لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > المنتدى العام للقصص والروايات > القصص المكتمله
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله خاص بالقصص المنقوله المكتمله


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-07-12, 05:26 AM   المشاركة رقم: 36
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو راقي

البيانات
التسجيل: Oct 2010
العضوية: 199668
المشاركات: 5,990
الجنس أنثى
معدل التقييم: الجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسي
نقاط التقييم: 3892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الجُودْ ؛ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أم ساجد المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

22

أفقت من نومي على صوت الرنين المتواصل لهاتفي المحمول ..كانت الساعة تناهز الحادية عشر ولم أكن معتاداً على تلقي إتصالات فى هذا الوقت المتأخر .. خاصة من المستشفي ..!
فركت عينىّ بقوة لأنفض عنهما آثار النوم ثم مددت يدى إلى الهاتف وأجبتُ الأتصال فأتانى صوت الطبيب المسؤول عن علاج والد أروى والذى قال مباشرة :
" لقد توفي المريض . "

ولم أكن بحاجة لسؤاله عن شخصية المريض ؛ فقد أتجه عقلى مباشرة إلى والد أروى ..!
قضيت فترة من الزمن صامتاً أحاول استيعاب الأمر .. فيما راح الطبيب يتمتم بعبارات التعزية ..
إنا لله وإنا إليه راجعون ..!

ارتديت ثيابى وتوجهت إلى منزل معاذ لأصطحبه معي إلى المستشفي ..
رُبما لم يصله الخبر بعد ..
لكن ماذا عن أروى ..؟
رُبما لم تبات معه اليوم وعادت إلى منزلها .. إنها لم تفارقه للحظة واحدة منذ دخوله المستشفى ورُبما قررت أن تعود إلى المنزل لتستريح قليلاً دون أن تدرى بأن هذه المرّة ستكون أخر مرة تراه فيها ..!

شعرت بمدى صعوبة نقل الخبر حينما وصلت إلى المنزل ..
لقد ذكر لى معاذ ذات مرّة أن أروى شديدة التعلق بوالدها .. رُبما لن تتحمل هذا الخبر الذى أحمله لها ..!

فتح لى أحد الخدم الباب فسألته مباشرة عن أروى فأخبرني بأنها لازالت بالمستشفى وفهمت منه أن خبر وفاة والدها لم يصلهم بعد ..
توجهت بعد ذلك إلى غرفة الجلوس حيث أخبرني الخادم بأن معاذ وتولان يجلسان بها ..
وبينما كنت أقترب من الغرفة وصلنى صوت تولان وهى تقول بتضرع :
" أخبرها بأننى سافرت وأخذت معى أحمد واشتري لى منزلاً صغيراً ولا تأتي إلىّ سوي كل أسبوع مره .. سأكتفى بهذا فقط لنكون معاً .. أنا وأنت وأبننا .. أرجوك لا ترفض معاذ .. رفضك هذا قد يقتلني .. فلم يعد لدي أمل بالحياة سوي هذا الأمل .. إنه أملى الوحيد فلا تقتله .. "

صُعقت لما سمعت وألجمتنى المفاجأة فتوقفت بمكاني وصرت عاجزاً عن السير ..
تلفتُ حولى بتوتر لأتأكد أن أحداً لم يسمع ما سمعت فلم أجد أحداً على مقربة منى ..
كان كلامها خطيراً للغاية ولم استطع أن أغض سمعي عن جملتها وأتغاضى عنها ..

أقتربت قليلاً من الغرفة وأرهفت السمع .. كنت أريد أن اسمع رد معاذ عليها ..
كان لابد أن أعرف مشاعره نحو أروى ..
رُبما هذا ليس من حقي .. لكني استبحت ذلك ووقفت لاستمع وطالت فترة الصمت بعد ذلك ..
رُبما كان يفكر بعرضها .. ورُبما سيقبل ذلك ..
لم أكن واثقاً من موافقته أو رفضه .. كنت متأرجحاً بين الأثنين .. وصدمني صوتها وهى تقول باكية :
" كنت واثقة أنك ستقبل .. كنت واثقة أنك مازلت تحبنى مثلما أحبك . "



~ ~ ~ ~ ~ ~



" محمود هنا ..؟ هل أنتِ متأكدة ..؟ "

تسألت فى دهشة حينما أقلبت الخادمة لتخبرني بحضوره والتى لم تلبث أن أكدت لى ذلك ..!
سارعت إلى داخل غرفتى وأرتديتُ ملابسي بسرعة وعناية ثم توجهت إلى غرفة المعيشة حيث أخبرتنى الخادمة أنه يجلس بها ..
وما أن دلفت إليها حتى رأيت كلاً من معاذ وتولان وحدهما .. ولا أثر لمحمود في أرجاء الغرفة بأكملها ..!

قلت بدهشة :
" أين ذهب ..؟ "

نظر إلىّ معاذ بحيرة وقال :
" من تقصدين ..؟ "

فقلت :
" محمود .. هل أنصرف ..؟ "

قلب معاذ كفيه بحيرة وقال :
" وهل أتى لينصرف ..؟! "

قلت مؤكدة :
" أجل .. أخبرتنى الخادمة أنه هنا .. "

رأيت الدهشة ترتسم على وجه معاذ وهو يقول :
" غريب هذا الأمر .. كيف يكون هنا ولم أره ..؟ رُبما كانت الخادمة مخطأة .. "

قلت وأنا أتوجه إلى المطبخ :
" سأتأكد بنفسي . "

وتوجهت إلى المطبخ حيث تلك الخادمة وحينما سألتها عن محمود قالت أنها أخبرته بأن معاذ يجلس بغرفة المعيشة وأنه طلب منها أن تنصرف وتوجه أمامها إلى غرفة المعيشة وأكثر من ذلك فهى لا تعرف ..!

تعجبت كثيراً .. ما الذى أتى به فى هذا الوقت ..؟
ولماذا أنصرف فجأة هكذا بدون سبب ..؟


فى تلك اللحظة وبينما أنا فى ذروة حيرتي أقبل معاذ نحوي وقد بدا على وجهه الحزن ثم قال لى :
" أتصلوا بى من المستشفى الأن .. "

وضعت يدى بحركة تلقائية على صدري كمن يستعد لتلقى صدمة ما ..
بينما تابع معاذ :
" البقاء لله .. توفي والد أروى .. "



~ ~ ~ ~ ~ ~



حينما وصلت إلى المستشفى كانت أروى تجلس فى الممر المؤدى إلى غرفة والدها وبجانبها يجلس معاذ ..
كانت ترتدى حجابها القطني الساتر وتجلس فى هدوء فيما كانت العبرات المُختنقة بعينيها تومض وتنذر بالبكاء ..
أقتربت منها بخطوات متباطئة ثقيلة وقد شعرت بقبضة مؤلمة بقلبي لدى رؤيتها على هذا الحال ..
لمحتنى أروى فيما كنت أقترب منها فأسرعت نحوي وهوت على صدرى باكية بحرقة .. كأنما كانت تحبس دموعها بعينيها ولم تلبث أن أطلقتها عنوة على صدري ..!
ربتت على ظهرها وحاولت أن أهدأ من حالها ثم أمسكت بيدها وأتجهت بها إلى أقرب مقعد لتجلس عليه ..
وفيما كنت أجلس بجانبها وقع بصري على محمود والذى كان يراقبنا بنظرات يغلب عليها الاستياء ..
أقتربت منه ومددت يدى إليه مصافحاً فظل يحدق بوجهى دون أن يبدو عازماً على مصافحتي ..
قلت :
" ما الأمر ..؟ "

فإذا بزفرة حانقة تنطلق من أعماق صدره ,..
تسألت مندهشاً :
" ألن تصافحني ..؟ "

أجابني بأن حرك عينيه إلى يدى الممدوة ثم عاد لينظر إلى وجهى بنظرات ثابتة خالية من أى تعبير قبل أن يمد يديه ليصافحني بفتور ..
قلت :
" هل كنت عندي بالمنزل ..؟ "

أجابنى بعد فترة :
" بلى . "

قلت :
" أتيت لتنقل إلىّ خبر وفاة والد أروى ..؟ "

فهز رأسه موافقاً ،، قلت :
" ولماذا أنصرفت أذن ..؟ "

حرك رأسه نحوى وحدق بى طويلاً ثم قال :
" كنت مشغولاً ؛ فلم أشأ أن أعطلك . "

اللعنة .. الأن أدركت كل شئ ..!
قلت :
" سمعت حديثى أنا وتولان . "

قال :
" لم تكلف تولان نفسها عناء خفض صوتها . "

أطلقت زفرة حانقة وقلت :
" الأمر ليس كما فهمت على الأطلاق . "

رفع حاجبيه بما يوحى بعدم تصديقه لي فقلت :
" لقد أسأت تولان فهمى .. لم أكن موافقاً على ....... "

قاطعني قائلاً :
" لست مضطراً لأن تبرر لي موقفك . "

شعرت بالدماء تغلى بعروقي وحاولت أن أتحكم بنبرة صوتي وأنا أقول :
" بالفعل أنا لست مضطراً لأفعل . "

وأضفت :
" ولا يعنينى إن كنت أسأت الفهم أم لا .. لا يعنينى أبداً .. "

قال محمود بإنفعال شديد :
" رُبما لا يعنيك هذا .. لكنه قد يعنى لأروى الكثير .. "

ألجمتنى المفاجأة ، فأخذت بعض الوقت لاستوعب حديثه..
وأخيراً قلت بصوت هادئ إلى حد ما :
" هل تهددنى ..؟ "

زفر محمود بقوة وأتجه بنظراته إلى أروى ثم جذبنى لنبتعد عنها قليلاً ثم قال غاضباً :
" لا يجب عليك أن تفعل هذا بزوجتك .. ألا يكفى ما هى فيه ..؟! "

نظرت إليه بحيرة ورددت عليه بغصب مماثل :
" وماذا ترانى فاعلاً بها ..؟ قلت لك أنك أسأت الفهم .. لماذا لا تصدقنى ..؟ "

قال مُنفعلاً :
" لأننى أصدق أُذنىّ .. لقد سمعت كل شئ بهما .. سمعتك وأنت تتفق مع تولان على الزواج .. "

تلفت حولى لأتأكد أن أروى لا تسمعنا ثم قلت :
" لم أرد عليها ففهمت أننى أوافق على هذا العبث .. إننى أبداً لن أقبل أن أعود إليها .. تولان كانت الماضى الذ أجاهد لأقتلاع جذوره .. "

قال مباشرة :
" وأروى ..؟ "

قلت :
" أروى هى الحاضر والمستقبل .. هى عالمي الذى أحيا له وبه .. لا توجد أى مقارنة بين أروى وتولان .. المقارنة بينهما قد تكون كالمقارنة بين السماء والأرض .. إننى أحبها بالفعل .. أحبها أكثر مما تتصور .. يجب أن تصدقنى محمود .. طالما كنت تفهمنى وتشعر بى .. "

