كاتب الموضوع :
الغالي المزيون
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
الجــــــــ 17 ـــــــزء:
بعد نصف ساعة كان جمال راقداً في غرفة العناية المركزة في المستشفى، و سليم و أكرم و خالد ينتظرون د.حسام حتى يخرج ليطمئنهم عليه.. قال سليم لأكرم (( هذا العجوز جمال لا يستحمل شيئاً أبداً، لقد كنت أمازحه فقط و سقط هكذا.. لو هددته حقاً ماذا كان سيفعل؟! أنا نادم على ما حصل.. لو علمت أنه سيقع هكذا لما فتحت فمي بكلمة )) قال أكرم مواسياً له (( لا تخف عليه.. لست السبب بل عصبيته الزائدة، ألم تسمع صراخه طوال جلسة التحقيق؟ لقد كان يصرخ بسبب و بدون سبب فقط لكي يسجنك.. و لكن أخبرني ماذا الآن، هل سنأخذ التعويض أم نتنازل عن القضية ؟؟ )) قال سليم (( لا أعتقد أنه وقت مناسب.. الرجل مريض و بعد قليل ستأتي زوجته، و الله وحده يعلم ماذا ستفعل عندما تراني، ستعتقد بسرعة أنني السبب )) قال له خالد و قد كان يستمع لهما (( أولست السبب يا سيد سليم؟! أنت سبب كل ما حصل له، و أنا أخبرتها بكل ما حدث، و هي الآن باستطاعتها سجنك لأنك تعلم أنه مريض و لا يستحمل ما قلته له )) قال سليم (( و ما الذي قلته له غير أني بريء؟! )) قال له خالد (( ألم تتسلى بمناداته عمي و أنك تريد الزواج من مآثر؟! اعلم أنه لو لم أكن متزوجاً و أحب زوجتي، لكنت تزوجت هذه المآثر.. ليس حباً فيها بل لإذلالك و إذلالها لأنها موافقة على الزواج من قاتل خالها )) نظر إليه سليم بغضبٍ كبير و صاح فيه محذرا و هو يشير إليه بإصبعه السبابة (( إياك و التكلم عنها هكذا و إلا سترى شيئا لم تتمنى أن تراه من قبل )) وقف أكرم أمام سليم ثم قال (( اهدأ يا سليم و أنت ابتعد يا خالد فأنت لا تعرفه عندما يغضب )) قال خالد بعناد و حقد (( ماذا سيفعل؟ هل سيضربني؟! إذن أنت لا تعلم عن زواجها.. لقد تزوجت مرتين من قبل و كلها كانت فاشلة.. و أنا في رأيي إذا فشل زواج امرأة مرتين؛ فهذا يعني أن هناك خللاً في أخلاقها.. و ليكن في معلومك، جمال أبعدها من هنا و لن تراها مرةً أخرى.. لقد أرسلها إلى أحد أقربائه في مكان بعيد لكي يزوجها من أحد أبنائهم هناك، و أنا أشرتُ عليه بذلك فما رأيك؟؟ )) أبعدَ سليم أكرم من أمامه، و أحس خالد بقبضةٍ قوية أصابتهُ في وجهه و هشمت له جزءً من فكه السفلي و رمته في آخر الممر، و عندها قال له سليم بغضبٍ شديد و قد احمر وجهه (( هذا رأيي، و إذا كنت لا تريد تهشيم الجزء العلوي من وجهك فقل لي أين هي الآن )) أمسك أكرم بسليم و قال له و هو يحاول تهدئته بصعوبة (( اهدأ و توقف قليلاً عن غضبك إنه كاذب كيف صدقته؟! )) سمعا صوتاً أنثوياً من ورائهما يقول بضعف (( إنه صادق و لن تراها مرةً أخرى يا سليم )) التفتا معاً و شاهدا رحاب تقف خلفهما و الدموع تغطي عينيها و وجهها، فذهب عنهما أكرم و تركهما لوحدهما.. فجاءت رحاب نحو سليم و وقفت أمامه و رفعت يدها لتضربه على وجهه، و لكنه أمسك بها، فقالت له (( ماذا فعلت به يا حقير؟ ما الذي فعله لك حتى تحاول قتله؟ ألم يكفك ما فعلته به سابقاً؟ أجبني و أترك يدي )) صاح بها سليم بصوت عالي (( توقفــــــي يا رحـــــاب.. كفي عن هذا.. لا دخل لي بما حصل.. زوجكـ عصبي يريد سجني بعد أن حاول قتلي.. ألا تريدين مني أن أدافع عن نفسي؟! لقد آذيت منير و تركته، ليس لشيء إلا بسببكـ.. أنا لا أريد أذيته حتى لا أؤذيكـ )) و ترك يدها التي آلمتها، فقالت له متسائلةً بحيرةٍ و هي تمسح على يدها بألم (( لماذا لا تريد أذيتي؟! )) قال لها بحبٍ و هو ينظر لعينيها (( ألمثلي هذا السؤال يا غبية؟! لأني أحبكـ..أنا أحبكـ لأنك أختي، صحيح أني تألمت من صدكـ لي و لكن هذا لم يغير من حقيقة شعوري تجاهكـ )) زاد بكائها بسبب كلامه و قالت (( و لكن جمال يكرهك، و لهذا لا ينفع أن تكون هناك أخوة بيننا.. إنساني يا سليم، إنسانـــــي.. جمال يغار علي من ظلي، فما بالك و أنت بهذا الجمال و تغري أي امرأة تراك.. جمال يغار منك.. ليت أمي لم تلدك و أراحتني.. لا أعرف ما الذي جعلها تتزوج من أحمد و تأتي بواحدٍ مثلك لا نفع منه سوى المشاكل )) ثم أضافت بغلظةٍ و حقد (( أنا أيضاً مشاركةٌ في هذا، ما دام جمال لن يزوج أخي طارق من مآثر، لقد شاركت في إبعادها عنك لأنها إن لم تتزوج طارق فلا سواه )) لطمها سليم بقوة في وجهها و قال لها بألم لأن كلماته لم تؤثر بها (( اخرســــي.. ما الذي فعلته لكـ يا حقودة؟! أنا لم أفعل شيئاً لزوجكـ و لا يهم إن لم تصدقي، و لكن تأكدي إن لم أجد مآثر سأدمركم جميعاً، أنت و زوجكـ و طارق الغبي و خالد معكم.. سأقتلكم جميعاً بها هل فهمت؟ )) ثم أخذ ينظر إليها و قد صدمها الجدار في رأسها بعد صفعته القوية، و خيط من الدم ينزل من رأسها و شفتيها، فنهضت و وضعت يدها على خدها الأحمر و قالت باستنكار و دهشة (( أتصفعني يا سليم؟! جمال سينتقم لي عندما يشفي و... )) ثم صمتت و هي ترى الدموع تنسكب من عيني سليم، فقالت له بهدوء (( ألهذهِ الدرجةِ تُحبُها؟! )) مسح سليم دموعه بكف يده قبل أن تشق طريقها لخده و قال لها بلوعةٍ كبيرة (( حبي لها أكبر مما تتصورين و لكن حبي لكـ و لباقي إخوتي لا يوازيه شيء.. لقد غدرتم بي و قمتم بطعني مرتين.. مرةً حين رفضتموني بقسوة و مرةً حين أخذتم حبي الوحيد مني.. لماذا لم تساعديني بدلاً من قتلي يا رحــــاب؟! لم يكن لكـ في قلبي إلا كل حب و احترام، و لكن ليس بعد اليوم.. إذا كان جمال يريدها حرباً، فهي الحرب )) جاء إليه أكرم و قال له (( خالد هرب و أخبر الشرطة.. هيا لنذهب قبل أن يسجنوك )) قال سليم (( لن أهرب فليفعلوا ما بدا لهم )) رد عليه أكرم و هو ينظر إلى رحاب بدهشةٍ كبيرة (( لقد ضربتها بقوة يا سليم و هي أكبر منك! لا أصدق ما أراه الآن أمامي.. هذه أول مرةً تجعل غضبك يسيطر عليك لتضرب امرأة بهذا الشكل.. كيف نسيت إنها حامل )) قال سليم بحزنٍ و قد أحنى رأسه بأسف (( هي التي دفعتني إلى فعل هذا يا صديقي.. أجبرتني و لم أكن أريد فعل ذلك )) قاطعهما رجلان و هما يقتربان منهما، فقال أحدهما (( من منكما السيد سليم؟ )) قال سليم (( أنا هو.. ما الذي تريده؟ )) قال الرجل (( أنا الرائد عماد من شرطة المدينة.. أرجو أن ترافقنا، لقد وصلنا بلاغ أنك اعتديت بالضرب على النقيب خالد و على امرأة )) ثم التفت إلى رحاب و قال لها (( من أنت يا سيدتي؟ و هل أنت بخير؟ )) و قال لسليم (( كيف طاوعك قلبك يا سيد سليم على صفعِ امرأة بهذا الشكل على وجهها؟ )) قال سليم بسخرية (( اطمئن إنها بخير، و لا دخل لقلبي بما حصل.. و إذا كنت تريد معرفة هويتها فأنا سأخبرك.. إنها رحاب العادل، حرم السيد جمال الحسيني )) اتسعت عينا الرائد عماد بدهشةٍ ثم قال (( مـــن؟! زوجة جمال؟ و مازلتَ على قيد الحياة؟! كيف تجرأت على ضربها؟! جمال سوف يقـ... )) قاطعه سليم قائلاً (( إن لم تصمت سأُتبعك بها، و سأجرؤ على ضربك الآن.. إذا كان لديك شيء مهم فقله أو أصمت وخدني إلى المركز )) ثم وجه كلامه لأكرم قائلا (( هيا يا أكرم اتبعني أو اذهب و كلم الوزير شخصياً.. لا أريدُ قضاءَ أكثرِ من يومٍ في السجن )) و ألقى سليم نظرةً عابرة إلى رحاب.. نظرةً ممزوجة بقهر و حزنٍ عميق.. لقد خَذَلتهُ و فعلت مثلما فعل خالد و حسام حينما رفضاه بقسوةٍ و من دون رحمة.. و لكنه قرر من الآن و صاعداً أن لا يأبه لهم و يفعل معهم مثلما فعلوا معه...
