لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > المنتدى العام للقصص والروايات > القصص المكتمله
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله خاص بالقصص المنقوله المكتمله


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-07-11, 06:55 AM   المشاركة رقم: 16
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2010
العضوية: 156806
المشاركات: 52
الجنس أنثى
معدل التقييم: أم ساجد عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 18

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أم ساجد غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أم ساجد المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

3
: : : قدرى المشؤوم : : :



وقفتُ مُترددة أمام ذلك القصر العظيم بأسواره العالية وبابه الحديدى المُغلق ...
أردتُ أن أتقدم نحوه ولكن شيئاً ما بداخلى يجبرنى على الوقوف ويمنعنى من المضى فى طريقى ...
أعتقد أنه الخوف من المجهول ... أو رُبما الخوف من المعلوم ...
؛ فأنا أعلم مصيرى بعد دخول هذا القصر ...
وأعلم أن ما قاسيته طوال حياتى لن يكون أقل مما سأقاسيه بهذا المكان ..!
أجبرتُ قدمىّ على المضى فى طريقى ، فأنتابتنى قشعريرة غريبة وفكرتُ فى العودة من حيث أتيتُ ولكن .....
لقد أتيتُ بالفعل ولا يمكن أن أتراجع عما قررته مهما كانت الظروف والأسباب ..!
أخذتُ نفساً عميقاً ثم دفعتُ قدمىّ دفعاً ودلفتُ إلى القصر ...
هذه المرة لم أشعر بالأنبهار كما شعرتُ أوّل مرة ... أنما شعرتُ بالمرارة ...
شعرتُ بنفس شعور الشاه التى تساق إلى المذبح .. وإلى الموت ..!

جلستُ بنفس الغرفة أنتظر مصيرى المحتوم ... وقدرى المشؤوم ... والدموع تكاد تفر من عينى وتنساب على وجنتىّ بألم ...

وهنا أتانى صوته من خلفى :
" ها قد أتيتِ أخيراً ... لقد كنتُ أنتظركِ . "

رفعتُ عينىّ ببطئ ونظرتُ إليه ...
كان يقف مرفوع الرأس وشامخاً كعادته ...
ورأيتُ ابتسامة ساخرة على شفتيه ... وكأنه يؤكد لى أنتصاره علىّ ..!
لحظتها شعرتُ بالذل والهوان وكأننى إحدى الجوارى التى يعاينها المشترى ... شعرتُ بوخر شديد بقلبى ولم أحتمل أكثر من هذا...
نهضتُ من مكانى وقلتُ :
" نعم أتيت ... "

ثم أضفت بحسم :
" وسأرحل حالاً . "

وتوجهتُ نحو الباب بخطوات سريعة ... كنتُ أريد الفرار منه بأى ثمن ...
حتى لو كان الثمن هو أبى ..!

فوجئتُ به يعترض طريقى ويرمقنى بنظرة حادة قائلا ً :
" إلى أين أنتِ ذاهبة ..؟ هل تظنين أننى سأترككِ تذهبين بهذه السهولة ..؟ "

صحت به غاضبة :
" لا شأن لك بى . "

وكدتُ أواصل طريقى لولا أنه أمسك بيدى وقال بحدة :
" ولماذا أتيتِ أصلاً ..؟ "

قلتُ :
" لقد غيرتُ رأيى . "

قال :
" بهذه السهولة . "

قلتُ بحدة :
" أنا حرة . "

أومأ برأسه إيجاباً وقال :
" صدقتِ ... أنتِ حرة بالفعل ... تقبلين زواجى أو ترفضينه ... لكِ مطلق الحرية فى هذا . "

وأضاف مُبتسماً :
" أنتِ حرة لكن أباكِ ليس كذلك كما تعلمين . "

شعرتُ بقلة حيلة وضعف شديد فأرسلتُ نظراتى إلى الأرض ...
وسمعته حينئذ يقول :
" كنتُ واثقاً من أنك لن تتردى للحظة بالتضحية من أجل أباكِ . "

رفعتُ بصرى إليه وقلتُ بصوت مختنق :
" لماذا تفعل بى هذا ..؟ "

قال بهدوء :
" وماذا فعلتُ بكِ ..؟ هل الزواج منى أمر سئ لهذا الحد ..؟ هل ترينى شخصا ًسيئا ًيا أروى ..؟ "

قلتُ :
" بل على العكس ... إن جميع الفتيات يحلمن برجلا ً مثلك لكن ...... "

قاطعنى قائلا ً بسخرية :
" وأنتِ بأى رجلا ً تحلمين ..؟ بذلك المعلم التافه ..؟! "

حينما قال ذلك أنفعلتُ كثيراً وصحتُ به :
" لا تنعته بالتافه لأنه ليس كذلك أبداً . "

لزم الصمت فقلتُ :
" إنه أفضل شخص عرفته على الأطلاق ... وأنا لن أسمح لك بأهانته أمامى مرة أخرى ... هل سمعت ..؟ "

فوجئت به يقول بهدوء :
" نعم سمعت... أهناك ما تريدين قوله بعد ..؟ "

أجبتُ عليه بحدة :
" نعم ... أريدك أن تعلم بأننى ما كنتُ لأقبل الزواج منك لولا أنك وضعتنى قاب قوسين ... وأننى إذا كنتُ مضطرة للزواج منك فعليك أحترام مشاعرى قبل أى شئ . "

مُعاذ أغلق عينيه بقوة ، وبدا كما لو كان يجاهد للتحكم بغضبه ..!
ثم قال :
" أهناك شيئاً أخر ..؟ "

تعجبتُ من صبره وتحمله لكل ما قلته ...
لماذا لم يثور علىّ ..؟ لماذا لم يقابل غضبى بغضب مماثل ..؟

عاد مُعاذ يسألنى بضجر :
" أهناك شيئاً أخر تريدين قوله ..؟ "

هززتُ رأسى نافية وقلتُ :
" كلا ... هذا كل ما لدى . "

قال بعد فترة :
" حسناً ... وأنا موافق على كل ما قلتِه . "

وأضاف :
" هل نحن مخطوبان الأن ..؟ "

نظرتُ إليه بتحد وقلتُ :
" فلتتنازل عن المحضر أولا ً . "



~ ~ ~ ~


كانت سعادتى بلا حدود وأنا أرى أبى وهو يغادر قسم الشرطة بجانب مُعاذ الذى توجه مُباشرة إلى سيارته الفارهة وأنطلق سائقه بها على الفور ...
أتجه أبى نحوى وعانقنى بشوق ٍ بالغ ...

قلت بسعادة :
" حمداً لله على خروجك سالماً يا أبى . "

ابتسم أبى وقال :
" الحمد لله . "

وأضاف :
" أنا مُدين لمعاذ بك هذا بالكثير ... إنه أنبل رجل عرفته طوال حياتى . "

تنهدتُ وقلتُ :
" صدقت ... إنه بالفعل أنبل رجل ..! "

لم ينتبه أبى إلى رنة السخرية التى بصوتى ، وظل يتحدث عنه طوال الطريق ويثنى عليه إلى أن وصلنا المنزل ...
كانت سعادة الجميع بلا حدود ... أمى وأشقائى كانوا فى قمة سعادتهم ...
أنا فقط من كنتُ أشعر بضيق شديد ...
لقد وفى مُعاذ بوعده لى ... وعلىّ أن أفى بوعدى له أنا أيضاً ..!

تركتُ أبى ينعم بحمام طويل وشاركتُ أمى فى إعداد الطعام له ... ثم فرشتُ بساطاً بالى ومُمزق من عدة مواضع شتى على الأرض ، وجلسنا نتناول طعامنا جميعاً فى حلقة شبه مستديرة ...

فيما مضى كنتُ أشعر بالأسى على حالنا وأتمنى أن يحدث أمراً ما ينتشلنا جميعاً من بؤسنا ...
لكنى الأن أشعر بنعمة الله علينا ... فمجلسنا هذا بالدنيا وما فيها ... وليتها دامت لنا ..!

فى المساء انتهزتُ أوّل فرصة سنحت لى وأخبرتُ أبى بأمر خطبتى لمُعاذ ...
كان أبى يجلس بغرفته بعد المغرب يتناول الشاى ... ويريح جسدة المنهك على السرير ...
وما أن أخبرته بذلك الأمر حتى أتسعت عيناه بذهول ... ونظر إلىّ بدهشة كبيرة ...
ثم قال وهو لازال عاجزا ً عن استيعاب الأمر :
" مُعاذ بك تقدم لخطبتكِ ..! "

أومأتُ برأسى إيجابا ً ، فقال بحيرة :
" لكن ... أقصد ... أنه ... صاحب الشركة ... بل إنه صاحب أكبر سلسلة شركات فى مصر كلها ..! "

قلتُ :
" هذا ما حدث يا أبى . "

قال :
" لكن لماذا ..؟ "

قلت :
" لا علم لى . "

ران الصمت علينا لفترة قبل أن يقطعه أبى قائلاً :
" وهل قبلتِ ..؟ "

تنفست بعمق وبعثرت نظراتى على الأرض وأنا أجيب :
" بلى . "

ظل أبى صامتا ً لفترة من الزمن ، قبل أن ينتبه لأمراً كان غائبا ً عن باله ... أو رُبما أنسته الصدمة أياه ... وهو أننى مخطوبة لشخصا ً أخر ..!