أطرق محمود برأسه لبعض الوقت ثم لم يلبث أن رفعها ونظر إلىّ مباشرة ثم قال :
" وماذا عنها ..؟ "

نظرت إليه بحيرة شديدة وقلت :
" ماذا تقصد ..؟ "

قال مباشرة :
" أقصد مشاعرها نحوك .. هل تحبك هى أيضاً ..؟ "

أشحتُ بنظراتى عنه وبعثرتها على الأرض وعلى أى شئ يجنبنى نظراته المحاصرة ، فوقع بصرى على أروى الغارقة فى الحزن وقلت :
" دعنا نؤجل هذا الحديث ؛ فالوقت كما ترى ليس مناسباً على الاطلاق .. "

وبهذا استطعت الهرب من تلك المناقشة وأتخذت مكانى بجانب أروى فيما راح محمود يحدجنى بنظرات مبهمة أعجز عن فهمها ..!




~~~~~~~


انتهت فترة العزاء واستقر الوضع بمنزل والداىّ أروى وبدأ الجميع يتقبلون فكرة رحيله عن الدنيا ويسلمون بها ..
أروى كانت تقيم لدى والدتها الفترة السابقة وكنت بالطبع أزورها يومياً لأطمئن على حالها .. واليوم حينما حضرت إليها وأدخلتنى والدتها إلى حيث تجلس ..
عادة تقابلنى أروى ببحر من الدموع لكنها اليوم قابلتنى بابتسامة صغيرة .. وكم أراحتنى ابتسامتها ..!
مرّ وقتٍ طويل على تواجد أروى بمنزل والديها واليوم أظن أن الوقت حان لكى أطلب منها العودة .. فأنا لم أعد أحتمل غيابها ببساطة ..
انتهزت أول فرصة سنحت لي وخاطبتها قائلاً :
" ألم يأن وقت العودة إلى منزلكِ بعد ..؟ "

أكتسح وجهها تعبيراً غريب ؛ كأن فكرة العودة إلى منزلنا مستهجنة تماماً .. أو كأننى سأرغمها على ذلك ..!
قلت مبرراً :
" الجميع هنا صاروا أفضل الحمد لله .. "

قالت بعد برهة :
" لكن أمى ......... لن استطيع تركها وحدها .. لا أظنها تجاوزت الأزمة بعد .. "

قلت :
" لكنها صارت بخير يا أروى فعلاً .. "

بدا الاعتراض على وجهها فقلت :
" أروى أرجوكِ لا ترفضى .. أريد أن أطمئن عليكِ وأرتاح قليلاً .. "

قالت بحيرة :
" وهل يقلقك وجودى هنا ..؟ "

قلت مباشرة :
" يقلقنى ألا تكوني معى بنفس المنزل .. "

أطرقت برأسها لبعض الوقت ثم لم تلبث أن رفعت بصرها لتنظر إلى عينيّ مباشرة ثم تقول :
" وماذا عن تولان ..؟ "

تفاجأت من سؤالها ولم أدر بماذا أجيبها ..؟
قالت :
" ألازالت بالمنزل ..؟ "

قلت :
" بلى . "

فقالت :
" أذن لن أعود .. "

استعجبتُ من رفضها الحاسم لفكرة العودة فى وجود تولان وقلت :
" وهل يضايقكِ وجودها لهذا الحد ..؟ "

قالت :
" نعم .. يضايقنى كثيراً .. "


قلت :
" لكنى لن استطيع شيئاً حيال هذا الأمر .. لن أتمكن من طردها .. "

قالت منفعلة :
" لماذا لا تنصرف هى من تلقاء نفسها ..؟ لقد طالت زيارتها أكثر مما ينبغى .. "

قلت :
" أعتبريها غير موجودة أذن .. "

قالت :
" لماذا أنت مصمم على عودتى إلى منزلك ..؟ "

قلبت كفى فى حيرة وقلت :
" لأنه المكان الذى يجب أن تكونى به .. منزلى هو منزلك يا أروى .. "

قالت :
" وتولان ..؟ "

ابتسمت وقلت :
" سنتدبر أمرها .. لا تقلقى .. "



~~~~~~

تتبع

 
 

 

عرض البوم صور الجُودْ ؛   رد مع اقتباس
قديم 18-07-12, 05:29 AM   المشاركة رقم: 37
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو راقي

البيانات
التسجيل: Oct 2010
العضوية: 199668
المشاركات: 5,990
الجنس أنثى
معدل التقييم: الجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسي
نقاط التقييم: 3892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الجُودْ ؛ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أم ساجد المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

23




فكرة العودة إلى المنزل كانت تؤرقنى فى الأونة الأخيرة خاصة لأننى كنت واثقة أن معاذ سيتحدث بشأنها قريباً جداً.. ولم يخب ظني بطبيعة الحال واضطريتُ مُرغمة وكارهة على العودة إلى المنزل.. وودعت عائلتى فى صباح اليوم التالي بفيض غزير من الدموع..
كانت هذه هى أول مرة أبتعد عنهم منذ وفاة أبى.. وكم كان فراقهم مضنياً..!

استقلينا سيارة معاذ ودموعي لازالت تومض بعينىّ وتوشك على النزول فى أى لحظة ,

معاذ كان غارقاً فى الصمت حتى أننى ظننت للحظة أنه لا يشعر بوجودى بجانبه , لكننى لم ألبث أن أزحت هذا جانباً حينما وجدته يتوقف بسيارته ثم يلتفت إلىّ قائلاً :

" ما رأيك بأن نذهب لنتناول فطورنا بإحدى المقاهي..؟ "


رفعت بصرى إليه بشئ من الاستغراب لأقتراحه هذا بينما أنا فى هذه الحالة..!

قال بمرح :

" أعرف مقهى يقدم شطاثر رائعة.. ستعجبكِ كثيراً.. "


ولما رأى ترددى قال بنبرة جادة :

" أريد أن نتحدث قليلاً أروى.. لا أظن أننى سأتمكن من هذا بعد عودتنا.. "


وأضاف :

" رغم أن المنزل كبير غير أنه أحياناً يضيق علينا.. "


قلت بإندفاع :

" رُبما وجود تولان هو سبب هذا.. فهى لا تفتأ تتنقل بين الغرف وكأنها صاحبة المنزل.. "


شعرت بالندم بعد تفوهى بتلك الجملة وأعتقد أن معاذ سيستاء منها غير أننى فوجئتُ به يبتسم ابتسامة واسعة..!

وقال :

" رُبما أنتِ محقة فى هذا الشأن.. لكن لا تقلقي.. لقد آن لها أن ترحل وتتركنا لشأننا.. ولو لزم الأمر فسوف أخبرها بهذا مباشرة.. "


وصمت لبرهة ثم أضاف :

" والأن هل نذهب لتناول الفطور..؟ "


كان المقهى الذى أختاره معاذ يطل على شاطئ البحر وكان يبدو باهظاً كما هو متوقع ,

انتقى معاذ طاولة منعزلة إلى حد ما بجانب إحدى النوافذ الزجاجية الكبيرة وراح يملى طلباته إلى النادل الذى سرعان ما انصرف ملبياً طلباته..

حينئذ ألتفت معاذ نحوى وقال :

" هل أعجبكِ المكان ..؟ "


نظرت إلى ما حولي منبهرة وقلت :

" وهل يمكن ألا يعجبنى ..؟ إنه رائع.. "


ابتسم معاذ بسعادة وقال :

" كذلك الشطائر ستعجبكِ كثيراً.. "


صمت لبرهة واسترخى بمقعده ثم راح ينظر إلى القاعة الكبيرة وأضاف :

" إننى أحب هذا المكان كثيراً.. كلما أتيتُ إلى هنا أشعر بالذكريات تكاد تنبثق من كل ركن فيه.. "


نظرت إليه بعمق.. كان يبدو حالماً وكأن تلك الذكريات التى يتحدث عنها تبعث السرور إلى نفسه..!

تسألت فى نفسي عن ماهية هذه الذكريات.. تُرى هل تكون لذكراه تلك علاقة ب تولان ..؟

انتابنى الضياع لمجرد التفكير بهذا وتدفقت الأسئلة المؤرقة إلى رأسي..

تُرى ألازال حتى الأن يحبها ..؟


أفقت من شرودى حينما انتبهت إلى أن معاذ يحدق بي.. كانت نظراته إلىّ مبهمة كالمعتاد.. أغرقتنى فى مزيد من الحيرة والضياع..

ترى بماذا تفكر الأن يا معاذ ..؟ وما معنى نظراتكَ تلك ..؟ أتحاول أن تضعنى بمقارنة مع تولان ..؟

أرجو ألا تفعل ذلك لأن هذا لن يكون عادلاً بأى حال ؛ فإن كفة تلك الشقراء الجميلة ستكون الراجحة على أى حال ..!

أتانى صوت معاذ لينتشلني من غياهب أفكاري فى تلك اللحظة ..
قال :

" ما لون عينيكِ بالضبط ..؟ "


ارتبكتُ لسؤاله الغير متوقع وبعثرت نظراتي على كل شئ فيما تابع هو :

" حتى نصف ساعة مضت كنت أعتقد أن عينيكِ بنية.. لكنها تبدو لي الأن خضراء قاتمة كلون الأنهار الضحلة فى الغابات الأستوائية.. إنه لون ساحر لم يسبق لى أن رأيت مثله من قبل.."


شعرت بوجنتىّ تتوهجان وعجز لساني عن قول أى شئ.. فإذا به يبتسم ويقول :

" تبدين رائعة الجمال وأنتِ متوردة الوجنتين.. "


وأضاف بنبرة غريبة :

" إننى أحسد نفسي على أنكِ زوجتي.."


رفعت نظراتي إليه فوجدته يحدق من النافذة وقد شرد ببصره وأفكاره بعيداً..!


بعدما انتهينا من تناول الفطور غادرنا المقهى وتوجهنا إلى السيارة فجلس معاذ خلف القيادة ثم ألتفت إلىّ وقال :

" لم يسبق أن قمت بنزهة على ظهر يخت..؟ "


فاجئنى سؤاله فقلت بعد برهة صمت :

" فى الحلم فقط.. "


أطال معاذ النظر إلىّ ثم ابتسم وقال :

" أذن لنحقق لكِ حلمكِ.. "





~ ~ ~ ~ ~ ~

اطلقت أروى شهقة انبهار حينما وقع بصرها على اليخت ثم ألتفتت لتنظر إلىّ قائلة بغير تصديق :

" هذا اليخت ملكك..؟! "


ابتسمت وقلت :

" إنه ملكنا.. هل يعجبكِ ..؟ "


قالت أروى منبهرة :

" إنه رائع.. "


أمسكت بيدها وحثثتها على الدخول إليه وأنا أقول :

" أذن هيا لنقوم بنزهة قصيرة.. أنا وأنتِ فقط.. "


نظرت إلىّ بتعجب وقالت :

" هل بأمكانك قيادته ..؟ "


ابتسمت وقلت مازحاً :

" سأجرب.. أرجو ألا نضيع وسط البحر .. "


كانت الشمس تتوسط السماء ومياة البحر تتلألأ كقطع الماس ، وكان الموج هادئاً يضرب اليخت برفق كأنما يداعبه.. وكانت أروى بحجابها وثيابها المتشحة بالسواد تضاهى كل هذا فى سحره وجماله.. فلم استطع أن أرفع بصرى عنها..