قالوا بأنك راحـــــــــل... و بأننا لن نلتقـــــــي
قالوا النوى هو المصيـــــــر.. و بأنه الدرب القصيــــــــر.. لمشاعــــــــــــري...
فرفعت كفي للسمــــــــــاء.. أدعوا الإله الواحـــــــــد..
أن نلتقــــــــــــــي..
و بأن تعود إلي يومــــــــــــاً.. سالمـــــــــــــاً
للكاتبة: نسمة صيف
الجــــــــ 18 ـــــــزء:
بعد أسبوع من هذه الأحداث... كان جمال يحاولُ الوقوف في غرفته الخاصة في المستشفى، و كانت رحاب بجانبهِ و هي تساعده حتى استطاع الوقوف.. و بعدَ قليل كان جالساً بجانبها، فقال لها (( لما لم تخبريني أن ذلك الحقير قد مد يده عليكـ؟؟ كيف تجرأ؟! بل كيف فكر مجرد تفكير في ذلك؟! .. الجبان! لم يقوى على مواجهةِ الرجال فذهب للاختباء وراءَ النساء )) قالت له برجاءٍ و توسل (( أرجوك يا جمال انسى ما حصل.. أنا أعترف بأني أخطئتُ في حقه.. أعرف أن هذا سيغضبك، و لكن أرجوك لا تغضب و اسمعني للآخر.. أنا لم أكن أعرف أنه يحب إخوانه هذا الحب الكبير، و الأهم،.. لم أكن أعرف مدى حبه القوي لمآثر، لقد بكى! .. تصور يا جمال أن الرجل الذي استطاع هزكم و الاستهزاء و السخرية بكم خلال أقل من شهر، تصور أن ذلك الرجل القوي بكى كطفل عندما علم أن مآثر أُبعِدت عنه.. إنه يحبها كثيراً.. أرجوك يا جمال.. أرجوك زوجهما و دعنا نخلص من هذه الحرب التي لا داعي لها )) قال جمال (( هل تسخرين مني أم تسخرين من نفسكـ أم أن صفعته قد جعلتكـِ مجنونة؟! هل تريدين مني أنا جمال الدين الحسيني، الاستسلام و الخضوع لسليم ذلك الإيطالي البغيض؟! هكــــذا و بكل بساطة تريدين مني أن أُسلمه مآثر؟؟! و لكن أتعلمين؟ إنه يستحقُ أكثرَ من هذا يوم أن كذب عليه خالد وقال له أني سأزوجها من أحد أبناء أقربائي.. سأدعه يحترق و لو طلبها ابن خالي من هناك سأُزوجه مباشرةً و من دون تردد )) قالت رحاب (( أخبرني أين ذهبت بها، و أين يسكن ابن خالك هذا؟ )) قال جمال (( هذا سرٌ لن يعلمه سواي )) قالت رحاب (( حتى أنا؟ .. إن ابنتها تسأل عنها دائماً )) قال جمال بعناده المعتاد (( لستُ مجنوناً حتى أُعطي سراً ثميناً كهذا لامرأة تعترف به في لحظة ضعف )) قالت له و قد ملت من عناده (( هل تعتقد أن سليم سيتركك؟! لقد هاجَ و غضبَ حين علم أنك أبعدتها عنه، و توعدَ بتدميرنا جميعاً )) قال جمال (( لا تخافي، سأتخلص منه قريباً ولن تسمعي عنه شيئاً إلا جنازته التي سيحضرها الملايين لأنه مشهورٌ مثلما قال محاميه )) و فجأة سمعا طرقاً على الباب، فقال جمال (( ادخل يا من تطرقُ الباب )) فدخل الدكتور حسام، و معه النقيب خالد و ضربة سليم ما زالت واضحةً على وجهه، و أيضاً منير مع الشاش الذي مازال يحيط برأسه و يده اليمنى، فقال د.حسام (( ها.. كيف حالك الآن يا سيد جمال؟ لقد أمضيت أسبوعا كاملاً في المستشفى، و آن أوان الخروج، فهل أنت بخير؟ )) قال جمال (( شكراً على سؤالك.. إنني بخير، و مستعد للخروج )) قال د.حسام (( أهم شيء يجب أن تنسى خلافاتك و ترتاح.. و تذكر أن هذه الجلطة أصابتك من قلةِ الأكل.. فكُل جيداً و تغذى، و أبتعد ما أمكنك عن السكريات )) قالت رحاب متسائلة بحيرة (( أليسـت العصبية سبب الجلطة يا دكتور؟! )) قال د.حسام (( لا.. من قال لكـِ ذلك؟ يبدو أن زوجكـِ في ذلك اليوم ذهب إلى عمله و هو لم يأكل، فأرهق نفسه و عاودتهُ الأزمة )) نظرت رحاب إلى جمال نظرةَ حزنٍ ثم قالت له بلوعة و انكسار و هي تتنفس بسرعة (( إذن فقد ظلمتُ سليم.. ظلمناه يا جمال.. ظلمناه يا منير.. لقد.... )) قاطعها جمال قائلاً لها (( اصمتــــــي.. لا تكملي، و اذهبي إلى البيت.. لن يغير شيء رأيي فيه.. اذهبي فالأولاد ينتظرونكـ، و أنا سأتبعكـ )) ركضت رحاب مسرعة و خرجت من عنده، فقال له منير يعاتبه (( لماذا فعلت ذلك يا جمال؟! لماذا أسكتتها هكذا أمامنا؟ )) قال خالد (( لا بأس، النساء ترضى بسرعة.. و هذا أفضل لها حتى لا تعاود المدافعة عنه )) قال منير (( إلا رحاب.. إنها لا تستحقُ منك ذلك )) قال له جمال بعصبية و غيرة (( لماذا إلا هي؟! .. ما الذي بينك وبينها؟ هيا أخبرني )) تنهد منير بقوة، و قال له (( ليس بيننا شيء.. ما أسرعَ حكمك على كلامي.. إنها مثل أُختي و أنت تعرفُ هذا.. ليتَ عندك مثل نسائي؛ عندها ستعرف قيمتها )) قال د.حسام (( سأترككم الآن، و هذه ورقة خروجك يا سيد جمال.. و كُفا أنتما الاثنان عن إزعاجه بسليم، و الأهم دعوا سليم بحالهِ حتى يدعكم بسلام )) قال له خالد بخبث (( تقصد حتى يسحب أعمالنا من تحت أقدامنا مثلما فعل معك، أم أن رأيك أنك ظلمته أيضاً؟ )) قال حسام (( ليكن في معلوماتك يا سيادة النقيب، إن سليم ترك المستشفى للحكومة و لم يأخذه.. لقد أتى أكرم و أخبرني بأن سليم ترك المستشفى عندما رأى ولدي يتعالج هنا )) سأله جمال (( أي واحد من أولادك يتعالج هنا يا دكتور؟ )) رد د.حسام بحزن (( إنه نور، ابني الأصغر و هو مصاب بفشل كلوي و لم يكن لدي ما يكفي من المال لإجراءِ عملية له.. و لكن و رغم أنني أهنتُ سليم إلا أنه منذ يومين نقلَ نور إلى مستشفاه الخاص و أشترى له كلية و دفع نفقاتِ العمليةِ بالكامل، فبعد أن كنتُ لا أستطيع منعَ الألمِ عن طفلي، جاء سليم و طيبَ جراحَ ابني و جراحي و عذابي أنا و زوجتي.. فحتى لو لم يكن أخي، فأنا أخوه ولن أسمح لكَ بإيذائه يا خالد، و أنت تعرف أن أبي قبل موته أخبرنا أن لدينا أخ يسكن في إيطاليا و أنا سأخبرُ سليم بالحقيقة )) قال خالد بغضبٍ من موقف حسام الذي بدأ يميل لسليم (( هل اشتراك مثلما فعل مع غيرك؟ أبي قال أن لدينا أخ و لم يقل إنه سليم.. سليم محتال و مخادع، لقد احتال عليك و أنت بسذاجةٍ صدقت أنه أخانا )) قال حسام بحدة (( لمـــــاذا نحنُ بالذات؟! أنا طبيب لا يكفيني راتبي حتى نهايةِ الشهر و بيتي مستأجر و سيارتي لم أكمل أقساطها بعد، و أنت شرطي عادي.. صحيح أنك برتبة نقيب و لكن بالكاد يكفي راتبك لك و لعائلتك و لأقساط مدارس صبا التي تدللها و تنقلها كل أسبوع إلى مدرسة.. أما هو فرجل غني و أمواله طائلة و يستطيعُ شراء البلدة كلها في غمضة عين و كأنه لم يخسر شيئاً.. لماذا يتمسك بنا إن لم يكن أخانا.. هيا أجبني و لا تصمت )) ارتبك خالد ثم قال بتردد (( لن أجيبك لأن الكلام معك لا فائدة منه.. إذهب الآن، سنتقابل الليلة، سآتي لبيتك )) قال د.