ما أنا بالذي يبعد طفلة عن أمها، و من حسن حظكـ أني أحب الأطفال.. ابنتكـ هي ابنتي يا مآثر و لا شيء يسعدني في الدنيا أكثر من أن أكون الأب الجيد و المثالي لها، و أما عن إكمال تعليمكـ فهذا من دواعي سروري و أنا سأكون معلمكـ في البيت )) ثم سمعا صوت طفلة من بعيد تصرخ و تقول (( ابتعــــــدوا.. دعوني أمر حتى أرى الأشقر الطويل )) و عندما اقتربت رأى سليم نفس الطفلة التي قابلها في النادي قبل تعرضه للحادث و رمت الطفلة بنفسها على سليم و قالت له بدلال طفولي أعجبه (( كنت متأكدة بأنك لن تنساني و أنك ستأتي لتخطبني من أمي.. أنا موافقة )) ضحك الجميع عندما سمعوها فقال لها سليم (( إنها أنت.. أيتها الشقية إذن أنت ابنتها.. اخبريني الآن على ماذا اتفقنا؟! )) قالت له بأدب (( حسناً أيها الأشقر.. أقصد يا أبي )) قبلها سليم بقوة في خدها و قال لها (( هيا اخبريني ما هو اسمك؟ )) قالت له ببراءة (( اسمي لينا و لكن هل ستكون حقاً أبي؟! )) ابتسم سليم لها ثم قال و هو يناولها لوالديه (( نعم يا عزيزتي.. و هذان هما والداي، أي جدكـ و جدتكـ )) ثم التفت لمآثر و قال لها (( هل ألبسكـ الخاتم؟ إنه نفس الخاتم الذي عرض في الصحيفة يوم أن خطبتكـ في أول مرة رأيتكـ فيها )) ثم قال لجمال (( طبعاً سيتم هذا بأذنك )) هز جمال رأسه موافقاً من دون أن يتكلم، فقالت مآثر (( و لكنه غالي الثمن يا سليم )) قال سليم (( لا يوجد شيء أثمن منك بالنسبة لي )) و مدت مآثر يدها بخجل لسليم و لكن عندما أراد أن يلبسها تجمد مكانه لأنه سمع صوتاً اشتاق له كثيراً يقول له (( توقف أيها الخائن )) التفت الجميع لمصدر الصوت و رأوا أكرم واقفاً يلهث بقوة عند مدخل باب الحديقة، فقال أكرم و هو يبتسم بشوق كبير لصديقه الوحيد (( هل صدقتني يا سليم عندما قلت بأني لا أريد حضور يوم جنازتك..لقد كنت أمزح.. للأسف لم أستطع العيش بعيداً عنك.. لقد اشتقت لك كثيراً يا أخي )) دمعت عينا سليم و هو يراه ثم قال و هو يقترب منه (( أكرم.. أين ذهبت؟! لقد بحثت عنك في كل مكان.. لقد كنت متأكداً بأنك لن تنساني.. تعال لحضني يا صديقي )) و هكذا أجتمع الصديقان أخيراً فقال سليم بعتاب (( كيف استطعت فعل هذا بي؟؟ )) رد أكرم بسخرية (( يجب أن لا تخاف فأنت مع سليم عبد الوهاب )) ضحك الاثنان لهذه الجملة التي كثيراً ما ردداها أيام الصعاب التي واجهتهما و ذهب سليم ليقف من جديد بجانب عروسه، و بعد أن سلم أكرم على يزن و الباقين اقترب و وقف وسط العروسان و قال لسليم (( يجب عليك الآن أن تلبسها الخاتم و لكن لا تستطيعان الزواج إلا بشرط واحد )) قال سليم (( و من أنت حتى تتشرط يا سيد أكرم؟! )) قال أكرم (( على الأقل حتى أقول سأحضر يوم عرسك بدلا من يوم جنازتك يا سيد سليم )) قال سليم (( هيا تكلم ما الذي تريده؟ )) قال أكرم (( أنا و يزن الوحيدان اللذان لنا الحق بأن نكون شاهدي الزواج بعد الذي عانيناه مع سليم، فهل أنتما موافقان؟؟ )) رد سليم و مآثر و هما ينظران لبعضهما (( نحن موافقان )) ابتسم أكرم و قال (( إذن على بركة الله )).....
و هكذا حقق سليم جميع أحلامه فلقد تزوج من كان و مازال يريدها شريكة لحياته و تصالح مع جميع إخوته و نال رضا والديه و اجتمع من جديد مع صديق عمره أكرم....