قال فجأة :
" وماذا عن خطيبك ..؟ "

تنهدتُ وقلتُ :
" سأتركه . "

أبى قال مُستهجنا ً :
" بهذه السهولة ..؟ "

قلتُ :
" أبى ... لقد حدث ما حدث ووافقتُ على الزواج منه . "

أبى قال بعد فترة :
" لهذا أذن تنازل عن المحضر . "

أومأتُ برأسى إيجاباً ، فقال أبى بحدة مُفاجئة :
" لن أسمح بهذا أبدا ً... فليعيدنى إلى السجن أكرم لى من أبيعكِ له . "

قلتُ :
" لكنه سيتزوجنى على سنة الله ورسوله . "

قال بعصبية :
" وأى زواج هذا ..؟ لا يا أروى ... سأذهب إليه غداً لأخبره برفضى للأمر. "

قلتُ :
" أبى أرجوك ... لا تهدم كل ما فعلته فى لحظة غضب . "

قال أبى بغضب :
" بل لا تهدمى أنتِ ما فعلته من أجلكِ... أنا لن أدعكِ تضحين بحياتكِ من أجلى أبدا ً . "

قلتُ :
" وهل تظن هذه تضحية ...؟ إن مُعاذ بك رجلا ً تحلم به جميع الفتيات ... وسأكون حمقاء إذا رفضته . "

نظر إلىّ أبى بشك وقال :
" حقا ً ..؟ "

أكدتُ له قائلة :
" طبعاً... إنه سيقيم لى حفل زفاف لم أكن لأحلم بمثله ... وسيحضر لى فستان الزفاف من باريس ... وسأقيم معه بقصره العظيم ... وقبل هذا كله سأكون زوجة صاحب أكبر سلسلة شركات فى الشرق الأوسط ... أتسمى هذا تضحية يا أبى ...؟ سأكون مخبولة فعلاً إذا رفضت هذا العرض . "

قلتُ ذلك وشعرتُ بالدموع تتجمع بعينى وتكاد تنسكب على وجنتى ، فسارعتُ بمغادرة الغرفة وأنا أجاهد لكى لا تنهمر دموعى أمام أبى ...
وما أن غادرتُ الغرفة حتى أطلقتُ العنان لدموعى وتركتها تنهمر كالشلالات على وجهى ..!
كنتُ أشعر بحزن شديد لأننى أجبرتُ على الزواج من رجل بينما أنا مخطوبة لأخر ..!
لكنى ما كنتُ لأقبل بأن يلقى أبى فى السجن ...
لقد عانى أبى الأمرين طوال حياته ... وآن له أن يستريح ...
آن له أن يقضى ما تبقى من عمره معززاً مُكرماً ... لا مهاناً فى السجون ..!


~ ~ ~ ~

تتبــع إن شاء الله

 
 

 

عرض البوم صور أم ساجد   رد مع اقتباس
قديم 03-07-12, 02:21 AM   المشاركة رقم: 17
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري
✿ باذِخَةُ الْعَطَاءْ ✿


البيانات
التسجيل: Jun 2009
العضوية: 146680
المشاركات: 19,397
الجنس أنثى
معدل التقييم: ΑĽžαεяαђ عضو ماسيΑĽžαεяαђ عضو ماسيΑĽžαεяαђ عضو ماسيΑĽžαεяαђ عضو ماسيΑĽžαεяαђ عضو ماسيΑĽžαεяαђ عضو ماسيΑĽžαεяαђ عضو ماسيΑĽžαεяαђ عضو ماسيΑĽžαεяαђ عضو ماسيΑĽžαεяαђ عضو ماسيΑĽžαεяαђ عضو ماسي
نقاط التقييم: 4020

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ΑĽžαεяαђ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أم ساجد المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

تنقل للقسم العام لتوقف الكاتبة عن التنزيل

-

-

مشرفات القسم

 
 

 

عرض البوم صور ΑĽžαεяαђ   رد مع اقتباس
قديم 17-07-12, 04:41 AM   المشاركة رقم: 18
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو راقي

البيانات
التسجيل: Oct 2010
العضوية: 199668
المشاركات: 5,990
الجنس أنثى
معدل التقييم: الجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسي
نقاط التقييم: 3892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الجُودْ ؛ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أم ساجد المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

4
: : : الواقع المرير : : :






وقفتُ أمام المرآة أجرب إرتداء فستان الزفاف الذى أشتراه لى مُعاذ من باريس ..!
كان الفستان أنيق جدا ً.. ويبدو باهظ الثمن للغاية ..
حقيقة أنا لم أحلم بإرتداء مثل هذا الفستان الرائع .. وكذلك لم أحلم بأن يقام حفل زفافى فى مثل هذا القصر العظيم .. بل وأن أقيم بجناح فاخر به وأصير سيدة هذا القصر ..!
لكن .. برغم كل هذا .. أنا لم أشعر بالسعادة قط .. لم أشعر إلا بالأسى والعجب من حال الأيام .. وأنطلقت فى أعماقى ضحكة ساخرة مريرة كمرارة الواقع الذى أعاصره .. وكمرارة الأيام التى راحت تتقاذفنى كقارب شراعى صغير تتقازفه الأمواج وتعصف بشراعه الريح ..!
من كان يصدق أن تلك الفتاه البسيطة .. التى كان أكبر حلمها هو الزواج من خطيبها ذلك المعلم الفقير .. الذى لم تكن حالتة المادية أفضل من حالتها بشئ يذكر .. فجأة يشاء القدر أن تصير خطيبة صاحب أكبر سلسلة شركات فى مصر والشرق الأوسط كله ..؟
من كان يصدق هذا ..؟!
ومن يدرى ماذا تخبئ الأيام لى فى جعبتها ؟ !

" تبدين فى غاية الجمال والأناقة . "

انتزعنى صوت الوصيفة من أفكارى ، فألتفتُ لأنظر إليها وقلتُ بلا حماس :
" حقاً ..؟ "

أكدت لى قائلة :
" طبعاً .. إنكِ تبدين أجمل مائة مرة من السيدة تولان .. رغم أن السيدة تولان والحق يقال كانت جُميلة جداً . "

سألتها بشرود :
" ومن تكون السيدة تولان هذه ..؟ "

نظرت إلىّ الوصيفة بحيرة وقالت بدهشة كبيرة :
" ألا تعرفين من تكون السيدة تولان ..؟ "

قلتُ :
" لم يحدث لى الشرف فى الحقيقة . "

ألزمت الوصيفة الصمت لفترة أطول مما ينبغى ..
فقلتُ :

" ألن تخبرينى من تكون ..؟ "

ابتلعت الوصيفة ريقها بصعوبة ثم قالت بتردد :
" لقد كنتُ أظنكِ تعرفين من هى ولم أقصد أن أكون السبب فى أى خلاف بينكِ وبين السيد مُعاذ . "

زادنى كلامها حيرة فوق حيرتى وعجبا ً فوق عجبى ..!

سألتها بعصبية :
" ومن تكون هذه الـ تولان يا تُرى ..؟ أكانت خطيبته مثلا ً ..؟ "

أرتبكت الوصيفة أكثر وأبتلعت ريقها مرة ثانية بصعوبة ..
ثم قالت :

" كلا .. إنها ليست خطيبته .. "

وصمتت لبرهة ثم قالت بتردد :
" إنها .. إنها .. زوجته السابقة . "

نظرتُ إلى الفتاة بدهشة كبيرة وقد جمدتنى الصدمة بمكانى وجعلتنى عاجزة عن الحركة ..!
زوجته ..! هل كان مُعاذ مُتزوج من أخرى ؟ ..!
لا .. لا .. لو كان سبق له الزواج من أخرى لكان نبهنى لهذا الأمر على الأقل ..
هذه الفتاة أما أنها تهذى .. أو أننى أنا من صرتُ أتوهم أشياءاً لا أساس لها من الصحة ..!