حسام و هو يتوجه للباب (( تعال لأني قمت بدعوة سليم ليتعشى معي.. وعلى فكرة، لقد وقعتُ لمدللتك صبا حتى تأتي لأنه تكفل بإدخالها لمدرسة خاصة هنا بدلا من رميها في الخارج )) قال خالد بعصبية (( فعلت هذا دون أذني يا حسام! )) رد عليه حسام (( اطمئن.. لم أفعل، لقد طُردت كالعادة بعد ضربها للمديرة علانية أمام الطالبات.. و لولا سليم لكانت سجنت هناك، يجب أن تأتي و تشكره )) ثم خرج عنه و تركه مذهولا مكانه... قال منير لجمال (( لقد رأينا سليم بالأمس يخرج من عند الدكتور أحمد )) قال جمال متسائلاً (( من هو الدكتور أحمد هذا؟! )) قال خالد وقد رمى كلام حسام وراء ظهره (( إنه صديق حسام، و قد أتى إلى هنا منذ أسبوع، و هو متخصص في الطب النفسي )) قال جمال باهتمام (( أتقصدان أن سليم مريضٌ و يتعالج عنده؟ )) قال منير (( طبعاً لا.. احسبها بالعقل يا جمال )) قال له جمال (( إن لم تخبرني وتشرح لي، سأتخلص منك ولن يبقى لك عقل.. هيا تكلم )) قال خالد (( اهدأ.. ألا تعرف سوى القتل و التهديد؟ إنه يقصد أن سليم ربما يكون مصاباً بصدمةٍ نفسية )) قال جمال باستنكار (( ربمـــا؟! )) رد منير (( لا .. بالتأكيد و ليس ربما .. هل نسيت أنك أبعدت عنه مآثر و الآن لم يبقى له شيء و هو مريض .. أصيب بصدمة نفسية قوية لأنه لن يجدها و لأنه يعتقد أنها تزوجت غيره و أنها ليست له )) قال جمال (( من سليم؟! سليم يصاب بصدمة نفسية! هذا الثقيلُ المضجر يصاب بصدمة نفسية!! لو أصيب كل الناس بصدمات.. حتى و لو كانت الصدمات النفسية وباءً، سيصاب به كل الناس إلا سليم.. إنه صخرٌ لا يؤثر به شيء.. ألأنكم رأيتموه مع الطبيب النفسي أصبح مريضاً؟! إنكما غبيان .. إنها خطةٌ منه حتى يخدعنا .. ولكن إن كان قد خدع حسام ويريد خداعكما معاً فلن يخدعني أنا.. أنا جمال الحسيني لا يقوى ذلك المحتال على خداعي )) قال له خالد (( وما أدراك بأنه ليس مريضاً؟ لقد رأيناه معاً أنا و منير، و قد كان التعب واضحاً على وجهه.. إنه متعب و منصدم، فلماذا لا تصدق؟ )) قال جمال (( لأنه قوي، و قلبه حجر و لن يغلبه أني أبعدتُ مآثر عنه.. يمكن أن يكون تأثر ولكن ليس لدرجةِ الصدمة )) قال منير (( لماذا أنت واثقٌ هكذا؟! )) قال له جمال (( و هل يجب أن أُخبرك؟ )) قال له خالد (( نعم يا جمال، يجب أن تخبرنا.. ألسنا شركاء؟ أليس ما أصابنا نحن الثلاثة بسببه هو؟ لقد لكمني بقوة، و أمر رجاله بضربِ منير )) و أكمل منير بخبث (( ألم يصفع زوجتك على وجهها حتى أدماها؟؟ )) قال خالد مكملاً (( و هي حامل.. ماذا لو جرى شيء لابنك؟ أكُنت ستدافع عنها في ذلك الحين؟؟ )) قال جمال باقتناع (( حسناً.. سأتكلم.. لقد وصلتني هذا الصباح باقةُ وردٍ كبيرة و معها علبة حلوى و بطاقة تهنئة بمناسبة خروجي من المستشفى )) قال خالد (( و ما دخلُ هذا كله بسليم؟! )) قال جمال (( ذلك الوقح هو من أحضرها يا ذكي.. لقد أتى في الصباح الباكر ليقتلني غيظاً كعادته، و لكني كنتُ نائماً بسببِ الدواء، فوضع الباقةَ بجانبي و عليها البطاقة و كتب في آخرها "من سليم إلى عمه جمال" )) قال منير (( عمه؟! على حد علمي أنت لست عمه كما أن أسمائكما مختلفة و... )) قاطعه جمال (( إنه يقصد المصاهرةَ يا غبي.. إنه يقصد أن مآثر له، و لكن هذا لن يحدث.. لن أزوجه لها إلا إن بقي حياً لمدةِ شهر )) دق تلفون خالد فاستأذنهما و ابتعد قليلاً عنهما ليأخذ راحته في الكلام.. أكمل جمال كلامه لمنير قائلاً (( هيا يا منير تحرك.. ستجد عند فتحي سلاحا، عبارة عن مسدسٍ طويل مزود بمنظار، و رصاصة واحدة منه تكفي لقتل فيل، و قد عهدتك ماهراً في التسديد.. أريدها رصاصةً قاتلةً يا منير و ليس لك فرصةٌ غيرها.. أريد أن أسمع عن موته لأني أخبرت مآثر أن ابن خالي يمكن أن يطلبها، و لكنها رافضة بحجةِ أنها لا تريد الزواج الآن.. تحسبني هذه المرأةُ غبياً.. أعرف أنها تريد سليم، و لكن حتى لو اضطررت لقتلها معه، لن أزوجهما أبداً و سأجعلها مكافأتك يا منير.. إذا كانت رافضة لابن خالي فلن ترفضك لأنها لن تجد في الدنيا من يوازيك و سامةً، و جمالاً، و هيبة )) قال له منير (( من أين أتيتَ بهذا الكلام؟! من الوسيم و الجميل؟ .. أنا؟! )) قال جمال (( هذا كلام منال زوجتك )) قال منير بضجر (( ألم تجد إلا هذه المعتوهه حتى تسمع كلامها؟! إن ابنة عمك مجنونة و أنت معها فأنتم من عائلةٍ واحدة،.. لقد زوجتني من ابنة عمك بحجة أنك لن تجد لها زوجاً مثلي، و أنا الذي تورطت لأنني إن بحثت في كل الدنيا فلن أجد زوجة نكدية و سليطة لسان و عنيدة مثلها، و أقنعتني بالزواج من الثانية بعد أن مات زوجها الذي كان يعمل عندك و ذلك بحجة أن منال لم ترزق بأكثر من ولد فوافقتك على ذلك و ابتليت أكثر من قبل، إنها كالقطط تلد كل سنة و لا تترك أية فرصة لكي تتشاجر مع منال، مع أنها تعلم جيداً أن منال أشر منها و أقوى و تهزمها دائماً إلا أنها لا تتوب.. و الآن بكل بساطة تريد تزويجي من مآثر مكافأة لي حتى تكمل المصيبة، و لكن أليس لديكَ حجةٌ أفضل حتى لا تقتلها منال ثم تقطعني و ترمي عظامي للكلاب؟ )) قال له جمال (( اخـــرس.. ألا تعرف شيئاً سوى التفلسف علي؟ .. أنت الخسران، مآثر درةٌ لا تعوض و إلا لما ركض ورائها سليم )) قال منير (( هذه الدرةُ لا تريدني.. إنها تريد سليم و أنت تعرف ذلك و تتجاهله، و أنا لن أتزوج امرأة لا تريدني )) قال جمال (( ليكن في معلوماتك، منال كانت أيضاً لا تريدك )) قال منير بإصرار (( أعرف و لن أكررها مع ابنة أختك.. جد لها عريسا غيري )) أنهى خالد مكالمته و كان قد سمع كل كلامهما و لم يأبه له لأنه يعتقد أنها ساعةُ غضبٍ من جمال و ستنتهي بسرعة.. فقال له جمال (( ما رأيك يا خالد، هل تريد الزواج بها؟ )) قال له خالد بدهشة (( هل تنادي على سلعةٍ أو بضاعةٍ في السوق لم تجد لها مشتري؟! أنا أحب زوجتي و لا أنوي الزواج عليها أبداً )) كان سليم واقفاً خلف بابِ غرفةِ جمال و قد سمع بعضا مما دار بين الثلاثة جمال و خالد و منير، فتنفس الصعداء و قال بفرحٍ يصعب وصفه (( إذن هي تريدني.. آآآه الآن فقط ارتحت.. ولكنها تزوجت! هل من المعقول أن يكون جمال كاذباً؟! كيف يعرض عليهما الزواج منها إن كانت قد تزوجت بالفعل؟! إذن مآثر لم تتزوج! إنها حرة و تنتظرني.. إنها تريدني و لا تريد أحدا سواي.. سأذهب لأخبر أكرم و يزن بذلك.. لابد أن يزن قد وصل منذ الأمس.. يجب أن أخبره بالقصةِ كاملةً و بأني أسعد مخلوق في الدنيا.. لقد قبلت بي حبيبتي، سأبحث عنها في كل مكان.. أما أنت يا جمال فلن تستطيع قتلي و سنرى من سيفوز في النهاية.. ستكون الحرب بيننا مريرةً على ما يبدو، انتظر و سترى أني سأفوز بمآثر التي تحاول بيعها.. لن يحفظ لها كرامتها سواي )) و ذهب سليم إلى بيته دون أن يدخل لعند جمال.....