كانت هذه هى أول مرة منذ عدنا من باريس نخرج فى نزهة.. وكانت هذه هى أول مرّة منذ معرفتى بها أراها سعيدة هكذا..

تمنيتُ أن تظل أروى سعيدة هكذا طوال عمرها.. وأقسمت وقتها أن أفعل كل شئ يجعلها سعيدة.. وأن أوفر لها كل ما يبعث السرور إلى نفسها لأعوضها عما لاقته طوال عمرها من الفقر..

أفقت من شرودي على صوت أروى وهى تقول حالمة فيما كانت تتطلع إلى مياه البحر الممتدة عبر الأفق :

" يبدو كل شئ كـ الحلم.. "


نهضت من مكانى واقتربتُ منها عدة خطوات لأقف بجانبها ، ثم قلت :

" حان الوقت لتحقيق الأحلام.. "


وأضفت :

" أى شئ قد يخطر ببالك أخبرينى به وأعتبريه تحقق.. عليكِ بأن تخبرينى بكل ما تشتهيه نفسكِ وسترين أننى سأبذل قصارى جهدي لتحقيقه.. "


ابتسمت أروى ابتسامة حزينة ثم قالت :

" وماذا الذى يمكن أن أتمناه أكثر من هذا..؟ "


وأضافت بتعاسة :

" أحلام أبنة أمين الخزن قد تكون بسيطة أكثر مما تتصور معاذ.. كان كل حلمى قبل أن ألقاك هو أن أكمل تعليمى ولكن الفرصة لم تسنح لي.. "


قلت :

" أذن.. غداً سأقوم بتقديم أوراقك بالجامعة.. "


نظرت أروى إلىّ بعدم تصديق ثم قالت :

" حقاً ستفعل..؟! "


ابتسمت وقلت :

" سأفعل أى شئ تريدينه أروى.. لن أدعكِ تحلمين من الأن فصاعدا.. بل سأعمل على تحقيق كل ما تحلمين به.. "


ألتفتت أروى قليلاً لتنظر إلىّ بعمق كأنما تريد أن تنفذ بنظراتها إلى أعمق أعماقي.. ثم قالت :

" لماذا..؟ "


نظرت إليها مستعجباً ومستفهماً فقالت :

" لماذا تفعل هذا معى..؟ "


قلت :

" وماذا أفعل أنا..؟ "


نظرت إلى البحر بشرود وقالت :

" كرمك.. طيبتك.. حسن معاملتك لي.."


قلت :

" ولماذا أكون عكس ذلك..؟ "


ألتفتت لتنظر إلىّ بحركة سريعة وحادة ثم قالت :

" كنت عكس ذلك تماماً فى أول لقاء لنا.. "


أغلقت عينىّ متألماً فتابعت بحيرة :

" إننى أتسأل أى وجه فى هذين هو الوجه الحقيقى لكَ معاذ..؟ "


عدت أفتح عينىّ فوجدتها تنظر إلى البحر بشرود وحزن..

قلت :

" ألن تنسى هذا اللقاء أبداً..؟ "


فقالت ونظراتها تحلق بعيداً :

" إننى أحاول ولكن... نسيانه أصعب مما تتخيل.. "


قلت :

" أعدكِ بأننى سأفعل كل شئ لكى تتمكنى من نسيانه.. "


هزت أروى رأسها متفهمة وأشاحت بوجهها وراحت تنظر إلى البحر لبرهة من الوقت ثم حركت بصرها إلى قدميها وأخيراً رفعت نظراتها إلىّ وراحت تنظر مباشرة إلى عينىّ كما لو كانت تبحث

فيهما عن شئ ما..


قابلت نظراتها الحائرة بنظرات أشد حيرة.. حاولت بنظراتي أن أنفذ إلى أعماقها واسبر أغوراها.. ولكن.. الأفكار حصن حصين لا يمكن إختراقها بأى وسيلة ممكنة.. أو رُبما كان الحديث هو الوسيلة

الوحيدة..


رغم أننى خشيتُ أن يأتينى ردها مدمراً بالرفض غير أننى لم أملك سوي أن أقول باندفاع :

" أروى.. ما هى مشاعركِ نحوى..؟ "





~ ~ ~ ~ ~ ~

جفلت ، وقفز قلبي من مكانه هلعاً بمجرد أن سمعت سؤاله..


كان سؤاله مفاجئاً ومُربكاً وخشيتُ أن تفضحنى نظراتي فورايتها تحت الأرض وغلفت نفسي بهالة من الصمت.. وماذا عساى أقول..؟ هل أخبره بمشاعرى ليسخر مني..؟

هل أصارحه بحبى له ليسخر من مشاعر أبنة أمين الخزانة المراهقة..؟


لا.. لن أحتمل رؤيته يسخر منى.. لن أحتمل هذا أبداً..


مضى وقت طويل والصمت هو سيد الموقف وأخيراً سمعته يهذى ببضع كلمات ويقول :

" سؤال سخيف.. أليس كذلك..؟ أعتبرينى لم أسأله.."


رفعت نظراتي إليه فهالني ذلك الحزن المنبثق من عينيه.. والأسي المرتسم على ملامحه..!

وبقدر ما هالني بقدر ما أثار دهشتى وحيرتي..


فى الحقيقة إننى لم أشعر فى حياتي كلها بالحيرة بقدر حيرتي تجاهه.. كل شئ منه يصيبنى بالحيرة.. حديثه.. صمته.. نظراته.. وحتى ابتسامته تصيبنى بالحيرة..!


قال :

" أعتقد أنه يتوجب علينا أن نعود.."


وقبل أن أنطق بكلمة كان قد اختفى بداخل الكابينة وتركني فرسية لأفكاري كالمعتاد..


كان يوماً رائعاً فعلاً..


وانتهى..!





~ ~ ~ ~ ~


تتبع

 
 

 

عرض البوم صور الجُودْ ؛   رد مع اقتباس
قديم 18-07-12, 05:32 AM   المشاركة رقم: 38
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو راقي

البيانات
التسجيل: Oct 2010
العضوية: 199668
المشاركات: 5,990
الجنس أنثى
معدل التقييم: الجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسي
نقاط التقييم: 3892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الجُودْ ؛ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أم ساجد المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 





~ 24 ~




شقت السيارة طريق العودة بينما كانت الشمس توشك على المغيب وقد خيم الصمت المهيب علينا فلم يقطعه سوى صوت التلاوة العذبة المنسابة من مذياع السيارة والتى خففت قليلاً من حدة التوتر ..!
حينما وصلنا إلى منزل معاذ أوقف سيارته بداخل الحديقة وألتفت لينظر إلىّ قائلاً :
" سأضع السيارة فى المرآب وألحق بكِ .. "

غادرت السيارة بخطوات متباطئة كأنما أحاول بهذا أن أؤجل لقائى المحتوم بتولان..
تمنيتُ من كل قلبى وأنا أقف عند الباب ألا أقابلها فى طريقى إلى غرفتى ؛ فقد كنت فى أمس الحاجة لأن أرتاح قليلاً وأرتب أفكاري المبعثرة ولكنها كانت أمنية مبتورة كتب لها ألا تتحقق.. وكانت تولان هى أول من صادفت بطريقى..
كانت فى طريقها إلى إحدى الغرف وكانت ترتدي سروالاً قصيراً وقمصياً عارى الأكمام مما أثار غضبي وزادني حنقاً..
توقفت تولان عن السير ورمقتنى بنظرة يغلب عليها الاستياء ثم قائلة بنبرة ساخرة :
" ها قد أتيتِ أخيراً.. كنا ننتظر قدومكِ منذ الصباح.."

رددتُ عليها :
" نعم.. كنا سنحضر فى الصباح ولكن قررنا أن نقوم بنزهة باليخت وأن نستمتع بالهدوء الذى نفتقده هنا.. "

أعتلاها الغضب بشكل واضح وهمت بقول شيئاً ما غير أننى سبقتها قائلة :
" تعلمين أن المنزل يضج بالخدم ومن الصعب أن نحصل على بعض الخصوصية بمنزلنا.."

أحتقن وجهها بالدماء وراحت ترشقنى بنظرات حادة غاضبة وشعرت بأن ثورتها تكاد أن تنفجر بوجهى فى أى لحظة غير أنها لم تلبث أن ابتلعت غضبها دفعة واحدة ورسمت على شفتيها ابتسامة واسعة حينما دلف معاذ إلى المنزل وقالت :
" أذن فقد قضيتم وقت طيب باليخت.. كم يسعدني هذا..! لكن كان يجب أن تخبرونا بهذا لكى لا نقلق عليكما.. أتصلت بكما مراراً وكان هاتفكما مغلقاً.."

رد عليها معاذ بحدة :
" لم نشأ أن يزعجنا أحداً.. كان يوم خاص بي أنا وزوجتي وحدنا.."

قالت تولان بنبرة خافتة :
" شئ جميل.. على أى حال أعتقد أنه من الأفضل أن تصعدا لترتاحوا قليلاً ؛ فبعد عدة ساعات قليلة سيحضر محمود وميار وبعض الأصدقاء ليقومون بتعزية أروى.."

هتف معاذ محنقاً :
" ومن أخبرهم بأن أروى ستعود إلى المنزل اليوم ..؟ "

قالت :
" لقد سألوني عنها فأخبرتهم بهذا و........ "

قاطعها معاذ ثائراً :
" ما كان يجب أن تحددى معهم موعداً دون الرجوع إلىّ تولان.. ألا ترين أننا بحاجة لأن نرتاح اليوم عوضاً عن استقبال الضيوف..؟"

ارتبكت تولان وقالت :
" لكن... أقصد... كنت أظن أنكما ستعودان باكراً.. "

قال معاذ غاضباً :
" ومع هذا كان يجب عليكِ أن ترجعى إلىّ قبل أن تقررى هذا من تلقاء نفسكِ.."

أطرقت تولان برأسها أرضاً وقالت :
" على أى حال فات الوقت على هذا النقاش.. "

رشقها معاذ بنظرة غاضبة ثم أمسك بيدى وقال وهو لازال يحدقها بنظرات غاصبة :
" هيا بنا أروى.."