سألتها بصوت ضعيف مبحوح :
" هل .. هل قلتِ .. زوجته ..؟ "

أومأت الفتاة برأسها إيجاباً ..
شعرتُ بدوار خفيف .. وحاولتُ أن أبدو مُتماسكة وأنا أقول بصوت بالكاد خرج من حلقى :

" هل .. كان مُعاذ .. مُتزوج من أخرى ..؟ "

حينما أومأت الفتاة برأسها إيجابا ً وقالت بتردد :
" نعم .. كان متزوجاً من السيدة تولان وأنفصلا منذ ثلاثة أعوام. "

ما أن أنتهت الوصيفة من جُملتها حتى شعرتُ بمزيج غريب من الأستياء والغضب والحيرة والدهشة ..!
لماذا لم يطلعنى على هذا الأمر من قبل ..؟ ولماذا وضعنى فى هذا الوضع السخيف ..؟

عدتُ أنظر إلى الوصيفة وسألتها بصوت متحشرج :
" ولماذا أنفصلا ..؟ "

بدت الوصيفة مُترددة ، فقلتُ لها أحثها على الحديث :
" أخبرينى ولا تخافى من أى شئ ... "

قالت الوصيفة :
" أنا لم أقصد شيئاً بهذا .. لكنى لم أكن أعلم بأنكِ تجهلين هذا الأمر. "

قلتُ محاولة تبرير الموقف :
" طبعا ً مُعاذ كان سيطلعنى على الأمر .. رُبما كان فقط ينتظر الوقت المناسب . "

لم يقنعنى تبريرى لذلك الموقف السخيف الذى وضعنى مُعاذ فيه .. وكذلك لم يبدُ لى أن الوصيفة نفسها قد أقتنعت به ..!

قلتُ :
" أخبرينى لماذا أنفصلا من فضلك ..؟ "

ظلت الفتاة صامتة لبعض الوقت ، ثم قالت :
" إنهما لم يتفقا منذ البداية .. كانت السيدة تولان من بلد غريبة .. وطباعهها مُختلفة تماما ً عنا .. وسيدى لم يحتمل طباعها هذه و ..... وأنفصلا . "

سألتها :
" من أى بلد كانت ..؟ لا تبدو لى مصرية ..؟ أسمها غريب ..! "

فكرت للحظة ثم قالت :
" أعتقد إنها كانت من تركيا .. نعم تذكرتُ لقد كانت من تركيا بالفعل ؛ فقد كان سيدى يدرس بتركيا وتعرف عليها هناك وتزوجا . "

قلتُ أحثها على المواصلة :
" ثم ماذا ..؟ "

قالت :
" ثم أنفصلا بعد عام واحد تقريباً .. "

وفكرت للحظة ثم أضافت :
" نعم .. أنفصلا بعد عام واحد .. حتى أن سيدى الصغير كان عمره أيام وقتها . "

هنا شعرتُ بدوار قوى مفاجئ من شدة الصدمة .. فأستندتُ على أقرب مقعد ورحتُ أجاهد لألتقاط أنفاسى ..!
أقتربت منى الوصيفة وساعدتنى على الجلوس على المقعد الذى كنتُ أستند عليه ..
ثم قالت بقلق شديد :
" سيدتى .. هل أنتِ بخير ..؟ اللعنة علىّ ... ما هذا الذى فعلته ..؟ "

أومأتُ لها برأسى إيجابا ً لأطمئنها ، بينما كنتُ أشعر بتعب شديد فى الحقيقة ..!

سألتها بصوت واهن ضعيف :
" هل .. هل لديهما .. طفل ..؟ "

ظلت الوصيفة تنظر إلىّ بتردد ، وكأنها تخشى أن يصيبنى مكروها ً فيما لو أكدت لى الخبر ..!
قلتُ :

" لا تخافى علىّ .. فقط أخبرينى بالحقيقة لأستريح . "

تنهد الفتاة ثم قالت بوجل :
" بلى .. لديهما طفلا ً عمره ثلاثة أعوام . "

سألتها :
" وأين هو الأن ..؟ "

قالت :
" سافر تركيا مع السيدة تولان منذ ثلاثة أعوام ولم يعودا حتى الأن . "

وصمتت لبرهة ثم قالت :
" هذا الأمر يحزن سيدى كثيرا ً ؛ فهو يريد تربية سيدى الصغير بمصر وقد حاول مراراً أن يعيده وسافر له عدة مرات لكن السيدة تولان رفضت ذلك ، وكذلك تم الحكم بقضية الحضانة لصالحها ؛ لأن سيدى غير متزوج على ما أظن . "

سألتها باستغراب :
" وما شأن الزواج فى هذا الأمر ..؟ "

قالت :
" لا علم لى .. كل ما أعرفه هو أنه لابد أن يكون سيدى مُتزوجاً ولديه عائلة ليتم الحكم فى القضية لصالحه .. هكذا هو القانون بتركيا ..! "

الأن فهمت كل شئ .. وفهمتُ لِم طلب منى مُعاذ بك الزواج ..
يا لى من غبية ..! كيف أقبل هذا الوضع السخيف ..؟
لا .. أنا لن أقبل بهذا أبداً .. لن أكون مجرد وسيلة لنيل ما يريد ..!
نزعتُ عنى فستان الزفاف وأبدلته بإحدى الأثواب التى أشتراها لى مُعاذ مُؤخراً وأتجهتُ إلى الطابق السفلى حيث ينظرنى مُعاذ بغرفة المكتب ..
حينما دلفتُ إلى الغرفة كان يقف عند المكتبه وبيده كتابا ً يتصفحه ..
ألقى علىّ نظرة عابرة ثم قال :

" هل نال الفستان إعجابكِ يا تُرى ..؟ "

قلتُ بحدة :
" إنه رائع .. لكنه للأسف لا يليق بأمثالى . "

عقد حاجبيه بشدّة ثم قال :
" ما معنى هذا ..؟ "

قلتُ :
" معناه أنه كان الأجدر أن تجد لكِ زوجة تليق بكِ بدلاً من أبنة أمين الخذانة المُختلس . "

أعاد مُعاذ الكتاب إلى المكتبه وألتفت لينظر إلىّ قائلا ً باستغراب :
" أروى .. ما هذه النبرة الغريبة ..؟ "

قلتُ بأنفعال :
" وبأى نبرة ت حب أن أتحدث بها إلى رجل مخادع مثلك ..؟ "

قال بنفاذ صبر وغضب :
" أخبرينى ماذا حدث يا أروى ولا تقولى كلاما ً قد تندمين عليه ..؟ "

قلتُ مُنفعلة :
" ألم يكن الأجدر بك أن تخبرنى بأنك كنت مُتزوجاً بدلاً من أن أصدم بهذا الخبر أمام الوصيفة ..؟ "

هز مُعاذ رأسه مُتفهما ً وبدا كما لو كان قد فهم الأمر فقال بهدوء :
" أذن فقد عرفتِ هذا الأمر . "

وأضاف وقد ضاقت عيناه :
" وما مشكلتكِ الأن ..؟ "

قلتُ بعصبية :
" لماذا لم تخبرنى بهذا من قبل ..؟ "

قال :
" وهل كان هذا ليغير أتفاقنا ..؟ "

قلتُ :
" أتفاقنا لم يكن على أساس أن أكون مجرد أسم فى البطاقة العائلية لكى تستطيع ضم أبنك لحضانتك . "

قال مُعاذ بهدوء :
" أذن فقد عرفتِ هذا أيضاً .. يبدو أن الوصيفة أخبرتكِ بكل شئ . "

قلتُ بعصبية وأنفعال :
" دعك من الوصيفة الأن ورد علىّ .. "

قال معاذ بحدة :
" نعم كان أتفاقنا هو أن نتزوج وأن يكون أسمك فى البطاقة العائلية .. ولا أظنكِ كنتِ تعتقدين أننى طلبتُ الزواج منكِ لأننى مُتيما ً بك ِمثلا ً. "

قلتُ بعصبية أشد :
" أنا لم أقل هذا ولم أعتقد هذا الأعتقاد الساذج .. لقد كنتُ أعلم أنكِ تريد الزواج لغرض معين لا أعلمه .. لكنى لم أكن أتخيل أن يكون هذا هو السبب وراء زواجك منى .. "

قال :
" هل يؤلمكِ السبب إلى هذه الدرجة ..؟ "

قلتُ :
" نعم يؤلمنى كثيراً .. ويؤلمنى أكثر الوضع السخيف الذى وضعتنى فيه أمام الوصيفة .. "

قال بهدوء :
" إذا كان مظهركِ يهمكِ أمام الوصيفة إلى هذا الحد فسأطردها وآتيكِ بأخرى . "

قلتُ بأستياء شديد :
" بهذه البساطة تريد طردها ..؟ طبعاً ولِم لا ..؟ شخصاً مثلك كيف يتسنى له أن يشعر بأولئك الناس الذين يجاهدون للحصول على قوت يومهم ..؟ كيف ستشعر بهم وأنت طوال حياتك لم يقرصك الجوع ولم تشعر بالبرد وتتمنى لحظة دفء واحدة .. كيف ستشعر بهم وقد ولدت وبفمك ملعقة ذهب كما يقولون ..؟ "

