2
: : : أصعب قـرار : : :
كعادتى فى صباح كل يوم أغادر منزلى لأحاول بيع الأشياء الذى أشتراها لى أبى من أجل الزواج ... وكعادة البائعين استغلوا حاجتى للنقود وأرادوا شراء الأغراض بثمن ٍ بخس لم يكن ليسهم بنسبة واحد فى المائة فى الأربعة آلاف المُتبقية ..!
تعبت من كثرة السير على قدمى وشعرت بتهالك شديد ...
توقفت على جانب الطريق وأزحتُ عن جبينى زخات العرق ورفعت بصرى إلى السماء التى أسدلت ستائرها بعد مغيب الشمس ...
ها قد انتهى اليوم أيضاً ولم أبع شيئاً ...
أصابنى اليأس أخيراً وقررت العودة إلى منزلى ونيل قسط من الراحة ... وعدت إلى منزلى أجر أذيال الخيبة ككل ليلة ...وأذرف دموع الذل والهوان ...
لاحظتُ قبل دخولى إلى المنزل تلك السيارة الفارهة التى لم أر ِ مثلها تقف فى هذا الحى الفقير ، الذى لا يمتلك سكانها سوى قوت يومهم ... هذا لو أمتلكوه ..!
برغم ما كنتُ فيه أثار هذا الأمر أنتباهى ودهشتى ، إلا أننى لم ألبث أن أبعدت هذا الأمر عن رأسى وأنا أدخل إلى البناية ذات الطابقين التى أقيم فيها ...
وحين وصلتُ إلى شقتى أستقبلتنى أمى قائله :
" هل جئتِ أخيراً يا أروى ..؟ مُعاذ بك ينتظرك منذ أكثر من نصف ساعة . "
سألتها بحيرة :
" مُعاذ بك من ..؟! "
قالت :
" صاحب الشركة التى يعمل بها والدكِ . "
تعجبتُ ... لا لم أتعجب فقط ... لقد صُعقت ..!
توجهتُ إلى غرفة الجلوس حيث يجلس مُعاذ بك على إحدى المقاعد القديمة البالية ، وكان يرتدى حلة أنيقه لم أجدها مُناسبة للغرفة ذات الجدران المُتشققه التى يجلس بها ..!
" مساء الخير . "
ألقيتُ عليه التحيه فأجاب تحيتى بصوته الرخيم الهادئ ، ثم قال بطريقته المُتعالية :
" أنتظرتكِ طويلاً ... أين كنتِ حتى هذا الوقت المُتأخر ؟ "
ضايقنى سؤاله واستفزنى كثيراً .. فقلتُ له :
" لو كنتُ أعلم أنك قادم لكنتُ عدتُ باكراً ... لكنك أتيت دون موعدا ً... "
وأتممتُ جُملتى :
" تماماً كـ الموت . "
رفع مُعاذ بك حاجبيه فى دهشة كبيرة ، بينما قالت أمى تعاتبنى :
" ما هذا الكلام يا أروى ..؟ "
ونظرت إلى مُعاذ قائلة :
" لا تأخذ على كلامها ... إنها متوتره بسبب ما أصاب والدها فقط . "
وأضافت :
" لقد كانت أروى تحاول بيع بعض الأغراض لكى تتمكن من الحصول على الأربعة آلاف المُتبقية . "
هز رأسه مُتفهماً ثم قال موجهاً حديثه إلىّ :
" وهل تمكنتِ من الحصول عليهم ..؟ "
أجبته مُحنقة :
" ليس بعد ... لكنى سأحصل عليهم قريبا ًبإذن الله . "
قال :
" أرجو أن يكون ذلك فى خلال يومين فقط ؛ لأنه بعد ذلك سيكون الأفراج عن والدكِ أمراً صعب للغاية . "
وأضاف :
" بعد يومين سيتم عرض والدكِ على النيابة العامة ... ومنها إلى المحكمة بالطبع ليتم الحكم عليه ..."