وبمجرد أن دلفنا إلى الجناح حتى أغلق معاذ الباب وأتجه مباشرة إلى غرفته دون أن يتبادل معى كلمة واحدة.. كان يبدو غاضباً للغاية لذا فقررت اجتنابه وتوجهت بدورى إلى غرفتى وبدأتُ فى الاستعتاد لتلك الزيارة..
كان أخر ما أرغب به فى ذلك اليوم هو أن اضطر لاستقبال أصدقاء معاذ وخاصة فى وجود ميار ، ولكني رغماً عني اضطررتُ لذلك كارهة واستقبلت الجميع بابتسامة زائفة تحمل فى طياتها كثيراً من القلق والتوتر.. وفى أول فرصة سنحت لي تسللت إلى الحديقة الغارقة فى الظلام والسكينة.. بعيداً عن صخب حديثهم وزيفه..!
بالرغم من كل تلك المشاعر المبعثرة بداخلي وبرغم الضيق الذى يجثم على صدري بسبب وجود تولان.. وبرغم حيرتى تجاة تقلبات معاذ المزاجية.. وجدت الهدوء والراحة يتسللان برفق إلى نفسي بينما كنت اسير على العشب النادي واستمتع بعبير البنفسج الذى تزخر به الحديقة..
كم أعشق زهور البنفسج المخملية وكم يأسرني شذاها العطر..!
انحنيتُ لأقتطف بعض الزهور لأصنع منها باقة وأحملها إلى غرفتي ، وما كدت انتهى منها حتى استدرت عازمة الصعود إلى غرفتي لأضعها بإحدى المزهريات غير أننى لم ألبث أن توقفت بمكاني حينما لاحظت أننى لم أكن وحدي بالحديقة ؛ إذ أن تولان كان تقف على مقربة مني.. وذلك الظلام المخيم يحول دون رؤية تقاسيم وجهها واستنباط غرضها من تتبعى ..!

قالت :
" زهور البنفسج من أجمل الزهور.. طالما عشقت رائحتها ولونها.. "

وتقدمت نحوى خطوتين ثم تابعت :
" هل أخبرك معاذ من قبل إننى من طلبت زراعتها بالحديقة..؟ وكما ترين فهى لازالت تحتل أكبر بقعة فى الحديقة.. "

رددت عليها بحدة :
" لكننى أفضل زهور الياسمين ورُبما أعمل على استبدال زهور البنفسج بها.. "

سمعتها تطلق ضحكة قصيرة ثم تمد إحدي يديها لتتلاعب بخصلات شعرها بعصبية ثم تقول :
" حاولي.. رُبما استطعتِ بالفعل استبدالها.. على الأقل ستكون هذه هى بصمتكِ الوحيدة هنا.. ورُبما تكون الأخيرة.."

وليتها ظهرى وقلت :
" أعلم أنكِ تحقدين علىّ لأننى من تزوجت معاذ.. لذلك فلن أرهق نفسي بالرد عليكِ.."

قلت جملتى تلك وابتعدت عنها بضع خطوات ، غير أن الريح أتتنى محملة بصوتها وهى تقول بحدة :
" أذن فأنتِ صدقتِ تلك الكذبة وتظنين أن زواجكِ من معاذ سيستمر طويلاً.."

أثارتنى جملتها ولم استطع تجاهلها فألتفت إليها بحدة وصحت بها :
" بل إننى أوقن بأن زواجى منه سيستمر رغم أنف الجميع.."

فوجئت بها تضحك وكأننى ألقيت على سمعها نكتة طريفة قبل أن تقترب مني بخطوات بطيئة ثم تتوقف أخيراً على مقربة مني وتضع يدها على كتفى قائلة :
" غريب أن تقولى هذا وأنتِ تعلمين أنه تزوجكِ ليضم أبنه إلى حضانته.. "

قلت بحدة وغضب :
" هذا ما يصوره لكِ عقلك.. "

قالت مباشرة :
" أذن أخبرينى ما الذى يدفع رجل ثري مثل معاذ للزواج من أبنة أمين الخزانة المختلس..؟"

شعرت بطعنة قوية بصدري وبحثت عن أى شئ يمكننى أن ألقيه بوجهها فلم أجد إلا باقة الزهور الذى اقتطفتها والتى ألقيتها بوجهها مباشرة فما كان منها سوى أن هزت كتفيها وقالت :
" لن أعاقبكِ على هذا.. على أى حال الزهور ليست شئ مهين لأستاء إذا قذفتُ بها.. لكن مهلاً فلازال فى جعبتى الكثير لأخبركِ به.."

صحت بها :
" لن اسمعكِ.. أتركينى وشأني.."

غير أنها قالت :
" بل لابد أن تعرفي لكى لا تنخدعي أكثر من هذا بمعاذ.."

وليتها ظهرى واتجهت بخطوات واسعة إلى المنزل غير أن صوتها وصلنى رغماً عنى وهى تقول :
" لقد قرر معاذ أن يسحب دعوة حضانة أحمد وأن يرجعني إلى عصمته مجدداً.."

هزتنى جملتها وأجبرتني على التوقف بمكاني كما لو مخزون الطاقة بجسدى قد نفذ بغتة..
تابعت :
" سيشترى لى معاذ منزلاً جديداً يضمنا ثلاثتنا.. أنا ومعاذ وأحمد.. هذا بالطبع سيكون مؤقتاً.. إلى أن يتم إنفصالكما واسترجع مكاني بمنزلي.."

سمعت جملتها بوضوح غير أننى لم استطع فك طلاسمها وكأنها تتحدث بلغة غريبة عنى..
تابعت :
" لو كنت بمكانك لقررت أن أنسحب بكرامتي قبل أن أطرد.. أنصحك بأن تفكري بحديثى وأن تفعلى بنصيحتى.."

سمعت صوت حذائها يدهس العشب والأزهار المنثورة عليه وشعرت بكتفها يصطدم بكتفي بقوة وحقد ثم رأيتها من خلف دموعي المغرورقة بعينىّ وهى تتجه إلى الداخل بخطوات واثقة.. كأنها قد حققت غايتها وحطمت قلبي إلى إشلاء متناثرة..
وانتهى كل شئ..!

~ ~ ~ ~ ~


شعرت بسخافة قدومي مع هؤلاء حينما وصلنا إلى منزل معاذ ورأيت كيف الجميع يتعاملون وكأن شيئاً لم يكن.. وكأننا لم نأتي من أجل المشاركة فى العزاء وليس للأحتفال..
معاذ لم يبذل جهداً لأخفاء ضيقه بتلك الزيارة.. وأروى والتى حاولت أن تساير الجميع كان الحزن ينبثق من عينيها دون أن تقوى على إخفاءه.. واختلطت الأصوات ببعضها ودخان السجائر حتى لم يعد لدي القدرة على التنفس والتركيز.. وكعادتي انسليت منهم وتوجهت إلى الحديقة لاستنشق بعض الهواء النقي..
كان الظلام يشمل كل شئ إلا من ذلك المصباح الصغير بواجهة المنزل والذى بدد العتمة إلى حد ما فاستطعت أن أتبين تلك الخيالات بمنتصف الحديقة والتى لم أدرى ماهييتها سوى بعدما أقتربت منها.. لأفاجئ برؤية أروى برفقة تولان والتى راحت تصوب لها عبارات جارحة وتخبرها بذلك الحوار الذى سمعته مصادفة يوم وفاة والد أروى والذى أنكره معاذ أنذاك..
اختبأت خلف إحدى الاشجار التى تزخر بها الحديقة حينما رأيت تولان تتوجه بخطوات واسعة نحو المنزل ، فيما ظلت أروى واقفة بمكانها يغلفها الظلام ويحجبها عن الرؤية..
أقتربتُ منها قليلاً وتوقفت أمامها فرأيتُ الدموع تومض بعينيها وتوشك على الانهمار..
كانت فى حالة يصعب عليها وصفها.. كانت مصدومة وشاحبة كالموتي.. أو رُبما تلك الاضاءة الخافتة هى التى أوحت لى بهذا..
قالت بصوت مرتعش :
" سمعت ما قالته..؟ "

أطرقت برأسي وقلت : " أجل.."

قالت بتشتت فكر :
" هل كانت تكذب..؟ هل ستعود لمعاذ ثانية..؟ وهل سينفصل عنى لأجلها..؟"

أطرقت برأسي ولم يجد لساني ما ينطق به..
قالت :
" أجيبنى.. هل كنت غبية لهذه الدرجة..؟ لقد أرغمني معاذ على التزوج منه فى الوقت الذى كنت أعتزم الزواج بأخر لكنه أجبرني على الأنفصال عنه لكى نتزوج ويتسنى له ضم أبنه إلى حضانته.. كل حياتنا معاً ليست سوى مجرد مسرحية سخيفة.. تباً له.. لقد دمر حياتي.."

استمعت إلى حديثها مشدوهاً.. لا أكاد أصدق ما اسمع.. وكأنها تتحدث عن رجل أخر غير معاذ..
رُبما تلك الفترة التى قضتها معه بمنزله لم تكن كافية لتعرف معاذ.. أو رُبما تلك السنوات الطويلة التى مرت علينا لم تكن كافية لكى أعرفه..!

أفقت من أفكارى على صوت نحيبها ورأيتها تسقط أمامى على ركبتيها وتدفن وجهها بكلتا راحتيها وتجهش فى البكاء المرير..!
بقدر حبي السابق لصديق طفولتي.. الذى كنت أعتبره أكثر من أخى.. بقدر كرهى له فى تلك اللحظة التى سالت فيها دموع أروى بهذه الطريقة.. أردت أن أفعل أى شئ لتخفيف حزنها فقلت :
" أنهضى أروى.. لا تجعليها تحقق ما تسعى إليه وتغرقكِ فى الحزن والشك.. أنظرى لقد حطمت كل ثقتكِ بمعاذ فى لحظات لكى تدمر حياتكما وتجعلكِ خارج الساحة لتظفر بزوجكِ.. "

رفعت أروى عينيها المختنقتين بالعبرات وتسألت فى شك :
" هل كانت تكذب علىّ ..؟ "

قلت مؤكداً :
" طبعاً.. إن حالة تولان المادية ليست على ما يرام.. أظن أنها خسرت كل أموالها التى جنتها من معاذ ولهذا فإنها تريد العودة إليه بشدة ؛ فهى لا يهمها سوى أموال معاذ.. صديقنى أنا أعرفها جيداً.."

أطرقت أروى برأسها لبعض الوقت وبدت غارقة فى التفكير وليست واثقة من المستقبل.. كأنها فقدت الثقة فى كل شئ حولها..
قلت :
" هيا أروى أنهضى.. لا تدعيها تنتصر عليكِ.. أذهبى إلى الداخل وكأن شيئاً لم يكن.. وكما تحاربكِ بكل أسلحتها حاربيها أنتِ أيضاً وانتصرى عليها.."

نظرت إلى بيأس وضعف ثم قالت :
" لكني لا أملك أسلحة.. ولا شئ لدى أرد به عليها.."

قلت :
" ثقتكِ بنفسك وبزوجكِ أقوى سلاح أروى.. لا تجعلينها تشعر بأنها هزت ثقتكِ بزوجكِ.. هذه الطريقة التى يمكن أن تنتصرى بها عليها.."

بدأت أروى تكفكف دموعها فشجعتها قائلاً :
" عظيم ..! هيا أذهبى لتعدلى من وضع حجابكِ وثيابك.."