قال بغضب :
" إنكِ لا تعرفين شيئاً عنى لتحكمى علىّ مثل هذا الحكم يا أروى . "

قلتُ بحدة :
" ما أعرفه عنك حتى الأن يكفى لأن يجعلنى أفكر فى التراجع عن فكرة الزواج منك .. حتى لو كان زواجنا مقتصر على شهادة الزواج . "

ظل صامتاً لفترة من الزمن ثم قال :
" وما معنى هذا ؟؟؟ "

قلتُ بحسم :
" معناه أننى أرفض تماماً أن أكون مُجرد سلم تصل من خلاله إلى ما تريد . "

ران صمت تام على الغرفة بعدما أنتهيتُ من جُملتى ، وبدا لى كما لو أن مُعاذ قد تجمد بمكانه بعد جُملتى تلك ..
رُبما صدمه تراجعى عن أتفقنا بهذا النحو .. أو رُبما لم يستوعب الأمر بعد ..!
الشئ الوحيد الذى كنتُ مُتأكدة منه فى هذه اللحظة هو أن جُملتى أثارت غضبه وجنونه ..!
فقد رأيته يتحرك من مكانه بعد فترة ويقترب منى ببطئ شديد .. والشرر يتطاير من عينيه .. وأسنانه تصطك ببعضها من شدة غضبه ..
وأتانى صوته بعد ذلك وهو يقول بنبرة هادئة إلى حد ما :
" أفهم من هذا أنكِ لن تتزوجيننى ..؟ "


أردتُ أن أجيبه لكن صوتى تعرقل بحلقى ولم يخرج واضحاً .. وحين أومأتُ برأسى إيجاباً رأيتُ وجهه يتقد إحمراراً .. وسمعته يقول بنبرة حادة :
" لكنى وفيتُ بوعدى لكِ وتنازلتُ عن المحضر . "

أبتلعتُ ريقى بصعوبة وقلتُ :
" بأمكانك أن تقدم بلاغاً أخر ضد أبى وتزعم أنه أختلس مرة أخرى وتعيده إلى السجن . "

قال بغضب :
" طبعاً يمكننى ذلك .. بل ويمكننى ما هو أكثر من ذلك .. لكنى لا أظنك ستقبلين بأن يلقى أباكِ فى السجن مجدداً .. والله أعلم أى تهمة سألفقها له ..! "

قلتُ مُنفعلة :
" هل أعتبر هذا تهديداً ..؟ "

قال بصوت أجش :
" أعتبريه كما تشائين . "

قلتُ بأنفعال وغضب :
" فلتذهب أنت وتهديداتك كلها إلى الجحيم . "

وكانت جُملتى هذه هى القشة التى قسمت ظهر البعير ، فتحول وجه مُعاذ إلى اللون الأحمر القانى من شدة غضبه وأنتفخت أوداجه بشدة وضرب بقبضته باب الغرفة بقوة ..
ثم قال بغضب :

" فات الأوان على هذا الحديث يا أروى .. وهذا الزواج سيتم يعنى سيتم .. شأتِ أم أبيتِ سيتم .. هل تسمعين ..؟ "




~ ~ ~ ~ ~




كان حفل الزفاف بعد أيام قليلة .. وبطبيعة الحال رضختُ للأمر الواقع ..
لكن بشرط .. أن يتم طلاقنا بمجرد أن يحصل مُعاذ على حضانة أبنه ..!
وتزوجنا فى حفل زفاف رائع .. أروع مما تتخيلون ..
لن أنكر أننى أنبهرت بالحفل وبكم الحضور ..
الجميع كان آتياً لمشاهدة العروس الجديدة .. الزوجة الثانية لرجل الأعمال الشهير ..!
ولو أنهم يعلمون الحقيقة ..

لو أنهم فقط يعلمون ..!

حاولتُ بقدر الأمكان أن أكون مرحبة بالضيوف وبكل من أتى إلىّ لمصافحتى والتعرف على ّ ..!
أقارب مُعاذ كثيرون للغاية وأصدقائه – من الفتيات والرجال - لا حصر لهم ..

وهذا الأمر أثار عجبى وحيرتى ..!
فلماذا أنا بالذات الذى تزوجها ..؟ لماذا لم يتزوج من إحدى صديقاته ، رغم أنهم جميعا ًً على ما يبدو من الطبقة الراقية المُشرفة التى تليق به كثيراً ..؟
وطبعا ً لم أجد جوابا ً لهذا السؤال ..

لكن رُبما كانت الأيام القادمة تحمل لى أجابة مُقنعة لكل التساؤلات التى تدور برأسى .. ورُبما كانت تحمل لى المزيد من الغموض ..!

حقيقة لا أدرى ..!

بعدما أنتهى الحفل ، توجهنا إلى الجناح الخاص بنا .. والذى كان يحتوى على غرفتى نوم مُنفصلتين وغرفة معيشة ومطبخ وحمامين ..
ألقيتُ بجسدى على أقرب مقعد للباب بتعب شديد ..
لقد كان يوما ً حافلا ً بالفعل .. وقد نال التعب منى وبلغ مبلغه ..!
أنتهى مُعاذ من إغلاق الباب خلفه وألتفت لينظر إلى ّ ..

كان يرتدى بذلة حالكة السواد .. وكان يبدو جذاباً جداً ..!

قال :
" هل أنتِ مُتعبة ..؟ "

أجبته بصوت خافت :
" نعم .. لم أرتاح منذ الصباح . "

ظل مُعاذ صامتا ً لبعض الوقت ثم قال :
" تبدين رائعة الجمال . "

نظرتُ إليه باستغراب وقلت :
" شكراً لك . "

قال :
" الجميع انبهروا بكِ اليوم . "

تنهدتُ وقلتُ بسخرية :
" الجميع انبهروا بالزوجة الثانية لرجل الأعمال الشهير وليس بى . "

قال بحيرة :
" وهل هناك فرق ..؟ "

قلتُ :
" طبعاً .. هناك فارق كبير .. فلو أنهم يعلمون أن تلك العروس ليست سوى زوجة فى البطاقة العائلية وصورة مؤقته لنيل ما تريد لأختلف رأيهم بدرجة مائة فى المائة ..! "

لستُ أدرى لِم أثارت جُملتى غضب مُعاذ بذلك الشكل الغريب ..؟ فقد رمقنى بنظرة مُخيفة ، وعينان يتطاير منهما الشرر ، قبل أن يقول بصوت جاف :
" تصبحين على خير يا أروى . "

وتوجه إلى غرفته وأغلق بابها خلفه ..
ظللتُ لفترة من الزمن أنظر إلى الباب الذى أغلقه خلفه ، قبل أن أتوجه بدورى إلى غرفتى وأغلق بابها خلفى .. بل وأوصده أيضاً ..!

نزعتُ عنى فستان الزفاف وألقيته على أقرب مقعد بإهمال .. ثم أزلتُ مستحضرات التجميل عن وجهى .. وبدأتُ أنزع الأكسسوارات التى بشعرى ..
وحينما انتهيتُ من ذلك نظرتُ لصورتى المنعكسة بالمرآة وأطلقتُ تنهيدة طويلة ..
إننى الأن زوجة مُعاذ .. والمفترض أن أكون الأن أسعد فتيات العالم ؛ لأن رجلاً مثل مُعاذ بك فضلنى أنا عن الكثيرات ..
ولأننى أنا من فزتُ به ..!
ولأننى من أقيم لها حفل زفاف رائع كهذا ..!
لم أتمالك نفسى عند هذا الحد .. وضحكتُ بشدة ..
ضحكتُ من الواقع المرير ..
ضحكتُ من سخرية الأيام بى ..
ضحكتُ من حظى السئ .. ومن أحلامى التى انهارت ..
ضحكتُ حتى أدمعت عينى ..

ثم بدأتُ فى البكاء ..
بكاء مرير أليم ..

وعبرات ساخنة الواحدة تلو الأخرى ..

وقلب بائس حزين ..
ونفس مُحطمة ..
وكرامة مهدورة ..
هذا هو اليوم الذى تحلم به كل فتاة ..!

وهذا أيضا ً هو اليوم الذى سأجاهد لكى أمحوه من ذاكرتى تماماً ..!




~ ~ ~ ~ ~


تتبـــع

 
 

 

عرض البوم صور الجُودْ ؛   رد مع اقتباس
قديم 17-07-12, 04:44 AM   المشاركة رقم: 19
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو راقي

البيانات
التسجيل: Oct 2010
العضوية: 199668
المشاركات: 5,990
الجنس أنثى
معدل التقييم: الجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسي
نقاط التقييم: 3892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الجُودْ ؛ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أم ساجد المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

5
: : : لمـاذا أنا ..؟ : : :


استيقظتُ فى صباح اليوم التالى على صوت شقشقة العصافير .. واقتحمت إلى أنفى رائحة الزهور العليلة ..
فتحتُ عينىّ ببطئ وتأملتُ الغرفة الجميلة التى أنام بها ..

