لست وحدك (3)
المذيع: لا تؤاخذني يا مروان.. بصراحة أعتقد أن نقص الأكسجين قد بدأ فعلاً يؤثّر على...
مروان: قل ما تريد يا عمر... عندما أخرف فأنا أعرف بشكل ما أنني أخرف.. ثق أن حواسي مرهفة تمامًا وأعي كل شيء أراه وكل كلمة أقولها..
المذيع: لكن.. موضوع الكهف العامر بالغيلان هذا... يبدو لي سخيفًا..
مروان: أتمنى أن يكون سخيفًا وأن أكون أحمق.. لكن وددت لو كنت مكاني..
المذيع: هناك ورقة جاءتني من الإعداد الآن.. شيء لا يصدّق لكنه سيروق لك.. هناك ثلاث فتيات يتصلن بالبرنامج وهن يطلبن يدك! نعم لا مزاح هنالك.. لقد صرت بطلاً قوميًا.. هناك مئات الأمهات يدعون لك، ويبدو أن بناتهن يعتبرنك بطلاً.. على فكرة لقد عرضنا على شاشتنا صورة لك... سوف أفتح الخط ليصلك صوت واحدة تتصل بالاستوديو من القاهرة.. أنا لم أرها.. اسمها (نرمين).. أليس كذلك؟.. (نرمين).. هل أنت معنا؟
نرمين: نعم.. نعم.. هل هو يسمعني؟ هل تسمعني يا مروان؟
مروان: نعم يا نرمين. أسمعك..
نرمين: سوف تخرج إن شاء الله وتنجو من هذه المحنة يا مروان.. لا تخف.. أنت لا تعرفني ولم ترني، لكني أؤكد لك أنني سأكون خير خطيبة لك عندما تخرج من هنا..
مروان: أنت رقيقة جدًا ومجاملة.. لكن لو قبلتِ بالزواج من كل شخص في ورطة فأنت نفسك في ورطة.. وقوعي في ورطة لا يعني أنني إنسان رائع..
نرمين: سمعت صوتك ورصانتك وطريقتك في الكلام واحتفاظك برباطة جأشك وروح دعابتك.. أنا واثقة من أنك إنسان نادر..
مروان: صدقيني.. قبل أن أسجن هنا لم تكن أية فتاة تهتم بي.. لا أجد سببًا قويًا كي يتغير هذا.. إن هذا يحدث كثيرًا للمحكوم عليهم بالإعدام في قضايا يتعاطف معها المجتمع.. إنهم يتلقون سيلاً من طلبات الزواج...
نرمين: سوف تخرج من هنا وتعرف أنني صادقة.. و...
مروان: يا للهول!.. إذن هذا هو ما كنت أحسبه... ليست وطاويط محتشدة!
المذيع: لحظة يا نرمين.. عم تتكلم يا مروان؟
مروان: هذه البقعة في السقف.. ليست وطاويط محتشدة.. إنه كائن شبيه بالبشر يلتصق بالسقف كالبرص.. لا أعرف شكله بالضبط؛ لأنه في الظلام، لكنه كائن حي ويشبه البشر كما قلت لك... هناك واحد آخر كذلك.. لهذا لا أجد هذا المتسلل.. إنهم يتسلّقون للسقف ويحشرون أنفسهم هناك كسحالي الإجوانا.. يجب أن أغادر هذا الممر؛ لأنهم سوف يهبطون فوقي في أية لحظة...
المذيع: إذن ابتعد يا مروان عن هذا الممر... ثم نواصل الكلام... (يكلم شخصًا آخر).. لقد أغلقت الاتصال.. هل سمعت يا مهندس مصطفى؟ هل تعتقد أن هذيان نقص الأكسجين قد بدأ؟
مصطفى: واضح تمامًا.. إنه يخرف بلا زيادة ولا نقصان.. لا أعرف إن كان بوسع فريق الإنقاذ إدخال ماسورة تضخّ الأوكسجين أو شيء من هذا القبيل؟ إنه يحتضر ببطء..
المذيع: هل من احتمال أن يكون صادقًا؟
مصطفى: كهف به غيلان تلتصق بالسقف وتلتهم البشر؟ كم من الوقت بقي كي نهذي نحن؟
المذيع: حسن. سأفتح الهاتف من جديد... مروان.. هل غادرت الممر؟ آسف لأن انقطاع الخطوط يتكرر..
مروان: أو لتقول ما لا تريد أن أسمعه.. لا مشكلة.. أنا الآن في المكان الذي كنت فيه عند البداية.. أو هذا ما أعتقده.. بيني وبينك.. لا أريد البقاء هنا.. لا أتوقع أن يصل رجال الإنقاذ.. سوف أجرب ممرًا آخر على اليسار.. من الوارد جدًا أن يكون هناك مخرج..
المذيع: ولماذا لم يجده الذين ماتوا؟
مروان: لأنهم لم يموتوا بالجوع أو الظمأ.. ماتوا لأن هناك من قتلهم والتهمهم.. ألا تفهم هذا؟ واضح أنك لا تصدّق حرفًا مما أقول.. على كل حال أنا أتحرك الآن على ضوء الهاتف الأزرق الخافت.. أشعر بالظمأ الشديد.. لا بد أنني فقدت لترين من الماء بسبب هذا العرق الغزير...
المذيع: لا تصمت وصف لنا كل شيء..
مروان: هذا الممر يختلف.. هناك قاعة.. قاعة في حجم غرفة نومي مرتين.. أرى في المنتصف تشكيلاً حجريًا غريبًا أقرب لمائدة.... بل هي مائدة فعلاً لأن عليها عظامًا..
المذيع: هل هي بشرية؟
مروان: لحظة.. أعتقد ذلك.. هي عظام صغيرة فلا بد أن تكون طبيبًا لتحكم.. نسيت السقف.. يجب أن أرى السقف.. سأشعل عود ثقاب.. لا.. لا يوجد شيء على ما أعتقد... هناك في هذا الركن صخور ناتئة غريبة.. لا يمكن أن يكون هذا تكوينًا جيولوجيًا بل صنعته يد بشرية.. إنها درجات.. درجات تقود لأعلى...
المذيع: هل تعني؟ جميل. جميل.. ربما لو تسلّقتها لبلغت مكانًا ما..
مروان: لا أدري.. إن هذه الدرجات تقود لفتحة في سقف الكهف.. هناك وراءها ظلام.. لا أرى ضوء النهار... لكن لن أتردد طبعًا... سوف أتسلق!
يتبع