ومددت لها يدي لتستند علىّ وتنهض من مكانها فبدا عليها التردد للحظة ثم حسمت أمرها وأمسكت بيدى ونهضت..
وببطئ شديد اتجهت إلى داخل المنزل فيما ظللت واقفاً بمكانى ، فتوقفت بدورها وألتفت لتنظر إلى فى عجب ثم قالت :
" ألن تدخل أنت أيضاً ..؟"

ابتسمت وقلت :
" سألحق بكِ بعد قليل.. "

فما كان منها إلا أن استدارت وخطت خطوة نحو المنزل ثم خطوة أخرى ولم تلبث أن توقفت قبل أن تخطو الثالثة وألتفت لتنظر إلىّ..
نظرت إليها مستعجباً ومستفهماً فرأيت ابتسامة صغيرة على زواية فمها ثم قالت :
" شكراً لك.. "

وقبل أن أجيبها كان قد استدارت واختفت بداخل المنزل ..!


~ ~ ~ ~ ~




بينما كنت أدلف إلى داخل المنزل كانت سالى تهم بمغادرته متجهة إلى الحديقة وما أن رأتنى حتى بادرتنى قائلة :
" هل كنتِ فى الحديقة..؟ "

ارتبكت وألقيت نظرة على ثيابى المسخة ثم قلت :
" أجل.. لقد كنت....... "

غير أنها قاطعتنى قائلة :
" هل رأيتى محمود أذن..؟ لقد بحثتُ عنه بجميع أرجاء المنزل.. أخشى أن يكون قد أختفى كالمرة السابقة.. "

ثم اضافت قبل أن أعلق على حديثها :
" سأذهب لأبحث عنه فى الحديقة.."

حمدت الله فى سرى أنها لم تلاحظ ذلك الاضطراب بصوتي وعينىّ المحمرتين من البكاء..!
تسللت بعد ذلك إلى غرفتى بدون أن يشعر بي أحد وعدلت من وضع حجابى ومظهرى..
كنت أريد ألا أجعل تولان تشعر بأن كلامها قد أثر بي.. وقد فعلت..!
حينما عدت إلى غرفة الجلوس وبحثت بنظراتي عنها لم أجدها فأتخذت مكاني بجانب معاذ الذى منحنى ابتسامة صغيرة وقال :
" أين كنتِ ..؟ بحثتُ عنكِ طويلاً.."

قلت :
" شعرت ببعض الصداع فصعدت إلى غرفتى لأرتاح قليلاً.."

دقق معاذ النظر إلىّ ومد يده لتربت على يدى ثم قال بقلق شغوف :
" وهل صرت أفضل الأن..؟ أم تودين استشارة طبيب..؟ "

فى تلك اللحظة دلفت تولان إلى الغرفة واكتسح وجهها ضيق شديد حينما رأت يد معاذ الممسكة بيدي..
أشحت بوجهى عنها وعدت لأنظر إلى معاذ قائلة :
" طبعاً لا.. لست مريضة جداً.. أظننى أفضل كثيراً الأن.."

أطلق تنهيدة ارتياح قصيرة وشعرت بيده تنسحب من يدى.. فأمسكت بيده بحركة تلقائية لأمنعه عن سحبها لكى لا تتخيل تولان أنه سحب يدى من يدها مراعاة لشعورها..
تسللت بنظراتي إلى تولان فوجدت وجهها محمراً واوداجها منتفخة وتكاد تنفجر من فرط غضبها..
تولان ذات بشرة فاتحة وردية.. وحينما تغضب فإن وجهها يتحول إلى اللون الأحمر القاني.. كم هذا مضحك..!
ألتفت بعد ذلك إلى معاذ فوجدته ينظر إلىّ باسماً وسعيداً..!
شعرت بالخجل والتوهج معاً فهممت بسحب يدى غير أنه أطبق عليها بيده الأخرى وحال دون ذلك..!

بعد فترة قصيرة عاد محمود وبرفقته سالي وانضما إلينا فأقترح محمود المغادرة ووافقه الجميع..
واكتسح وجه سالي ضيق شديد ..!

~ ~ ~ ~ ~


 
 

 

عرض البوم صور الجُودْ ؛   رد مع اقتباس
قديم 18-07-12, 05:34 AM   المشاركة رقم: 39
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو راقي

البيانات
التسجيل: Oct 2010
العضوية: 199668
المشاركات: 5,990
الجنس أنثى
معدل التقييم: الجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسي
نقاط التقييم: 3892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الجُودْ ؛ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أم ساجد المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 








25




وقفنا جميعاً نودع ضيوفنا فى الباحة الأمامية للمنزل.. وجميعاً هذه أعنى بها أنا وأروى وسالي فقط ؛ فتولان كانت مختفية بمكان ما.. ولا أعلم ماذا تفعل وحدها بالضبط ..؟ وكذلك لست مهتماً بأن أعرف..!
بعدما انصرف الجميع قالت سالى وهى تدلف إلى داخل المنزل :
" أشعر بالنعاس.. سأذهب إلى غرفتي لأنام على الفور.."

كانت الساعة تناهز الحادية عشر فقلت بدورى :
" ونحن كذلك سنذهب للنوم.."

وبينما كنا متوجهين إلى السلم خرجت تولان من غرفة الجلوس تترنح قائلة :
" إلى أين ستذهبون..؟ "

أجابتها سالى وهى تتثائب :
" سنذهب للنوم.. تصبحين على خير.."

قالت تولان مستنكرة :
" فى هذا الوقت المبكر.. إن الساعة لم تتجاوز الحادية عشر.. سهرتنا ستبدأ الأن.."

لم أتمالك نفسي وصحت بها :
" أى سهرة تلك التى تتحدثين عنها..؟ ألا تلاحظين أن أروى حزينة لوفاة والدها..؟"

ألتفتت تولان لتنظر إلى أروى ورمقتها بنظرة ضيق ثم قالت :
" فلتصعد هى إلى غرفتها إن شاءت ونكمل نحن سهرتنا.."

فقدت السيطرة على نفسي تماماً وتركت يد أروى ثم توجهت إليها صارخاً :
" اسمعى تولان.. إذا كان يجب عليكِ أن تبقى بهذا المنزل فيجب عليك أن تحترمي صاحبته وأن تراعي مشاعرها قبل أى شـئ و............."

بترت جملتى فجأة حينما أقتربت من تولان وشممت رائحة الخمر التى تفوح منها..
شعرت بنيران الغضب تضرم بصدري ومددت يدى لأقبض على زراعها وأعصره بين يدي بقوة وأنا أصيح بها :
" اللعنة عليكِ.. كيف تجرؤين على إدخال الخمر إلى منزلي..؟ أخبرتك مراراً أننا لا نتحمل عاداتك القبيحة تلك.. "

همت تولان بقول شيئاً ما غير أنها راحت تسهل بقوة فلم تستطع الكلام..
صرخت بها غاضباً :
" لقد صرتِ فعلاً لا تطاقين.. ولست مضطراً لأن أحتملكِ أكثر من هذا.. فلتعودي من حيث جئتِ أو تذهبين إلى الجحيم نفسه.. المهم أن تتركى منزلي هذا وأن تغربي عن وجهى.."

تقدمت سالى منى عدة خطوات تناشدنى أن أتركها قائلة :
" أتركها الأن.. إنها ليست بوعيها وأخشى أن يستيقظ أحمد على صوتكما ليراها بهذا الشكل.."

أفلتت زراعها من قبضتى فراحت تترنح فى وقفتها فتقدمت سالي لتدعمها وتمسك بها قبل أن تسقط..
قلت موجهاً حديثي لتولان :
" حسناً.. لنا حديث طويل غداً.."

ثم نظرت إلى سالى قائلاً :
" ساعديها فى الذهاب إلى غرفتها.."

توجهت بعد ذلك إلى الجناح فتبعتنى أروى إلى الداخل صامتة..
ألقيتُ بنفسي على أقرب مقعد ورحت ألهث بقوة وأجاهد لألتقاط أنفاسي فيما راحت عينىّ ترقبان أروى التى كانت منشغلة فى إغلاق باب الجناح ثم راحت تتقدم منى بخطوات بطيئة مترددة إلى أن توقفت أمامى..
كانت تشبك يديها بتوتر وتنظر إلىّ مترددة ووجلة..!
مددت يدى وأمسكت بإحدى يديها فما كان منها إلا أن جثت على ركبتيها بجانبى ورفعت رأسها لتنظر إلىّ قائلة :
" هل أنت غاضب منى..؟ "

تعجبت وقلت :
" ولماذا أغضب منكِ..؟ "

قالت بتردد :
" لأننى صرت حملاً عليك ولأن وجودى هو السبب في.......... "

قاطعتها قبل أن تكمل جملتها :
" أنتِ لست حملاً علىّ قط.. تولان هى التى تثقل كاهلي.. لقد صارت غير محتملة على الأطلاق.."

أطرقت برأسي أرضاً لبعض الوقت ثم تابعت :
" لابد أن أضع حداً لوجودها هنا.. لقد طالت زيارتها أكثر مما ينبغى.."

اكفهر وجه أروى وحدقت بى بنظرة مبهمة ثم قالت :
" هل حقاً تريدها أن ترحل ..؟"

تعجبت من سؤالها ودققت النظر إليها محاولاً استباط ما وراء سؤالها فحلقت بنظراتها بعيداً..
ترى هل تراني أروى أكاد أطير من فرط سعادتى لوجود تولان بمنزلي..؟ ألم تلاحظ قط مدى ضيقى بوجودها..؟
قالت أروى لما استبطأت ردي :
" لماذا لا تجيب..؟"

قلت :
" لأن سؤالكِ غريب فعلاً.."

قالت بضيق :
" إذا كنت لا تريد الأجابة فأعتبرنى لم أسألك.."

قلت مستعجباً :
" ولماذا لن أريد الأجابة..؟ ظننت فقط أنكِ تعرفين.... "

أطلقت تنهيدة قصيرة ثم قالت :
" أنا لا أعرف أى شئ.. ولست واثقة من أى شئ.."

قلت :
" أذن.. هل ستصدقينني إذا أخبرتكِ ..؟"

بعثرت نظراتها هنا وهناك كأنما تبحث عن شئ ما ، ثم قالت :
" أجل.. "

قلت :
" إننى لا أكاد أطيق وجودها بمنزلي.. "

قفزت نظرات أروى لتقع على وجهى مباشرة ، مستنكرة وغير مصدقة فى آنٍ واحد كأنما كانت تنتظر جواباً أخر غير هذا..!
تابعت :
" بل إننى انتظر يوم رحيلها بفارغ الصبر.. وأتمنى أن ترحل اليوم قبل غداً.."

أطرقت أروى برأسها بعد ذلك ولاذت بالصمت لبعض الوقت..
قلت :
" هل تصدقيننى ..؟"

فلم يأتِنى رداً على سؤالي..
قلت :
" أقسم لكِ أن هذه هى الحقيقة.. إننى فعلاً لا أريدها بمنزلي.. إنها ذات طباع سيئة وعادات أسوأ.. لقد أخطأت خطأ كبيراً بزواجى منها.. وللأسف فهو خطأ غير قابل للإصلاح ؛ فنحن يربطنا طفل صغير.. وسيظل يربطنا طوال العمر.."