الجــــــــ 19 ـــــــزء:
كان أكرم يقودُ سيارتهُ و بجانبهِ يزن و قد حكي له أكرم كل ما حدث من ساعةِ وصولِ سليم إلى البلدة و حتى هذه اللحظة.. فقال يزن بدهشة (( لم أكن أتوقعُ أن هناك امرأة ستؤثرُ في ذلك القلب الجليدي.. إني لم أره في حياتي كلها و لا مرة افتتنَ بامرأة أو حتى أعجب بشكلها أو جاملها فقط.. و فجـــأة، و من حيث لا يعلم أحد يعجبُ بامرأةٍ مطلقة و لديها ابنة.. يبدو أنه قد جُن.. أو أنها ساحرة.. أكرم لماذا لم تعرض عليه الزواج من إحدى أخواتك؟ أقل شيء ستكون ثروته لك )) قال أكرم (( أنت مثله لا فرق بينكما، لا تعرف سوى السخرية.. هذه مسألةٌ جادة و لا تستحمل الاستهزاء.. و لكن ما يُعَزيني أنه لم يذكر اسمها منذ أسبوع.. يبدو أن كلام خالد و رحاب عن زواجها قد أنساه إياها.. الحمد لله إن كنا قد تخلصنا من كل هذا.. هيا يجب أن تساعدني لنقنعه بالعودةِ إلى إيطاليا )) قال يزن (( هل أصُيبَ بصدمةٍ نفسيةٍ بعد أن عَلِمَ بزواجها؟! و أين سنلاقيه الآن؟ )) قال أكرم (( لا يبدو أنه تأثر كثيرا، فقط كان يسرح بعض الأحيان و قد أخبرني عندما سألتهُ منذ أسبوع بأنه سينساها إن كانت قد تزوجت و ها قد حصل و استرحنا.. لقد اتصل بي منذ ساعتين و قال لي أن نلاقيه في النادي حتى نذهب معاً إلى المطار لنستقبل أباه عبد الوهاب لأنه سيأتي اليوم )) قال يزن (( و هل صدقتَ بأن سليم سينساها.. يبدو من كلامك أنها خلبت له لبه.. أخبرني ماذا فعلت بهِ و كيف أشارت له حتى أقنعته بها؟! يبدو أنها تستطيع إقناعَ الرجال بالوقوع في شباكها بسرعة )) قال له أكرم (( احترس من قول هذا الكلام أمامه إن كنت تحب رقبتك و إلا فإنهُ كاسرها لا محالة.. أنا نفسي لا أستطيع قولَ كلمةٍ عنها إلا و رفعني من قميصي بيده اليمنى و أراد ضربي بيده اليسرى.. ثم أن المرأة بريئة لم تلمح و لم تشر إليه، بل هو الذي قابلها بالصدفةٍ و لأنها أشاحت بوجهها عنه، فقد هام بها و بدأ معها قصة قيس و ليلى، و أنا أؤكد لك أن الفتاةَ لا بأسَ بها و لكن الخلل في خَالِها المتعصب الذي يتمنى الموت على أن يضع يده في يدِ سليم )) قال يزن (( لا بأس إن لم ينساها فنحن سننسيه إياها.. لقد أخبرتُ عمي عبد الوهاب عن ذلك كله و قد توعدَ بالويل )) قال أكرم (( إنك أحمق.. ذلك العجوز توعد بالويل لجمال و رفاقه لأنه على حسب رأيه ابنه كامل و لا يُرفض، فمن يتجرأُ و يرفضه! )) قال يزن بطمع (( دعنا من ذلك كله و قُل لي أين النادي؟ و هل هو من ممتلكات سليم؟ إذا كان كذلك، فيبدو أن سليم سيجعلني المديرَ فيه، أليس كذلك؟ )) قال أكرم (( لا.. ليس كذلك، النادي بالفعل ملكٌ لسليم و لكنه اشتراه من مالكه القديم و زوده بمعداتٍ حديثة و لم يُخرج منه عاملاً واحداً، و المديرُ موجود.. أما أنت فاختصاصك يتضمن أجهزة الكمبيوتر و برمجتها و لك عملٌ مضمون هكذا أخبرني سليم.. إنه يحتفظ لك بأكبِر منصبٍ لديهِ حتى الآن )) قال يزن (( هكذا سليم دائماً.. إنه كريم و لا ينسى أعز أصحابه )) قال أكرم في نفسه (( لو تعلم ما هو المنصب فستتمنى خنقه )) ثم قال ليزن بعد أن أوقف سيارته (( انزل.. لقد وصلنا )) و عندما دخلا و بحثا عن سليم وجداه نائما في ملعب كرة القدم، في العشب و كانت هناك بجانبه طفلة جميلة، لها شعرٌ أسود يصل إلى كتفيها و عينان سوداوان و قد وضعت رأسها في يد سليم، فأخذا ينظران إليه بدهشة ثم اقترب منه أكرم و هزه بقوةٍ و قال له (( هيا انهض يا سليم.. لقد فضحتنا.. هل رأيتَ في حياتك مليونيراً ينام على ملعبٍ يملكه مثلك أنت؟! لا أعرف كيف حصلت على كل أموالك و أنت تملك هذا العقل الذي لا يزن ريشة.. انهض و إلا رششتُ عليكَ بعض الماء )) نهض سليم بتثاقل و قد شبع من النوم، ثم قال للطفلةِ بجانبه (( هيا يا طفلتي اذهبي إلى أهلكـِ و لا تورطيني معكـِ.. هيا يا جميلة اذهبي إلى أمكـِ أو أباكـِ )) رفضت الصغيرة و ردت عليه بصوتٍ عالٍ (( لن أذهب لأحد.. أمي أخذوها بسبب الرجُلِ الأشقر و أبي أكرهه و لن أذهبَ معه )) قال سليم محاولاً إقناعها بالابتعاد عنه (( لسانكـ السليط لن يفيدكـ.. هيا أذهبي و سنلتقي غداً، و سأشتري لكـِ كُلَ ما تتمنينه )) ردت عليه بوقاحة (( أتريدُ خداعي أيها المحتال الغريب؟ إذا كان لديك نقود فلماذا تنام في الأرض كالمتشردين هكذا؟! )) قال أكرم (( يا إلهي! حتى الطفلة ظنته متشرداً! إنه مجنون يا طفلتي.. لديه نقود و لكنه مجنون.. لذلك أذهبي و أنجي بحياتك حتى لا يخطفكـِ )) قال سليم و هو يقرصها من خدها الأحمر (( لقد نمتِ معي منذ ساعتين، فما الذي حدث الآن يا غاليتي الصغيرة؟! )) قالت له بصراخٍ صم أُذنيه (( مرة تقول لي يا حلوة.. و مرة تقول يا جميلة، و الآن تقول غاليتي!! ما هــــذا؟! .. أتريد مغازلتي؟؟! )) ثم رفعت يديها معاً لتشير على يزن و أكرم قائلة لهم (( يغازلني أمامكم و لم تدافعوا عني! .. إنكم لستم رجالاً )) همس أكرم ليزن و قال له (( إن ألفاظها تذكرني بجمال الحسيني كثيراً )) هز يزن رأسه و لم يتكلم لشدة دهشته من جرأتها و وقاحتها معاً... فقال لها سليم (( كم عمركـِ يا ثرثارة؟ و ما اسمكـِ؟ )) قالت له ببراءة و هي ترفع أصابع يدها (( أربعُ سنوات )) دهشَ سليم ثم قال لها باستنكار (( أربع؟!! فقط أربعُ سنوات و تتكلمين عن المغازلة؟؟! أخبريني أين والدكـِ الآن حتى أرجعكـِ له لكي لا أنصدم أكثر من ذلك.. تكلمي هيا و إلا أخذتكـِ للشرطة )) قالت له بعناد (( أنا لم أسرق لتأخذني للشرطة، و لن أذهب معك لأي مكان.. أنا هنا مع عمتي.. سأذهب الآن و سنلتقي و عندما تطلبني للزواج سأرفضك و سأخبر خالي أنك ضايقتني.. و لن أقول لك أسمي و عندما أراك مرة أُخرى سأُناديك عمي، لأنك عجوزٌ و بشع و شعرك أشقر )) قال لها سليم و هو يضع يديه على قلبه كأنه تأثر بكلامها (( لاااا.. أرجوكـِ لا ترفضينــــي.. سأموتُ إن فعلتِ.. من هو خالكـ؟ سأذهب إليه و أطلبكـ و لكن لا تفطري قلبي برفضكـ )) ثم صرخ في وجهها قائلاً (( اذهبي من هنا.. لا ينقصني الآن إلا أن أتزوج سليطة مثلكـِ )) عقدت يديها أمام صدرها بغضب ثم قالت له (( لماذا؟ هل لديك واحدة أجمل مني؟ )) قال لها و هو يبتسم بفرح عندما تذكر مآثر (( طبعاً لدي.. إنها أجمل و ألطف و أحلى منكـِ )) قالت له بيأس (( و لكني أعدك أن أكون لطيفة.. عندي فكرة.. ما رأيك أن تأخذني لأكون ابنتك؟ )) ابتسم لها سليم و قال و هو يتنهد (( أنا أحبُ البنات.. سأفكر في الأمر.. ما رأيكـِ أن تأتي إلى هنا غداً وسأردُ عليكـِ، و أحضري معكـِ حقيبة ملابسكـِ فربما سأوافق )) هللت من الفرح و قبلته بقوة في وجهه و أخذت تصفق بقوة ثم قالت (( مرحى.. سيصبح عندي زوج! )) عقد سليم حواجبه و تصنعَ الغضب أمامها وقال لها (( ماذا قلتِ يا فتاة؟؟ حسني ألفاظكـ و إلا فلن آخذكـ معي )) قالت له بأدب (( آسفة.. أقصد أبٌ جديد.. الآن سأتخلص من أبي إلى الأبد )) اقتربت منهم سيدة كبيرة في السن و أمسكت الفتاة الصغيرة من يدها و قالت لهم (( آسفة إن كانت قد أزعجتكم.. إنها شقية جدا، لقد تعبتُ من البحثِ عنها في كل مكان )) قال لها سليم بلطف (( لا بأس لقد تسلينا بحديثها.. هل هي حفيدتكـِ؟ )) قالت له العجوز (( كلا.. أنا مربيتها فقط )) قالت الطفلة لمربيتها (( أعَرِفُكِ يا جدتي على أبي الجديد.. هيا يا أبي قل لها أسمك و هي ستخبرُكَ عن اسمي )) قال لها سليم و هو يمسح على رأسها و يضحك من شقاوتها (( اسمي سليم عبد الوهاب )) عندما سمعت العجوز ما قاله، نظرت إليه بخوف ثم قالت (( هيا يا صغيرتي لقد تأخرنا و أهلكـِ ينتظرون )) قال لها سليم (( إلى أين؟ .. ما بكـِ خفتِ هكذا؟! .. أخبريني ما أسمها و من هما أبواها؟ )) صاحت به (( هذا شيْ لا دخل لك بهِ )) ثم ذهبت عنه وتركته فقال باستغرابٍ و حيرة (( هذه المخرفة منذ قليل كانت تكلمنا و الآن خافت و هربت.. يبدو أنني أخيفُ الجميعَ هنا )) قال يزن و هو يضعُ يدهُ على كتفِ سليم (( لماذا تلبس قميصاً بدون أكمام؟ و ما هذا الشيءُ على كتفك اليمنى، إنه يشبهُ الوشم و لكن بلونٍ أخف )) رد عليه سليم (( أنا في النادي يا ذكي، و هذهِ ملابسُ رياضة.. أما هذا الذي في كتفي فإنه ليس وشماً و إنما علامة منذ أن ولدت )) قال أكرم لسليم (( لا أصدق أنكَ كُنتَ تجاري تلك الطفلة! ألا تخاف أن تأتي غداً إلى هنا؟! لقد جلبتَ المشاكلَ لنفسك ثانيةً )) قال سليم بفرحٍ لأكرم و كأنه لم يره منذُ زمن بعيد (( أكرم.. حبيبــــي.. صديقـــــي.. أخــــي.. نـــــورَ عينـــي، أنت هنا و أنا لا أدري )) قال له يزن (( ما الذي حدث لك؟ .. هل جُننت؟! إنهُ هُنا منذُ ساعةٍ، و أنتَ كُنتَ ترغيّ مع تلكَ الصغيرة.. أنت تراهُ كُلَ يوم، و نحنُ لم نلتقي منذُ ثلاثةِ أسابيع و لم أسمع منكَ كلمةَ ترحيبٍ واحدة! )) تجاهلهُ سليم و ذهبَ إلى أكرم و أمسكهُ من كتفيه و هزهُ بقوة قائلا له (( دُرتي يا أكرم.. دُرتي، إنها تُريدني و لا تريدُ غيري )) خاف أكرم منهُ و حاولَ الابتعاد عنهُ دونَ فائدة، فقال له (( ماذا بكَ يا مجنون؟! .. من هي دُرتُكَ التي تُريدك؟! )) قال سليم بفرحٍ لا يوصف (( و هل لدي غيرها في الدنيا.. إنها الآن كل شيء.. ألا تعرف أنها كل شيء لي؟ )) قال أكرم (( و متى عادت مِنَ السفر؟ )) تركه سليم و قال بدهشة (( و متى سافرت حتى تعود؟! )) قال أكرم بتوسل (( ألا تقصد صِبا؟ أنت نسيتَ مآثر أليس كذلك؟؟ )) تنهدَ سليم بقوة ثم قال (( صبا من أيها الأحمق؟ لا أريد رؤيتها إلا يوم عرسي )) صاح أكرم بخوف (( هل رجعتَ مرة أخرى إلى يوم دفنك.. لقد نسيتها.. أخبرتني منذ أسبوع أنكَ نسيتها )) قال سليم (( ماذا أفعل لك إذا كنت أبلهاً.. كيف تصورت أني سأنساها؟! قلت لك لا شيء سيفرقني عنها و خصوصاً بعدما علمتُ أنها لا تريدُ أحداً سواي )) قال له يزن (( و من أخبرك بهذا؟ )) قال سليم (( العصفورة )) صرخ يزن و أكرم معاً بدهشةٍ (( العصفورة؟! )) قال سليم (( نعم، العصفورة تكلمت و حدها و كشفت الحقائق، و لكنها للأسف لم تخبرني عن مكانها حتى الآن، و لكني سأجعلها تنطق )) قال له أكرم (( أي الغربانِ الثلاثةِ أخبركَ بذلك يا حالم؟ )) رد عليه سليم (( كلهم.. لقد كنت ذاهبا لرؤية جمال، و طبعا هذه المرة بحسن نية و ليس لأجعله يفقد أعصابه.. فسمعتهم يتكلمون و لم أدخل و اكتفيت بأني سمعت أنها لا تريدُ سواي )) قال يزن (( كُفا عن هذه الألغاز و تذكرا أن النسرَ عبد الوهاب سيأتي بعد نصفِ ساعة، لذلك يجب أن نذهبَ لملاقاتهِ.. و على فكرة يا سليم، لقد أخبرت أباك أنك مخدوع من امرأةٍ تحاول استغلالكَ و هو آتٍ لينهي هذه المسألة )) قال سليم (( لا بأس خيراً فعلت )) قال أكرم مغتاظاً (( لا بأس خيراً فعل!! أنا إذا قلتُ كلمةً عنها تغضب مني و تحاول ضربي، و هو تُثني عليه! )) قال سليم (( أنا الآن سعيدٌ و مرتاح لذلكَ سامحته )) قال يزن (( والدك لن يوافق على زواجك من امرأةٍ مطلقةٍ و خصوصا أن لديها ابنة )) قال أكرم لسليم (( هذا المعتوه لا يدري أن أباكَ أتصلَ و قال إنه سيساعِدُكَ على الزواجِ بها )) قال سليم (( ماذا نفعل مع الأغبياء أمثاله؟ )) قال يزن و هو يرفع إحدى حاجبيه باستعلاء (( أنا معتوهٌ و غبي؟! لا بأس.. ربما ستغيران رأيكما عندما تأتي جمانة و هي التي ستوقفكما عند حدكما )) صاح به سليم (( هل جُننتَ حتى تذهب و تخبَر أمي بذلك؟! )) قال يزن (( أنا آسف و لكنها عرضت علي مبلغاً كبيراً من المال حتى آتي لها بأخبارك.. إنها مندهشة لأنك وعدتها بأنك ستعود إليها خلال أسبوعين و على حد قولها "سليم رجلٌٌ لا يرُد كلمته و لا يخلِفها" .. ها.. ماذا ستفعل الآن؟ )) قال سليم بعد تفكير (( المهم.. متى قالت بأنها ستأتي؟ )) قال يزن (( أعتقد بعد ثلاثةِ أيام )) قال سليم بارتياح (( الحمدُ لله إنها تكفي )) قال يزن و هو يفرك يديه مع بعض (( أنا الآن عاطلٌ عن العمل.. أين موقعُ شركتك؟ )) قال سليم بهدوءٍ متعمد (( و لماذا تريدُ أن تعرفَ موقِعَ شركتي؟ )) قال يزن (( ألستُ أنا المدير؟ و المدير يجب أن يعرفَ موقِعَ الشركة التي سيديرها )) قال له أكرم (( قلت لك أن سليم قد احتفظَ لك بأفضلِ منصبٍ لديهِ حالياً، و الشركة من زمان لديها مدير.. أما الوظائف التي ما زالت متاحة فهي وظيفتين فقط و لك الأفضل منهما )) قال سليم و هو يمدُ له يده الممسكة بمفتاح السيارة (( خُذ مفتاحَ السيارة و أنا منذُ اليوم أعينك سائقاً للسيارة أو مديراً للسيارةِ إذا أحببت )) قال يزن و قد أنصدم بشدة (( سائق؟!! )) قال سليم (( مــــاذا؟! ألم تُعجبك؟ لدينا وظيفةُ ثانية.. لتكن رئيساً للخدمِ في منزلي؛ لأنهم غير منضبطين و يحتاجون لمدير يوجههم )) صاح يزن (( لا أُريدُ أن أكونَ سائقاً )) قال له أكرم (( لتكن إذاً مدبرة منزل عندَ سليم )) قال يزن (( لا تسخرا مني.. أنا متخصص في برمجةِ الكمبيوتر و تجعلني سائقاً يا سليم؟! )) قال له سليم (( نحن بحاجة إلى سائق.. و بصراحة، هذا أقل مما تستحقه لإخباركَ أُمي بموضوعي )) تفاجأ سليم بصوتٍ من خلفه يقول (( بل إنه يستحق أن يكونَ محاميكَ بدلاً من هذا الذي يساعِدُ على فسادك )) قال أكرم مُدافعاً عن نفسه (( إنه ليسَ صغيراً يحبو على قدميه حتى أُساعِدَ على فسادهِ.. حاوُلتُ منعه و لكنه يأبى.. من عَلمه العنادَ و فِعلَ ما يُريد غيركـِ أنتِ التي زدتِ و أفرطتِ في تدليله، و الآن تُلقينَ اللومَ عليّ أنا.. ماذا ستفعلين لو علمتي أن جمال يود التخلُصَ منه و قتلــ.... )) وضعَ سليم يده على فمِ أكرم ليسكتهُ ثم ذهب إلى أُمه و أخذها في حضنه وقال لها (( لقد اشتقتُ لكـِ كثيراً يا أُماه.. كُنتُ دائماً أسأُل أبي عنكـِ .. كل يوم كنتُ أتصل )) قالت له بعتاب و هي لم تصدقه (( أنتَ و أبوك دائماً تتفقانِ على الكذبِ عليّ.. لو كنتَ تتصلُ كل يومٍ فلماذا لم تكلمني؟ من الذي شغلكَ عني هكذا؟ أو بالأصح من هي التي أخذتكَ مني؟! )) قال لها سليم (( أنت أمي و هي خطيبتي و هناك فرقٌ بين الأُم و الخطيبة، فكل منكما لديها معزة خاصة في قلبي، و حب الخطيبة يختلفُ عن حب الأم )) شهقت جمانه و وضعت يدها على صدرها و قالت (( ماذا؟! ألهذهِ الدرجةِ غسلت هذهِ المرأةٌ مخك؟! أين ذهب ابني سليم؟ ماذا فعلت به هذه الساحرة؟! الآن تقول لي حب الخطيبةِ يختلفُ عن حُب الأم؟! هل تقدمت عندكَ هذهِ المرأةُ عليّ في الحب؟! أَتحبها أكثرَ مني يا سليم؟! أنت لستَ ابني المدللَ الرقيق الذي خرج كوردةٍ مغلقةٍ ناعمة.. لقد فتحتكَ هذه المرأةُ و بعثرت أوراقك.. أنظر إلى نفسك لقد ذبلتَ و أصفرَ وجهكَ و هزل جسمك.. ثم ما الذي أصابك في رأسك و يدك؟ و ما بال وجهك و قد كثرت به الخدوش؟ أنت ابني! .. أنا لا أصدق )) قال لها أكرم بسخرية (( لا تبالغي يا خالتي.. ابنك منذ أتى إلى هنا زاد وزنه 5 كلغ، و لم يقل منه جرام واحد، و لا وجهه و لا جسمه تغير إلا للأفضل.. بدلاً من نواحك على ولدك و هزاله أنقذيه من أنياب جمال )) قال له سليم (( اخرس يا أكرم و لا تقحم أمي بهذا الموضوع )) نظرت إليه أمه و قالت له (( من هو جمال هذا؟! و كيف يجرؤ على محاولةِ إيذائكَ و أنا حية؟ إذا كان يريدها فخلص نفسكَ من هذه التفاهات و تنازل عنها )) قال لها سليم بضيقٍ واضح (( إنها ليست صفقةً يا أمي حتى أتنازل عنها.. إنها حبيبتي.. إنها المرأةُ الوحيدة التي أحببتها و إن لم أتزوجها فلن أتزوج غيرها.. سأموت إن لم أتزوجها يا أمي، لذلكَ لا تحاولي منعي لأنك لن تستطيعي )) قال أمه بخوفٍ و دهشة (( تموت؟! لا يا حبيبي الشرُ بعيد.. لا تقل هكذا.. أتريدُ أن تقتلني أم تريد إصابتي بالجنون؟! هناك ألف إمرأةٍ تتمناك.. ما زالت ابنة أختي تنتظركَ بفارغِ الصبر، و هي تحبك.. إرجع من أجلها و أنسى هذه الساحرة )) قال سليم بعناد و إصرار (( هذه و لا غيرها.. لا أريد غيرها.. و لن أرضى بغيرها )) قالت أمه محاولة إقناعه (( و لكنها مطلقة و لديها ابنة )) قال سليم (( عندما أخذك أبي كنت مطلقةً أيضاً، أنت أخبرتني بذلك )) غضبت أمه كثيراً و رفعت يدها و ضربتهُ بشدة على خده ثم قالت (( أتشبهني بها يا سليم؟! هل أنستك هذه الماكرة من هي أمك؟ أهكذا تكلمني؟! لقد ضحيتُ بعمري من أجلك و الآن تعصيني يا خسارة يا.... )) و قطعت كلامها عندما رأت وجهه و قد احمر كثيراً، فقالت بصرامة (( إذا كنت لا تريدني فسأعودُ إلى إيطاليا.. إنساني يا سليم إذا أردت، لأنه يبدو أن أخوانكَ هنا قد عوضوك عنّا فما عُدتَ تريدنا.. هذا حقك ولن يمنعك أحد منه.. أنا ذاهبة )) و قبل أن تدير ظهرها له، أمسك سليم بيدها و سحبها إليه و ضمها إلى صدره و قال لها بصدقٍ و إخلاص (( مهما قال إخوتي و مهما فعلوا فسيعجزون عن إعطائي و لو ذرة مما أعطيتني إياه، و لن يستطيع أحد تعويضي عنك يا حبيبتي يا أغلى ما عندي.. أرجوك سامحيني يا أمي )) و أخذ يدها و قبلها ثم قبلها في خدها بقوة و قال (( متى تريدين أن نعودَ إلى ابنة أختك؟ )) ابتسمت بفرح و قالت له (( حقا؟؟ .. أخيراً ستوافق عليها يا سليم )) ثم وضعت يدها على خده و قالت (( سامحني، لقد خرجت عن طوري.. إنها أولُ مرةٍ أمدُ فيها يدي عليكَ يا عزيزي.. ليتها قُطعت قبل أن تمتدَ عليك )) قال سليم معاتباً لها (( لا يا أمي.. لا أريدُ أن أسمع هذا الكلام منك.. أنا ابنك و من حقكِ فعل أي شيءٍ تريدين.. سامحيني أنتِ فلقد.. )) ثم قطع كلامهُ عندما سَمِعَ رنينَ جواله فأخذهُ من جيبهِ وابتعدَ عن أمه و قال (( نعم.. أنا سليم، من المتكلم؟ )) أتاه صوت والدهٍ الخائف (( أين أنت؟ أمك خرجت من البيت و لا أدري إلى أينَ ذهبت.. أنا الآن في المطار و لكني سأرجعُ لإيطاليا لأبحثَ عنها )) رفع سليم إحدى حاجبيه و قال (( ألم تقل بالأمس أن أمي لا تفعلُ شيئاً قبل أخذِ الإذنِ منك؟! )) قال والده متفاخراً بنفسه (( إنها لن تخرج طبعاً دون أذني فهي تخافني كثيراً كما تعلم.. أنا أعتقدُ أنها خُطفت.. يا إلهي! يمكن أن تكونَ الآنَ تحتَ التعذيب.. يجب أن أذهبَ الآن و أبحثَ عنها و سأدفعُ أي مبلغٍ يطلبهُ الخاطفون.. هيا، إلى اللقاء )) قال له سليم بسرعة (( توقف إلى أين تريدُ الذهاب؟! )) قال أبوه (( ألم تكتفي مآثر بسلب قلبك؟! هل سلبتكَ عقلكَ الآن؟ أنا ذاهبٌ لاسترداد أمك )) لم يستطع سليم كتمَ ضحكتَهُ أكثرَ من ذلك فأطلقها بقوةٍ حتى دمعت عيناهُ ثم قال (( إنها معي.. أُمي هنا، أتت لتفسدَ عليّ زواجي و لقد أقنعتُها بأني لن أتزوجَ سوى ابنةِ أختها، تلكَ القبيحة التي تلونُ وجهها و شعرها بكل ألوان الطيف.. تعال و ساعدني.. لا تتحرك، سآتي إليك مع أكرم و يزن )) قال عبد الوهاب (( سلبتك مآثر عقلك و قلبك و سلبتني زوجتي.. سأريك أنت و هي ماذا سأفعل عندما أصل.. أنا أبحث عنها من كل مكان و قد أكلني الهمُ و الخوفُ عليها و هي هناك عندك.. من أخبرها عن موضوعك سوف تفسده، و الأهم هل تسمعكَ الآن و أنت تكلمني؟؟ )) قال سليم (( طبعاً لا.. و يزن الخبيث كالعادة عندما تعطيه المال يخبرها بما تريدُ سماعه.. سآتي إليك و لن أتأخر و لكن عدني أن تساعدني )) قال عبد الوهاب يطمئنه (( طبعاً أعدك.. لن تكونَ إلا لكَ يا عزيزي.. هيا، أنا أنتظرك )) أقفل سليم الهاتف و تنهدَ بارتياح، ثم توجه لأمه و قال لها (( أبي في المطار و سأذهب مع أكرم و السائق لإحضاره، انتظرينا في المكتب هنا حتى نَعود )) قال يزن (( اسمي يزن و ليس السائقَ يا سيد سليم )) قال له سليم هامساً في أذنه بتهديد (( عندما أقتلك سيقول الناس كانَ اسمه يزن، هل فهمت؟ )) قالت له أمه (( ماذا كانَ يقول لك عبد الوهاب.. أكيد أنه فرحَ عندما لم يجدني )) ابتسم سليم و قال لها (( بالعكس يا أمي.. أن المسكين يعتقدُ أنكـِ مخطوفة و لقد جهزَ الفديةَ )) قالت جمانه (( هل أنا غبيةُ في نظرهِ لدرجةِ أن يعتقد أنني طفلة حتى يخطفوني ؟! و جهزَ الفديةَ أيضاً!! لم أخبره لأني عندما سألته إلى أين يريدُ السفر كذبَ قائلاً إلى بريطانيا لحضور اجتماع مهم و لم يخبرني أن سليم فلذةَ كبدي قد غُشَ من قبلِ امرأةٍ أبهرها جماله و ماله.. لماذا أتى ليرجُعكَ إلى إيطاليا أم ليساعدك في جنونك؟! )) قال سليم كاذباً (( ليرجعني طبعاً يا أماه، و سيكون فخوراً جداً بك عندما يعلمُ أنكَ قمتِ بإقناعي قبله.. إنه معجبٌ بتلكَ الوحش ابنة أختك، و يتمنى أن أتزوجها اليومَ قبل الغد و سيفرحُ كثيراً عندما يعلم أني اقتنعت بها )) قالت أمه (( وحش؟! .. لا بأس.. عندما تتزوجها سترى أنهُ لا يوجدُ مثيلٌ لها و ستشكرني كثيراً عليها )) أحنى سليم رأسهُ و ضمَ كفيهِ معاً في حركةٍ مسرحية و قال لها (( أنا أشكرُكَ منذُ الآن )) ثم مشى إلى أصحابهِ و دفعَ يزن أمامه، فحاول يزن أن يهربَ منه و لم يستطع، فذهبَ أكرم معهم و قال لسليم (( أيُها المحتال! لقد خدعتها.. لماذا وعدتها بالزواجِ من تلك المصبوغةِ ابنة خالتك؟ )) قال سليم (( أنا لم أعدها بالزواج منها، فقط قلتُ أنني وافقتُ عليها و رضيتْ و هذا ليسَ معناهُ أن أتزوجها.. لقد ألفتُ كل ذلك حتى أتخلصَ من أمي لوقتِ زواجي و عندها سأعمل على أرضائها ))
و هناك على بُعدِ عدةٍ أمتارٍ منهما، كان النقيبُ خالد واقفا مع ابنه الصغير و لم ينتبهوا له، و قد ذهلَ تماماً عندما رأى سليم و على كتفه اليمنى علامةٌ مثلٌ الوشم، إن أخوه حسام لديهِ مثلَ هذهِ العلامة.. لقد أخبره والده عندما كان على فراش الموتْ عن هذه العلامة و وصفها بالضبطِ مثلما يراها خالد الآن.. و كان هذا هو الدليلُ الذي ينشده خالد، فقال في نفسهِ (( يجبُ أن أذهبَ لجمال و أكلمهُ قبل أن يؤذيهِ حقاً ))...
الجــــــــ 20 ـــــــزء:
صعد سليم و أكرم إلى السيارة، و تولى يزن القيادة، و فجأة عطس أكرم ثلاث مرات ثم قال لسليم بغيض (( هل سترتاح إذا قتلتني أنت و قطتك البغيضة؟! إنها ليست هنا حتى أعطس هكذا و لكن يبدو أنك لا تستطيع الخروج من منزلك قبل أن تمسح على رأسها المليء بالجراثيم بيديك أيها القذر.. متى ستتعلم أن القطط يمكن أن تسبب بأمراض قد تفتك بالإنسان؟! )) قال له سليم محاولا أن ينسيه لولو (( دعك من لولو الآن أيها الرقيق وقل لي لماذا لم تأتي بالسيارة المصفحة بدلاً من هذه مثلما أمرتك؟ )) قال أكرم بخوفٍ كعادته بعد أن نجح سليم في إبعاد ذهنه عن لولو (( لماذا تريدها الآن؟! ما الذي حصل؟! .. هل هددكَ جمال؟! ليتكَ سمعتَ كلامي.. ليتكَ... )) قاطعه يزن و هو يضع يداه معاً على فمه و قال له (( اصمتْ.. لو كنتُ أعلمُ أنكَ تنوحُ على كلِ صغيرةٍ و كبيرةٍ لظللتُ في إيطاليا.. ألا يكفي بأني أصبحتُ سائقكما الآن؟ عندما تريدُ السؤال قل فقط 'لماذا يا سليم' و سليم صاحبُ المصائبِ و الذي وظفكَ معه سيجيبُ بكلِ رحابةِ صدرْ و لن يبخل.. هيا أجب يا سليم )) صاح بهما سليم و أشاح بوجهه عنهما (( اصمتا معاً، و لا دخلَ لكما بما آمرُ بهِ.. و أنا لم يهددني أحد و لا أخافُ من أحد )) قال أكرم بعد أن أبعد يدا يزن عن فمه (( و نحن مع سليم عبد الوهاب فلماذا الخوف؟! )) التفت إليه سليم و قال له (( لو كنت تعلمُ ما أعلمه و لو كنت تدري لماذا أريدُ سيارةً مصفحة لما استهزأت يا فالح و لكنتَ الآنَ تنوحُ بلا توقف )) قال يزن (( هيا.. إما أن تقولَ لنا أو أن تأمرنا بالتحرك، و دلاني أنتما الاثنان على طريق المطار )) صفعهُ سليم في رأسهِ صفعةً آلمته ثم قال له (( لقد ذكرتني.. أنتَ السائق فكيفَ تكلمُ سيدكَ بهذهِ الطريقة؟ هيا تحرك إلى الأمام مباشرةً و عندها سنصل للمطار )) صرخ يزن قائلاً بألم و هو يتحسسُ رأسه (( آآآآي.. أنا الملام، لو لم أتبعكَ إلى هنا لما أُذللتُ هكذا )) قال له سليم محذراً (( اصمت و تحرك.. لقد تأخرنا على أبي.. و أنت يا أكرم اخرس و أنسى جمال فلا أعتقد أنه سيتبعنا إلى المطار )) قال أكرم بتوتر (( أريدُ أن أنزل.. لابدَ أنكَ عدت لتسخرَ منهُ.. ثم لا تنسى تلك العجوز التي خافت منك.. لابدَ أن تلكَ الطفلة الصغيرة ابنة جمال.. اسمع، إذا كنت تريدني أن أستمر معك و أعمل لديك فاختر الآن و بلا تفكير، هيا بسرعة ماردك؟ )) قال سليم بحيرة ((ردي على ماذا؟! .. ماذا تريدني أن أختار؟! )) قال أكرم (( إما أنا أو هي.. هيا قل من تريد أنا أم مآثر؟ إما أن تنساني أو تنساها )) ابتسم سليم بسخرية على كلام أكرم ثم قال له (( أنت تعرف الإجابة يا صديقي هذه لا تحتاج إلى تفكير أبداً )) قال له أكرم فرحاً (( إذن لقد اخترتني.. لقد كنت أعلم أنك لن تخذلني.. إنك لن تستغني عني أليس كذلك؟ )) ضحك سليم بقوة ثم قال (( طبعاً ليس كذلك.. كيف تطلب مني الاختيار يا أحمق؟! ماذا أريد منك إذا اخترتك أنت و نسيتها؟! هل سأتزوجك يا غبي؟! أنا أريدها زوجة تنير لي حياتي.. شمعةٌ مضيئةٌ لا تنطفئ.. أما أنت ما الذي سأجنيه منك.. أنت رماد.. نارٌ ارتوت بماءٍ فقتلها، هكذا أنت فماذا سأستفيد منك يا جاهل؟! طبعاً سأنساك أنت )) قال أكرم بغضب (( كل هذا بسبب دلال أمك لك.. لقد أفسدتك منذُ كنا صغاراً يا سليم.. أنت تطلب و هي تعطيك و طلبكَ الآن لمآثر ما هو إلا أحد أساليب عنادك و دلالك، و لكن جمال لن يسمح لك بأخذها، لقد زوجها.. هيا أضربني الآن )) انفجر سليم و يزن بالضحك عليه حتى أغضباه و أشاح بوجهه عنهما، و لكنه لم يستحمل السكوت لوقت طويل فقال لسليم دون أن يلتفت له (( ألن تذهب إلى منزل حسام هذه الليلة يا سيد سليم؟ )) قال له سليم (( يا سيد مرة واحدة! )) ثم لكزه بمرفقه في بطنه و أكمل (( هل غضبت مني يا أكرم؟ أنت صديقي الحميم، صحيح أنني عندما أتزوج مآثر لن أحتاج لمحامٍ سليطٍ و ثرثارٍ و متشاكي مثلك.. و لكن كما تعلم أنا أحبك و لا تصدقني عندما قلتُ أني سأنساك.. و بما أن يزن أخذَ منصبَ السائق، فما رأيك يا عزيزي أن تكون رئيسَ الخدمِ في منزلي.. أقصد أن تكون و بكل فخر مدبرةَ المنزلِ الجديدة.. ها.. ما رأيك؟ )) قال له أكرم بغضب (( رأيي أنه إذا أطلق جمال عليك النار و قتلك فأني لن أبكيك و لن أحضر جنازتك.. أنا مدبرة منزل! يا مراهق، يا صعلوك )) قال سليم (( أنا صعلوك و مراهق؟! )) رد أكرم (( نعم أنت.. يبدو أن جمال كان صادقاً حين قال عنك أنك مأفونٌ و حقيرٌ و مخادع )) قال يزن و هو يكاد يموتُ من الضحك على أكرم و عصبيته (( لما لا تتركه بحالهِ يا سليم؟ أرجوكَ اتركه حتى لا يموت و أخبره إذا كنتَ ستذهب لأخيك أو لا )) قال له سليم مازحاً (( هل تحبه أنت أيضاً مثلي إلى هذهِ الدرجة؟ )) قال يزن (( لا، و لكنكَ أن قتلتهُ ستتحول إلي و لن تجدَ غيري حتى ترمي عليه ثقل دمك.. فلذلك أُفضلُ أن يبقى حيا حتى يستحملك هو لأني لا أطُيقكَ عندما تبدأ في إغضاب الجميع )) قال له سليم متصنعاً الصرامة (( لا تنسى أنكَ ما زلتَ السائق فلا تتكلم و إلا تلقيتَ صفعةً ثانية، أما أنت يا أكرم فعليك أن تعرفَ أني لن أذهب إلى بيتِ أحد من أخوتي حتى يأتوا هم إليّ قبلَ ذلك )) قال أكرم (( أصمت.. لا أريدُ أن أكلمكَ بعدَ الآن، و لا أريدُ سماعَ صوتكَ أبداً )) قال سليم محاولاً زيادةِ إغضابه (( عندما يحاولُ جمال قتلي و إصابتي فأنت من سيساعدني و سيبكي عليّ، من لي سواكَ هنا )) قال له أكرم (( لن تضحكَ عليّ بعد الآنِ بكلامكَ المعسول.. كل هذا الكلام الشيطاني لن يؤثرَ بي.. عندما يأتي جمال سأسلمكَ له )) قال يزن (( دعكَ منه يا سليم و أخبرني يا محبَ المشاكل، كيف ستقنع إخوانكَ أن يأتوا إليكَ قبل أن تذهب لهم؟؟ )) ردَ عليه أكرم (( أولم تفهمه بعد يا غبي؟! إنه يقصدُ يومَ زواجهِ من تلكَ المسكينةِ التي لا ذنبَ لها في كل بلاياه و مشاكله مع خالها الذي أبعدها عن ابنتها بسببه )) بعد كلام أكرم صمت سليم ليفكرَ في تلك الصغيرة التي لقيها في النادي و كلامها عن الأشقِر الذي تسببَ في إبعادها عن أمها، فقال بشرود (( هل من الممكن أن تكونَ ابنتها؟! )) قال أكرم (( ابنةَ من؟ عن ماذا تتكلم مرة أخرى؟! )) قال سليم باهتمام (( الصغيرة )) قال أكرم (( أي صغيرةٍ تقصد؟ )) قال سليم (( التي لقيناها في النـ.....)) ثم قطع كلامه و جحظت عيناهُ بشدة و أخذَ يتنفس بصعوبة، فصاحَ بهِ أكرم (( سليــــــم.. ماذا حدث لك؟! ما الذي يؤلمك؟! )) فتحَ سليم فمهُ ليتكلم و لكن نزلَ منهُ الدمَ غزيراً و سقطَ سليم في حضنِ صديقهِ أكرم، فرأى ثقباً في ظهرهِ ينزفُ بقوة و عرف أن رصاصةً قد اخترقت ظهرَ سليم و استقرت في صدرهِ فصرخَ برعب قائلاً (( ألحقني يا يزن.. لقد قتلهُ الأوغاد.. قتلوا أخي.. قتلوهُ و لم يستمع لي )) فقال يزن بخوف (( هناك سيارتان جيب خلفنا.. هل مات؟! )) أخذ أكرم يبكي بشدة و قال (( أنه لا يتنفس.. لا أدري إن كان حياً أو ميتاً.. لقد قتله ذلكَ الحبُ المستحيل الذي لن يصلَ إليه.. هيا ساعدني و خذه إلى المستشفى، إن مات سأموت معه )) قال يزن و صوتُ الرصاصِ يدوي من خلفِ السيارة التي أخذ يقودها بالسرعة القصوى (( لقد مات يا أحمق.. مات و نحن ما زلنا أحياءً.. هيا لننجو بحياتنا بدلاً من تفاهتك، فالمستشفى لن يفيدَ الميتَ في شيء، و لن يعيدَ لهُ الحياة.. هيا لنرميهِ لهم، حتى يتركونا و شأننا.. سأفتحَ لكَ النافذة.. هيــا قبلَ أن نموت )) خلعَ أكرم حذاءه بيده و ضربَ بهِ يزن في رأسه بقوة ثم قال له (( يا خائن.. أتريدني أن أتخلى عن صديقي في هذا الوقتِ العصيب؟!! حتى و لو كان جثة مقطعة فلن أسلمه لهم حتى يقتلوني دونه.. هيا أسرع حتى ننجو منهم جميعاً، فلن يذهب أحد منا دون سليم هل فهمت؟ )) قال يزن و الألمُ يكادُ يفجرُ رأسهُ من ضربةِ أكرم (( نعم فهمت.. لقد قُلتَ له منذ قليل أنك ستسلمه لهم.. لقد قُلتها له أمامه و في حياته و لم يغضب منك و أنا عندما قلتها من خلفه و في مماته، تغضب أنت و تحاول تفجيرَ رأسي بذلك الحذاء المتصلب.. أليس لديك رحمة؟! )) لم يسمع إجابة من أكرم، فالتفت إليه و قال له (( لماذا جحظت عيناكَ هكذا؟ لا تخف، لن أرمي سليم.. ليس خوفاً منك، بل لخوفي من ذلك المتسلط أباه و من تلك الثرثارةِ سليطةِ اللسان أمه.. إن نجونا و رجعنا بدونه، فلن تتركَ لنا لحمةً أو عظمة صالحة لتأكلها الكلاب.. ماذا بك واجمٌ هكذا؟! )) قال له أكرم و هو يرتجف من شدة الخوف (( يا غبي لقد دخلتَ بنا إلى طريقٍ صحراوي.. من سينقذنا الآن منهم؟! أنظر إنهم يحاولون إطلاقٍ صاروخٍ علينا.. يزن تصــــــــرف )) و صرخا معاً بأعلى صوتهما عندما شاهدا الصاروخ يتجه نحوهما (( آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه ))......
و من مكانهِ في إحدى سيارات الجيب، و على مسافة بعيدةٍ قليلاً، كان منير يضحكُ بشدةٍ و هو ينظرُ إلى السيارةِ التي تقلُ سليم و أصحابه و قد انقلبت و دارت عدة دورات ثم انفجرت بصوتٍ قوي و مرعبٍ جداً، فقالَ منير بانتصار (( لقد ماتَ هو و صاحبه الذكي أكرم.. هههههههههههه.. لقد قتلتهما معاً و معهما السائق و بلا دليلٍ هذهِ المرة.. الآنَ سأحصلُ على جائزتي.. أنا منير الذي لا يقهر )) فذهبَ منير تاركاً خلفه السيارة التي كانت تحترق و قد أكلت النيرانَ كُلَ ما في داخلها، و ارتفعت رائحةُ شواءٍ قوية، رائحةُ لحمٍ يحترق......
|