***النهــــــــــــــــــــــايـــــــــــــــــــــــــة***



بعد النهايــــــــــة:

* صبا أخيراً حصلت على مرادها من عند سليم و أعطاها ما كانت تتمنى بعد زواجه مباشرة "الحلة الرسمية الكاملة" و لكنه أجل السيارة حتى تبلغ السن القانونية.

* يزن أخيراً عرف قيمة زوجته و وعدها بأن يظل دائماً وفياً لها و هما الآن ينتظران مولودهما الثاني و قد قررا الرجوع لإيطاليا حتى يشرف يزن على أعمال سليم هناك و يكون مديراً لإحدى الشركات مثلما حلم دائماً.

* جمال الحسيني توقف عن استعمال القوة و إرغام الناس على ما يريده و سلم جميع الأسلحة التي عنده للشرطة و لقد توسط له سليم حتى لا يدخل السجن بسببها و دخل شريكاً معه في تجارته.

* أمجد أستطاع أن يجد طريق السعادة مع صوفيا و أحبا بعضهما و اقتنعا أن الحب بعد الزواج له معنى رائع و جميل و أنجبا ثلاثة أولاد فرحت بهم جمانة جداً لأنهم أولاد ريحانة القلب صوفيا.

* أكرم استقر هنا و بنى له منزلاً بجانب سليم و أصبحت زوجته صديقة عزيزة لمآثر و هي الآن تساعدها في رسم الخطط ضد صوفيا لأن مآثر تحترق بنار الغيرة كلما تذكرت أن سليم كاد أن يتزوجها و صوفيا ليست سهلة أيضاً و تعرف جيداً كيف تدافع عن نفسها مع أنها تسكن في بيت بعيد هي و أمجد و لكنه بيت خالتها أيضاً و طبعاً المتضرر الأكبر من هذا كله هم الأزواج: سليم و أكرم و أمجد.


و عاش سليم و مآثر حياة رائعة و سعيدة و كان خير أب لأبنتها و خير زوج لها و رزقهما الله بثلاثة أولاد و بنت واحدة، أحمد، عبد الوهاب، أكرم، و جمانة و عاش الجميع بهناء و محبة....

 
 

 

عرض البوم صور الغالي المزيون   رد مع اقتباس
قديم 25-12-10, 07:37 PM   المشاركة رقم: 24
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2010
العضوية: 203983
المشاركات: 22
الجنس ذكر
معدل التقييم: الغالي المزيون عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدOman
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الغالي المزيون غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الغالي المزيون المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي

 

طبعا وصلت أخيرا للنهاية انتظر ردودكم على احر من الجمر و انتظروني في جديدي القادم بعنوان "ذكريات الماضي" و هي عبارة عن مجموعة من القصص الحقيقية ارويها لكم بطريقة كوميدية و فيها احداث كثيرة مضحكة تتكلم عن ايام الطفولة الجميلة

 
 

 

عرض البوم صور الغالي المزيون   رد مع اقتباس
قديم 13-04-11, 07:47 AM   المشاركة رقم: 25
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2010
العضوية: 203983
المشاركات: 22
الجنس ذكر
معدل التقييم: الغالي المزيون عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدOman
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الغالي المزيون غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الغالي المزيون المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
Motz

 

صرااااااااااااااحة انصدمت كثيييييييييييير كنت اتوقع ردود حلووووووة للتشجيع.... معقوووووووووووولة مافي حد اعجبته القصة

أنا قررت بعد هذي الصدمة انزلها في منتدى ثاني و اشوف جمهور جديد لعل و عسى ألقى اللي كنت اتمناه من تفاعل و ردود

 
 

 

عرض البوم صور الغالي المزيون   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
من اجل عينيها, الغالي المزيون
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 08:45 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية