كاتب الموضوع :
الغالي المزيون
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
الجــــــــ 24 ـــــــزء:
و في الصحراء الشاسعة و بالضبط في إحدى القبائل البدوية و أمام إحدى الخيمات كان أكرم جالساً يبكي بحرقة و حزن شديد و كان بجانبه يزن يتأفف من بكائه، فصرخ يزن بوجه أكرم وقال له (( كفــــــــــى.. توقف الآآآآآن.. أنت رجل يجب أن لا تبكي هكذا كالنساء! .. ستموت من كثرة البكاء.. ثلاثة أيام و أنت تواصل بكائك دون انقطاع... إن لم يفلح جمال في قتلك سأقتلك أنا )) وقف أكرم و رمى بـِ يزن على الأرض بقوة ثم جلس فوقه و قال له بشدة اندهش لها يزن (( كيف لا تريدني أن أبكي و سليم منذ ثلاثة أيام وهو لا يتحرك، لا أعرف إن كانت غيبوبة أم أنه مات.. طبيب هذه القبيلة يقول إنه حي و أنا أراه ميتاً.. إنه أخي قبل أن يكون صديقي و إن كان حياً فالنزيف سيقتله.. إنه ينزف منذ أن أتينا إلى هنا.. هل تعتقد أني كنت أحب إيطاليا حين كنت أسافر إليها للعمل.. لا يا أحمق لأني أحبه قبلت بالوظيفة معه.. ألا تحبه يا يزن؟ هيا أجبني.. ألا تحبه؟! ألم تفكر كيف سيكون موقفنا إذا رجعنا و لقينا أمه و أباه.. كيف سنقول لهما أنه مات و نحن نجونا ؟ كيــــــــــــــف؟؟! )) قال له يزن و هو يحاول النهوض (( ابتعد عني و كف عن الصراخ بصوت عالي لأني اسمع جيداً.. الآن ظهر صوتك الشجي.. ألم تجد وقتاً لتظهر فيه قوتك إلا عليّ أنا.. لم أكن أقصد يا عزيزي كنت خائفاً عليك فقط، ثم لا تنسى أن سليم جلب هذا لنفسه.. و أهم من كل ذلك عليك أن لا تنسى أننا نجونا لذلك يجب أن نكف عن البكاء و دعنا نفكر كيف نرجع إلى إيطاليا لأنني جننت عندما تبعتكما وحياتي أثمن من أن أخسرها معكما )) قال أكرم (( عندما قفزنا من السيارة قبل أن تنفجر مشينا يوماً كاملاً حتى وجدنا هؤلاء البدويين و لقد كانوا أذكياء عندما تركوا ثيابنا بجانب تلك الذئاب و عليها بعض الدماء أكيد أن خبر موتنا قد انتشر و لكنني لن أذهب إلى أي مكان من دون سليم مهما حصل )) قال يزن (( ألا يكفينا ما جاءنا من سليم، دعنا نذهب و إذا كان حياً فليساعده هؤلاء البدويون و ليعيدوه إلى جمانة )) أمسكه أكرم من شعره و شده بقوة ثم قال له (( يا أناني.. أنت هكذا دائما تريد النجاة بنفسك.. يا ناكر الجميل لولا سليم لكنت الآن في الشارع دون عمل تأكل منه ودون زوجة تقبل بك )) قال يزن (( آآآآآخ إنك تؤلمني.. اترك شعري و انهض من فوقي.. ثم من قال لك إني متزوج، أنا أعزب )) صاح أكرم (( يا كاذب.. أنت متزوج و لديك طفلة عمرها سنة و نصف )) قال يزن بدهشة (( من أين علمت يا ساحر؟! أنا متزوج بالسر و لا أحد يعلم .. هل تراقبني؟؟ )) قال أكرم (( طبعاً لا.. أوليس لديّ عمل غيرك؟ زوجتك اتصلت تشتكيك إلى سليم؛ لأنك تسهر كثيراًً و تتركها و حيدة و وعدها سليم بتأديبك )) قال يزن (( آه.. لهذا جعلتماني سائقاً لكما أيها الخبيثان )) قاطعهما رجل و هو يدخل و أخذ ينظر إليهما بدهشة فأحرج أكرم و نهض من فوق يزن ثم قال له (( نعم ماذا تريد؟ )) قال الرجل (( شيخ القبيلة يطلبكما و يقول إن رفيقكما قد بدأ يتحرك.. فإن كنتما تريدان رؤيته تعالا ورائي )) قال له أكرم (( حسناً اسبقنا و سنأتي خلفك )) ذهب الرجل و ألتفت أكرم إلى يزن وقال له (( اسمع يجب أن نغير اسم سليم عندما يسألوننا عن أسمائنا )) قال يزن (( لماذا؟ من سيتبعنا إلى هنا؟! إن هذا المكان بعيدٌ جداً عن العاصمة )) قال أكرم (( و ما الذي يدريكَ أن جمال لا يعرفُ هؤلاء القوم؟ أو أن هؤلاء القوم لا يعرفون سليم أو حتى سمعوا بإسمه؟ عندها لن يتأخروا عن تسليمه إلى جمال.. إن لجمال سطوة كبيرة و لو علم أن سليم حيّ سيتبعنا إلى آخر الدنيا.. نحن لن يبحث عنا أحد و لكن سليم هو المقصود لذلك فليكن اسمه... عزيز.. فما رأيك؟؟ )) قال يزن باستسلام (( ليس لي إلا أن أتبعك، و لكن ألا تعتقد أن سليم بحاجة إلى مستشفى؟ أنا متأكد أننا إن ذهبنا إلى المدينة فإن عبد الوهاب سوف يحمينا من بطش جمال؛ فلذلك أخرج الجوال الذي في جيبك و أتصل بعبد الوهاب.. و الآن ما رأيك بخطتي؟؟ )) قال أكرم بغيض شديد (( رأيي أنك أحمق و لا ترى أبعدَ من أنفك.. ماذا كنتُ أقول لك منذ قليل عن جمال؟! أنا فعلاً سأتصل بعبد الوهاب و لكن فقط لأطمئنه عن ابنه و لن أخبره عن مكاننا.. هنا نحن بأمان و عندما ينهض سليم، هو الذي سيقرر ماذا نفعل )) قال يزن في نفسه (( ما زال هذا الغبي يترجى أن ينهض سليم.. تلك الإصابة و ذلك النزيف الشديد يستطيع قتلَ فيل فما بالك بإنسان.. يا إلهي ما الذي فعلته في حياتي حتى تكون نهايتي مع هذا العنيد المكابر!! )) سحبه أكرم من يده و قال له (( كف عن التفكير فلن يغير شيء رأيي.. هيا لنذهب و نرى سليم و نقابل هذا الشيخ )) و ذهب أكرم و يزن و قابلا الشيخ و شرحا له كل ما حدث لهما و بالطبع قام أكرم بتغيير أسم سليم إلى عزيز، و مرت الأيام و كان أكرم بجانب سليم يرعاه و يهتم به و هو ما بين البكاء و الانتظار....
الجــــــــ 25 ـــــــزء:
و بعد أسبوع، كان أكرم جالساً خارج الخيمة، فجاءه يزن و جلس بجانبه ثم قال له (( ألا تريد أن تأتي إلى الغدير؟؟ إن هناك فتاة جمالها لا يوصف.. إنها أجمل من القمر.. ليتها تقبل بي.. هيا تعال معي و أخرج من هذه القوقعة البائسة.. سليم لن ينهض ثق بي )) غضب منه أكرم و قال له (( ألا تخجل من نفسك يا رجل؟! ما نحن هنا إلا ضيوف و يجب عليك مراعاة الآداب و الحشمة.. ثم أنت رجلٌ متزوج، أرعى زوجتكَ و ابنتك أولاً يا مهمل ثم فكر في غيرهما )) قال يزن (( لو كانت زوجتي بجمالها لما خرجتُ من عندها )) رفع أكرم حاجبه و قال (( لماذا؟ هل هي قبيحة لهذه الدرجة )) قال يزن (( طبعاً لا.. إنها جميلة و لكنها غيورة جداً و تحب المشاكل، لذلك هربتُ من عندها.. و لكن هذه.. آآآآه منها.. إنها جميلة جداً و لها عينان رماديتان و شعر أسود حريري و نظرة لم أرى أحلى و لا أجمل منها و بشرة بيضاء رقيقة و.... )) قاطعه أكرم (( أصمت لا تكمل.. و كأني أستمع لسليم و هو يمدح مآثر.. هل انتقلت ساحرة سليم إلى هنا؟! يبدو أنك تريد أخذ بعضاً مما لدى سليم.. ألا يكفيكَ أن تنظر إلى ما حصل له حتى تتعض.. البدو لا يرحمون، سوف يصلبونك و يحرقونك و أنت حيّ.. ثم ما يدريكَ أنها غير متزوجة؟؟ )) قال يزن بسرعة (( إنها لا تلبس خاتم.. تعال معي و أخطبها لي و هي عندما ترى يزن الجميل و الوسيم سوف تطير من الفرحة و تعلن موافقتها الفورية )) قال أكرم (( و هل يجب على كل متزوجة أن تلبس خاتم.. أنا لن أذهب إلى أي مكان، يكفينا ما حصل لنا من وراء سليم و بسبب ملاحقته لتلك المرأة أنظر أين نحن الآن لا زوجة و لا ولد.. لا أم و لا أب .. وحيدون بين قوم لا نعرفهم و لا نعرف طباعهم و الأدهى من ذلك تذهب أنت و تلاحق بناتهم.. أعقل و تأكد بأن هذه الفتاة إن لم ترفضك لوجهك الجميل فسوف ترفضك لأنك متزوج )) قال يزن (( من سيخبرها بأني متزوج ؟! )) رد أكرم (( أنا )) ثم قال له (( انظر سليم بدأ يفيق )) فاقتربا من سليم و أخذا ينظران إليه، فبدأ سليم بتحريك عينيه ثم أخذ يهذي بكلمات لم يفهمها يزن.. قال يزن (( ماذا يقول يا أكرم؟؟ )) قال أكرم بحسرة و هو يضرب كفيه ببعضهما (( إنه يهذي بها.. بعد كل الذي حصل لنا، ما زال يفكر بها.. إنه يهتف باِسمها بدلاً من أن يذكر اسمي و أنا الذي سهرتُ الليالي أبكي عليه )) قال يزن و هو يقفز بفرح (( دعه فهذا ما يعجبني فيه، أنا غبي فلو كنت عنيداً مثله لكنت الآن متزوجاً من أربع نساء.. سوف أجعل هذا البطل المغوار يخطب لي و لن أسمح لك بأن تأتي معنا )) قال أكرم (( و من أخبرك بأني أريد أن آتي معك؟ لقد أخبرتك من قبل بأني لن آتي معك لأي مكان.. يا خسارة تلك الدموع التي ذرفتها عليك يا سليم )) قال له يزن (( لم يدفع لك أحد لتبكي عليه، ثم أن الرجل حي و لم يمت.. ها هو يجلس.. تعال لحضني يا عزيزي ستكون ولي أمري في هذا الزواج )) و أخذ يزن سليم يزن في حضنه...
الجــــــــ 26 ـــــــزء:
استمر سليم في فراشه لمدة 3 أيام و هو لا يستطيع النهوض و أكرم يعتني به، فدخل عليهما يزن و هو يركض و قال لأكرم (( أكـــــــرم.. هيا تعال معي و أنظر إلى...... )) قاطعه أكرم و هو يضع يده على فمه قائلاً (( اخرس و هيا نتكلم في الخارج فأنا لم أصدق أن ينام سليم حتى تأتي أنت و تخرب علي كل شيء )) خرجا معاً و عندها قال يزن (( ماذا بك كل ما جئت لأكلمك قلت لي سليم نائم ؟ كنت فقط أريد أن أريك خطيبتي )) و قال أكرم (( أنت لم تخطبها بعد و أنا لا أريد رؤيتها و لدي أعمال أهم منك و منها.. أنا مرهق لذلك كف عن مضايقتي كلما مرت هذه الفتاة من أمام خيمتنا )) ابتسم يزن بلؤم ثم قال (( وكيف علمت أنها مرت من هنا؟ هل أحببتها أيضاً أيها الثعلب الماكر؟ )) قال أكرم بحزم (( لا لم أحب أحداً و لن أفعل.. و لقد عرفت أنها مرت بسببك فأنت تقفز كالقط عندما تراها.. ثم إنني مشغول لذلك اتركني و اذهب و أتمنى أن يمسكك أحد الرجال هنا حتى تتأدب و تترك الفتاة في حالها )) قال يزن (( ما الذي يشغلك الآن.. أنت لا تفعل شيئاً سوى الجلوس بجانب سليم و إطعامه وتبديل ملابسه.. ألا تمل؟! ألم تزغ عينيك قليلاً و تتوجه نحو أحدى هذه الجميلات؟! )) رد أكرم (( لا لم تزغ عيني.. أريد أن أتصل بعبد الوهاب لأخبره أننا أحياء و أن ابنه ما زال على قيد الحياة )) ذهب يزن عنه بعد أن يئسَ من محاولة إقناعه فدخل أكرم و جلس بجانب سليم الذي كان فاتحاً عينيه فقال أكرم بحنان (( هل تستطيع التكلم أم ما زالت الإصابة تؤلمك.. أرجوك أجبني فقد مللت من الانتظار )) قال سليم بضعف (( أحس بألم شديد و بأني لا أستطيع الحراك.. و لكن أين نحن يا أكرم.. هل وجدنا مآثر و كيف وصلنا إلى هنا؟! )) قال أكرم بغيض (( نحن لم نخرج للبحث عنها حتى نجدها.. و ليس المهم أين نحن، المهم أنك بخير.. لقد كنت أن تقتلني من الفزع.. لقد خفت عليك كثيراً، أرجوك عدني بأن تنساها.. إنها سبب مآسيك، هل تعدني هيا أجب.. على الأقل حتى تشفى )) ثم نظر إلى سليم الذي أغلق عينيه و توقف عن التنفس فقال أكرم بخوف لا مثيل له (( ســـــليــــــــــــــــم.. ماذا حصل لك أرجوك أجبني )) ثم خرج أكرم مسرعاً و عاد بطبيب القبيلة الذي أخذ محاولة معالجته و مرت ساعة كاملة كان الطبيب عنده و أكرم ينتظر في الخارج و هو يمشي ذهاباً و إياباً ، فجاء يزن وهو يركض و قال لأكرم (( ماذا حصل مرةً أخرى؟! )) صرخ أكرم في وجهه و الدموع تجري على وجهه (( اذهب من هنا.. ما الذي أتى بك أيها الخائن؟ أنت لا تهتم سوى بنفسك.. إنه يموت و أنا هنا عاجز عن إبعاد الألم عنه.. إن الألم يعتصره و هو يعجز عن تحريك جسمه و لا يفعل شيئاً سوى السؤال عنها.. اذهب و اتركني.. ليت الرصاصة أصابتني.. ليت الصاروخ قتلني قبل أن أراه و هو يتعذب و يموت أمامي )) أمسكه يزن بقوة من يديه و أخذ يهزه و يقول (( ارحم نفسك يا أكرم.. سليم سيكون بخير.. إنه قوي و لقد استحمل من قبل و سيستطيع الاستحمال الآن.. أتوسل إليك توقف.. هيا اهدأ سيكون بخير بإذن الله و أنت ستساعده )) ثم أخذ يزن أكرم في حضنه و جلس معه يهدئه و ينتظر.. و عندما خرج الطبيب من عند سليم قال لهما (( لا تخافا عليه.. إنه قوي و لا يحتاج سوى إلى يومين يرتاح فيهما و بعدها سيقوم و يمارس حياته بشكل طبيعي )) قال أكرم بخوف (( إذا كان صحيحاً ما تقول فما الذي حدث له؟ و هل سيصبح مشلولاً؟! )) قال الطبيب (( طبعاً لا.. لن يصبح مشلولاً.. هو الآن متعب فقط، و يبدو أن الجرح ملتهب لذلك تأتيه حالات يعجز فيها عن الحركة و لكني نظفت له الجرح و طهرته ببعض الأعشاب و يجب عليكما أن تغيرا له قطعة القماش التي لففت بها جرحه كل يوم و وفرا له الراحة التامة حتى يشفى بسرعة، و إياك يا أكرم أن تحاول مكالمته عندما يصحو.. دعه يرتاح؛ فالراحة مفيدة له )) قال أكرم (( حسناً، سنفعل كل ما أمرتنا به و شكراً لك )) و عندما ذهب الطبيب قال يزن و هو يحك رأسه بحيرة (( لماذا لا ينقل له بعض الدم؟! إنه ينزف منذ أن أتينا إلى هنا و أعتقد أنه بحاجة لنقل الدم له )) رد عليه أكرم (( إنه مجرد رجلٍ تعلم عمل الأدوية من الأعشاب على يد جده أو والده ، و لو قلت له هذا الكلام لظنك غبياً لا تفهم شيئاً.. سأذهب لأتصل بعبد الوهاب )) ثم أخرج الجوال من جيبه و أتصل برقم عبد الوهاب الذي كان جالساً في المستشفى بجانب سرير زوجته جمانه و معه كل أولاده.. عندما رن الجوال و نظر إليه عبد الوهاب اندهش بشدة حتى لاحظه جميع من حوله، فقال له ابنه قاسم (( ماذا بك يا أبي؟! الهاتف يرن! .. لماذا لا تجيب قبل أن تنتبه أمي؟؟ )) لم يجبه عبد الوهاب و إنما خرج من الغرفة و تركهم في حيرتهم، فتبعه أمجد و قال له (( من المتصل و لماذا أنت متوتر لهذه الدرجة يا أبي ؟؟! و لماذا لم تستطع الرد أمامنا و أمام أمي؟!! )) قال عبد الوهاب بألم وهو يمسح دموعاً نزلت من عينيه (( إ... إنـ... إنه رقم سليم.. هل من المعقول أن يكون أبني ما زال حياً؟؟؟ )) قال أمجد (( من؟! سليم؟؟! .. مستحييييييييييل!! كل الدلائل تشير إلى وفاته يا أبي.. و لكننا لن نخسر شيئاً أجب قبل أن ينقطع الاتصال )) ضغط عبد الوهاب على الزر الأخضر في هاتفه و وضعه على أذنه ثم قال بصوتٍ ضعيف (( نــ---- ـعم.. من المتصل؟؟ )) رد عليه أكرم (( كيف حالك يا عمي.. أنا أكرم هل عرفتني؟ )) قال عبد الوهاب (( نعم عرفتك يا أبني.. أرجوك ما دمت حياً فأخبرني هل أبني حي أم إنه ميت؟ أخبرني فقلبي ما زال يدمي بسببه )) قال أكرم (( هذه المرة قلوبنا جميعاً تدمي بسببه.. إنه حي يا عمي و لكنه مصاب برصاصة اخترقته من ظهره و استقرت في صدره و لكننا استطعنا إخراجها و هو مرهق بسببها و طريح الفراش و لا يستطيع الحراك و لكنه الآن تحسن قليلاً رغم أن الألم يسحب روحه منه و روحي معه.. لقد اتصلت حتى أقول لك أننا أحياء و لكني لن أخبرك أين نحن حتى يشفى أبنك تماماً و عندها هو سيقرر ماذا سنفعل )) قال عبد الوهاب بغضب (( لا يمكنك أن تفعل هذا بي و بأمه، إنها مريضة جداً و هي الآن في المستشفى.. أرجوك و ألا أرسلت الشرطة ورائك حتى يرجعوه لنا.. هيا يا أكرم كن شجاعاً و أخبرني عن مكانكم حتى نأتي إليكم و لن يستطيع أحد أن يمسكم بسوء.. هيا تكلم فلقد أرهقتني، أين أنتم؟؟ )) قال أكرم بعناد (( لن أخبرك و أرجوك لا تقل لأحد أن سليم حيّ حتى لا يتبعنا جمال.. لن يستطيع أحد منكم حمايتنا منه، و حتى لو أخبرت الشرطة فلن تستطيع إيجادنا.. نحن هنا بأحسن حال و ابنك مصاب و يحتاج للرعاية و أنا أحاول بكل جهدي أن أوفرها له.. لقد أردت فقط أن أطمئنك، لذلك إلى اللقاء يا عمي )) قال عبد الوهاب بسرعة (( انتظــــر.. دعني أكلم سليم )) رد أكرم (( لا أستطيع إنه في غيبوبة و لن ينهض حتى يومين )) قال عبد الوهاب (( حسناً دعني أكلم يزن )) قال أكرم (( لماذا، حتى يخبرك أين نحن.. لن أدعك تكلمه أبداً )) قال عبد الوهاب بهدوء (( لا بأس، كما تريد.. إذن إلى اللقاء )) ضحك أكرم ثم قال بدهاء (( لا تظن أني غبي يا عمي.. أنا أعرف أن جوالك يحتوي على جهاز تتبع موصول بجوال سليم و بواسطته تعرف أي مكان يذهب إليه، و قد اعتقدت في البداية أن سليم قد مات و ما دام أنه حي فسوف تشعله الآن.. لا تنسى أنني ساعد سليم الأيمن و أنا أعرف عنه كل صغيرة و كبيرة في حياته، لذلك لن تهزمني مهما حاولت )) قال عبد الوهاب (( و ماذا ستفعل يا ذكي؟! لن تستطيع منعي من تشغيل الجهاز.. سأتبعك أينما كنت و سأرجع أبني )) قال أكرم بانتصار (( سأكسر الجوال بكامله و عندها لن تقدر أن تتبعنا.. المهم يجب أن يظل خبر موت سليم كما هو، حتى جمانة لا تخبرها عنه.. إلى اللقاء يا عمي )) و أقفل أكرم الخط فقال له يزن بلهفة شديدة (( متى سيأتي عمي لإنقاذنا يا أكرم؟ )) رمى أكرم الجوال و كسره بقدمه بقوة ثم قال بحزم (( لن يأتي أحد لأننا لا نحتاج لإنقاذ ))....
الجــــــــ 27 ـــــــزء:
مضت الأيام على الأصدقاء الثلاثة و هم ما زالوا مكانهم، و تماثل سليم للشفاء....
و في يوم من الأيام كان أكرم راجعا إلى خيمتهم و هو يحمل صحنا كبيرا مليئا بأنواع الطعام فجاء إلية يزن و قال له (( جئت في الوقت المناسب أكاد أموت من الجوع.. هيا اترك الطعام في الأرض و دعنا نأكل )) قال له أكرم (( يا طماع ألا يفيك ما أكلته مع الرجال؟ )) قال يزن (( لم آكل إلا قليلا لأن هؤلاء الرجال سريعون جدا )) رد عليه أكرم (( لو لم أرك بنفسي و أنت تلتهم كل ذلك الطعام لصدقتك هيا اذهب من أمامي، هذا الطعام لسليم يجب أن يتغذى جيدا حتى يستعيد كامل عافيته )) دخل أكرم إلى الخيمة و وضع الطعام في الأرض ثم التفت إلى المكان الذي كان يجلس فيه سليم و لم يجده فخرج إلى يزن وقال له بخوف (( ألحقني يا يزن... سليم ليس في فراشه يبدو أن أحدا قد قام بخطفه )) قال له يزن بملل (( و من الذي يمتلك ذرة عقل و يفكر في خطفه.. يبدوا أن رئيسنا قد بدأ يفكر مثلي.. لقد ذهب منذ نصف ساعة إلى الغدير عله يجد بديلا عما فقد )) صاح به أكرم (( كيف سمحت له بالذهاب و هو في هذه الحالة.. ثم يجب أن تعرف أن سليم متزن و عاقل و لا يفكر مثلك مع أنني أتمنى من كل قلبي أن ينساها و يجد غيرها فهو منذ ثلاثة أيام لم يأتي بسيرتها )) قال يزن بثقة (( لنذهب و نرى ماذا يفعل عند الغدير و هل هو متزن و عاقل مثلما تقول عنه أم أنه مثلي أنا، و هناك سأعرفه على خطيبتي )) قال أكرم بغيض (( أما زلت مصراً على أنها خطيبتك؟! لن يذهب سواي فقط، و سأذهب لأرجعه إلى هنا و ليس لأرى إن كان مثلك أو لا و لا تحاول أن تلحق بنا، أره خطيبتك هنا عندما تمر من أمام الخيمة )) ذهب أكرم وحده و لم يلحق به يزن و عندما وصل إلى الغدير وجد سليم جالسا هنالك بجانب الصخور و أمامه تلة كبيرة و هو ينظر إلى أعلاها.. فجلس بجانبه و قال له (( أنت هنا و أنا أبحث عنك، هيا لتأكل.. ما كان يجب عليك أن تخرج من الخيمة، ما زلت متعبا )) لم يرد عليه سليم و إنما استمر في النظر إلى أعلى التلة فقال له أكرم (( ما الذي تنظر إليه في الأعلى؟ لماذا لا تكلمني )) قال سليم بشرور (( إليها )) ثم التفت إلى أكرم و قال له (( إنها هنا لقد رأيتها فوق التلة )) قال أكرم بهلع (( يا إلـهي من هي التي هنا؟! لقد تماثلت للشفاء فبماذا تهذي الآن؟! هيا نرجع إلى الخيمة فأنا لا أرى فوق التلة إلا مجموعة فتيات من هذه القبيلة، فدعنا نرجع و لا تفعل مثل يزن، سيقتلنا هؤلاء البدويون بسببكما )) قال سليم بعناد (( لن أذهب معك إلى أي مكان سأصعد فوق التلة وسأقابلها.. آه لو رأيتها يا أكرم ما زالت مثل السابق جميلة و بريئة، تلك النظرة الحزينة قد زادت في عينيها.. سأذهب لأكلمها )) أمسكه أكرم من يده وقال له متوسلا (( أرجوك يا سليم أعقل ولا تصعد إلى الأعلى.. صقر هناك فوق سيطلق عليك النار إن شاهدك تلاحق الفتيات و خصوصا أن وضحى أخته بينهن )) قال سليم (( من هو صقر هذا؟! )) قال أكرم (( إنه ابن شيخ هذه القبيلة و هو متعجرف جدا و يضايقنا دائما أنا و يزن و يكرهنا كثيرا فلذلك لن يصدق أن يجد حجة علينا و ....... وضحى هي ابنة الشيخ، إنها أجمل من مآثر كثيرا )) قال سليم (( أنا لم أسألك عنها و لا يوجد من هي أجمل من مآثر إلا إذا كنت قد أحببتها يا صديقي فأكيد ستكون مثلما يقولون القرد في عين أمه غزال لذلك أنت تراها بهذا الجمال )) غضب أكرم ثم قال (( اسمع أيها المحتال.. أنا أقول عنها هكذا حتى تحبها أنت و ليس أنا و هذه الفتاة تأتي كل يوم و تسأل عنك و كانت تدخل و تراك دائما و لو تراها ستنسيك مآثر أنا متأكد من ذلك )) قال له سليم بتهديد واضح (( ابتعد من هنا قبل أن أضربك و لا تكلمني مرة ثانية عنها.. هل أنت مجنون منذ قليل تنهاني من الصعود حتى لا أرى وضحى و يقتلني أخاها ثم تأتي لتقول لي أنها ستنسيني مآثر.. لا توجد من ستنسيني مآثر.. لم و لن توجد هل فهمت؟؟ هيا ابتعد عن طريقي، سأصعد و أرى مآثر )) قال أكرم و هو ما زال يمسك بيد سليم (( و لكن ما الذي سيأتي بمآثر إلى هنا؟! إننا في إحدى القبائل البدوية و نحن بعيدون جداً عن العاصمة )) قال سليم (( لقد حاول خالها إبعادها عني و لكنه لم يستطع فلقد وجدتها و سأطلب يدها هنا و أتزوجها )) قال أكرم مستمراً في محاولة إقناعه (( تفكيرك المريض يصور لك أنها هنا.. ما هذه إلا مجرد أوهام.. أرجوك هيا لنعد للخيمة و هناك سنفكر كيف ستقابلها هيا )) أبعده سليم عنه و قال له بغضب (( هل تحاول مجاراتي في الكلام.. ابتعد هيا من أمامي )) و ذهب سليم و صعد إلى التلة و لم يستطع أكرم منعه، و عندما وصل سليم إلى القمة كانت هناك واقفة مع مجموعة من الفتيات فأخذ ينظر إليها و هو سعيدٌ جداً لأن القدر جمعهما مرة أخرى و لأنه سيكلمها عن كل ما في قلبه و سيشرح لها كل ما حصل له حتى يستطيع الزواج بها، و في غفلة منه و في لحظة سهو و قد شرد ذهنه تعثرت قدمه و سقط من فوق التلة إلى أسفلها و بالتحديد فوق أكرم الذي كان واقفاً ينتظره فنهض سليم و قال بارتياح (( الحمد لله لم أصب بسوء )) صرخ أكرم من الألم وقال (( آآآآخ يا سليم لقد كسرت لي يدي إنها تؤلمني بشدة أحس أنني سأموت من الألم لقد قتلتني )) أمسك سليم بفمه و قال له (( اسكت سوف تفضحنا.. لم أكن أقصد.. أنا آسف يا أكرم، هيا سأساعدك للوصول إلى الخيمة، و سنأتي بطبيب القبيلة ليعالجك.. أنا آسف يا صديقي أرجوك سامحني.. هيا انهض سأساعدك هيا )) قال أكرم (( آه يا يدي.. ما الذي جعلك تسقط؟ ليتني لم أنتظرك.. احملني حتى نصل إلى الخيمة )) قال له سليم (( لا تطمع كثيراً.. يدك المكسورة وليست رجلك و أنت تستطيع المشي )) قال أكرم (( هي السبب في كل مصائبنا.. حتى و هي بعيدة ما زال النحس يواصل ملاحقتنا بسببها )) قال له سليم (( لقد وصلنا إلى الخيمة و الأفضل لك أن تصمت بدلا من أن أضربك و تفقد وعيك و عندها سأحملك هيا ادخل واجلس هنا.. سأذهب لأحضر الطبيب لا تتحرك من هنا )) ذهب سليم و أحضر طبيب القبيلة و عندما حضروا عاين أكرم و قال له (( يدك مكسورة بالفعل.. ما الذي حصل لك؟ )) قال له سليم (( لقد تعثر على يده فانكسرت )) قال الطبيب (( هذا مستحيل فلو تعثر لالتوت ذراعه فقط و لما انكسرت هيا قولا الحقيقة حتى استطيع مساعدته )) سكتا قليلا ثم قال سليم بلؤم و بعد تفكير (( لا بأس ما دمت تريد معرفة الحقيقة، فنحن لم نرد عمل المشاكل لذلك كتمناها.. و لكن هل يجب أن تعرف؟! )) قال الرجل (( نعم يجب أن أعرف )) قال سليم مكملاً خطته (( عدني أن لا تخبر أحداً )) قال الرجل (( أعدك بذلك.. هيا أخبرني فقد أضجرتني )) قال سليم و هو يتصنع التردد و الخوف (( إنه صقر )) قال الطبيب بدهشة (( من؟! ابن الشيخ، مستحيل!! )) قال سليم مكملاً كذبه (( ليس هو بالضبط و لكننا كنا جالسين نتحدث بجانب الغدير لوحدنا، فمر هو من هناك و كان يسحب حصانه ورائه، فتعمد المرور بجانبنا حتى أن حصانه داس على يد أكرم فأصبحت مكسورة كما ترى.. يا لك من مسكين يا صديقي.. لو لم نكن ضيوفاً عند هؤلاء القوم الذين أكرمونا لكنت انتقمتُ لك.. و لكن ماذا نفعل ما نحن إلا ضيوف لا حول لنا و لا قوة )) قال الطبيب بغضب و حمية (( يجب أن يعلم الشيخ بما فعل ابنه حتى يعاقبه فنحن لا نعامل ضيوفنا بهذه الطريقة )) قال سليم (( لقد وعدتنا بأن لا تخبر أحداً )) رد الطبيب (( طبعاً وعدتكم و لكن هذا أمر يخص القبيلة و لا يجوز إخفاءه عن الشيخ.. أما أنت يا عزيز فخذ هذه الأعشاب و قم بتسخينها و ضعها في يد أكرم على موضع الكسر، و كل يوم سأعطيك مثلها لتضعها له حتى يشفى )) قال سليم بحيرة (( حسناً سأفعل مثلما تأمر و لكن من عزيز؟! )) قال الطبيب (( أنت.. أوليس أسمك عزيز؟ )) قال سليم (( أنا عزيز؟! .. لا، إنك مخطئ.. أنا سليــ... )) قاطعه يزن و هو يدخل قائلاً (( طبعاً هو عزيز و لكن مرضه و الحمى التي أصابته جعلته ينسى عدة أشياء.. أعطني هذه الأعشاب و أنا سأتولى رعاية أكرم )) خرج الطبيب من عندهم و هو يقول (( اذهب لترتاح يا عزيز و ستتذكر كل شيء بإذن الله )) قال سليم ليزن و ملامح الحيرة مازالت واضحة على وجهه (( من المجنون فينا، أنا أم أنت و الطبيب؟؟ لماذا تنادونني باسم عزيز؟! )) قال يزن (( أكرم هو المجنون.. خوفه من جمال صور له أنه لو علم بأننا أحياء لتبعنا إلى آخر الدنيا ليقتلنا و لذلك غير أسمك إلى عزيز و أخبر به كل من في القبيلة أما نحن فليس لنا أهمية و جمال لن يبحث عنا، و لكن أخبراني ما الذي حدث و لمن هذه الأعشاب و لماذا أكرم محمر من الغضب و الدهشة؟! )) صاح أكرم بغضب في وجه سليم (( لماذا كذبت أيها المحتال؟! الرجل المسكين لم يفعل شيئا و لكن يبدو أن أحد الفيلة قد داست علي، عفوا أقصد إحدى الذئاب.. ماذا سنفعل الآن، سيقتلنا ذلك الرجل.. صقر دائما يتبختر و يمشي و هو يمسك بتلك البندقية الطويلة و أكيد أنه سيترصدنا بعد هذا الكلام الذي قلته )) قال يزن لأكرم (( هل داس سليم على يدك و اتهم صقر؟؟ )) قال أكرم بغيض (( لقد وقع بكامله فوقي و كسر يدي ثم اتهم صقر )) ضحك يزن بقوة ثم قال (( احمد ربك أن يدك هي التي انكسرت و ليس ظهرك، فمع ثقل وزن سليم و ثقل دمه أعتقد أن كسر يدك شيء بسيط، و لكن كيف وقع عليك؟! )) قال أكرم (( العاشق الولهان صور له جنونه أن مآثر كانت تقف فوق التلة، فصعد إلى فوق و عندما لم يرها وقع من الصدمة فوقي و حطم عظام يدي )) قال يزن مشجعا (( أحسنت يا سليم، يجب عليك أن تتبع قلبك مثلي تماما.. ثم أن صقر المتعجرف يستحق ما حصل له، و لكني أعتقد أنك شخص منحوس فأينما تذهب تتبعك المصائب و المشاكل لذلك تصرف و ساعدنا حتى نعود إلى ديارنا )) قال له سليم (( اخرس أنت لم يطلب أحد رأيك.. أما أنت يا أكرم ليكن في معلومك بأني لم أنصدم لأني لم أرها، بل انصدمت لأني رأيتها.. إنها هنا معنا في نفس القبيلة و لن يمنعني شيء من الوصول لها )) قال يزن و هو يقفز و يصفق بفرح (( حسنا، هيا لنتفق.. سأعرفك على خطيبتي و أنت تعرفني على مآثر.. و لكن هل أنت متأكد أنك تريد الزواج منها أم أنها على حد قول السيدة جمانة مجرد نزوة عابرة و تنتهي )) قال سليم بصرامة (( و هل تعتقد أني مثلك حتى ألعب بمشاعر الفتاة؟! ثم تعال إلى هنا، أي خطيبة تتكلم عنها و ما الذي تفكر فيه؟! أنت رجل متزوج و لديك التزامات أنت مهملٌ فيها، فكيف تفكر في الزواج مرة أخرى قبل حتى أن تستقر في زواجك الأول؟؟ .. و أنا فعلاً أريد الزواج من مآثر، و موضوع الزواج بالنسبة لي أمرٌ جاد و لا مزاح فيه )) قال يزن و هو يحرك يديه و كأنه يطير (( الفتاة التي أريدها مختلفة، إنها أجمل من مآثر بكثير.. آه لو تراها يا سليم فسوف تغير رأيك بكل الفتيات.. على الأقل هي عزباء مثلي و ليست مطلقة و لديها طفلة أيضاً.. كيف فكرتَ في الزواج بمطلقة؟ لو كنت أملك مثل أموالك لما تزوجت أبداً، لكنت جعلت الفتيات يركضن ورائي دون أن التفت لهن )) قال له سليم ناصحاً له بهدوء (( أنت متزوج يا يزن و لست أعزب، لماذا تصر دائماً على أنك أعزب؟ لماذا لا تعترف بها؟ هي الملامة و إلا لما كانت رضيت بشخص مثلك )) قال أكرم و هو ما زال يتألم من يده (( إنه خائف من أبيك، فقد هدده إن تزوج من وراءه فإنه سوف يشنقه ثم يقطعه بيديه )) قال سليم ليزن (( لماذا لم تخبر أبي حتى يخطبها لك؟؟ )) ابتسم يزن و قال (( لقد أخبرته و لكنه رفضها لأن أخاها في السجن و متهم بقضايا سياسية، و لكن لأني أحبها تزوجتها من وراء والدك الذي سمع إشاعة عن زواجي فضربني بشدة و اضطررت عندها لأن أخفي الأمر عنه و لم أخبركما أيضاً و لكني متزوج منذ 3 سنوات و عندي طفلة عمرها سنة و نصف أسميتها ليليان )) قال له سليم معاتباً (( ما دمت تحب زوجتك و ابنتك، فلماذا تريدُ الزواج مرة أخرى؟؟ )) قال يزن باستهتار (( لأني أحب التغيير )) قال لهما أكرم (( شيء رائع.. إذن اذهبا معاً إلى الغدير و كل واحد منكما يبحث عن ضالته حتى يجدها و أعطياني هذه الأعشاب لأتداوى بنفسي، هيا أخرجا من هنا و أنت يا سليم لا تكلمني أبداً، حتى أني لا أريد رؤية وجهك مرة أخرى )) قال له سليم و هو يرفع حاجباه معاً ليزيد من عصبيته (( عندما يزول غضبك ستبحث عني و ستشتاق لي، فأنا متأكد أنك لا تستطيع العيش بدوني.. ستموت إن لم تراني أليس كذلك يا عزيزي؟! )) صاح أكرم بغضب (( لا.. ليس كذلك.. و أنا لست عزيزاً لك و لا لغيرك.. اخرج هيــــا لا أريد رؤيتك أمام وجهي )) خرج سليم من عنده وسحب يزن من يده حتى يتركاه وحده مع غضبه........
الجــــــــ 28 ـــــــزء:
و في إحدى الخيمات البعيدة، كانت وضحى ابنة الشيخ جالسة و بجانبها ساحرة سليم كما يسميها أكرم.. قالت وضحى لمآثر بخبث واضح (( أريد أن أسألك سؤلاً شخصياً فهل تمانعين يا مآثر؟ )) قالت مآثر بثقة (( اسألي ما شئت فليس لدي ما أخفيه )) قالت وضحى و هي تتعمد إحراج مآثر (( كم مرة تزوجتي؟ و طفلتكـ التي تتحدثين دائماً عنها، هل هي معكـ أم أخذها والدها بعد أن طلقكـ؟ )) قالت مآثر بحزن بعد أن تذكرت ابنتها التي تركتها خلفها بغير رضاها (( تزوجت مرتين.. زوجي الثاني مات في حادث، أما والد لينا فهو حي و عندما طلقني تنازل لي عن ابنتنا لينا، و أنا أسكن عند خالي جمال فهو الوالد لها و لقد عوضها عنه وصار الأب و الأخ لها.. مات والدي عندما كنت صغيرة فأشرف جدي أي والد أمي على تربيتي حتى أصبح عمري 18 سنة، عندها انتقلت لبيت خالي حتى تزوجت و لقد عدت لبيته بعد أن تطلقت و ثم تزوجت مرة ثانية لأعود لبيت خالي و قد أصبحتُ أرملة )) قالت وضحى بشماتة (( المطلقة ليس لها حظ في الزواج إلا نادراً جداً، و أنت أضعتي منكـ هذه الفرصة، فمن يصدق أن يتقدم أخي صقر لخطبتكـ و ترفضين!! لا يوجد في القبيلة كلها من لا تتمنى أن يخطبها صقر، و طبعاً لولا أنني كلمتُ أبي لكنتِ الآن زوجته لأن خالكـ جمال موافق عليه )) قالت مآثر بضيق (( المطلقة ليست عاراً على الدنيا حتى تعامل كسلعة من يأتيها أولاً يأخذها.. ثم لماذا تحاولين تذكيري دائماً بأنكـ السبب في أنني لم أتزوج أخاكـ.. هيا تكلمي بصراحة ماذا تريدين؟؟ )) قالت وضحى بوقاحة (( أريد عزيز )) قالت مآثر متسائلة (( ضيفكم الذي أنقذه رجال قبيلتكم؟؟ )) قال وضحى بفرحٍ و لهفة (( نعم هو، فما رأيكـ فيه؟؟ )) قالت مآثر بسرعة (( إنه أحمق! )) ردت وضحى بصدمة (( ماذا؟! أحمق! هل قابلتيه حتى تصفيه بالأحمق؟ )) قالت مآثر و هي غير مبالية (( ألا تقصدين ذلك الأشقر )) قالت وضحى بحب و هيام (( نعم هو.. إنه وسيم جداً و كل فتاة في القبيلة تتكلم عنه.. ثم كيف عرفت من أقصد وأنت لا تخرجي من الخيمة إلا معي؟! )) قالت مآثر (( ألا تذكرين عندما كنا في التلة، عندما صعد لأعلى و أخذ ينظر إلينا ثم وقع على صديقه و كسر له يده.. و بعد ذلك و بكل وقاحة أتهم صقر، و لقد أجبر الشيخ أخاكـ أن يتأسف على شيء لم يفعله.. اعذريني لكن من يفعل مثل هذه الأعمال ما هو إلا أحمق و أبله )) قالت وضحى (( نعم أذكر.. لقد صعد للتلة.. هل رأيت عينيه الزرقاوان؟ )) ردت مآثر (( لا، أنا لم أرى ملامحه و لا أعتقد أني أريد أن أراه.. هل تريديني أن أكلمه لكـ ؟ لا تنسي ما فعله لأخاكـ )) قالت وضحى بلهفة (( نعم أرجوكـ.. و أخي يستحق ما حصل له لأنه يضايق صديقيه دائماً.. لا تنسي أنكـ متعلمة و ستعرفين كيف ستتكلمين معه )) قالت مآثر بعد تفكير (( لا بأس سأساعدكـ هذه المرة.. سأذهب و أسأله إن كان جاداً و يريد الزواج بكـ أو أنه يلعب )) قالت و ضحى بتهديد (( احذري أن يغركـ جماله و تحاولي خطفه، لأنكـ عندها سترينَ وجهي الثاني )) صاحت بها مآثر (( لا تهددي لأني لا أخاف.. و اطمئني الرجال لم يعد لهم مكان في قلبي بعد موته )) قالت وضحى بتساؤل (( موت من؟! )) تنهدت مآثر بقوة ثم قالت (( لا يهم، سأذهب الآن لعزيز حتى أكلمه )).....