كانت غرفة واسعة ذات أثاث حديث الطراز ، وكانت لها واجهة زجاجية كبيرة تطل على الحديقة التى تزخر بالأزهار الجميلة ..!

غادرتُ الفراش وأتجهتُ لأقف أمام النافذة وأتأمل الحديقة التى كان منظرها يبعث بالنفس السرور والراحة ..
لكنه لم يبعث بنفسى إلا مزيداً من الأكتئاب والضيق ..!
أخذتُ حماماً بارداً وجلستُ أمام المرآة أمشط شعرى الطويل الناعم ثم أرفعه بشريط على هيئة ذيل حصان بلا أهتمام ..!

نظرتُ إلى صورتى المنعكسة ودققت النظر بوجهى ..

أبدو شاحبة مُصفرة الوجه ..!

عيناى تلمعان بعبرات مُختنقة تأبى أن تنسكب على وجنتىّ مُخلفة وراءها أثرٍ لا يُُمحى بقلبى ..!

لقد ذرفتُ الكثير من الدموع الأيام الماضية ولم أعد قادرة على ذرف المزيد .. لأول مرّة أشعر أن دموعي قد جفت وأننى لم أعد قادرة على البكاء أو أى شئ أخر ..

لقد أستنزفتُ الأيام الماضية كل قواى وصرتً بلا حول ولا قوة ..

وكل هذا بسببه هو ..

هو من أحال حياتى إلى جحيم .. ودمّر مُستقبلى وحاضرى وماضىّ ..

وهذا لو كنتم تعلمون لم يزدنى إلا كرها ً وحقداً عليه ..

ولن يتدبل شعورى هذا نحوه أبداً ..
مهما طالت الأيام ..

قطع أفكارى صوت طرقات مُترددة على باب غرفتى ..
أقتربتُ من باب الغرفة وقلتُ :

" من بالباب ..؟ "


أتانى صوت مُعاذ وهو يقول :
" إنه أنا يا أروى .. هلا فتحتِ ..؟ "


ترددتُ قليلاً .. كنتُ أرتدى ثياب منزلية خفيفة ..!
قلتُ :

" لحظة واحدة . "


وجلبتُ رداءاً واسعاً وحجاباً ثم أرتديتهم على عجلٍ وفتحت الباب ..
كان واقفاً عند الباب وحينما رأنى ألقى علىّ نظرة مُبهمة المعانى .. رُبما كان مُستنكرا ً ردائى الطويل الساتر ..!


سألته :

" أهناك شئ ..؟ "


فقال :
" لقد جلبت الخادمة لنا الفطور . "


قلتُ مُباشرة :
" ليس لدى شهية لتناول أى شئ . "


وكدتُ أغلق الباب لولا أنه حال دون ذلك وسألنى بنبرة لم ترق لى :
" هل تنوين الأضراب عن الطعام يا أروى ..؟ "


قلتُ بسخرية :
" وهل يهمك هذا ..؟ "


قال :
" بالتأكيد . "


قلتُ :
" آه صحيح .. يهمك ألا أموت الأن .. فبموتى لن يكون لديك زوجة فى البطاقة وبالتالى لن تستطيع ضم أبنك إلى حضانتك . "


رمقتنى مُعاذ بنظرة مُرعبة توحى بمدى غضبة وأستياءه ..!
ثم أستدار وأنصرف ..


أغلقتُ باب الغرفة وبقيتُ جالسة بالغرفة لبعض الوقت ، حتى أصابنى الملل ..
الوقت طويل ومضجر ..

ألا يوجد أى شئ هنا لقتل الوقت ..؟ ألا يوجد أى شئ ينقذنى من جحيم أفكاري ..؟

تذكرتُ المكتبة التى بالطابق الأرضى ..

رُبما أجد فيها كتابا ً شيقا ًيقتل هذا الملل ..!


أرتديتُ إحدى الملابس التى أشتراها لى مُعاذ .. والتى تمتلئ الخذانة بها .. ثم غادرتُ الغرفة وأتجهتُ إلى حيث يجلس معاذ بغرفة المعيشة يشاهد إحدى المباريات المُعادة ..!
حينما رأنى ألقى علىّ نظرة عابرة ثم عاد لينظر إلى شاشة التليفاز قائلاً بسخرية :

" أخيراً غادرتِ الغرفة ..! ظننتكِ نمتِ ثانية . "


تجاهلتُ سخريته وقلتُ :
" هل تسمح لى بالذهاب إلى غرفة المكتب ..؟ "


هنا ألتفت لينظر إلىّ بأهتمام مُتسائلا ً :
" لماذا ..؟ "


هززتُ كتفاى وقلتُ :
" رُبما أجد بها كتاباً يسلينى .. "


ابتسم وقال :
" لدى إقتراح قد يسليكِ أكثر . "


سألته بحيرة :
" وما هو ..؟ "


قال :
" ما رأيك برحلة إلى باريس ..؟ "


نظرتُ إليه بمزيج من الدهشة والحيرة وعدم التصديق ..
رحلة إلى باريس ..! يبدو لى ذلك أشبه بالأحلام ..

بل إنه يفوق أحلامى بكثير ..!


قلتُ :
" ألا يعتبر هذا تضييعاً للوقت ..؟ "


تلاشت ابتسامته تماماً وحل محلها حيرة وعدم فهم ..
ثم قال :

" أى وقت تقصدين ..؟ "


قلتُ :
" أليس من الأفضل أن تبدأ فى إجراءات الحضانة ..؟ "


ولستُ أدرى لِم شعرتُ بأن جُملتى أزعجته هكذا ..؟ !
وقال بعد فترة :

" ولِم العجلة ..؟ القضية الأن تعتبر مضمونة . "


وصمت لبرهة ثم قال :
" لكنى سأبدأ فى الأجراءات بمجرد عودتنا .. "


قلتُ مُكتئبة :
" لا أريد الذهاب إلى مكان . "


رمقنى مُعاذ بنظرة مُبهمة المعانى ثم قال :
" الجميع يتوقع أن أذهب بعروسى فى رحلة لشهر العسل .. ولا أنوى أن أخيب أملهم . "


وصمت لبرهة ثم أضاف :
" أستعدى لأننا سنسافر بعد يومين إلى باريس . "




~ ~ ~ ~ ~



اليوم ستجتمع عائلة مُعاذ للترحيب بى مجدداً ولوداعنا أيضاً ..
فسوف نسافر إلى باريس غداً بإذن الله ..

لم أكن مُتحمسة جدا ً لتلك الرحلة إلا أننى لم أملك سوى الأنصياع لرغبة مُعاذ وأكمال ذلك المسلسل السخيف الذى نؤديه لكى نظهر للجميع بمظهر الزوجان السعيدان ..!

كنتُ واقفة أمام المرآة أضبط حجابى وأضع اللمسات الأخيرة لمكياجى حينما أقبل مُعاذ مُرتدياً بذلة سوداء قاتمة زادته وسامة وجاذبية ..!


وقف مُستنداً إلى الباب وراح يتأملنى من قمة رأسى وحتى أخمص قدماى ، وبدا على وجهه الأستحسان ..
وقال :
" تبدين جميلة . "


تمتمت بخجل :
" شكراً لك . "


أخرج علبة مجوهرات صغيرة من جيب بنطاله قائلا ً :
" لا ينقصكِ سوى شيئاً بسيطاً للغاية . "


وفتح العلبة ليرينى الخاتم الألماس الرائع الذى تحويه مُتابعاً :
" أتمنى أن ينال إعجابك . "


نظرتُ إلى الخاتم بمزيج من الدهشة والأعجاب ، وقد حبستُ أنفاسى من شدة ذهولى ..
وقلتُ :

" أهذا الخاتم لى ..؟ "


ابتسم وقال :
" إنه أقل ما يمكننى تقديمه لكِ . "


وأخرج الخاتم من العلبة وأمسك بيدى وألبسنى أياه ثم قبل طرف يدى برقة وقال وهو يتأملنى مُبتسما ً :
" هكذا صار أجمل . "


غادرنا معاً الغرفة وتوجهنا إلى حيث يجلس الجميع ، فأمسك مُعاذ بيدى برقة وجعلنى أتأبط زراعه قبل أن ندخل إلي حيث يجلسون ..!
صافحنا الجميع وعادوا يرحبون بى من جديد ..

وبالرغم من أنهم جميعاً كانوا حاضرين بحفل الزفاف إلا أننى لم أتذكر الكثير منهم ..

فعاد معاذ يعرفنى عليهم من جديد ..