وصمت لبرهة ثم أضاف :
" وحينئذ يكون من الصعب أن يخرج من السجن حتى بعد دفع المبلغ . "
تبادلتُ أنا وأمى النظرات وهممتُ بقول شيئاً ما إلا إنه سبقنى قائلاً :
" إلا إذا تم دفع المبلغ قبل يومين ... أو إذا ...... "
ظل صامتاً لفترة من الزمن ، وراح ينقل بصره بينى وبين أمى قبل أن يتم جملته قائلاً :
" أو إذا تنازلتُ أنا عن المحضر . "
ران صمتُ ثقيل على الغرفة لدقائق ، قبل أن يقطعه مُعاذ قائلا ً:
" ما رأيكما ..؟ "
قلتُ :
" سأحاول بقدر الأمكان الحصول على الأربعة آلاف المُتبقية فى خلال يومين . "
هز كتفيه قائلا ً:
" وماذا لو لم تتمكنى من الحصول عليه ..؟ "
قلتُ بأسى شديد :
" ستكون هذه هى إرادة الله . "
قال :
" تعنين أنكِ ستتركين والدك يُسجن ..؟ "
قلتُ بقلة حيلة :
" وهل أملك حلاً أخر ؟"
ظل صامتاً للحظه قبل أن يقول :
"بلى . . هناك حلاً أخر . "
سألته وقد بلغت حيرتى ذروتها :
" وما هو ..؟ "
أجاب ببساطة شديدة :
" أن أتنازل عن المحضر . "
لم أصدق نفسى وقلتُ بتردد :
" وهل ... ستتنازل عن المحضر ..؟ "
قال :
" نعم ولكن بشرط . "
سألته :
" وما هو ..؟ "
ظل صامتاً هذه المرّة لفترة تجازوت الدقائق الخمس ... قبل أن ينقل بصره بينى وبين أمى ... ويأخذ نفساً عميقاً ثم يقول :
" أن تقبلى الزواج منى . "
~ ~ ~ ~
لفترة من الزمن ظللتُ أحدق بوجهه فى دهشة قد تصل إلى حد الذهول ... قبل أن نتبادل أنا وأمى النظرات فى الوقت ذاته ... دون أن تقوى إحدانا على النطق بكلمة ..!
عدت أنظر إليه مجدداً بحيرة شديدة ... أليس هذا الرجل هو الذى رفض أن يخرج أبى من السجن بل وطردنى من قصره ؟
إنه أمرا ً من أثنين ... أما أنه يمزح معى وهذا أمراً مُستبعد ..
وأما أنه يهذى وهذا أمراً مُستبعد أيضاً...
قال :
" ما رأيكما ؟ "
أنتزعنى صوته من أفكارى بغتة ، وحين نظرتُ إليه وجدته ينظر لى وينتظر إجابتى التى تعثرت فى حلقى وأبت أن تخرج من بين شفتىّ ..!
أجابته أمى :
" وهل هذا كلام يعقل ..؟ "
قال ببساطة :
" ولِم لا ..؟ "
استطعت أن أنطق أخيراً :
" لماذا أنا بالذات ..؟ أقصد أننى ... وأنت.... "
قاطعنى قائلا ً :
" هذا لا يعنينى فى شئ . "
قلتُ :
" رُبما لا يعنيك أنت فى شئ لكنه سيعنى الكثير لكل من حولك ؛ فأنا لستُ سوى أبنة أمين الخذانة المُختلــ..... "
قاطعنى قائلا ً للمرّة الثانية :
" قلتُ أن هذا لا يعنينى . "
واستطرد بسرعة :
" أريد رداً سريعاً إذا سمحتِ . "
ظللتُ صامتة لفترة من الزمن ، لا أدرى ماذا أقول له ..؟
لقد أخبرته فى المرّة السابقه أننى مخطوبه لشخص ما ... ألا يعنى له هذا شيئاً ..؟
أيظن أننى سألقى بكل شئ خلفى حينما يتكرم ويتعطف ويطلب منى الزواج ..؟!
قاطع صوته أفكارى وهو يقول فى ضجر :
" هل يحتاج الأمر لكل هذا التفكير ..؟ "
هززتُ رأسى نافيه وأنا أقول :
" كلا ... الأمر لا يحتاج أى تفكير. "
وأضفتُ :
" لا أنكر أنه عرض كريم منك أن تطلبنى للزواج ... لكن .... أنا فعلاً أسفة ... لقد أخبرتك مُسبقا ً أننى مخطوبه لشخص ما و..... "
قاطعنى حين قال بهدوء أدهشنى :
" أفهم من هذا أنك ِ ترفضيننى ..؟ "
أومأتُ برأسى إيجابا ً ثم قلتُ بسخرية :
" طبعاً ردى هذا لم يكن ليخطر ببالك أبدا ً . "
قال بسخرية مُماثلة :
" بل لقد كنتُ أتوقع هذا بالفعل ... فأنا واثقا ً من أنكِ لا تعرفين أين مصلحتكِ ... "
وأضاف بهدوء :
" ولا تدرين أياً منا سيضمن لكِ حياة كريمة ... أنا أم ذلك المعلم التافه ..؟ "
على الرغم من دهشتى بمعرفته مهنة خطيبى ، إلا أننى أنتزعتُ نفسى من دهشتى وقلتُ له بحدة :
" شكراً على نصحيتكَ الغالية لكنى لا أفكر بالأرقام والحسابات كما تفكر أنت ... إننى أحب خطيبى وسأكون سعيدة معه للغاية . "
يبدو أننى أستطعتُ أن أشعل فتيل غضه أخيراً... فقد رمقنى بنظرة طويلة غاضبة قبل أن يقول بهدوء نسبى :
" قبل أن تجيبى علىّ فكرى جيدا ً فى الأمر ..... وفى مصير والدكِ . "
قلت غاضبة :
" هل تهددنى ..؟ "
فقال مُبتسماً :
" هل يوجد بجُملتى ما يوحى بهذا ..؟ "
وصمت لبرهة ثم قال :
" أسمعى يا أروى ... أنا لن أعتبر هذا ردكِ الأخير و ..... "
قاطعته قائلة بحدة :
" بل إن هذا هو ردى الأخير ... ولا تأمل فى أن أغير رأيى هذا ولو بعد مائة عام ؛ فأنا مخطوبة لشخص أخر وسأتزوجه حينما يخرج أبى من السجن . "
قال :
" هذا لو خرج من السجن . "
ووقف قائلا ً :
" سأمهلكِ يومين للتفكير .... "
ثم ولانى ظهره وغادر الشقة بخطوات واسعة وسريعة ....
وتلا هذا صمتُ تام ....
بقيتُ متسمره فى مكانى وكأننى تمثالاً من رخام ... حتى نظراتى ظلت مُثبته على الباب الذى عبره مُعاذ منذ لحظات دون أن تقوى على الأشاحة عنه ..!
ولم تكن حالة أمى أفضل من حالتى بأى شكل من الأشكال ..!
كانت هى الأخرى مصدومة ولا تدرى ماذا تقول ..؟
فكرت فى عرضه هذا كثيراً بعدما أنصرف مُعاذ ؛ فلقد فشلت كل محاولاتى فى جمع الأربعة آلاف المُتبقية ، ولا أظن أننى سأتمكن من الحصول على رُبعها فى يومين ..!
لكن لا .... لن أقبل الزواج من ذلك المُتعجرف ... هذا غير أننى مخطوبة وأحب خطيبى ...
لكن ......
ماذا عن أبى ..؟ هل أتركه يسجن ..؟
هل يكون بيدى إخراجه من السجن وأرفض هذا ..؟
هل أستطيع أن أفعل هذا ..؟
~ ~ ~ ~
تتبـــع