الجــــــــ 29 ـــــــزء:
كان أكرم جالسا وحده في الخيمة بعد أن خرج عنه أصدقائه و تركوه يندب حظه فقال (( ليتني تركته يصعد لوحده و لم أنتظره في الأسفل.. آآآآه يا يدي، إنها تؤلمني بشدة.. لو كنت الآن في العاصمة لذهبت للمستشفى و تخلصتُ من الألم.. كل هذا بسبب سليم فلو لم يتجرأ و يتنازع مع جمال لما كنا هنا و لم يكن ليحصل لي كل هذا )) ثم سمع صوتاً أنثوياً رقيقاً من وراءه يقول له (( لو سمحت )) فالتفت وراءه، و عندما رأى مآثر واقفة أمام الخيمة، اتسعت عيناه بدهشة و أخذ ينظر إليها و فمه مفتوح من الدهشة ثم قال في نفسه (( إذن سليم لم يكذب، لقد كان صادقاً بأنه رآها، و لكن ماذا تفعل هنا؟! هل من المعقول أن يكون الشيخ هو ابن خال جمال الحسيني؟!! )) قطعت عليه أفكاه و هي تقول له بضيق واضح (( ماذا بك؟! لماذا اندهشت هكذا؟ هل هذه أول مرة تشاهد فيها امرأة تقف أمامك؟! )) صاح أكرم بجفاء (( لمــــــاذا؟! هل تعتقدين أن كل رجل يراكـ يجب أن يقع في حبكـ؟؟ ألا يكفيكـ ما حصل بسببكـ أنت و ذلكـ الأحمق؟!! لقد سلبت منه عقله فأصبح كالمجنون يركض وراء المشاكل.. إن نجونا من مشكلة أدخلنا في كارثة.. إليكـ نصيحة مفيدة مني، إذا جاء إليكـ صديه بقوة و ارفضيه.. الأفضل لكـ أن تصدميه قبل أن يصدمكـ، لأن أمه غير موافقة عليكـ و لن توافق أبداً.. إنها متسلطة و قوية و لن تقدري على العيش معها لساعتين فما بالكـ بعمر بأكمله )) ثم أشار لها بيديه للخارج و صاح بها (( هيا اذهبي من هنا قبل أن يأتي.. هيــــــا و أفعلي كما أمرتك )) قالت مآثر و هي مندهشة من المجنون الذي تراه أمامها (( ماذا بك أيها الأبله؟! عن ماذا تتكلم؟؟ أنا لم أفهم كلمة واحدة مما قلت.. يبدو أن هنالك سوء تفاهم.. أنك غبي جداً.. أنا لم آتي للتكلم معك و إنما أتيت لمقابلة عزيز )) قال أكرم (( من الغبي و الأبله؟! )) ردت عليه بعصبية (( أنت بكل تأكيد، و هل يوجد غيرك أمامي؟ هيا أخبرني أين ذهب عزيز و دع عنك هذه الهراء لأني لم أفهم منك و لا كلمة )) قال لها أكرم باستنكار (( بعد كل الذي أصابنا بسببكـ مازلت تتظاهرين بعدم الفهم!! أنظري ليدي، لقد كسرها بسببكـ )) انتفض أكرم بعد أن صرخت في وجهه بقوة من غضبها عليه ثم قالت له (( أخـــــــــــــرس.. لا أريد أن أرى شيئاً أيها المجنوووووون!! كل الذي أريده أن أقابل عزيز حتى أسأله عن شيء فأين هو؟؟ )) قال أكرم باستهزاء (( إن صدق الكل كذبة عزيز، فأنت لن تصدقيها.. هيا أذهبي من هنا و ابتعدي عنا و اتركينا في حالنا.. أنا لم أصدق أنه نجا من تلك الإصابة حتى تأتي أنت و تعيدينا لحالة الهلع التي عشناها.. هيا أخرجي من هنا.. لا يوجد عندنا عزيز و لا سليم و لا غيرهم )) انصدمت عندما سمعت بإسم سليم و أخذت تنظر إليه بدهشة و هي تحس بقلبها سينفجر من سرعة دقاته حتى تصورت أن الواقف أمامها قد سمعها من شدتها، ثم انفجرت الدموع من عينيها و أخذت تبكي بشدة و بصوتٍ عال و قالت بصوت متقطع ((هــ... هــل كنت تعرف سليم؟! .. إ... إذن أنت من الـ.. العاصمة... هل كنت صديقه؟ .... لقـ... لقد مات أبشع ميتة.. مـــا... مات بسببي أنا.. لقد عاهدت نفسي أن لا أتزوج بعده لأني لن أجد مثله أبداً.. لقــ.. آآآآآآه لقــد قتله خالي بعد أن تسلل حبه إلى قلبي المحطم.. لقد قتله بسببي أنا، و جاء منير إلى هنا ليفجعني بموته و لكني لن أسامح خالي و منير أبداً )) ثم مسحت دموعها بيديها بقوة و قالت له بإنكسار أحزنه كثيراً (( لماذا عاملتني بجفاء هكذا؟! هل كنت تعتقد أني أريد خطف صديقك عزيز؟! هل خفت أن يكون مصيره مثل سليم و يموت بسببي؟؟! أم خفت عليه لأني مطلقة؟ لا تخف مني لأن قلبي مات بعد موت سليم.. لا تخف لأن عزيز يحب وضحى و هي تحبه، أنا جئت فقط لأسأله إن كان جاداً و يريد الزواج بها )) سكت أكرم بدهشة و عدم تصديق بعد أن سمع اعتراف مآثر بحب سليم و علم أن مآثر تعتقد أنه قد مات و الأدهى من ذلك أنها جاءت لتخطب له من دون علمها من يكون ثم قال متسائلاً بغباء ليس في وقته و من دون إحساس (( عزيز يحب وضحى؟!! )) وصل غضب مآثر منه إلى درجاته القصوى، فقالت له بغيض شديد (( نعـم، و هذا ليس حراماً ما دام أنه سينتهي بالزواج و ماداما لم يفعلا ما يغضب الله.. أما أنت أيها الوقح، فلقد اتهمتني باتهامات لم أفعلها لذلك خذ هذا فأنت تستحقه )) و ضمت أصابع يدها اليمنى مع بعض و ضربته بأقوى ما عندها على أنفه فتفجرت الدماء بشدة، فصرخ أكرم من شدة الألم و خافت مآثر ثم هربت عنه بسرعة.. فقال لها (( انتظـــــــــــري.. لا تذهبي اسمعيني.. آآآآه يا أنفي.. يا ويلي ماذا فعلت؟؟ سيقتلني سليم إن علم بالذي فعلته.. يجب أن لا أخبره.. إنها لا تعرف أن سليم حي، لا و الأدهى أنها جاءت تخطب عزيز لوضحى و هي لا تدري أن عزيز هو سليم.. إنها تحبــــــه! لقد جرحت مشاعرها، إنها تبكيه بشده.. و لكنها كسرت أنفي بقبضتها.. يا إلـــــــهي!! إن الدماء تغطي ملابسي البيضاء.. يجب أن أتصرف، أنفي يؤلمني بشدة.. أني أرى سليم يتوجه نحوي، يجب أن أوقف النزيف حتى لا يعلم بما حصل و أعجل بنهايتي )) فأخذ قطعة قماش كانت بجانبه و وضعها على أنفه و ضغط عليها بقوة ليوقف النزيف.. فدخل سليم و يزن، فصاح به يزن (( إنك تنزف بشدة يا أكرم!.. ماذا حصل لك و من الذي قام بضربك على أنفك؟؟ )) قال أكرم بألم واضح (( لم يحدث لي شيء.. إنه مجرد جرح بسيط.. لقد سقطت على إحدى الصخور )) قال سليم باهتمام و قد خاف على صديقه (( انظر إلى نفسك و الدماء تغطيك.. دعني أرى هذا الجرح.. مستحيل أن يكون كل هذا من سقوطك على إحدى الصخور، فمتى نهضت؟ هيا أعترف من هجم عليك؟؟ )) قال أكرم في نفسه (( يا لي من ضعيف.. ضربة من يد امرأة هزيلة تفعل بي كل هذا!! لو علما أن امرأة ضربتني لسخرا مني طوال حياتي، و لو علم سليم أن مآثر ضربتني بعد أن أبكيتها لقام بزيادتي )) ثم صرخ عندما ضغط سليم على أنفه و قال له (( احذر، إنك تؤلمني.. أتريد أن تكسرها لي؟! ستشوه جاذبيتي و وسامتي )) قال له سليم (( للأسف لقد تشوهت وسامتك و جاذبيتك يا مثير فهي فعلاً مكسورة، و لكن أما زلت مصراً على إنك لم تضرب و إنها مجرد سقطة على أحد الصخور؛ لأني لا أرى أية صخور هنا و لا أعتقد أنك خرجت من الخيمة أليس كذلك؟؟ )) صاح به أكرم بغضب مصطنع حتى لا يكتشف الحقيقة (( هل تكذبني؟! إذن برأيك أني كاذب؟؟ ثم تعال إلى هنا، ألم آمرك أن لا تكلمني؟؟ لماذا تكلمني؟ هيـــــا ابتعد عني لا أريد سماع صوتك و لا أريد رؤيتك أبداً )) قال سليم بسخرية حتى يغيظه كعادته (( بصراحة يسرني أن لا أكلمك و أن لا أسمع نواحك و صراخك.. و لكن يجب أن يعتني أحد بك.. هيا الآن استلقي و أرفع أنفك للأعلى حتى يتوقف النزيف ))....