وأكتشفت اليوم فقط أن والدىّ معاذ متوفيان وأنه لديه شقيقة واحدة تدعى " سالى " وهى فى منتصف العشرينات على ما أعتقد .. وهى لم يسبق لها الزواج حتى الأن ..

كما أنه قدمنى إلى جميع أقاربه ثم بدأ يقدمنى إلى أصدقاءه ..

ومن بين أصدقاءه فتاة تدعى " ميار " وهذه الفتاة جميلة للغاية ، وترتدى فستاناً رائع أحمر اللونً ، ضيق وعارى الأكمام ، وتبالغ فى وضع مستحضرات التجميل لدرجة أنها تبدو كعروس فى ليلة زفافها ..!


" متى تعرفتِ إلى أخى يا أروى ؟ "

سألتنى سالى فيما كنا نجلس بالشرفة برفقة ميار ، التى راحت تنظر إلىّ بأهتمام فى أنتظار ردى ..
قلتُ :

" تعرفنا منذ فترة قصيرة .. حوالى ثلاثة أشهر . "


رفعت ميار حاجبيها وقالت مُستهجنة :
" ثلاثة أشهر فقط ..! "


وقالت سالى :
" أخبرينا يا أروى كيف تعرفتما ..؟ ومتى طلب منك مُعاذ الزواج ..؟ "


أرتبكتُ قليلا ً وقلتُ :
" أ... أأ... لقد ألتقينا بإحدى شركاته ؛ فإبى يعمل لديه بالشركة و..... لم نتبادل سوى بضع كلمات ، ثم ألتقينا مرة ثانية بالشركة أيضا ً فطلب منى الزواج وفاجأنى . "


ابتسمت سالى وهمت بقول شيئا ً ما لولا أن سبقتها ميار التى قالت باستياء واضح :
" لقد تسرعتما كثيراً .. كان الأجدر بكما ألا تتعجلا الأمور بهذا الشكل . "


نظرت سالى إليها باستنكار ورمقتها بنظرة حادة ، إلا أنها تابعت كلامها وقالت بخبث :
" أم أنه تعجل هكذا لكى يتسنى له ضم أبنه إلى حضانته ..؟ "


هذه المرة لم تكتفِ سالى بالنظر إليها أنما قالت بحدة :
" ميار ..! ما هذا الكلام ..؟ "


فقالت ميار بهدوء :
" وماذا فى هذا يا عزيزتى ..؟ جميعنا نعلم أن هذا هو الهدف من زواج مُعاذ بها . "


وأضافت بأستياء :
" الشئ الذى لا أعلمه ولا أستطيع إيجاد تفسير له هو .. لماذا هى بالذات ..؟ كان أمامه الكثيرات .. لماذا أختارها هى دوناً عنا جميعاً ..؟ "


صدمتنى صراحتها ووقاحتها ، وأحمر وجهى بشدّة من شدّة غضبى ، وكدتُ أنهض وأنصرف لولا أن شعرتُ بيد سالى تضغط على يدى بقوة وهى تقول موجهة حديثها إلى ميار :
" هذا يثبتِ أنه أحبها بالفعل ، ولذلك تزوجها هى دون سواها . "


أمتقع وجه ميار بشدّة ، ونهضت من مكانها كمن لغتها أفعى قائلة :
" هكذا أذن ..؟ "


وأضافت :
" على أى حال هذه ليست النهاية .. ومن يضحك أخيراً يضحك كثيراً ..؟ "


قالت ذلك ثم أتجهت لتغادر الشرفة بخطوات سريعة ، فرحتُ أتابعها ببصرى حتى أختفت بداخل الغرفة الكبيرة ..
ثم سمعت سالى حينئذ تقول :

" لا تبالى بها يا أروى .. لقد كانت ميار تأمل فى أن يتزوجها أخى لكنه رفضها وخيب أمالها . "


ألتفتُ لأنظر إليها فتابعت :
" صدقينى أنا أعرف أخى جيداً .. وأؤكد لكِ أن أمر حضانة أبنه لا يخطر له بال ، وأنه لم يتزوجكِ لهذا السبب . "


كدتُ أقول :
" لماذا أذن تزوجنى لو لم يكن تزوجنى من أجل حضانة أبنه ..؟ "


لكنى أبتلعتُ جُملتى وأبتلعتُ معها تلك الغصة بحلقى ، وحاولتُ أن أرسم ابتسامة على شفتى لكى أؤكد لها أننى أصدقها ، وأن كلام هذه الفتاة لم يؤثر علىّ ..
وإن كنتُ فى أعماقى أشعر بالأسى والحزن ؛ لأننى أعلم كل العلم أنه ما تزوجنى إلا لأكون طريقا ً لنيل ما يريد ..!


فى هذه اللحظة أقبل مُعاذ وأمسك بيدى ثم قال موجها ً حديثه لسالى :
" ألم تكتفيا من الحديث بعد ..؟ لقد حان وقت العشاء . "


قادنى معاذ إلى غرفة المائدة وأجلسنى بجانبه على المائدة ، وظل مُمسكا ً بيدى إلى أن أحضر الخدم العشاء ، فبدأنا فى تناول الطعام ..
رغم أننى لم أكن أشعر برغبة فى تناول أى شئ .. بل ورغم أننى كنتُ أشعر برغبة قوية فى التقيؤ .. إلا أننى لم أملك إلا أن أشاركهم وجبتهم .. بل وابتسم كلما قال أحدهم دعابة ..!

انتهينا من تناول الطعام وعدنا إلى الغرفة ثانية لنشرب العصير .. وميار لا تفتأ تضايقنى وترمينى بتعليق ساخر من حين لأخر ..!



~ ~ ~ ~ ~ ~



" أريد أن أعرف الأن بالضبط لِم تزوجتنى ؟ "

ألتفت مُعاذ لينظر إلىّ بدهشة ، فيما كنا ندلف إلى الجناح فى ذلك اليوم ..
وقال :

" ماذا ..؟ "


كررتُ بنفاذ صبر :
" أريد أن أعرف لماذا تزوجتنى ..؟ "


قال باستغراب :
" ألم نتحدث فى هذا الأمر مُسبقا ً ..؟ "


قلتُ مُنفعلة :
" نعم تحدثنا لكنى لم أقتنع بحديثك ؛ فقد كان بأمكانك أن تتزوج أى فتاة أخرى طالما غرضك هو حضانة أبنك . "


قال مُعاذ بحدة :
" فعلا ً .. كان بأمكانى أن أتزوج من أى فتاة أخرى .. وأن أخبرها بأننى ما أريد الزواج منها إلا لضم أبنى إلى حضانتى دون أن تستاء من هذا .. بل وتكون فى غاية السعادة لأننى تزوجتها . "


أستفزنى كلامه جداً ، فقلتُ بسخرية :
" طبعاً .. المال يمكن أن يشترى الكثير من صاحبات النفوس الضعيفة . "


مُعاذ نظر إلىّ بغضب وقال :
" ألن ننتهى من هذا الموضوع أبدا ً ..؟ "


قلتُ بأصرار :
" دعنى أعرف السبب أولاً ثم نغلقه بعد ذلك . "


ظل صامتا ً لفترة ثم قال :
" لقد تزوجتك لأننى أريد ضم حضانة أبنى إلى ّ . "


قلتُ مُباشرة :
" ولِم لم تتزوج أى فتاة أخرى ..؟ "


تنهد وقال :
" لقد وقع أختيارى عليكِ أنتِ يا أروى .. ولا تسألين عن السبب . "


قلتُ بحدة :
" لماذا أنا ..؟ لماذا ..؟ كان أمامك الكثير من الفتيات .. لم دمرت حياتى بهذا الشكل . "


زفر مُعاذ بضيق وقال :
" أتعتبرين الزواج منى تدميرا ً لحياتك ؟! "


قلتُ بغضب :
" بل أكثر من هذا .. إننى أتمنى الموت على أن أظل زوجتك ليوم أخر . "


أتسعت عينا مُعاذ بدهشة لم تلبث أن تحولت إلى غضب هادر ، وأقترب منى بسرعة ثم أمسك زراعى قائلا ً بأنفعال وغضب شديدين :
" فتيات كثيرات يحلمن بما أنتِ فيه الأن وأنت تتمنين الموت .. كان الأجدر بك ألا تكفى عن السجود لله لأنه أنتشلكِ من بؤسك وأرسلك إلى طريقى لتكونى سيدة هذا المكان الذى لم تكونى تحلمين بمثله . "


صحتُ به :
" إننى أتمنى العودة إلى بؤسى بدلاً من الحياة مع رجل مثلك يستغل ضعف الناس وحاجتهم ليحقق أغراضه . "


أصطكت أسنانه ببعضهما فى غضب وأغلق عينيه بقوة فى محاولة لكظم عيظه ، ثم حرر زراعى من يده وقال :
" أنتِ لا تعرفين أى شئ عنى لتحكمين على ّ بهذا .. "


قال جُملته ثم ولانى ظهره ودخل إلى غرفته صافعاً بابها خلفه بقوة أرتجت لها جدران القصر بأكمله ..
ظللتُ لفترة من الزمن أحدق فى باب الغرفة الذى أغلقه مُعاذ خلفه ، قبل أن أتجه إلى غرفتى بدورى بخطوات بطيئة ، ثم ألقى بنفسى على السرير وأجهش فى البكاء ..