أعتقد أن ردى هذا لم يعجب أروى ؛ فقد بدا عليها الاستياء الشديد بعدما انتهيتُ من جملتى ، وإذا بها تنهض فجأة من مكانها وتقول بثورة عارمة :
" إذن ما رأيك بأن تعيدها إلى عصمتك مجدداً طالما أنك لن تستطيع التخلص منها بجميع الأحوال.. على الأقل لكى يتسنى لكما تربية أبنكما معاً.. "

تفاجأت من كلامها وحدقت بها مندهشاً وغير مصدقاً.. ولم يجد لساني ما ينطق به على أى حال..!

قالت أروى فجأة :
" سأذهب للنوم.. تصبح على خير.."

وقبل أن أعترض على ذهابها أو حتى أجيب تحيتها كانت قد دلفت إلى غرفتها واغلقت بابها.. بل وأصدته أيضاً.. وهو أمراً زادني غضباً فوق غضبي..!
أعدتُ التفكير فى جملتى مراراً وقلبتها فى عقلي من جميع الجهات لأعرف ما الذى سبب لها الضيق هكذا غير أننى لم أتوصل لحل على الأطلاق..؟!


~ ~ ~ ~ ~ ~


مجرد أن يقرن معاذ اسمه بتلك الشقراء يسبب لى ضيق شديد.. فما بالكم به وهو يقول لى أن ثمة طفل يربطهما معاً إلى الأبد..؟
بعيداً عن ماهية تلك الرابطة.. فإن أى أشارة لأن هناك رابط ما بينهما يكاد يرسلني إلى الجنون..
أعتقد أننى بالغت كثيراً فى استيائى.. وأننى تسرعت كثيراً فيما قلته لمعاذ لكننى لم استطع السيطرة على إنفعالاتي بطبيعة الحال..!

حاولت النوم تلك الليلة لكننى كالمعتاد ظللت أتقلب فى فراشي طويلاً دون أن يطرق النعاس بابي واستسلم له..
كانت أفكارى مشوشة وعاصفة.. وكنت مكبلة اليدين أمامها فراحت تتلاعب بي وتتقاذفني طوال الليل.. حتى الساعات القليلة التى قضيتها فى النوم كانت أحلامى تمتزج بأفكاري.. وكانت كلها تدور حول تولان..
تباً لها.. لقد أقتحمت المنزل وأقحمت أنفها في كل كبيرة وصغيرة فيه كأنها هى صاحبته.. حتى إنه وصلت بها الجرأة لأن تقتحم أحلامى أيضاً..!
استيقظت باكراً جداً فى اليوم التالي ورغم هذا فقد وجدت أن معاذ قد سبقنى فى الاستيقاظ وهبط إلى الأسفل..
مررت فى طريقى بغرفة الجلوس فوجدتها خالية إلا من إحدى الخادمات والتى كانت منهمكة فى تنظيفها..
سألتها عن معاذ فأخبرتنى بأنه بغرفة المكتب.. شئ طبيعى أن يكون بغرفة المكتب لكن الغير طبيعى أن تكون تولان معه أيضاً وهذا ما أخبرتنى به الخادمة.. وهذا أيضاً ما جعلنى أسارع بالذهاب إليهم..
كان الباب مغلق حينما وصلت إلى المكتب فجن جنوني وسارعت بإقتحام الغرفة دون إستئذان وما كدت أفعل حتى أدركنى الندم ؛ فقد كان معاذ وحيداً بالغرفة يطالع إحدى الكتب ولا أثر لتولان بالغرفة على الأطلاق ..!
قال معاذ باسماً :
" صباح الخير.."

شعرت بالخجل من نفسي وتوهجت وجنتىّ خجلاً ثم أجبتُ تحيته بصوت خافت وقلت :
" أخبرتنى الخادمة أنك هنا وأن.......... "

أزدردت ريقى ثم تابعت :
" وأن تولان برفقتك.."

أغلق معاذ الكتاب الذى كان يطالعه ثم قال :
" أجل.. كانت هنا وأنصرفت لتوها.. "

ونهض من مكانه وأقترب منى بضع خطوات ثم قال :
" إنها بغرفتها تضب أغراضها.."

تفاجأت وابتهجت فى آن واحد وصحت فرحة :
" حقاً..؟ هل ستعود بلدها..؟"

صمت لبرهة ثم قال :
" أجل.. سنتخلص منها أخيراً.. "

وأضاف :
" أتفقنا أن تأخذ معها أحمد وسنستمر فى القضية ونرى ماذا يمكن أن يحدث..؟"

تعجبت كثيراً وقلت :
" هل ستتركها تأخذه ثانية ..؟ "

قال :
" مؤقتاً.. إلى أن يحكم القاضي لى.. المهم أنها ستذهب الأن.. هذا ما يهمني.."

بعد فترة من الزمن أقبلت تولان وبرفقتها الصغير وقالت لمعاذ :
" لقد صرنا جاهزين.. هل ستطلب من السائق أن يقوم بتوصلينا أم..... ؟"

قاطعها معاذ قائلاً :
" سأقوم بتوصيلكما فى طريقى إلى الشركة.."


~ ~ ~ ~ ~


أخيراً تخلصت من الشقراء وصار المنزل خالياً.. ياله من خبر رائع استهل به صباحى..!
أردت أن أذهب لأخبر سالى بهذا الخبر العظيم لكنها كانت لاتزال نائمة ، فقررت أن أجلس لأشاهد فيلماً حتى تستيقظ من نومها.. ولم تكد تمر نصف ساعة حتى وجدت سالى تدلف إلى الغرفة قائلة :
" هل ما سمعته صحيح..؟ هل قررت تولان العودة إلى بلدها حقاً..؟ لقد كدت أفقد الأمل فى هذا.."

ابتسمت وقلت مازحة :
" أطمئنى.. إنه خبر صحيح بدرجة مائة فى المائة.. لقد تخصلنا منها أخيراً وذهب معاذ ليوصلها ويطمئن على ذهابها وأنها لن تعود ثانية.."

أعدت تشغيل الفيلم فيما راحت سالي تتصفح إحدى مجالات الأزياء التى كانت تولان تتابعها بشغف حتى أصابها الضجر فألقت بها جانباً وقالت :
" ما رأيك بالذهاب إلى النادي..؟ اليوم ستقام مباراة لكرة القدم بالنادي.. "

وصمتت لبرهة ثم تابعت بتردد :
" وبالتأكيد فإن محمود سيحضر المباراة حتى لو كان لديه أعمالاً مهمة.. "

وابتسمت ثم تابعت :
" إنه شغوف بكرة القدم.. لا يستطيع أن يفوت إحدى المباريات بالنادي.. إننى أتعجب لماذا لم يفكر باللعب طالما هو يحبها هكذا..؟ إنه أحياناً يثير جنوني وليس حيرتى فحسب..!"

قلت :
" رُبما يفضل المشاهدة عن بعد أكثر من اللعب.."

قالت بشرود :
" رُبما.."

ثم اسندت رأسها إلى يديها ومرفقيها إلى قدميها وتابعت :
" على أى حال ليس سهلاً أبداً أن تعرفي ما يدور برأس محمود.. إنه يمتلك من الغموض ما يكفى لبلدة كاملة لو وزع عليها.. فهو لا يكاد يتحدث عن نفسه إلا نادراً.. بل إنه لا يتحدث عن نفسه إطلاقاً.."

تذكرت لقائنا الأول بذلك المقهى بباريس وتعجبت كثيراً حينما تذكرت حديثه معي وكيف أنه أخبرني يومها بأشياء كثيرة عن نفسه رغم أنه لم يكن يعرفنى بعد..
رُبما كان ما جعله يخبرنى بتلك الأشياء هو إعتقاده بأننا لن نلتقى ثانية.. هكذا يكون لقاء الغرباء.. فكلاهما على يقين بأنهما لن يلتقيا ثانية ولذلك فإن كلاهما إذا تحدث فالأمر يكون أشبه بمن يلقى بأسراره إلى البحر ليبتلعها بجوفه ولا يلفظها إلى الأبد..!

تابعت سالى بشرود :
" أحياناً أتمني لو يولينى بعض الأهتمام ويتحدث إلىّ قليلاً.. لكنه لا يكاد يشعر بوجودى.. إننى مجرد خيال بالنسبة له رغم إننا أصدقاء منذ الطفولة.. لقد تربينا معاً تقريباً ومع هذا فهو غامض معى أيضاً.."

قلت :
" أغلبية الأطباء النفسيين يفضلون الاستماع إلى الناس وهم يتحدثون عن أنفسهم وليس العكس.."

قالت :
" يقولون أن أغلبية الأطباء النفسيين هم أنفسهم مرضى نفسيين.. وأظننى أميل لهذا الإعتقاد رغم ثقتى بأنه خاطئ تماماً.."

ابتسمت وقلت :
" جملة متناقضة تماماً.."

أطلقت تنهيدة قصيرة ثم قالت :
" ألم أقل لكِ أنه أحياناً يثير جنوني..؟!"

أطرقت برأسها أرضاً وراحت تحدق فى اللاشئ لبرهة من الوقت..
هممت بالأنسحاب إلى غرفتى غير أنها رفعت رأسها ونظرت إلىّ بتردد ثم قالت :
" أريد أن أخبركِ بشئ ما........ لكننى مترددة إلى حد ما.. ليس لعدم ثقتى بكِ.. ولكني أحياناً أشعر بأن هذا الأمر مستحيل تماماً.."

كنت أعرف تقريباً عن أى شئ تريد التحدث ؛ فقررت أن أبادر أنا لكى أشجعها على الحديث فقلت :
" تقصدين مشاعركِ نحو محمود.."

سقطت أنظارها فجأة على الأرض وتوردت وجنتاها خجلاً ثم قالت :
" هل كنتِ تعرفين..؟"

أومأتُ برأسى قائلة :
" كل شئ بكِ يتغير بمجرد حضوره.. نظراتكِ.. ابتسامتكِ.. حديثك.. وحتى صمتكِ.. تبدين مضطربة فى وجودة.. ومنبهرة به كثيراً.."

قالت وهى لازالت مطرقة برأسها :
" هذا بالضبط ما أشعر به.. إنه ذو شخصية قوية وعقلية رائعة تبهرني كثيراً.. وتربكني أكثر.. "

وصمتت لبرهة ثم أضافت بأسي :
" لكنه لا يشعر بى على أى حال.. ولا أظن أن قلبه هذا قد خفق لفتاة قط.. أو سيخفق يوماً ما.. إنه حب بائس أتمني التخلص منه سريعاً.."

قلت :
" أذن لا تستسلمى وقاومى مشاعركِ نحوه بكل قواكِ.. "

أطلقت تنهيدة قصيرة ثم قالت :
" ليتنى استطيع.."

قلت مُشجعة :
" ستستطيعين.. فقط أبدأى من الأن ولا تلتقى به ولو مصادفة.. هذه هى أول خطوة وستكون أصعب خطوة كذلك.. وبمرور الوقت ستكتشفين أن مشاعركِ نحوه خبت وماتت.."