الجــــــــ 30 ـــــــزء:
في وقت العشاء كان سليم و يزن جالسان في الأرض حول صحن الطعام و أكرم كان يجلس بعيداً عنهما و قد رفض الأكل خوفا من سليم، فقال يزن لسليم (( حرامٌ عليك يا سليم.. يبدو أنه غاضب منك.. اذهب لتصالحه، لقد بكى عليك كثيرا عندما كنت مريضا و لو مات أباه و أمه لما بكى عليهما ثلاثة أيام متواصلة، لقد أحسست أن رأسي سينفجر من كثرة بكاؤه و أيضاً كان يضربني و يهينني كلما حاولت إقناعه بتركك و الهروب عنك.. هيا اذهب إليه و طيب خاطره فالطعام لم يدخل إلى فمه منذ الصباح.. سيموت إن لم يأكل )) قال سليم و خوفه زاد على أكرم (( حسناً سأذهب إليه و لكن ألا تعتقد أن أنفه قد تورم كثيرا.. إني أخاف أن يكون صقر هو الذي هجم عليه بعد أن اتهمته بكسر يده و أنت تعلم أن أكرم جبان جدا، فحتى لو قتلناه لن يعترف و لن يقول لنا من فعل به هذا )) قال يزن بلؤم (( إذا لنجبره على الاعتراف.. هيا تعال لنستفزه فلدي فكرة رائعة )) قال سليم (( اتركه و شأنه يكفيه ما فيه.. و لكن فكرتي أجمل سأذهب و أكلمه عن مآثر و هكذا سيطيب خاطره )) قال يزن (( و هل يوجد ما يرفع ضغط أكرم أكثر من سيرة مآثر! )) ذهبا إليه و عندما جلسا بجانبه توتر كثيرا و أراد النهوض فأمسكه سليم و أجبره على الجلوس ثم قال له (( قل لي ما الذي حدث في غيابنا؟ ماذا بك و لماذا ترتجف هكذا؟! )) قال له أكرم و هو يتصنع القوة (( من يرتجف؟ أنــــا ؟! هل تعتقد أني خائف منك؟ إذا كانت وحوش الصحراء لا تخيفني فهل تعتقد أن ضعيفا مثلك يخيفني؟؟.. طبعا لا )) قال سليم بسخرية (( وحوش الصحراء التافهة تخيف الشجاع أكرم!! من ظلمك و قال هذا؟! أنت يا بطل تخاف من ظلك و لو سمعت في الليل صوت ذئب حتى من دون أن تراه لن يأتيك النوم حتى الصباح )) قال أكرم وهو ما زال يتصنع الشجاعة أمامهم (( ماذا أفعل إذا كنتَ غبياً و لا تفهم؟؟ هكذا أنت دائما يا سليم لا ترى أبعد من أنفك.. أنا لا أنام حتى أحرسكما أنت و يزن، حتى لا يدخل الذئب إلى الخيمة و نحن نيام، فأنتما مثل الدببة لا يهزكما شيء و عندما تضعان رأسيكما في الفراش ينعدم الإحساس عندكما حتى الصباح.. و لذلك يجب على أحد أن يحرسكما و يقوم بحمايتكما من الذئاب )) قال يزن بصوت عال و كأنه توصل إلى اكتشاف خطير (( لقد عرفت من فعل بك ذلك.. لقد عرفتها يا أكرم و سأكشفك أمام سليم )) قال سليم بدهشة (( عرفـــــتها؟! هل ضربتك امرأة يا أكرم.. امرأة تسببت لك بكل هذا النزيف؟! )) خاف أكرم كثيرا و تصبب العرق على وجهه و قال (( مـ.. من.. من هي التي عرفتها؟؟ لا أعرف عن ماذا تتكلم و من هي التي تقصدها )) ثم أمسك يزن من قدميه و قال له (( أرجوك يا يزن.. أرجوك لا تفضحني.. لا تخبر سليم لم أكن أقصد أن أغضبها )) ثم التفت لسليم و قال له (( إنها تحبك يا سليم و قد جاءت لتسأل عنك و لكني قسوت عليها فغضبت و فعلت هكذا )) ثم أغمض عينيه و قال بتوسل أدهش سليم (( هيا أفعلها و اضربني في أي مكان و لكن لا تضرب بقوة و ابتعد عن أنفي لأنه ما زال يؤلمني.. هيا أفعلها بسرعة )) قال سليم و هو يهزه حتى يفتح عينيه (( ماذا تريدني أن أفعل يا غبي؟! هيا أفتح عينيك و قل بصراحة، ما الذي فعلته و جعلك متأكداً أنك تستحق الضرب؟؟ هيا تكلم و إلا ضربتك حتى من دون أن تستحق )) قال أكرم مدافعاً عن نفسه (( أنا لم أفعل لها شيئاً.. عندما تأتي إليك و تشتكي مني لا تصدقها لأنها كاذبة و مدعية.. إنها تدعي حبك و أنها بعد موتك لن تتزوج بغيرك، أنا فقط حاولت حمايتك و إبعادها عنا لا غير و هي بكت و فهمت الموضوع خطأ يا عزيز )) التفت سليم ليزن و قال له بضجر و قد نفذ صبره (( لم أفهم شيئاً من هذا الأحمق.. هيا قل لي أنت ماذا حدث و ما الذي تعرفه؟؟ )) قال يزن و هو فرح بإكتشافه الخطير (( الأمر بسيط و لا يحتاج لقول.. الذي حدث باختصار هو وضحى )) استغرب سليم ثم قال (( وضحى؟! و ما دخلها بالموضوع؟؟ )) قال يزن و هو يرفع يديه للأعلى شارحاً بأسلوب مسرحي (( إنها واقعة في حب الفارس المغوار عنتر بن شداد.. عبلة تحب عنتر.. أقصد وضحى تحب سليم.. لا لا لا.. بل أقصد عزيز، فهي كما تعلم يا سليم لا تعرف اسمك الحقيقي )) قال له سليم بصرامة و الشرر يتطاير من عينيه (( إن لم تكف عن حماقتك و تنسى أمر تلك الغبية المسماة وضحى، سوف ألكمك بشدة على أنفك حتى تجلس لتنوح بجانب أكرم كي لا يكون وحيداً في بكائه و نواحه.. تكلم جيداً و بسرعة و من دون ألغاز أو حكايات تافهة، و لا تأتي بذكر وضحى فلا ينقصنا الآن إلا هي.. أنا ما هربت من إيطاليا إلا بسبب ابنة خالتي، و الآن و بعد أن تخلصت منها تأتي هذه الـ وضحى حتى تزيد مشاكلي و أنا لم أرها أبداً في حياتي.. هيا تكلم بسرعــــــــة )) قال يزن (( حسناً لا تغضب المسألة سهلة.. عندما كنت مريضاً، كانت وضحى تأتي كل يوم لتسأل عنك و تحاول معرفة كل شيء عن فارسها الأشقر.. يبدو أنها جاءت إلى هنا لتسأل عنك و وجدت أكرم.... و بما أن أكرم غاضب منك فقد صب غضبه عليها و أخذ ينازعها و يحاول إبعادها عنك، فغضبت جداً و ضربته بقوة على أنفه انتقاما من تعامله معها بهذه الطريقة.. أنت لا تعرف المرأة عندما تغضب فهي تستطيع القتل من دون أن يرف لها جفن لذلك هو خائف الآن من أن تعلم بما فعله معها و تحاول الانتقام منه لصالح حبيبتك الجديدة وضحى ابنة شيخ القبيلة.. سليم تزوجها و عندما يموت والدها ستصبح الشيخ بدلاً منه، ما رأيك؟؟ و لكن أولاً أضرب أكرم لأنه أهانها )) قال سليم بقهر من غبائه (( رأيي أن صفعة قوية في رأسك يا يزن سوف تعيد لك رشدك.. هبا تكلم يا أكرم و قل أن هذا الكلام غير صحيح.. ثم لماذا تأتي لتسأل عني و أنا لا أعرف حتى كيف هو شكلها )) قال يزن (( يا غبي إن فتاة البادية الخلوقة يجب أن تكون خجولة، لذلك هي تسأل عنك و لا تسعى لمقابلتك شخصياً.. و لكن إن أردت مقابلتها فأنا سأدبر لكما موعداً.. هيا ماذا قلت؟؟ )) أمسكه سليم بقوة من قميصه و سحبه إليه قائلاً له بصرامة (( ماذا تريد أن يقول عنا الناس يا أحمق؟! .. هل أنت مجنـــون؟! ثم لماذا تريدني أن أقابلها؟ إذا كانت كما تقول عنها، فذلك شأنها و أنا لا دخل لي بما تحس و تشعر، و أنا لن أخون الناس الذين أنقذونا و ساعدونا.. هؤلاء بدويون أيها الغبي ماذا تريدهم أن يقولوا عنا؟!! )) قال يزن و هو يختنق (( اتركنــــي، كنت أعلم أنه إذا أصيب أكرم أو مات فسوف تنتقل قبضتك من قميصه إلى قميصي.. كح.. كح.. كح أنا أختنق! الآن تريد أنت ترعى الذمة؟ أنت لا تريد ملاحقة وضحى لأنك لا تخون!! إذن ماذا تسمي ملاحقتك لمآثر و هي هنا في هذه القبيلة؟؟ )) زاد غضب سليم منه و رفعه لأعلى قائلاً له (( أنسى مآثر و لا تذكرها على لسانك بسوء و إلا لسوف يأتيك ما هو أشد من قبضة القميص.. إنها ليست منهم و أنا لم ألتقي بها بعد و إذا لاحقتها فلأني أريد الزواج بها )) قال يزن (( الذي يريد الزواج بفتاة يذهب لخطبتها و لا يلاحقها.. أنت بذلك تجلب المشاكل لها و تجعل سمعتها سيئة.. ماذا سيقول عنها من يراك.. أعتقد أن ما عندها من سمعة سيئة يكفيها، فهي مطلقة مرتان.. الأول طلقها و رماها و الثاني لم يستحملها فطلقها ثم أصابه النحس فمات و..... )) قاطعته لكمة قوية من سليم على وجهه قبل أن يكمل افترائه على مآثر، فوقف أكرم بضيق محاولاً تهدئة سليم قائلاً له (( اهدأ يا سليم هل جننت؟؟ إنه لم يقصد ما قال، هو فقط خائف عليك.. أنت تعرف أنه فضولي و يحب التدخل فيما لا يعنيه، أرجوك سامحه و سيحس بغلطه )) قال سليم بحدة (( ابتعد الآن من أمامي قبل أن أضربك معه )) ابتعد أكرم و آثر السلامة عندما رأى غضبه، و هو خير العارفين أن سليم عندما يغضب لا يرى شيئاً أمامه، فأخذ أكرم يرتجف بشدة و هو ينظر إليهما و هما يتقاتلان، ثم قال بصوت راجف و ضعيف (( تستحق ما يحصل لك يا يزن.. كم مرة حذرتك منه و لكن طبعك الفضولي هو الذي أوصلك إلى هذه المواصل.. يا إلهــــــي!.. لن يكف سليم عن ضربه حتى يكسر كل عظامه.. يا ويلي لو علم سليم بما فعلت.. سيقتلني بالتأكيد.. يجب أن أختبئ تحت فراشي و أنام.. أحس أن جسمي يشتعل ناراً، يبدو أنني أصبت بالحمى.. و لكن ماذا أفعل بيزن و سليم؟ لقد نهض يزن و هاهما يتقاتلان معاً.. آه يا رأسي.. رأسي يؤلمني بشدة و الدنيا تدور بسرعة حولي.. آ آ آ آ ه )) و سقط أكرم مغمياً عليه.. و عندما سمع يزن و سليم صوت وقوعه توقفا عن الشجار و الـتـفتا إليه و ركضا إليه ثم صرخا في نفس الوقت (( أكــــــرم !! )) فجاء سليم و رفع رأس أكرم و ضمه إلى صدره ثم أخذ يهزه و بخوف لا مثيل له قال (( أكــــرم.. ماذا حصل لك يا صديقي؟!! أرجوك أجبني.. كان يجب أن لا نزعجه.. كان يجب علينا أن نؤمن له الراحة )) قال له يزن بقسوة (( أنت السبب في كل ما حصل.. في البداية نحن هنا بسببك.. ثم قمت بإغضاب أكرم و بسببك أيضاً لم يأكل و هو هنا خائف من جمال لذلك عندما ضربوه لم يعترف بالفاعل و كل ذلك بسببك أيضاً و الآن قمت بضربي و لو لم أكن أعرف فنون القتال لمتُ تحت يديك.. إن ضربك مؤلم يا سليم.. تضربني لبعض كلمات قلتها عنها.. ماذا لو قلت عنها شيئاً أكبر من الطلاق.. ماذا كنت ستفعل بي؟!! )) أدخل سليم يده في جيبه و أخرج منها مسدس شخصي وقال له بصرامة (( كنت سأقتلك بهذا و لن أرحمك.. كف عن مضايقتي بكلامك.. و إياك أن تخرج كلمة واحدة سيئة عن مآثر و إلا ستخرج رصاصة من مسدسي المحشو بست رصاصات و ستستقر هنا تماما )) و وضع سليم فوهة المسدس فوق جبين يزن و عندها خاف يزن وجحظت عيناه و قال (( أنا أسحب كل ما قلته عنها.. أنا أعترف أنه كان افتراء و لم يكن لي الحق التدخل في خصوصيات الآخرين.. نحن أصدقاء يا سليم و لن نسمح لواحدة مثلها أن تفرق بيننا أليس كذلك يا عزيزي؟ )) قال سليم و هو مازال موجهاً المسدس إلى يزن (( أنا لا أعرفك.. أعد ما قلت الآن هيا )) قال يزن و هو يرتجف (( هل أنت جاد؟! )) رد سليم بثقة (( و هل تريد أن تجرب؟؟ )) قال يزن بخوف أكبر (( لا .. لا أريد أنا آسف سامحني.. إنها فتاة طيبة و تصلح لك أتمنى أن تقتلها عندما تغضب منها.. أقصد أتمنى لكما السعادة معاً سوف أساعدك حتى تتزوجها و لن أتكلم عنها بسوءٍ أبداً.. هيا ابعد هذا المسدس عني )) أدخل سليم المسدس في جيبه ثم قال في نفسه (( ههههههههههههه... لقد عرفت كيف أؤدبه.. ماذا سيفعل عندما يعلم أن المسدس خالٍ من الرصاص؟ )) ثم قال له (( حسناً يا صديقي العزيز.. هيا احمل معي أكرم إلى فِراشهِ و أحضر لي ماء بارداً و بعض قطع القماش يجب أن نعمل له بعض الكمادات إنه يحتاج إلى العناية .. سنعتني به حتى الصباح )) قال يزن (( ألن نأكل إني جائع )) وضع سليم يده على رأسه وقال (( يا إلهـــــي .. أنت لا تنسى الطعام أبداً، منذ قليل يا شره كنت أحاول قتلك.. المفروض أن تنسى نفسك و لا تفكر في الأكل.. أكرم حساس أكثر منك فلو أنه هدد بالقتل لما أكل لمدة شهرين.. يا لــــك من عديم إحساس.. أكرم يموت هنا و أنت تريد الأكل هيا احمل هذا الطعام من هنا لا نريده و لن آكل حتى يتعافى أكرم )) قال يزن (( من حقه عليك أن تفعل له هذا فلقد سهر عليك طوال أسبوعين أو حتى يزيد عن ذلك، أما أنا فحتى لو مت فلن يبكي علي أكثر من دقيقتين و لن يفكر في حضور جنازتي.. لذلك هيا نضعه في فراشه و لا بأس إن لم تأكل أنت فبطني تتسع لكل ذلك الأكـل ))......
الجــــــــ 31 ـــــــزء:
و في خيمة وضحى ابنة الشيخ.. كانت مآثر جالسة في فراشها و هي تفكر فيما حدث بينها و بين أكرم و قالت في نفسها (( ماذا فعلت لذلك الرجل المسكين.. أنا نادمة بشدة.. و لكنه أغضبني.. إنه غبي! لقد تكلم كثيراً و لم أفهم منه شيئاً.. لماذا صرخ في وجهي بذلك الشكل عندما رآني و كأنه يعرفني؟؟ لقد جرحني و أنا لم أفعل له شيئاً لذلك لن أندم أبداً على ما فعلته به فهو يستحق ))
و في الصباح دخلت وضحى على مآثر و هي نائمة فأخذت تهزها و تقول (( هيا انهضي يا مآثر.. لقد طلع الصبح انهضي و كفي عن الكسل )) نهضت مآثر و قالت لها و هي تتثاءب (( ماذا تريدين ما زالت الساعة السادسة و النصف )) ردت وضحى (( قلت لك مائة مرة أنا لا أعرف و لا أفهم هذا الشيء الذي تضعينه في يدك.. كل الذي أعرفه أن مهمتكـ فشلت في المرة السابقة لذلك عليكـ إنجاحها الآن )) قالت مآثر بكسل (( أي مهمة ؟! )) ردت وضحى (( هل نسيتِ؟ ألم أطلب منك أن تكلمي عزيز بشأني و أنت لم تجديه لذلك عليك التحدث معه اليوم )) قالت مآثر (( آه نعم لقد تذكرت و لكني لم أجده في الخيمة أمس لقد كان هناك ذلك المزعج الثرثار، صديقه الذي كسر يده.. و بصراحة إنه شخص بغيض لا يود لأحد أن يقترب من التافه عزيز و أنا لا أريد أن أقابله )) قالت وضحى (( لا تقولي عن عزيز بأنه تافه.. إنه رجل بمعنى الكلمة و لو استمر في الحياة معنا فسيصبح فارسا لا يشق له غبار.. المهم لن تذهبي إلى الخيمة لأنه ذهب إلى الغدير منذ الفجر.. اذهبي أنت لإحضار الماء من الغدير و هناك كلميه )) قالت مآثر و هي تبتسم (( كل هذا الدفاع الرائع له.. أنا متأكدة أنه لا يستحق.. و لكن أنا أخاف أن أجد أخاكـ هناك أو أي أحد و عندها ستحصل لي مشاكل أنا في غنى عنها )) قالت وضحى (( لا تخافي جميع شباب القرية ذهبوا للصيد و لن يرجعوا قبل يومين أو ثلاثة.. والدي و بعض الرجال الكبيرين في السن هم الموجودون حالياً و جميعهم لا يذهبون إلى الغدير لا يوجد هناك سواه و معه صديقه الثاني أما البغيض الذي لا تريدين رؤيته فهو في الخيمة و لا يستطيع الخروج )) قالت مآثر (( كل هذا بسبب كسر بسيط في يده يا له من شخص ضعيف! )) قالت وضحى (( لا تظلميه يا عزيزتي إنه مريض.. يقولون أن أنفه نزف بشدة في الأمس.. و جاء عزيز إلى أبي و أشتكى أن أحداً من رجال القبيلة قد هجم على صديقه و هم خارجون عنه و قد أصابه في أنفه و جلس المسكين ينزف كثيراً حتى أنه أصيب بحمى شديدة كادت أن تقتله بالأمس )) ارتبكت مآثر و قالت لوضحى (( ألم .. ألم يقل عزيز للشيخ من هو الذي هجم على صديقه؟ )) قالت وضحى (( لا.. لم يقل لأن ذلك الجبان صديقه رفض البوح باسم الذي فعل به ذلك و أنا أشك أنه أخي صقر لأنه توعد بالانتقام منهم.. الآن لا تضيعي الوقت هيا اذهبي )) قالت مآثر في نفسها (( يا الله! .. لم أكن أقصد إيذائه.. لقد كاد أن يموت هذا الرجل بسببي.. آه لم أكن أعتقد أن ضربتي قوية بهذا الشكل )) ثم قالت لوضحى (( حسناً سأذهب و لن أتأخر )) و توجهت إلى الغدير....
الجــــــــ 32 ـــــــزء:
كان سليم جالساً عند الغدير و قد ضم قدميه لصدره و أحاطهما بيديه وقد أخد يفكر بحزنٍ شديد في قطته التي ماتت في الحادث، قائلاً لنفسه (( لا أصدق أن لولو المسكينة ماتت في الحادث، لو لم يكن ذلك الرقيق أكرم مصاباً بالحساسية من الحيوانات لكنت أخبرت يزن أنها كانت بجانب قدمي تحت عند المقعد و لو لم أصب لكنت أنقذتها بنفسي.. لقد كنت أحبها كثيراً.. كيف لا أحبها و هي هدية غالية من بنات أخي الجميلات، آآآآآآه كم كنت أكرهها عندما أحضرنها لأول مرة عندي.. كنت لا أرى أمامي سوى مخلوق صغير، بشع و قذر لا يعرف سوى اللعب و المواء، لكن عندما أهملتها و مرضت و رأيت دموع صغيرتاي و قد نزلت بسببي، عندها فقط أحسست بقيمتها و أحببتها لحبهما لها.. و من يومها و منذ ثلاث سنوات أصبحت أطعمها و أحممها بنفسي.. كيف سأعود و لا أجدها تنتظرني عند الباب؟!! )) ثم وضع قدميه داخل الماء و أخذ يحركهما و كان يفكر في كل ما حدث له منذ أن أتى لبلده و أخذ يقول (( يبدو أن يزن كان صادقا، أنا تسببت بكل هذا لنفسي و لأصدقائي.. لولا عنادي و إصراري على مضايقة ذلك المضجر المتعصب جمال لما كنت هنا.. يبدو أنني كنت أحلم فالحمى كانت مسيطرة علي.. هل من المعقول أن يكون الذي رأيته مجرد خيال مثلما قال أكرم؟! يبدو أنه كذلك..آآآآآآه و لكن حتى خيالها جميلٌ مثلها.. يا لي من أناني أفكر فيها في كل وقت و نسيت صديقي أكرم.. لقد كدت أفقده الليلة الماضية يجب أن أذهب إليه لأطمئن على حاله و يجب علي معرفة من قام بضربه و عندها سيرى و سأعلمه كيف يجرؤ على ضرب أخي )) و كانت مآثر قد اقتربت و أصبحت خلفه بعدة أمتار و رأته و هو يضع قدميه و يحركهما فوق مياه الغدير فصاحت به (( أبعد قدميك عن الغدير أيها الأبله.. إنها مياه للشرب و أنت تلوثها.. لا أدري كيف أحبت وضحى شخصاً بغبائك.. هيا أخرج قدميك بسرعة قبل أن ألتقط إحدى الأحجار و أرميك بها )) رفع سليم قدميه عن الماء ثم قال في نفسه (( يا إلهي.. الحمد لله إنها هي و لكن يبدو أنها لا تعرفني لقد جاءت لتكلم عزيز و لا تدري أنه سليم سوف أجاريها و ليكن ما يكون )) ثم قال لها (( هل تعرفينني حتى تكلميني بهذه اللهجة؟ المفروض أن تقولي لو سمحت و بدون أي تهديدات )) قالت له بحدة (( و المفروض يا متفلسف أن تقول أنا آسف و لن أكررها )) قال لها بغرور أغضبها (( لم أتعود أن أتأسف من أحد، فأنا أعتقد أن التأسف من المرأة يكسر كبرياء الرجل.. لماذا أنت عصبية بهذا الشكل؟؟ يجب أن تحاولي التعرف علي أولاً، ثم إذا لم أعجبكـ اصرخي كما شئت )) قالت له محاولة الانتقام منه بعد أن عرفت رأيه في المرأة (( و هل لك كبرياء يا سيد عزيز حتى ينكسر؟! ثم لماذا أتعرف عليك ماذا بينك و بيني؟؟ و أنت لا تعجبني حتى قبل أن أراك و أكلمك، و لقد اكتشفت عندما تكلمت معك الآن أنك مغرور و متكبر و فعلاً إلى الآن لا أصدق أن امرأة بجمال وضحى اغترت و أحبت شخصا بمثل غرورك و صلفك.. أنا لم آتي إلى هنا أصلا لكي أكلمك إنما جئت كي أسألك سؤلاً واحداً ثم أذهب فإن أردت أجب و إن لم ترد فهذا شأنك )) قال لها و هو مندهش من تحول مآثر الرقيقة إلى وحش كاسر بسببه (( حسناً لا بأس و لكن اعلمي أن وضحى لم تغتر بي فأنا أستحق أن تركض النساء ورائي ألا ترين شعري الجميل بالإضافة إلى وسامتي و أناقتي.. ألم يغركـ هذا أنت أيضاً؟! )) صاحت به (( اصمـــت و لا تتكلم يا حقير.. لو كنت آخر رجل في الدنيا فلن تستطيع خداعي أنا أعرف الرجال أمثالك.. اصمت و اسمع سؤالي و عندها فقط تكلم )) قال لها و هو يضع يديه على أذنيه من شدة صوتها (( حسنـــــاً.. اهدئي.. يبدو أن خالكـ جمال قد أحسن تربيتكـ و هذا يسعدني فلقد ورثت منه كل صفاته الشنيعة.. أنا لست حقيراً.. فقط أردت أن أمازحكـ.. عندما رأيتكـ في العاصمة كنت أشد رقة و لكن لا بأس المرأة تحتاج إلى القوة حتى تدافع عن نفسها من الرجال الفاسدين أخلاقياً مثلي و لكنكـ لم تري وجهي إني أكلمكـ من ظهري و وجهي إلى الغدير فهل تسمحين لي يا عزيزتي بالاستدارة )) ردت عليه وهي مندهشة (( لا أصدق كم أنت وقح! طبعاً لا أسمح، و لا تناديني عزيزتي ..ما جئت إلا لأسألك إن كنت تريد الزواج بـ وضحى.. أنا لا أريد رؤية وجهك القبيح يا متكبر.. هيا أجبني.. نظراتك لـ وضحى عندما تمر من أمامك ما معناها؟ هل أنت جاد و تريد الزواج بها أم أنك متعود أن تكلم كل امرأة تلقاها مثلما كلمتني الآن؟ هيا بماذا أجيبها هل ستأتي لتطلب يدها؟ )) قال لها و هو يتصنع الاهتمام (( بالطبع يا سليطة اللسان يعزُ علي أن أردكـ خائبة و لكن قولي لصاحبتكـ التي أرسلتكـ أنني لا أريد الزواج بها.. حتى أنني لا أعرف كيف شكلها.. إن هناك امرأة أخرى في حياتي و لقد عاهدت نفسي أن لا أتزوج غيرها.. هيا اذهبي و قولي لها ذلك )) قالت له و هي تبتسم بسخرية (( أتعرف، لقد استراحت قبل أن تغش بواحد مثلك.. و لكن بداعي الفضول لا أكثر من هي هذه التعيسة، الغبية، المشئومة التي قبلت بك؟ يا لهـــا من مسكينة! يبدو أنها لا تعرفك على حقيقتك، إن كانت لديك الجرأة فقل لي الآن من هي؟؟ )) انتهى صبر سليم من شدة شوقه و لهفته لرؤيتها فنهض و استدار ليواجهها ثم اقترب منها وجها لوجه و قال لها بحنان و عطف و هو يكاد يموت شوقاً ليسبح في بحر حزن عينيها الرماديتان اللتان أسرتاه في سجن بعيد من أول نظرة لهما (( إنها أنـــــــتِ.. أنتِ التعيسة و الغبية و المشئومة التي أريد.. أنت المسكينة التي غششت بواحد مثلي.. أنت حبي التي سلبتني كل شيء قلبي و عقلي.. لقد وجدتك بعد أن رحلتي و تركتني كالمجنون بعد أن أخذتي عقلي معكـ و لن يمنعني الآن شيء من الزواج بك .. ))
هــــــــا قد رحلــــــــتي و فــــــي فـــــــــــــــــــــؤادي
مـــــــــن عيــــــــــــــــونكـ ألـــــــــــــف ذكـــــــــرى
يجتاحنـــــــــــي منهــــــــــا هــــــــــــــــــواكـ
فأنحنـــــــــــــــــــــي حزنـــــــــــاً و قهـــــــــــــرا
هــــــــا قد رحلـــــــــتي فكيـــــف لـــــــــــــــــــي
أن لا أفجــــــــــــــــر مـــــــــــا كتمــــــــــــــــــتُ
لأمـــــــــــــــلأ الأفــــــــــــاق شعـــــــــرااااا
مــــن ذا يلـــــوم العاشـــــق المجنـــــــــــووووون
إن غنــــــــى العـــــــذاب و لم يـــــــدع للناس ستـــــرا
هـــــــم أيقظـــــوه
و كـــــان مشغـــولا بحبـــــك
هائمـــــــــــــــــــــا قلبــــــــــــا و فكــــــــــــراااا
هـــــم أخرجــــــــوه مـــن النعيـــــــم إلى السعيـــــــــر
و أشربــــــــــــــــــــوه الكـــــــــأس مـــــــــــراااااا
قالـــــــــــوا لـــــــــــــه دع قيـــــــــــــــــــــــدهااااا،
دع سجــــــــن عينيهـــــــــا و غـــــــــــــــــادر
مــــــا دروا من أنه قـــد كـــان في عينيك حــــــــراااااا
مقطع من أناشيد: موسى مصطفى
نظرت إليه بصدمة شديدة و قد اتسعت عيناها و دقات قلبها تتسارع لدرجة أحست معها أنه يسمعها، ثم انهمرت الدموع غزيرة على وجنتيها فأخذت تبكي بشدة و قالت له بصوت مبحوح و انكسار قطع قلبه (( أ.. أنـ.... أنت حـــيّ.. مستحييييييل )) ثم وضعت يدها على وجهه لتتأكد من وجوده أمامها و أكملت (( أنت لم تمت! لقد قالوا بأنك مت )) قال لها سليم بألم و هو يمسك بيدها و ما زالت عيناها تجذبانه لبحرهما الحزين (( نعم أنا حي و لم أمت و لن يفرقني عنكـ شيء سوى الموت )) أبعدت يدها عنه و قالت بحزن أكبر (( لا تذكر الموت على لسانك فهو الذي أبعدني عنك )) ثم ركضت عنه بعيداً و هي تبكي بشدة فصرخ يناديها (( مآثـــــــــر.. انتظري لا تذهبي أريد أن أكلمكـ.. أرجوكـ عــــــــــــودي )) و لكنها ذهبت بسرعة.....
|