كنتُ أعرف أن حياتى بهذا القصر العظيم لن تكون أقل بؤسا ً من حياتى قبل أن أدخله بقدمىّ ..

آه .. ما أتسعنى ..!



~ ~ ~ ~ ~ ~



تتبع

 
 

 

عرض البوم صور الجُودْ ؛   رد مع اقتباس
قديم 17-07-12, 04:47 AM   المشاركة رقم: 20
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو راقي

البيانات
التسجيل: Oct 2010
العضوية: 199668
المشاركات: 5,990
الجنس أنثى
معدل التقييم: الجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسيالجُودْ ؛ عضو ماسي
نقاط التقييم: 3892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الجُودْ ؛ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أم ساجد المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 







6
: : : مصادفة : : :




هبت نسمات الهواء البارده فجأة حينما فتحتُ نافذة الغرفة على مصرعيها...
استنتشقتُ الهواء العليل وتركته يعبث بخصلات شعرى ويبعثرها حول وجهى دون أن أهتم بترتيبها خاصة وقد أسرنى ذلك المشهد الخلاب لبرج إيفل من ذلك الطابق المرتفع الذى يجعلك ترى الناس والسيارات كما لو كانت بعض النقاط الصغيرة...
إنه اليوم العاشر والأخير لنا بباريس...
فى الحقيقه أستمتعتُ كثيرا ً بكل دقيقة فى اليومين الماضيين ؛ فباريس مدينة رائعة وساحرة ...
ومُعاذ يقوم بدور المرشد السياحى خير قيام ؛ فهو على ما يبدو قد زار باريس من قبل مرارا ً...
ألتفتُ لألقى نظرة على مُعاذ الذى كان يغط فى سبات عميق... وشعرتُ نحوه بشعور غريب لا أستطيع الجزم بأنه كرهاً ؛ فالأيام الماضية أثبتت لى أنه عكس ما تصورته... فهو ليس مُتعجرفاً على الأطلاق بل على العكس أحياناً كثيرة يخيل لى أنه ليس رجل الأعمال الشهير من خلال طريقة تعامله مع عمال النظافة بالفندق الذى نقيم بجناح فاخر به...
هذا غير أنه يعاملنى معاملة حسنة بالرغم من تعليقاتى الساخرة عليه من حين لأخر ..!
وهذا الأمر لن أقول أنه يسعدنى بقدر ما يثير حيرتى وجنونى .!
أطلقتُ تنهيدة حارة وعدتُ أتطلع من النافذة بضجر...
لِم لا أقوم بجوله فى الأحياء القريبة من هنا حتى يستقيظ مُعاذ ..؟ فهو لا يبد لى عازماً على الاستيقاظ قبل الرابعة عصراً خاصة وأنه ظل ساهراً طوال الليل لكى يدير أعماله من خلال الحاسب الألى الخاص به...
أم أنه لابد أن أستأذن من مُعاذ بصفته زوجى قبل مُغادرتى للجناح ..؟
ضحكتُ من الفكرة على الرغم من منطقيتها... وأقنعتُ نفسى بأنه لن يغضب لو خرجت دون أذنه بل ورُبما يضحك منى هو الأخر إذا ما أيقظته لأستأذن منه ؛ لأننى أخذ أمر زواجنا بجديه بينما هو فى الحقيقه ليس زواجا ً بالأمر المعروف ..!
أرتديتُ ملابسى وأنتعلتُ حذائى ثم حملتُ حقيبتى وغادرتُ الفندق...
كانت هذه هى أول مرة أغادر فيها الفندق وحدى منذ أتيتُ إلى هنا ، لكنى وعلى الرغم من هذا لم أشعر بالخوف أو القلق من نسيان الطريق خاصة وأنا لا أتحدث باللغة الفرنسية ولن أستطيع السؤال عن مكان الفندق ..!
بقيتُ لبعض الوقت أتجول فى المناطق المحيطة بالفندق بلا هدف... فقط أتأمل البنايات والمتاجر والطرق ، حتى توقفتُ أمام إحدى محلات القهوة وشعرتُ برغبة شديدة فى تناول فنجان قهوة...
تذكرتُ ذلك المبلغ الذى أستبدله مُعاذ بالعمله الفرنسية بمجرد وصولنا إلى باريس والذى أعطانى جزءاً كبيراً منه...
ففتحتُ حقيبتى وأخرجتُ منها حافظة النقود ونظرتُ إلى الأوراق المالية التى تزخر بها ، ثم عدتُ لأنظر إلى المتجر بتردد ؛ فأنا لا أعرف إلا بعض الكلمات القليلة جداً بالفرنسية ، ولستُ أتوقع أن يكون هناك من يعرف التحدث بالعربية...
تنهدتُ بأسف وأعدتُ حافظة النقود إلى الحقيبة ثم أستدرتُ لأغادر المكان وأنا أغلق حقيبتى...
ورأيتُ فى هذه اللحظة رجلاً كان يقف على بُعد أمتار قليلة منى ويراقبنى بعينين مُتفحصتين ..!
أرتبكتُ قليلا ً من جراء نظراته المُتفحصة فتوقفتُ بمكانى وتأملته للحظة قصيرة ثم أشحتُ بنظراتى عنه ومضيتُ فى طريقى ، وإن ظلت صورته عالقه بعقلى وأبت أن تفارقنى...
كان طويل القامة ، عريض المنكبين ، عيناه زرقاوتان فاتحتان ، وأنفه مُستقيم وحاد ، وفمه عريض ، أما بشرته فبدا أن الشمس قد لوحتها من كثرة تعرضه لها ، فأكسبتها سمره خفيفه مشوبة ببعض الحمرة ، وشعره الأسود الناعم تتبعثر خصلاته حول وجهه بفعل نسمات الهواء...
وكان يرتدى سروالا ًمن الجينز الباهت وقميص فى لون عينيه أبرز عضلاته المفتولة...
بأختصار... كان شديد الوسامة والجاذبيه ..!
فى هذه اللحظة سمعتُ صوت رجولى يتحدث بالفرنسية ويأتى من خلفى مُباشرة ، فأستدرتُ لأنظر إلى صاحبه ، وإذا بى أحدق للمرة الثانية بنفس العينان الزرقاوتان ..!
نظرتُ له بدهشة تمتزج بالحيرة ، وأردتُ أن أسأله عن سبب استوقافه لى ، لكنى بطبيعة الحال لم أتكلم لجهلى بالفرنسيه...
وحينئذ وجدته يمد لى يده بعلبة مجوهرات صغيرة قائلاً جُملة ما بالفرنسية لم أفهمها...
استدركتُ الأمر بسرعه ومددتُ يدى لألتقط علبة الخاتم الألماس التى أهدانى أياها مُعاذ ، والتى على ما يبدو أنها سقطت من حقيبتى أثناء إخراجى لحافظة النقود...
ابتسمت له بأمتنان وشكرته بالفرنسيه ، فإذا به يبتسم بدوره ثم يقول بالعربية :
" العفو يا أنسة . "


تعجبتُ كثيرا ً ورفعتُ حاجباى وأنا أتأمل ذلك الشاب بمزيج من الدهشة والحيرة...
ثم سألته فى شك :
" أأنت عربى ..؟ "


قال :
" نعم... مصرى . "


وأضاف :
" وأنتِ أيضا ً مصرية... أليس كذلك ..؟ "


أومأتُ برأسى إيجابا ً ، فإذا به يقول :
" فى البداية ظننتكِ فرنسية فملامحكِ تشبه إلى حد كبير ملامح الفرنسيات... لكنك حينما تحدثتِ فقد عرفت على الفور أنكِ عربية من لكنتكِ . "


ابتسمت بخجل وقلتُ :
" فى الحقيقه أنا لا أتحدث الفرنسية... لا أعرف منها سوى بضع كلمات قليلة للغايه . "


أنتبهتُ إلى العلبة التى كنتُ لازلتُ أمسكها ، فوضعتها بحقيبة يدى ، ثم عدتُ أنظر إليه من جديد...