بدا عليها التفكير العميق فلم أشأ أن أقطع تفكيرها وتسللت عائدة إلى غرفتى وكلى ثقة بأنها لم تشعر بغيابي..!




~ ~ ~ ~ ~

تتبـــــع





 
 

 

عرض البوم صور الجُودْ ؛   رد مع اقتباس
قديم 19-07-12, 05:59 AM   المشاركة رقم: 40
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو راقي

البيانات
التسجيل: Oct 2010
العضوية: 199668
المشاركات: 5,990
الجنس أنثى
معدل التقييم: الجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسي
نقاط التقييم: 3892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الجُودْ ؛ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أم ساجد المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 







26



لم أكن بحاجة لأن تخبرني سالى عن مشاعرها نحو محمود ؛ فقد كانت مشاعرها تكاد تنبثق من عينيها ، وتمتزج بكل لمحة من ملامحها ..؛
فالمرأة - أى مرأة - مستحيل أن تنجح فى إخفاء مشاهرها تجاه من تحب ، وإن فعلت فبمجرد أن تلتقي بمن تحب تنخلع عنها قوتها دفعة واحدة ولا يعد هناك مجال سوى للضعف الأنثوي المعروف ..!

رغم أن ما قلته لها كان قاسياً بعض الشئ غير أننى كنت بداخلي أشعر بعطف شديد عليها وعلى حالها التعس..؛ فأنا أعرف صعوبة أن تكون مشاعرك كلها تتجه إلى شخصاً لا يبادلك مشاعرك.. وكيف لا أعرف ذلك وأنا غارقة به حتى أُذنيّ..؟
ليتنى استطيع تطبيق نصيحتى لسالى والابتعاد عن معاذ بدوري.. ليتنى أتمكن من إنتزاع حبه من قلبى ومن كل خلية حية بجسدي.. ليتنى أنساه..!

تركت سالي فى زوبعة أفكارها وتناقضات مشاعرها وانسليت عائدة إلى غرفتى ثم استلقيت على الفراش وحدقت بالسقف فهاجمتنى الأفكار ببراثنها وراحت تلقينى وتلقفنى دون أن أملك شيئاً حيالها..!
فى الأونة الأخيرة عرفت معاذ أخر غير ذلك الذى طردني من منزله وأرغمني على الزواج منه..؛ فهذا الذى أراه الأن هو شخص يختلف عنه تماماً.. أو رُبما هو لم يختلف وأنا التى أختلفت كثيراً عن ذى قبل..؛ فتلك العينين لم تعد تبصره ذلك القاسي المتعجرف.. بل لقد صرت أراه متواضعاً وطيب القلب إلى درجة كبيرة..!
لكن.. تُرى كيف يبصرني هو..؟ ألازال يجد بي الوسيلة التى ستجعل أبنه يربي تحت كنفه..؟
ألازال عازماً على التخلى عنى بمجرد أن يضمن وجود أبنه معه..؟
أم أن لمشاعري له صدى بقلبه..؟
نهضت من فراشي بغتة ودفنت وجهى بين كفي بحنق..؛
أى هراء هذا الذى أفكر به الأن..؟ بالطبع نظرته لى لم ولن تتغير.. كم أنا ساذجة لأتصور أنه يمكن أن يكون يبادلني مشاعري..! كم أنا غبية..!
لقد كان يحب الجميلة التركية التى تملك كل شئ ينقصنى فكيف له أن يحبنى أنا..؟ كيف له أن يحب فتاة فقيرة لا تمتلك أى شئ على الأطلاق..؟
يبدو أن تواجدى فى هذا المنزل وإرتدائى لهذه الثياب اللعينة جعلنى أنسى من أكون..؟ إننى لست سوى أبنة أمين الخزانة.. ذلك الرجل الفقير الذى لا يملك سوى قوت يومه.. وهو صاحب هذا القصر العظيم ورجل من عائلة راقية لا تحلم بمصافحته أجمل الفتيات وأكثرها ثراءاً..!

غادرت غرفتى بحثاً عن سالي.. وهرباً من غياهب أفكاري التى تكاد ترسلني إلى الجنون ، ومن ذلك الجرح الغائر بقلبي والذى لا شفاء له على ما يبدو..!
رباه ما الذى أتى بى إلى هذا القصر..؟ ليت قدميّ شلتا قبل أن أخطو أول خطوة بهذا المنزل..! ليتنى لم أقبل بعرض معاذ ذلك اليوم..! ليت معاذ يتركني أمضى إلى حال سبيلي ويكمل هو حياته كما يشاء..! بل ليت القضية اللعينة تنتهى حتى يتسني لى الأنفصال عنه..!
أدركني خوف شديد بمجرد تفكيرى بالأنفصال عنه.. ترى هل سأستطيع أن ابتعد عنه..؟ وهل سأنساه..؟
سحقاً.. كيف استطاع أن يتغلغل حبه بقلبى إلى هذه الدرجة..؟
أشعر أننى بدونه سأكون كالسمكة التى أخرجت من المياة وباتت عاجزة عن التنفس..!

أفقت من أفكاري حينما وصلت إلى غرفة الجلوس ورأيت سالي جالسه بها وتتحدث بالهاتف.. ومن تورد وجنتاها أيقنت أنها تحادث محمود.. وأنها مثلي تصارع قلبها بلا أمل فى أن تتلقى طوق النجاة..!

قالت بعدما انتهت من المكالمة :
" هو من أتصل بي.. أنا لم أحادثه..! "

كانت خجلة ومضطربة ، فصمتت لبرهة ثم تابعت بتردد :
" إنه يؤكد علىّ الحضور إلى المباراة.. "

ومطت شفتيها ثم بعثرت نظراتها على الأرض وأتمت جملتها :
" لم استطع الرفض بطبيعة الحال.. كان مُصرّاً على أن أحضر.. لقد تحججت بأنكِ ستكونين وحدكِ بالمنزل فقال لي دعيها تأتي معكِ.."

قلت باندفاع :
" لِم لا..؟ إننى بحاجة لاستنشاق هواء نقي.."

ذهبت سالي لتحضر السيارة من المرآب فيما وقفت بانتظارها بالحديقة.. كانت أشعة الشمس دافئة ورائحة الزهور والعشب النادي تعبق المكان غير أننى شعرت بها تخنق أنفاسي أكثر وأكثر.. وكلما تذكرت ذلك اليوم المشؤوم ووجه تلك الشقراء الذى كان يختفي تحت الظلام كلما شعرت بخنجر حاد ومسنون ينغرس بقلبي يؤلمني..

بينما كنت غارقة بأفكاري إذا بسيارة معاذ تتوقف أمام المنزل وإذا به يغادرها متجهاً نحوى بخطوات واسعة..
قال وهو ينقل بصره إلى حقيبتى :
" كنتِ على وشك المغادرة..؟"

حاولت أن أجيبه ولكن صوتي أختنق بحلقى من المفاجأة ومن فرط إرتباكي ، فأكتفيت بالإيماء برأسي وحرت فى تفسير نظراته.. أهى نظرة غضب أم أننى توهمت ذلك..؟
قال :
" إلى أين تنوين الذهاب..؟ "

قلت :
" إلى النادي.. سأذهب برفقة سالي.."

قال بنبرة غريبة :
" عظيم.. أتمني لكِ يوماً سعيداً.. "

واستدار وخطا خطوتين ثم توقف قبل أن يخطو الثالثة واستدار عائداً إلىّ..
دققت النظر إليه فى انتظار ما سيقوله ، غير أن سالي تقدمت منا بسيارتها ولوحت لنا فأتجهت نظراته إليها وقال :
" حسناً.. إنها فى انتظاركِ.."

وليته ظهرى واتجهت نحوها بضع خطوات فاستوقفنى نداءه ، وحينما استدرت لأنظر إليه قال :
" انتبهوا لأنفسكم جيداً.."

وكالمعتاد تعثر صوتي بحلقى ولم أملك سوى الإيماء برأسي..

~ ~ ~ ~ ~


دلفت إلى الساحة لمتابعة المباراة بعدما وقفت طويلاً فى انتظار حضور سالي وأروى ويأست من حضورهما..
كانت المباراة فى بدايتها فرحت أتابعها بشغف كعادتي ، ومن حين لأخر ألتفت لأنظر حولي وأترقب حضورهما.. وأخيراً حضرا ودلفا إلى الساحة وسرعان ما أنضما إلىّ ورحنا نتابع المباراة سوياً ،،
بعدما انتهت المباراة سرناً قليلاً بالنادي بلا هدف واستقرينا على طاولة صغيرة بالمقهى ؛
وبينما كانت سالي تهم بالجلوس إذا بميار تقبل نحوها وتغرقان فى حديث طويل انتهى بأن انضمت سالي إلى طاولة تضم أصدقاءها.. فيما بقيت وحدي أنا وأروى.. وكالمعتاد كان الصمت هو سيد الموقف..
لست أدرى لِم بدت لي أروى مختلفة تماماً عن أخر لقاء لنا..؟!
أتذكر أنها ذلك اليوم بعدما قالته تولان لها وبعد حديثي معها ، بدأت تستعيد ثقتها بنفسها وبمعاذ وتحارب تولان بكل قواها..؟!
لكن تلك الفتاة الجالسة أمامي الأن والتى يطغو الشحوب على وجهها والحزن على قسماتها تختلف بدرجة مائة بالمائة عن تلك الأخري..
لم يبد لي أن أروى تشعر حتى بوجودي بجانبها ؛ وكأننى مجرد طيف أو ظل لأحد الأشخاص.. فقد حلقت بنظراتها بعيداً جداً ، إلى تلك الطيور التى تعانق السماء.. وإلى السحب الهشة المتقطعة والسماء الزرقاء..!
قررت أن أبادر بالتحدث إليها وأن ألتقطها من السماء فقلت :
" لازالت تولان تثير غضبك..؟ "

وكأنما صوتي قد جعلها تسقط من السماء إلى الأرض بدون مظلة تقيها السقوط من ذلك الأرتفاع الشاهق..
ألقت علىّ نظرة كحد السكين ، وكأنني لمست وتراً حساساً بداخلها ، ثم لم تلبث أن حادت عنها إلى الأرضية الرخامية اللامعة.. بل أسفلها..!
قالت أخيراً :
" لقد ذهبت تولان.. عادت إلى بلدها.."

لم تكن دهشتى بسبب ما خبرتنى به للتو بقدر ما كانت بسبب ذلك الحزن الذى يعتريها ، والذى برأيى لم يعد له سبباً.. لقد ذهبت تولان.. ومن المفترض أن يذهب معها ما يؤرق أروى..!
قلت :
" أذن فقد عادت تولان.."

أومأت برأسها ونظراتها لا تزال مبعثرة فى الأرجاء.. وكأنما تبحث عمن ينتشلها من بحر الضياع الذى فقدت بأعماقه ،،
قلت :
" عظيم..! أظن أنكِ سعيدة بهذا.. "

فابتسمت.. وكانت ابتسامتها أبعد ما يكون عن السعادة والمرح ؛
قالت بألم :
" ولماذا يجب أن أسعد..؟ ما الذى يدعو للسعادة..؟ لقد ذهبت تولان.. لكن الذكريات الأليمة تلاحقني باستمرار.. ذكريات بداية لقائي بمعاذ وزواجى منه.. بداية المسرحية السخيفة التى لا تريد أن تنتهى.. "

قلت بتردد :
" وهل تريدين لها أن تنتهى..؟ "

لم تكن بحاجة لتجيبني فقد أطل جوابها واضحاً من عينيها ونظراتها..
قالت :
" هذه سخافة.. فكل شئ بالدنيا مصيره الانتهاء.. لا شئ سيبقى أبداً.. لا شئ.. "

وعادت بنظراتها إلى السماء كأنها تشكو إلى الله وتتضرع له..
كأنها تسأله أن يعاونها على النسيان ومقاومة حبها البائس..؛
قلت :
" ما الذى يعجلكِ يائسة هكذا..؟ لماذا لا تفكرين بأن مشاعركِ هذه رُبما يكون لها صدى بداخله..؟ "

فقالت مباشرة :
" مستحيل..، فبيننا بحر عميق لا يمكن تجاوزه قط.."

وأضافت :
" ليس شرطاً أن يكون الحب متبادلاً.. وأن تنتهى الرواية بزواج البطلة من البطل..؛ بل إن النهاية الدارجة لقصص الحب هى الفراق.. هذا هو الواقع الذى لم أبصره بعينىّ سوي مؤخراً..؛ "

لمحت بطرف عينى سالي وهى تغادر طاولة صديقاتها وتتجه نحونا وألتفت أروى لتنظر إليها بنفس اللحظة ثم تابعت :
"اليوم اكتشفت أننى لست وحدي من أعاني من ذاك الحب التعس.. بل إن حتى من يملكون كل شئ يقفون أمام الحب مكتوفي الأيدي..،"

لم افهم بالضبط إلى ماذا كانت أروى تلمح بحديثها..؟ لكن كان لدي يقين بأن جملتها الأخيرة لم تكن عبثاً..!
قلت :
" المشاعر ليست سلعة تملك بالمال..، وليس شرطاً أن يكون الإنسان ثرياً لكي يكون محبوباً.."


~ ~ ~ ~ ~


بمجرد أن دلفت إلى الجناح ألقيتُ بجسدي على أقرب مقعد بتهالك ونزعت عن قدمىّ حذائي ذو الكعب العالي لأريح قدميّ المنهكتين..،
وبينما كنت أهم بوصع الحذاء على الأرض شعرت بحركة ما بالداخل.. وتحديداً من غرفة معاذ..!
أتجهت بدون تفكير نحو غرفته وطرقت بابها عدة طرقات خفيفة ، ولمّا لم يأتِني جواباً مددت يدىّ إلى المقبض وأدرته ثم فتحت الباب فتحت صغيرة وأطللت برأسي منه فوجدت الغرفة خالية ولا أثر لمعاذ بها..!
أعتقدت أنه قد يكون بالشرفة أو بدورة المياة فناديتُ عليه بصوت خرج رغماً عني مبحوحاً خافتاً ، وأيضاً لم أتلق منه رداً..!
مددت يدى ثانية إلى مقبض الباب وهممت بإغلاقه غير أننى لم ألبث أن تراجعت فى اللحظة الأخيرة..
طالما كان لدي فضول نحو تلك الغرفة ، وقررت أخيراً أن أشبع فضولي نحوها ودلفت إليها بخطوات مُرتبكة مترددة ، كأننى مجرم على وشك إرتكاب جريمة..
كانت الغرفة مؤسسة على أحدث طراز وكانت تشبه غرفتي إلى حد كبير عدا عن ألوان الحائط الغامقة وشراشف السرير التى تماثل ألوان الحائط وتعكس ذوق صاحبها..!
تقدمت بضع خطوات من السرير والذى كان يوحي بأن شخصاً ما كان مستلقياً عليه دون أن يندس تحت الأغطية..
رُبما صعد معاذ إلى غرفته بعد إنصرافنا وأراح جسده لبعض الوقت ثم انصرف قبل حضوري.. ورُبما كان لازال بالمنزل وسيعود فى أى لحظة..
استدرت عازمة الانصراف قبل أن يعود معاذ فلمحت أثناء مرورى زجاجات العطر المصفوفة على الطاولة فتوقفت أمامها ومددت يدى لألتقط إحدى الزجاجات ورششتُ قليلاً منها فأقتحمت أنفي رائحة العطر الرجولي المميز..
فى تلك اللحظة انبعث صوت سعال من خلفي جعلني انتفض بشدة وتسقطت من يدي زجاجة العطر لتتحطم على الأرضية الملساء ويتناثر الزجاج فى الأرجاء..!
وهنا سمعت صوت معاذ من خلفي يقول :
" أسف.. لم أقصد أن أفزعكِ.. كنت فقط أنبهكِ لوجودي.."

ألتفت بسرعة إليه وقلت متلعثمة :
" ظننتكَ لست هنا.."

أدركتُ بندم ما تنطوي عليه جملتى من معاني فاستدركت مسرعة :
" أقصد أننى ظننتكَ بالداخل ولهذا طرقت الباب ولمّا لم أجدك............."

لم أتم جملتي وشعرت بالحرارة تتصاعد إلى رأسي من شدة خجلي ، بينما قال معاذ :
" ولمّا لم تجدينى انتهزتِها فرصة لتعبثي بأشيائى.. وها هى نتيجة فضولكِ..."

نظر إلى الزجاج المثتناثر ثم أتم جملته :
" تحطمت بسببكِ زجاجة العطر المفضلة لدي.."

إزداد توهج وجهى أكثر وغمغمت بأسف :
" أنا حقاً أسفة.."

ابتسم معاذ قائلاً :
" لا عليكِ.. إننى مُمتن لكِ فى الحقيقة ؛ فأنا أكره هذا العطر للغاية.. فقط كنت احتفظ به لأنه هدية من تولان.."

رفعت نظراتي المستنكرة إليه وصحت بغضب واندفاع :
" أذن فمن الجيد أنه تحطم.."

قال معاذ :
" لكن رائحته القوية تعبق الغرفة مما سيذكرني بتولان رغماً عني.."

شعرت بغضب شديد من حديثه فإستدرت لأعود إلى غرفتي وأفجر غضبى بأى شئ بها غير أن معاذ اعترض طريقي وسد فتحة الباب بجسده..
قلت :
" أرجوك دعني انصرف من هنا.."

وأرسلتُ نظراتي إلى الأرض فى حين كنت واثقة أن عينيه تتأملانني بتفحص..،
قال :
" لماذا أنتِ غاضبة هكذا..؟"

نظرت إليه وصحت بغضب :
" لا تجعل خيالك يصورلك أشياء غير موجودة.."

اكتسح وجهه ضيق شديد وقال :
" خيالي ليس خصباً لهذه الدرجة.. أعلم إلى أى درجة تكرهينني.."

ثم أضاف :
" على أى حال لقد كنت أمزح..؛ فهذا العطر ليس هدية من تولان أو من أى شخص أخر.."

قلت محنقة :
" حسناً.. والأن هل تسمح لي بالانصراف..؟"

تنحي جانباً ليتسنى لي الخروج من الغرفة ثم قال :
" لم تخبريني كيف كانت نزهتكِ..؟"

قلت : " كانت جيدة.."

وسارعت بمغادرة الغرفة والتوجه نحو غرفتي ،، وبينما كنت فى منتصف الطريق وصلني نداء معاذ فتوقفت بمكاني فى حين راح صوت خطواته يقترب مني مبدداً الصمت الرهيب المخيم على الأجواء..،
ولمّا صار أمامي توقف لينظر إلىّ بنظرات مبهمة فقلت : " ماذا هناك..؟"

فقال بصوت أجش :
" لماذا لم تخابريني لتخبرينى بوجهتكِ..؟"

لم أتوقع أن يسألني هذا السؤال بالذات فأرتبكت ولم أدري ما أقول..؟ فما كان منه إلا أن أعاد السؤال بنفاذ صبر وضيق صدر ، فقلت :
" لأننى لم أتوقع أن هذا قد يهمك فى شئ.."

ندمت على جملتي بمجرد أن تفوهت بها فقد أحتقن وجهه بغضب وهتف محنقاً :
" رُبما نسيتِ أنكِ زوجتي وأن أمركِ يهمني.."

جملته تلك أثارت غضبي فقلت بإندفاع :
" رُبما نسيت أنت أننا الأن وحدنا وما من داع للإستمرار فى تلك المسرحية السخيقة..؛ فلا أنا زوجتك ولا أنت زوجي.. ووجودي هنا ليس إلا لسبب معين بمجرد أن ينتهي سننفصل.."

أدركني الهلع حينما حدجني معاذ بنظرة صارمة وعينين تطل منهما ألسنة النيران وتكاد تلفح وجهي ، وإذ به يدور حول نفسه بغضب ويصر على أسنانة بقوة ثم يكور قبضته كأنما يتأهب لضربي ..،
تراجعت إلى الخلف عدة خطوات بفزع ، غير أنه صاح بي :
" انتظري.."

أتاني صوته بارداً كالثلج مما جعلني أتجمد بمكاني مذعورة وعاجزه عن الحراك..
قال بصوت أجش :
" لم انتهي بعد من كلامي.."

وأضاف :
" فى المرة المقبلة أرجو أن تخابرينى إذا قررتِ الخروج ، ولي كامل الحرية فى الموافقة أو الرفض ، وعليكِ أنتِ أن تنصاعي لرغبتي مهما أياً كانت.. أفهمتِ ما قلت أم أكرره لكِ..؟"

ازدردتُ ريقى بصعوبة وقلت :
" فهمت.. أهناك شئ بعد..؟"

فقال :
" إذا سمعتكِ مرة تكررين هذا الكلام الفارغ فسوف لن تكون العواقب حميدة أبداً.. أنتِ زوجتي.. وأنا زوجكِ رغماً عنكِ.. ولن أتخلى عنكِ قط.. لا شئ بالدنيا سيجعلني أنفصل عنكِ أبداً.."

حينما انتهى من جملته استدرا عائداً إلى غرفته وأغلق بابها بقوة انتفض لها جسدي..
رفعت يدى برحكة تلقائية وتحسست ضربات قلبي المتتابعة ، فى حين كانت جملته الأخيرة لاتزال تتردد بأذنيّ وتصم أُذنيّ..
"لا شئ بالدنيا سيجعلني أنفصل عنكِ أبداً.."
رغم أنه قالها بصوت يخلو من الرقة والعاطفة غير أنها تركت أثراً عميقاً بقلبي رغماً عني.. لم تنجح الأيام فى محوه..!

~ ~ ~ ~ ~ ~

تتبع




 
 

 

عرض البوم صور الجُودْ ؛   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
من وحي الاعضاء, ام ساجد, انت ملكي وحدي
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 01:26 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية