كاتب الموضوع :
الغالي المزيون
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
الجــــــــ 3 ـــــــزء:
و في ليل ذلك اليوم كان جمال ينتظر في مكتبه وصول ســليم عبد الوهاب بعد أن اتصل به هاتفياً و أعطاه جمال موعداً بعد صلاة العشاء، و بينما كان ينتظر دخلت إليه رحاب و قالت له و هي ترى أنه مشغول البال (( ماذا بك يا جمال؟ ما الذي تنتظره؟! أراك مهموماً جداً و كأن مصائب الدنيا كلها على كتفيك )) نظر إليها جمال نظرة طويلة ثم قال (( إنه جبل من الهموم يا رحاب.. إنني فعلاً أنتظر شخصاً مهماً و بالتحديد آخر شخص أتوقع أن اسمح له بدخول بيتي )) قالت له رحاب وهي تبتسم (( و من هو هذا الشخص القوي الذي أرهب جمال الدين الحسيني و الذي أرى أنه يحسب له ألف حساب؟! )) رد عليها جمال و عيناه تنظران إليها بتفحص ليرى ردة فعلها (( إنه سليم عبد الوهاب.. إنه الرجل الذي مسح صوري من كل الجرائد و المجلات.. الرجل الذي حرمني من كل الشهرة التي كانت تحيط بي و بشركاتي و محلاتي في خلال أسبوع واحد فقط.. و أنا أحس أنه سيجردني من كل قوتي وسطوتي في خلال معركتنا هذه.. لقد أدعىّ هذا الرجل أنه يجمع من ناحية الأخـوة بين النقيب خالد و الدكتور حسام و تلك المزعجة صاحبة المشاكل صبا من ناحية الأب، و بينكـ أنت يا رحاب و طارق من ناحية الأم.. لقد اتصل بي هاتفياً ذلك الوقح و لا أعرف لماذا أعطيته الموعد و لماذا وافقت على طلبه بمقابلتي؟!! )) قالت له رحاب مدافعة عن سليم (( إنه لم يطلب منك سوى موعداً للقائه فلماذا تنعته بالوقح يا جمال ؟! )) قال جمال بغضب و هو ينظر إليها (( لأنه سأل عنكـ )) نظرت إليه بدهشة ثم قالت (( نعم!! ماذا تقول؟! إنه أخــي.. هل نسيت ذلك؟؟ )) قال جمال بخبث واضح (( لا لم أنسى.. و لكن يجب أن تعلمي أنه لا يملك أي دليل على كلامه.. مجرد رجل مدّعي جاء و قال أن أمه التي أشرفت على تربيته اعترفت له أنها ليست أمه الحقيقية و عبد الوهاب ليس أباه، بل إن أباه أحمد الأحمد و أمه أمنية التي هي أمكـ.. و أن هذه المرأة الغبية التي قامت بتربيته، أخذته من المنزل الذي كان يسكن فيه مع والديه بعد ما اختلفا و رفض أيّ منهما أن يقبل به و تركاه و هو طفل رضيع.. و بالطبع هو لا يملك وثائق تدل على كلامه و كلام أمه التي كانت تعمل مجرد خادمة في المنزل.. و بعد 28 سنة يظهر لنا سليم هذا بكل هذه الأموال.. فمن أين حصل على كل هذا المال و الثراء؟ )) ردت عليه رحاب مهدئه له (( الأموال لا تهم يا جمال.. فهناك مائة طريقة لكي يحصل عليها، فلا تنسى أن والده عبد الوهاب كان من أثرى أبناء زمانه لولا النكسة التي أصابته بسبب الحرب فاضطرت زوجته لكي تعمل في المنازل و لكنه عاد و ورث من أحد أقاربه ثروة طائلة أكبر من ثروته السابقة فرفع زوجته إلى العالي و أخذ معها سليم.. أما عن نعتك لأمه بالخادمة فهذا يختلف.. أتحب أن ينعت أحد أمك بالخادمة لأنها أشرفت على تربية أحد الأيتام أو المحتاجين.. حرامٌ عليك ما تقوله في حق تلك المرأة.. لا تنسى أن عبد الوهاب يستطيع أن يجعلها أميرة لو أراد و أنها أنجبت رجالاً يشد بهم الظهر فلقد سمعت أن ثلاثة من أبنائها تجارٌ ناجحون و لا أعتقد أن أولادنا سيصلون إلى ما وصل إليه أولاد تلك المرأة المسكينة و تذكر أن سليم منذ ثلاثة أيام قد ضرب رجلاً حتى أسقط له أسنانه الأمامية وأدخله المستشفى بسبب أنه قال عن أمه خادمة و لا أعتقد أنك تحب أن تواجه المصير نفسه )) رد عليها جمال بعصبية و صوت عالي (( ماذا تقصدين أنها أنجبت رجالاً أو لسنا رجالاً مثلهم؟!.. بل نحن أحسن منهم فنحن نستفيد من علمنا في وطننا أما هم فيستفيدون من خبراتهم في إيطاليا البلد الأجنبية.. و أنا لم أنعت أمه بالخادمة من عندي، فهي فعلاً كانت خادمة حيث كانت تعمل في بيت أحمد و زوجته و لا أعرف لماذا أقدم رجل بمركز عبد الوهاب على الزواج بمثلها.. ولكن سليم هذا بالنسبة لي ليس سوى وقح و مدّعي.. و لا تقولي لي مرة أخرى أنه أخوكـ حتى يأتي بالدليل.. هل فهمت؟! )) قالت رحاب بحزن شديد (( و لكن من أين له هذا الدليل؟! حرام أن يظل يبحث عن شيء لا وجود له.. ثم أنه لا يوجد دليل سوى العم أحمد و أمي أمينة )) قال لها جمال ونبرات التهديد في صوته (( حسناً يا رحاب لننتهي من هذا الموضوع.. والدتكـ متوفاة منذ سنة و أحمد متوَفي منذ سنتين و لا توجد في السابق شهادات زواج و أكيد أن الذي زوجهما مات قبلهما بعشرات السنين.. و لكن مهما حصل تذكري.. أن سليم ليس أخاكـ سواء أردت ذلك أم لا.. و الآن اذهبي لأني اسمع جرس الباب و لا تكلميه و إلا..... طبعاً أنت تعرفين ماذا سيحدث لكِـ و له.. هيا اذهبي )) و ذهب جمال ليفتح الباب و عندما فتحه وجد أمامه سليم لأول مرة.. كان سليم أطول منه.. ذو شعر أشقر كثيف و عينان زرقاوان و وجه وسيم و ابتسامه جذابة.. و استغرب جمال من جماله الباهر و نظرة الطيبة التي تملأ وجهه و فمه و عينيه.. ثم قطع عليه سليم صمته وقال له (( ماذا بك يا سيد جمال؟ أهذه أول مرة ترى فيها رجلاً أشقرا و وسيما مثلي؟! مرحبـــاً.. أنا سليم عبد الوهاب أو بالأصح أنا سليم أحمد الأحمد و ما أمامك هو الدليل على أنني ابن أحمد.. فأولاده يتميزون بالوسامة مثلي )) و مد سليم يده ليصافح جمال و لكن جمال لم يأبه له و لم يمد يده و إنما قال بسخرية (( حسناً يا ابن... آآآه هل أقول ابن عبد الوهاب أيها الأشقر الجميل أم أقول ابن أحمد الأحمد يا أجمل أبناءه؟؟! هذا ليس دليلاً على أنك ابنه فأولاده لا يملكون مثل هذا الجمال المبهر.. و خالد و حسام لن يصلا إلى وسامتك مهما حاولا و أنت لا تشبه أي واحد منهما لذلك يجب أن تنسى هذا الدليل )) رد عليه سليم بسخرية (( و ما رأيك بصبا؟! )) قال جمال بحنق شديد (( و ما دخل هذه المزعجة الآن؟ هذا كلام بين الرجال و لا دخل للنساء بحديثنا أبداً )) قال له سليم شارحاً (( و لكنها أختي الوحيدة من أحمد و هي أصغر أخواني وأيضاً شقراء و لها عيون زرقاء و أهم من ذلك لن ننسى الجمال و الجاذبية اللا محدودة و الرقة و اللطف.. فلذلك يمكنك أن تعتبرني ورثتُ أختي الصغيرة في الجمال.. و لذلك أيضاً أنا ابن أحمد الأحمد.. و لكن هذا غير مهم الآن.. ألن تدعوني للدخول بما أنك ترفض مصافحة سليم عبد الوهاب؟ أم أنك متعود على استقبال ضيوفك أمام الباب دائماً يا سيد.. )) قال له جمال بعصبية (( أنا جمال و لا يهمني سليم عبد الوهاب و لا سخفه و حماقته و لا أيضاٍ شهرته و أمواله.. هيا ادخل قبل أن أغير رأيي و أطردك )) قال سليم بخبث تعمد إظهاره (( و من تكلم الآن عن الشهرة و الأموال و الأضواء يا مستر جمال ؟!! )) توقف جمال و نظر إليه بتفحص من قمة رأسه وصولاً إلى قدميه و قال له بهدوء غريب (( لو سمحت ابتعد عن لغتك الأجنبية و تذكر أنك في دولة عربية لذلك نادني بالسيد جمال و لا تقل لي "مستر" فهذه الكلمة لا تعجبني )) و سبقه إلى الداخل و عندما دخل سليم رأى رحاب و عرفها، فذهب و وقف مواجهاً لها ثم ابتسم و هو ينظر لها بحنان و قال (( كيف حالكـ يــــا..... يا أختي، لقد كنتُ أتمنى أن أراكِـ و أتعرف عليكِـ منذٌ زمن طويل.. و أنا أعتقد أنكِـ سيدة عظيمة جداً )) و مدّ يده لكي يصافحها.. فنظرت رحاب إلى جمال و لكنه أشار لها أن لا تصافحه، فعارضته و رفعت يدها لتصافح سليم لولا أن نظر إليها زوجها هذه المرة بقسوة شديدة، و قبل أن تلمس يدها يد سليم صفعته بقوة في يده و قالت له بعصبية (( ابتعد عني.. أنت لستَ أخي.. ابتعد و اذهب من هنا... )) و ركضت إلى غرفتها و أغلقت الباب خلفها بقوة، فنظر إليها سليم بكل حزن و ألم، و كان صدى صوت إغلاق الباب يتردد في أذنه بشدة.. فبعد الذي سمعه عنها توقع أن تكون مختلفة عن إخوانه من أبيه الذين رفضوه بشدة -ما عدا صبا طبعاً- فقال سليم و الحزن يعتصر قلبه (( لمـــــاذا؟!! لماذا فعلت ذلك بي ؟ ما الذي قلته لها؟! )) رد عليه جمال بشماتة شديدة (( إنها تريد دليلاً قاطعاً على أنك ابن أمها و لست... و لست لقيطا أو ابن... قد جار عليك الزمن و وقعت في يد امرأة.. آه ماذا أقول؟!! هيا يا سليم أنت تعرف.. تلك المرأة التي قامت بتربيتك )) رد عليه سليم بغضب لا مثيل له و بصوت مرتفع (( امرأة ماذا يا جمال؟! أتعاير أمي.. أما علمت أن من يعايرها يكون مصيره الموت في قاموسي.. لقد تكلموا عن سطوتك و لم يتكلموا عن سطوتي.. و تكلموا عن قوتك و لم يتكلموا عن قوتي.. و لكنهم تكلموا عن قسوتي و لم يذكروا قسوتك.. إنك لم تجرب قوتي و سطوتي و ... قسوتي بعدُ يا جمال.. أنا لم أعد لبلدي إلا لأثبت لأمثالك من الناس أن أمي أشرف من عرفتُ في الدنيا.. و العمل لم يكن حراماً أو عيباً ما دام شريفاً.. و اعلم يا جمال أني لا أسامح من يعاملني هذه المعاملة أبداً حتى و لو كانت أختي.. لذلك قررت.. )) رد جمال بخوفٍ لم يستطع إخفاءه بسبب غضب سليم المفاجئ (( قــررت؟!! مـا.. ماذا قررت؟؟! )) جلس سليم ثم قال بصوتٍ هادر فيه نبرة ثقة و تهديد واضحة (( سأنتظرك يا جمال.. سأنتظرك حتى تموت.. أتفهم ماذا أعني؟؟ سأكون كريماً معك و لن أقتلك.. بل سأنتظرك لأني علمتُ من أطبائِك بأنك مصاب بالضغط و بضعفٍ في شرايين القلب، و رغم سنك الصغير إلا أنك معرض للموت في أية لحظة و أنا لا أرحم من يعاملني هكذا في بيته و لكن لمكانتك الخاصة سأنتظرك حتى تموت و بعد موتك بضربة واحدة سأستولي على جميع أموالك و سأكون كريماً معك للمرة الثانية لأني سأدخل أولادك إلى مدارس داخلية في روما بإيطاليا و عندها سينتظرهم سليم مع كل وسائل الراحة و سأربيهم بعيداً عن هنا في إيطاليا و تحت إشراف رجالي.. ثم سأنتقل إلى أهم جزء في حياتك.. أختي الغالية رحــاب.. زوجة أكبر تاجر في المدينة.. أقصد ستكون في ذلك الوقت أرملة.. أرملة أكبر تاجر في المدينة )) و توقف ليلهث ثم قال بغضب أكبر و بعيون يشع منها العزم و الإصرار (( زوجتك سأجعلها خادمة لزوجة المستقبل )) رد عليه جمال بغضب و هو لا يصدق ما سمع منه (( ماذا تقول أيها الوقح؟! )) ابتسم سليم ابتسامة لم ترق أبداً لجمال ثم قال له (( نعم يا جمال.. صدق ما سمعت.. سأجعلها خادمة لي و لزوجتي الغالية التي سأحصل عليها منك سواء شئت أم أبيت.. سأجعلها تربي أولادي و تخدم في بيتي و عندما يكبر أولادك، سيتكرر كرمي للمرة الثالثة حينما سأحكي لهم قصص أمجاد والدهم، ثم بعد أن يبلغوا سن الرشد سأريهم والدتهم و سأرفعها بإشارة واحدة مني إلى سيدة في المجتمع، بل أميـــــــرة.. و عندها سيكون أولادك في نفس موقفي هذا و سيحسون بنفس الإحساس الذي أمر به الآن منك و سترى أن سليم عندما يريد أي شيء، يحصل عليه مهما كانت الصعاب )) اِتسعت عينا جمال من شدة الدهشة و الاستغراب و هو غير مصدق لما قاله هذا الغريب في بيته فقال له (( كيف تجرؤ على قول كل هذا الكلام يا حقير؟!! اسمع جملة واحدة و لا غيرها.. قل ماذا تريد مني ثم اذهب من هنا و لا أريد أن أرى وجهك البغيض مرة أُخرى.. هل فهمــت؟؟ لا أُريد أن أرى وجهك و إلا قتلتك )) رد سليم بسخرية (( ليس مثلك يا ضعيف من يهددني بالقتل.. و على العموم يا سيد جمال أعتقد أنك ستراني دائماً )) رد عليه جمال بسرعة و عصبية (( هيا قم من على الكرسي و قل ماذا تريد بسرعة فلقد نفذ صبري )) قال سليم وهو ينهض و عيناه تُشعان بالثقة و الإصرار (( مــــآثر ابنة أختك )) نظر إله جمال بدهشة كبيرة هذه المرة ثم قال (( نعـــــم؟! .. ماذا قلـــت؟؟! .. لم أفهم..!! )) قال سليم ببرود شديد (( أُريدُ مآثر زوجة لي على سنة الله و رسوله و أعدك أن أكون لابنتها مثل والدها و أن أُحسِن معاملتها و..... )) قاطعه جمال قائلاً بغضبٍ شديد (( اخــــــرس.. هل أنت مجنون؟!! أبعد الكلام الذي سمعته منك، تريد أن تتزوج ابنة أُختي؟؟ .. أنا جمال الدين الحسيني الذي يخافني كل من يسمع بي قبل أن يراني تقول لي هذا الكلام كله، و من ثم و بعد أن أهنتني تأتي و بكل برود لتطلب أن أُزوجك ابنة أختي!! هل أسمي هذا شجاعة أم وقاحة؟! اخرج من بيتي و لا أُريدُ أن أرى وجهك مرة أُخرى.. هيا اخرج فلقد أفقدتني أعصابي )) نظر إليه سليم و قد نفذ صبره من المجادلة بينهما ثم قال (( هي لها الحق بأن ترفض و ليس أنت يا جمال )) قال جمال بغضب (( رفضي قاطع.. ثم أنا لا أُشاور النساء.. اخرج الآن قبل أن أطلب الشرطة.. اخرج و لا تعد إلى بيتي و لا تفكر أبداً في مآثر.. لا تفكر بها أبداً )) قال سليم و هو يحس بالضجر (( حسناً سأخرج و لكن اعلم بأني لا أُحب إعادة كلامي أبداً و لكني سأعيده هذه المرة لأنك ربما تجمع فقدان السمع مع كل تلك الأمراض العديدة التي لديك.. يا عمي المستقبلي.. ألم أكلمك عن زوجة المستقبل التي سأحصل عليها منك سواء شئت أم أبيت؟ .. فأنا لا أنتظر موافقتك و أيضاً قلت مائة مرة أنا سليم عبد الوهاب أحصل على ما أشاء عندما أُريد و مهما كانت الصعاب.. أنا الآن ذاهب يا سيد جمال و بما أنك رافض لفكرة زواجي من مآثر سأرجع و ربما سأكون في حياتك شيء أساسي منذ الآن.. ستراني في كل وقت من حياتك، و في كل أحلامك، و سنلتقي في العمل، و في المسجد، و السوق، و في كل مكان تذهب إليه، لن تخرج من البيت إلا و ستجدني كالظل لك يا جمال إلا... إلا عن طريقتين سوف تتجنبي و تتخلص مني.. إما أن توافق على زواجي أو أسمع من مآثر بنفسها أنها ترفضني و لا تريدني و أُريد سبباً مقنعاً لرفضها، و يجب أن تعلم يا جمال أنني تربيتُ في منزل عبد الوهاب على ملاعق من ذهب و لن أتركها لأني أُحب الذهب، و الأحسن لك أن تخدم رحاب القريبة بدلاً من خدمة الغرباء.. إلى اللقاء الآن و كفاك ما لقيت مني.. و سنرى من سيفوز.. أنا أم أنــت ))
و بعد يومين من تلك المواجهة الكبيرة التي حصلت بين سليم و جمال،... أُصيب جمال بألم كبير في قلبه و نقل إلى المستشفى و هو في غيبوبة تامة..
الجــــــــ 4 ـــــــزء:
و في يوم من الأيام وجد جمال نفسه في القبور فجأة و بلا مقدمات.... كان المكان شبه مظلم، و الأرض قاحلة، و الأشجار ميتة و ريح ساخنة جداً محملة بالغبار تهب على المكان فتزيده وحشة وظلمة، فمشى قليلاً و هو لا يعرف طريقه، ثم توقف بجانب أحد القبور حيث شاهد امرأة تبكي عند ذلك القبر، لقد كانت تبكي بشدة و تنتحب و ملابسها كلها سوداء، و عندما أحست به التفتت إليه، فعرفها و تفاجأ بوجودها... نعم.. لقد كانت رحـــــــاب.. فسألها بدهشة شديدة (( ما الذي تفعلينه هنا يا رحاب؟!! و على من تبكين؟ تكلمي من الذي مات؟ )) ردت عليه رحاب بحزنٍ عميق و الدموع تجرى على خذيها (( أنـــــــت يا جمال.. لقد أُصبتَ بجلطة قلبية و توفيتَ في المستشفى )) نظر إليها جمال باستنكار ثم صاح بها قائلاً (( هل جننتِ؟!! أنا أقف أمامكـ و لم أمت، و أنا الآن أُتكلم معكِـ.. أنا حي يا رحاب.. أنا حي و لم أمت.. أنا حـــــي )) هزت رأسها بقوة و هي تبكي بحرقة شديدة (( بل مت يا جمال.. أنت الآن ميت )) و أشارت إلى القبر و قالت (( أنا دفنتك بنفسي.. الجميع أصبح يخاف سليم عبد الوهاب حيث أنه منعهم من الاقتراب من جثتك، فرفضوا دفنك.. لقد قام ذلك الظالم بعد موتك بأخذ جميع أولادي مني و أرسلهم إلى مدارس داخلية بعيدة، و تزوج مآثر و استولى على جميع أموالك والأهم أنه جعلني خــــــادمة لزوجته و ابنتها يا جمال! .. أنا رحاب حرم المرحوم جمال الدين الحسيني، أكبر تاجر في المدينة نزلت من مكانتي لأصبح خادمة عند سليم!! )) قال جمال (( هذه كذبة من سليم فلا تصدقيه يا رحاب.. أنا حي و لن يستطيع أحد أخذكـ مني و لا أخذ أولادي و أموالي.. أنا حي و سأرجع لك كرامتكـ و عزتكـ يا رحاب )) قالت رحاب بحزن و استسلام (( لا فائدة يا جمال.. لقد فات الأوان على هذا.. أنا دفنتك.. لقد أصبحت من الماضي.. أنت رجل ميت الآن يا جمال.. رجل ميت )) رد جمال بصوت عالي تردد صداه في أرجاء المكان (( أنا حـــــــــــي.. ماذا تريدين حتى أثبت لكـ أني حي و لم أمت؟؟ )) و فجأة ظهر سليم ليقطع عليهما حديثهما و قال لجمال (( ألم أقل لك؟! على العموم لا تقلق.. رحاب ستخدم زوجتي حتى يكبر أولادك و أسترد كرامتي وكرامة أمي عن طريقها.. ثم أرفعها بإرادتي و بإشارة واحدة مني إلى أميرة )) ثم أشار إلى القبر و قال (( هذا قبرك يا جمال.. لقد حفرته بنفسي و قامت أرملتك بدفنك فيه.. أنت الآن من الماضي ولن يستطيع أحد أن يسترد مني ما أخذته منك بعد إهانتك لي.. لقد انتظرتك حتى توفيت ثم أخذت ما أريد )) ثم اتجه إلى رحاب و أمسك يدها بقسوة و قال (( هيا.. لا فائدة من الكلام مع الموتى، فزوجتي متعبة و تريد منكـ تنظيف البيت و رعاية الأطفال )) و أخذ يجرها وراءه بقسوة و هي تصرخ مستنجدة (( إذا كنت حيا يا جمال ساعدني.. أرجوك ساعدني و أنقذني أنا و الأولاد.. لا تجعلني فريسة لهذا المتوحش.. جمـال.. جمـــال.. جمـــــــــــال ))
نهض جمال من كابوسه المروع و الذي كان بداية لخسارته في حربه ضد سليم، و وجد نفسه في غرفة بالمستشفى و جسمه مليء بالخراطيم و آلات التغذية.. فأخذ يلهث بقوة و هو يتذكر ذلك الكابوس المخيف.. نفس ما قاله سليم عندما غضب منه.. يا له من رجل سليم هذا!!.. لماذا أخاف جمال كل ذلك الخوف؟! بل كيف استطاع؟! لقد أخذ مساحة كبيرة من تفكيره و أخذ يطارده حتى في أحلامه.. قطع عليه حبل أفكاره دخول الطبيب حيث قال له (( حمدا لله على سلامتك يا سيد جمال.. لقد تخطيت مرحلة الخطر الآن )) قال جمال بتعب واضح (( لماذا دخلت إلى المستشفى يا دكتور؟ ومنذ متى وأنا هنا؟ )) قال له الطبيب (( أنت هنا منذ ثلاثة أيام و لقد أصبت بجلطة قلبية نقلت على أثرها إلى المستشفى.. ألم أنصحك أن تهتم بصحتك و أن لا تتعرض للغضب أو الإرهاق؟ يجب أن تهتم بنفسك و إلا سنفقدك.. زوجتك تنتظر في الخارج سوف أدخلها )) و عندما دخلت رحاب كانت تبكي بشدة و حرقة مثلما فعلت في الحلم تماما، و بعد أن هدأت قال لها جمال بضعف شديد (( ماذا قال لكـ الطبيب؟ هل سأعيش؟ )) ردت عليه رحاب معاتبة له (( ما هذا الكلام يا جمال؟! طبعا سوف تعيش و لكن المهم أن تحافظ على صحتك مثلما قال الطبيب )) قال جمال بغضب (( كله بسبب سليم هذا فلولا أنه... )) قاطعته رحاب و هي تبكي قائلة برجاء و توسل (( أرجوك يا جمال.. أرجو أن تنسى سليم هذا.. فهو سبب كل المصائب و لولاه لما أصابك ما أنت فيه الآن )) قال جمال بعصبيته المعتادة (( كيف أنساه؟! .. أنت لم تسمعي الكلام الذي قاله و لا التهديد الذي وجهه لي هذا الـ... ، ثم أنسيت مآثر.. ماذا لو علمت أنه تقدم لخطبتها و وافقت، لكنت مت من الحسرة عندما يحصل هذا المتكبر المغرور علي ما يريده )) قالت رحاب بعد تردد (( مشكلة مآثر لها حل.. صحيح أنه وقت غير مناسب ولكن يجب أن أفاتحك بالموضوع )) قال جمال باهتمام (( أي موضوع؟ )) ردت عليه بسرعة (( موضوع زواجها.. فبما أنك ترفض زواجها من سليم و حتى تقطع عليه الطريق، زوجها لأخي طارق.. إنه بمثل عمرها.. و هو طيب القلب، و هو كما تعلم مهندس معماري و راتبه معقول و لديه منزل كبير يتكون من طابقين و هو مستعد أن يتزوجها و يربي لها طفلتها.. أعتقد أن هذا حل مناسب لجميع مشاكلك مع سليم، فمنها أنك سوف تنساه و تهتم بصحتك، و منها أنك سوف تغيظه بتكسير كلامه و عدم الاهتمام بتهديداته )) رد عليها جمال بدهشة (( هل أنت مجنونة أم أنكـ فقدتِ عقلكـ و أنت ما زلت في الثلاثين من عُمركـ؟! كيف تريدين مني أن أُزوج اِبنة أُختي من أخيكـ؟ ثم ألا تعرفين أن سليم عندما يعلم بذلك سيحاول أن يقتل طارق، فسليم يحبها كما يقول.. و أنا من ناحيتي، الأهون عندي أن أزوجها حارس المنزل و أحل مشاكلي دون تدخل امرأة بلا عقل مثلكـ )) قالت رحاب (( كيف أكون بلا عقل؟ آآآه .. أم أن أخي ليس في مقامكم يا سيد جمال؟! )) قال لها جمال شارحاً (( أيتها الحمقاء.. بالله عليكـ، كيف ترضين لتلك الوردة المتفتحة بأن تتزوج واحداً مثل أخاكـِ؟!أنسيتِ أنه يركض وراء النساء مثل المجنون، و أن له صديقات كثيرات وهو لعوب و لا يؤمن من جانبه.. ثم انه أخ سليم و لن أرضى أنا أصلاً بذلك لأنني أعتبرها إهانة لي أن أُزوجها شخص يقربُ لسليم و لعوبُ أيضاً و لا يحافظ على أمواله.. أنسيتِ أنه في كل شهر يبدد راتبه في أسبوع، ثم يأتي ليقترض منكـِ و لا يرجع لكـِ أموالكـ... هكذا و هو عازب، فكيف بالله عليكـِ إذا تزوج مطلقة ولديها ابنه؟!! لن أرضى بذلك أبداً )) قالت رحاب غاضبة (( الآن أصبح طارق أخاً لسليم؟؟ أين الدليل الذي كُنتَ تنشده ؟! )) رد جمال بعناد (( لم أعد أُريد أية أدلة، فنحن الآن لسنا في نسبه و إنما في موضوع زواجه )) قالت رحاب محاولة إقناعه (( بالنسبة لطارق فأكيد أنه سيتغير بعدَ الزواج، و عندما يرى المسئوليات تتوافد على رأسه سوف يعقل.. أنا أكيدة من هذا أنت جرب ولن تخسر شيئاً )) قال جمال بإصرار (( أنا لن أنتظر حتى أخسر.. لقد وجدتُ الحل.. سأزوجها من ساعدي الأيمن منيـر )) صاحت رحاب (( هل أنت مجنون!! منير يجمع بين زوجتين!! )) قال جمال بعناد (( حسناً.. حسناً.. سأجد لها حلاً.. و سأزوجها شخصاً غير منير و لكن ليس سليم و لا تأتي لي بسيرة طارق، فأنا أرفضه رفضاً قاطعاً هل تفهمين؟ ))
و بعد يومين خرج جمال من المستشفى، و أقامت رحاب حفلة صغيرة بهذه المناسبة، و قامت بدعوة أقاربها و أ قارب جمال فقط...
الجــــــــ 5 ـــــــزء:
كانت الحفلة رائعة جداً و لا يعكر صفوها شيء، و كانت رحاب تقف بجانب شقيقها طارق و هي تقول (( هيا تحرك يا غبي.. أنظر إلى مآثر.. ما أجملها و ما أروع فستانها.. تحرك قبل أن يسبقك أليها أحد )) رد عليها طارق بضجرٍ شديد (( هل علي أن أُقبل قدميها حتى ترضى عني.. إنها تصدني في كل مرة عندما أذهب إليها، أو حتى أُحاول فيها أن أُكلمها.. أنا لا أُنكر أنها جميلة جداً و أنها قد أعجبتني و لكن لا تنسي أنني لم أتعود الصرف على غيري، فما بالكـ بزوجة و معها طفلتها، ثم أنا لا أحب الأطفال و نقودي لا تكفي لنهاية الشهر، و أنت تعرفين أني أحب السهر حتى وقت متأخر من الليل، فهل سترضى بذلك؟ لا توجد امرأة في العالم ترضى على سهر زوجها و خير دليل هو أنت و المشاكل التي تفعلينها عندما يتأخر جمال حتى الساعة الحادية عشر.. أنت تعلمين جيدا يا رحاب أني أعود من عملي قرابة العصر وأنام إلى الليل حيث أبدأ في السهر حتى الصباح و بصراحة هذا يعجبني و لا أود تغير روتيني أبدا، حتى ولو كان من أجل الأميرة مآثر.. ثم لا تنسي أني لو اختلفتُ معها في أي شيء و ضربتها فسوف يرجع لي زوجكـ كل ضربة بألف سوط على ظهري.. فلذلك أولا أعطني حلا لكل هذه المشاكل ثم فكري في زواجي من صاحبة أجمل وجه و أحلى شفتين )) قالت رحاب مؤنبة له (( ما هذا الكلام التافه الذي تقوله؟ لذلك هي ترفضك يا أحمق! المرأة منا إذا أرادت رجلا بعينه فهي تحب أن يركض ورائها.. ثم من قال لك يا جاهل قبل قدميها.. لديك يدها قبلها كما تشاء ولكن من وراء جمال، حتى لا تموت قبل أن تتزوجها و تقتلني معك.. و من حيث الصرف عليها و على ابنتها فأنا لدي الكثير من الأموال و سأعطيك حسابا في البنك بمبلغ كبير يمكنك أن تتاجر به و تزيده و من ثم تصرف عليها.. و أما مسألة السهر في الليل فأنا متأكدة أنك ستنساه بعد قضاء شهر العسل مع مآثر، و أما أصحاب السوء فعليك بنسيانهم حتى لا ينسيك جمال من هو طارق و توقف عن دخول الملاهي و مصادقة النساء الفاسدات حتى يرضى عليك.. و أما الضرب فنسيانه أفضل و إن فعلته فلكل امرأة أسلوبها و لا أعتقد أن مآثر ستحب خراب بيتها و هي لن تشتكي لجمال لأنها تعلم أنه لا يحب أن تشتكي له امرأة من زوجها )) و فجأة سمعت رحاب و طارق من خلفهما صوت تصفيق حار، فالتفتا فإذا بسليم و هو بكامل أناقته وقد أخذ يصفق و يبتسم بسخرية، ثم قال باستهزاء (( رائع.. رائــع.. تخطيط لن يكتشفه جمال نهائيا يا رحاب.. الآن فقط عرفت كيف استطاع هذا الأبله طارق دخول الجامعة و الخروج منها على شكل فارس يحمل سيف الهندسة و هو يركب على حمار منقط.. أين جمال الحسيني حتى يسمع كل هذا الكلام.. لقد كنت متأكدا أن هذا الرجل ستكون نهايته على يد إمرأة، ولكني لم أعلم أنكـ ستكونين هذه المرأة.. و كما يقولون وراء كل رجل ميت امرأة مفكرة.. ألم يهن عليكـ أن ينجو من الجلطة القلبية حتى تقدمي له أخرى دماغية أم أنكـ تريدين أن تصلي إلى نهايته بسرعة؟ )) ثم توقف ليرى الدهشة تعلو وجهيهما فقالت رحاب لطارق (( اذهب من هنا و دعنا لوحدنا )) ثم التفتت لسليم و قالت له و أسنانها تصطك من الغضب (( كيف دخلت إلى هنا؟! الحراسة مشددة في الخارج و أنا منعتهم من أن يدخلوك.. ثم كيف تجرؤ على قول كل هذا الكلام؟! أنا أحب جمال و لن أتسبب في قتله، و أخي ليس أبلها أو حمارا و لقد حصل على شهادة الهندسة بتعبه و ليس عن طريقي و قد صدق جمال حين قال عنك أيها المهرج أنك أكبر وقح في العالم فأخرج من هنا قبل أن يراك و تعاوده الأزمة )) قال سليم متابعا سخريته و استهزاءه (( يا سلام.. أنت تصلحين جدا في مراكز النصح و الإرشاد.. لماذا جعلوكـ وكيلة لوزارة التجارة و هم يعرفون أن ذلك المكان لا يناسبكـ؟! و أما بالنسبة لأجوبة أسئلتكـ فهي سهلة جدا.. فأولا كيف دخلت، آه سؤال وجيه لم يخطر ببالي حين أتيت إلى هنا.. لقد اعتقدت بأنكـ قد بعثتي لي ببطاقة دعوة و لم تصل، و لكن بما أنه ليس كذلك فأعلمي أن سليم عندما يريد أن يدخل إلى أي مكان لن يردعه أحد حتى و لو كانوا جميع جيوش العجوز جمال.. و ثانيا بالنسبة إلى الكلام الذي قلته لكـ و لأخيكـ، فأنا متعود على قول ما يحلو لي و أنا لست نادما على أية كلمة و جهتها إليكـ أو إلى الصامت الواقف خلفكـ.. أنت بدأت الحرب برفضكـ لي و أخوكـ لا أعتبره ندا لي و لا أعتبره رجلا حتى يمشي ورائكـ و يحطم حياة إمرأة قد تحطمت حياتها من قبل، و تصرفاته لا تعجب جمال بنفسه فكيف بمن تريدينها زوجة له.. هل تعتقدين أنها ستعجبها؟! .. لا أعتقد ذلك.. و أخيرا، بالنسبة لخروجي فأنا لن أخرج إلا بشرط سأقوله في نهاية حديثنا )) ردت رحاب بنفاذ صبر (( هل أنت مجنون أم أنك تجرب كيف تتشاجع على امرأة؟! طارق رجل و أنت الذي لا تعتبر نداً له يا من تدخل البيوت من غير إذن أصحابها.. و الآن قل شرطكَ و اخرج من هنا قبل أن أُرسل لك رجال جمال ويحدث ما لا تحمد عقباه )) أخذ سليم يضحك عليها بقوة فأغضبها ذلك و قالت له (( أنت غير مؤدب و لا تعرف سوى الضحك على الآخرين و قول الألفاظ المهينة مع أنه لا يوجد في الدنيا من يستحقها أكثر منك.. و الآن قل ما عندك و أرحل يا.... )) قال سليم وهو يتصنع الغضب (( أتشتمينني يا رحاب؟! .. يجب أن أتلقى الشتائم منكـ بعد أن تسمعي شرطي.. و شرطي هو أن تسمحي لي برؤية مآثر.. أُريد أن أُكلمها و.... لكي أرحل بسرعة أُريد أن... أطبع قبلة خفيفة على خدها ولن يضر ذلك في شيء، أليس كذلك يا عزيزتي رحاب؟ )) نظرت إليه رحاب بدهشة لم تستطع إخفائها، ثم انفجرت في وجهه قائلة (( ماذا تقول يا حقير؟!! أخرج من بيت جمال، و اذهب لتبحث عن واحدة مثلك لكي تقبلها، فنحن لا نملك نساء من هذا النوع.. يا حرس تعالوا و خذوه من أمامي )) تثائب سليم و هو يحس بالضجر منها ثم قال لها ببرود (( لا داعي للصراخ.. اخفضي صوتكـ فأنا لم أطلب المستحيل.. فلا تنفعلي من أجل صحتكـ.. أنا عندما قلت لكـ ذلك لم أطلب الأذن منكـ و إنما أردت سماع الرد من مآثر.. كوني ديمقراطية فأنا أكره الدكتاتوريين.. هيا اعقلي و دعيني أطلب ذلك من الآنسة مآثر شخصياً، و كل ذلك لمصلحتكـ حتى لا يعلم جمال بوجودي و ينفعل ثم يموت و يا حرام أنت صغيرة حتى تترملي الآن.. و كما تعلمين هو معرض للموت عند أي انفعال.. و أنت كما تقولين تحبينه ولا تستطيعين الاستغناء عنه و أنا أيضاً أُحب مآثر و لا أستطيع الاستغناء عنها )) قالت رحاب بغضب (( أنا أُحب جمال لأنه من حقي أن أُحبه، فهو زوجي.. أما أنت فما من حقٍ في الدنيا يجعلك تحبُ مآثر )) رد عليها بإصرار و هو يشير بإصبعه إلى نفسه (( أنا زوجها المستقبلي و لي كل الحق في أن أُحبها قبل زواجنا )) قالت رحاب بإصرار أكبر منه (( أنت لن تتزوجها أبداً، و جمال عندما يشفى سوف يعلم عن مطلبك و ستكون نهايتك على يديه بإذن الله )) قال لها سليم (( كفاكـِ ثرثرة لا فائدة منها، لقد أخافني جمال من كلامكـ عنه بما فيه الكفاية.. و الآن أين مآثر؟ أُريد أن أكتحل برؤيتها )) وعندما التفت ليبحث عنها، وجدها خلفه تماماً و قد كانت جميلة جداً بفستانها الأحمر القاني وكأنه صُنع لتلبسه وحدها و لا أحد غيرها..
أتعرف أني أحبـــــــــك حقـــــــــاً
و أنك بين الجوارح تسكــــــــــــن
و أني للقياك أشتــــــاق موتــــــــاً
فيا عاذلي متى نلتقي ليسكن قلبي طيفك
مــــــــــتى نلتقــــــــــــــي؟؟؟؟...
للكاتبة: نسمة صيف
أخذ سليم ينظر إليها و يسبح في عينيها الرماديتين الحزينتين وكأن الدنيا وقفت عندهما في تلك اللحظة و كل واحد منهما ينظر لعيني الآخر......
ريحانة القلــــــــــب المهفهف من حنانك زودينـــــــــــــــي
عينـــــــــــاك توقظ في فؤادي قصة الماضي الحزيـــن
عينـــــــــــاك رائعتان مثل فراشـــــــــــة حطت على أوراق زنبقــــــــــــــــة و فاضـــــــــــت بالحنيـــــــــــن
عينـــــــــــاك لا أدري لمــاذا تزعجان هــــــدوء قلبــــــــي
تفتحـــــــــــان بــــلا مقاومـــــــة حصونـــــــــــــي
قـــد كنــــــت أزمعــــــــــت الرحيـــــــــــل صامتـــــــــــا
مـــــــن غير شوشـــــــــــرة فا فيمـــــــــــا ترجعينـــــــي
قصيدة من شريط: لأجلك أغني للمنشد موسى مصطفى
و أحس سليم في داخله بأنها خلقت لتكون زوجته، فقال لها برقة و هدوء (( مساء الخير يا أجمل و أرق و أروع امرأة في هذا الكون )) ابتسمت له بلطف، أحس معها بأن قلبه يكاد ينفجر من شدة دقاته، فقالت له (( مساء النور.. ولكني لا أُحب أن يغازلني أحد و يحدق بي كل الوقت، كما لا أحب أن تعمل المشاكل مع خالي و زوجته من أجلي كلما أتيت إلى هنا.. ألا يكفي ما فعلته بخالي حتى تأتي وتكمل عملك في زوجته وتزعجها و هي حامل.. لماذا لا تكلمني و تسمع رأيي لترتاح و تريحهم من المشاكل؟ )) ابتسم سليم من قلبه و رد عليها وقد استمتع بالكلام معها (( لا تظلميني يا أميرة قلبي فالذي أصاب خالكـِ لم يكن بسببي، إنما بسبب أنه أحس بكبره في السن و أن زوجته لم تعد تهتم به مثلما كانت في السابق فأخذ يتدلل عليها.. أما زوجته فهي أختي و أنا لا أرضى على إزعاجها، ولكنها فقط تحاول بلوغ درجة الغليان و أنا لا ذنب لي فيما تفعل.. و أما بالنسبة لابتسامتكـِ الرقيقة فهي تغنيني عن كل ما عانيته من كلام خالكـِ القاسي.. و بما أنكـِ تريدين مني أن أُكلمكـِ .. فأنا جئت هنا مع حصاني الأبيض لكي أخطفكـِ.. أُريدكـِ زوجة لي و ستكون طفلتكـِ اِبنة لي ولي الشرف بأن أطبع قبلة خفيفة على خدكـِ الناعم كالحرير ليكون هذا عنوان الموافقة و الوئام بيننا )) ضحكت مآثر لكلامه ثم ردت عليه بشيء من الصرامة و الإعجاب معاً (( أولاً،.. لقد أدهشتني بجرأتكَ الكبيرة التي لا يصدها شيء و لسانك السليط على خالي و زوجته، و تحويلك لنفسك من مرتبة الظالم إلى المظلوم.. و ثانياً،.. أنا لا أرى معك سوى بدله رسمية سوداء و أكيد أنك جئت بسيارة فأين الحصان الأبيض يا كاذب؟! .. و ثالثاً،.. من يرديني زوجة له يطلبني من خالي جمال أو من جدي.. و رابعاً و هو الأخير و الأهم،.. أنا لستُ أية امرأة تقابلها في الشارع أو الملهى حتى أدع رجلاً لا أعرفه و لا يمدُ لي بصلة يقبلني، أخلاقي و ديني لا يسمحان لي بذلك.. و أهم من ذلك كله إذا كُنت تحبني فعلاً مثلما تقول اذهب من هنا من دون قبلات أو اهانات و في المرة القادمة ارجع و أطلبني من خالي أو جدي و سأوافق عليكَ بشرط أن تلبس لباس الفارس و تحمل سيفاً و تركب على حصان أبيض جميل.. و أنا أنتظرك لوقتها أيها الفارس )) وذهبت عنه و قد تسلل حبه إلى قلبها بعد أن سمعت دفاعه عنها أمام خطط زوجة خالها و أخوها الضعيف طارق و بعد أن عرفت أنه لم يهتم لطلاقها و رأت الصدق في عينيه عندما طلب أن يكون والداً لطفلتها..
أما سليم فابتسم بارتياح ثم غادر المكان بهـــــــــدوء.......
|