قال :
" أهذه هى أول مره تزورين فيها باريس ؟ "


أومأتُ برأسى إيجابا ً فقال :
" أنصحك أذن بتناول فنجان قهوة من هذا المتجر ؛ فهو يقدم قهوة رائعة . "


قلتُ :
" كنتُ سأفعل ذلك لولا أننى لا أجيد الفرنسية . "


أتسعت ابتسامة الشاب وهو يقول :
" لاحظت ذلك . "


تعجبتُ من جُملته... أيعنى هذا أنه كان يراقبنى طوال فترة وقوفى أمام المقهى ..؟!


كدتُ أشكره مرة ثانية وأمضى فى طريقى ، لولا أنه قال :
" على أى حال أنا أجيد التحدث بالفرنسية وبأمكانى مساعدتكِ لو أردتِ . "


هممتُ بالأعتراض لولا أنه سبقنى قائلا ً:
" لا تخافى لن أتقاضى أجراً على هذا . "

وأضاف بلطف حينما لاحظ ترددي :
" رجاءً لا ترفضى... إننى أتوق للتحدث إلى أحداً بهذه البلاد . "


ترددتُ قليلاً ثم حسمتُ أمرى ووافقتُ...
ابتهج الشاب كثيراً وقادنى إلى مقعدين مُتقابلين تفصلهما منضدة صغيرة بالمقهى ، فجلسنا عليهما ثم تولى هو التحدث إلى النادل...
وحينما ذهب النادل ليحضر الطلبات ألتفت الشاب إلى وابتسم قائلا ً:
" نحن لم نتعارف حتى الأن . "


وأضاف :
" اسمى محمود . "


ترددتُ قليلا ً... ثم قلتُ :
" وأنا أروى . "


قال محمود بصدق :
" أنا سعيد للغاية بمقابلتكِ يا أروى... "




" وأنا أيضا ً. "


فى هذه اللحظة أحضر النادل القهوة ثم أنصرف ، فأمسكتُ بفنجان القهوه الخاص بى وأرتشفت القليل منه...

" هل أعجبك ..؟ "

سألنى فقلتُ :
" أعجبنى جدا ً . "

ورفعتُ الفنجان من جديد لأرتشف منه...

" ماذا تفعلين هنا بباريس ..؟ "

أعدتُ الفنجان إلى المنضدة وقلتُ :
" لا شئ... فقط أتنزه فى الطرقات بحثاً عن أى شئ لقتل الملل . "

قال :
" أذن فأنتِ تقضين عطلتكِ هنا ..؟ "

" شئ مثل هذا . "

وأضفتُ بعد برهة :
" ماذا عنك ..؟ "

تنهد وقال :
" أنا فى رحلة عمل . "

رفعتُ حاجباى بدهشة وقلتُ :
" أتعمل هنا ..؟ "

أجاب :
" كلا... أننى فقط أستورد بعض السلع من هنا ومن ثم أعود إلى مصر... "

" نعم... فهمت الأن . "

قلتُ ذلك وأمسكتُ بفنجان القهوة وعدتُ أرتشف منه...
وحينما أعدته إلى مكانه على المنضدة ، وجدت محمود يحدق بيدى اليسرى ، أو بالأدق إلى دبلة الزواج التى أرتديها بأصبعى البنصر...

" متزوجه ..؟ "

تنهدتُ وقلتُ : " نعم . "

فقال :
" تبدين صغيرة... كم عمرك ..؟ "

" إننى فى الثامنة عشر . "

هز كتفيه وقال :
" أنتِ صغيرة جداً... ما كان يجب أن تتزوجى فى هذا العمر . "

ضحكتُ بسخرية وقلتُ :
" لم يكن لدى رأى فى هذا . "

عقد حاجبيه بشدة ودقق النظر إلىّ ثم قال :
" أرغموكى على الزواج منه ..؟ "

قلتُ :
" بل تزوجته بمحض أرادتى . "

وأضفتُ ضاحكة بتهكم :
" وأنا بكامل قواى العقليه . "

ظل صامتا ً لفترة ثم سألنى :
" تبدين غير سعيدة فى حياتك الزوجية . "

نظرتُ إلى السقف وقلتُ :
" السعادة أبعد ما يكون عن حياتى . "

قال :
" هل يزعجكِ لو قلتُ لك أننى لاحظت هذا بمجرد أن وقع بصرى عليكِ ..؟ "

عدتُ أنظر إليه بأمعان ثم قلتُ ضاحكة :
" هل تعلم أنك تصلح أن تكون طبيباً نفسياً ..؟ "

رأيتُ ابتسامة خفيفة على زواية فمه قبل أن يقول :
" وهل تعلمين أنتِ أننى طبيب نفسي بالفعل ..؟ "


قلتُ :
" لكنك قلتُ أنك تستورد بعض السلع من هنا . "

أومأ برأسه إيجابا ً وقال :
" نعم... أستورد الأجهزة الطبية... فوالدى – رحمه الله - كان أكبر مستورد أجهزة طبية فى الشرق الأوسط بأكمله . "

وصمت لبرهة ثم أضاف :
" وكان علىّ أما أن أصير طبيباً كما كنتُ أحلم... أو أكمل تجارة أبى . "

قلتُ :
" وطبعا ً أكملتُ تجارة والدك . "

أومأ برأسه إيجابا ً ثم قال :
" نعم . "

قلتُ :
" لكن الطبيب النفسى لازال كامنا ً بداخلك... ينتظر فقط أن تستفزه حالة مرضية لكى يعلن عن نفسه . "

أتسعت ابتسامته ثم قال :
" أنتِ أيضا ً تصلحين لأن تكونى طبيبة نفسية . "

تنهدتُ وقلتُ :
" لا... حلمى أصغر من هذا بكثير... فأنا طالما حلمت بأن أكون محاميه أدافع عن حقوق الناس . "

قال :
" وهل أخذت خطوة إيجابيه فى سبيل تحقيق هذا الحلم ..؟ "

قلتُ :
" كلا للأسف... الظروف أحيانا ً ترغم الناس على التخلى عن أحلامهم... "

وأضفتُ :
" الأهم فالمهم . "

ظل محمود يتأملنى لفترة ، قبل أن يميل نحوى قليلاً مُرتكزاً بمرفقيه على المنضده ، ثم يقول :
" أنتِ من عائلة بسيطة يا أروى... أليس كذلك ..؟ "

أومأتُ برأسى إيجاباً فتابع :
" لكن زوجكِ ثرى على ما أظن... فهذا واضح من ثيابك وقضاءك للعطلة بباريس طبعا ً. "

رفعتُ يدى إلى العقد الذى أرتديه ورحتُ ألفه حول أصبعى ، ثم قلتُ :
" نعم... استنتاج موفق . "

أسبلت جفوني قليلاً وخفضت بصري فوقعت نظراتى على فنجان القهوة...
تحسسته بيدى ثم قلتُ :
" صار بارداً... "

قال :
" سأطلب لكِ فنجاناً أخر . "

قلتُ :
" لا داعى... لابد أن أنصرف الأن . "

وأبعدتُ يدى عن العقد فأنفرطت حباته وسقطت على الأرض...
هم محمود بجمع حبات العقد لكنى أثنيته عن ذلك قائله :
" لا داعى لهذا... أتركه... إنه عقد رخيص على أى حال . "

ونهضتُ من مكانى حاملة حقيبتى...

" هل سأراكِ مرة ثانيه ..؟ "

قلتُ :
" لا أظن . "

وغادرتُ المقهى بسرعة قبل أن أسمح له بقول المزيد ، وأتجهتُ إلى الفندق...
كان مُعاذ يتحدث إلى موظف الأستقبال ، وحينما رأنى أتجه نحوى قائلا ً :
" أين كنتِ يا أروى ..؟ بحثتُ عنك كثيرا ً ولم أجدك . "

قلتُ :
" كنتُ أسير قليلا ً فى الجوار . "

رمقنى مُعاذ بنظرة مُستاءة ثم قال :
" ألم يكن من الأفضل أن تخبرينى بهذا قبل ذهابك لكى لا أقلق عليكِ ..؟ "

قلتُ :
" كنت نائما ً فلم أشأ إزعاجك . "

صمت لبرهة ثم قال :
" رجاءً لا تكررى هذا مرة ثانية يا أروى . "

فتحتُ فمى وهممتُ بالرد عليه ، لولا أن رأيت ذلك الشخص الطويل القامة ، صاحب العينين الزرقاوتين يدلف إلى الفندق ويتوجه نحو الأستقبال ..!
تفاجأتُ وأرتبكتُ فى آن واحد... وأبتلعتُ جُملتى دفعة واحدة ..!

" أروى... ماذا دهاكِ ؟ "

عدتُ أنظر إلى مُعاذ ثم قلتُ :
" لا شئ... "

وأضفتُ :
" لن أكرر هذا مرة ثانية . "





~ ~ ~ ~ ~




تتبـــع




 
 

 

عرض البوم صور الجُودْ ؛   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
من وحي الاعضاء, ام ساجد, انت ملكي وحدي
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 05:34 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية